ارتفع– عرج – رقى- صعد– طار– تسوّر – علا
هذه المنظومة تضم الكلمات التالية: ارتفع وعرج ورقى وصعد وطار وتسوّر وعلا. على حد علمي هذه الكلمات التي تعني الارتفاع فوق الأرض على اختلاف في نسب الارتفاع. وكل واحدة منها كما هي العادة في كلمات القرآن كل كلمة ترسم جانباً من الصورة دقيقاً لا ترسمه الكلمة الأخرى. ولهذا اللغة العربية هي الوحيدة التي لا تحتاج إلى إشارات من المتكلم لكي يوضح المقصود من الكلمة ونلاحظ أن بعض اللغات العالمية على جلالة قدرها أن المتحدث يستعمل يديه كثيراً لكي يُفهم ويفهِّم المقابل المقصود من هذه الكلمة. الكلمة القرآنية ترسم المعنى بالضبط بحيث أن السامع إذا كان يُحسن هذه اللغة يفهم المقصود بالضبط بلا زيادة ولا نقص ولا شعرة كما هو العادة في كل منظومة.
إرتفع: أول ما ينفصل الشيء من موقعه. أنت رفعت الشيء، ساعة ما ترفعه يقال ارتفع. البداية، بداية الارتفاع إلى أعلى المنازل وأعلى الأماكن تبدأ بأن تنفصل عن الموقع الذي أنت فيه وتصبح ضد الجاذبية الأرضية هذا إذا كان الارتفاع مادياً وقد يكون معنوياً. مثال ذلك الطائرة في المطار تكون حاطه على عجلاتها وأول ما تنفصل من الأرض يقال ارتفعت، إياك أن تتوهم أنها عندما تصبح في كبد السماء يقال ارتفعت لا ولكن ساعة ما تنفصل يقال ارتفعت كما قال تعالى (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ (63) البقرة) إذن الإرتفاع ساعة الانفصال عن الأرض.
عرج: بعد الانفصال ينطلق هذا الشيء عمودياً باتجاهه، مثال الطائرة بعد أن ارتفعت في المدرج ارتفعت ثم ارتفعت ثم ستنطلق عمودياً يقال عرجت. فالعروج بعد مرحلة الانطلاق أي الارتفاع. فالارتفاع أولاً ثم تستمر يقال عرجت أو عرج فلان. إذن معنى ذلك انطلق بعد الارتفاع في طريقه وفي سبيله المرسوم هذا عرج (يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ (5) السجدة) كأن يقوم شخص بعمل صالح وهذا العمل يجب أن يذهب إلى رب العالمين ساعة ما يفارق العمل صاحبه يقال ارتفع إلى أن ينطلق يقال عرج. فالعمل هذا (يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) الارتفاع أولاً، انفصل عن الأرض ثم تنطلق هكذا عمودياً يقال عرج. والعروج إذا كان باستمرار، بانسياب، بلا توقف، ولا تلكؤ يقال هذا عروج أي كما ينطلق الصاروخ. فالجماعة الذين صعدوا على القمر انطلقوا انطلاقة عمودية بدون توقف يقال هذا عروج، لو أن هؤلاء توقفوا في عدة محطات يقال رقي ورقى.
