حد– طرف – حرف – رجا – حافة – جنب – شفا – شاطئ – ساحل – جرف
هذه هي منظومة الأطراف. لكل شيء طرفان وجوانب وطرفا الشيء هما مبتداه ومنتهاه فالنهار له طرفان الصبح والمغرب (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) هود) وجوانبه هي بقية الأوقات. الأرض لها أطراف كما في قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) الرعد) . وتختلف أسماء الأطراف في كتاب الله تعالى باختلاف نوعها ووظيفتها أو حجمها أو ارتفاعها أو انخفاضها بدقة لا يمكن أن يقولها في أماكنها إلا ربٌّ وسع علمه كل شيء. والله تعالى يرسم الصورة كاملة من خلال اختيار الكلمة امناسبة في الجملة المناسبة.
الطرف: بداية الشيء ونهايته وهو ملازم له يبقى ببقائه ويذهب بذهابه ولا يمكن فصله عنه. (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) طه) (بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) الانبياء)
الحدّ: حد الشيء هو الطرف الذي يميّزه عن غيره ولكي لا يختلط بغيره كحدود الأرض فالحدّ هو طرف وظيفته أنه يميّز هذا الشيء عن غيره وهو طرف يمنع الآخرين من التجاوز عن هذا الشيء (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) البقرة) ( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) الطلاق) إذن فالحدّ يميّز ويمنع التجاوز (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) البقرة) والحدود تمنع من التجاوز عن الأحكام الشرعية. (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) التوبة)
الحرف: طرف الشيء العالي المدبب وهو حاد كالسكين يصعب الوقوف عليه وإذا تمكنت من الوقوقف يصعب التماسك عليه وإذا تمتسكت تهوي. حرف الجبل هو قمّته المدببة التي يصعب الوصول إليها والتماسك عليها. والحرف هو كل طرف مدبب كطرف البعير (سنامه) لا يمكن أن يتماسك عليه بدون ركاب. (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) الحج) هذا ما يفعله الحمقى الذين يختارون رأياً واحداً ويرفضون جميع الآراء ويتهمونها بأنها باطلة فهذا ما أسرع ما ينزلق ولا يجد بديلاً فيجب أن نعبد الله تعالى على البسيطة. والحريف من الحرف (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) النساء) يأخذون رأياً واحداً. كما حرّف نو اسرائيل كلمة حطة وقالوا حنطة حرّفوها لأنهم لم يدركوا مغزى كلمة حطة ولو أدركوه لقالوا اغفر لنا.
الرجا: (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) الحاقة) الرجا عكس الحرف فهو واسع يمكن الجلوس عليه ويمكن أن تبني عليه بيتاً كحافة النهر أو الكورنيش أو الجزر داخل البحار والأماكن المنبسطة ويمكن التمسك بها طويلاً لهذا الملائكة حول العرش هم في غاية الراحة.
الحافة: مانع يمنعك من السقوط على الطرف. أنت مثلاً على قمة جبل لكن هناك من بنى ستارة كثيفة تمنعك من السقوط (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75) الزمر) أي لهم مواقع منيعة يتمسكون بها ومستمسكون بها لأنها مريحةلها حفائف وحافّات وهي عكس الحرف.
الجنب: هو الطرف المنيع الذي يحرص كل من له شيء أن يكون الجنب منيعاً. أطراف الانسان هما يداه ورجلاه وهي تحرك وتعمل وهو مستمسك فإذا قُطعت أطراف يعيش. لكن الجنب من الإبط إلى الحوض إن لم تحمه فإن أي ضربة تودي بصاحبها. البلاد حدودها معروفة فإذا اخترق العدو جنوبها فقد ذهبت (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) الزمر) هو التوحيد. يمكن أن يعمل الإنسان معصية يمكن تداركها لكن أن تشرك بالله هذ مقتل فيجب أن تكون توحيدك لله محمياً ويجب أن يكون منيعاً لا يُخترق.
شفا: (وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) آل عمران) المكان المشرف أو طرف الشيء العميق جداً هاوية، بئر وادي عميق حافته اسمى شفا مثل الشفة العليا فطرف الحافة تسمة شفا. (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) التوبة)
شاطئ وساحل: الشاطئ طرف الماء (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) القصص) والساحل طرف اليابسة (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه)
الجرف: شاطئ المسيل إذا أخذه السيل يجرف كل شيء في طريقه عندما يأتي على الأرض الرملية يحدث فيها أنهاراً لهشاشة الأرض الترابية (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) التوبة).
