برنامج بينات

برنامج بينات – آل عمران 16

اسلاميات

الحلقة 16

لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)

تحدثنا في المجلس السابق حول بعض معاني (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)) ونتحدث اليوم عن بعض ما تفيدنا هذه الآية. قوله سبحانه وتعالى (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ونلفت النظر إلى قضية مهمة جدا في القرآن وهي تأديب الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وتحليته له بالفضائل. وسيأتينا في السورة مجموعة من الأوامر مقصود بها النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة وإن كان الخطاب العام ممكن أن يشمل النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الذي يقصد به النبي مباشرة أن يوجه له الخطاب كقوله سبحانه وتعالى (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) هي مرتبطة بقوله {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)}. لو لاحظنا هذا مرتبط بجانب “الرد” لما جاء عند الآخر بعد أن قال (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) هذا احتمال أنه بعد أن يقطع طرفا منهم أي فريقا منهم أو يكبتهم فينقلبوا خائبين قال بعد ذلك (أو يتوب عليهم) على هؤلاء المشركين فإن تاب عليهم يسلمون وهذا من رحمة الله بعباده. فإن لم توقع لهم التوبة في قدر الله فإنه يبقى لهم العذاب. والعذاب هنا يشمل العذاب الدنيوي والأخروي وان كان قطع الطرف والكبت هو جزء من العذاب ولكن هذا يكون عذاب مخصوص غير العذاب الأول. فإذن الآيات إذا تأملنا في قوله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} كأن فيها نوع من التربية للنبي صلى الله عليه وسلم على الصبر وعدم العجلة في أمر هؤلاء مع أنه صلى الله عليه وسلم تمثل هذا الأمر لكن في بعض الحوادث المعينة وقد يكون صلى الله عليه وسلم قد دعا على قوم أو حصل منه شيء من هذا فينبهه الله سبحانه وتعالى على أن الأمر كله لله .ولذلك لما كان في يده أن يطبق على الكفار الأخشبين قال لا. روت عائشة رضي الله عنها {أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد ؟ قال : لقد لقيت من قومك ما لقيت ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل ، فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد بعث الله إليك ملك الجبال ، لتأمره بما شئت فيهم ، فناداني ملك الجبال ، فسلم علي ، ثم قال : يا محمد ، فقال : ذلك فيما شئت ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، لا يشرك به شيئا .الراوي: عائشة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 3231خلاصة حكم المحدث: [صحيح]}. فهذا الموقف الذي عاشه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة يدل على أنه كان موقف عصيب وشديد وسبب النزول يدل على ذلك وقد ورد فيه حديثان. الأول { أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج في جبهته حتى سال الدم على وجهه فقال كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم إلى ربهم عز وجل؟ .الراوي: أنس بن مالك المحدث: ابن عساكر – المصدر: معجم الشيوخ – الصفحة أو الرقم: 1/42خلاصة حكم المحدث: صحيح}. فأنزل الله هذه الآية { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}. والثاني { أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول : ( اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا ) . بعد ما يقول : ( سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ) . فأنزل الله : { ليس لك من الأمر شيء – إلى قوله – فإنهم ظالمون } . الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 4559خلاصة حكم المحدث: [صحيح]} . وهذا يؤكد أن صلى الله عليه وسلم في موقف احتمل عليهم أو دعا عليهم أو استعجل عليهم فالله سبحانه وتعالى قال إن الأمر بيده {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }. ولعل هذا السر في أن جاء بعدها { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)} وقدم المغفرة. وقد تدعو على رجل مشرك وقد كُتب في اللوح المحفوظ أنه يُسلم ويرفعه الله عز وجل ويتوب الله عليه ويغفر له كما قال سبحانه وتعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }.

