قصة آدم عليه السلام
هذه القصة لها من المقومات التي تجعل كل مسلم حق يتوقف عندها بالتدبر والتأمل وأخذ العبرة والإتّباع وإلى غير ذلك, لكن في الحقيقة يجب أن نقرأ القرآن بنظرة تدبرية أكثر مما نظن. عندما نريد أن نبدأ قصة آدم r لا نقول نبدأ من قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)) ولكن هناك آيتان قبلها يوضح الله تعالى كُنه الحق في الخلق (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)) هذه الآيات تتكلم عن الخلق. عندما تسمع كلمة (كيف) هي في اللغة للسؤال عن الحال لكن هل يسأل الله تعالى عن الحال؟! لا يمكن لأنه هو سبحانه وتعالى أعلم فلا بد أن لها هنا وقع. الذي يسأل الله تعالى (استفهام للتعجب) كيف يحدث هذا؟ الكفر بالله يستحيل مع تدبر الخلق. كيف يكفر إنسان بالله تعالى وهو يرى بعيني رأسه الموت؟! لما تتدبر الآيات (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم) أمواتاً قبل الخلق. في الآية موتان وحياتان (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) غافر): الموتة الأولى قبل خلق آدم ومعه الذريه (عالم الذرّ للذرية من ظهر آدم) وآدم ليس في عالم الذر لأنه خُلِق من تراب + ماء – طين – صلصال – حمأ مسنون – فخار – روح. ونحن هنا نصحح ما نسمعه ولا يليق: يقولون أننا خلقنا من عدم وهذا خطأ نحن خُلِقنا من تراب فيكف يقال من عدم؟ مرحلة العدم لا تجوز في وجود الحق تبارك وتعالى. العدك كمة يقصدون بها الموتة الأولى (كنتم أمواتاً) تراب لا حياة فيه لأننا من تراب “كلكم لآدم وآدم من تراب” الفترة لا تكون عدماً. هناك خطأين: أننا مخلوقين من عدم ونحن من تراب ومرحلة العدم غير منطقية في وجود الإله الحق. الله تعالى أزلي. أهل اليمن عندما ذهبوا إلى الرسول r في أدبهم قالوا يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين ونسألك عن أول هذا الأمر (أي نريد أن نعرف كيف تم الخلق؟ وكيف بدأت الحياة؟) الرسول r نهانا عن جزئية أن يطلق الإنسان العنان لنفسه فيسأل نفسه الله خلق كذا وكذا وكذا وكذا فمن خلق الله؟ قل حاشا لله. وهنا أسأل هل الله موجود؟ هذه كلمة يجب أن تُحذف من القاموس ويجب أن نقول الله واجب الوجود. لو قلت موجود سيكون هناك من أوجده وهذا الذي جعل إبراهيم u يقول لا أحب الآفلين لأن الإله لو تغيّر فله مُغيّر وهذا المُغيّر أولى بالعبادة. الله تبارك وتعالى واجب الوجود. قال الرسول r في جوابه على سؤال أهل اليمن: كان الله ولم يكن قبله شيء وكان عرشه على الماء. أي إجعل بداية تفكيرك الله تعالى. العدم مرحلة لا نفكر فيها لأنها ليست موجودة وغير منطقية. آدم لم يُخلق من عدم وإنما من تراب إذن من شيء موجود. الله تعالى حدد (إني خالق بشراً من طين) مع وجود الله تبارك وتعالى كل شيء ممكن. عندما يقول تعالى (إني خالق بشراً من طين) لم يقل من عدم فعلينا أن لا نعطي فرصة لأفكارنا أن تذهب في مكان غير صحيح.
