برنامج بينات

برنامج بينات – سورة النساء -1

اسلاميات

برنامج بينات – سورة النساء

الحلقة الأولى

وقفات مع سورة النساء

(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴿١﴾) هذه الآية هي مفتتح سورة النساء وسورة النساء هي موضوع درسنا في هذه الحلقة. هذه السورة العظيمة من أطول سور القرآن إن لم تكن السورة الثانية في الطول وهي سورة قد تضمنت موضوعات كثيرة وإن كان مقصودها عند كثير من أهل العلم واحداً واضحاً مبيناً. سنتحدث إن شاء الله في هذه الحلقة حول مضامين هذه السورة والمعلومات العامة عنها والتعريف بها لكي تكون مقدِّمة بين يدي الحديث عن آياتها ومقاطعها.

من المعتاد في الحديث في أول السورة أن نتحدث عن إسم السورة ودلالاته ونتحدث عن مكان نزول السورة هل نزلت في مكة أو المدينة وبعض الناس لا يتفطّن إلى أهمية مثل هذه المقدمات ويظن أنها ليست داخلة في صلب فهم المعنى في حين أننا إذا عرفنا أنها نزلت في المدينة أو في السنة الخامسة أو السادسة أو في أول العهد المدني أو في آخره له دلالة في فهمها والعلماء يستنبطون من ذلك فوائد كثيرة وخاصة في السور المليئة بالأحكام مثل سورة النساء وهي مليئة بالأحكام الفقهية التي تخص النساء. أيضاً الحديث عن ترتيب نزولها متى نزلت وما هي السور التي سبقتها والتي جائت بعدها، معرفة ترتيبها مهم جداً لمن أراد أن يتدبر الآيات على الوجه الصحيح. أيضاً من ناحية أنها من أطول السور وأنها من السبع الطوال.

إسم السورة:

نبدأ بإسم السورة لماذا سميت سورة النساء بهذا الإسم؟ المفسرون غالباً يذكرون سبباً ويقولون أن هذه السورة هي أكثر السور التي وردت فيها أحكام للنساء. وردت أحكام للنساء في سورة البقرة فوردت أحكام (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ (221) البقرة) و(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ (233) البقرة) وما يتعلق بالطلاق والرضاعة وعدة المتوفى عنها زوجها وغيره وكل هذه من الأحكام التي تتعلق بالنساء. أيضاً سورة الطلاق فيها أحكام النساء ولكنها خاصة في موضوع الطلاق وما يتعلق به. وغير ذلك من السور مثل سورة الأحزاب وسورة النور ورد فيها حديث عن النساء لكن سورة النساء خصصت بهذا الإسم ليس فقط لأنها اشتملت على أحكام تخص النساء فقط ولكن لأنها -لو تأملها المتأمل- عدد آيات السورة 176 وأعجبني حديث للدكتور إبراهيم عبد الرحمن خليفة وهو أستاذ في التفسير في جامعة الأزهر -وأنصح بقراءة كتب هذا الرجل- فهو من أساتذة التفسير الممحصين فله كتاب في تفسير في سورة النساء “التفسير التحليلي لسورة النساء” وهو كتاب صغير الحجم لكنه توقف عند ما لم يتوقف عنده غيره. وتحدث وقال إن هذا سبب فيه نوع من السطحية لأن هناك سور كثيرة تحدثت عن النساء، فلأنها تحدثت عن النساء ليس هذا السبب الدقيق لتسميتها بـ(النساء) وإنما لأنه سرى في هذه السورة وتغلغل فيها موضوعان من ألصق الموضوعات في التعامل مع النساء وهما الإنصاف والإصلاح. موضوع الإنصاف وموضوع الإصلاح، ورد في سورة النساء الحديث عن حقوق النساء وعندما سنتحدث عن مقاصد السورة سنقول أنها في حقوق الضعفاء وكما ذكر الدكتور عبد الحميد طهماز هو عمّمها وقال أنها “حقوق الإنسان في سورة النساء” وله كتاب بهذا العنوان وقال إن هذه السورة أرست مبادئ حقوق الإنسان بكل معاني الكلمة وذكر نماذج حقوق الضعفاء، حقوق النساء وحقوق اليتامى وهم كلهم من الضعفاء لكن سميت السورة بسورة النساء لأنها تحدثت في الحقيقة عن جوانب كثيرة تهم النساء من أهمها الإنصاف وهي ما تحتاجه المرأة من زوجها ومن وليّها إن كانت يتيمة أو من والدها إن لم تكن يتيمة، والإصلاح فحقوق النساء ليست فقط في أن تعطيها حقها وإنما أيضاً في أن تصلحها وتربيها وأن تتعهدها بحسن التربية والرعاية حتى إذا تزوجت كانت نعم الزوجة فتكون امرأة صالحة في مجتمعها. فحلّل الدكتور عبد الرحمن خليفة قضية تسميتها سورة النساء واشتملت السورة على موضعين عظيمين دقيقين وهو موضوع إنصاف المرأة وإصلاحها وأن روح الإنصاف والإصلاح يسري في السورة كلها.