رقي: الترقي درجة درجة. هذه من دقة اللغة القرآنية: فإذا قال عرج أي انطلق دون توقف وإذا توقف في محطة أولى ثم ثانية ثم ثالثة يقال رقي ولهذا أنت لا تقول فلان عرج على الدرج أو على السلم ولكن يقال رقى على السلم (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ﴿93﴾ الإسراء). في لغتنا العامة نستعمل الترقي ونقول فلان يترقى في الوظيفة فلا نقول يعرج ولا يصعد ولا يرتفع لأنه يترقى درجة درجة أي كل خمس سنين يمنح درجة جديدة في موقعه فهو ترقي، فكل ترق مراحل. وكما قال الشاعر حينما تكلم عن الإسراء والمعراج لم يقل كيف تصعد صعودك الأنبياء؟ ولكن قال كيف ترقى لأن النبي صلى الله عليه وسلم توقف لعدة محطات قد تقارب المائة محطة فقد توقف عند أناس يقرضون بالمقاريض وسأل جبريل عنهم فقال هؤلاء خطباء الفتنة الذين يقولون ما لا يفعلون، ثم رأى أناس يتقيئون لحم أفاعي قال هؤلاء أكلة الربا ثم رأى أناس تخدش وجوههم قال هؤلاء أهل الغيبة، فقد رأى صلى الله عليه وسلم مناظر يتوقف عندها، يتأملها، يسأل جبريل يحاوره إذاً كانت هنالك عدة وقفات ولهذا قال الشاعر:
كيف ترقى رقيك الأنبياء يا سماءً ما جاوزتها سماء
وفي الحديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد البلغاء يتكلم عن فضل الذين يستظهرون القرآن عن ظهر قلبٍ ويعملون به قال هؤلاء يوم القيامة يقال لهم (اقرأ وارقى فحيثما تنتهي فتلك منزلتك) لأن درجات الجنة بعدد آيات القرآن الكريم فعندما تقرأ آية ترقى درجة وآية ثانية ترقى درجة أخرى وهكذا إلى أن تتوقف وحيثما تتوقف تلك منزلتك. فمن الناس من يحفظ ربع أو نصف أو ثلثين ومن الناس من يحفظ القرآن الكريم كله وقد أحلّ حلاله وحرّم حرامه هذا هو الذي يكون بأعلى المراتب والمنازل يوم القيامة فهو ترقي ولم يقل صعود. العروج في الجنة للشهداء والأنبياء والصديقين فهؤلاء رأساً في مكانهم المحدد أما أصحاب العلم وأصحاب القرآن فهم على حسب درجاتهم فهو ترقي.
صعد: الصعود يكون إذا وصلت إلى المحطة الأخيرة (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ (10) فاطر) الكلم الطيب وهو الذكر، كل أنواع الذكر (ما عُبِد الله بشيء أحب إليه من الذكر) جميع الملوك التعامل معهم من جهتين: الجهة الأولى كلامية من حيث أنت واحد من محبي هذا الملك فأنت تبرز محاسنه وأفضاله وكرمه وسجاياه وأياديه على الشعب وقدرته وخوارقه وامتيازاته كل ما في شخصيته من قدرات وما في يده من عطاء وما في عواطفه وأخلاقه من استقامة فأنت تتغزل به وكل الملوك يفعل بهم هكذا فلهم شعراء وأدباء وحكماء وكتاب ومؤرخين يبينون المزايا الشخصية لهذا الملك فهذا تعامل عظيم وهائل للملك. والتعامل من الجهة الثانية يكون عن طريق تطبيق أوامره ونواهيه كالضابط والجندي ورئيس الوزراء وأن تنفذ كل ما يقول فهذا التعامل فيه عمل وليس قولاً وكلاهما ضرورة لكن الأول لا ينفع بدون الثاني فأنت تحسن مدح الملك ولكن لم تخدم الدولة وليس لديك أمانة أو قدرات فأنت عطل لكن الثاني قد ينفع بدون الأول فأنت لم تمدح الملك ولا مرة واحدة لكنك أبليت بلاءً حسناً في خدمة الشعب وخدمة الملك وتنفيذ أوامره ومشاريعه فقد عملت شيئاً عظيماً فإذا اجتمع الاثنان فأنت قمة. فإذا كنت تعمل بدون أن تمدح الملك أنت في غاية الروعة لكن فوّت على نفسك فرصاً عظيمة: فرص التقدّم لأن مدح الملك يعطيك فرصاً هائلة من العطاء والإكرام والغنى والتقدم بينما العمل يكون على قدر راتبك، على قدر جهدك. إذن التعامل مع رب العالمين بالأمرين: أن تذكره (فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ (103) النساء) بالليل والنهار سراً وعلانية و (ذهب الذاكرون بكل خير) ولا يوجد أمة تذكر الله على مدى 24 ساعة كهذه الأمة فكلمة الله تتردد علينا يومياً أكثر من ألف مرة بالشهادة والتسبيح والتحميد والدعاء فهذه الأمة موصولة 24 ساعة بذكر الله، وثانياً