الموتتان (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً) كنتم تعني موجودين، وكنتم أمواتاً (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) (له) تفيد أن الشيء موجود أنت لا تراه هذا أمر آخر. الأشياء عند الله تعالى أزلية. طفل كان يناقش أحد الفلاسفة والفيلسوف يقول ربنا غير موجود فيقول أنا أرى المنضدة فهي موجودة وأرى الكرسي فهي موجودة فأين الله؟ فقال الطفل: أين عقلك؟ لو قال الفيلسوف غير موجود يكون مجنوناً، وأين روحك؟ يُستدل على الشيء بأثره لا بروايته.
الموت مخلوق قبل الحياة لتربص بكل حيّ حتى تتحقق الموتة الثانية (ثم يميتكم) البديع في أمر الإله الحق أنه خلق الموت وجعله يتربص بكل مخلوق حيّ حتى النبات والحيوان. الله تعالى حينما خلق كتب الفناء على جميع خلقه وأوجب الوجود لعظمة ذاته. ولو تدبرت القرآن لوجدت هذا المعنى (كل من عليها فان) وأوجب الوجود لعظمة ذاته (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)، كتب الموت على جميع البشر (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) وأردف (ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة). كلما كتب فرع الموت على مخلوق أوجب الوجود فوراً لعظمة ذاته: (كل شيء هالك إلا وجهه) كلما تسمع موت أو فناء أو هلاك إلا ويأتي بعدها ما يوجب الوجود لعظمة ذاته.
علاقة هذا بخلق آدم لأنه سيبدأ الخلق. هذه الآية واجبة الذكر (أحياكم) بخلق آدم (إني جاعل في الأرض خليفة). وقبل أن خلق تعالى آدم أعدّ الأرض لإستقباله (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)) خلق الله تعالى قبل آدم أرضاً تُقِلّ وسماء تُظِلّ إستعداداً لإستقباله. القضية في خلق آدم u (وإذ قال ربك للملائكة) أي أُذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة كأنها من قصص القرآن التي يسمعها الرسول r وحياً ولنا فيها العِبرة والأسوة يجب أن نقرأها لنفيد منها وبها.
عندما أقرأ القرآن لماذا قال تعالى للملائكة والجن كان موجوداً قبل آدم (والجان خلقناه من قبل من نار السموم)، لماذا الملائكة؟
لأن الملائكة سيكون لها مع الإنسانشؤون فمنهم المدبرات أمراً ومنهم الحفظة ومنهم أمين وحي السماء إلى الأرض ومعه التشريفة وملك الموت. الملائكة لها مع الإنسان شأن لذا كان الكلام من الله تعالى للملائكة خصوصاً لأنهم سيتعاملون مع الإنسان. يعض الناس يقول الولى تعالى إستشار الملائكة وهذا كلام عيب في حق المسلم الحق لأنه يجب أن يتمسك بالنص القرآني بصحيح التفسير.
(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة): آدم خُلِق للأرض وهذا أول إخبار عنه أنه في الأرض والجنة في الأرض لأنها لو كانت جنة الخلد ما خرج منها. كلمة خليفة: الآية تقول بوضوح (خليفة) هل هو آدم أو آدم وذريته؟ يجب أن نفهم أنه آدم والذرية. كلمة خليفة أسأل الله تعالى أن يرحم علماءنا الذين وقفوا على معاني الكلمات. خليفة لمن؟ يقال فيها كلمة كلمة ما يجب أن تُقال وهي “خليفة الله”. إذا عرّفنا الخليفة لغة: قال الرازي: من يخلف غيره ويقوم مقامه بعد موته أو غيابه أو سفره أو إنتقاله من مكان لآخر وهذا لا يتحقق مع الله تعالى. كلما سمعت رب العالمين يحب أن تقول (ليس كمثله شيء). بعض الدعاة قال آدم خليفة الله كما أن أبو بكر خليفة الرسول r. هذا لا ينفع ويجب إعادة النظر فيه من المسلمين.
