برنامج بينات

برنامج بينات – 1431هـ- تأملات في سورة النساء الآيات 24-25

اسلاميات

الحلقة الثالثة عشر:

د. الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مشاهديِّ الكرام ما زلنا في سورة النِّساء نتحدّث عن آياتها ونقبِسُ من أنوارها. وقد وصلنا إلى آية المحرّمات من النّساء (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ) إلى آخر الآية، وبقي علينا من المحرّمات ما ورد في الآية التي تليها وهي قولُ الله عزّ وجل (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) .سيكون حديثنا إن شاء الله في هذه الحلقة المباركة حول هذه الآية وما يليها من آيات، قبل أن نُفيض فيها، وأن نتحدّث عنها نحب نحن وإيّاكم أن نشترك في الاستماع إلى تلاوتها فإلى هناك:

تلاوة للشيخ/ محمد صِدِّيق المنشاوي رحمه الله تعالى من الآية (24-25) من سورة النِّساء

وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)

بعد أن استمعنا إلى هذه التلاوة العطرة لهذه الآيات الكريمة، ندخل الآن إلى معالم هذه الآية ونحاول أن نُقرِّب معانيها، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفتح لنا من أبواب رحمته، ومن فُيوض رحمته جلّ وعلا ما يعينُنَا على فهم كلامه. يقول الله عزّ وجل: (والمحصنات من النّساء)، أبا عبد الله هلاّ بيّنت لنا معنى المحصنات؟

د. الشِّهري: بسم الله الرَّحمن الرّحيم، الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً. طبعاً هذه الآيات في سورة النِّساء جمع الله فيها سبحانه وتعالى المحرَّمات من النِّساء، وسَردها في ثلاث آيات متوالية، فبدأ بتحريم زوجةِ الأب أيّ منكوحة الأب، ثمّ ثنّى بالأمّهات والبنات والعمّات والخالات، إلى أن وصل إلى هذه الآية التي ابتدأ بها الجزء الخامس من القرآن الكريم في قوله (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) والمقصود بالمحصنات من النِّساء هنا هم النّساء المتزوّجات، المرأة المتزوجة يحرم نكاحُها ما دامت في عِصمة زوجها، ولا يحل نكاحها إلا إذا طلَّقها زوجها ثمَّ اعتدت عِدَّة المطلّقة أو تُوفِّي عنها زوجها ثمّ يحِلُّ نكاحها بعد ذلك، فقال (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) أي حُرِّمت عليكم أيضاً الـــمُحصنات من النِّساء إلاّ ما ملكت أيمانكم. ومُلك اليمين سَبق أن تحدّثنا عنه أيضاً وهو أنّ النِّساء المسبيات، فالمرأة المتزوجة إذا كانت من الكُفّار فوقعت في الأَسر في حربٍ مشروعة بين المسلمين وغير المسلمين ولو كانت متزوجة ووقعت في السّبي فإنّها تحِلُّ بذلك أن تتزوج بعد استبراء رحِمها فهذه تُستثنى من المتزّوجات.

د. الخضيري: الاستبراء ما معناه دكتور عبدالرّحمن؟.

د. الشَّهري: استبراء الرحم معناه أن تنتظر حتى تحيض.

د. الخضيري: فيُعرف أنّها ليست حاملاً من زوجها، لأنّه لا يحل للإنسان أن يسقي بمائه زرع غيره.

د. الشِّهري: فهذا هو المقصود بالمحصنات من النِّساء. ولاحظوا كيف وصف الله سبحانه وتعالى المرأة المتزوجة بأنّها مُحصنة، وهذا فيه تصوير رائع جِدّاً للزّواج بأنَّه حِصن للمرأة وللرَّجل أيضاً، وهذا يُشعر الزّوج والزّوجة بأنّهم يعيشون في هذا المعنى وهو الحِصن الحصين من الشَّهوات، وأنّه ينبغي عليهم أيضاً أن يُحافظوا على هذا الحصن.

