الحروف في القرآن الكريم, حرف الكاف

حرف الكاف – منظومة التكرار (كرّة)

اسلاميات

منظومة  التكرار

كرّة أخرى – مرّة أخرى – تارة أخرى – نزلة أخرى-

قبل أن ننتهي من هذه الحلقة لدينا حلقة صغيرة وهي منظومة التكرار والتكرار أربع كلمات هي تارة أخرى وكرة أخرى ومرة أخرى ونزلة أخرى كل هذه الكلمات تعني أنك تعيد الفعل مرة ثانية ولكن كل كلمة لها معنى آخر كلمة، الكلمة الأولى التي أخذناها في هذا الفصل كلمة كبد والكلمة الثانية كلمة كرّ. كلمة كرّ يتجحفل معها تارة أخرى وكرة أخرى ومرة أخرى ونزلة أخرى أي نكرر العمل مرة ثانية فسميناها منظومة التكرار.

تارة أخرى: كما قال تعالى (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى (69) الإسراء) حينئذٍ كلمة تارة أخرى الانعطاف بإعادة تكرار الشيء إلى ما كان عليه سابقاً. فأنت عندما تريد أن تعيد الشيء إلى ما كان عليه تقول تارة أخرى. مثال على ذلك أنت سافرت من بلدك إلى بلد آخر تقول سأعود إلى بلدي تارة أخرى أي أنك سترجع إلى نفس الحالة التي كنت عليها، لو كنت ستعود إلى بلد آخر لا تقول تارة أخرى إطلاقاً لا تقول تارة أخرى إلا إذا أردت أن تعيد الشيء وتعيد الفعل بالضبط مثل ما كان كما قال تعالى (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى) هكذا كما قال تعالى.

كرّة: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴿4﴾ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ﴿5﴾ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴿6﴾ الإسراء) هذه كرة وهي نقيض للتارة التارة أن تعيد الشيء إلى ما كان عليه الكرة أن تعيد الشيء إلى نقيض ما كان عليه. فأنت تستعمل كرّة في الشيء الذي ستعيده إلى نقيض ما كان والتارة إلى نفس ما كان وهذه دقة في القرآن إعجازية كما قال تعالى (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) أي دفعه بالاتجاه المعاكس (وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴿167﴾ البقرة) فقد كانوا أصحاب أما الآن فهم سيبقون أعداء إذاً إلى نقيض ما كانوا وهكذا.

مرة أخرى: (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴿126﴾ التوبة) هذه كلمة مرة أخرى تعني الانعطاف بإعادة الشيء نفسه في زمن مختلف. الطلاق مرتان لا قال كرتان ولا اثنتان قال مرتان أي اليوم واحدة وغداً واحدة أم أن تقول أنت طالق طالق هذه ليست مرتان. ولهذا عندما لم يفطن المفسرون إلى دقة لغة القرآن قال بعضهم إذا شخص قال لزوجته أنت طالق ثلاث أي أنها ثلاث طلقات وهذا خطأ فقوله أنت طالق ثلاث لا تعتبر ثلاث مرات ولو أن الله قال الطلاق ثنتان لكان قول أنت طالق طالق تعتبر طلقتان ولكنه قال مرتان (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) اليوم واحدة وغداً واحدة أي في زمن آخر. وحينئذٍ كلمة مرة تعني ستفعل نفس الشيء ولكن في زمن آخر وهكذا أنت بهذا التفريق في اللغة بين الكلمة وأخواتها تدرك أن الذين قالوا من الفقهاء أن طلاق الثلاث بلفظ الثلاث يعتبر طلقة واحدة وهذا ما أخذنا به في قانون الأحوال الشخصية كما قال بعض العلماء ومنهم ابن تيمية وابن حزم وغيرهم.

أخيراً نزلة أخرى: كما قال تعالى (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴿10﴾ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴿11﴾ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴿12﴾ وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴿13﴾ النجم) وانظر إلى دقة القرآن الكريم فهو لم يقل لقد رآه تارة أخرى مرة أخرى كرة أخرى بل قال نزلة أخرى وكلمة نزلة تعني حسن الضيافة. عندما تفعل شيئاً ثم تفعله مرة ثانية ولكن أنت في المرة الثانية كالأولى لاقيت ضيافة وعناية واعتناء وإكراماً معجزاً يسمى نزلة حتى أننا في لغتنا الدارجة نقول تنزيلة عندما يكون لديك جار نزل جديد تعد له العشاء، غداء، تكرمه فتسمى تنزيلة وعندما يأتيك ضيف يقال نزل ببني فلان. كلمة نزلة في لغة العرب تعني الضيافة والكرم والعطاء والأمان فرب العالمين يقول على سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج قال (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴿5﴾ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴿6﴾ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ﴿7﴾ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ﴿8﴾ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴿9﴾ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴿10﴾ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴿11﴾ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴿12﴾ وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴿13﴾ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ﴿14﴾ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴿15﴾النجم) النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل مرتين المرة الأولى عند الشجرة ومرة أخرى عند الشجرة وفي المرتين كانت نزلة فقد لاقى النبي صلى الله عليه وسلم من حسن الضيافة وحسن الإكرام من رب العالمين عجباً، فرض الله عليه الصلاة في تلك الضيافة والصلاة كما تعرفون عماد هذه الأمة. إذا كنت من أهل القبلة فلا خوف عليك أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة هو الصلاة (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴿42﴾ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴿43﴾ المدثر) ولهذا قد (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿1﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿2﴾ المؤمنون) أفلح. حينئذٍ هذه الصلاة هي أعظم هدية أعطاها الله سبحانه وتعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام في تلك الساعة التي رأى فيها جبريل نزلة أخرى أي عندما نزل ضيفاً عزيزاً مكرّماً احتفى به الملأ الأعلى ووصل إلى مكان لا يستطيع جبريل نفسه أن يصل إليه فكانت نزلة عظيمة وأعطاه الشفاعة قال أنت تشفع لأهل الكبائر من أمتك، وأعطاه تزكية الأمة فأمتك هذه زاكية طاهرة لأنك شربت هذا اللبن فكانت أمتك على الفطرة. ولذلك هذه الأمة بتلك الزيارة حكم الله لها بأنها طاهرة الأنساب والأعراض والتوحيد لا تشرك بالله أبداً إلى يوم القيامة في زمنٍ الناس كلهم مشركون. بهذا التوحيد لا تجد توحيداً ناصعاً إلا عند هذه الأمة ولا أعراضاً سليمة ولا أنساباً واضحة ولا تآلفاً وتكافلاً بين المجتمع ولا هذا الأمن العريض، هذه الأمة لزكاتها ونظافتها وطهارتها الوحيدة التي تؤمن بالوحدة الإنسانية بين البشر ولهذا فهم لا يفرقون بين أحد من رسله (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴿150﴾ النساء) ونحن على عكس ذلك (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿136﴾ البقرة) هذا من إكرام الله عز وجل لهذه الأمة في تلك الضيافة عندما شرب النبي صلى الله عليه وسلم اللبن فكانت أمته هذه على الفطرة. هذا التسامح العظيم من أجل هذه الطهارة وهذه التزكية التي أعطاها الله لرسوله في تلك الساعة في تلك النزلة العظيمة في المرة العظيمة في التارة العظيمة ولكنها كانت نزلة لشدة الضيافة حينئذٍ رب العالمين جعل هذه الأمة متسامحة مع أعدائها كما لا تجده في أي أمة أخرى ولهذا ما وجد غير المسلمين كاليهود والنصارى والصابئين وغيرهم ما وجد غير المسلمين أمناً عريضاً عقائدياً ملزماً مفروضاً كالذي وجدوه عند المسلمين (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (46) العنكبوت) (لعن الله من آذى ذمياً) والتاريخ شاهد على ذلك ما وجدوا اليهود والنصارى أمناً في أي مكان في العالم غير مواطنهم إلا عند المسلمين وعدد ما تشاء من قوله تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿2﴾ الجمعة) كان هذا من بركة النبي عليه الصلاة والسلام وبتشريف هذه الأمة بهذه الرسالة وبتلك النزلة العظيمة والضيافة الهائلة التي لقي النبي فيها شيئاً وإكراماً لم يلقه بشرٌ ولا مخلوق ولا ملك قبل ذلك. هكذا عبّر الله عن ذلك وقال (وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى) هكذا هو الفرق بين هذه الكلمات كلمات التكرار بين تارة أخرى وكرة أخرى ومرة أخرى ونزلة أخرى.

بُثّت الحلقة في 11/5/2007م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها