حبل– وثاق – سلسلة – غل – صفد – طوق – قفل
هذه الكلمات كلها تدخل في منظومة الإمساك والسيطرة أي أن تسيطر على الشيء أو تُمسك به خوفاً منه أو خوفاً من ضياعه أو عقوبة له.
حبل: هو كل يُشدّ به الشيء كي لا يضيع والحبل هو المفتول القوي وهو ان تتوصل به إلى نقطة لا تتوصل إليها إلا به كأن تصعد على قمة جبل لا يمكنه الصعود إليه إلا باستخدام حبل. (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {103}) آل عمران.
وثاق: هو ما يُشدّ به الشيء كي لا يهرب كالأسير أو السجين (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ {4}محمد)
سلسلة: حبل من حديد متسلسل الحلقات يُشدّ به السجين أو الأسير عقوبة له نتيجة لشدة خطورته ولإيلامه وإنزال العقوبة به (إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ {71}غافر) و (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ {32}الحاقّة).
طوق: هو حلقة تُشدّ حول الرقبة وفيها زردة ومنها يُقاد الأسير أو السجين وتكون يداه طليقتان والطوق في رقبته (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {180}آل عمران).
غل: الطوق نفسه لكن إذا جمعت إليه اليدان إذن الغل فيه حلقتان واحدة تجمع فيها اليدين والثانية طوق حول الرقبة (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً {29}الإسراء)
صفد: التي توضع في الأيدي أو الأرجل كما يأتي أهل النار يوم القيامة مجموعات مقرّنين في الأصفاد كما جاء في سورة ابراهيم (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ {49}) وسرة ص (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ {38})
قفل: هو ما تُغلّق به الأبواب (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا {24}سورة محمد)
والكلمة المحورية في هذه المجموعة هي الحبل والآية في سورة آل عمران التي قال فيها تعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {103}) والحبل يأتي مجازاً أو حقيقة في القرآن الكريم كما في قوله تعالى في سورة المسد (فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ {5}) و في آل عمران (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {112})
آية آل عمران التي وردت فيها كلمة الحبل من أخطر الآيات لكننا نتغافل عنها جاهلين او متعمدين من شدة ما تعنيه من غخفاق وفشل من وقت الرسالة إلى يومنا هذا فهي تبيّن الحق من الباطل والنجاة من الهلاك فلا يجد أحد نفسه في منأى عن آثارها. لكننا لم نتجاوب مع الأمر الإلهي (اعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا) وقد فعلنا هذا لم نتمسك بحبل الله وقد تفرقنا واختلفنا بعدما جاءتنا الآيات.
والإعتصام هو الإستمساك بما يُنجي إذا كنت في خطر شديد أوشك أن يجتاحك فاستمسكت بركن قوي أو لُذت بملاذ آمن ينجيك فعلاً من هلاك محقق يُسمّى اعتصاماً فإن لم تستمسك بركن شديد فأنت هالك (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {101}آل عمران )
يأمرنا تعالى في الآية أن نستمسك بكتاب الله ومن لوازمه سنة نبيّه r الصحيحة كما جاء في قول الله تعالى (إن علينا بيانه) أي بالسنة الصحيحة وكما جاء عن النبي r (الأ إني أوتيت الكتاب ومثله معه).
وحبل الله تعالى هو القرآن كما جاء في الحديث الشريف (وهو النور المبين وهو حبل الله المتين)
وقوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا أي أنتم جميعاً بحبل الله جميعا أي لا تتفرقوا أنتم ولا تفرّقوا كتاب الله تعالى. وقوله حتى لا تفشلوا بمعنى عدم الوصول إلى الهدف وذهاب الربح وذهاب السطوة والسلطة والهيبة. وعلى المسلين جميعاً أو لا يتفرقوا في الأخذ بكتاب الله ولا يفرّقوا كتاب الله عندما يأخذوه ويكونوا كما قال تعالى (الذين جعلوا القرآن عضين) والتعضية هي قسم ما لا ينقسم كأن يقول الإنسان (ويل للمصلين) وحدها فقط بدون أن يُكمل الآية (الذين هم عن صلاتهم ساهون)لكن الواجب أن تُقرأ الآية كاملة. وكذلك جاء في الحديث الشريف (لا تعضية في الميراث) بمعنى أنه إن ترك الميت سيفاً للورثة لا يُقسّم السيف بينهم لأنه يستحيل لكن يُباع ويُقسّم ثمنه على الورثة.