د. الخضيري: الحقيقة أنت أشرت إلى معنى أنا ما سبق مرّ بي، رائع جِدّاً في قضية أنّ هذه الأسرة التي تفتتح هذا البيت بالزّواج وتتحصَّن به، أنَّ هذا الزَّواج عصمة وحِصن وينبغي لهم أن يُحافظوا عليه، العَجيب الآن تَتعَالى صيحات في العالم الغربي على أنَّ الزّواج قُيود وآصار، خُصوصاً إذا أُضِيف إليه مذهبهم في الطَّلاق في أنَّهم يُحرِّمون الطَّلاق طبعاً، وهم مُضطَّرون إليه لكن لا يَعرفون كيف يتجاوزون أحكام الكنيسة، فيقولون زواج نصراني، أو كَنَسي، دائم أبدي لا يُمكن أن يتعرّض لطلاق حتى ولو كان الزّوجان أنكد ما يكونون، وهذه دعوى والعِياذ بالله إلى الخروج من هذا الحِصن الفِطري والعقلي والاجتماعي. بالله عليك كيف تُبنى الأُسَر؟!، كيف تنشأ المجتمعات؟!، كيف تُرَّبى الأجيال؟! كيف يتعاون النّاس على توريث هذه العلوم والآداب والأخلاق للأجيال الأخرى إلاّ عبر هذا الحِصن؟! لاحِظ، وأنَّه متى ما هدَّ النَّاس هذا الحِصن فإنَّ حياتهم في جحيم.

د. الشِّهري: وهذا حقيقة لعلمك، حتى الآن الحياة الزَّوجية للزَّوج العاقِل يستشعر فعلاً أنَّ زوجته وما يُكوِّنه من الحياة الزّوجية بينه وبين زوجته هي فعلاً حِصن، تحميه من الوقوع في الحرام، ومن النَّظر الحرام يضع شهوته في غير موضعها ، تأنس إليه ويأنسُ إليها في خِضم هذه الحياة المليئة.

د. الخضيري: ليسكُنَ إليها.

د. الشِّهري: نعم، هذا معنى رائع جِدّاً جِدّاً من المعاني التي عبَّر الله بها سبحانه وتعالى عن الزَّواج في القرآن الكريم، أنّه حِصن وسمّى المرأة بأنَّها مُحصنة، وقال (والذّين يـَرمون المحصنات) يعني كيف أنت تتجرأ على أن ترميها وهي في هذا الحِصن الحصين الذِّي جعلها مُحصَّنة ممنوعة من أن يُتطاول على عِرضها؟!  فاختيار كلمة الحِصن عبارة رائعة جِدّاً ومُعبِّرة.

د. الخِضيري: أبا عبدالملك إذا قُلنا: الــمُحصنة، والإحصان وأحصن في القرآن تَرِد على معاني هل تذكُر شيئاً منها؟

د. الطيَّار: أنا سبحان الله، كنت أفكر في هذا أنّ المحصنات أو الإحصان ورد من أكثر من وجه، فالإحصان هنا بمعنى النِّكاح الزّواج، ويأتي الإحصان بمعنى المتزّوجات، ويأتي الإحصان بمعنى العِفَّة.

د. الخضيري : كما في قوله (والذّين يرمون المحصنات الغافلات) ليس المقصود به المتزوجات وإنَّما المقصود به العفائف.

د. الشِّهري: و إن كان يدخل فيه المتزوِّجات.

د. الطيّار: هو أعم، وإن كانت المتزوجة تدخل في الإحصان هذا، ولكن ليس كل محصنة تكون متزوجة بالمعنى الثاني هذا.

د. الخضيري: ويأتي الإحصان بمعنى الحُرَّة كما في قوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمِّمَا ملكت أيمانكم) فالمحصنات المؤمنات هُنّ الحرائر.

د. الطيَّار: وهذا يدل عليه السِّياق.

د. الخضيري: هذا يدل عليه السِّياق، هذا ما يُسمّى العلم؟

د. الطيّار: هذا يُسمّى علم الوجوه والنَّظائر.

د. الخضيري: الوجوه كيف؟ والنَّظائر كيف؟

د. الطيَّار: الوجوه الآن مثلاً عندما أقول: المحصنات في القرآن على ثلاثة أوجه: المحصنة: الزَّوجة، المحصنة: العفيفة، المحصنة: الحُرّة. ويقابلها النّظائر لمّا أقول : (والمحصنات من النِّساء) هذه بمعنى  الزَّوجة ما نظيرها من الآيات الأُخر التي وردت فيها المحصنة بمعنى الزّوجة، فإذا وردت آية أخرى بمعنى الزّوجة فتكون هذه الآية نظير هذه الآية.

د. الخضيري: نعم، لأنّ بعض النّاس يظن أنّ كلمة الوجوه والنّظائر إسمان لشيء واحد، الحقيقة من الأشياء التي تعجبّت منها أنّه وردت المعاني الثلاثة في آية واحدة وهي الآية التي تلي هذه الآية (فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ (أيّ عفيفات) غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ) أيّ تزوَّجن) فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ (أيّ الحرائر) مِنَ الْعَذَابِ). فاجتمعت المعاني الثَّلاثة في الآية الخامسة والعشرين وأنا أظن والله أعلم أنّه ما يوجد نظير ذلك في القرآن،

د. الشهري: أن ترد كل الوجوه في آية واحدة، ما أتوقع!

