الحلقة 12
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿١٠٤﴾ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿١٠٥﴾ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴿١٠٦﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿١٠٧﴾ تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ﴿١٠٨﴾ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴿١٠٩﴾ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿١١٠﴾)
د. عبد الرحمن: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون في حلقة جديدة من برنامجكم بينات ولا يزال حديثنا متصلاً في سورة آل عمران وقد وقفنا عند قول الله تعالى (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)) وكنا تحدثنا حديثاً موجزاً في آخر اللقاء السابق عن هذه الشعيرة العظيمة وهي شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوقفنا عند سر العطف هنا في قوله سبحانه وتعالى (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) بعد أن قال (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) وقلنا أن يدعون إلى الخير هنا يدخل فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثم قرأت كلاماً للمفسرين في هذا مثل إبن عاشور وغيره وقال إن (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) عندما تتأمل فيها تجد أنها قد شملت شعائر الدين كله لأن شعائر الدين كله إما أمر بالمعروف وإما نهي عن المنكر. ولذلك عندما تقول أنها من باب عطف الخاص على العام أو من باب ذكر الخاص بعد العام أنه قد لا يستقيم هذا في هذا السياق وإنما يقال أنه ذكرٌ له من وجه آخر ولكنه ركز عليه من جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإبرازه ولإظهاره ولبيان أهمية هذه الشعيرة العظيمة في دين الإسلام. ثم جاء بعده (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)) فدلّ على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أسباب الوحدة ووحدة الصف.
د. محمد: بدا لي أمر آخر وأتمنى أن تقيّموه: كنت أقول أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير هي بابان الباب الأول دعوة إلى الخير وهذه لمن كان خالي الذهن يُدعى إلى الخير، يُدعى إلى الإسلام، يُدعى إلى الفضيلة، يدعى إلى الحسنة، يُدعى إلى الصلاة فهذه دعوة للخير لكل الناس دعوة . أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكون ممن استجاب واحتاج أن يُذكّر بمعروف أو يُنهى عن منكر قد وقع فيه إما أن يعلم أنه منكر أو لا يعلم، هذا من عندي ما أقرأه من أحد، فأنا كنت أظن أن الدعوة شيء أكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إصلاح لشيء من نقص أو فساد، يعني أخصّ وأما الدعوة إلى الخير فهي أعمّ وتكون للمسلم وغير المسلم وتكون لمن كان خالي الذهن عن أصل الفضيلة وأصل الدين وأصل التوحيد والإيمان، والله أعلم
د. مساعد: ويظهر لي والله أعلم ما زال في نظري أن قضية التخصيص واردة لأن المشرّع بيّن أن الأمر بالمعروف شعيرة مستقلة ولهذا قال “ولتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر” فمعنى ذلك أنها شعيرة مستقلة لها خصوصية معينة وهي جزء من الدعوة إلى الخير، الشيخ الطاهر إبن عاشور وغيره ذهب إلى أنها تكون أقرب ما تكون من باب عطف الصفات يعني قول له وجه لكن في نظري أن كون الشريعة جعلت هذه الشعيرة مستقلة حتى أن بعض العلماء جعلها الركن السادس من أركان الإسلام -وإن كنا لا نناقش الركن السادس كتعبير- لكن المقصد من كونها شريعة مستقلة معروفة ولها حدود وأُطر معينة تبقى أنها من باب ذكر الخاص بعد العام الدعوة تكون أعم، الدعوة إلى الخير تكون أعم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بدلالة أنه لو تأملنا أن (يدعون إلى الخير) العالِم وهو يقدم درسه يدخل في يدعون إلى الخير، وقد يكون في بعض مسائل درسه آمراً بالمعروف أو ناهياً عن المنكر معنى أنه شمل درسه كل هذا، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو داعٍ إلى الخير ولكنه في عمل أخصّ ففيه نوع من خصوص وعموم لكن يظهر أن هناك تفريق بين الأمرين.
د. عبد الرحمن: وطبعاً نحن أصبحت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندنا مخصوصة في الغالب لمن ينهى عن المنكر وإن كان الأمر بالمعروف يشمل الشريعة كلها حتى خطبة الخطيب أو درس المدرّس لا يكاد يخرج عنها. لكن على كل حال هي مسالة فيها نظر لكن نريد أن نناقش مسألة أخرى في هذه الاية وهي ألفاظ الآية قي قوله سبحانه وتعالى (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأمر هنا استنبط منه بعض المفسرين أنه يدل على الوجوب وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب.