في قضية الإنصاف (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴿٣﴾) وفي قضية الإصلاح (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴿٣٤﴾) هذا إصلاح وإنصاف. ومن الإصلاح (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴿٣٥﴾) ومن الحقوق الآية التي بعدها (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴿٣٦﴾) العلماء عدّوا الزوجة من الصاحب بالجنب لأنها تصحب الإنسان أطول صحبة.

وأيضاً من أهم الحقوق فيها الحقوق المالية (الإرث) وهذه كانت في الجاهلية ملغاة ولعلنا إذا جئنا إليها نقف وقفات عند ما يتعلق بحفظ الإنسان للجانب المالي للمرأة، وما ذكره الدكتور خليفة مهم جداً أن هذه السورة تبين لنا رعاية الإسلام للمرأة رعاية خاصة بحيث أنه من تكريمه لها أن سمّى السورة باسمها ونحن نعلم أن تسمية السورة هو نوع من التكريم، كونه يراعى جانب النساء فتسمى هذه سورة النساء وهي ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا في الحقيقة جانب نحن نغفل عنه لأنه صار عندنا مسلمات ولا ننتبه له لكن بعض الدارسين وخصوصاً من غير المسلمين – ونحن نتكلم عن المنصفين منهم- يسترعي انتباهه كيف اعتنى الإسلام بالمرأة فسمى سورة كاملة طويلة بإسم هذه الفئة وهي فئة النساء وتجد بعضهم يقارن كم عدد آيات هذه السورة بالسور الأخرى ويعمل مقارنات معينة لكي يوصل رسالة أن الإسلام لم يظلم المرأة وأنه اعتنى بها عناية فائقة. آخرون يعرفون هذا الجانب لكن مع الأسف يتجاهلونه ونحن لا بد لنا أن نظهره ونبينه لأن الظلم الذي يحصل على المرأة الموجود اليوم بالصور القديمة إذا لم تكن من منطلق إسلامي نعرف أنها ظلم لأنه وقع فيها خلل لأن ما سماه الإسلام وما شرعته الشريعة لا يمكن أن يكون فيه ظلم للمرأة أبداً. ومن عرف حال المرأة في جميع العوالم ونظر إلى حال المرأة في الإسلام سيرى أنها معززة مكرّمة ولا يوجد ما يُزعم إلا ممن فسدت فطرته أو كان فيه خلل في تصوراته. ومن الطرائف التي تحكى في هذا تنقل عن الشيخ صالح العايد يقول كانت هناك امرأة غربية تناقش مرة عن الإسلام -والغرب للأسف عنده فكرة سيئة أن المرأة مظلومة في الإسلام- فيقول أنا زوجتي عيّنت لها سائقاً برتبة بروفيسور فاستغربت قال نعم ومتى ما شاءت في ليل أو نهار يذهب بها ويقضي لها حوائجها ويشتري لها أغراضها فاستغربت فقال لها أنا سائق زوجتي وأنا أذهب بها . وهذه لفتة من اللفتات الجميلة جداً في اننا نوصل لهؤلاء كيف نتعامل وميف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع النساء وأن الصور التي نجدها من ظلم المرأة هذه غالباً تكون بسبب جهل أو بسبب عادات ليست من الإسلام في شيء. وأيضاً هي من الأفراد والأفراد لا يمكن أن يضروا الإسلام ومن أراد أن يحاكم الإسلام فليرجع إلى نصوص الإسلام الصحيحة من الكتاب والسُنّة وما كان عليه الصحابة.