في أجيالها وفي بعض فقرات عملها مع الله كانت تنفذ أوامره وشرعه ودينه. إذن هذا هو الرقي وهذا هو الصعود. فالصعود يكون إذا وصلت إلى النهاية وبذلك تكون قد صعدت (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قال تعالى أن هذا الذكر يصعد رأساً يبلغ نهاية الشوط. والعمل الصالح يرفعه وهذا الصعود ما كان يتم بهذه السرعة لولا أن لك عملاً صالحاً رفع هذا الذكر من مكانه حتى انطلق إلى الله عز وجل. لذلك جاء الدعاء في العمل الصالح، في الصلاة، في السجود، في الصيام، وقيل: الدعاء مخ العبادة. ولذلك يجب أن تعمل العمل الصالح فأنت تقيم الواجبات الأركان الخمسة وما عليك تحلل الحلال وتحرم الحرام ثم تذكر الله عز وجل. وعلى أقل تقدير لكي يصبح الذكر له قيمة إعمل صالحاً أولاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ (35) المائدة) اتقوا الله أولاً بالفرائض والأركان (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ (35) المائدة) أنت بالذكر والآخر بالقلب والآخر بخدمة الوالدين والآخر بخدمة الأمة وآخر بالسياسة وآخر بالقتال فكل شخص له وسيلة لكن أولاً عليك أن تعبد الله عز وجل بالعمل. (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) فالسفن الفضائية فيها هذا الصاروخ الذي يدفعها فالصاروخ هو العمل الصالح والسفينة الفضائية هي الكلم الطيب إذن هكذا هو الأمر. القاضي عياض في ترجمة للإمام محمد بن أبي زيد القيرواني شيخ القيروان في القرن الرابع الهجري يذكر أن أحد تلاميذه دخل عليه وقال له: اكتب اسمي على البساط أمامك كلما رأيته تذكرتني ودعوت لي، فأجابه ابن أبي زيد القيرواني: هب أني دعوت لك فأين عملٌ صالحٌ يرفعه؟.
تسوّر: لدينا كلمة قرآنية أخرى وهي تسوّر (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ﴿21﴾ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ﴿22﴾ ص) فسيدنا داوود u كان لديه يوم يختلي فيه بالعبادة فلا يدخل عليه أحد. وتسور يصعد على السور فمن يصعد على جدار أو هكذا يقال تسور فالتسور هو الصعود على سور.
علا: كلمة علا (تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً) العلو عندما تستقر. مثال ذلك أنت ارتفعت وصعدت وعرجت ورقيت وصعدت وطرت لكن رجعت فلا يقال علا، إذا استقريت هناك يقال علا عندما تستقر وهذا مكانك يقال علا. فالعلو إذن الاستقرار في القمة، كما قال عز وجل عن فرعون (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ (4) القصص) استقر 50 سنة يحكم (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴿24﴾ النازعات) فهو في القمة.
هذه هي الكلمات القرآنية وكما تعرفون كل كلمة ترسم زاوية معينة: ارتفع في البداية، ثم يأتي ورائها عرج، ثم إذا كان متدرج يقول رقى إذا وصل إلى النهاية يقال صعد وهذا الكلام كله عمودياً، إذا كان أفقياً يقال طار فالطائرة تطلع أفقياً والصواريخ تطلع عمودياً إذن طار أفقياً، تسور ارتفع على السور، وعلا إذا استقر في القمة. هكذا هي هذه المنظومة التي هي من منظومات القرآن التي تدل على أن هذا الكتاب كما قال تعالى (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴿122﴾ النساء) نتكلم عن هذه الآية: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ﴿10﴾ فاطر) وقد عرفنا الآن ما الفرق بين الكلم الطيب والعمل الصالح. فالعمل الصالح هو الصاروخ الذي يحمل سفينة الذكر الطيب لله عز وجل. ويقول رب العالمين (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (65) يونس) العزة هي عندما يكون الإنسان لا يُغلب يقال عزيز. العزيز هو الذي لا يُغلب مادياً أو معنوياً فهو لا يشعر بالخسارة أمام الخصم أبداً حتى لو قهره مادياً يبقى هو المنتصر. كأن يكون شخص يدافع عن وطنه فقتله المحتل فالعزيز هنا هو المقتول وليس القاتل. فصاحب العزة هو الذي في كل أحواله