د. الخضيري: وهذا يؤُكِّد لنا الحقيقة أهمية الاعتناء بهذا العلم خُصوصاً طالب العلم، وأيضاً للعاميّ أن يعرف ما هي حقيقة اختلاف المعنى في هذا الباب. بالمناسبة يا دكتور عبدالرَّحمن هل يعني هذا أنَّ الكلمة بهذا المعنى وهذا المعنى وهذا المعنى مختلفة تماماً من كل وجه؟

د. الشِّهري: لا طبعاً، لا بد أن يكون بينها معنىً مشترك، يعني الإحصان وهو مأخوذ من المنعة، مثل الحصن وهو البيت المنيع، كما في قوله سبحانه وتعالى (وظنُّوا أنَّهم مانِعتهم حُصونهم من الله) فالحِصن هو المكان الآمن الحَصين الذي يمنعك من أعدائك. فهذا المعنى وهو معنى الــمَنعة موجود في هذه المعاني كلِّها، المرأة المتزَّوجة هي في حصن بزواجها، هي في حِصن حصين في أسرتها، والمرأة العَفيفة أيضاً هي من عَفافها في حِصن حَصين، وكأنَّ هذا العَفاف وهذا الخُلُق، وهذا الحَياء الذي يمنعها أشبه ما يكون بالحِصن الحَصين الذِّي يمنعها من الوقوع في الحرام، والوُقوع فيما يُخالف هذه العِفَّة ، وأيضاً حُرَّة ولا شكَّ أنَّ الحُرِّية حِصن يمنع الحُرّة من أن تُمتهَن ومن أن يُتعَدى عليها بخلاف الأمَة التي تكون أقل من هذا الجانب.

د. الخضيري: فصار هناك جامع لهذه المعاني مختلفة تجتمع في معنى المنعة. في قوله (إلا ما ملكت أيمانكم) بيَّنا أنّ فيها شرف اليمين، كيف أنّه نُسب الــمُلك إلى اليمين، والمقصود أنّ الإنسان ملكها جميعًا، قال (كتاب الله عليكم) ما معنى ذلك؟ .

د. الشِّهري: في قوله سبحانه وتعالى (حُرِّمت عليكم، حُرِّمت عليكم، حُرِّمت عليكم ) لا شك أنّ هذه الحقيقة أحكام يترتَّب عليها كما تفضَّلتم بِناء أُسَر، ويترتَّب عليها أنساب فالله سبحانه وتعالى بعد أن انتهى من سَرد هذه المُحرّمات قال (كتاب الله عليكم) أي أنَّ هذا الذِّي تقدَّم هو فرضٌ مِن الله سبحانه وتعالى عليكم، وكتابٌ كتبه عليكم سبحانه وتعالى، يعني كتب عليكم تحريم نكاح هذه الأصناف كلِّها .

د. الخضيري: ويمكن أن تكون بمعنى إلزموا كتاب الله عليكم .

د. الطيّار: نعم هذا من جهة الإعراب، يعني كما قال كأنّه فرض الله عليكم فيما سبق لأنّه أتى بعدها (وأحِلّ لكم ما وراء ذلكم).

د. الخضيري: (وأُحِلَّ لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا من النِّساء).

د. الشِّهري: طيب قد يقول قائل ما الذِّي بقي؟

د. الخضيري: كُلِّ النِّساء.

د. الشِّهري: جميل، هل الذين بقوا بعد هذه الأصناف الخمسة عشر أكثر؟

د. الخضيري: طبعاً بلا شك.

د. الشِّهري: جميل جِدّاً. لأنّ بعض النّاس قد يظن أنّ هذا التعداد حُرِّمت عليكم أمّهاتكم، وبناتكم، وأخواتكم، وعمّاتكم، وخالاتكم، يقول ما الذّي بقي؟