قبل أن نتجاوز موضوع التسمية لماذا سميت السورة بسورة النساء أسماء سورة النساء الثابتة هي “سورة النساء” وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تسميتها سورة النساء، عبد الله بن مسعود لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم إقرأ عليّ فقرأ ابن مسعود فقال فقرأت من سورة النساء حتى إذا بلغت (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا (41)) قال صلى الله عليه وسلم حَسْبُك. وأيضاً عبد الله بن مسعود لما صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم قيام الليل قال فهممت بأمر سوء، قال لما صلى افتتح بسورة البقرة فقلت يركع في المائة فقرأ حتى ختمها ثم قرأ سورة النساء فقلت يركع في آخرها ثم افتتح سورة آل عمران قال حتى هممت بأمر سوء قال وما هممت به يا أبا عبد الرحمن؟ قال هممت أن أركع بعدها. وأيضاً حديث عمر في الكلالة لما سأل قال سالت الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فقال تكفيك آية الصيف. لكن الصحابة دار على ألسنتهم سورة النساء ولم يُعرف لها إسم غيره والإسم كان بتوقيف وهذا من السماء التي ذاعت وشاعت ولا نعلم أن أحداً من الصحابة سماها إسماً آخر.

بعضهم يسميها سورة النساء الكبرى أو سورة النساء الطولى، المشهور عند المفسرين أن سورة النساء الصغرى هي سورة الطلاق وأن سورة النساء فقد اشتهر في كتب التفسير أنها سورة النساء الطولى وهذا الوصف صحيح ولا إشكال فيه لكن ليس فيه شيء ثابت فلم نر هذه التسمية في حديث صريح أو نحو ذلك عن أحد من المعتبرين. يبقى ما جاء في حديث إبن مسعود لما جاء في ىيات العِدَدَ (وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (4) الطلاق) بيّن أن هذه الآية الواردة في سورة النساء القصرى نزلت بعد الآية التي وردت في الطولى فحمل هذا بعضهم أن سورة النساء هي سورة النساء الطولى وهذا غير صحيح، الطولى الواردة في حديث ابن مسعود الذي رواه البخاري المقصود به سورة البقرة وهو يشير إلى قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا (234)) هذا ليس فيه إشكال. لكن وصفها بأنها سورة النساء الطولى أرى أنه وصف صحيح خصوصاً أن غالب الأسماء اجتهادية وليست توقيفية وهي وصف للسور. لما قال الطولى عُرِف بأنها سورة البقرة لأنها أطول سورة في القرآن. وسورة النساء إذا أطلقت فهي هذه السورة. ناقش الدكتور عبد الرحمن خليفة فقال: أتجعلون عليها أي المتوفى عنها زوجها -وهذا نص البخاري- إذا كانت حاملاً التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة لا نزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى. وأجاد الطاهر عاشور في هذه الفكرة وذكر أنه لا يعرف لسورة النساء إسماً آخر وقال لكن يؤخذ مما روي في صحيح البخاري عن ابن مسعود “إذا نزلت سورة النساء القصرى يعني سورة الطلاق أنها شركت هذه السورة في التسمية بسورة النساء لأن سورة الطلاق مشهورة بسورة الطلاق وهو سماها سورة النساء الصغرى قال وهذه السورة تميز عن سورة النساء الطولى ولم أقف عليه صريحاً ووقع في كتاب بصائر ذووي التمييز للفيروز أبادي أن هذه السورة تسمى سورة النساء الكبرى واسم سورة الطلاق سورة النساء الصغرى ولم أراه لغيره”. والفيروز أبادي يحتهد في تسمية بعض السور. ولا شك أن الإسم هذا كونه سورة النساء الطولى بمفهوم المخالفة لكلام ابن مسعود ليس فيه إشكال وما دام وصفاً فالمسألة فيها سعة وخصوصاً أن أسماء السور ليست توقيفية في غالبها، توجد هناك أسماء توقيفية كثيرة لكن الأكثر من الأسماء المتعددة المذكورة في كتب التفسير أنها أسماء اجتهادية ولهذا يقولون الأفضل أن لا نقول أن السورة توقيفية إلا إذا ثبت فيها النص وإما إذا لم يثب فيها النصّ تتوقف ولا تجزم بها.

