برنامج بينات

برنامج بينات – 1432 هـ- تأملات في سورة النساء – 1

اسلاميات

برنامج بينات للعام 1432 هـ

تأملات في سورة النساء

الحلقة 1

1 رمضان 1432 هـ

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73) النساء)

د. الخضيري: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى صحبه ومن والاه. هذه حلقة جديدة من برنامجكم بينات نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينتقبلها منا ومنكم وأن يتقبل منا جميعاً صالح الأعمال.

كنا قد وصلنا في تفسير سورة النساء عند الآية 71 وهي قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا) وقد افتتحت هذه الآية بالنداء المعروف وهو (يا أيها الذين آمنوا) ويقول ابن مسعود إذا سمعت الله يقول (يا أيها الذين آمنوا) فأرعِها سمعك فإنها إما خير تؤمر به أو شرٌ تُنهى عنه. وهذه الآية قد تضمنت أمراً عظيماً وهو أخذ الحذر عند المؤمنين بشكل عام أن يكونوا دائماً حذرين من أعدائهم (خُذُواْ حِذْرَكُمْ) ثم بين ماذا يعمل المؤمنون بأخذ الحذر وهو النفرة.

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا) إشارة إلى مبدأ مهم من المبادئ التي تكررت في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وهو مبدأ الاستعداد في قوله سبحانه وتعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) الأنفال) من صور الاعداد هو الاستعداد والتهيئة ولا بد أن يكون الجيش المسلم دائماً على أهبة الاستعداد وهذا المبدأ موجود اليوم في إعداد الجيوش وهو ما يسمونه بحالة واحد، حالة ألف، حالة باء، حالات تأهب أدناها هي الاستعداد البسيط أن يكون الجندي على استعداد للمباغتة فالله تعالى يقول (خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا) في هذه الآية إشارة إلى الاستعداد وأن الجيش المسلم والمجاهد ينبغي دائماً أن يكون على حذر في القتال. وحتى في حالات السلم ينبغي أن يكون هناك الحد الأدنى من الاستعداد بحيث أنه يمكن بوقت وجيز تعبئة الجيوش. فهذا الذي يظهر لي من خلال الآية (خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا) أن الله سبحانه وتعالى يدعو للإستعداد المبكر لملاقاة الأعداء والأمر الثاني أنه يبين طريقة الاستعداد يمكن لهذا الجيش المسلم أن ينفر بشكل كامل أو ينفر بشكل جماعات متفرقة وهذه مسألة متروكة لاجتهاد القادة الميدانيين وهذا معنى قوله (فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا) والثبات جمع ثُبَة في اللغة العربية وهي الجماعة الصغيرة.

د. مساعد: قوله سبحانه وتعالى (يا أيا الذين آمنوا) واضح أنه استئناف ابتداء كلام معنى ذلك أنه منقطع عما قبله لكن أنه يبقى هناك ترابط في جهة المعنى قوله (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ (66) النساء) ذكر ما يتعلق بالجهاد في هذا الموطن. أيضاً نلاحظ في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ) أخذ الحذر إذا نظرنا إلى واقعنا اليوم فإننا نجد مع الأسف أخذ الحذر غير موجود أو نادر والذي يدل على ندرته إذا نظرت لواقع المسلمين اليوم أنك تجد أن بلاد المسلمين الآن مع ما فيها من التشرذم وما فيها من الاختلاف العدو يقصدها لزيادة تقطيع أواصرها كما لاحظنا في السودان انفصل الجنوب عن الشمال بدل ما كانت السودان واحدة انفصلت ولا يستبعد أن تنفصل مناطق أخرى فهذا لا شك منافي لقوله تعالى (خذوا حذركم) وهو يخاطب هذا الإيمان وكل هذه المنطقة العربية هم من الذين يخاطبون بأهل الإيمان. فكم جميل لو رجعنا إلى الآيات وانطلقنا منها لكي يكون هناك نوع من الاتحاد والتآصر. قد يقول قائل أحياناً أن واقع الحكومات الاسلامية لا يسعفها في أن تفعل هذا فيبقى واقع الشعوب يمكن أن تتآالف بطريقة ما ولهذا دائماً سنة الله تعالى السنن الاجتماعية التي ثبتها الله تعالى لا تتغير (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ (11) الرعد) فلهذا لا ننتظر أن يكون التغيير من الأعلى بل يمكن أن يكون التغيير من الأسفل إلى الأعلى