د. محمد: وجوبه محل إجماع.
د. عبد الرحمن: لكن الذي يظهر والله أعلم أنه فرض كفاية
د. مساعد: الخلاف الآن هل (من) تبعيضية فيكون فرض كفاية أو بيانية
د. عبد الرحمن: على كل أحد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيبدو والله أعلم أنه فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقي
د. محمد: بعد النظر في شيء آخر وهو إذا نظرت إلى وجوبه العيني هو يجب في حالات لا يكاد يسلم بعدها إلا زاوية معينة من الواجب الكفائي فمثلاً الإنكار القلبي واجب على كل مسلم، كل من سمع بمنكر ولو في أقضى الأرض وجب عليه أن ينكره بقلبه هذا فرض عين على كل مسلم وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. ثانياً أن يكون الإنسان ذا سلطة على المنكر فيكون واجباً عينياً مثل أن يكون الزوج على زوجته، الأب على أبنائه، المدير على مرؤوسيه فهذا واجب في حقه عيني. الثالث أن لا يعلم بالمنكر إلا هو، وهذه تقع في كثير من المسائل ما يرى هذا المنكر أحد غيره فيجب عليه وجوباً عينياً. فهذه المسائل الثلاث إذا نظرت إليها وجدت أنها تشمل حالات كثيرة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بقي إذا كان المنكر ظاهراً وكان الذين يقدرون على إنكاره أكثر من شخص فهنا هل يكون وجوب إنكار المنكر على كل واحد منهم عيناً أوعلى طائفة منهم؟ وهذا الذي يظهر أنه يكون فرض كفاية بهذه النظرة والله أعلم.
د. مساعد: ويبدو أن التفصيلات هذه أحياناً تغطي بعض الحقائق هو الأصل في المسلم أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لكن هل يمكن أن يخلو مسلم من أن يكون آمراً بالمعروف أو ناهياً عن المنكر في يوم من الأيام؟ بمعنى أنه هل يوجد مسلم لا يأمر أبداً بمعروف ولا ينهى أبداً عن منكر؟ لا يوجد. هذا نادر في الغالب إذا أخذنا حياة المسلم كلها كما ذكر الشيخ محمد قبل قليل في بيته في عمله حتى مع زملائه لا بد أن يكون هناك شيء. مثلاً لما يأتي في مجلس فيه غيبة وقال يا ناس إتقوا الله ودعونا من الناس هذا إنكار فالناس لا يتصورون أن هذا إنكار وإنما يتوقعون الإنكار لا بد أن يكون واحد لابس بشت ومعه عصا ويقول إفعلوا ولا تفعلوا، هذا ليس الإنكار، ونحن ولله الحمد والمنة يجري عندنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع حياتنا ويجب أن نعزز هذه القيمة لأن تعزيز هذه القيمة وشعور الإنسان أنه يعمل هذه الطاعة في نظري مهم جداً كوننا نتخيل أو نتوهم أنه لا يقوم بهذه الشعيرة إلا فلان وفلان من الذين أو كلت الدولة لهم هذه المهمة، لا، هؤلاء لهم عمل آخر مع العامة ولهم سلطة أخرى سلطة تنفيذية في شيء معين.
د. عبد الرحمن: تلاحظون في التعبير بقوله (وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) كيف عبّر بإسم الإشارة الذي يدل على البعيد والتعبير بإسم الإشارة الذي يدل على البعيد في القرآن الكريم له معاني فإذا جاء في مثل هذا الموقف يدل على فضلهم وأنهم في مكانة عالية جداً استعمل في الإشارة إليهم (أولئك) كما في قوله (أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ (5) البقرة) حتى في الأدب عندما يقول “أولئك آبائي فجئني بمثلهم” إشارة إلى شيء عظيم بعيد المنال.