د. الخضيري: نقول له أُنظر إلى الشّارع الذي تسكن فيه من أوّله إلى آخره الأكثر فيه من النِّساء الموجودات أنّهُنّ حلالٌ لك. قال تعالى  وأُحِلّ لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) الحقيقة فيه ملحظ، لـــمّا عدّد المحرّمات دلّ ذلك على أنّ هذا العدد قليل، في العادّة ما يُعدّد إلاّ القليل، ولذلك لمّا قال الله عزّ وجل مثلاً في تحريم المطعومات: (حُرِّمت عليكم الميتةُ والدَّم ولحم الخِنزير وما أُهِلَّ به لغير الله) وفي المائدة قال( حُرِّمت عليكم الميتة والدَّم ولحم الخنزير وما أُهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذةُ والمتُردِّية ) عدَّد تسعة تقريباً، ما وراء ذلك كثير جِدّاً فلمَّا عدَّده الله دلَّ على أنّه محصور ويمكن ضبطه، وهذه قاعدة عظيمة جِدّاً وهو أنّ المحرّمات في الغالب في شريعة الإسلام معدودة. يمكن يقول قائل يا دكتور عبدالرّحمن أنتم تقولون أنّه معدودة ونحن نسمع كثيراً كلمة هذا حرام، هذا حرام، هذا حرام!. لمّا تأتي إلى التفاصيل مثلاً تقول العمّات حرام، نعم ترى عمّتك زينب ، وفاطمة ، وخديجة ، وصالحة ، ومُنيرة يعني جنس العمّات كلهم لما تأتي للتفاصيل يكون العدد أكبر، فالجنس معدود ومضبوط ويمكن للإنسان معرفته وتعلُّمه حتى لا يُتعدّى على شيء من حدود الله عزّ وجل.

د. الشِّهري: طبعاً تُلاحظون في هذه الآيات يا مشايخ أنّه جاءَ بالتَّحريم والتّحليل باللّفظ المبني للمجهول، فقال (حُرِّمت عليكم) من هو الذّي حرّم؟ ، وقال: (وأُحِلّ لكم) من هو الذّي أحلّ؟

د. الخضيري: الله

د. الشهري: فلماذا أضمره؟

د. الخضيري: للعلم به لانّه ليس هناك أحد له الحقّ في ذلك إلا الله

د. الشِّهري: جميل، يعني التَّحليل والتحرّيم من صلاحيات الرَّب سبحانه وتعالى، ولا يتدَّخل فيه أحد.

د. الخضيري: ألا له الحُكم والأمر. قالLأن تبتغوا بأموالكم) لمّا قال بأموالكم دلَّ ذلك على أنَّ المرأة لا تُستَحل إلا بمهر، ولذلك من قال : أنا أبداً أنا أزوِّج بنتي من دون مهر نقول ما يحلُّ لك لابد ان يكون هناك مهر للمرأة، ولو أسقطه الوليّ ما سقط يبقى للمرأة مهر مثلها.

د. الشِّهري: إذا أسقطه الوليّ وتكَفّل أن يدفعه؟

د. الخضيري: في هذه الحالة إذا قال أنا سأدفعه ورضي الزّوج بذلك فهذا صلح بينهم. ومثله لو أنّ الزّوج دفعه ثمّ قالت المرأة هو لك، فهنا قد دُفِع، (فإن طِبن لكم عن شيءٍ منه نفساً). وقال (أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) يعني طالبين الإحصان ولستم باغين لطريق الزّنا الذِّي هو السِّفاح.

د. الطيَّار: لأنه قد يكون الزّنا ببدل مثل الزّواج، ولهذا قيّد فقال (مُحصنين) أيّ طالبين لِلعفّة (غير مُسافحين)

د. الشِّهري: يعني المقصود بها الزّواج، (وأحلّ لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين) يعني متزّوجين (غير مسافحين) على وجه الزّنا.

د. الطيّار: طبعاً لا شك أنَّ الاستطراد في هذا لِكَي يُخرج هذه الصُّورة، وقريب منها قال (إنّما البيع مثل الرِّبا) فليس الزِّنا مثل الزَّواج، فليس مجرّد مسألة البدل أو العِوض والله أنا أدفع مهر لزوجتي إذًا هناك دفع مهر للبغي، فلا يستوي هذا مع هذا، ولذلك جاء الاستطراد والإطالة في التفصيل فقال (محصنين غير مسافحين).

د. الخضيري: طبعاً هذا الحقيقة يُشير إلى مقصود عظيم جِدّاً في الزَّواج يمكن ذكره أبو عبد الله في أوّل الكلام، وهو أنّ الإنسان عندما يفتتح هذا البيت يُريد به المنعة، ما يُريد به المفاخرة أو الجاه والمنزلة، إنّما يُريد به أن يتحصَّن.

د. الشهري: نعم، وهذا من أعظم مقاصد الزّواج “الإحصان.”