من لطائف السورة فيما يتعلق بقضية رعايتها وعنايتها بالنساء وذكرت كثيراً من الأحكام التي تتعلق بهن خُتمت السورة بموضوع مرتبط بالنساء وهي آية الكلالة (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)).

نزول السورة

نتحدث عن نزول هذه السورة، بإجماع العلماء أنها سورة مدنية. ومن يعرف نزولها والآيات التي وردت فيها وأسباب النزول يجزم بذلك ومن يقرأ السورة يعلم أن موضوعاتها موضوعات مدنية وهذا لم يكن محل إشكال عند أحد من المفسرين فيما نعلم، هي سورة مدنية بإجماع المفسرين.

بعض الذين كتبوا في علوم القرآن يقولون أن السور التي ورد فيها (يا أيها الناس) فهي مكية وهذه فيها (يا أيها الناس) فكيف تقولون أنها مدنية؟ هذه الأشياء التي ذكروها إنما أرادوا بها بيان مواصفات للسور المدنية وليس تحديد أن ما ورد فيه (يا أيها الناس) هي سورة مدنية فيقولون يغلب على السور المكية أن يرد فيها (يا أيها الناس) على (يا أيها الذين آمنوا) والعكس لكن الوصف ذكروه بالتحديد قالوا “كل سورة ذكر فيها (يا ايها الناس) ولم يذكر فيها (يا ايها الذين آمنوا) فهي مكية”.وهذه السورة مليئة بـ(يا أيها الذين آمنوا) وكذلك سورة البقرة فهذا الرابط غير مضطرد ولكن هو دلالة تتعرف فيه على السور المكية وهو يدخل في باب الضوابط والسيوطي رحمه الله تعالى جعله قولاً مستقلاً يتكلم عن الأقوال في المكي والمدني وأرى أن هذا ليس بدقيق في تعريف المكي والمدني، هم نظروا للمخاطَب فقالوا ما كان خطاباً لأهل مكة فهو مكي وما كان خطاباً لأهل المدينة فهو مدني، كيف نعرف الخطاب أنه مكي أو مدني؟ قالوا الخطاب الذي فيه (يا أيها الناس) فهو خطاب لأهل مكة ولكن هذا غير مضطرد ولهذا كونه من باب الضوابط أولى من كونه قول مستقل لأن القول أنه قول مستقل ليس دقيقاً. المشكلة أن السيوطي جعله في الضوابط من جهة وجعله قول،  القول هو في الحقيقة باعتبار المخاطَب لكنه عندما أراد أن يحدد المخاطَب قال (يا أيها الناس) و(يا أيها الذين آمنوا). لا أظن السيوطي قال:

القول الأول: ما نزل بمكة فهو مكي وما نزل بالمدينة فهو مدني

القول الثاني: ما كان قبل الهجرة مكي وما كان بعد الهجرة مدني،

القول الثالث: ما كان (يا أيها الناس) مكي وما كان (يا أيها الذين آمنوا) مدني

هو يقول ما كان خطاباً لأهل مكة فهو مكي وما كان خطاباً لأهل المدينة فهو مدني لكن عندما أراد أن يحدد الخطاب قال (يا أيها الناس) مكي و(يا أيها الذين آمنوا) مدني، وهذا غير منضبط ويحتاج إلى مراجعة.