وهذا أيضا ورد في سورة الممتحنة {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)} تصور هذا بعد أن اشتدت الإحن والقتال والخصومة بين المسلمين والكفار . وأعجب من ذلك أنه ختم الآية بطريقة غير معهودة في ختم الآيات { وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فجاء بالقدرة أولا ولم يكتفي بها فالله قادر على أن يفعل ذلك له الملك قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبها كما شاء. قال{ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يغفر لمن يشاء ويرحمه فيجعله من أهل الإسلام. لا يفهم من هذا عدم جواز الدعاء على الكافر ولكن من النبي صلى الله عليه وسلم لا شك إذا وقع منه فقبوله ليس كقبوله من غيره. وأيضا المقصود أن لا تستعجل في دعوة الناس أو تستعجل في حصول مردود هذه الدعوة.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)). قد يأتي سؤال ما مناسبة الحديث عن الربا في وسط الحديث عن آيات الجهاد وغزوة بدر وأحد تأتي آية عن المعاملات المالية وما يتصل بها؟ ما هي المناسبة؟. المفسرون يذكرون مناسبة ورود هذه الآية وسط الحديث عن الغزوة وهي مناسبة لطيفة ولها نظائر في القرآن الكريم. وينبغي على الذي يقرأ القرآن الكريم أن يلتفت إلى هذه المسألة وهي كيفية نظم القرآن الكريم ولماذا ترد الآيات في هذا الموضغ بالذات؟ لأن الله سبحانه وتعالى قال عن هذا الكتاب {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} (فصلت). وقال {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)} (هود). حتى تقرأ في بعض الكتب أن الله لم يقل كتاب أحكمت أجزاؤه أو أحكمت سوره إنما قال أحكمت آياته والآية هي أصغر وحدة في القرآن الكريم فمن باب أولى إحكام الكل. فإيراد الحديث عن أكل الربا والنهي عنه وسط الحديث عن آيات الجهاد والغزوة إشارة إلى أنه ينبغي على من يقاتل في سبيل الله أن يطهر ماله وأن يطهر عمله حتى جاء الحديث عن الصلاة أيضا في وسط آيات القتال وجاء الحديث عن الصلاة في وسط آيات الطلاق { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)} (البقرة) . ينبغي على المسلم دائما أن يتفقد علاقته بالله سبحانه وتعالى يعني المقاتل في سبيل الله وهو يأكل الربا كيف والله سبحانه وتعالى يقول لمن لم ينتهي عن الربا { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) } (البقرة) كيف أنت تقاتل في سبيل الله وأنت تأكل الربا؟! لا يُقبل هذا. هذه مسألة ترابط أجزاء الشريعة بعضها ببعض. قد يسأل ما علاقة الربا وهذا سؤال جميل ولكن أيضا تأمل أنك أمام شريعة متكاملة والنظر إلى هذا أنه شريعة متكاملة يجعلك تنتبه إلى أنه تدخل هذه الشريعة وهي كالوشيجة الواحدة مرتبطة بعضها ببعض لا يمكن أن ينفك كالشبك خيط بخيط. فإذا جعلتها هي الأصل الجامع ثم انطلقت بعد ذلك تبحث لماذا خص الربا فهذه قضية أخرى. فالقضية العامة أننا حينما نسأل عن علاقة الآية بما حولها نحن نقول لا عندما تدخل القرآن اعرف أنه وشيجة واحدة متكاملة ولكن سؤالك هنا ليس عن الوشيجة العامة وإنما عن قضية خاصة. هل اختيار الربا هنا دون غيره من الذنوب قصد واحد؟ نقول نعم. هل اختيار الصلاة دون غيرها من الطاعات فيما يتعلق بالطلاق ؟ نقول نعم. إذن السؤال هنا دقيق ومحدد. المتعلق بالربا هذا الربا يأسر قلبه أسرا ويكون قد بلغ الغاية من حب الدنيا. والذي أحب الدنيا بهذه الدرجة حتى صار يظلم عباد الله عبر ما يسمى الربا المضاعف لا يمكن أن يفلح في ساحة المعركة ولا يمكن أن يقدم النفس وهو لم يقدم المال ويرحم الضعفاء, فإذا كنتم صادقين فتطهروا من الربا الذي هو عنوان حب المال حتى تفوزوا بالتضحية بنفوسكم في سبيل الله عز وجل هذا وجه حسن. ووجه آخر أن الله سمى آكل الربا والمرابي بأنه محارب الله ورسوله وأنت الآن تأتي في المعركة وتظهر نفسك أنك تحارب لله وهذه لا تتوافق لذلك جاء النهي عنها. هذه الفوائد لما تجمعها كلها تجد أن هذه القضية مهمة جدا {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)} (هود).