د. الخضيري: نعم ، ولذلك قال النَّبي صلى الله عليه وسلّم: ثلاثةٌ حقٌّ على الله عونهم، انظر حقٌّ على الله يعني الله أوجب على نفسه أن يُعينهم – وذكر منهم- النَّاكح يُريد العَفاف، بعض النّاس يقول هذا الزّواج ما جلب لي إلاّ المشاكل والدُّيون: فأقول له: عندما أردت النِّكاح هل تريد بذلك العَفاف أم أمر آخر؟ إنتبه، إن أردت العفاف فالله سيعينك لأنَّ النّبي صلى الله عليه وسلّم قال: حقٌّ على الله عَونهم، فلننتبه للنِّية في هذا الباب. بعض النّاس يقول أنا تزوجت لأنّها جميلة مثلاً ، أو لأني أريد أن أنتمي لهذه الأسرة أو أصاهرهم فيفخر بأنّ زوجته بنت فلان

د. الشِّهري: لو تأملناها والله لاستقامت أحوالنا في كل التفاصيل.

د. الخضيري: نعم والله ، ولاكتفينا بهذا الكتاب العظيم والله عن كلِّ كتاب سواه. قوله (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهُنّ أجورهُنّ فريضةً) تفضّل أبا عبد الملك؟

د. الطيّار: يعني هذا الآن الذّي هو المهر، فإذا أردتم الاستمتاع بهنّ فلا يجوز لكم ذلك إلا بمهر.

د. الشهري: الأجور يعني المهر؟

د. الخضيري: انظر المهر كيف سمّاه أجراً، مما يدل على أنّه في مقابل الاستمتاع.

د. الطيّار: مثل ما ذكرتم في أول اللقاء (وآتوا النّساء صدُقاتِهنّ نِحلة).

د. الخضيري: نعم، سمّاه هناك نِحلة لمناسبته للمقام، وهنا سمَّاه أجراً لمناسبته أيضاً للمقام. لكن بعضهم إستدل بهذه الآية يا إخواني على أنّها قد تكون إشارة إلى ما كان عليه الأمر في أوّل الإسلام من جواز نكاح المتعة (فما استمتعتم به منهُنّ) يعني إشارة إلى نوع من أنواع الأنكحة التي كانت موجودة ثمّ نُسِخَت. وقد أجمع المسلمون على أنّ هذا منسوخ، ولا يُعرَف في أهل الإسلام من يُبيح نِكاح المتعة إلا ما يُذكر عن الشِّيعة، وهم محجوجون بالإجماع ومحجوجُون بالأحاديث الواردة في نسخ هذه المتعة إلى الأبد. فبعضهم يحمل هذه الآية على نكاح المتعة، ولكن ما ذكرت دكتور مساعد أيضاً هو الأوجَه في هذه الآية.

د. الطيَّار: طبعاً هذا يُدخلنا الحقيقة إلى قضيّة مهمّة جِدّاً وهي: وقوع الشُّبهة عند بعض الأقوام من خلال اللَّفظة. وأنا أتعجب أنّ بعض هؤلاء الرّافضة أنّ عمر بن الخطّاب هو الذِّي منع المتعة، وعمر إنّما منع متعة الحج، فيُلبِّسون على النّاس.

د. الخضيري: ما هي متعة الحج يا أبا عبد الملك؟

د. الطيَّار: هو المعروف بالتمتع الإتيان بعمرة كاملة، ثم التَّمتع بالحجّ والإتيان بالحج في أشهر الحج. فعمر نهى عن متعة الحجّ فأخذوا هذا اللّفظ وجعلوه في متعة النِّساء.

د.الخضيري: لعلَّ بعضَ الإخوة المشاهدين يستغرب يسمع صوت الأذان الآن، فنحن نقول الآن نحن نسمع صوت أذان صلاة الفجر، وهذه الحلقات تُسَّجل في هَزيع من اللَّيل، نسأل الله أن يتقبَّلها نحن نُسَجِّلها الحمد لله في تَنومة وفي استراحة لأَحدِ إخواننا الأفاضل تُسمّى استراحة الجنادرية، والحقيقة لا نـــملك إلاَّ أن ندعوَ له على أن وفَّر لنا هذا المكان الطيّب، ونقول نسأل الله أن يتقبّل منّا في هذا الوقت المبارك ومن إخواننا المشاهدين، نعم. فالمقصود يا أبا عبدالملك؟