لكل طرف اسم ولكل اسم وظيفة استعملها القرآن على هذا النسق العجيب يحبث لا تغني كلمة عن أخرى.
الحدّ والحدود:
هذا الدين حدّي (افعل ولا تفعل) آتوا الزكاة، أقيموا الصلاة، لا تأكلوا الربا هذه تكاليف محددة من حيث أن لها حدّ أعلى وحدّ أدنى من حيث التطبيق ومن حيث الحكم وقد ذكر هذا الأصفهاني والسمين. وتكاليف الإسلام (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا) و (ِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا)
وقال الراغب الأصفهاني: جميع حدود الله على أربعة أوجه منها:
ما لا يجوز أن يُتعدّى بالزبادة عليه ولا القصور عنه (لا يمكن أن تزيد أو تنقص) وهذه مثل أوقات الصلاة وعدد الركعات.
ما تجوز الزيادة عليه ولا يجوز النقصان كالزكاة لا يمكن الإتقاص عن الحد المطلوب ولكن الزيادة جائزة وكذلك المحرّمات مثل الميتة والدم ولحم الخنزير هذه هي الحدود التي لا يمكن أن تنقص منها لكن يمكن أن تزيد عليها محرّمات أخرى.
ما يجوز النقصان فيه ولا يجوز الزيادة مثل الوضوء: غسل كل عضو ثلاث مرات لا تزيد عن ذلك وكذلك الزواج يمكن أن يتزوج أربعة كحد أعلى يمكنه أن يُنقص للكن لا يزيد عن أربع.
ما تجوز الزيادة عليه والنقصان لكنها مقيّدة مثل صلاة الضحى وعشر ذي الحجة.
هذه التقسيمات لها تقسيم آخر عند التفصيل فالصلاة خمس أوقات وعدد ركعاتها من حيث وجوبها حدّية ومن حيث تطبيقها حدّية أي أن تطبيقها فيه سعة ومرونة لها حدّ أدنى وأعلى وبينهما أنت لك الحرية إن نقصت عنها لا تكون مسلماً (لا تقربوها) وإذا زدت عليها خرجت من الاسلام (فلا تعتدوها).
في قضية ملامسة النساء ونقض الوضوء من العلماء من يقول أنه بمجرد لمس النساء بنتقض الوضوء ومنهم من يقول أن لامس تعني جامع ومنهم من يقول مسّ اليد لكن بشهوة ومنهم من يقول اللمس ينقض الوضوء بشهوة أو بغير شهوة فأنت في سعة في هذا الأمر وعليك أن تعترف بكل الآراء لأن الله تعالى (يريد الله بكم اليسر) من حيث التطبيق و(يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) النساء) من حيث الكمّ.
والله واسع عليم وكلما كنت عالماً كلما كانت سعة استيعابك أكثر وكلما ازداد العقل سعة وتوسعة على الناس. ومن حيث كونه تعالى واسعاً يقبل امرأة بغيّ سقت كلباً لأنه سبحانه قال في كتابه العزيز (ورحمتي وسعت كل شيء). أي مسلم مثلاً يقيم الصلاة ودائم عليها ويريد أن يعمل شيئاً يتقرب به إلى اله لكنه لم يُكتب له عمله فالله تعالى برحمته وسعته يأجره عليه وإن لم يفعله. وكل واسع عالم وكل عالم واسع ولا أحد غير الواسع العالم يقبل اعتذار الآخرين لسعة صدره وكثرة ما يعتذر للخطائين ليفتح لهم باب التوبة وهكذا الله تعالى يغفر الذنوب جميعاً لمجرد أن ينوي العبد التوبة يغفر تعالى له وهذه من سعة الله تعالى.