وقد تفرّق المسلمون في مثل هذه التعضية كل فرقة تأخذ بآية معيّنة وكان عليهم أي يرتلوا القرآن بمعنى يجعلون الآيات رتلاً ويأخذوا بها جميعا. فعلى المسلمين إذن أن يأخذوا القرآن جميعا بدون تعضية وأن يجعلوه رتلا (ورتّل القرآن ترتيلا).
والحبل استعارة في هذه الآية فأراد الله تعالى أن يشد المسلمين جميعاً للقرآن في حين أصبح المسلمون متفرقون لا مجتمعون وأخذوا بجزء من القرآن ليس مجتمعاً كما جاء في الآية (أتؤمنون ببعض الكتاب) (واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) فمنذ مقتل عمر الفاروق رضي الله عنه تفرّق المسلمون ولم يعودوا مجتمعين بحيث أن كل فرقة وضعت لها عنواناً له فلسفة خاصة ولهجة خاصة تنحاز بهم عن باقي المسلمين الأمر الذي أفرز بغضاء لبقية المسلمين أو نقداً أو جفاءً لأو كيداً أو تسابقاً عنهم فأصبحت القضية دنيوية (ولا تكونوا كالذين اختلفوا)ووصل الأمر في معظم الفرق إلى البغضاء والكراهية وهذا كله من الهلاك كما جاء في حديث الرسول r (إياكم والبغضاء فإنها الحالقة لا أقول حالقة الشعر بل حالقة الدين). ومنذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا تفرز استحواذا وكراهية واستعلاء على غيرهم من المسلمين ما عدا العناوين التي وضعها الناس لمجموعة من عباد الله الصالحين أنهم قاموا بعمل بطولي عظيم ميّزهم الله تعالى به على غيرهم من المسلمين وهم في أنفسهم لا يرون في انفسهم بغضاً لغيرهم كالأنصار وأهل بيت النبي r والعشرة المبشرين بالجنة وأهل الرضوان هؤلاء جميعاً لم يُشكلوا طائفة ولا مذهباً يُشكك بالمذاهب الأخرى وينتقص منها ولم يُطلقوا على أنفسهم العناوين وإنما كانوا مسلمين والشعار الوحيد الذي يعترفون به (لا إله إلا الله) وكل فرقة وضعت لها شعاراً آخر فهو غير مقبول وكل من أعطى نفسه إسماً غير المسلمين فهو غير مقبول وسوف يُحاسب فاعله وهذا يجعلك هالكاً وإن كنت تظنّ أنك تُحسن صنعا. فلا يجب أن يكون لفرقة بغضاء لفرقة أخرى (فلا تفشلوا وتذهب ريحكم).
وعندما تطورت ظروف السياسة في هذا العصر وعاد المسلمين إلى دينهم خاصة بعد نكسة حزيران ويئس المسلمون من العلمانية والشيوعية وغيرها عاد المسلمون إلى دينهم وتحلّقوا حول الدعاة وكان الأحرى بهؤلاء الدعاة أن يقودوهم إلى وحدتهم ويعتصموا بحبل الله جميعا خاصة فيما يتعلق بحياتهم أي تطبيق إحكام الله تعالى في افعل ولا تفعل، والميزان في كل هذا هو القبلة والشعار الخالد (لا إله إلا الله) فكل من أدّى الشعار واتجه نحو القبلة فيجب معاملته معاملة كاملة ويكون دمه وماله وعرضه على المسلمين حرام لكن هذا لم يحدث للأسف فتفرّق المسلمين فرقاً فرقاً كما هو الآن لذا يجب أن نعيد النظر فما من أحد يلقى الله وهو في نفسه شيء من غيره المسلمين إلا هالك.
هذه الآفة التي تشير إليها الأيات بدأت مبكراً بالذين قتلوا عمر وعثمان وعلي والحسين ثم الفرق الضالة والفرق الناجية كل يدّعي ويفتي بقتل الآخر كل هذا هالك يوم القيامة فالكفر الذي يُحلّ دم المسلم هو أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك كما جاء في البخاري ومسلم وفي القرآن أيضاً. وكل العناوين التي تثير البغضاء والتعالي كقصة الصالح والطالح الذي قال فيه تعالى من ذا الذي يتألّه علي فأدخل الله الصالح النار لجزمه أن الطالح سيكون في النار وأدخل الطالح الجنة. فكل شخص يظنّ نفسه خيراً من غيره ويتعالى عليه ويقول أنا ناجٍ وغيري هالك فهو الذي هلك (إذا قال الرجل هلك الناس فهو أشدهم هلاكا) ومن من فرقة حزبية أو مذهبية إلا وتضمر في نفسها كراهية أو استعلاءً أوبغضاء لغيرها. وقد تمزقت الصحوة الإسلامية تمزيقاً هائلاً لكن الله تعالى غالب على أمره فالذين سيوحّدون المسلمين قادمين بإذن الله وليس ذلك ببعيد ولعلّه أقرب مما نتوقع وهذه البغضاء التي تُسوّق للعالم عبر الخطب والمنابر ووسائل الإعلام والفضائيات هذه التهم المتبادلة والحقد الدفين برغم الإبتسامات الظاهرة والكلمات اللينة لكن في النفوس حقداً أو بغضاً أو استعلاء ولكن الجيل القادم يرفض كل ما نحن فيه ويستمسك بحبل الله وعلينا أن نبيّن كيف نعتصم جميعاً بحبل الله بالقرآن الكريم والسنة النبوية وقد ورد الكثير في الكتب عن هذا الموضوع.
يُخبرنا القرآن الكريم أن المسلمين سواسية الشعار لا إله إلا الله والقبلة واحدة والقبلة هي الميزان.
العبادة ما قلّ وأجزأ والحدّ الأدنى جاء في أوائل سورة البقرة والميزان هو القبلة فإذا كنت من أهل القبلة فأنت صائم مزكّي ومن أهل الصلاح.
الذنب مهما عظُم فإن التوبه تنهي المشكلة فإن التوبة مفتوحة لكل الناس كما جاء في سورة الفرقان (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً {70}). وحبل الله المتين يقول لا يأس من رحمة الله ولا قنوط فالمؤمن مرشّح للتوبة مهما كان فاسقاً أو مذنباً فلا تحتقرنّ مسلماً . إذا بلغ المؤمن الستين رزقه الله الإنابة إليه بما يُحب.
لا تغترّ بالطاعة والأعمال الصالحة فرُبّ سيئة أحبطت كل الحسنات كالغيبة والرياء والربا والبغضاء كما في سورة محمد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {33}) وقوله في سورة البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى) وربّ حسنة تغفر كل الخطايا والسيئات (أولئك الذين تنجاوز عن سيئاتهم).
العدل مع العدو قبل الصديق كما في قوله تعالى في سورة المائدة (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {2}) وفي سورة فصلت (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {34}) ولا عداوة بين مسلم وآخر يخالفه الرأي فعليا أن نلتفت إلى مشاكلنا الكبرى التي تهددنا.
حصانة أهل الأديان فالله تعالى جعل حصانة لأهل الكتاب (ولا تجادلوا أهل الكتاب) ما لم يكونوا محاربين وقوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم) وقد كان من آخر ما وصّى به الرسول r قبل موته : أوصيكم بذمة محمد خيراً وجاء في الحديث: لعن الله من آذى ذمّياً.
لا ولاية لغير المسلم على المسلم كما جاء في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {51})
قول الحق ولا تخشى لومة لائم كما في قوله تعالى في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {54})
الله تعالى ينصر الكافرين على المسلمين فإذا كان المشركين يحققون العدل فيما بينهم في مجتمعهم وحاربوا مسلمين لا يحققون العدل فيما بينهم ويظلم بعضهم بعضاً ويتضاربون ويغتالون بعضهم ينصر الله تعالى المشركين على المسلمين كما في سورة هود (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ {117})
إذا تفرّق المسلمون واختلفوا يخذلهم الله تعالى ولو كان معهم رسول الله r كما حدث في غزوة أحد (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ {152}) (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) فلما عصى المسلمين أوامر الرسول r فشلوا قشلاً ذريعاً وذاقوا هزيمة نكراء. والنزاع قائم هذه الأيام في كل مجالات الحياة حتى في المسجد وفي الصف الواحد في الصلاة فأي إسلام هذا؟ وقوله تعالى فتفشلوا وتذهب ريحكم بمعنى لا نصر ولا أهداف ولا استقرار ولا مجتمع ولا اقتصاد فكل الأهداف فاشلة.