د. مساعد: وأيضاً يستخدم (أولئك) كي يفهم السامع أنها خاصة بالعلو يستخدم أيضاً في المقابل لبعدهم عن الخير
د. عبد الرحمن: لكنه يعطي هذا المعنى والسياق هو الذي يدل هل المقصود بها التكريم والتشريف أو الإهانة
د. محمد: وهذا أيضاً يستعمل في جانب آخر وهو الحصر خصوصاً مع ضمير المفصل (هم) وكأنه يقول ليس هناك مفلح إلا هؤلاء. عندي أيضاً مسألة في هذه الآية -ونعتذر للإخوة المشاهدين للإطالة فيها ولكنها مهمة جداً- ما معنى المعروف وما معنى المنكر؟ المعروف قدمت دكتور عبد الرحمن قبل قليل أن بعض الناس قد يقصره على أشياء معينة ونقول إن المعروف هو كل ما عُرف حُسنه بالشرع أو بالعقل والمنكر كل ما عُرف قبحه بالشرع أو بالعقل، ولذلك نحن نوسع دائرة المعروف ونوسع دائرة المنكر بمعنى أنه متى رأيت فساداً فإعلم أنه منكر. مثلاً طالب يكتب على جدران المدرسة هذا منكر، بعض الناس في حسبانهم وفي عرفهم أو طباعهم أن المنكر هو ذاك الذي يشرب كأس خمر أو الذي يسرق أو الذي يغتاب، هذه المنكرات التي نعرفها من نصوص الشرع، لا، المنكرات أوسع من هذا. عندما يمر إنسان ويعبث بسيارة من سيارات الناس الواقفة في الطريق أو هذا الذي يذهب إلى المسجد ليصلي الجمعة أو ليحضر محاضرة فيقف أمام بيت أو أمام سيارة إنسان فيغلق عليه، هذا منكر. أنت تأتي لطلب العلم إتق الله في نفسك الناس لا ينكرون هذا وما يظنون أن إنكار هذا من المنكر أو مما أمر الله به. لا يا أخي، عندما ترى إنساناً قد ترك سيارته وقد فتح ضوؤها تتلف عليه البطارية فمن الأمر بالمعروف أن تقول له يا فلان إنتبه حتى لا يذهب عليه ماله، هذا من الأمر بالمعروف.
د. عبد الرحمن: وهناك وجه آخر في بعض المجتمعات وهو إنعكاس المفاهيم وهو أن يصبح المعروف منكراً عند الناس ويصبح المنكر معروفاً.
د. محمد: وهذه مهمة المصلحين أن يعيدوا المفايم إلى حقائقها الشرعية.
د. مساعد: وهذا أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم
د. عبد الرحمن: يعني يرى المنكر الذي لا يشك أحد أنك منكر على أنه معروف ويستغرب من إنكار الناس عليه ويرى أن هذه حرية شخصية أو سمها ما شئت لكنها ليست منكراً، وهذا يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم “يسمونها بغير إسمها” قد تسمى بعض المنكرات بأسماء فيها نوع من التزكية مما يقلب المفاهيم عند كثير من الناس حتى بعض الناس فعلاً يقتنع بأنها ليست منكراً.
د. محمد: وهذا من أساليب إبليس لما يقول (هل أدلك على شجرة الخلد) كل الناس يريدونها ما من مخلوق إلا ويريد هذا الملك والشجرة التي فيها الخلد لكنه يزيّن.
د. مساعد: نصيحة نختم بها أننا نقول للمسلمين أنه حينما يأتيهم من ينكر عليهم أمراً قد استقر عندهم خاصة إذا كان المنكِر عالماً أو أخذها عن عالم نسبها إلى عالم أن لا يستعجلوا بالرد عليه واستنكار ما قال وإنما يطالبوه بالدليل ونحن نعرف من واقعنا الذي عشناه أشياء ما كنا نرى أن فيها شيئاً فإذا بها تكون منكراً فعدلها لنا العلماء ونبهونا عليها وهي أشياء كثيرة لا يكاد يخلو منها امجتمع من مجتمعات المسلمين.