د. الطيّار: فالمقصود بالمتعة يعني متعة الزّواج، هذه أبيحت ثمّ نُهي عنها ثمّ أبيحت ثمّ نهي عنها نهياً مطلقاً، لكن بعض علماء المسلمين (أفراد) نُسِب إليهم جواز نكاح المتعة لكنّهم أفراد كما رُوِيَ عن ابن عبّاس وغيرهم ولكن يُقال في بعضهم أنّه رَجِع على أساس أنّه رُوي، ممّا يدل على أنّ هذه المسألة ووقوع الإشكال فيها محتمل، لكن البقاء على الإشكال بعد البيان هو المشكل، لو أنّ أحدهم فهم من هذه الآية أنه لماذا لا تدل هذه الآية على متعة الزّواج؟ نقول: وقوع الإشكال عندك ممكن ومحتمل، ولكن بعد البيان بعض الصّحابة مجمعون إلا ابن عبّاس في قوله هذا -وقد رجع عنه- على أنّ نكاح المتعة ممّا حرّمه الله ونُسِخ.

د. الشّهري: في قوله تعالى (فما استمتعتم به مِنهنّ فآتُوهُنّ أجورهُنّ فريضة) قد يَفهم بعض النَّاس من الآية أنّ المقصود أنّ المهر يكون بعد الدُّخول بالزّوجة، أنّه يدخل بالزّوجة ويستمتع بها ثم يُعطِيها المهر بعد ذلك، في حِين أنَّ المهر يُدفع للزّوجة قبل ذلك كُلِّه، فالإشارة هنا (فما استمتعتم به) كأنّ مجرّد العقد على الزَّوجة كأنّه تمليك لها واستمتاع بها، إشارة إلى أنَّ هذا أيضاً -وهذا من حقوق الزَّوج على زوجته- تمكينه من هذا الأمر. الأمر الثّاني: نأتي ونكرِّر ما قُلناه في سبب تسمية سورة النِّساء بهذا الاسم وهو موضوع إنصاف النِّساء، والإصلاح للنساء كل ما تحدّثنا عنه الآن من حُرّمت، حُرّمت، حُرّمت عليكم فيه معنى الإصلاح للمرأة وفيه معنى الإنصاف لها، فإنَّ تحريم نكاح الأُمّ وتحريم نكاح الأخت، وتحريم نكاح البنت كلّ هذا من الإنصاف لها، ومن الإصلاح لها وللمجتمع.

د. الخضيري: لكن هنا سبحان الله تُلاحظ أنّ هذه الأحكام على أنّ أنّها تأتي واضحة وحُدود من الله سبحانه وتعالى إلاّ أنَّها بعد ما تُحَد وتُرسّم وتُوضّح تُوضع هناك مجالات للنّفوس للسِّمو والرِّفعة، مثل ما قال الله في سورة البقرة (فإن طلقتموهن من قبل أن تمسُّوهُنّ وقد فرضتم لهٌنّ فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفونَ أو يعفُوَ الذّي بيده عقدة النِّكاحُ وأن تعفوا أقربُ للتَّقوى ولا تنسَوا الفضل بينكم) انظر سبحان الله!، بعد ما حدّ الحُدود ورسمها قال بعد ذلك تَسَاموَا لتتبارَوا في ميدان الفَضل، التَّباري في ميدان الفَضل في مَواطِن كثيرة (ولا تنسوا الفضل بينكم).

د. الشِّهري: (ولا تنسوا الفضل بينكم ) سبحان الله ما أجمل التَّعبير!،كأنَّه في غمرة الأخذ أعطني حقِّي وخُذ حقّك.

د. الخضيري : لا انتبه، هي رضِيَت بكَ زوجاً ، وأنتَ رَضيتَ بها زوجةً ، هذا تفاضل بينكم لا تَنسَوا هذا الأمر.

قال تعالى (ولا جُناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إنّ الله كان عليماً حكيماً) الحقيقة تردُّد عليم، وحكيم في سورة النِّساء كثير ، نعم تفضّل أبا عبد الملك.

د. الطيّار: لأنّه فيها آيات تشريع كبيرة جِدّاً كُلّها صادرة عن هَذَين الاسمين العَظيمين العلم والحكمة، ولهذا أنا أقول للنَّاس من قرأ سورة النِّساء وَوضَع في ذهنه وهُو ينظر إلى الأحكام قضيّة العِلم والحِكمة، وحاول أن يجتهد في تَدَّبرِه لمعرفة مواطن العلم ومواطن الحكمة الإلهية في هذه الأحكام، فإنّه سيظهر له جليِّاً كون الله سبحانه وتعالى كرَّر هذين الاسمين مرّة بعد مرّة في هذه الأحكام، لأنّه بعضها قد يخفى على الإنسان الظّاهر له فيقول: لماذا يقول الحكم هكذا؟ لكن لو تأمّل الحكم الإلهي ونَظر في أدبار هذا الحكم الإلهي، أواخره يجد بالفعل أنّه مبنيّ على العلم والحِكمة.

