الشتات – التفرّق – التناثر – التبعثر – التقطّع – النقض – الإنشقاق – الإختراق – الفتق – الفلق – التمزّق
وصلنا إلى حرف الشين.
كلمة شتّ (يصدر الناس أشتاتاً). للعلم كل شيء في الكون له نظام (وما ننزله إلا بقدر معلوم) (وأنزل الميزان) الميزان هو نظام كل هذه المخلوقات التي خلقها الله عز وجل والتي هي كلماته التامة. هذه الكلمات التي هي مجموعة مخلوقاته بـ (كُن فيكون). كل كلمة وكل مخلوق من هذه المخلوقات تخضع لنظام دقيق هذا هو الحكيم. حكمة الله عز وجل أن خلق كل شيء بنظام كامل. وكل شيء رب العالمين سبحانه وتعالى لم يسلّط البشر عليه أمر لم يكن من صلاحيات البشر أن يتعاملوا معه بقي سليماً على قوانينه وهذا معنى قوله تعالى (وأوحى في كل سماء أمرها) أي قوانينها: قوانين الشمس والقمر والنجوم والماء والنار وكل المخلوقات، هذا النظام. منظومة سقوط الأنظمة: أنظمة الكون قد تكون أنظمة سياسية وعلمية والاختراعات وغيرها، كل هذه الأنظمة في كتاب الله عز وجل لسقوطها أسماء كثيرة قد تصل إلى ثلاثين كلمة ومن ذلك أن هناك كلمات تدل على سقوط النظام تختص بشيء واحد. مثلاً الكسوف كلمة تدل على سقوط نظام الشمس والخسوف كلمة تدل على سقوط نظام القمر والطوفان كلمة تدل على سقوط نظام الماء وهكذا. غير ممكن أن نتكلم عنها في حلقة واحدة لذا اخترت بعض الكلمات العامة التي تتعلق بسقوط كل شيء وهي: الشتات، التفرّق، الإندثار، التبعثر، التقطّع، الإنتقاض، الإنشقاق، الإختراق، الفتق، الفلق، التمزق. هذه يمكن أن تطلق على كل شيء. التمزق أو الشتات على نظام حكم، جماعة، أفراد، حجارة. حينئذ هذه الكلمات الدقيقة في هذه المجموعة الكبيرة التي لا تحيط بها حلقة واحدة والتي تشير إلى سقوط نظام معين إخترنا هذه الكلمات من باب المثل وكيف يتبين أن القرآن مهجِز يستعمل الكلمة بحيث يرسم بها زاوية محددة من الصورة لا ترسمها الكلمة الأخرى. إذا كان الرسامون يرسمون بالألوان والزيت فالله تعالى يرسم بالحرف (كهيعص) ما من أمة أبدعت في استعمال حرفها كما أبدعتم أنتم شعراً ونثراً لكن الله عز وجل سيستعمل هذا الحرف إستعمالاً إعجازياً يعجز عنه كل أدباء العرب مجتمعين وهذا ما حصل بالضبط.
التشتت أو الشتات: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) الزلزلة) سقوط نظام المجموعات الكبيرة. شعب كامل موحّد له حكومة وجولة ومجتمع يسقط النظام فيصبح الناس أشتاتاً. أشتات عندما يكون التفرّق لا يمكن الإجتماع بعدخ يعني غاية التفرّق. بعد أن كانوا مجموعة كبيرة وكتلة كبيرة أصبحوا أفراداً لا يمكن أن يلتقوا في هذا المكان الذي كانوا فيه شتات. (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) الأنعام) ليس هناك كتل، لا عشيرة، لا جماعة، ولا أمم الكل مشتت. فالشتات سقوط نظام المجموعات الكبيرة وهو سقوط ليس في الوسع أن يجتمعوا في تلك الساعة (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14) الحشر).
التفرّق” إذا كان الشتات سقوط نظام المجموعات البشرية فالتفرق سقوط نظام المعاني، الأفكار، الديانات، النظريات. (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) الأنعام) (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم) (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) آل عمران). التفرق سقوط نظام ليس الكتل البشرية وإنما الكتل الفكرية والعلمية والكتل الكبيرة إذا سقطت يقال تفرّقت.