السور التي افتتحت بـ(يا أيها الناس) سورتان وقد ذكر فيها الزركشي في البرهان لطيفة جميلة قال: افتتحت سورتان بـ(يا أيها الناس) الأولى سورة النساء والثانية سورة الحج أما الأولى فذكرت ابتداء خلق بني آدم وأما الثنية فقد ذكرت ابتداء القيامة فهذه في ابتداء الدنيا وهذه في ابتداء الآخرة. والغريب أن سورة الحج فيها خلاف هل هي مكية أو مدنية وإن كان الذي يظهر من أسلوبها العام أنها مكية ولكن فيها موضوعات مدنية لكن الحكم بأن تكون مكية أو مدني هذه تحتاج إلى نظر ولعلنا نصل إليه إذا أمد الله في أعمارنا. والعجيب أن فيها ضابطين من الضوابط التي يقولون أنها تبيّن المكّي وهي أنه فيها (يا أيها الناس) وفيها سجدة ولذلك هي مكية وهم يقولون ما كان فيه سجدة فهو مكي وما كان فيه (يا أيها الناس) فهو مكّي وفيها أيضاً في آخرها (يا أيها الذين آمنوا). عائشة رضي الله عنها أشارت في قولها ما نزلت سورة البقرة وآل عمران أو البقرة والنساء إلا وأنا عنده وهذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يبنِ بها إلا بعد أن نزلت هذه السورة ولا شك أن هذه السورة لم تنزل جملة واحدة إنما نزلت ووصفت بأنها سورة النساء وهذا وصفها وتتابع القرآن وأضيف إليها ما أضيف ومما أضيف إليها قوله سبحانه وتعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)) هذه بعد فتح مكة وهذه قصتها كما سيأتي أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل جوف الكعبة ثم خرج وتلا هذه الآية والصحابة يقولون أن هذه الآية نزلت عليه وهو في جوف الكعبة، تلا هذه الآية وقال أين طلحة؟ فأعطاه مفتاح الكعبة وهو معهم إلى اليوم. المقصود أن هذه السورة لو تأملناها وبحثنا فيها لمّح حولها الطاهر بن عاشور أنها تكاد تكون متأخرة يعني في السنة السادسة وما بعدها لكن تقع القضية وهي بما أنها متعددة النزول ثم يضم بعضها لبعض بالتحديد متى بدأ نزول هذه السورة فوصفت بهذا الإسم، قد يكون متقدماً عن السنة السادسة وقد يكون المتكامل في السنة السادسة وما بعدها. وهذه القضية لم يُعنى بها علماء علوم القرآن بهذه التفاصيل وهي مكان جيد للبحث ولم يُعنى بها من تتبّع ترتيب النزول وقد سبق أن ناقشنا هذه الفكرة وطرحنا الجميع بين الطريقتين فتكون مقدمة السورة -كما قال ابن عاشور- فيها تفصيلات لترتيب النزول ووضع الفوائد المرتبطة بهذا ثم بعد ذلك يفسر القرآن على حسب ترتيب النزول في المصحف وإذا وردت فوائد أيضاً مرتبطة بترتيب النزول عند الآيات المحددة التي يريد من يرى ترتيب النزول أن يبيّنها يمكن أن يبيّنها هنا على نفس الطريقة، وبهذا نسلم من إشكالية مخالفة ترتيب النزول وهي عسرة جداً لو تراجع مثلاً معارج التدبر لعبد الرحمن البنا رحمه الله تعالى لكي تصل إلى الآية أو السورة فيها عسر لأنه خالف الترتيب المعروف مخالفة تامة. السؤال هو أن ترتيب النزول هذا غير ممكن فالذين كتبوا في تفسير القرآن حسب النزول والكلام عن ترتيب سورة النساء ومتى نزلت بالضبط مع أن هذه المسألة مهمة جداً ولكن الغريب أنه ليس هناك عناية بها في كتب علوم القرآن ولذلك الآن أنت لا تستطيع أن تصل للحقيقة لأنها مسألة تاريخية، هذه مثل أسباب النزول تماماً وكنا نحتاج أن يخبرنا الصحابي أن هذه الآية نزلت في اليوم الفلاني ثم إذا نزلت آية أخرى يقول نزلت هذه الآيات في اليوم الفلاني هذه مسألة تاريخية بحتة مثل أسباب النزول لكن لم يُنقل. والعجيب أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يُقسم ويقول والله ما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت، لكن الآن نحن لا نستطيع أن نحدد هذه التفاصيل التي كان يعتني بها ويعرفها. وكان يقول ولو أعرف أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه المطيّ لرحلت إليه. للأسف نحن لا نعتني بهذا ولذلك يذكرون عن جابر أنه سافر لأجل حديث واحد وأذكر أن أحد الصحابة سافر إلى صحابي آخر لكي يخبره أن الآية الفلانية نزلت في الموضوع الفلاني- جابر بن عبد الله مع عبد الله بن أميس- فالشاهد أن هذه الدقائق والتفاصيل مهمة جداً ولو كان الآن بين أيدينا تاريخ ترتيب القرآن حسب النزول لكان في ذلك علم كثير. وهنا يأتي سؤال آخر: لعلّها حكمة في إخفاء مثل هذه التفاصيل لكي لا يكون بين أيدينا اليوم إلا ترتيب القرآن حسب ما نجده الآن في المصحف. الله سبحانه وتعالى قد قدّر أن الأمر يبقى على ما هو عليه الآن بين أيدينا أنه لا يترتب كثير فائدة في التكليف والتشرعيات والهداية والوصول إلى المقاصد العظمى من وراء ذلك، صحيح أن فيها لطائف وفيها فوائد ولو جاءت لكان الإنسان يستنير في بعض المواطن لكن في باب الهداية التي أُنزل القرآن لتحقيقها أنها ليست مقصودة ولذلك لم يحفظها الله تعالى ولم ترتفع الهمم لحفظها وضبطها مع العلم أنه لا يستغنى عن معرفة ترتيب النزول في المصحف الآن، عبد الله بن مسعود لما يقول: تغلّظون عليها لا نزلت آية النساء القصرة بعد الطولى. يعرف تاريخ النزول لأن باب النسخ في القرآن الكريم مبني على هذا الموضوع وهذا لا إشكال فيه. ابن عباس في الكلام عن القتل في سورة الفرقان نزلت قبل سورة المائدة. هناك جانب في قضية الترتيب ظاهر واعتنى به العلماء ما يتصل بالنسخ وما يتصل بالمكي والمدني هذا معروف وواضح جداً لكن داخل هذه التفاصيل لا نعرف، يعني هل قصة موسى التي وردت في سورة طه نزلت قبل قصة موسى التي في سورة الأعراف وكلاهما مكي؟ لا ندري، يحتاج هذا إلى نظر ثم يبقى في النهاية اجتهاداً. الطاهر بن عاشور في قضية إعمال العقل في محاولة الترتيب هذه يقول بعد كلام طويل: فالذي يظهر أن نزول سورة النساء كان في حدود سنة سبع وطالت مدة نزولها ويؤيد ذلك أن كثيراً من الأحكام التي جاءت فيها مفصلة تقدمت مجملة في سورة البقرة من أحكام الأيتام والنساء والمواريث فمعظمها سورة النساء شرايع تفصيلية في معظم نواحي حياة المسلمين الاجتماعية من نظم الأموال. فكون سورة البقرة مدنية وسورة النساء مدنية أيهما نزل أولاً؟ واضح جداً أنه بالأدلة العقلية من الممكن الوصول أحياناً إلى الترتيب. وهذا ليس فيه إشكال.

