صوت– لفظ – نطق – كلام – حديث – قول
منظومة حديث هي منظومة أصوات الفم الإنساني وكل ما يصدر عن الفم الإنساني منظومة متعددة المعاني.
صوت: هو أول شيء يخرج من فم الإنسان والصوت هو عندما لا يكون مكوناً من حرفين فيكون إما أنيناً أو عواءً أو بكاءً أو نواحاً أو عويلاً أو غيره ولكل صوت اسمه وفصيلته وطبيعته في عالم الإنسان.
لفظ: إذا كان الصوت مكوناً من حرفين يُسمى لفظاً مثال: من ، إن، عن، في قد لا يكون لهما معنى لكن لا بد أن يكون كل هذه كلمات وكما قيل (كلامنا لفظ مفيد كاستقم إذن وهو فعل وحرف واسم وذلك هو الكلِم). عندما يكون اللفظ مسموعاً من فم حيّ ومن حرفين فهو لفظ.
نطق: عندما يكون اللفظ مكوّن من كلمة فهو نطق (عُلّمنا منطق الطير) (ما لكم لا تنطقون)
كلام: إذا كان هناك عدة كلمات تُسمّى كلاماً (يكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين)
حديث: إذا كان الكلام طويل من عدة جُمل له موضوع محدد يتحدث عن موضوع ما اقتصادي أو سياسي أو ديني أو غيره يُسمّى حديثاً (ما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً) (الله نزّل أحسن الحديث)
قول: إذا تخلل الحديث عبارة قوية تحمل نظرية أو قراراً أو قاعدة يُسأل عنها صاحبها سلباً أو إيجاباً وقد يُحاسب عليها صاحبها إما له وإما عليه وقد تكون لُبّ الحديث ونتيجته التي تلفت النظر يُسمّى قولاً. (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد). الحديث ليس كله أقوال فقد يكون فيه زيادات وحواشي أو كلاماً خارج الموضوع أو غير مقصود. أما القول فهو أهم ما في الحديث والحديث أهم ما في الكلام والكلام أهم ما في النطق والنطق أهم ما في اللفظ واللفظ أهم ما في الصوت.
ولو تتبعنا القرآن الكريم لوجدنا أن هذه الكلمات كلها موظّفة في القرآن توظيفاً محدداً لا زيادة فيه ولا لبس ولكل منها معنى لا يفيده غيرها من الكلمات. ففي قوله تعالى (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) لم يأت بكلمة حديث او كلام او صوت أو منطق وإنما جاءت الآية بكلمة قول ومعنى كلمة قول في الآية أن الملكين لا يسجلون كلام الحشو مما لا يعنيه الإنسان وليس به مسؤولية مثل أين الطعام وأين فلان وغيره إنما الذي يُسجله الملكان هو القول الذي يعنيه الإنسان ويؤثر عليه أو على غيره في الحياة والإجتماع والدين ويُسجل في صحيفة أعماله سواء الحسنة أو السيئة.
وأهم كلمات هذه المنظومة كلمتي القول والحديث اللتين سنستعرضهما بإسهاب فيما يلي:.
القول: هو كما قلنا كلام مقصود قصداً ومهم جداً كأن يتحدث الإنسان في محاضرة ما ثم يقول جملة معينة ضمن حديث طويل تشد الناس وتلفت انتباههم فيتعلمون منها جديداً وقد تسعدهم أو تشقيهم، هذه الجملة الوحيدة التي شدّت الناس هي القول. ولأهمية القول وصفه الله تعالى في القرآن بعدة أوصاف من حيث أهميته جاء منها:
قول سديد (وقولوا قولاً سديدا)
قول عظيم (إنكم لتقولون قولاً عظيما) قول يثير الغضب في بطلانه وانحرافه وباطله
قول كريم (وقل لهما قولاً كريما) وكرم القول مع الوالدين نظرية هائلة في القرآن
قول ميسور (وقل لهما قولاً ميسورا)
قول صواب (لا يشفعون إلا لمن أذن له الرحمن وقال صوابا)
قول ثقيل (إنا ستلقي عليك قولاً ثقيلا) إذا كان فيه من العلم والمعاني ما لا يمكن لكل الناس حمله
ومن هذا نذكر حديث النملة مع سليمان في سورة النمل كان حديثاً طويلاً لكن ما شد اتباه سليمان u قولها (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) لذا تبسم ضاحكاً من قولها وليس من حديثها كله لأن الذي لفت نظره في قول النملة أنها تدرك وتفرّق بين من يقتل متعمداً ومن يقتل خطأً بدون قصد (وهم لا يشعرون).