ما من حكم شرعي إلا وله عدة صيغ للتطبيق في كل الفقه الاسلامي وعندما وسّع الله تعالى علينا طلب منا أن نكون في الوضع الذي لا حرج فيه (ما جعل عليكم في الدين من حرج) بعض الأحيان تستبد بعض الآراء التي ترفض كل رأي آخر وتخطّئه. وهناك فرق بين العلم والفهم فالعلم بلا عقل مضرّة ولو فهم أحد آية فهماً خاطئاً وأراد أن يفرضها على الأمة فرضاً كأن يفهموا أن من ارتكب الكبيرة خالد في النار فهذا في منتهى الغباء والجهل وللأسف أنه في عصرنا الحالي هناك تيارات تُجبر الناس على رأي واحد في مقابل آراء ومذاهب أخرى تنهل من كتاب الله تعالى عرفت طبيعة الشريعة السمحة الحنيفية (حنيفاً مسلماً) . والله تعالى يقبل التوبة حتى في الخطأ في الصلاة فشرع لنا سجود السهو العاقل يرجع إلى الله تعالى كلما حزبه أمر فتجعله سبحانه وتعالى مرجعك (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) يونس) (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) والصواب في كل أمر فقهي متعدد في الدين وهذا من باب رفع الحرج (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).
ولكي تكون من أولياء الله تعالى يجب أت تأتي الله بقلب سليم بلا حقد ولا ضغينة ولا خوف عليك ولا تحزن على ما كان منك. وكل من يوحّد الله تعالى مقبول مهما فعل واختلف لأنه يدور في إطار مشروع وحرية التصرف في العبادة الواحدة مشروع. هناك آراء واختلافات وليس هناك عذر يوم القيامة لمن يأتي أحد وقد غضب الله تعالى عليه فإياك أن تعبد الله على حرف واحد (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) الحج) والقرآن حمّال أوجه وكل صحابي فهم فهماً وكله صحيح ما داموا في الحنيفية ولم يتجاوزوا الحد الأدنى والأعلى (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا) و (ِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا).
والدين مبني على السعة والله تعالى خاطب نبيّه (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) والمؤمنين (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) التغابن) وقال تعالى (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) وهذه هي السعة العظيمة وما أشد البدائل فكل حركة لها بدائل وهذا من السعة. فالمفطر في رمضان يقضي أو يدفع كفارة والصلاة يمكن أن يجمع ويقصر أو يصلي قاعداً أو مضطجعاً وكل هذا يدخل في قوله تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وهذا الدين كما قلنا حدودي ورفع الله تعالى عن عباده الحرج ولو كانت قضايا الدين على حرف لتوقفت الأمة ولذا فإن الحنيفية السمحة لها بدائل تنفع في كل عصر قد تختلف الأخلاقيات والمعاملات من جيل إلى جيل والدين يسع كل هذه التغيرات. ويقول ابن مسعود عن القراءات المختلفة فيقول هي مثل قول أحدكم هلُمّ وتعال وأقبل.
لك مطلق الحرية فيما عدا افعل ولا تفعل أي في الأوامر والنواهي. والحدود في الأوامر والنواهي المفروضة وفيما عدا ذلك فأنت لك مطلق الحرية كأن تذكر الله كما شئت وفي أي مناسبة ولك أن تُحدث من الذكر ما تشاء. سُئل رسول الله r من أحد الصحابة: دُلّني على عمل يدخلني الجنة فقال له r لا يزال لسانك رطباً بذكر الله” والذكر من أفضل العبادات وقد امتدح تعالى الذاكرين والذاكرات في القرآن (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) الاحزاب) وذكر الله أكبر من أشياء أخرى (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) العنكبوت) ولله تعالى ملائكة سياحين يتبعون حِلَق الذكر وفي الحديث القدسي: أنا مع عبدي إذا ذكرني وتحركت بي شفتاه” . وفي الحديث القدسي “ما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل..” وهذا كله ضمن حدود افعل ولا تفعل أما البدعة فهي ما حرّمه الشرع.
الصاحب بالجنب: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) النساء) منهم من قال الجار ومنهم من قال رفيق السفر ومنهم من قال الزوج والزوجة وأكثر الآراء على أنه الزوج والزوجة ويقال للجماع الجناب.
هذا الدين فيه سعة ولا ينبغي أن يأتي أحد ويضيّق على الناس ويشغلهم وهناك فرق بين من يدّعي العلم ولم يطلبه في حياته وبين العالم ومن هذا المنطلق كره كثير من المسلمين الذين لأنه فرض عليهم رأياً واحداً وقد يكون من أضعف الآراء ولا يلبي احتياجاتهم ومنهم من استحل قتل الناس فهذا ويل. وكون الله تعالى واسعاً عليماً يعطينا معنى السعة والعلم في الدين.
بُثّت الحلقة بتاريخ 22/10/2004م