د. الخضيري: كما حدث في الثورات في الشعوب العربية كان التغيير من أدنى قواعد الشعوب العربية إلى أعلاها. في قوله (خذوا حذركم) وإن كان الدكتور عبد الرحمن أشار إلى أنها أخذ الحيطة والحذر في الحرب كما هو السياق إلا أني أقول أن أخذ الحذر والاحتياط من ورود الآفات بشكل عام ينبغي أن يكون مبدأ عند المؤمن وهو ما يسمى الآن في علم الدفاع المدني ثقافة السلامة تأخذ أعلى معدلات الحذر عند القيام بأي عمل عندما تحمل شيئاً، حتى لما تضع شيئاً في البيت مثلاً أسلاك الكهرباء، كل ما يتصل بحياتنا اليومية، لو أخذنا بهذا المبدأ أخذ الحذر استطعنا أن نسلم من كثير من الأشياء والمشاكل. مثلاً الآن في استعمالات الناس للأدوات الكهربائية تجدهم يستخدمونها بشكل شبه عشوائي فتقع كوارث، حرائق بيوت، هلاك ناس! قبل أيام مررت بأحد الجيران قد حفر حفرة من أجل بناء بيت، وضع الحفرة ولم يضع عليها أي سياج فاستغربت عندما عدت ليلاً وجدت الحفرة عميقة تصل إلى أربعة أمتار لو وقع فيها أحدهم لهلك فأمسكت المقاول وقلت يا أخي كيف طاوعتك نفسك على أن تحفر هذه الحفرة ثم تدعها دون أن يكون هناك شيء للتنبيه عليها؟! قال كنت سأفعل غداً، قلت الليلة لو سقطت فيها سيارة أنت المسؤول لو هلك فيها إنسان أنت المسؤول لو سقط فيها طفل أنت المسؤول، ثم كيف سيكلفك هذا الأمر؟ هل تعلم أنك لو وضعت سياجاً يسيراً أمام هذه الحفرة لتكلفت مائة ريال ولكن لو وقع فيها أحد سيكلفك آلآف الريالات وقد يكلفك نفسك بإهمالك وعدم أخذك الحيطو والحذر! هذا مبدأ مغفل وثقافته عندنا ضعيفة مع أنه في الغرب ثقافته قوية جداً وتجدهم يعلمونك كل الأشياء حتى وأنت تريد أن تحمل متاعك بيدك يعلمونك كيفية الحمل السليم حتى لا تتهتك عندك الأعصاب أو العضلات، يعلمك كيف تركب السيارة، كيف تضع حزام السلامة، هذا المبدأ إذا أخذناه ينبغي لنا أن ننتبه له.

د. الشهري: حتى في سورة المائدة في قوله (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ (92)) جاء التحذير هنا أعم من سياق آيات سورة النساء.

د. الخضيري: في الحذر جانب أخص مما ذكره دكتور عبد الرحمن وهو الحذر من الأعداء بشكل عام ليس في جانب الجهاد البدني وجهاد العدة والسلاح وإنما أيضاً في جانب أخذ الحيطة والحذر من مؤامراتهم ومخططاتهم ومن جميع اتصالاتنا وعلاقاتنا بهم، نعلم أنهم أعداء لله ولرسوله وللمؤمنين فيجب علينا أن نحمل كل عمل بيننا وبينهم محملاً يدل على حذرنا منهم وأنهم يتربصون بنا في كل حال ولا يمكن أن يأتوا لنا بخير إلا وهناك شيء ما مصلحة معينة.

د. الطيار: لعل موضوع التحذير والحذر في القرآن موضوع صالح للنظر والبحث

د. الشهري: لاحظوا التعبير هنا قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ) ولم يقل يا أيها الذين آمنوا احذورا، هذا التعبير فيه عدة جوانب أولاً كأن هذا الحذر شيء يمكن أن يؤخذ ويُتملك فيها إشارة أنه احذروا حذراً كأنه حذر خاص بكم أنتم تملكونه دون غيركم. الأمر الثاني لم يقل يا أيها الذين آمنوا خذوا الحذر وإنما قال خذوا حذركم أنتم مما يدل على أنكم أناس مستهدفون بشكل كبير جداً والعين عليكم فليكن الحذر الذي تحذرونه أنتم خاصاً بكم حذركم، هذا فيما يبدو لي والله أعلم، والمفورض أننا نتوقف عند اختلاف التعبيرات القرآنية مثلاً (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ) ولم يقل وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وخذوا حذركم، وهنا قال (خذوا حذركم) لا بد أن يكون هناك فرق وهذا شيء أغفلناه نحن في لغتنا المعاصرة ما عدنا نتوقف عند الاختلافات في التعبير بل على العكس إذا اختلف تعبير أحدنا مرة وسئل لماذا قلت في هذا الموضع كذا وفي هذا الموضع كذا؟ فيقول مباشرة: لا تدقق! أنا لم أكن أقصد شيئاً مما قلت العرب في الشعر وفي الجاهلية كانوا يقصدون ما يقولون من تقديم وتأخير ونحوه. ولذلك في القرآن كل تقديم أو تأخير أو تغيير في الصيغة له دلالة مختلفة وينبغي على المتدبر للقرآن أن يتنبه لذلك وإن كان هو لا يظهر له فرق بين هذا التعبير وذاك فليس لأنه لا فرق بينهما وإنما لأنه هو لم يهتدي إلى هذا الفرق

د. مساعد: أذكر في قضية التقديم والتأخير قصة قالوا أن أحدهم كان يسبّ رجلاً ويشتمه وهو مُعرِضٌ عنه فقال السابّ للرجل إياك أعني وقال الآخر وعنك أُعرِض. فقوله إياك أعني مقصودة يعني هذا الحدث حدث خاص بك وذاك رد عليه بنفس الطريقة. فلا شك أن التقديم والتأخير قضية معتبرة جداً وبناء عليها سيبويه رحمه الله تعالى في أساليب العرب وله إشراقات في أساليب العرب اعتمدها كل من جاء بعده في ترتيب قضايا بلاغية عليها لما قال (فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا) بدأ بالأقل ثم الأكثر أشار سيبويه في الكتاب أن العرب إذا بدأت فإنها تبدأ بالأقل للأكثر كما أنها تبدأ بالأهم مثل (إياك نعبد) فتقدم الأهم وتقدم الأقل على الأكثر فلهم أساليب وكل موطن له سياقه المعتبر لماذا قدّم هنا وأخّر هنا؟ أحياناً يكون هناك تقديم وتأخير مع تقارب السياقات السياق الجملي وليس السياق العام مثل اللهو اللعب مرة يقدم اللهو على اللعب ومرة يقدم اللعب على اللهو، فهذه كلها لا شك لها اعتبارات وكما ذكرت أننا أعرضنا حتى في كلامنا العادي عن هذه القضايا مع أنها أصلاً معتبراً عند العرب

د. الخضيري: مرّ بنا في أول السورة (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) مع أننا نعرف أن قضاء الدين مقدّم على الوصية في الميراث ولكن قدمت الوصية لاعتبار لأن الناس يعرضونها للإهمال لأنه ليس لها مُطالِب فالله سبحانه وتعالى تعالى قدمها ليرعاها الناس ولينتبهوا أنها من حق الله عز وجل

د. مساعد: لأنها هي الأهم الآن في هذا الموقف

د. الخضيري: وهذا كثير لأنه في القرآن لا يمكن أن يوضع شيء في مكان إلا وقد روعي ذلك المكان، ما وضع اعتباطاً أو أن المسألة جاءت اتفاقاً ونقول هذا داخل في قول الله عز وجل (فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا (9) النساء) كلمة سديداً السداد في الرمي هو إصابة الهدف من دون أدنى ميل هذا السداد إذا قالوا غلام مسدد يعني بلغ غاية الاصابة. تصور لو أن المسلمين في أقوالهم استعملوا السداد فلم يتكلموا إلا به وحذوا حذو القرآن لا أحد يبلغ هذا الشأو في كتاب الله عز وجل ولكن يجتهد في أن يصل في كلامه وعباراته وتأليفه وما يقول للناس وفي اتصاله بالآخرين أن تكون كلماته مدروسة ولن تكون كلماته مدروسة حتى تكون قليلة ولذلك كان الناس يعدون لرسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام عدّاً، إذا كثر كلام الإنسان لا بد أن يقع في خطأ.