القول إذن هو الجزء المحدد من الحديث الطويل، والحديث الطويل هو الجزء المحدد من الكلام الطويل، والكلام الطويل هو الجزء المحدد من النطق الطويل، والنطق الطويل هو الجزء المحدد من اللفظ الطويل واللفظ الطويل هو الجزء المحدد من الصوت الطويل.
كل كلمة في القرآن الكريم لا تغني عنها رفيقتها وهذا من إعجاز القرآن الكريم فوصفه تعالى في قوله (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {23}) فما تأتي من كلمة إلا في مكانها أو موضعها وتأخذ معنى خاصاً بها لا تشاركها فيه كلمة أخرى.
أهم ما في هذه المنظومة الكلام ثم الحديث ثم القول. ولكي يكون الكلام مؤدياً لوظيفته لا بد أن يكون فصيحاً ولا يصح أن يكون المتكلم في لسانه لدغة أو علة أو لا يبين أو مخارج حروفه غير واضحة وقوله تعالى (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا) ليست كما يقوله بعض المفسرين أن موسى u كان في لسانه عجمة او عيب لكن الواقع أن اللغة في قصر فرعون كانت غير لغة بني إسرائيل ولم يكن موسى u متمكناً بلغتهم العبرية كأخيه هارون الذي عاش بين قومه وهو أعلم بلغتهم وهو افصح من موسى u من حيث أنه عاش مع قومه بينما عاش موسى مع فرعون في قصره ولذلك قال (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا). فالفصاحة هي صفة الكلام التامّ الراقي المقبول كما أن البلاغة صفة القول وفي الدنيا قواعد ونظريات وأمثال قالها بشر فأصبحت عند الناس كأنها دستور فهذه يجب أن تكون بليغة دقيقة موجزة ليس فيها حشو ولا نقص أو زيادة في التعبير .
الحديث: قال تعالى (ومن أصدق من الله حديثا) وقال تعالى (ومن أصدق من الله قيلا) وهذا يدل على أن الكلمة الواحدة تطلق على معنى محدد فيختار الله تعالى لها اللفظ المحدد الواحد وهذه الآية هي سبب برنامج الكلمة وأخواتها أصلاً والذي لم يسبق له مثيل في التاريخ الإسلامي من حيث التوسع في هذا الباب فجمهور المسلمين كانوا ينكرون عدم الترادف ويوقولون بأنه لا فرق بين كلمة وكلمة في القرآن وقالوا أنه لا فرق بين الريبة والشك والفرق بينهما واضح فالشكّ هو اختلاف الشيئين مع عدم التهمة والشك يدعو للإطلاع أما الريبة فهي اختلاف الشيئين مع وجود التهمة والريبة تدعو للهرب للسلامة كما أوضحنا في حلقات سابقة.
فقوله تعالى (ومن أصدق من الله قيلا) من حيث أن كل كلمة لا تغني عنها صاحبتها وقوله تعالى (ومن أصدق من الله حديثا) المواضيع التي جاءت في كتاب الله تعالى لا يأتيها الباطل فكثير من أحاديث الدنيا في مواضيع محددة من لآدم u إلى قيام الساعة كُتب فيها نظريات وأبحاث ثم جاء الزمن فأثبت فشلها وبطلانها كنظرية كون التطور وغيرها أما حديث القرآن فصادق ومن المستحيل أن يأتي فيصبح حديث القرآن غير صحيح فهو يتفق مع الواقع
والله تعالى هو أصدق حديثا وأصدق قولاً فعلينا أن نتلمّس هذا.
والآية في سورة الزمر (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {23}) تنيّن نوعاً من إعجاز القرآن من حيث كونها نطقاً ثم لفظاً ثم كلاماً ثم حديثاً ثم قولاً. فلماذا هو أحسن الحديث؟ لأنه كتاب متشابه أولاً ومثاني ثانياً. وكل ما يُشكل تفسيره لأنه يحتمل عدة معاني فهو متشابه وكل ما يحتمل معنى واحد فه المحكم وهو المُفسّر أما المتشابه فيأوّل لعمقه له معنى أول وليس له معنى أخير بل باب التأويل مفتوح إلى يوم القيامة وما من كتاب على وجه الأرض تجد في عبارته أو جمله أو آياته من المعاني المتعددة كخزين لا يعرفه إلا أصحابه في الومان والمكان المحددين إلا القرآن . وأراد الله تعالى أن يوصل المعاني إلى أن تقوم الساعة ونحن نعلم أن البشرية تترقى كل يوم في علومها ومعارفها واكتشافاتها ولو قارنّا بين عصر الرسالة وعصر اليوم لوجدنا الفرق شاسعاً من حيث المعرفة والمعلومات. فالآية الواحدة يجب أن تعطي معاني بنسبة أقل أو أكثر عل اختلاف مستويات السامع واختصاصه ومعارفه. فالمسلمين في عصر الرسالة حيث كانت الأمية متفشية فهموا من الآيات ما ناسب علمهم ورأوا إعجاز القرآن وفصاحته وعظمته وآمن المشركون لقوة بيانه وبلاغته لأنهم كانوا أهل لغة وفصاحة وبيان. ثم جاءت الأجيال بعدهم فاكتشف كل جيل معاني مختلفة تُضاف إلى ما اكتشفه السابقون في العصر الأول.