وهذا من معاني الإعجاز في القرآن الكريم وهو الإعجاز التشريعي. يتكلم العلماء أن من أظهر معالمه هذا التكامل لا يمكن أن تجد بين شرائع الإسلام تعارض أبدا مع كثرتها {أن رجلا قال يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فأخبرني بشيء أتشبث به قال لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله الراوي: عبدالله بن بسر المحدث: المنذري – المصدر: الترغيب والترهيب – الصفحة أو الرقم: 2/ 326خلاصة حكم المحدث: [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]}. نقول نعم أن شرائع الإسلام كثيرة جدا. ولكنها لا تتعارض ولا تتناقض وبينها من الانسجام ومن التكامل ما يدل على أنها من لدن عزيز حكيم. وإذا رأيت عدم انسجام فأعلم أنه من فعل المكلف وفقهه ولا من حقيقة الشريعة. في قضية الإعجاز التشريعي ننادي إلى أن الناس أكثروا في قضية الإعجاز العلمي على اعتبار أنه هو المناسب لهذا العصر وأهملوا في الوقت نفسه الإعجاز التشريعي وهو إعجاز يحتاج إلى إظهار. لأن كثير من الخطاب العلماني والليبرالي إنما يضرب على هذا الوتر ويتكلم عن تنقيص الشريعة وأنها ليست متكاملة وغير صالحة لكل زمان ومكان. والمفترض أن ينبري علماء الشريعة وعلماء الإسلام والمفكرون المسلمون إلى أن يظهروا إعجاز الشريعة في هذا الباب وخصوصا من خلال آيات القرآن. فلماذا مراكز الإعجاز مثل الهيئة العالمية للإعجاز العلمي أن يكون أحد أولوياتها إظهار الإعجاز التشريعي. ما هو الإعجاز العلمي بمعنى المكتشفات وما يتصل بها بل أن هذا أولى وأحرص وأجدى لأنه صالح في كل وقت ويبرز محاسن هذا الدين ويقنع أهل الدين بدينهم. لو لاحظتم الآن القوانين الوضعية كثيرة. القانون اليوناني والفرنسي والبريطاني والشريعة الإسلامية والشريعة مكتوب فيها دراسات كثيرة. لاحظوا الآن القوانين الوضعية فيها دائما تطوير وتصحيح وهناك لجان كثيرة تشرف على هذه القوانين الوضعية وتطورها. تطور مثلا قانون الطلاق والأحوال الشخصية والميراث إلى آخره وتضع شروحا لها. لو تتبعون شروح هذه القوانين الوضعية تجدون أنها تطور بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية كلما ترقوا هم مثلا عندهم الطلاق ممنوع في بعض القوانين الوضعية ثم لما رأوا الفساد الذي استشرى بسبب هذا القانون طوروه إلى إباحة الطلاق  وهذا يتوافق مع الشريعة الإسلامية. نأتي إلى تعدد الزوجات مثلا يمنع منعا مطلقا حسب بعض القوانين الوضعية ويعتبر جريمة ثم بعد ما رأوا ما ترتب عليه من مفاسد رأوا أن يطور ويباح التعدد بواحدة. تلاحظ كلما زادت خبرتهم ومعرفتهم بالقوانين يطورون بما يقترب من الشريعة الإسلامية. الله سبحانه وتعالى هو الخالق وهو المشرِّع . وهذه الحقيقة لو تبرز بشكل يبسط للناس نرى أن القانون الفرنسي الذي تتعامل به معظم الدول الإسلامية انظروا لما فيه من نواقص بعد التطور لماذا وصلوا؟ وانظروا إلى الشريعة الإسلامية. الآن لدينا مسألة حية مثل الأزمة المالية العالمية وهي متصلة بآيتنا هذه. الأزمة سرها الانحراف التام عن منهج الله سبحانه وتعالى في إدارة المال. الغرب اكتشف أن البنوك الإسلامية عن بكرة أبيها لم تدخل في هذه الورطة لا في قليل ولا في كثير. ولذلك جاء وفد من أمريكا وأوربا لدراسة ما هي حقيقة الاقتصاد الإسلامي الذي ما عرفناه وكنا نستهين به. وذهبوا إلى تقليل الفائدة.

