الحروف في القرآن الكريم, حرف الحاء

حرف الحاء – منظومة حصن

اسلاميات

منظومة   حصن والتحصّن

الحصن– الملجأ – الوَزَر –  الصياصي – البروج المشيّدة – الركن الشديد – الملاذ –

هذه هي منظومة التحصّن. وكلمة حصن هي كلمة ضمن مجموعة الكلمات القرآنية التي تدل على تحصّن الانسان من عدوه أو من ساعة كرب شديد لا يفرّجه إلا رب العالمين سواء كان العدو مادياً أو معنوياً أو من نفسك أو أي شيء. ولقد استعمل القرآن الكريم هذه الكلمات استعمالاً اعجازياً ليس بوسع بشر أن يستعملها بحيث لا يمكن أن تُغني كلمة عن أخرى. والأحرف المقطعة في أوائل بعض سور القرآن تدلنا على أنه ما من أحد أحسن استعمال حروف اللغة أدباً وشعراً كالعرب ومع هذا فإن الله تعالى استعملها استعمالاً عجز العرب لبذين هم أهل اللغة عنه.

الصياصي: هي حصون تُشيّد للهجوم وليس للاحتماء. وأصل الكلمة صيصة وتعني قرن الثور القوي يقاتل به وجمعها صياصي. بعض الناس يبنون هذه القلاع على شكل قرني ثور لتكون مكاناً لقهر العدو وليس للتحصّن. قال تعالى (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) الاحزاب) ولم يقل ملاجئهم لأنها ستعني أنهم كانوا خائفين وأين يكون الاعجاز في إنزال قوم خائفين من ملاجئهم؟ قال تعالى صياصيهم لأنهم أقوياء وهذه الصياصي من الصعب الدخول إليها ومن هنا كان إعجاز استعمال الكلمة صياصيهم في هذه الآية ولا يمكن أن يكون لها بديل في هذه الآية.

الحصن: عندما يزداد هجوم العدو عليك وتشعر أنك فقدت قدرتك تنسحب من موقعك أمامه إلى موقع آخر تتحصّن فيه حتى يكون ذلك الحصن موقفاً إضافياً للقوة. قال تعالى (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) الحشر).

الملجأ: أنت منهزم وتدخل إلى الملجأ الذي لا يعرفه عدوك وتلجأ إلى الله بحيث لم يبقى لك بديل آخر. والملجأ للمنهزمين. قال تعالى (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) التوبة) و (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) الشورى). تلجأ إلى الله عندما لا يعد لديك وسيلة غير ذلك. أحد يغرق في البحر ولا يوجد أية وسيلة للمساعدة أو النجاة وأوشك أن يغرق وليس له إلا الله تعالى يقول يا الله هذا لجوء إلى الله تعالى وهو الحلّ الأخير الذي لا بديل له.

الوَزَر: هو الملجأ الذي يُلتجأ إليه من الجبل المترمدين على السلطة القوية. هي حصون في رؤوس الجبال يتحصن بها المتمردون على عدو ذو عِزّة ومناعة أو اللصوص. وقوة الوَزَر أنها شاهقة في رأس الجبل ويصعب الوصول إليها ويصعب على قوى الأمن مثلاً الوصول إليها. قال تعالى (كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) القيامة). وفي قصة نوح u في الطوفان عندما نادى ابنه لريكب معه قال ابنه (قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) هود).

البروج المشيّدة: تُبنى عالية جداً وتكون أبوابها سرّية وقد تكون مداخلها تحت الأرض ولا يعرف أحد من أين يدخل إليها. (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) النساء)

وأضيفت هذه الكلمات من بعض الأخوات المشاهدات اللواتي اتصلن بالبرنامج مباشرة على الهواء:

الركن الشديد: وهو الشخصية القوية التي يُستند إليها أو المكان المسلّح القوي الشديد. (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) هود)

الملاذ: جاءت في القرآن لواذا وهي التقوي بشيء آخر. قال الإمام علي رضي الله عنه: كُنّا إذا حمي الوطيس لُذنا برسول الله. وتُسمى العشيرة القوية ملاذاً إذا كنت تتقوى بها. قال تعالى (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) النور).

كلمة المغارة ليس من اللجوء ولكن من الهرب الذليل كما جاء في آية سورة التوبة (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)).

وأضيف والله أعلم كلمة الكهف ولا أدري إن كانت كلمتي المأوى والغار تدخلان في هذه المنظومة أيضاً:

الكهف: كما جاء في قصة الفتية في سورة الكهف (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16) الكهف) هرب الفتية من الملك ولجأوا إلى الكهف.