وفي القرآن الكريم تشابه لفظي ومعنوي واعجازي ومعرفي وعلمي وهو لا تنقضي عجائبه كما قال رسول الله r إلى يوم القيامة وسيكتشف كل عصر في هذا القرآن ما يناسب علومهم وهكذا إلى أن تقوم الساعة.
المتشابه: ومن التشابه في القرآن الكريم أمثلة عديدة وقد كان المفسرون سابقاً يعتبرونها بمعنى واحد من هذه الأمثلة الفرق بين كلمتي ميت (أو من كلن ميتاً فأحييناه) وكلمة ميّت (إنك ميّت وإنهم ميّتون) وقالوا أنهما بمعنى واحد والواقع غير هذا لأن الميت بتسكين الياء هو الذي مات الآن مثلاً أما ميّت بتشديد الياء فهو الذي مآله إلى الموت والذي لا بد أن يموت في يوم من الأيام. وكذلك الفرق بين كلمة مخرج (ومخرج الميت من الحي) بصيغة اسم الفاعل وكلمة يخرج (ويخرج الميّت من الحي) بصيغة الفعل المضارع والفرق بينهما هو الفرق بين حبة الحنطة المستمرة بالتناسل وبين حبة الحنطة التي نطحنها ونصنعها دقيقاً.
وفي القرآن أيضاً الزيادة والنقص في الحروف ولكل منهما دلالته ويؤدي معنى مختلفاً كما في قوله (إن ذلك لمن عزم الأمور) بزيادة اللام وقوله (إن ذلك من عزم الأمور) بحذف اللام. والآيتان مختلفان من حيث نوعية الصبر فالآية الأولى تدل على وجود غريم للإنسان فوجوده يستدعي صبراً أكبر ويوجب أجراً أعظم فجاء باللام لزيادة التوكيد أما الثانية فليس للإنسان غريم وصبره يكون أقل من الحالة الأولى فحذف اللام . وكذلك الفرق بين الآيتين (لكيلا يعلم بعد علم شيئا) وقوله (لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) بزيادة (من) والحالتين مختلفتين فالآية الأولى هي في الرجل الذي طعن في السن بحيث لم يعد يكتسب معاني جديدة فقال (بعد علم) أي أنه كان يكتسب فيما مضى علماً أما الآية الثانية فهي تدل على أن هذا الرجل طعن في السن ونسي حتى معارفه القديمة التي اكتسبها سابقاً فجاء بـ (من). ولا نكاد نرى أحداً من المفسرين توقف عند استخدام من في الآية دون الآية الثانية. وكذلك الفرق بين إن وإذا في القرآن (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) و (فمن بنصرنا من بأس الله إن جاءنا) وقوله تعالى (إذا جاءك المؤمنات) و (إذا جاء نصر الله والفتح) فكلاهما أداة شرط لكن إذا تستعمل إذا كان الأمر كثير الحدوث أما (إن) فتستعمل إذا كان الأمر قليل الحدوث أو شاذ أو متباعد.
وكل كلمة في القرآن تأتي في مكانها الذي لا تغني عنها صاحبتها وهو المترادف الذي نشرحه في برنامج الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم. ومثال ذلم الفرق بيم كلمتي أتى وجاء في القرآن فقد قال تعالى في قصة موسى u (فلما أتاها نودي يا موسى) وقوله تعالى (فلما جاءها نودي يا موسى) وكلمة أتى تعني أنه لما لاح من بعيد قال له تعالى اخلع نعليك أما جاء فتدل على أنه تقدّم ووصل المكان أي الوادي وحدّثه ربه.
هذا عن المتشابه وكما قلنا يوجد تشابه في المعنى والمعرفة فالآية الواحدة تعطي في كل جيل معنى جديداً غير المعنى السابق وقد تنسخه وقد تضيف عليه معنى آخر كما في قوله تعالى (بلى قادرين على أن نسوي بنانه) حديثاً عرفنا أن هذه الآية تدل على اختلاف البصمة عند كل إنسان كذلك قوله تعالى (سيهزم الجمع ويولون الدبر) عرف المسلمون معناها في غزوة بدر وقوله تعالى (الم غلبت الروم) عرف معناها عندما انهزمت الروم بعد سنوات من نزول الآية وقوله تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) عرف المسلمون معناها بعد وفاة الرسول r عندما وقعت معركة الجمل وقوله تعالى في سورة النمل (قال الذي عنده علم من الكتاب أن آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) تشير المعلومات أنه هذه الآية قد تكون تفسيراً لعملية النقل الضوئي التي يتحدث عنها العلماء. هذا التشابه العظيم لا يوجد إلا في كتاب الله تعالى ولا يمكن لأي كتاب أن يأتي بهذه المعاني ولذا جعل الله تعالى القرآن خاتم الرسالات ومعجزة دائمة ومن حق كل جيل أن يكتشفوا فيه معجزة أخرى لتكون حُجّة على هذا الجيل. هذا عن التشابه بقي أن نتحدث عن المثاني.