مسألة أخرى وهي أن الإعجاز العلمي والإعجاز التشريعي والإعجاز العقدي يظن بعض الناس ويتصور أن هذه الأنواع من الإعجاز أنها بمنأى عن الإعجاز المتعلق بنظم القرآن وعربيته. يقول أن هذا العصر هو عصر العلم ويجب أن نبين الجانب العلمي وأن عصر الذين يفهمون في الإعجاز النظمي واللغة العربية قد انتهى وهذا يوجد خلل في هذا التفكير لأن المفترض أن أُوظف الإعجاز العلمي والتشريعي أو أي إعجاز أوظفه من خلال النظم. إذا لم يتوافق مع النظم أنا أعلم أن كلامك خطأ ولذلك ندعو الذين يشتغلون بهذه الأنواع من الإعجازات أن ينتبهوا إلى هذه المسألة قبل أن يأخذوا هذه الجملة أو الآية ويخرجونها عن مسارها ويعملون عليها الدراسات. ومن اللطائف مثال قوله تعالى {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)}(الرجمن) رأيت أحدهم عرض صورة لنجم يتفجر فإذا به في شكل مثل شكل الوردة. أخذ الرسم من وكالة ناسا وكتب تحته (وردة كالدهان). الله يقول انشقت السماء ولم يقل انشق النجم وأنت تقول نجم. النجم شيء والسماء شيء إلا أن يكون عند هذا القائل أن السماء والنجم شيء واحد. إذاً أنت تخالف أشياء كثيرة لا تتناسب مع النظم ولو قال أن هذا تقريب لما استطعت أن ترده. المقصود أن يجب أن يعتني من له عناية بالإعجاز العلمي أو التشريعي أو التاريخي أن يعتني بالنظم. المشكلة تأتي من بلاغة القرآن حتى المتخصصون في التفسير ليسوا كلهم على قدم واحدة في فهمهم للنظم العالي للقرآن. بعض الزملاء تخصصه فيزياء او كيمياء “فيطب” مباشرة في الآية ويتجاوز التفسير وخلافه ويدخل مباشرة إلى فهم للآية. نظم القرآن يحتاج إلى دراسة مستقلة وملكة علمية. كان الأولى بك قبل أن تنطلق إلى الإعجاز العلمي أن تمر بالإعجاز البلاغي والبياني وتتقنه وهذا من أسباب الخلل. وإلا الإعجاز العلمي هو في حقيقته إعجاز بلاغي (نظم). هؤلاء دعه يفكر كيف يشاء إذا أراد ليس هناك مشكلة في أن يتفكر ويتدبر ولكن أن يعلن هذا للناس ويقول: يا أيها الناس هذا هو فهم الآية , نقول لا, ليس هذا مكانك . هذا يجب أن يتولاه من هو أقدر وأدرى بهذه اللغة وأعرف للنظم ونقول لك هذا الفهم الذي فهمته لو صحيح يصح أن ينشر ويعلن أو غير صحيح فاجعله طيّ صدرك. ولا نمنع الناس أن يفكروا. بعضهم يقول إذن نحن ما ممكن أن نتفكر ونتدبر حتى نكون علماء؟. وهذا غير مقصود ولكن أن تشيع وتكتب وتقول أن هذا فهم الآية , نقول لا, دونك, لا تقول هذا حتى ترجع إلى أهل العلم كما قال الله عز وجل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)}(النحل). وهذا احترام للتخصص. بعضهم يتجاوز هذا ونحن لا نشك في نياتهم ولكن بعضهم يبالغ ويتجاوز ويقول أن فهم المفسرين كله خاطئ والصواب هو الذي جئت به أنا وهذا غير صحيح. وسبق أن ذكرنا أنه لا يمكن أن يأتي المتأخرون بفهم للقرآن لم يكن أصله عند الأولين فهم بنوا أصل الفهم. كونك تزيد أو تستنبط وتفهم فهوما جديدة مبنية على ذلك الأصل هذا لا مانع منه ولكن أصل الفهم وأصل المعنى الذي يعرف به مراد الله عز وجل لا يمكن أن يخلو العصر الأول من فهم لمراد الله ويأتي في العصر الأخير من فهم مراد الله وجهل أولئك مراد الله سبحانه وتعالى وهذه قاعدة مهمة جداً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) هناك شبهة تثار من بعض المفكرين ووسائل الإعلام يقولون أنتم بالغتم في تحريم الربا.