د. محمد: وفي المقابل على العالِم أو الداعي المصلح أن لا يستعجل في نغيير هذه الأشياء في واقع الناس من أول لحظة يدلي عليهم بأن هذا من المنكر أو أن هذا من المعروف ينتظر الناس حتى يفيقوا، بعض الناس يسير في هذا الأمر وقد أخذه بكل انشراح وتلقّاه عن آبائه وقد رأى بعض المشايخ يفعلونه وما انتبه فإذا جئت وأنكرت عليه توقع منه هذا الأمر وتوقع منه أن يرد فأنت قلت له فكِّر، لعلك تراجع المسألة، إسأل بعض العلماء. يحدثني بعض الإخوة يقول أن الزواج ببنت العم في بلادنا من أعظم المنكرات بل لا يفكر فيه أحد لأنهم يعدّون بنت العم مثل الأخت وهذا موجود في بعض القبائل وبعض الشعوب فأذكر مجموعة من الشباب شاوروني في هذا الأمر قالوا نريد أن نعيد الأمر إلى نصابه قالوا مشكلتنا ليست في الزواج من بنات عمنا ولكن مشكلتنا أن بنات عمنا يأتون إلينا ويجالسننا ويسلمون علينا كما تسلم أخواتنا علينا فماذا نفعل؟ فقلت أنكروا هذا الأمر لكن بلطف ولا تستعجلوا يعني لا تظنوا أن الناس سيستجيبون لكم في أول لحظة. وبالفعل قالوا هؤلاء جاؤنا بدين جديد، نحن إذا كانت نفوسهم مريضة وبنات العم مثل الأخوات فهؤلاء أصحاب شهوات وهؤلاء أناس مرضى وبدأوا يتكلمون فيهم. وما زال الإخوة بهم بعد سنتين وبدأ الناس يقتنعون خصوصاً بعدما أعلن أن أحدهم تزوج بابنة عمه فانفض الناس إلى العلماء يقولون ما هذا الذي حصل؟ منكر عظيم، رجل يرتكب الزنى مع أحد محارمه العلماء يقولون لهم لا هذه بنت العم حلالك
د. مساعد: والرسول صلى الله عليه وسلم تزوج زينب
د. محمد: عند ذلك أفاق الناس فسرى فيهم الزواج ببنات العم وعُلِم بعد ذلك أن بنت العم ليست من محارم الإنسان
د. عبد الرحمن: في قضية الأمر بالمعروف قبل أن نتجاوزها وهي أهم ما تكلمت عنه الآيات جانبان جانب يتعلق بالداعية نفسه والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو جانب الرفق ومفهوم الرفق واسع جداً تدخل فيه الحكمة والسياسة بل والدبلوماسية وأنه ليست المسألة أن هذا غذا منكراً مائة بالمائة أن تأتي إليه بأسلوب غير مناسب فتنفره لأن هدفك في النهاية هو إصلاحه وتقريبه إلى الحق وليست المسألة أنك تؤدي واجباً عليك وتقول أنا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر. فأنا أنصح إخواني الذين يمارسون هذه الشعيرة أنصحهم بالرفق الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر به, البعض إذا قلت له ترفّق يا أخي العزيز قال أنت تميّع الدين أو تُداهن، لا يا أخي، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول “إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نُزع من شيء إلا شانه “. النقطة الثانية من جانب الذي يُنهى عن المنكر أو يؤمر المعروف من الصعب جداً على النفس أن تتقبل هذا أن ياتيك واحد ويقول لك يا محمد جزاك الله خير ثوبك طويل، أمام الناس ترى في هذا غضاضة عليك وتستشهد مباشرة وأنت تحفظ الشعر وتقول
تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعا
لذلك ينبغي على الإنسان أنه إذا كان الذي يأمرك بالمعروف أو ينهاك عن المنكر قد أساء الطريقة أو لم يختر الوقت المناسب فأنت إضغط على نفسك وقل جزاك الله خيراً وسبحان الله العظيم أنا جربتها في أكثر من موقف ووجدت أنها عاقبتها حميدة مع أنه كان بإمكاني أن أنتصر لنفسي في ذلك الموقف لأنه أساء إلي أمام الناس لكن تكتشف أنك عندما تتجاوز حظ نفسك وتشكره لأنه فعلاً أمرك بالمعروف أو نهاك عن منكر أن العاقبة حميدة ولا سيما مع الآيات كما قال تعالى (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ثم قال في الاية التي بعدها (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) فنقلت مباشرة من العاقبة الحميدة والعاقبة السيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاستدابة وعدم الاستجابة فنقلك إلى صورة عجيبة في الآخرة فقال (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) لا شك أنك عندما تسمع هذا مباشرة تتوق نفسك إلى يوم تبيض وجوه. من هو الذي يتمنى أن يسود وجهه في الآخرة والعياذ بالله؟! لا أحد. وقال (تبيض، وتسود) إشارة إلى قضية أن الأمر بالمعروف والاستجابة له هذه كلها من عواقبها بياض الوجه. لذلك حتى الآن في مجتمعنا يقال فلان بيّض الله وجهه إشارة إلى أنه قد أدى ما عليه وأنه كانت عاقبته حميدة وأنه ما قصّر فالله جمعها في هذا المعنى (تبيض وجوه) يعني يجازى أحسن الجزاء، وتسود وجوه بالمقابل لمن لا يقوم بهذه الشعائر ومن لا يستجيب لها.
