حثّ– حضّ – أسرع – سبق – هرع – عجل – جمح
هذه الكلمات كلها تدخل قي منظومة السرعة والتي تعني قضاء الحدث في وقت أقلّ وكلّما كان إنجاز وقت الحدث قليلاً عن المستوى الاعتيادي سُمّي سرعة وعكسها البُطئ. هذه السرعة ليست على نسق واحد أو نمط موحّد ولكل نوع من أنواع السرعة كلمة خاصة لا تُغني عنها كلمة أخرى.
حثّ: هو السير أسرع من المُعتاد وإنما يكون الاسراع منظّماً دقيقاً لا يتخلله انقطاع. وقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم في وصف سرعة توالي الليل النهار بانضباط دقيق في قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) الأعراف) هذه السرعة منظمة ودقيقة لا تنقطع ولا تختلف كلمت جاء نهار طلبه ليل والعكس. ويُقال في اللغة الحثحوث للسريع في المشي المنظّم كما تمشي القوات العسكرية. والحثّ يكون فقط في لبسير كالحثّ في سباق او امتحان وكل ما هو من باب السير المتوالي.
حضّ: إذا كانت السرعة ليست على المشي ولكن على أبواب الخير تُسمّى حضّاً كالحضّ على الصلاة وعلى الانفاق وغيرهما من العبادات. والحضّ هو سرعة الفعل والحدث في غير المشي. (وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) القيامة) و (وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) الماعون) و (وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) الفجر). والحضّ مأخوذ من أمرين أحدهما الحظ بمعنى خذ حظك من النجاح أو المال أو الزرع أومأخوذ من الحضيض وهو المكان السفلي في سفح الجبل وهو أشدّ استقراراً ثابت لا يتزلزل وهو أعمق وأقوى مكان في سفح الجبل. فعندما أحضّك على أمر ما كالانفاق مثلاً فكأني أريدك أن تذهب بهذا الانفاق إلى قاعه الراسخ.
أسرع: الاسراع محمود والعجلة مذمومة.
والاسراع هو تقصير زمن الحدث ولكن بانجاز مثلاً أن نسرع في بناء مبنى ما بمنتهى الاتقان في ستة أشهر وكان هذا البناء سيستغرق سنة. قال تعالى في القرآن الكريم (لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) ابراهيم) لأنه يوم القيامة يحاسب الله تعالى العباد كلهم من أول الخلق إلى أن تقوم الساعة في وقت واحد وفي نفس اللحظة وكان يتقتضي هذا الحساب زمناً طويلاً وملايين السنوات. وقدة الاسراع ومشتقاتها في القرآن الكريم في آيات عديد منها (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران) والمسارعة تقتضي وجود آخرين أو منافسين في السرعة. وهناك الاسراع والسباق (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) الحديد) وسابقوا بمعنى لتكن السرعة سرعة تسابق والمعروف أن سرعة السباق هي أشد أنواع السرعات. وقوله تعالى (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) ق) وقوله تعالى (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) المعارج) يُبعث الناس يةم القيامة كالفراش المبثوث والسرعة تكون في ذلك اليوم المشهود ديدن كل الذين يُبعثون كأنما يسارعون إلى مكان معيّن أو هدف معيّن.
وقد أمرنا الله تعالى بنوعين من السرعة المسارعة وهي التسابق في السرعة ثم نترقّى بهذه السرعة حتى تكون سرعة سباق والسباق هو وصف للسرعة والمسارعة بأن تكون شديدة وتأخذ مداها وأقصاها. والأجر يختلف والفضل لمن سبق. والسبق والسباق والسرعة والمسارعة محمودة أما العجلة فمذمومة.
عجل: العجلة هي تقصير المدة ولكن بدون اتمام العمل. الاسراع هو أن تسرع فيما ينبغي الاسراع فيه أما العجلة هي أن تسرع فيما لا ينبغي الاسراع فيه وهي كما قلنا مذمومة “في التأني السلامة وفي العجلة الندامة”. قال تعالى (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) طه) في قصة موسى عليه السلام مع قومه، فقد آمن قوم موسى لكنه لم يُتم عمله ولم يطمئن على ثبات عقيدتهم وإنما عجل إلى ربه ولم يُنجز عمله فكانت النتيجة أنهم فُتنوا وعبدوا العجل. وكل عجلة في كتاب الله تعالى تكون من هذا القبيل كما في قوله تعالى (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) يونس) فلو عجّل الله تعالى العذاب للناس لما بقي على الارض أحدا، و (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج) و (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) الانبياء) فكأن طينة الانسان معجونة بالعجلة فهو يتلهّف على العمل قبل أن يُنجز ويريده حتى لو كان خطِراً كما قال تعالى (وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16) ص). وفي قوله تعالى في الحج (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) البقرة) فعلى الرغم من أن الحج ميسّر لكن من بقي إلى اليوم الثالث يكون أفضل له ممن يتعجّل في يومين وكأنه غمز مبطّن للحجاج الذين يتعجلون في يومين وهؤلاء لا إثم عليهم لكن الزيادة في الأجر تكون لمن بقي لليوم الثالث. وهذا شأن كل العبادات فهي تنفي الاثم وإذا أُتقنت فإنها تزيد الأجر.
هرع: هي السرعة مع الاضطراب الشديد. الهرع بتسكين الراء والهرَع بفتح الراء هي السرعة المضطربة. قال تعالى (وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) هود) و (فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) الصافّات) ولا تغني كلمة أخرى من منظومة السرعة عن هذه الكلمة في الآية الكريمة. قد يسمع الانسان صوتاً أو صراخاً هائلاً فيُسرع إسراعاً هائلاً إلى حيث الصوت ويكون في غاية الاضطراب فإما أن يضطرب الإنسان بنفسه من خوف أو فرح أو حزن أو بفعل أحدهم.