هو المنتصر وهو الغالب، على سبيل المثال كرجل له وطن محتل إن انتصر على المحتل فهو منتصر، إذا قُتِل فهو منتصر، إذا عُذِّب فهو منتصر لأنه صاحب حق فهو في كل أحواله منتصر ومحمود ومكرّم، وهذا المحتل في كل أحواله وأدواره هو خسيس ولص ومعتدي إذن صاحب العزة هو الذي لا تمر به حالة خسارة أو هزيمة في كل أحواله هو منتصر حتى لو قطع إرباً. مثال ذلك أن في كل حروب الدنيا يكون في الجيش قطعة تهرب أمام قطعة ثانية والذي يؤدي واجبه في حماية وطنه أو قيمه أو شعبه لا يهمه فليس الحساب بانتصاره أو هزيمته فالمهم أنه قام بواجبه. كأن يقوم الشعب في بلد محتل على كافة فئاتهم – شعب وجيش ورجال ونساء خفافاً وثقالاً (انفروا خفافاً وثقالا) الكل يقاتل لأنه يصبح القتال فرض عين – بالقتال ضد قوة غاشمة فقاتل مدافعاً عن شرفه ووطنه وعرضه ودينه وتاريخه وقيمه فقاتل لكنه غلب ومحق ومع ذلك هو منتصر ما دام قام بواجبه حينئذٍ هذا عزيز الذي يقوم بواجبه هو عزيز كما قال صلى الله عليه وسلم (عجبت لأمر المؤمن أمره كله خير إن أصابه ضر صبر وإن أصابه خير شكر). إذن هذا المؤمن، هذا المسلم عندما يقوم بواجبه على وفق ما أمره به الله عز وجل بلا اعتداء، بلا ظلم (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) إنما دفع العدو عنه هذا العدو مهما كذب عليك كما هو حاصل الآن كذب على المسلمين أنهم إرهابيون وأنهم وحوش وأنهم فاشيون والخ والكل يعلم أن هذه أكاذيب تنطبق عليهم لا تنطبق على المسلمين وما من أمة بالرقة واللطف والرحمة والرفق بالعدو إذا تغلبت عليه مثل هذه الأمة رقيقة ورحيمة. وأذكر في حرب 67 المصريون أسروا حوالي 300 إسرائيلي فعملوا لهم دعوات في بيوتهم وأخذوهم للقناطر الخيرية للتنزه حتى أنه ذكر في الbbc أنه معروف عن المصريين أنهم أمة لطيفة، بينما انظر الآن إلى الأسرى ماذا يفعل بهم في إسرائيل وفي السجون السرية في كل مكان؟ وبعد هذا كله يتهموننا بالوحشية وأنهم هم المتحضرون فالأكاذيب معروفة كما قال تعالى (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا (186) آل عمران) والأذى اللساني كذب وطعون وأراجيف والمسلم هو العزيز ولو كان فيه هذه الأكاذيب لقلنا هذا ليس عزيزاً فالمسلم لا يُغلَب والآن هو مغلوب عسكرياً. لكن واقع الحال أنه معتدى عليه، مظلوم، ليس إرهابياً ومحبٌ للسلام يحب الجميع وهو المعتدى على أرضه وبلاده وثروته وحينئذٍ هو على قدر ما يستطيع بما يتيح له الشرف والأمم المتحدة والقوانين الدولية والديانات السماوية يتصرف. إذن فالمؤمن عزيز في كل أحواله حتى لو مزقه الاستعمار قطعاً وهؤلاء الذين عذبوا وانتهكت أعراضهم في السجون في العراق، في أبو غريب وغيرها هؤلاء هم أعزة ولهذا هؤلاء النساء الذين ضربوا رؤوسهم بالجدار بعدما اغتصبهم المغتصبون هؤلاء عزيزين والذليل هو هذا الذي فعل، هذا المدجج بالسلاح الذي اغتصب امرأة حتى ضربت رأسها بالجدار وانتحرت. هذه المرأة هي المنتصرة وهذا الخسيس الذليل هو المنهزم. ولذلك إن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وحينئذٍ لا عليك مما يقال (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) من أجل هذا هذه العزة هي الحالة المانعة للإنسان من أن يُغلَب وما دمت مع الحق أنت المنتصر وأنت الغالب حتى لو قطعت إرباً، حتى لو أخذوا بيتك وانتهكوا عرضك وسجنوك واتهموك أنت المنتصر وهم المنهزمون قطعاً ولن يرحمهم التاريخ أبداً.