لا تُغني كلمة من هذه المنظومة عن كلمة أخرى وهذا من دقة القرآن الكريم. وهذه هي الفروق بين كلمات التحصين. والتحصّن يكون كما قلنا من أشياء مادية أو معنوية وقد أمرنا الله تعالى أن نتحصّن من الشيطان بالمعوذات والرسول r تحصّن منه ” اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك”.

والله تعالى له صفات جلال مع العصاة كالمنتقم والجبّار وله صفات جمال مع الطائعين كالرحمن والرحيم والغفور. وقد يكون الانسان من أعداء الله تعالى فيتعامل الله تعالى معه بصفات الجلال ويحتاج الانسان لكي ينجو من هذا ولا ينجو إلا أن يفرّ إلى الله تعالى فلا ملجأ ولا مفرّ إلا أن تلجأ إلى الله تعالى (لا ملجأ من الله إلا إليه) والانسان يفرّ عادة من كل ما يخافه إلا الله تعالى فنحن نفرّ منه إليه سبحانه وتعالى. اللهم إني أعوذ بصفات جمالك من صفات جلالك.

الحصن والمحصنين والمحصنات وردت كلها في القرآن الكريم ووردت في ذكر مريم ابنت عمران في قوله تعالى (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) التحريم) لم يقل ابنة عمران العفيفة مع أنه جاء استعمال يستعفف في القرآن في قوله تعالى (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) النور) وكلمة التعفف معروفة جداً عند العرب وكان يسمّون الفيف والعفّان الذين حرموا على أنفسهم الخمر والنساء منهم عفّان أبو عثمان بن عفّان  سُمّي عفّان لأنه كان عفيفاً عن الزنا والخمر. والفرق بين العفيفة والمحصنة أن العفيفة لا تزني مع اشتهائها للجنس الآخر فهي تتعفف أما المحصنة فهي التي لا يمكن أن يجتاحها أحد أو يقهرها أو يصل إلى مراده منها أحد مهما كانت قوته. قال تعالى (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ (24) النساء). والله تعالى أراد أن يهيب بكل مؤمنة فقال تعالى (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ (32) النجم)

قال تعالى (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14) الحشر) هذه ثقافة اليهود في التاريخ لا يقاتلون وجهاً لوجه وإنما يقاتولن في قرى محصنة ومن وراء جدر في دبابة مثلاً وهذا ليس لأنه خائف ولكن لأن هذه عقيدته لا يقاتل إلا في حصون أو صياصي. فسبحان الله تعالى الذي قال (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) النساء) وهذا من حيث اللفظ ، وقال تعالى (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87) النساء) وهذا من حيث المعنى.

التحصّن من الشيطان يكون بالذكر والدعاء يكون في أي وقت.

لو تأملنا في قوله تعالى (لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ) في ساعة لا يمكن أن يخطر على بالك إلا الله تعالى تلجأ إلى الله. لم يقل لا حُصن إلا الله لأنه في ساعة الهروب الكمل والهزيمة الكاملة ليس لك إلا الله تعالى فتلجأ إليه. عندما ييأس الانسان ويظن أنه هالك لا محالة (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) الاحزاب) (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) لا بد أن يكون في ملجأ وأي ملجأ غير الله تعالى قد لا يعصمه أو ينفعه أما الملجأ إلى الله تعالى فهو الذي يعصم وينقذ. في قصة يونس u في بطن الحوت عندما وصل إلى قمة اليأس لجأ إلى ربه فقال (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) الانبياء) فنجّاه الله تعالى. وكلّنا مرّت عليه ساعات شِدّة وعسرة أو ضياع أو فقدان مال أو وصول إلى خطر داهم وعندما تصل إلى قمة اليأس تقول يا الله بلسانك وقلبك تشعر براحة وطمأنينة عجيبة جداً وتستقبل الأمر برضى وطمأنينة شجاعة لم تعرفها من قبل بمجرد أن خلوت بالله تعالى ونسيت من عداه وانتهى كل أمل إلا الله تعالى تشعر أن الله تعالى يراك والمحتضر الذي بدأ يرى شبح الموت يبدأ يشعر أنه وصل إلى كنف الله تعالى ولم يعد له ملجأ إلا الله تعالى تراه مطمئناً (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) فصلت) . المسلمون في غزوة بدر والاحزاب عندما وجدوا أنفسهم أمام قوة قاهرة لا يقدرون عليها لجأوا إلى الله تعالى فنصرهم.

بُثّت الحلقة بتاريخ 10/9/2004م