النثر والتناثر: إذا كان السقوط نظام الكتلة الواحدة ذات النظام سقطت على الأرض، (وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) الانفطار). نيزك من النيازك سقط على الأرض فلما سقط تناثرت أجزاؤه على مستوى الكرة الأرضية كلها. لم يعد هناك جزء مع جزء يقال انتثر. الإنتثار أن يكون الأجزاء متباعدة ساعة السقوط على خلاف النقض (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) النحل). (وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ) جميع هذه المجرات يوم القيامة تنتثر بحيث لا يبقى نجم مع نجم ولا كوكب مع كوكب تتناثر تناثراً عاماً. سقوط كامل بحيث تكون مساحة سقوطه واسعة وقطع صغيرة.
النقض: بينما النقض هو شيء كامل أنت خربته أنت أسقطت نظام شيء متكامل بمكانه، أنت تنقض عمارة في مكانها. الفرق بين النقض والنثر أن النقض في مكان واحد والنثر على أماكن متعددة. هذه من دقة اللغة العربية.
التبعثر: إنتثر إنتشار هائل بعد أن هوى في مكانه ذهب النظام. عندك صندوق ملابس الأمور فيه مرتبة بنظام ونقضت هذا النظام يقال بعثر لا يقال إنتثر أو نقض. كذلك القبور (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) الانفطار) يتبعثر في مكانه تماماً.
الشق والاختراق: الشق يكون طولاً والإختراق عرضاً (قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) الكهف) خرقها عرضاً. ولهذا الذي يخترق دولة كالجواسيس لا يقال شق وإنما يقال اختراق لأنه يكون في زاوية.
الفتق: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) الأنبياء) الرتق شيئان ملتصقان إلتصاقاً موحداً لما تفصلهما يقال فتق. السموات والأرض كانتا متصلتان ثم فتقهما. الرتق مأخوذ من بعضه ملصق ببعض. الرتق أن تلصق قطعة بقطعة لصقاً تاماً ثم تسقط هذا النظام فيسمى فتقاً.
الفلق: عندما يكون الإختلاط كاملاً (سمن وعسل، فجر وليل) (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) الأنعام) (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)) ساعة إنفلاق ضوء النهار عن ظلمة الليل.
التمزّق: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) سبأ) قطع صغيرة. هو إتلاف الشيئ بحيث لا يمكن إصلاحه بعد ذلك. يعني هلاكاً كاملاً.
التقطّع: عندما تقطع الشيء إلى عدة كُتل. (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) الأنعام).
هذه هي بعض كلمات منظومة سقوط الأنظمة سواء كانت قياسية، إجتماعية، علمية، دينية، كل هذا الكون له نظام (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) الأنعام) فيه نظام ومجموعة أنظمة، حتى الورقة لها عدة أنظمة.
نتكلم بإيجاز عن القرآن كيف يعمل؟
(زمراً) إذا كان إنسان يقال زُمر أما إذا كانت أشياء أو أمة مجتمعة ثم تقطعها إلى قطع لا بد أن تكون كتلاً كبيرة. جاءت هذه الكلمة مع اليهود فقط. اليهود يستعملون كلمة الشتات أنهم مشتتون في الأرض لكن الله تعالى لم يستعملها في القرآن مع اليهود وإنما قال (أشتاتاً) ليس أحد معه من الرعب والفزع. واليهود ليسوا مشتتين في الدنيا وإنما مقطّعين (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا (160) الأعراف) (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) الأعراف).