المثاني: من الثناء وقد قيل في هذه الكلمة آراء كثيرة وقد وصف الله تعالى الكتاب كله بالمثاني ووصف الفاتحة بالسبع المثاني واختلف المفسرون فيها ونحن نعود إلى أصل اللغة لفهم معنى المثاني فنقول: المثاني في اللغة هو ما يُثنى عليه. والقرآن كله يُثنى عليه من حيث أن الراسخين في العلم كلما أوغلوا في هذا البحر الذي لا ساحل له واكتشفوا درّة جديدة من درره يشعر بالفخر والزهو ويُثني على الله تعالى أن وفقه لاكتساف هذا المعنى وفي كل ساعة منذ نزول القرآن إلى أن تقوم الساعة يجد الباحثون في القرآن شيئاً جديداً لم يعثر عليه أحد قبلهم. وهناك فرق بين الحمد وبين الثناء فالحمد يكون لمن قدّم إليك معروفا أما الثناء فهو لأن فيك صفات عظيمة أنا معجب بها كما ور في سورة الفاتحة قوله تعالى في الحديث القدسي (حمدني عبدي، مجّدني عبدي، أثنى عليّ عبدي) وعندما تحدث الله تعالى عن الفاتحة قال (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) فهي قرآن كامل لأن كل مسلم يُثني على هذه السورة وقد جعل الله تعالى الفاتحة هي الصلاة على عظمة الصلاة وقال (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي) كما في الحديث القدسي. وقد نزل بها ملك خُلق لأجلها ولم ينزل بغيرها. وعندما نزلت فتح لها باب من السماء لم يفتح إلا لها وأُغلق بعد ذلك والحديث عن جبريل u أنها أعطيت للرسول ولم تُعط لملك ولا لبشر قبل النبي r وهي الصلاة وهي الرقية وهي الموحّدة بين المسلمين ومنابعها كثيرة ولا تنقضي محاسنها وقد استخلص الإمام الرازي منها عشرة آلآف مسألة فقهية وشرعية، وهي سبع آيات نثنيها كل يوم في الصلاة مرات عديدة في الفروض والنوافل والذكر بعد الصلوات.
نعود دائماً للغة العربية كما قلنا كالفرق بين النجويد الذي هو التأنّق في الصوت والأداء وبين الترتيل الذي هو وضع الآيات في الموضوع الواحد على شكل رتل واحد وننظر فيها مرة واحدة. وقد جعل الله تعالى المتشابه في القرآن الكريم الشغل الشاغل لصفوة الأمة من نحويين ولغويين وأدباء وشعراء وفلاسفة وعلماء ولكل من له ميزة وهو إمام في بابه فانشغلوا انشغالاً عظيماً بهذا الكتاب (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به) فالراسخون في العلم هم الذين يبحثون فيه البحث الذي لا ينقضي إلى يوم القيامة حتى قبل القيامة بقليل سوف نجد من يكتشف فيه أشياء جديدة (ويوم يأتي تأويله) سوف نعرف عندها أننا كنا قاصرين عن معرفة أسرار هذا المتشابه الذي أفنى صفوة الأمة أعمارهم في الوصول إلى بعضه.
يقول تعالى عن المنشغلين بهذا القرآن انهم في البداية (تقشعر جلودهم) قطعاً مصداقاً لقوله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، فكون الجلد يقشعر دليل الفهم والخشوع والعمق ولهذا كل من يقرأ القرآن بهذا المستوى العميق العالي العظيم يشعر بقشعريرة من دقة هذا الكتاب وآياته المخيفة وآياته المؤنسة ثم لما يشعر بهذا العمق وهذا البستان من الثمرات الهائلة يتعود عليه ويطمئن ويبدأ الرجاء يفوق الخوف.
هذا هو ما أردنا بيانه بين الحديث والقول وهذا يعطينا ضوءاً أخضراً لنبحث فيما هو متشابه ومثاني وكل مسلم عليه أن يقيس مدى تأثره بالقرآن الكريم بمدى ما يقشعر جلده ويلين قلبه ثم يطمئن.
بُثت الحلقة بتاريخ 29/2/2004م