جمح: الجموح هو سرعة قبيحة مهزوزة والجموح هو المسارعة في الشّر. قال تعالى في سورة التوبة (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)) فالكفّار في هذه الآية لو وجدوا مكاناً للهرب إليه من الله تعالى لفرّوا كما يفر البعير النافر الجامح. والعرب تقول جمح البعير إذا فرّ فراراً غير منتظم فهو جامح.
كرّم الله تعالى الأديان الثلاثة التي هي اكتمال العقل البشري ولهذا كان الأنبياء من قبل موسى يأتون برسالات بسيطة وكلمات بسيطة وكانت الملائكة تأتي على شكل أشخاص بسيطين كما حصل مه لوط وابراهيم وكانت كتبهم بسيطة مثل زبور داوود وصحف ابراهيم لكن اكتمال العقل البشري من حيث الوحي المجرّد وليس المشخّص اكتمل بالتوراة ثم الانجيل ثم القرآن وجعل الله تعالى هذه الأديان الثلاث ديناً واحداً جاء على فترات متتالية وكان عيسى عليه السلام واسطة العقد بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم. وهناك صفات مشتركة بين الكتب الثلاثة والتوحيد هو أساس الكون كله لكن للأسف لم يبق على التوحيد إلا المسلمين وفئة من اليهود والنصارى الذين ما زالوا يدعون للتوحيد لكن معظمهم انحرف عن عقائدهم أما المسلم فهاجسه التوحيد وقد جاء في الحديث الشريف: “لا أخشى عليكم أن تشركوا بعدي”
ويصف الله تعالى الشريحة التي هي القاسم المشترك بين الديانات الثلاثة فقال تعالى في كتابه العزيز (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) آل عمران) فهذه المسارعة في الخيرات هي القاسم المشترك بين عباد الله الصالحين الذين امتدحهم في الآية سواء كانوا جماعات أو أفراداً ولهذا فإن المسارعة في الخيرات هي الامتياز العالي للعلاقة بين العبد وربّه. والمارعة في الخيرات تشمل المسارعة في تنفيذ أوامر الله تعالى والانتهاء عما نهى عنه والمسارعة بأداء العبادات كالصلاة والزكاة والحج والاسراع في التوبة بعد اقتراف الذنب مباشرة والاستغفار (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران) وغيرها لأن هذا يدل على صلاح العبد. وعلى المسلمين أن يبتعدوا عن التسويف والتباطؤ في العبادة وفي طاعة أوامر الله تعالى. وفي مشهد الموت بعد أن يموت الانسان ويوضع في قبره يأتيه ملكان غليظان يسألانه من ربه وما دينه ومن نبيه فيجيب المسلم المؤمن بسهولة ثم يأتي رجل جميل الوجه فيسأله المؤمن الميت من أنت فيقول له أنا عملك الصالح لقد كنت سريعاً في طاعة الله تعالى.
والانفاق هو القاسم المشترك في كل منظومات العمل الصالح وهو دليل على أن العبد يقهر نفسه في سبيل الله تعالى وقد جاء في الحديث الشريف: “من أسرع به عمله لم يُبطئ به نسبه”
أمرنا الله تعالى أن نسارع فماذا نفعل؟
1. إعلم أنه هلك المسوّفون الذين يتباطؤن.
2. الصلاة في وقتها أي بعد الآذان مباشرة ” أفضل الأعمال الصلاة في وقتها”
3. الإسراع في الحج “حجوا قبل أن لا تحجوا”
4. الاسراع في إخراج الزكاة
5. صلة الرحم “من أراد أن يُنسأ في أجَلَه ويُزاد له في رزقه إن الله ليعمر لقوم الديار ويُربي لهم الأموال وما نظر لهم مذ خلقهم غضبا قالوا بم يا رسول الله؟ قال بصِلتهم أرحامهم”
6. ذكر الله تعالى فعلى كل مسلم أن يكون له وِرد يومي “لا إله إلا الله مئة مرة لا تذر ذنباً ولا يسبقها عمل” والوِرد الذي بعد الصلاة أيضاً ه أجر عظيم إذا واظب العبد عليه.
وعلينا أن نحذر ونبتعد عن المغالاة أو التقصير وعلينا بالوسطية في كل أفعالنا فى نوغل أو نغالي في العبادات كما لا نقصّر فيها.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “أتدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال الذين إذا أُعطوا الحق قبِلوه وإذا سُئلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم”. وقال صلى الله عليه وسلم :” لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه: والتهجير هو الذهاب المبكر إلى المسجد. والسابقون في الخيرات الذين دخلون الجنة بغير حساب وعلينا أن نحاول أن نكون ممن لا يُحاسب وذلم بالاكثار من الأعمال الصالحة وعدم الحساب يوم القيامة مكرُمة من الله تعالى لعباده المؤمنين الصالحين المسارعين في الخيرات. ومن نوقش الحساب هلك. والناس يوم القيامة ثلاثة أصناف (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) فاطر) منهم من ظلم نفسه وهو الذي يحاسب حساباً عسيرا، والمقتصد وهو الذي يحاسب حساباً يسيراً وسابق بالخيرات وهو الذي يدخل الجنة بغير حساب.
وللإكثار من الأعمال الصالحة علينا أن نحافظ على: صلاة الجماعة، صوم 3 أيام من كل شهر، كثرة الاستعفار، ركعتي تهجد في الليل، حفظ البقرة وآل عمران.
بُثّت الحلقة بتاريخ 2/7/2004م