مقصود السورة:

بعد أن تحدثنا عن إسم السورة ونزول السورة وأنها مدنية وأنها متأخرة في النزول المدني نتحدث عن مقصود السورة. الذي يظهر من كلام كثيرين ممن تحدثوا أنها تتحدث عن حقوق الضعفاء أو حقوق النساء ويدخل فيهم الأيتام وما يتصل بهم. ونريد أن نشير إلى الآيات والمواطن التي أشير فيها إلى مثل هذه الأمور لا على سبيل الحصر وإنما نذكر أمثلة. قال الله عز وجل في أولها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء (1)) يبين حقيقة مهمة وهي معرفة حقيقة الزوجة بالنسبة للرجل وأنها ليست مخلوقاً غريباً أو غير طاهر كما كانت الأمم الأوروبية تتعامل معها على أنها مملوكة وتسجل بإسم الزوج إلى الآن فيقال فلانة بكنية زوجها، وهذه إهانة للمرأة أنها لا تُنسب إلى أبيها ثم إذا طُلِّقت رجعت إلى نسبها الأول ولا تبقى على الزوج معناه أنهم يتركون النسب الأصل. ولا ندري ما الحكمة من هذا؟ والغريب في الأمر أن الذين ينادون بحقوق المرأة كأنهم يتغافلون ويتعامون عن مثل هذه الأشياء قصداً لأنهم يعرفون أنها ضد ما يدعون إليه وإلا بعض هؤلاء يذكرون فلانة من المسلمين وتُنسب إلى زوجها وهذه عندنا غاية الإهانة فالمرأة تنسب إلى أهلها كما ينسب الرجل إلى أهله وذويه ويبقى هذا النسب لاصقاً بها حتى تموت، هي إنسانة مستقلة كما أن الرجل كذلك.