ً مثال ذلك المغول وقد قهروا العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه ولم يتوقفوا إلا في مصر وملأوا الدنيا قتولاً وجماجم وحينئذٍ كان منتصراً لكن التاريخ كله يقول عنهم أنهم أناس وحوش، كلاب، مجرمين، ويمتدح المسلمون الذين ذبحوا فالتاريخ لا يرحم وكاميرات التاريخ في كل الدنيا صافية الحكم فالتاريخ لا يظلم أحداً قد تكذب علينا مرة أو مرتين أيام حكمك وزورت التاريخ ولكن لا بد في يوم من الأيام يعرف الناس من أنت حقيقةً ولهذا من المستحيل أن يوصم الإسلام بوصمة سواء كان في علاقته مع الجوار أو مع أعداءه في الحرب، في السلم، فما من أمة أنقى في التعامل بالصدق والعاطفة كهذه الأمة فالعدو هذا بكلمتين يصبح حبيباًً من أجل ذلك (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴿8﴾ المنافقون) المنافق يبهره الانتصار السريع، دولة عظمى، جيوش جرارة، فلوس، يعطون رشاوى، يشترون ذمماً، وهذا كله زائل وفي الأخير لا يصح إلا الصحيح والمهم من الذي سيضحك أخيراً. كل أصحاب الحقوق هم الذين سوف يضحكون أخيراً وتستطيع أن ترى هذا في التاريخ كل التاريخ يتكلم عن مثل هذه الحالات فهو مليء بذلك مثل النمرود والروس انهزموا أمام الأفغان ولكن للأسف الشديد عندما يتملك الإنسان المنافق القوة يطيش وينسى هذه الحقائق فيتصور أنه ملك الدنيا إلى أن ينتكس كما قال تعالى (ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ (65) الأنبياء).
إذن (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) آية واضحة: إياك أن تكون غبياً وأن تنغر فأنت تسبح الليل ولكنك تأكل الربا وتظلم وتأكل حراماً فتسبيحك لا قيمة له. العمل الصالح هو أداء الأركان أي أن تحل الحلال وتحرم الحرام كما هو معروف فهناك أركان، هناك واجبات، هناك شروط، هناك كبائر وهناك صغائر وهذه الأمة واضحة المعالم وبالتالي هذه الأمة لا تخشى الموت فالموت عندها تحفة كما في الحديث الذي رواه الإمام مالك (الموت تحفة المؤمن) لماذا؟ لماذا لا تخاف؟ لماذا لك العزة دائماً؟ لأن المسلم هو الوحيد على الكرة الأرضية من بين الأديان جميعاًً الذي لديه تصور كامل للحياة بعد الموت. وفي أمريكا أصدروا كتاباً بعنوان (الحياة بعد الموت) لأن هذا الأمر يقلقهم ماذا بعد الموت؟ حتى سموه الموت الإكلينيكي أي الموت سيطر عليه وفعلاً كانت تجربة هائلة، وهذا الكتاب ترجمه رشدي فكار رحمة الله عليه الفيلسوف المغربي السكن والمصري الأصل، وهذا الكتاب أعجوبة وهو جزء يسير من النظرية الإسلامية لما بعد الموت وفيه من الإعجاب كتجربة عملية تجارب حقيقية فيها أحاديث بالضبط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيحصل كذا وكذا وكذا. إذا بهؤلاء الأمريكان علمياً يثبتون هذا بالتجربة العملية والذي أردت أن أقوله أن المسلم يملك تصوراً هائلاً عن نظرية الحياة بعد الموت ولهذا ما يفعل الله تعالى به من ساعة ما يحتضر (حتى إذا بلغت التراقي) (إن الذين) ساعة الاحتضار. – وليس كما يظن أغلب الناس الذين أرعبوا من هذه الحفرة متصورين أنهم سوف يدخلون في الحفرة وهي مظلمة فيوقظهم الملكان- ويسألونهم ويضربونهم وهذه خرافة ما بعدها خرافة فهذه الحفرة لا قيمة لها سوى أنها مخزن لهذا الجسد الطيني سيصبح دوداً ويتلاشى ولن يعود إلى الروح فالروح تصعد في الملأ الأعلى، في البرزخ، وهناك الحياة الجميلة لمن هم من المؤمنين بالله عز وجل ثم يبقى إلى أن يُبعث وهو معززٌ مكرمٌ وكما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا (30) فصلت) ربنا الله أساسية، أن توحد الله توحيداً مطلقاً ما من إله إلا الله، وأفضل الذكر لا إله إلا الله هذه التي إذا صحّت من عبد من عباد الله أن الله واحد لا إله غيره ولا معبود غيره لا صنم ولا عيسى ولا العزير ولا علي بن أبي طالب ولا الحسين ولا أحد فقط لا إله إلا الله الضار النافع، مالك يوم الدين، حينئذٍ فقد ملكت مفتاح الجنة وما عليك إلا أن تعمل عملاً صالحاً ولا إله إلا الله تقتضي أن تحرم حرامها وأن تحل حلالها. ومع هذا لا إله إلا الله وحدها هي التي تنفع حتى ولو لم تعمل من حيث أنك لا تخلد في النار. مثال لو أن كافراً قال سبحان الله ولكنه لا يعمل قد يخلد في النار ولكن من قال لا إله إلا الله مصدقاً بها قلبه أن الله واحد وهو رب وإله هذا الكون هذا يدخل