د. الخضيري: الجيّد في الأمر يا دكتور مساعد، أنّ كلمة حكيم التي هي اسم من أسماء الله العظيم جلّ جلاله، تدل على أمرين: حَكيم بمعنى حاكم يحكم بالشَّيء فيجب تنفيذُه ويجب امتثاله فهي فَعيل بمعنى فاعل. وحَكيم بمعنى مُحكِم للشَّيء يُحكِمه ويتقنه بحيث لا يبدو فيه خلل من جانب من جوانبه. وكلمة حكيم جامعة لهذين الاثنين، فهو حَاكِم يجب التزام حُكمه، ومُحكِم يعني أنّ حُكمه سديد ليس فيه خَلل بوجه من الوُجوه.

بعد هذه الآية التي ذكر الله عزّ وجل فيها تمام المحرّمات من النِّساء بيّن وجهاً آخر فِيما يحرُم على الرَّجل أن يفعله من النِّكاح وهو نِكاح الأَمَة، فالأَمَة يَجُوز للإنسان أن يطأَها إذا كانت مِلك يمين، أمَّا أن يتزَّوج بها فتكون زوجةً له، وليست مملوكة أو مطيعةً بملك اليمين، فهذا يَحرُم على الإنسان إلا بشرط .

د. الشِّهري: العجز عن نكاح الحُرّة، يعني (ومن لم يستطع منكم طولاً) يعني ومن لم يملك القُدرة المالية على دفع مهر الحُرّة، فالطَّول يعني القُدرة المالية القدرة على دفع مهر الحُرّة. (أن ينكح المحصنات المؤمنات) أن ينكح الحُرَّة المؤمنة (فمِّما ملكت أيمانكم) أي فلينكح امرأةً من مِلك اليمين (من فتياتكم المؤمنات) يعني من المملوكات من الإماء (والله أعلم بإيمانكم) مسألة الإيمان مسألة ترجع لله سبحاه وتعالى، لا أحد يستطيع أنه يجزم بأنّ هذا مؤمن أو هذا غير مؤمن، ولكنّه يستطيع أن يستدل بعلامات ظاهرة تُعتبر قرائِن على صلاح هذه الفتاة أو تلك، فالرَّجل مأمور إذا أراد أن يتزّوج من أمة من الإماء أن يتحرَّى الصَّالحة منهُنَّ، المعروفة بالإيمان والمعروفة بالصَّلاح ويسأل عنها ويتحرَّى كما يتحرّى في شأن المرأة الحُرّة أيضاً.

د. الخضيري: وهذا يُؤكِّد قضية ارتباط الظَّاهر بالباطن، وأنَّ الإنسان يَستَدل على ما يظهر من الإنسان على ما يُبطِنُهُ، والغريب أنّ هذا القيد مذكور في آيةٍ أخرى وهي قوله جلّ وعلا (يا أيُّها الذي آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنُوهُنَّ الله أعلم بإيمانِّهنَّ) طبعاً ما أحد يدري أهي مؤمنة أو غير مؤمنة لأنّه شيء خّفيّ، لكن امتحِنوهُنّ تُعرف بسؤال أو سُؤالين أنَّها بالفعل هي مؤمنة أو ليست مؤمنة.

د. الشِّهري: (فإن عَلِمتمُوهُنَّ مؤمنات) مع أنَّ العلم على وجه اليقين ليس متمكِّنا، لكن ما غلب على الظنّ علماً.

د. الطيَّار: في قوله (من فتياتكم المؤمنات) هل هذا قيد كاشف أو معتبر، مع أنّ كانت الأمّة غير مسلمة بل كتابية؟