خليفة: تعني خليفة على رأس ذرية يخلف بعضها بعضاً ورحم الله تعالى الدكتور عبد الجليل عيسى عندما عرّف الكلمة خليفة (أي قوماً يخلف بعضهم بعضاً) لا يجوز أن يكون لله خليفة وهذا مستحيل. قال تعالى (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) خلائف أي يخلف بعضهم بعضاً. عندما قال الرازي عرّفوا الخليفة عرّفها من اللسان لإبن منظور وغيره ولا يجوز أن تطلق شيئاً على البشر وتطلقه على الله تعالى.
إذا أعربنا كلمة خليفة فهي مفعول به لإسم الفاعل الله. لم يقل الله تعالى خليفة لي. الخطأ الشائع يستقر في الأذهان. من قال خليفة لله؟ مفسّر واحد قالها والكل تبعه لكن أهل اللغة قالوا خليفة بمعنى ماذا؟ هل يخلف الجن الذين كانوا على الأرض قبله؟ قد نوافق عليه لكن أن يكون خليفة الله هذا لا يجوز لأنه تعالى (ليس كمثله شيء). الخليفة نتيجة عدم الهيمنة على كل الأمور. المهيمن هل يحتاج إلى خليفة؟! كلا. نأخذ النص القرآني كما هو. الشنقيطي فسّر القرآن بالقرآن واستخدم العديد من الآيات في تفسير هذه الآية. عندما يُنجب أحدهم مولوداً يقال (خلّف) في لغتنا، هذا في حق البشر لكن في حق الله تعالى فهي مستحيلة.
(قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ): أقرب خلق يعرف كُنه الإله الحق هم الملائكة. هل خليفة الله يُفسد؟ هل إذا فهمت الملائكة هذا المعنى هل تسأل الله تعالى هذا السؤال؟ (واستخلفكم) (مستخلفين) من قِبَل الله تعالى لكم يخلف بعضكم بعضاً. الذي لا يخلّف يقال له أبتر لأنه لا يُنجب ولأن الذرية انقطعت عنده فليس له خليفة.
(قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ): هل خليفة الله بالمعنى الذي يقال يُفسد؟ ما قالت الملائكة هذا إلا لأنها فهمت أن خليفة تعني يخلف بعضهم بعضاً. يستحيل أن المولى تعالى يكون مثلنا وعندما نسمع كلمة الله يجب أن نفهم أنه (ليس كمثله شيء). إذا دخلت مسجداً تجد على الجدران مكتوب: الله، محمد، أبو بكر، عمر، عثمان، هذا لا ينفع ولا يليق والله تعالى لا يوضع على قدم المساواة مع البشر. ومحمد r ما رضي بذلك. محمد r ليس كأحد الناس وليس كأبي بكر وإنما هو بشر يوحى إليه فهو في منزلة خاصة أعلى من البشر وهنا يجب أن نرسم الحدود. الله تعالى ليس كمثله شيء ومحمد r (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ).
من أين علمت الملائكة أن الخليفة سيفسد؟
بخبرتهم من الجنّ الذين كانوا على الأرض وأفسدوا في الأرض. والثابت أن هناك حرب بين الملائكة والجن طردت الملائكة الجن إلى جزائر البحور هذه إحدى الرواياتلكن الأهم ما دار في تفكير الملائكة أنهم كانوا يعتقدون أنهم أحسن الخلق (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) وهذه قضية تشير أنه يجب أن لا يغترّ المسلم الحق بإيمانه. عندما أخبر الله تعالى الملائكة بأنه سيخلق آدم قالوا مهما خلق الله تعالى من خلق فنحن أكرم الخلق فقال تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون). الله تعالى له الأمر وما قضى به يجب أن يكون نهائياً لا يناقش ولا يجادل. ولذلك لما عرض الأسماء عليهم الأسماء حصل لهم إفاقة ورجعوا إلى الحق. بعض العلماء أحسن إذ قال (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) هذه توبة إنابة. كلامهم يعني أنهم أولى بهذه الأرض لكن الله تعالى له شؤون في خلقه. وهنا يجب أن نفهم كنه الملائكة هم لا يستطيعون المعصية ولا يعرفون كيف يعصون أصلاً. لكن أيهما أفضل عند الله تعالى؟ المؤمن أو الملائكة؟ المؤمن لأنه مخيّر بين المعصية والطاعة لكنه خوفاً من الله تعالى وطاعة له لا يعصي وهذا سر قوله تعالى (كيف تكفرون بالله) (وإذ قال ربك) عرض تعالى في إبداع معجز للمتقين والمنافقين والكافرين قبل أن يخلق آدم في مطلع سورة البقرة (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) ذكر تعالى أوصاف المتقين في ثلاث آيات (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)) والكافرين في آيتان (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)) والمنافقين في ثلاثة عشر آية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)). دلالة هذه التصنيفات قبل ذكر خلق آدم تعني أنه من بني آدم إما أن يكونوا متقين أو كافرين أو منافقين وأصعبهم على البشر المنافقون لأن الكافر واضح في كفره لكن المنافق (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) ومع ذلك لا تخافهم (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) المنافق يجب أن يُستأصل من المجتمع.
آدم بذريته سيكونوا أحد ثلاثة أصناف وكلمة خليفة لا تعني آدم وحده وإنما آدم وذريته وكلما ذكر آدك نفهم معه ذريته (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) ولهذا قلنا هناك فرق بين القصة في القرآن والتصوير وقلنا سابقاً أن بعض الآيات تصور أحداثاً لكن ليست قصة.
من خًلِق قبلاً الجن أو الملائكة؟
لم يرد نص فيها ولكن عندنا نص أن الجن خلقوا قبل البشر (والجان خلقناه من قبل).
لماذا قال خليفة ولم يقل آدم؟
قلنا أن كلمة خليفة تعني آدم وذريته. الكلمة القرآنية صحيحة وتفسيراتنا نحن خطأ. هذه قاعدة أصولية. وأحياناً نقول لمذا قال الله تعالى كذا ولم يقل كذا؟ لكن هذا لإثبات عظمة اللفظ القرآني.
(أتجعل فيها من يفسد فيها) هذا تساؤول وليس إعتراضاً. ليس اعتراضاً لأن الملائكة طائعين لا يعصون. هذا استفهام له رصيد في الواقع وقد حصل مع الجن ثم عرفوا أن اختيار الله تعالى وما قضى به هو الصواب والصحيح والذي يجب أن يكون. لأن الله تعالى قال (إني أعلم ما لا تعلمون) المقصود بها أن سؤالهم كان نتيجة ما قالوه (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) أي نحن أكرم على الله من وجهة نظرهم أنهم أفضل من البشر. إن من البشر سيأتي الطائع المتقي الذي هو أفضل عند الله تعالى من الملائكة. الله تعالى عمل لهم تجربة عملية ليثبت أن علمه تعالى لا يناقش لأن ما أراده الله تعالى واقع لا محالة. (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)) علّم آدم ثم عرضهم على الملائكة (فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء) علم الله تعالى ما تقصد الملائكة فأفاقت الملائكة وقالت (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)) فكأن الله تعالى يريد أن يقول للملائكة أنهم لا يصلحون لهذه المهمة وآدم يصلح لهذه المهمة والله تعالى أدرى بخلقه وهنا وقفة مع الأسماء.
لمذا قال الأسماء؟
أسماء كل شيء لأنه أطلقها (الأسماء كلها) الأسماء والأفعال والحروف. لمذا اختيار الأسماء؟ لأن الفعل إسم والحرف إسم. إذا قلت إعرب جملة: يلعب محمد الكرة: يلعب فعل وكلمة فعل إسم (توصيف الفعل إسم وتوصيف الحرف إسم) وإختار تعالى الأسماء أي علّمه كل شيء، علّمه كل شيء وكل فعل له وقع. كل شيء تعلمه آدم، هل علّمه صاروخ وطائرة وغيرها؟ نعم باعتبار ما سيكون للذرية بدليل أننا لا نستغرب الكلمات الجديدة وستستحدث أسماء جديدة إلى يوم القيامة لأنها ستدخل على الفطرة.
عرضهم: دخل فيها الأسماء والأفعال وما سيستحدث. (فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) هؤلاء تستعمل للعاقل وغير العاقل لو المقصود غير العاقل لاستعمل (هذه). العاقل يجبّ غير العاقل لأنه أشمل فهم ما في خلد الملائكة فتابوا توبة الإنابة توبة عن توبة والذي عملها محمد r :” يا أيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم مئة مرة”
لا نعرف من عندنا لا علم لنا إلا ما أذنت لنا به وأثبتوا له تعالى أنه العليم الحكيم. القضية هنا في الخلق نتوقف عندها كيف خلق الله تعالى آدم ومتى؟ خلقه بعد خلق كل شيء في حديث أبو هريرة قال : “أخذ رسول الله r بيدي وقال خلق الله عز وجل التُربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء (المكروه هو كل ما يكرهه الانسان) وخلق النور يوم الأربعاء وبثّ الدوابّ يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة في آخر ساعة من ساعات الجمعة من العصر إلى الليل”. فيها تكريم لآدم لأنه خُلِق على تسخير الكون كله له. يعني آدم وذريته الكون كله مسخّر لهم بما فيه من أفلاك وأراضين وبحار (الآيات في القرآن كثيرة : سخر لكم..) هذا التسخير تكريم لآدم وذريته لكن أعلى التكريم أمر الله تعالى للملائكة بالسجود لآدم. أمر الله تعالى بالسجود هذا سجود تكريم وتحية وليس سجود عبادة لأن هذا لا يكون إلا لله رب العالمين. والله تعالى في محكم التنزيل جاء بالسجود في قصة يوسف (وخروا له سجدا) هذا تحقيق الرؤيا (إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) فالسجود قد يكون للتحية لكن من عهد رسول الله r لم يعد هكذا والسجود يكون فقط لله تعالى ورُفع هذا الأمر أي سجود التحية.
هل يساوي سجود الملائكة لآدم سجود إخو يوسف وابويه له؟
كلا لكن السجود كان وارداً قبل محمد r أما بعده فلا يوجد سجود إلا سجود العبادة لله تعالى. السجود هو عبارة عن فرع التسخير (سجود الملائكة) هم كخلق لهم تكريم خاص لكن لهم إتصال بشؤوننا. القرآن جاء إلينا عن طريق جبريل أمين وحي السماء . حتى الملائكة سُخرت لنا بالحفظة، مرافقي جبريل (تنزل الملائكة والروح) ، هذا التشريف للقرآن الذي نزل للبشر من عهد الرسول r الكون سُخر لآدم وبني آدم بما فيه الملائكة.
الأمر بالسجود كان للملائكة فقط فبأي صفة كان إبليس معهم؟
إبليس كان معهم ولم يكن منهم. هو يشمله الأمر لكنه لم يكن من الكلائكة طرفة عين. ونضرب مثالاً إذا كنت في فصل متفوقين وفيهم متخلف واحد فهل إذا أعطيت أمراً للفصل تعطيه للمتفوقين أو المتخلف؟ بالطبع للمتفوقين والمتخلف إما ينفذ الأمر أو لا. قيل في الإسرائيليات أن إبليس كان طاووس الملائكة وهذا كلام غير منضبط. الحوار بين الله تعالى والملائكة لم يكن في السماء وقلنا أن أول إخبار عن آدم في قوله تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) فهو مخلوق من الأرض وفي الأرض وللأرض. والملائكة نزلت لآدم في كل شيء.
إبليس واحد أو نوع؟
هو على رأس صنف وذريته تعمل مع بني آدم.
بُثّت الحلقة بتاريخ 6/2/2006م