والمحرم من الربا هو الربا المضاعف الذي كان في الجاهلية. هذا الكلام سمعته من رجل إعلامي كبير وأستاذ فاضل قال أنا لم آكل أضعافا مضاعفة بل ضعف واحد فقط وتمر المسألة. توجد مسألة في القرآن تسمى التدرج في التشريع والنسخ. ومسألة الربا هي من المسائل التي تدرج فيها الله سبحانه وتعالى في تشريعها للناس ما حرمه دفعة واحدة. جاء إلى مجتمع كلهم يأكلون الربا ويعيش معظم التجار عليه ثم يقول ممنوع وخصوصا أهل مكة وهم أهل تجارة. الله سبحانه وتعالى حرم الربا بالتدرج فبدأ بقوله في سورة الروم {وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) }(الروم). أنتم تُرابون في أموال الناس ولكن لا يربو عند الله فيها ذم للربا, ولكن ليس فيها تحريم. فبعض الذين يتحسسون قالوا هذا فيه ذم للربا فتوقفوا عنه ولكن الذين يتعاملون به بقوا في تعاملهم به وهم معظم الناس حتى جاءت سورة آل عمران. سورة الروم سورة مكية قديمة كانت والله أعلم في السنة الخامسة من البعثة في أول العهد النبوي أما سورة آل عمران فقد نزلت في معركة أحد أي في السنة الثالثة أو الرابعة من الهجرة أي بعد سورة الروم بتسع سنوات تقريبا. الله سبحانه وتعالى يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)} . المفسرون يقولون أن هذا المفهوم لا معنى له يعني إنه تحريم للربا ولكن “أضعافا مضاعفة” تصف الواقع لأنهم كانوا يبالغون. ولكن ليس معناها أنه يجوز أن تأكلوا الربا ضعفا واحدا. ولكن إذا فرضنا أن هذه الآية تحرم أكل الربا مضاعفا وتسمح بأكله ضعفا واحدا فقط, لكن جاءت آيات أخرى متأخرة في سورة البقرة وبإجماع العلماء أنها من أواخر ما نزل وفيها ميزة أنه فيها تصريح في قوله سبحانه وتعالى { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)}(البقرة). ولكن إذا قلت أنا آخذ أي سورة في القرآن ألتزم بها. أن القرآن الكريم كله حق فيقال أنا ممكن أفتح المصحف وأي آية أقع عليها آخذها. نقول لا , القرآن الكريم ليس بهذه الطريقة يفهم القرآن ولا أي كتاب آخر نأخذ منه كلمة ونبني عليها. أي أن الله في آخر الأمر حرم الربا وأنه لا يجوز أن يستدل إلا بالآية في سورة البقرة على تحريم الربا. هي الآية الصريحة في تحريم الربا { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)}(البقرة). وهذه فكرة النسخ .والسؤال هو لماذا تبقى الآية المنسوخة؟ لكي نعرف رحمة الله وتيسيره. ولو تأملنا في ترتيب آيات الربا نجد أنه معكوس, الروم ثم آل عمران ثم البقرة. وهذا يرجع أيضا إلى قصة نظم القرآن سواء في آياته أو سوره. لا يؤخذ الحكم من آية واحدة مستقلة. ونقول لمن يأتي لهذا الكتاب يريد أن يتعلم نقول أنتبه هناك شيء اسمه علوم القرآن , أدرس علوم القرآن لكي تتضح عندك مسائل كثيرة جداً قد تغفل عنها بل قد تقع في مشكلات وأنت لا تعرف مثل هذه القضية كما الآن إذا أخذ واحد سورة آل عمران فقط سيكون فهمه فيه شيء من السلامة من جهة النص كفهم مستقل. وهذه تذكرني بقصة علي بن أبي طالب وجد قاصاً يقصّ فقال ياهذا هل تعرف ناسخ القرآن من منسوخه ؟ قال لا. قال إنما أنت ابن اعرفوني. أنت تريد الشهرة, هلكتَ وأهلكتْ. يعني ما أردت بالذي فعلت إلا أن تقول للناس اعرفوني عندما جلست وتصدرت وأنت لا تعرف هذه البديهية من بديهيات العلم.

قضية في فهم النص {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)} جاءت لبيان الواقع وأن الربا حرام كله مضاعف أو غير مضاعف ولكن الآية جاءت للتنصيص على حالة كانت موجودة. لو رأيت شخصاً يريد أن يعتدي على مال إنسان نائم فقلت يا أخي حرام عليك تأخذ مال أخوك النائم؟!. هل معنى ذلك أنه لو كان غير نائم يحل لك أن تأخذ ماله؟ إنما تحدثت عن حالة واقعة ومشاهدة. المقصود من الحديث أن الآن أتحدث عن حالة معينة وهو الذي نزلت فيه الآية. كان أهل الجاهلية يأكلون الربا أضعافا مضاعفة. وهذا قيد غير مراد أو مفهوم غير مقصود. هل يستطيع الواحد أن يفهمه من النص؟ ولكن بالظروف والأحوال التي نزل فيها النص. والأحوال هذه لا يعرفها إلا من نزلت فيهم وهذا يؤكد على أهمية معرفة تفسير السلف.

وصورة الربا المضاعف أن يعطي الإنسان أخاه قرضا فيقول في رأس الحول تكون المائة مائة وعشرون, وإذا جاء نهاية العام ولم يستطع أن يسدد يقول له نعم تبقى المائة عليك ونزيد بدل مائة وعشرون تصير مائة وأربعون, وهكذا المضاعف. ويبقى هذا المسكين باستمرار يتضاعف عليه الربا وهذا يأكل جهد ذلك الفقير.

وهذا الأسلوب موجود في القرآن ويسمى القيد غير اللازم مثل قوله سبحانه وتعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)}(النساء). أي أن إبنة زوجتي من غيري تحرم علي سواء كانت معي في البيت أو تعيش مع أبيها ولكنه قال (اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) إشارة أنه غالبا تكون البنت مع أمها. وأيضا {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} من الآية (33)}(النور) فيها قيد غير لازم وهذا كثير في القرآن. ونشير إلى أهمية أننا نحتاج إلى معرفة هذه الأحوال والعادات التي كانت عندما نزلت الآيات. مثلا أحوال اليهود والنصارى الذين نزلت بشأنهم الآيات وهذا لا يمكن أن يعرف إلا من خلال الآثار، ولا تعرف إلا بمعرفة أحوال الناس. وقد بحث هذا الموضوع “القيد غير اللازم” الدكتور فهد الرومي في “الصفة الكاشفة”.

(وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131))كرر الحديث عن التقوى فقال بعدها { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)} وقال { هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)} يعني في هذا المقطع ذكرت التقوى قرابة أربع أو خمس مرات وهذه تدل على أن سر الأمر وسر النصر وحقيقة التكليف أن يصل الإنسان إلى هذه المرحلة يمتلئ قلبه من خوف الله عز وجل وخوف عذابه حتى يرتدع عن كل ما حرمه الله فإذا جاءه أمر من الله عز وجل صار عنده من القوة النفسية على الزهد في ذلك المحرم وتركه اتقاء لوجه الله . يخاف من الله ويخاف من عذابه ولذلك لا تحدثه نفسه بالرجوع إلى هذا الأمر أو المناقشة فيه. الآن ما هي المشكلة نجد ناس مسلمين التقوى عندهم تصل درجة صفر أو واحد بالمائة أو اثنين بالمائة فلما تقول له {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}يقول ما هذا؟ وكذلك {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)}. تجده دائما يناقش لأن القلب خالي من الخوف وخالي أيضا من الطمع في فضل الله سبحانه وتعالى يتعامل مع هذه القضايا على أنها قوانين ولذلك يناقش فيها كأنها يناقش كلام بشر. لا يا أخي، يجب أن يمتلئ قلبك بالخوف من الله سبحانه وتعالى وهيبة له وإجلالا له وتعظيما لحرماته. إذا امتلأ القلب بذلك لما تصل الآية إلى سمع الإنسان تجده مباشرة يستجيب ولذلك نساء المؤمنين لما نزلت آية الحجاب في الليل ما صلّين الفجر إلا وهن متلفعات بمروطهنّ من سرعة الاستجابة. وذهبن يشققن ملاءاتهن حتى يحتجبن ولم يقلن في الصباح إن شاء الله نسال النبي صلى الله عليه وسلم. ومن أين نأتي بالثياب؟ ولا تكفينا الثياب!. لا، جاؤوا لصلاة الفجر وعليهن مثل الغربان. {عن أم سلمة قال : لما نزلت { يدنين عليهن من جلابيبهن } خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية الراوي: أم سلمة المحدث: الألباني – المصدر: صحيح أبي داود – الصفحة أو الرقم: 4101 خلاصة حكم المحدث: صحيح}. هذه هي الاستجابة. ولو تأخروا ما عوتبوا. قالت عائشة رضي الله عنها (رحم الله نساء الأنصار) وهذه من التقوى. نحن نحتاج قبل أن نشحن أولادنا بالتعليمات الإسلامية أن نخوفهم بالله ونزودهم بالتقوى ونذكرهم بالآخرة كما كان لقمان لما يعظ ابنه قال { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)} (لقمان) يربي فيه مراقبة الله واطّلاعه على عبده وبعدها يقول { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)}(لقمان). إذا وجد هذا في القلب فإن القلب يستقبل أي أوامر من دون أيّ إشكالات.

{وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)} وهذه مرتبطة بقوله {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} أي اتقوا الله واتقوا النار. وأهل السنة في مثل هذه المواطن ينبهون على أن النار مخلوقة خلافا لبعض الطوائف التي أنكرت أن تكون الجنة والنار مخلوقة.

ثم قال {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)} وكأن الأول التخلية وهي التقوى والثاني التحلية وهي الطاعة. فهذه مهم أن ننتبه لها أنه لما جعل القلب يوجل ويخاف وهذا نوع من التصفية والتخلية وجد حلاوة بالطاعة لله ورسوله وقال لعلكم ترحمون أي أن طاعة الله ورسوله توصل إلى رحمة الله سبحانه وتعالى.