د. مساعد: في قوله (يوم تبيض وجوه) قد يسأل سائل (يوم) ظرف متعلق وأغلب المُعربين وتبعهم المفسرون على ذلك أنهم يرون أنه منصوب بفعل محذوف تقديره (واذكر يوم) إذا قلنا “واذكر يوم” هذا فيه نوع من الاستئناف ولكن مع ذلك نجد أن هناك ارتباطاً خفياً وبعض المفسرين أشار إليه (عذاب عظيم يوم تبيض وجوه)، فنقول على هذا الرأي وهذا الرأي ليس هناك انفصال بين الآية السابقة وبين الآية التي بعدها من جعل الظرف معمولاً لما قبله هذا وجه ومن جعل الظرف المقدر واذكر يوم فنقول أنه في النهاية فيه إرتباط. لما يقول (وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) كأنه اشار إلى هذا اليوم الذي تبيض فيه وجوه وتسود فيه وجوه وكما تلاحظ لما قال (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) لم يفصل.
د. عبد الرحمن: وهذا سر من أسرار بلاغتها أنها تذهب النفس في الخيال، لماذا تبيض الوجوه ولماذا تسود؟ ما هي هذه الوجوه؟ ويتركك تفكِّر ثم يفسر (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)) (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107))
د. مساعد: الآن بياض الوجوه وسواد الوجوه هو أثر، أثر على شيء ولهذا قال (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) المطففين) ولما قال في آخر سورة عبس (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41)) فسبحان الله هي نفس هذه المعاني فهذه آثار الأعمال ظهرت على الوجوه ولهذا حتى في الدنيا قد تظهر آثار بعض الأعمال على الوجوه.
د. محمد: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) ما أسرّ أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، لا يوجد سريرة من نفاق أو شرك أو شك أو حسد إلا أظهر الله ذلك على صفحات ذلك الوجه الذي يعكس ما في القلب. وهذا يتبين بشكل أكبر لذوي الفراسة من أهل الإيمان وبشكل أقل كلما كانت بصيرة الإنسان ضعيفة أو مشوبة بشيء من المعاصي لم يتبين هذه الأمور ولم يكن عنده حظ من الفرقان الذي جعله الله لأهل التقوى (يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً (29) الأنفال) كي تفرقون فيه بين المحب والمبغض والمؤمن والتقي والسعيد والشقي
د. مساعد: وقصص المتبرزين تأتي بالعجب العجاب. لكن مجرد سؤال: قال (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) ثم قال (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) و (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ) هذا يسمونه في البلاغة اللفّ والنشر غير المرتب معناه أنه ذكر الأبيض ثم ذكر الأسود وعند التفصيل ذكر المرتب بخلافه بدّل الأسود بالأبيض فهو مرتب بخلافه.
د. عبد الرحمن: مسألة كان أشار إليها سيبويه وهي مسألة مهمة جداً نريد أن نتناقش فيها وأيضاً الأخوة لعلهم يتنبهون إليها. سيبوية في كتابه “الكتاب” أشار إلى فائدة مهمة جداً قديماً عند العرب في اللغة لماذا تقدم كلاماً على كلام؟ فمثلاً الأصل في الكلام أن يكون الفعل ثم الفاعل ثم المفعول به فإذا حصل أنك قدمت الفاعل على الفعل فهذا له علة، لو قمت المفعول لماذا؟ فكان يقول سيبويه “فكأنهم يقدمون الذي هم به أعنى وبذكره أعنى أنهم يحرصون على تقديمه. الآن تلاحظ أنه ذكر النتيجة قبل أن يذكر التفاصيل فقال (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) فهو معني بالنتيجة والثمرة التي أثمرت عنها هذه الأعمال ثم قال (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) ذكر السبب في سواد وجوههم و (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ذكر العِلّة. عبد الرقاهر الجرجاني وأنا أنصح المشاهدين من طلبة العلم -لأن الكتاب صعب- بقراءة كتابة “دلائل الإعجاز” و”أسرار البلاغة” الذي يعتبر مقدمة في دلائل الإعجاز. تكلم في أسرار البلاغة كلاماً رائعاً جداً وأنا أعتبر أنه هو الذي بنى هذا الباب في اللغة العربية باب التقديم