أيضاً تحدثت السورة عن نكاح اليتيمات وشأن الأيتام في هذه السورة كما ذكرنا قبل قليل عما ورد في التحرير والتنوير لابن عاشور قد ذكر في سورة البقرة مجملاً وفي هذه السورة ذكر مفصلاً بل ذكرت أحكام خاصة بالأيتام لم تذكر في سورة البقرة مثل نكاح اليتيمات، قال الله عز وجل في أول السورة (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3)).

وتحدثت السورة عن صداق المرأة لأن هذا من حقوقها وأيضاً نسبه إليها نركز على هذه القضية لأنه نلاحظ الآن أن هناك هجمة من دعاة تحرير المرأة على أن المرأة في الإسلام مظلومة نحن نقول تحرير المرأة في الإسلام أو نقول تحرير المرأة من جهة الإسلام أن التحرير الحقيقي نابع من الإسلام وهو دين الله سبحانه وتعالى وهو الذي قال (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ (4)) نسب الصدقات لها ولهذا ليس لأحد بأي حق لا لأبٍ ولا لأمٍ ولا لأختٍ وهذا لا شك نوع من التكريم ولا بد أن يوازن بين ما كان سابقاً من حضارات وما كان معاصراً للإسلام وما كان بعده وما نجده اليوم من الحضارات وكيف تتعامل مع المرأة.

في تفصيلات الأيتام قال أيضاً (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا (6)) في تفصيلات الأموال وإيتاء المرأة حقها كاملاً في الميراث خلافاً لما كان يفعل في الجاهلية أو خلافاً لما تفعله الحضارة الغربية لأن الرجل يتصرف بالمال كيف يشاء ولا يعطي أبناءه فقال عز وجل (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (7)) سواء كانت الأموال بالمليارات أو ريالاً واحدة تعطى المرأة حقوقها كاملة لا تظلم منه شيئاً _وسنأتي فيما بعد لسبب نزول هذه الآية قصة ابنتي سعد بن الربيع رضي الله عنه-

فائدة: يكثر عند الناس الآن قول (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) ويجهلون أن هذا هو أحد أقسام المواريث وليس هو كل الميراث، قد تكون أحياناً أكثر من حق الرجل وسنأتي لتفصيلها فيما بعد ولكننا نجده مع الأسف يكثر على ألسنة بعض المتشرعين تجده يذكر هذا (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ (11)) ويجعلها قاعدة كيف تكون قاعدة وليست قاعدة في الباب الذي جاءت فيه فأحياناً تأخذ البنت النصف و تأخذ الأخت النصف.

جاء ذكر إشارات لطيفة جداً في مراعاة حقوق اليتامى لا أظن أن شيئاً من دساتير قوانين الأرض الموجودة يمكن أن يتنبه أو يشير إليها مع أنها في غاية الأهمية لتعظيم حقهم كما في قوله عز وجل (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (8)) يتيم حاضر قسمة مال إنسان لا صلة له به يقال لا تنسوا أن تعطوه شيئاً فإن هذا يُذهب ما في نفسه، هذه اللفتة لا يراد منها البقاء على هذا الحكم وحده وإنما يراد منها شيئاً آخر وهو انتبهوا إلى حضور النفوس وإعطائهم وتكريمهم ورحمتهم والعطف عليهم ولو كانت هذه الحقوق قسمت من عند الله عز وجل لكن أنتم أيضاً ليكن لكم فضل ولتكن لكم يد حانية على مثل هؤلاء.