د. الخضيري: إذا أبيحت الحرة الكتابية فالله أعلم فالأمة ليست كتابية أنها أيضًا مباحة، ولكن هذا يحتاج إلى بحث فيه. لكن السؤال يا إخواني: لماذا حرّم الله عزّ وجل نكاح الإماء إلا بشرط عدم القدرة على مهر الحُرّة؟ لأنّ هذا يُفضي إلى رِقّ الولد، الولد يتبع في الرِّق والده، فإذا تزوّج رجل أمة وهذه الأمة أنجبت فإنّ هؤلاء الأبناء الذَّين خَرجوا من هذه الأمة يكونون عبيداً لسيِّد تلك الأمة، فيُفضي ذلك إلى رِقّ الأبناء، ولذلك حرّمه الله عزّ وجل لمآله السَّيء على الأبناء، فاشترط الله سبحانه وتعالى أنّ الإنسان لا يفعل ذلك إلاّ عندما تكون هناك مفسدة أعظم وهي خشيته من العَنت، وعدم قدرته على طَول الحُرّة. قال الله جلّ وعلا (والله أعلم بإيمانكم بعضُكم من بعض فانكحوهُنّ بإذن أهلهنّ وآتُوهُنّ أجورهُنّ بالمعروف) طبعاً اشترط أن لا تُنكح الأَمة إلا بإذن سيِّدها لأنَّه قد يكون هو يستمتع بها ويطؤها، ولا يحل أن يجتمع رجلان على امرأة واحدة، فإذا كان السّيد يطؤها لم تحل لغيره، فلا بد من استبراء الرَّحم ، فتُستبرأ ثمّ بعد ذلك تُزّوَج لهذا الرَّجل، وإذا تزّوجت لم يحل للسيّد أن يطأها

د. الطيّار: لكن هل تبقى سيادته عليها ؟

د. الخضيري: نعم يبقى سيِّداً لها وأبناؤُها يكونون أرّقاء عنده .

د. الشِّهري: هذا سبب والله للمنع من الزَّواج.

د. الخضيري: إي نعم، ولذلك حرّمه الله عز ّوجل على عباده إلاّ بهذين الشَّرطين. قال تعالى (فانكحوهُنّ بإذن أهلهنّ وآتُوهُنّ أجورّهُن بالمعروف) سمّى المهر أجراً. (بالمعروف) يعني كما تعارف النّاس عليه . (محصناتٍ غَير مُسافحات) اشترط في الأَمة أن تكون طاهرة وعفيفة، وفسَّر المحصنة هنا تفسيراً واضحاً فقال: (غير مسافحات)، (ولا مُتّخِذّات أخدان) ما الفرق بين السِّفاح واتخاذ الأخدان؟

د. الشِّهري: السِّفاح مجاهرة بالمعصية، ومتخذِّات أخدان يعني بالسِّر

د. الخضيري: الَخدين هو الــصَّاحِب الــمُسَار الذي لا يجهر أيّ العشيق. قال الله تعالى (فإذا أحصِنَّ) أيّ هؤلاء الإماء تزوجن. (فإذا أتين بفاحشة فعليهِنّ نصف ما على المحصنات من العذاب) معنى هذه الآية دكتور عبد الرَّحمن؟

د. الشِّهري: يعني إذا تزوّجت هذه الأمة ثم بعد نكاحها وقعت في الزِّنا، طبعاً إذا وقعت في الزِّنا يُشترط فيها أن يُستشهد على وقوعها في الزِّنا أربعة شهود. كما قال تعالى (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم) أليس كذلك؟

د. الخضيري: والله لا أدري، لكن أليس الشُّهود في العبيد والجواري النِّصف؟ هذه محل إشكال.لعلَّنا نبحث فيه.

د. الشِّهري: نعم، فإذا ثبت عليها فاحشة الزِّنا سواءً قلنا انّها أربعة أم بنصف العدد، (فعليهنَّ) يعني الحَدَ الذي تُحدُّ به هذه الأمة (نصفُ ما على المحصنات من العذاب) يعني إذا كان حد الحُرّة مائة جلدة فالأمَة خمسين، طبعاً لا يمكن الرّجم لأنّه لا يتَنَصَّف لكنّه لما قال (نصفُ ما على المحصنات من العذاب) دل على أنّه الجلد فنقول خمسين، وسمّى الحدّ هنا عذاباً.

د. الخضيري: قال (ذلك لمن خَشِيَ العَنَت منكم) أيّ هذا الحُكم أُحِلّ لمن خشي العنت وهو الوقوع في الزِّنا.

ثم قال (وأن تصبروا خيرٌ لكم) يعني وأن تصبروا على التَّعفُف وترك الزّواج بالإماء خيرٌ لكم من الزّواج بهنّ، لما يؤول إليه من استرقاق الأبناء. ثُمَّ قال (واللّه غفور رحيم) .

لعلَّنا بهذا الختام، ندعو الله سبحانه وتعالى في هذا السَّحَر الجميل أن يغفر الله عزّ وجل لنا ويرحمنا وأن يُبارك لنا في القرآن العظيم وينفعنا به، ويجعلنا جميعًا وإياكم ومشاهدينا الكِرام من أهل القرآن الذِّين هم أهل الله وخاصّته، نستودعكم الله على أمل اللِّقاء بكم والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بُثّت الحلقة بتاريخ 13 رمضان 1431 هـ