ودلالاته، استنبط استنباطاً، صحيح أنه بنى كلامه على كلام سيبويه لكنه أتى فيه بما لم يسبقه به أحد فتكلم كلاماً رائعاً في هذه الآيات التي جاء فيها التقديم وأسرارها البلاغية مثل (إياك نعبد وإياك نستعين) هذه فيها من المعاني الكثير. والعجيب أننا حينما ندرس المعاني نظن أننا متكلفين في دراسة اللغة بهذه الطريقة وأن العرب في القديم ما كانوا يفكرون بهذه الطريقة ما كان يقدم الواحد منهم الكلام لعلّة وإنما كان يتكلم على سليقته صحيح أنه كان يتكلم على سليقته هو يقصد إذا قدم المفعول به يقصده يقصد المعنى الذي يدل عليه تقديم المفعول وإذا قدّم الفاعل يقصد المعن الذي يدل عليه تقديم الفاعل
د. مساعد: لأنه أحياناً خاصة الشاعر إذا استجاشت نفسه بالشعر فالمعاني هي التي تخرج منه دون أن يقصد أو لا يقصد، ولكن الشيء القريب منه يخرج ولا يشعر هو أحياناً مما يدل على أنها أيضاً مرتبطة بالذات الإنسانية
د. محمد: يقولون واحد من العرب وقف يسب أخاً له فكان ذاك معرض عنه فأراد هذا ن يلفت إنتباهه فقال إياك أعني فقال الآخر وعنك أُعرِض. كل واحد منهم قدّم ما يريد أن يقدمهن الأول قال إياك أعني والآخر قال أنا عنك معرِض يعني مقصود أنت بذلك الإعراض
د. عبد الرحمن: ولذلك أنصح نفسي وإخواني بالتفقه في لغة العرب والقراءة فيها بروح الفهم الدقيق لهذا القرآن العظيم، تربية الذوق. وبالمناسبة قبل أن ننتقل من قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما فيه، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يربي في المسلم الذوق تربية الذوق مثل الأعمال التي ذكرتها دكتور محمد الكتابة على الجدران وغيرها هذه منافية للذوق وللأدب والذي يأمر بإزالتها رجل صاحب ذوق وفي واقعنا المعاصر الآن يتكلمون عن الإتيكيت والذوقيات وهي والله من صميم ديننا ولذلك الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله كان يرى أن تربية الذوق في المجتمع أنه من مقاصد الشريعة والمحافظة على الذوق العام في المجتمع أنه من مقاصد الشريعة فإنه يقبح بالإنسان أمام الناس فيأتي بخوارم المروءة ويتصرف تصرفات قبيحة لا تليق به ولا تليق بالمسلم.
د. محمد: ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى الجمعة تطيّب ولبس أحسن الثياب وقال مرة لأصحابه ما لي أراكم قلحاً (يعني صُفر الأسنان) تخرج منكم روائح عفنة لا تليق بكم. ما الذين يمنع الشخص إذا جاء إلى مجامع الناس أن يتطيب ويتزين ويلبس أحسن ما عنده ويخرج بصورة يشتهيها الناس ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرسل رسولاً تخيّر رجلاً شكله يوحي وحتى اسمه يختار إسماً طيباً وهذا كله من الذوق.
د. مساعد: تتميماً للفكرة التي طرحتموها فيما يتعلق بقضية الشعر وبالفعل أنا ألاحظ أن هناك إعراضاً من كثير من طلبة العلم عن الشعر مع أنه كان عند أسلافنا مما يُربى عليه الصغار ولهذا أذكر أن بعض الإخوة إذا قرأ كتاباً إذا مر بشعر تجاوزه ولم يتذوقه ولهذا نقول ما دون المجالس المرتبطة بالتفسير ولكن حينما تتذوق أبيات الشعر سواء كانت جاهلية بالذات أو ما جاء بعدها خصوصاً ما يتعلق بالبلاغة أو الأدب الذي فيها نقول إذا أنت استطعت أن تتذوق فبإذن الله سترى الفرق بين ما في القرآن من المعاني الثانوية وما في هذه الأبيات ولهذا من باب التدريب خذ مثلاً معلقة زهير بن أبي سلمى وهي من المعلقات التي تعتبر من الحكمة والأخلاق واقرأها على أنك تريد أن تفهم ما في كتاب الله سبحانه وتعالى، إقرأ المعاني والمفردات وبيانها، إقرأ المعاني التي شملتها هذه المعلقة والحِكَم التي ذكرها زهير ابن أبي سلمى كيف تستطيع أن توظف هذه المفردات والمعاني والحِكَم وأنت تفسر كتاب الله تعالى إعتبر نفسك تريد أن تستفيد منها، فإصنع لنفسك درساً صغيراً حاول أن توظف هذه المعلّقة في درس من دروس التفسير ستجد أنك هنا تحس بلذة وقيمة هذه الأبيات الشعرية التي تتلوها من هذه المعلقة.