ثم جاءت قسمة المواريث التي نصت نصاً واضحاً على حقوق البنات والأم والإخوة لأمّ والزوجات ووضحت هذا توضيحاً بالغاً بحيث لا يبقى شك في هذه الأمور ولذلك توضع حقوق النساء واضحة جداً (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا (11)) نصّ على حقوق هؤلاء النساء نصّاً وبالتفصيل لئلا يُعتدى على حقوقهن. قد يقال لماذا وصّى بذلك؟ من واقع المرأة أنها تبقى ضعيفة ومن ضعفها قد لا تجرؤ على المطالبة بحقها فالله سبحانه وتعالى يتولّى بنفسه النصّ بحقها وأن يأخذ حقّها لها. وللأسف نجد البعض ممن يتولون ميراث عوائلهم يتأخرون في تقسيم الميراث وتحدث مشكلات وأخواتهن يكن في أسوأ حال وهو في غنى ونعيم ولا يلتف إليهن وهذا كله بسبب تأخير قضية الميراث وهذا مع الأسف موجود فهذا الذي يفعل هذا هذا ليس هو الإسلام، الإسلام غير هذا، والتطبيق الذي يعمله هذا تطبيق جاهلي أو حظوظ نفس عنده وليس من الإسلام في شيء.

أيضاً من الحقوق في أول السورة في قوله (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (5)) وهم من الضعفاء أيضاً، والسؤال كيف يقول (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ) ما دامت أموالهم فلماذا ينهانا الله أن نعطيهم أموالنا؟ المقصود ولا تؤتوا السفهاء أموالهم هم لكنه نسبها إلى الولي لأنه هو المسؤول والمتصرف وهذا فيه حفاظ على حقوق المجتمع وهذه لفتة رائعة جداً تضاف إلى اللفتة التي أشرنا إليها قبل قليل، عناية الإسلام بالمجتمع نفسه وأن المال مع أنه مالك ويحق لك التصرف فيه إلا أنك إذا كنت تتصرف فيه تصرفاً غير رشيد فإنه من حق المجتمع أن يتدخل، وهذه مسؤولية جماعية ولذلك قال (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ) فكأنها مال لك تحافظ عليه لأنك رأيت من السفيه سوء تصرف في المال وقال بعد ذلك (الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً) المجتمع لا يقوم إلا بالجانب الاقتصادي وإذا رأينا رجلاً يبذِّر ماله ويضرب به في وجوه محرّمة ويسرف سرفاً واضحاً فهذا يؤذي اقتصاد البلد ويؤذي الناس في مدخراتهم وفي أموالهم فيجب العقد على يده وأن يُحجر عليه. وسنتحدث لاحقاً عما ذكره العلماء عن السَفَه في حق النفس والسَفَه في حق الغير. ولعلنا نصل بهذا الحديث إلى نهاية هذه الحلقة ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لفهم كلامه جلّ وعلا وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

محاور الحلقة:

سبب تسمية السورة بسورة النساء قصداً لحكمة.

كتاب “التفسير التحليلي لسورة النساء” للدكتور إبراهيم عبد الرحمن خليفة أستاذ التفسير في الأزهر

كتاب “حقوق الإنسان في سورة النساء” للدكتور عبد الحميد طهماز

أبرز جانبين تعرّضت لهما السورة هما الإنصاف والإصلاح

من تكريم الإسلام للمرأة تسمية سورة بإسمها

سورة النساء لا يُعرَف لها إسم آخر.

سورة النساء بالإجماع من السور المدنية

من علامات كون السورة مكية النداء فيها بـ (يا أيها الناس) أو وجود السجدة فيها.

بداية نزول سورة النساء

مقصد السورة بيان حقوق النساء ومن تبعهم من الضعفة كالأيتام

من موضوعات السورة نكاح اليتيمات

تكريم الإسلام للمرأة بأن جعل لها حق التملك

من موضوعات السورة حق المرأة من الميراث

 

بُثّت الحلقة بتاريخ 11 رجب 1431هـ الموافق 23/6/2010م


الحلقة الاولى

alt

alt

==============

رابط جودة عالية
http://ia360705.us.archive.org/5/ite…aa/baynat1.AVI
==============

رابط جودة متوسطة
http://ia360705.us.archive.org/5/ite…a/baynat1.rmvb

==============

رابط صوت
http://ia360705.us.archive.org/5/ite…aa/baynat1.mp3

==============