د. الشهري: انظر الآن لو تأملنا في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا) قلنا أن الثبات جمع ثبة وهي المجموعة القليلة من الناس، الله سبحانه وتعالى يدعوك للحذر واتخاذ الحيطة لملاقاة الأعداء في الحرب والقتال والجهاد وإن كان أخذ الحذر مأمور به على وجه العموم لكن هنا في هذا السياق هو الاستعداد للقتال وملاقاة الأعداء ففي قوله (يا أيها الذين آمنوا) أولاً استنفر الله فيك هذه الصفة وهي صفة الإيمان فكأنه يقول يا من اتصفت بهذه الصفة إفعل كذا وكذا. كما تقول العرب إن كنت رجلاً فافعل كذا وكذا فسوف يستفز هذا التحريض من يخاطَب به. الأمر الثانية أنه يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثبات) حتى التعبير بالنفير في القرآن دائماً يكون للحرب ولملاقاة الأعداء كما في قوله سبحانه وتعالى في سورة التوبة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ (38)) لم أستقصي لكن أتوقع أن التعبير بالنفير في القرآن كله من أجل الجهاد والقتال (انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً (41) التوبة) إلا في موطن واحد أتذكره وقد يكون هناك غيره للحديث عن طلب العلم (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ (122) التوبة) ويمكن أن يكون للجهاد أيضاً، عبر عن طلب العلم بالنفير وأدخله ضمن آيات الجهاد للإشارة إلى أن طلب العلم من الجهاد. فالشاهد أن التأمل في مثل هذه العبارات القرآنية لو كنا فعلاً نعطيها حقها في التدبر والتأمل لكن بعثنا إلى العمل ولا أدري هل هناك أحد تتبع مواقف السلف سواء من عامة المسلمين أو علمائهم من كان يتوقف عند هذه المسائل؟! على سبيل المثال عندما سمع أحدهم (ألهاككم التكاثر حتى زرتم المقابر) أحد الأعراب فقال اعرابي قال بُعِثوا ورب الكعبة، قال ما دام قال (حتى زرتم المقابر) فمعنى ذلك أن الزائر منقلب الزائر لا يبقى وإنما يزور وينقلب معناه أنه سيتبعه شيء واستنبط منه البعث. أقول مثل هذه العبارات وهذا الموقف الجميل من هذا الأعرابي مع كثير من الآيات وكم من واحد تقرأ أنه قال منعني قوله تعالى كذا، بعثني قوله تعالى كذا و..و. ونحو ذلك من المواقف التي تدل على فهمهم الدقيق لمثل هذه التعبيرات التي ربما نمر عليها اليوم ولا نتوقف وأنا أقول هذا عن الباحثين والمتخصصين فضلاً  عن عامة المسلمين الذين يغيب عنهم اشياء ظاهرة في القرآن فضلاً عن دقائق التعبير والتركيب.

د. الخضيري: ألا تلحظون من إيقاع كلمة نفر السرعة في التلبية والقيام بالواجب وهذه سرعة حسية وخاصة لأننا مأمورون بالمسارعة في الخيرات عامة، سابقوا سارعوا تدل على انه ينبغي للمسلم أن يكون دائماً في المقدمة وأن يكون هناك تلقائية في الاتيان بالأوامر. في الجهاد أوتي بالنفير كلفظ خاص بهذا الموطن أو بهذه الشعيرة لتدل على هذا المعنى لو قيل لنا الآن الجهاد يا جماعة، تقول اصبر لدي برمامج تدريبي لستة أشهر وينبغي أن أخفف الشحوم التي عليّ وأتدرب على الركض حتى أصير لائقاً! قصة طويلة! أين انفروا؟! نحن لسنا مستعدين وقضية النفرة صعبة علينا ولا يمكن أن ننفر بهذه الطريقة. هذا يدل على أن المسلم ينبغي أن يكون باستمرار مستعداً لأن يكون في المقدمة وأن لا يرضى بشيء دون المقدمة. في وصف المنافقين يقول (وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى (142) النساء) القيام إلى الصلاة أمر ميسور ومع ذلك إذا قام يقوم وهو يجر نفسه جراً والمؤمن يقوم للجهاد ليس للصلاة يقوم نافراً مسرعاً ساعياً مقداماً ولذلك الصحابة كانوا يتعجبون من نفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا صيحة تجمع الناس في الليل وما شعروا إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء وقد كفاهم المؤونة قال لن تراعوا لن تراعوا يعني استقصيت لكم الأمر ورأيت أن ما هناك أحد، قال لقد ركبناه وما وجدناه بحراً يعني الفرس. فانظر إلى نفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انظر إلى نفرة الصحابة في الليل الأليل والظلام البهيم يجتمعون ويخرجون وما قالوا ننتظر للصباح وهذه مصائب الرفاهية التي نحن الآن ضحايا لها!