د. عبد الرحمن: وهذا كان منهج السلف رحمهم الله.
د. محمد: أنا كنت سانتقل إلى قول الله عز وجل (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (100))
د. عبد الرحمن: إنتقل لكن قبل أن تنتقل في قوله تعالى (تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ (108)) هذه فيها فاصلة ومقطع وسبق أن ذكرنا في سورة البقرة قبل آية الكرسي (تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)) ثم جاءت (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (253))، الآن ينتقل من حديث لحديث ثم يقول يا محمد (تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ) المقصود بها آيات الله المتلوة (نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ) لاحظ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندما فصّل في هذه الشعيرة وأمر بها ثم قال (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا (103)) قال (وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ) كأن كل هذه الأوامر هي من تمام عدل الله سبحانه وتعالى في عباده وأنها ليست من التعدي في التشريع وليست من الظلم وليست من التدخل في شؤون الآخرين وإنما هي آيات الله بالحق نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم كما قال في سورة الإسراء (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ (105) الإسراء).
د. محمد: في قول الله عز وجل (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)) يعني هذه الأمة تستحق الخيرية بهذه الصفات فمن أراد أن يكون خير الناس فإنه إذا انطبقت عليه هذه الصفات المذكورة في الآيات كان خير الناس ولا يمكن ويستحيل شرعاً أن يكون من خير الناس وهو معرض عن إمتثال هذه الصفات الثلاثة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله وهذه قالها عمر رضي الله تعالى عنه قال: من أراد أن يكون له حظٌ من هذا الخير فعليه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله. والعجيب في الاية أنها جاءت على نسق قرآني معهود وهو ما ذكرتموه قبل قليل أن يقدم ما يراد العناية به وما يراد إظهاره وإبرازه ليس لأنه أولى من المؤخَر في كل الأحوال لكن في هذا السياق أو يريد التنبيه عليه أو لأن الناس يغفلون عنه أو يتقاصرون عن القيام به أو لا يأبهون به أو هناك من يقلل من شأنه ويرى أن الإيمان بالله كافٍ في بلوغ رضوان الله، لا، ما يكفي حتى تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر والعجيب للشيخ ابن باز يقول كلمة عجيبة في هذا الباب يقول: ما أعلم في شرائع الإسلام شريعة قُدِّمت على ما هو أفضل منها تأكيداً على حقها مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في آيتين، قال في هذه الآية (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) وفي قوله في سورة التوبة (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ (71)) إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله أولى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا الدين كله، حقيقة الدين الأساس الذي لا يقوم الدين إلا به هي إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله، وقُدِّم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليها. وهنا على الإيمان بالله الذي هو أولى من ذلك كله وأعظم وأجلّ. ما هو السر؟ السر هو ما ذكرناه قبل قليل، أن ما يراد العناية به في هذا الميدان قُدّم وأُبرِز حتى ينتبه الناس إليه، لن تكونوا خير أمة على وجه الأرض حتى يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعاراً لكم ولن تكون هناك ولاية بين المؤمنين ومحبة ومودة حتى يقام سوق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) التوبة) متى تكون الولاية وتصبح ظاهرة ويصبح الناس متوادّين ومتآخين ويصير بينهم محبة ويشيع الأمن
د. عبد الرحمن: متى تشعر أن هذا ظاهر في المجتمع إلا إذا شعرت أنك إذا فعلت المنكر ستجد من ينكر عليك. المسألة ظاهرة وإذا خرجت ذات اليمين وذات اليسار عن هذه الجادة وجدت من يأطرك على الحق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليعمنّكم الله بعذاب أليم” فالآن الناس للأسف الشديد وأنا أقرأ في الصحف وفي الانترنت كثير من المقالات التي تهول من شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بغض النظر عن خطأ فردي من شخص أو من آخر هذا كله لا يعود بالإبطال على هذه الشريعة العظيمة التس ينبغي أن تكون وظيفتنا جميعاً ليست وظيفة فلان أو فلان أو الجهاز الفلاني.