الجنة في النهاية قطعاً- فالمسلم من ساعة الاحتضار قبل أن يموت يعرف بالضبط الذي سيحدث له وإن كان سيئاً أو إيجابياً ثم ما بعد الموت ثم بعد الصعود ثم بعد المقابلة ثم بعد الرجوع إلى المكان المعين ثم بالبرزخ ثم بالنفخة الأولى ثم بالنفخة الثانية ثم بالمحشر ثم بالصراط فالمسلم يعرف بالضبط من الآن إلى أن يستقر إما في الجنة وإما العدو الكافر في النار ولذلك الأمر عند المسلم واضح ومن أجل هذا هو لا يُغلَب فليقتلوه أو يحتلوا أرضه أو يذبحوه أو يمزقوه أو يقسموه فالنتيجة واحدة هذه الدنيا القصيرة التي عاش فيها نوح ألف سنة وقال: والله كأنها بيت له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر. هذه الدنيا التافهة التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة وللأسف الشديد نحن المسلمين في هذا العصر قصرنا فيها تقصيراً مشيناً ومخلاً لكننا نعرف أنها زائلة وفانية ولا تدوم لأحد وأن الخلود وهي النظرية العظمى هذه النظرية الخالدة يوم القيامة تبدأ من ساعة ما ينتهي أمر الإنسان معنى ذلك أن الكرة الأرضية كلها عمرها 70 سنة بعمرك أنت فإذا مات الإنسان قامت قيامته فالقيامة تقوم بانتهاء أمرك وهي فترة لا تساوي كل هذا العناء ولو أننا مأمورون أن نبدع في هذه الفترة القصيرة كما فعل أجدادنا ولكننا أخلينا إخلالاً كبيراً.
الدعاء يصعد والعمل الصالح هو الذي يرفعه فما هي الوسائل التي يرفع هذا الدعاء ويستفاد به؟
في الحديث عن أم أنس قالت: يا رسول الله أوصني، قال: (أولاً اهجري المعاصي فإنها أفضل الهجرة، ثانياً حافظي على الفرائض فإنها أفضل الجهاد، ثالثاً أكثري من ذكر الله فإنك لا تأتين الله بشيء أحب إليه من ذكره) فأولاً تهجر المعاصي، ثانياً تقيم الفرائض ثم تذكر الله عز وجل إذن العمل الصالح هو الذي يرفع.
نعود إلى كلمة رفع الرفع في القرآن الكريم من الكلمات المشتركة لها عدة معاني فهناك رفع كما قلنا في الأجسام الموضوعة إذا عليتها من مقرها (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ)، ورفع في البناء والبناء أصله ثابت في الأرض وعندما يكون عالياً يقال رفعه كما قال تعالى (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ (127) البقرة)، وهنالك رفع في الذكر (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴿4﴾ الشرح)، ورفع في المنزلة (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ (165) الأنعام)، ورفع في الطهارة والشرف (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ﴿34﴾ الواقعة) فرش الجنة طاهرة، وهناك رفعة في القدسية والخطورة (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ﴿13﴾ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ﴿14﴾ عبس)، ويمكن أن تجتمع كل هذه المعاني بواحد والقرآن الكريم حصرهم في ثلاثة. في ثلاثة أعطاهم الله كل أنواع الرفع المادي والمعنوي والأخلاقي والدرجات يوم القيامة فكل شيء له رفعة لهم:
أولاً: سيدنا عيسى (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴿157﴾ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿158﴾ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴿159﴾ النساء) ما من رجل من اليهود أو النصارى يشكك بسيدنا عيسى أو يراه إلهاً أو يراه رباً فهو إما يراه إما منكِراً أو بصورة غير صحيحة إلا قبل أن يموت الإنسان يعرف سيدنا عيسى على حقيقته لأن الأمة الوحيدة التي تحسن تصور سيدنا عيسى بكل أبعاده العظيمة وقدسيته هي الأمة المسلمة فهو عبد الله ورسوله وروح منه. قال تعالى عليهم (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ﴿156﴾ النساء) فهم يقولون أنها رأت في البحر ضابطاً رومانياً إسمه لارا وزنى بها وأتى بسيدنا عيسى ونحن نقول لا وأنه هو روح الله نفخة سيدنا جبريل إذن سيدنا عيسى رفعه الله بكل أنواع الرفعة.
الرفعة الثانية جعلها الله لبيوته لكل بيوت العبادة (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا (40) الحج) ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ (36) النور) ما من تجليات الله عز وجل كما تتجلى في بيوت العبادة.
ثالثاً: أهل العلم (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ (11) المجادلة) ثلاثة مرفوعين بكل أنواع الرفعة هكذا هي كلمة الرفع.
نعود ونتكلم عن هذا الذكر الذي هو مخ العبادة وأفضل العبادة (ذهب الذاكرون بكل خير) ويقول كعب الأحبار (إن لسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لدويّاً حول العرش كدوي النحل يذكرن بصاحبهنّ والعمل الصالح في الخزائن). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذين يذكرون الله من جلاله من تسبيحه وتكبيره وتحميده وتهليله يتعاطفن حول العرش لهن دويٌّ كدويّ النحل يذكرن بصاحبهن) ولهذا الذكر أعجوبة (أنا مع عبدي إذا ذكرني) (أنا جليس من ذكرني) تأمل ليس هو جليسي بل أنا جليسه! ما من عبادة أعظم عند الله من الذكر (ذهب الذاكرون بكل خير) وأعظم أنواع الذكر ما كان حلقة إن حِلَق الذكر في هذا الدين أعجوبة ومن الملزم الشديد ولا أدري لماذا صب عليها جام غضب بعض الجهلاء حتى عطلوها مع أنها من أعظم المناسبات للتقرب إلى الله عز وجل. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه فقال (ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا، قال: ألله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: ألله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: أما أني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة) حِلَق الذكر هذه أعجوبة إن لله ملائكة سياحين كل مهمتهم حيثما وجدوا حلقة ذكر جلسوا يستمعون ثم أخبروا ربهم حتى غُفِر لمن فيهم حتى الخطّاء منهم. عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل يوم القيامة: سيعلم أهل الجمع من أهل الكرم؟ قيل: يا رسول الله ومن أهل الكرم؟ قال: أهل مجالس الذكر) ومجالس الذكر نوعان: مجالس لسانية وهو ذكر ومجالس علم. مجالس الذكر تتلاشى الآن مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم عن جماعة يغبطهم الأنبياء وهم أناس من عدة قبائل يلتقون على ذكر الله عز وجل أي أنهم يجتمعون فقط لكي يذكروا الله. عبدالله بن رواحة كان يحب هذه المجالس فكلما رأى مسلماً قال: تعال نؤمن ساعة أو نجدد إيماننا فأحد الناس لم يعجبه كلامه وغضب فقال: يا رسول الله ألا ترى إلى هذا الذي يعزف عن إيمانك إلى إيمان ساعة؟ قال: من هو؟ قال: عبدالله بن رواحة، قال: (رحم الله ابن رواحة يحب المجالس التي يباهي الله بها الملائكة). فهذه مجالس الذكر التي انطفأت الآن إلا ما ندر – وهي خسارة عظيمة – من أعظم العبادات بحيث أن شخص سمع ذكر ودرس وهو في طريقه فجلس مع هؤلاء الذاكرين دون أن يدري ما القضية أو له حاجة عند أحدهم فعندما رب العالمين يتمنن على هذه الحلقة بالمغفرة تقول الملائكة إن فيهم فلان خطاء، فيقول الرب عز وجل: وله غفرت. وفي الحديث (ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا نادهم منادٍ من السماء أن قوموا مغفورٌ لكم بُدِّلت سيئاتكم حسنات). وعن ابن عباس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بمجلس ذكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنكم الملأ الذين أمرني الله أن أصبر نفسي معكم ثم تلا الآية (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴿28﴾ الكهف) أما أنه ما جلس عدتكم إلا جلس معكم عدتهم من الملائكة). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما جلس قومٌ إلا جلس معهم عدتهم من الملائكة إن سبحوا الله تعالى سبحوه الملائكة وإن حمدوا الله حمدوه وإن كبروا الله كبروه ثم يصعدون إلى الرب جل ثنائه وهو أعلم بهم فيقولون: يا ربنا عبادك سبحوك فسبحنا وكبروك فكبرنا وحمدوك فحمدنا فيقول ربنا: يا ملائكتي أشهدكم أني قد غفرت لهم وهم القوم لا يشقى جليسهم). (لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفّتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده). عن أبي الدرداء قال (ليبعثن الله أقواماً يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء، قال: فجثا إعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله حلِّهم لنا نعرفهم، قال: هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله تعالى يذكرونه). إذن الذكر أنواع كثيرة جداً ولكن أعظمها وأولاها وأنفعها وأجداها لا إله إلا الله كلمة التوحيد. يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من شهد أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان منه من عمل) لا بد من تمحيص التوحيد مع سيدنا عيسى لكثرة ما فعله البعض ممن ألّهوه، حينئذٍ بهذا الحديث لخص النبي العقيدة فلا إله إلا الله أفضل الذكر والفيصل بين الكفر والإيمان تجديداً للإيمان ومفتاح الجنة والنبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه (جددوا إيمانكم قالوا: يا رسول الله كيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله). والغريب أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا أخشى عليكم أن تشركوا من بعدي) وفعلاً ومن فضل الله فكل الأمم: اليهود والنصارى والبوذيون والصابئة ما من أمة على وجه الأرض إلا وفيها دخن في توحيدها وهذا هلاك ولا يوجد أمة صافية في توحيدها إلا هذه الأمة فكلهم سواء كانوا صالحين أو طالحين إلا أنهم يقولون لا إله إلا الله فلا يوجد غير رب العالمين. لهذا هذه الأمة محصت التوحيد تمحيصاً هائلاً منذ جاء الإسلام إلى هذا اليوم من أجل هذا رب العالمين سبحانه وتعالى جعل فيها ميزة أنها لن تشرك أبداً وهذا معنى الآية (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ (164) آل عمران) يزكيهم بالتوحيد. وما من نبي أفلح في أن يزكي أمته بالتوحيد إلا محمد صلى الله عليه وسلم. سيدنا عيسى عليه السلام لم يفلح، سيدنا موسى عليه السلام أيضاً لم يفلح فكلهم أشركوا والموحدون من النصارى قلة ففي أمريكا هناك جماعة من التوحيديين ولكنهم غير معرفون فهم يوحدون الله وحده لا شريك له فهذه الجماعة قلة وغير مرموقة وغير شائعة وفي اليهود أيضاً هنالك فئات توحد الله وهم قلة ولكنهم- اليهود والنصارى- كأمة لا يوحدون فعقيدتهم يكسوها الغبش وعدم الوضوح. فلا بد أن تقول أن الله واحد لا شريك له، إلهاً ورباً والباقي كلهم مخلوقاته وعبيده حينئذٍ تكون قد وصلت. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم) حينئذٍ هذه الصيغة – لا إله إلا الله- هي الوحيدة التي لا تترجم ولا خلاف فيها وشعار المسلمين الخالد بل شعار البشرية الخالد. لست من عباد الله ما لم تمحص لا إله إلا الله في عقلك وقلبك، قضية مسلّمة، ليس مع الله أحد لا إله ورب حينئذٍ تكون أنت على المحجة البيضاء فيما عدا هذا لا فائدة.
وعودة إلى الرفعة لاشك أنها قد تمثلت في أعلى درجاتها التي لا يلحقها لاحق ولا يسبق إليه سابق في الرفعة النبوية المحمدية عليه الصلاة والسلام والتي قال عنها الله سبحانه وتعالى (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (ورفعناه مكاناً عليا). لا بد من تعليم الأطفال الذِكر عبر برامج فضائية كرتونية لأن لها تأثيراً هائلاً على الأطفال سواء سلباً أو إيجاباً.
وننتهي إلى أن أهم ما يرفع العمل الصالح من الذكر هو الطاعة والعلم (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) وهذا العلم بكل أنواعه الشرعي وغيره وهذا العلم أجره مرتبط بالتوحيد و (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).
بُثّت الحلقة بتاريخ 8/9/2006م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها