برنامج بينات

برنامج بينات – آل عمران 28

اسلاميات

الحلقة 28

15 رمضان 1430 هـ

وصيتين :

 

في كل يوم نرى أننا ما قلنا شيئاً في كتاب الله عز وجل وفي كل يوم نرى أن الكلام الذي نقوله والدروس والعبر التي نستنبطها شيء يسير مما ينبغي أن يؤخذ من هذا الكتاب العظيم ولذلك أوصي نفسي وأوضيكم أن نجعل هذا الكتاب نبراساً نستضيء به في سائر شؤوننا. وأوصي بوصيتين: الأولى أن نخلص لله جل وعلا في عملنا وفي ما نقول. والإخلاص بوابة الخلاص فلا عمل مقبول عند الله  سبحانه وتعالى إلا به نسأل الله أن يجعلنا ممن يبتغون بعملكم وجه الله. والثانية أوصي من يستمع للبرنامج أن يكون مصحفه معه حتى يتابع الآيات ليعرف المعاني ويتوثق منها ويتابع الربط الذي يكون بين المقاطع لأننا أحياناً ننتقل بين الآيات للربط بينها وبيان شدة الاتصال بها. وهذا لا ينفع إلا حافظ أو إنسان يكون مصحفه بين يديه. ولا شك أن الإنسان إذا تابع بهذه الطريقة وأنصت وإستمع أنه يحظى بأجر مجالس الذكر التي قال صلى الله عليه وسلم {لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة ، وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده الراوي: أبو سعيد الخدري و أبو هريرة المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 2700خلاصة الدرجة: صحيح} . ولعل بعضكم من يقول هذا مخصوص بالمساجد لا، هناك لفظ ذكر فيه المساجد ولفظ لم يذكر فيه . وما ذكر في المساجد لا يقيد ما لم يذكر فيه بل يكون من باب ذكر الفرد. فإذا اجتمع الناس في بيوتهم أو المدارس أو المحافل أو المساجد فهم داخلون بإذن الله في عموم هذا الحديث. ونحن نقول هذه أيضاً وسيلة جديدة للإستماع الذي يكون به الذكر.

 

ما زال الحديث عن الآية:

(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) آل عمران)

تكلمنا في الحلقة السابقة عن التزكية وثناء الله تعالى على نبيه.

المقصود بـ (الضلال)

(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)) ذكر تعالى امتنانه ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى له أن يمتن على عباده بما يشاء فهو سبحانه صاحب المنّة. نضيف في هذا المجلس كيف عقّب الله سبحانه وتعالى فقال { وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} والإشارة إلى الضلال الذي كان فيه العرب والبشرية قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فكأنه هو الذي دل الأمة في هذه الجاهلية وكانت ضالة وتائهة وحائرة حتى أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم فدلهّا . قال تعالى { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)  الزخرف}. وفي مواضع أخرى وصفه الله تعالى أنه هو نفسه صلى الله عليه وسلم كان ضالا فهدى { وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)  الضحى} المقصود بالضلال هنا أنه لم يكن يدري عن هذا الخير وعن هذا القرآن ولا عن هذه التفاصيل الدقيقة. كان صلى الله عليه وسلم يتعبد ويتحنث في غار حراء ويرجو أن يجد من يدله في هذه الحيرة ولذلك قال { مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ } ولما جاءت التفاصيل في هذه الآية . حقيقة أن نزول القرآن منّة كبرى . هي منة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الأمة كلها. يقولون إذا أردت أن تعفر قيمة الشيء فتخيّل فقده، تصور ما يكون عليه حالنا بدون القرآن ؟ يكون بيننا اختلافات وما في ثبات لأنه لا يوجد شىء نرجع إليه. نحن نقول للناس عليكم بالقرآن وبعضهم يقول أنا أرجع إلى القرآن فلا أجد ما تقولون وذلك لتفاوت الناس من حيث العلم والقدرة والفهم. ولكن الأمة كلها من تاريخ نزول القرآن إلى اليوم تعيش على هذا القرآن كلما تمسكت به انتصرت وفتح الله عليها وإذا تهاونت فيه إنتكست. مرت قرون طويلة على المسلمين يقتربون وينتصرون. ويصدق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الراوي: مالك بن أنس المحدث: ابن عبدالبر – المصدر: التمهيد – الصفحة أو الرقم: 24/331 خلاصة الدرجة: محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة يكاد يستغني بها عن الإسناد} لابد أن نتمسك ليس فقط أن نقرأ . وقال (ان تضلوا) معناه أن هو هداية والتخلي عنه ضلال. وأيضاً هذا الوصف الذي عقب به سبحانه وتعالى وقال { لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } هذه الآية فيها إشارة إلى أن البشرية قبل محمد كانت في ضلال وفيها إشارة أخرى أنها إذا تخلت الأمة عن ما زكاهم به يرجعون إلى الضلال وهذا صحيح نجده الآن.