1. من التعامل مع كتاب الله تعالى يجب أن نفرّق بين خطابين في كتاب الله: خطاب أهل الكفر وخطاب المسلمين فلا ينبغي أن يخاطب المسلمون بخطاب أهل الكفر وقد سمعت أحدهم يوماً يفسّر قوله تعالى في سورة الأحقاف (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ {20}) ويقول أنها تعني أصحاب القصور والأغنياء من المسلمين وهذا ما لا يجوز. فخطاب أهل الكفر هو لأهل الكفر وخطاب المسلمين للمسلمين.
2. القرآن حمّال أوجه فلا يجب أن يُنكر على صاحب علم أو بيّنة رأيه للمجرد أنه يختلف مع رأي آخر. فالقرآن في كل جيل يعطي من نفسه فتحاً جديداً لم يعطه لغيرك.
3. القرآن حدودي فيه حد أدنى (تلك حدود الله فلا تقربوها) وفيه حد أعلى (تلك حدود الله فلا تعتدوها) وعلى المسلمين أن يكونوا بينهما هذا هو الإسلام ولا تُصر على أن تكون في الحد الأدنى مثلاً فلا تًصلي فقط الفروض وتصوم رمضان وتدفع الزكاة المفروضة بل صلّ النوافل وصم تطوعاً وتصدق وهكذا.
4. عندما تخاطب المسلمين بل عندما تتعامل مع القرآن يجب أن تتأكد تماماً من الإرادات الإلهية الثلاثة ألا وهي: أولاً اليسر (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقد شدد النبي r على اليسر أيضاً وحذّر من التعسير (يسّروا ولا تُعسّروا) وهذا تخفيف بالكيف. وثانياً (يريد الله أن يخفف عنكم) وهذا تخفيف بالكمّ (والله يريد أن يتوب عليكم) وقد جعل الله تعالى للذنوب مكفرات لا حصر لها بحيث لا يدخل النار إلا شقي كما قال r فيجب أن نخفف على المذنبين ما داموا من أهل القبلة فهم ناجون برحمة الله وشفاعة الرسول r والإستغفار والتسبيح والتوبة والصدقة والصلاة والصوم والذكر والأمراض والآلآم التي تصيب المسلم.
5. عندما نتعامل مع حبل الله المتين يجب أن نتأكد من دقة الكلمة القرآنية وهذا هو موضوع برنامج الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم فلا نأخذ الأمور جزافاً فكل كلمة في القرآن تعطي معنى دقيقاً وهذا المعنى الدقيق يترتب عليه أحكام وآثار كثيرة وفيه آفاق كبيرة.
6. عِلم القرآن عظيم ومن علمه القَصص القرآني وهو أعجوبة العجائب فعلمه غزير وفيه عظة وعبرة وهداية فعلينا أن ننتبه أن القَصص القرآني ليست للتسلية وإنما هي للإتعاظ والهداية وكذلك علم الأمثال كما في سورة الروم (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ {58}) وفي سورة الإسراء (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً {89}) وضرب المثل غير تصريف المثل فضرب المثل يشمل كل العالم ويشمل قضايا كونية تنطبق على كل المجتمعات (ضرب الله مثلاً رجلا ) أو (قرية آمنة) أما تصريف المثل فهو يتعلق بمجتمعات المسلمين فقط.
وهكذا يجب أن نتعامل مع كتاب الله بأسلوب يوحّد الأمة وعلى المسلمين أن يتحدوا وأن لا يتفرقوا أو يكون في قلب أي منهم شيء على مسلم آخر. والواقع الآن أن اختلاف الفرق والطوائف الذين يكفّر بعضهم بعضاً ويرفضه ويشنّع عليه حتى يصل إلى حد القتل في بعض الإحيان والإتهام بالكفر وإخراجهم من الملّة وهذا كله من محبطات الأعمال فما من مسلم ينتمي إلى مجموعة من المسلمين تنبذ طائفة أخرى إلا وأُحبِط عمله فعلينا الصحوة وأن نتدارك أنفسنا ونعيد وحدتنا فكل من يصلي للقبلة مسلم والله تعالى هو الذي يحاسبه إن أخطأ. نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
بُثّت الحلقة بتاريخ 7/3/2004م