واقع الحال (وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) الإسراء) ما قال اسكنوا قطراً معيناً. إبراهيم u في وادي مكة وآخر قال اجخلوا مصر فليس لليهود وطن واحد وإنما جميع الأرض وطن لهم ينتقلون من هنا وهناك فاليهود يسكنون مبعثرين. كل شعوب العالم بينهم يهود وجاليات أخرى وهذه الجاليات تختلط بشعوب البلاد لكن اليهود يسكنون في حيّ واحد (حي اليهود) لا يساكن اليهود غيرهم وإنما يسكنون في تجمعات خاصة بهم (وقطعناهم). شعب واحد صحيح النسب لكن مسكنهم الأرض وعندما تحين الساعة الأخيرة يجمعهم الله تعالى في مكان واحد (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) الإسراء) وهذا دليل على قرب هلاكهم والنصوص تشير إلى قرب هلاكهم وهلاك الدنيا “حيث لا يفرح يومئذ بنصر ولا يقسم يومئذ ميراث”. هذا انتصار هو والهزيمة سواء بسواء. ما هي إلا سويعات أو أيام الأرض تفنى. هذه الآية تقول أن اليهود مقطعين ليسوا مشتتين (كانوا مشتتين وكان كل واحد يعيش لوحده أما مقطعين فهم يعيشون مع بعض في كل دولة).
تقطّع تعني أن نظام الشيء يسقط إلى كتل وليس إلى جزئيات صغيرة مثل انتثر أو انشق أو تفرّق أو انفطر. واليهود يعترفون بهذا ويقولون أنها لعنة بني إسرائيل (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) الأعراف) في كل مكان سكنوه من كثرة ما يعبثون في الأرض.
نادراً ما تجد شعباً آخر عندما يصاب بنكبة يتقطع كما صار مع اليهود. هم دائماً في هذا التكتل والقطع. (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) آل عمران) التفرق شتات بالأفكار والشتات بالأشخاص. التفرق بالأفكار والقيادة والرأي الواحد. قال r ” من جاءكم يريد أن يفرق جمعكم وأنتم جميع فاضربوا رأسه بالسيف كائناً من كان”.
رب العالمين سبحانه وتعالى يوحي (واعتصموا) لأن الوحدة قوة والفرقة ضعف. (وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) آل عمران) هذه الأمة لا تكون أمة ساكتة وإنما يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. سواد الوجه في الدنيا فضيلة وفي الآخرة رذيلة وكثير من الأشياء كذلك. سواد الوجه في الدنيا يدل على أن الإنسان إنسان وزيادة. الإنسان الأسود هو أصل الخِلقة: آدم كان أسوداً لأنه متقن أكثر من الإنسان غير الأسود فالأسود فيه عناصر إنسانية وزيادة. هذا اللون حماية عظيمة من أشعة الكون، من الشمس وما إلى ذلك. الأسود فيه مقاومة ومناعة أضعاف ما عند غير الأسود. السواد في الدنيا فضيلة أما في الآخرة رذيلة (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) آل عمران) ما الذي جعلكم تكفرون بعد إيمانكم؟
رب العالمين يقول (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) هذه الأمة من أسباب كونها خير الأمم أنها الوحيدة في الأرض التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر على مدار الساعة. (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) آل عمران) هذه الخصلة الرابعة والتي هي علامة على قرب هذه الأمة من ربها وتتميز بها عن الأمم الأخرى هذه فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. نحن مطالبون بالأمر بالمعروف وليس بالشرع. الشرع أنواع ومذاهب وأفكار وأنت في بلد فيه مسائل في الشرع ليست على مذهب معين مثل تحريك السبابة أو تغطية الرأس في الصلاة وغيرها فيها عدة آراء والنبي r فعل هذا وفعل هذا. في بعض البلاد الناس تعارفوا على شيء واحد فعليك أن ترضى به لكن أن تفرّق بين الناس فهذا من باب الفتنة الني نهى عنها النبي r. الأمر بالمعروف يكون بما تعارف عليه الناس في هذه المدينة أو في هذه البلدة أو تلك ما دام مشروعاً والإختلاف في هذه الأمة رحمة. قيل لعمر بن عبد العزيز: “إن أصحاب النبي محمد تفرّقوا في الأمصار فلو وحّدتهم. فقال: والله إني ما أحب أن أصحاب محمد لم يختلفوا لأنهم لو لم بختلفوا لوحّدوا السُنّة والسُنّة متعددة.” هذا يجوز وهذا يجوز فاختر لك واحدة. في المغرب يسبلون وهذا وارد في الشرع فلا نشق صفوفهم وهذا العبث الماضي في كتاب الله والسُنّة الذي يحصل الآن يُشعل فتناً عظيمة. هذا هو الرياء الذي يُحبط العمل يوم القيامة.
أناس أرادوا شق صفوف هذه الأمة. لكن المؤمن كيّس فطِن. هناك أمور جائزة. أمة تعارفت على حكم شرعي جائز فيأتي من يشق الناس ويعمل فوضى وهذا من عمل إبليس. الأمر بالمعروف يكون كما قلنا يما تعارف عليه الناس وما هو مشروع.
رب العالمين قال (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) الأنفال) هذا العبث الذي يحصل الآن وما من فترة تفرّق فيها المسلمون كما تفرقوا الآن والذي فرّقهم كما قال r هم من يظنون أنهم يحسنون إلى الناس. ما يحصل في العالم الإسلامي من تكفير وإغراء ابلذبح وإتهام بالشِرك والفوضى العارمة من الخَبَل الذي يظنه بعض العلماء والدعاة أنهم يصلحون الأمر وهذا من عمل إبليس فهم يشقون صفوف الأمة ولم يفعلها المسلمون إلا في هذا العصر.
(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) البقرة) إلى أن اختلفوا. كيف يختلفوا بعد أن جاء الشرع؟ هذا عمل النفس وإتباع الهوى ولذلك رب العالمين يقدّر من قدّر العلماء. ليأتينّ على العلماء ساعة يوم القيامة يتمنى أحدهم لو كان طبّالاً في ملهى. فالله سبحانه وتعالى سيحاسب هؤلاء الذين اختلفوا. الذين يعبدون الشيطان أضلّهم عالم والذي اشتغل بالخرافات أضله عالم والآن نسمع خطب الجمعة فنجد قليل من يقول كلاماً يفيد الناس وكثيرون يرطزون على قضية فرعية ويناظرون فيها.
يقول r كيف أنتم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: أوكائن ذلك يا رسول الله؟ قال” وأشد منه كائن. كيف أنتم إذا رأيتم المنكر معروفاً والمعروف منكراً؟ قالوا: أوكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه كائن. كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟. هذا الوضع هو الذي قال فيه r : “يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً يبيع دينه بعرض الدنيا”. الفتنة: فتن الكلمة فيها أمضى من السيف. تقول كلمة تشعل حرباً وتضل قوماً. وعلى كل المسلمين أن يعودوا إلى الله عز وجل وما من أمة وهبها الله عز وجل أسباب الإتفاق كهذه الأمة. هناك ديانات مزاجية وهناك دين أنزله الله عز وجل. الدين المزاجي أنت تفعل فيه ما تشاء ولكن إياك أن تعممه على الناس. رب العالمين امتدح هذه الأمة لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كل أمة لها ميزة معينة أما هذه الأمة فمن ضمن ميزاتها أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في كل وقت وفي كل مكان. عندما تتهاون هذه الأمة في هذه الناحية يعذبها الله عذاباً لا تجد له حلاً إلا أن تعود كما قال r : لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده فتدعون فلا يستجاب لكم.
سُئل رسول الله r أي الناس خير؟ قال: آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر. آمرهم بالمعروف أي بآداب الأمر بالمعروف: بالرقّة والابتسامة وحسن الظن والستر على صاحب الذنب وهذا من أدب الدعوة الذي أمرنا به الإسلام. فرعون الذي كان يقول أنا ربكم الأعلى أرسل له الله تعالى نبيّين وقال لهما: فقولا له قولاً ليناً. أما ما نسمعه الآن فهو نوع من القهر الذي يؤدي إلى الرِدّة وهناك شعوب تركت الإسلام في سرها لهذا العنف الذي يواجه به.
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) الأنعام): لاحظ دقة التعبير قال (يفعلون) وما قال (يعملون). العمل مهنة أنت أستاذ جامعة ، ماذا تفعل؟ أدرّس المادة الفلانية. الفعل جزء من العمل. رب العالمين يتكلم عن أناس الخطأ عندهم في فعل واحد فرب العالمين سيسألهم عن هذا الفعل وليس العمل فربما يكون عملهم صالحاً. هناك فرق بين فرّقوا دينهم وفرّقوا شريعتهم. الشريعة مفرّقة أصلاً. الفقه إنطباع شخصي وفهم شخصي للنص ما دام العالِم من أهل الفقه. عندما يكون الإنسان عمله داعية أو عالم إذا كان فقهه أو رأيه مما يفرّق بين اثنين وبنشر بينهم العداوة والبغضاء بنص الحديث يجوز قتله. تأمل إلى أي مدى ذهب الإسلام في الحفاظ على الناس. إذا فتحت الباب كما حصل الآن عندما سكت الناس عن غبي تعلّم كلمتين فصار داعية يستحل قتل الأمة جميعاً ويكفّر الناس. الأمة تفرّقت بمجموعة من الأغبياء الذين يكفّرون الناس وليس هناك مرجعية إسلامية متزنة لا طائفية ولا حزبية ولا مذهبية. أبو بكر وعمر رضي الله عنهما لم يكونا لفئة دون فئة وإنما كانا لكل الدنيا. ومنذ أن ساد فينا هذا النسق الطائفي المذهبي هذه هي الطامة الكبرى التي أوصلت المسلمين أن يتصرفوا كأعدى أعداء الناس. الآن العداوات بين المسلمين لم يعرف التاريخ لها مثيلاً. كما يحصل اليوم في العراق الأرض تستعر تحت أقدامهم: الشيعي والسني الآن في العراق أعدى الأعداء وكلاهما يصلي إلى نفس القبلة ويقول لا إله إلا الله محمد رسول الله. (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) الأنعام) الدين كل ما يتعلق بالعقيدة والعقيدة الإسلامية واضحة. أسباب إنتشار الدين سهل (قل ربي الله ثم استقم) أنت لا تستطيع أن تعرف الحاكم كيف يدي البلد أفتريد أن تعرف كيف يدير الله تعالى الكون؟ الأسماء التي صارت اليوم من معتزلة، أشعرية وغيرها إذا اتبعتَ طائفة تسبب لك حقداً على أخيك المسلم فأنت هالك. إذا وجدت في قلبك حقداً على مسلم فاعلم أنك هالك فالميزان كم في قلبك من حقد (إلا من أتى الله بقلب سليم). يقول الرسول r عما يجري الآن من إخباره عن علامات الساعة الصغرى والكبرى ومن دليل المسام لما سوف يجري:” إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيل فليغرسه”. والنبي r تكلم عن هذه الفرقة التي أصبحت المساجد سبباً في هذه الفرقة:” ستخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله” أهواء وأحزاب وطوائف وأفكار حتى تعجب أية أمة هذه؟ ” دبّ إليكم داء الأمم من قبلكم” “أخوان متصارمان لا ترتفع صلاتهما فوق رأسهما شبرا” الآن شاعت فصار أصل العلاقة بين المسلمين الحسد والبغضاء أشاع هذا الأمر مجموعة من الأغبياء ولا أمل لرجل يموت وفي قلبه حقد على مسلم. قال r: “تركتم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك” فما هو العذر يوم القيامة؟ يقول r: “العلم علمان علم في القلب فذلك العلم النافع وعلم باللسان”.
اكتمل هذا الدين (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3) المائدة) فليس هناك حجة (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) النساء) فلينتبه المنتبهون أن وراءنا موت وحساب ونار ومقولات أصلها يهود وعجم وفرس واشكال عدة تبشير واستشراق وغيره ونحن محاصرون من كل جانب لكن أين الكتاب والسُنّة وآل البيت؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 26/5/2006م