 

(وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) الضحى) قد يفهم البعض أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على ملّة قومه ولكنه كان على الحنيفية ولم يكن من المشركين وذلك للتنبيه . كلمة (ضال) تدل على أنه لم يكن عالماً بتفاصيل الشريعة وفسرتها الآية الأخرى { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)  الزخرف}.فالقرآن يفسِّر بعضه بعضا.

 

نجد أن وصف الضلال يوحش ولكن اذا عُرِف المقصود به بطل العجب. موسى عليه السلام وصف بالضلال {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) الشعراء} وصف نفسه بهذا أي قبل أن يوحى إليه. وهذه قاعدة أن لا تستوحش من الأوصاف التي أطلقها الله على الأنبياء أحياناً بعض الناس ينزعج من هذه الأوصاف من باب تعظيم الأنبياء ولكن نقول له إنتبه فأنت على خطأ . فأنت تحسن في جانب الأنبياء ولكن قد تسيء الأدب مع الرب فهو أعلم مني ومنك وهو قال الكلام فانتبه أن تقع في هذه المشكلة فلابد من الميزان الدقيق . ولذلك نلاحظ {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)  هود} وهو يخاطب النبي نوح وقال أيضا مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) الأعراف} لكن لا تأتي وتتقصد أن تقول أن النبي كان غافلاً، فإنتبه أن تسىء الأدب مع الله سبحانه وتعالى في أن تنفي عن أنبيائه ما وصفهم به هو سبحانه وتعالى فهو أعلم وأحكم في هذا. قضية أخرى أن بعض العبارات يكون لها معنى عرفي فيحملها الناس على المعنى العرفي ويدعون المعنى القرآني واللغوي مثل كلمة (أميّ) ومثلا كلمة (هلك) لا تقال إلا على الطغاة المفسدين والبغاة في الأرض ويقول بعض الناس ما بال الله قالها في حق يوسف {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) } . (هلك) في اللغة تعني الموت. المعنى الزائد هذا عُرف عند الناس في هذا الزمان وإلا لم يكن موجودا . ألا ترى في علم الفرائض يقال هلك هالك عن زوج؟ فهذا العرف هو العرف اللغوي أو العرف القرآني كونه تغير أو كون الناس زادوا عليه أشياء إذن إذا أردت أن تستعمله في واقع الناس أرى أن لا تستعمل هذا الأسلوب فلا تقول أن الشيخ بن جبرين هلك لأن الناس يفهمون منها هذا الاستنباط ولكن عندما نفسر القرآن نحن نتحدث بلغة علمية وليس عندنا هذه المشكلة.

 

معنى الكتاب والحكمة

لما قال (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) فيها ملحظ مهم وهي أنه لما نزلت هذه الآيات هذه سورة مدنية نزلت في وقت لم يكتب القرآن كاملا ولم يكن مجموعا في كتاب. فهذا الوصف القرآني فيه إشارة إلى نوع الحفظ الذي سيكون عليه وهو أن يكون فى كتاب. أي يعلمهم الكتاب وهو لما يكتمل. ولهذا يجب أن ننتبه إلى هذه اللفتة اللطيفة لجهات حفظ القرآن حفظ الصدور وحفظ السطور {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) البينة}التلاوة حفظ في الصدور والكتابة حفظ في السطور. ونقول إن هذه الإشارات واضحة أن الله سبحانه وتعالى سيهيء السبب لكتابة القرآن وحفظه كما قال تعالى  {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)  الحجر} حافظون هناك سبب. الله حافظه قطعا ولكن ما هو السبب الذي أوجده ليكون هذا الحفظ؟ السبب هو هؤلاء الصحابة الذين كتبوه ووثقوه .وهذا ليس بدعا منهم  وإنما طان بتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم، ما كان يوحى إليه صلى الله عليه وسلم إلا كان يدعو من يكتبها. كان صلى الله عليه وسلم يشير إليهم ويوحي إليهم أنه لابد من ضبط هذا العلم بالكتابة . وهم كانوا يبادرون أيضا بالكتابة.كان ينادي الكُتاب وكان غيرهم يكتبون لأنفسهم. لذلك قال صلى الله عليه وسلم {لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن ، من كتب عني شيئا سوى القرآن فليمحه . الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: السخاوي – المصدر: فتح المغيث – الصفحة أو الرقم: 2/159خلاصة الدرجة: ثابت}. معنى واضح أنهم كلهم كانوا يكتبون القرآن.

 

الفائدة الثانية أن الحكمة كما قال العلماء المراد بها السنة والكتاب هو القرآن. فالرسول كان يعلم الكتاب والحكمة. تسمية السنة بالحكمة فيها شيء من اللطف في التنبيه على أن ما جاء به صلى الله عليه وسلم فهو عين الحكمة لا يخالف الحكمة مطلقاً. إن قال شخص أليس الكتاب من الحكمة؟ نقول بلى ولكن كون تسمية السنة حكمة والقرآن  كتاب فإن إفرادها معناه انها مرادة بذاتها ولذلك كان مصدر التشريع الكتاب والسنة. وإلا فالكتاب أيضا حكمة زقد وصفه الله تعالى بذلك {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) الأحزاب} فالحكمة هي أيضا السنة . وهي الكتاب {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود} المقصود أن وصف السنة بالحكمة لا يعني منه نفيها عن القرآن  ولكن المراد التنبيه على القيد الزائد في السنة فقد يفهم أن منزلتها أقل نقول لا ووصفها الله تعالى بأنها حكمة و أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) النجم }. هناك ملحظ في هذه القضية وهو أن الحكمة حقيقتها هي العمل بالعلم. عرّفها كثير من أهل العلم أن الحكمة هي أن تعمل بما تعلم، العلم الصادق إذا عُمل به حقا كان صاحبه حكيما. معنى هذا أن الكتاب لما أوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم قإنه صلى الله عليه وسلم د عمل بذلك كله فصار عمله وسنته القولية والفعلية والتقريرية حكمة لأنها جمعت بين العلم الصحيح والعمل الصالح المنضبط على منهج الله عز وجل.

 

مشروعية تعليم التجويد والتفسير

( يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) يدخل في تعليمه للكتاب تعليم تلاوته وكان صلى الله عليه وسلم يعتني بذلك. كان يعرض عليه أصحابه ويعرضه على جبريل وجبريل يعرض عليه. لا شك أن أول شيء تعلمه النبي من القرآن هو تلاوته وكيفية أدائه. وفيها أيضا فائدة أخرى وهي تقديم القرآن على السنة في التعليم وفي الإستدلال وفي الإستنباط وفي كل المجالات عندما يكون عندنا آية وحديث نبدأ بالآية ثم الحديث لأن الله سبحانه وتعالى قدم الكتاب على السنة حتى قال ابن تيمية (إن السنة لا يمكن أن تنسخ القرآن ) يقصد بذلك أن القرآن محكم لا يأتي شيء في مرتبة ثانية لينسخه ويزيله. المقصود أن القرآن يقدّم ويعظم ويجل ويبدأ به. لما يكون عندنا درس تفسير ودرس سنة نبدأ بالتفسير. أيضاً التعليم يدخل فيه التجويد لأنه تعالى قال (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ) تكلم عن التلاوة ثم جاء بتعليم الكتاب وأيضا يدخل فيها التفسير. وهذا يدل على أن من وظائف النبي الأساسية هي التعليم. قد يأتي من يقول أنه لم يحفظ عن النبي من التفسير إلا القليل وليس معنى ذلك أنه كان يترك شيئا مبهما على الصحابة لا يبينه لهم. بالعكس كان إذا أشكل شيء عليهم يسألون عنه. ومن ذلك دعاؤه لأبن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء ، فوضعت له وضوءا ، قال : من وضع هذا . فأخبر ، فقال : اللهم فقهه في الدين . الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 143خلاصة الدرجة: [صحيح] } قوله وعلمه الكتاب واضح أنه يقصد التفسير. وفي رواية أخرى علمه التأويل {اللهم فقهه في الدين ، وعلمه التأويل . الراوي: – المحدث: ابن عبدالبر – المصدر: الاستيعاب – الصفحة أو الرقم: 3/67خلاصة الدرجة: صحيح} . ويقصد بالكتاب القرآن وابن عباس رضي الله عنه كان بارعا في التفسير ولا شك أن هذا أحد فروع علوم هذا الكتاب.

 

عبرة من التاريخ

 

(وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) من ترك هذين المصدرين – الكتاب والسنة- وقع لا شك في الضلال المبين. من من استعرض تاريخ الأمة الإسلامية متى أخذت بهذين المصدرين عزّت وانتصرت ومتى تركتهما وقعت في الظلام. في عهد المأمون ترجمت الكتب اليونانية وغيرها من كتب الأمم السابقة . ماذا حدث للأمة؟ اختلفت وإضطربت ليس في أمور الفروع والتفاصيل وإنما في الأصول. وصار الناس لا هم لهم إلا الكلام ونشأت الفرق الفرقة الواحدة تنقسم إلى فرق كثيرة  كل ذلك بسبب ترك الكتاب والسنة. ولذلك قيد الله للأمة في كل زمن من يعيدهم إلى المصدرين ناصعين أبيضين من غير أن يكون هناك شبهة ولا شك.

 

يوجد هنا استشكالين. الأول عن ترجمة الكتب. بعض الأمم التى كان لها تأثير في الحضارات السابقة العجيب أنه لم يرد لها ذكر لا في كتاب الله ولا في السنة وهذا فيه سر لعل من يسمع أن يبحث في ذلك. اليونان كان فيهم فلاسفة وحضارة كبيرة مسيطرة أثرت في العالم. والسؤال الثاني أنه من العجيب أن هذه الحضارة اليونانية بقيت آثارها في كتاباتها. وهذا يدل عليه القرآن في آيات كثيرة { ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)  القلم} و{ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)  العلق} مما يدل على أهمية الكتابة. إن هذه الحضارة اليونانية التي ماتت ونسيت لم يكن أحد يتعلمها ولا يتفقه فيها فكيف نشأت فكرة إعادة هذه الحضارة في هذه الأمة التي فيها هذين المصدرين الكتاب والسنة؟! هذا يدعو للتعجب، هو نوع من الكيد . والقصة مذكورة في كتب التاريخ أن المأمون أرسل إلى ملك الروم يطلبها فإستشار بطارقته فقال أحدهم  أنها ما دخلت على قوم إلا أفسدتهم. فإذا ثبتت القصة لا شك أنه يفسر جزء من هذا المعنى . السؤال أن الأمة التي كانت تعيش في هذا الوقت ما كانت بحاجة ان تبحث عن هدى في غير كتابها  فما الذي ساق هؤلاء أن يبحثوا ويأخذوا مثل هذا؟ والعجيب أن هذه الفلسفة وصلت في علم الكلام ولا زال آثار هذه الفلسفة والمنطق اليوناني موجودا إلى اليوم موجود فيما يسمى علم الكلام . في كل زمان أناس يتشوفون إلى ما عند الأمم الأخرى ولا يثقون بما عند الأمة الإسلامية فهم منهزمون نفسيا. كنا قبل أربعين أو خمسين سنة صحيح الأمة الإسلامية ليس لديها إمكانيات فنحتاج أن نبتعث أبناؤنا للأمم الأخرى للإستفادة من علومهم الدنيوية. اليوم ما إستطعنا أن ننقل التقنية إلى بلادنا ثم بدأنا نبتعث أبناؤنا مرة أخرى مع علمنا بما هناك من الإنحراف والفتن والفساد والتجارب السيئة. من ذهب يرى أماكن الإبتعاث لا يجد جديداً فيها. يتعلمون على النت وهي موجودة لدينا. إذا ذهبت تكتسب عادات وتقاليد ليست من دينك ولا من عاداتك من المفترض ألا تتعرض لها وليس من الشرف أن تتعرض لها وتتعلمها. في عهد المأمون عندما طالب بترجمة الكتب اليونانية كان الناس يتشوفون إلى حضارات وثنية وحضارات بائدة لا قيمة لها في جانب الفكر والهدى بين أيدينا. منذ ترجمت من عهد المأمون إلى اليوم ما جنينا منها؟ فرقة واختلاف وبلبلة.   نهاية إقدام العقول ورجعوا في النهاية إلى القرآن. قال الشوكاني إختلفوا في الروح على 1100 قولا والحق ما قاله سبحانه وتعالى في { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) الإسراء} قد إختصر لك الطريق. أمثال هؤلاء في كل وقت تجدهم يتطلعون لما عند الآخر ويناقشون ويقولون نريد أن نعرف ما عند الأمم الأخرى . نحن لو كنا أمة ليس لدينا القرآن ولا رسول ولا دين لكنا وافقنا ولكننا أمة عندنا قدرات وعندناكتاب الله بين أيدينا ألا نستطيع أن نقوم بأنفسنا؟

 

ننظر لمثال آخر الأمة اليايانية وجنوب شرق آسيا نجحت أن تأخذ من الغرب ماتريد أن تأخذه . لما أرسل اليابانيون أبناءهم أول الأمر تأثروا بالغرب في طريقة أكلهم وعاداتهم. فلما عادوا ورآهم الإمبراطور الياباني أمر بقتلهم جميعاً قائلا ما أرسلتهم ليأتوني بعادات أنا أريد الشيء الذي تميزوا به من تكنولوجيل وتقنية. وفريق آخر ذهب إلى الغرب يمارس العادات اليابانية حتى في أكل الأرز. وكان الغربيون يضحكون منهم ولكن كان لهم هدف واضح حتى أن أول واحد منهم من عكف سنوات يقرأ النظريات و جلس يدرس في الجامعة وفي النهاية ما حصّل شيئاً . اشترى آلة وفكها ثم ركبها مرات فعرف بالخبرة والتأمل فعرف سر هذه الآلة ما عرفها بالدراسة. و قال الإمبراطور الآن اصنع لي هذه الآلة فصنعها من أولها لآخرها. ولما جاء الإمبراطور لإفتتاح أول آلة تصنعها اليابان فلما اشتغلت وسمع ضجيجها قال هذه أحسن موسيقى سمعتها في حياتي. ثم بعد ذلك إختطت اليابان طريق الصناعة وأخذوا من العالم الغربي، فهم استقبلوا منهم ماهم بحاجة إليه وانتهوا منهم.

 

نعمة العقوبة في الدنيا

أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)

تشير هذه الآية إلى قاعدة عظيمة للمؤمنين. والإستفهام هنا إنكاري تعجبي. كأنه يقول لما أصابتكم هذه المصيبة تقولون هذا القول؟! أنّى هذا يعني من أين جاء هذا؟ هذه قاعدة إذا أصبت بمصيبة فاعلم ان الأصل أنها جاءت من عند نفسك . أنت أسأت في أمر ما فعوقبت بهذا العقاب وهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى أن تعاقب في الحياة الدنيا ولهذا قال تعالى (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُم). أي انما اصبتم جزاء ما اجترحتم وكسبتم. ولهذا قال بعدها { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } قدير على أن يقدر لكم هذا الجزاء ويصيبكم به فلا تستغربوا أن يقع هذا عليكم فإذن هذه من القواعد القرآنية وسنة ثابتة في القرآن . أن الإنسان لا يصيبه شىء إلا بكسبه. في الشورى قال { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) } ما أصابكم شىء يسير وإذا راجعت الذنوب والمعاصي نجدها أكثر مما يقع من البلاء. ونلاحظ ونؤكد عليها من خلال هذه الآية { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ }من 123 النساء قد يشكل أنت تقول ويعفو عن كثير وهنا يقول يجزى به ؟ الجواب بأن ما يصيب الإنسان ليس هي هذه العقوبات الظاهرة من القتل والجرح والآلام العظيمةة حتى الهم والحزن { ما يصيب المسلم ، من نصب ولا وصب ، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 5641خلاصة الدرجة: [صحيح] }  هذا من العقوبات تخفيف ولذلك قال هذا كله جزاء لأشياء أنت فعلتها بنفسك. حدث قبل فترة أن بعض المشايخ جزاهم الله خيرا لما حدث بعض الآلام والعقوبات على المسلمين قال هذا من ذنوب المسلمين ما وقع لهم شىء إلا بذنوبهم وبعض الناس استنكروا هذا الأمر قالوا ما ذنب هذه الأطفال والنساء وكبار السن؟.و الحقيقة هذا غير صحيح . ما أصاب الناس من شيء فهو من تقصيره في حق ربه  هذه قضية قررها القرآن وليست محل شك والحمد لله { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }. ولهذا فإن تأخير العذاب عن قوم لا يعني سلامتهم أو أنه لن يقع بهم بل قال في الآيات التالية {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178) آل عمران } وهذه أشد من اذين يعاقبون في الدنيا. تذنب فتعاقب مباشرة هذا من رحمة الله بك ومن لطف الله بنا أن يعاقبنا وأحيانا لا يعلم ما هو الذنب الذي عوقب به من كثرة ذنوبنا بينما بعض الناس مثل الحسن البصري كان يعلم الذنب الذي يعاقب عليه لأنه كان يعد ذنوبه. فأنت إذا كثرت عليك ما تعلم على أي شيء وقعت هذه العقوبة. ابن سيرين اصيب في آخر عمره بالدين فحجز بذلك فلما سؤل عن الذنب قال عيّرت رجلا قبل أربعين سنة بهذا فإبتلاني الله به، تذكر ذنبه من أربعين سنة!.

 

ومقصود الآية أن ما أصابتكم مصيبة يوم أحد فقد أصبتم مثليها يوم بدر. قتل منكم في أحد ما يقارب السبعين من المسلمين وفي بدر قتلتم سبعين وأسرتم سبعين فلماذا تعجبون؟. وكان بعضهم يقول كيف نهزم؟ نحن مسلمون وهم مشركون فجاء الجواب هو من عند أنفسكم.