د. مساعد: ليس الخطأ خاصاً بفلان أو بجهازه وإلا لو كنا نتتبع خطأ المرور، خطأ الدوريات
د. عبد الرحمن: حتى عمل المرور والشرطة كله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
د. مساعد: لهذا لا بد أن يستشعر هؤلاء في مقام ضبط الأمن في مجال ما أنهم يدخلون في هذه الشعيرة.
د. عبد الرحمن: كان يقول لي شخص كنا نتناقش في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقلت له يا أخي وزارة الداخلية ووزارة الدفاع هي تدخل تحت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. المفروض أن نوسع دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تدخل تحتها هذه الوزارات كلها لأن مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندنا أوسع من هذا
د. مساعد: هناك فائدة مهمة جداً، قول الله سبحانه وتعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)
د. عبد الرحمن: لماذا جاء التعبير بالماضي هنا؟
د. مساعد: بعض العلماء ذهب إلى أن كنتم بمعنى أنتم طبعاً فيما يبدو لي والله أعلم وهذا ذكره أيضاً بعض المتأخرين أن من قال (أنتم) خاصة من السلف ليس مراده التفسير اللفظي أن كنتم تساوي أنتم، وإنما هذا تفسير معنى فما دام تفسير معنى يبقى السؤال ما هو سر التعبير بالماضي؟ التعبير بالماضي لو تأمل القارئ للقرآن يجد أن التعبير بالماضي يدل على تأصّل الصفة (وكان الله عليماً حكيماً) خاصة فعل الكون بالذات (كان) يدل على تأصله في الموصوف يعني كان وما زال. كأنه الآن ثبت لكم هذا الشيء أنكم خير أمة ولهذا من قال أنتم هو النتيجة (كنتم خير أمة) بالمفهوم الذي تكلمنا عنه هو بمعنى أنتم صرتم خير أمة للناس بهذه الشعيرة. ولهذا لاحظ أنه لمز أهل الكتاب بهذا الأمر لما قال بعدها (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم) بعد أن ذكرت هذه الشريعة هذه إشارة إلى أنهم قد سلبوا الخيرية بسبب تركهم هذه الشعيرة.
د. عبد الرحمن: وقد نص الله عليها فقال (كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79) المائدة) وأيضاً في قوله في سورة الأعراف والحقيقة أنها آية تستحق أن تُذكر هنا عندما ذكر الله سبحانه وتعالى أصحاب السبت فقال (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) الأعراف) فقال الله سبحانه وتعالى (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165) الأعراف)
د. محمد: وسكت عن الساكتين
د. مساعد: إبن عباس له قصة في هذه، يقول عكرمة دخلت عليه فرأيته يبكي فقلت ما يبكيك؟ قال إني رأيت الله ذكر بعض الطوائف فذكر رجال طائفة وذكر لك طائفة وطائفة سكت عنها فلا أدري هل أنا مع الناجين أو مع الهالكين، قال ما زلت أبيّن له حتى ظهر له أنه من الناجين قال ففرح فرحاً جديداً وكساني حُلّة.
د. عبد الرحمن: رضي الله عنهم وأرضاهم. ونحن في نهاية هذه الحلقة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من المتدبرين لكلامه. وعلى ذكر ابن عباس وعكرمة رضي الله عنهم أجميعن كانوا من هؤلاء الذين قضوا حياتهم كلها في تدبر المعاني والاستنباط والفهم نسأل الله جميعاً أن ينفعنا بهذا القرآن وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إنت نستغفرك ونتوب إليك.
ملخص الحلقة:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخص من الدعوة إلى الله.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة عامة للأمة وليست مختصة بطائفة معينة.
بعض الناس ينقلب عنده المعروف منكراً والمنكر معروفاً
الرفق واللين من موجبات قبول قول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قد يظهر أثر بعض الأعمال في الدنيا على وجه من يعملها طاعة أو معصية
من أساليب العربية تقديم ما هو جدير بالاعتناء في الكلام
كتاب أسرار البلاغة وكتاب دلائل الإعجاز للجرجاني من الكتب المهمة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يربي ويحافظ على الذوق العام في المجتمع
تذوق الشعر العربي والعناية به يعين على فهم كتاب الله
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله من مقومات خيرية هذه الأمة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شرائع الدين العظيمة التي لا يستهان بها
التعبير بالماضي عن الوصف الحاضر يدل على تمكن تلك الصفة من الموصوف
بُثّت الحقلة بتاريخ 1/7/2009م