د. الشهري: (وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ (72) النساء) يخذّل، اصبروا انتظروا الوقت الفلاني أمثل. وفي غزوة تبوك لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج قالوا انتظروا الوقت الآن غير مناسب، شدة الحر (وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ (81) التوبة) الله سبحانه وتعالى ربما ذكرها في بعض المنافقين وأمثالهم وربما بعضهم ليسوا من المنافقين الخُلّص وربما يكونوا من السمّاعين (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ (47) التوبة). أتصور لو كان في زماننا هذا لسمي هؤلاء أصحاب دراسات استشرافية هؤلاء دائماً يستندون إلى أشياء منطقية هذا الوقت حر، العدد قليل، الامكانيات قليلة، العدة قليلة،

د. الخضيري: يتكئون على الأسباب المجردة!

د. الشهري: يسمونه بأسماء تروّجه، يسمونه استشراف المستقبل

د. الخصيري: لكن لا يفهم منه أن الواحد لا يدرس الأمور ويضعها في نصابها ويتوكل على الله ويثق بالله ثقة تامة

د. الطيار: ولا يفهم منه أنه لا يرى الاستشراف في المستقبل وإنما هو قيد في هذا الموضوع ولذلك كان الاستشراف يمنع من العمل والمبادرة إلى الخيرات.

د. الخضيري: من تتبعي وجدت أن القرآن الكريم لا يأمرنا بأن نأخذ كل الأسباب وإنما نأخذ ما نستطيعه نحن من الأسباب (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) ما قال ما يستطاع لأنه الآن لو نحارب عدونا وأُمرنا أن نأخذ ما يستطاع من الأسباب يعني لا بد نحتاج إلى مائة سنة حتى يكون عندنا من المصانع والمعدات والآلآت الحربية مثل الذي عندهم ثم نبدأ الجهاد هذا لم يأمرنا الله به وهذا ينافي مفهوم التوكل الحقيقي الذي ينبغي أن يكون عند المسلم وثقته بالله وتفويض أموره إلى الله سبحانه وتعالى. المطلوب أن تتخذ جميع ما تستطيعه أنت أيها المكلف ثم تكل الباقي إلى الله سبحانه وتعالى. هذه قضية الآن تغيب عند أولئك الذين تشير إليهم يخططون ويقولون هذا أمر لا يمكن لأنك لو تدرسها دراسة مادية تأتيك بالنتيجة هذه حتماً! الآن انظروا للثورات العربية يقول المتشرفون للمستقبل كما حدثني بذلك أحد الإخوة يوم الخميس الماضي يقول كلهم يقولون كل السيناريوهات التي وضعناها للتغيير في الدول العربية ما كان من بينها واحد أن واحد يحرق أحدهم نفسه فتشتعل النار في الأمة العربية كلها وتتغير دولتين خلال شهرين وثلاثة تحتضر والله أعلم بالباقي! ما كان هذا أبداً متصوراً الأمة لها مائتين سنة وهي ترزح تحت ظلم من ورائه ظلم أو من ورائه ظلمات كثيرة جداً وقد تماشت مع هذا الظلم وما أحد توقع هذا لكن سبحان الله التغيير بيد الله وليس بأيدينا!

د. الشهري: بالفعل لو تأملنا هذه الأسباب الإلهية التي وضعها الله تعالى في هذه الأمم ولكن كما تفضلتم الإفراط أحياناً في التخطيط وفي الدرسات المادية مع إغفال للمعاني التي يذكرها الله ويكررها، وهناك معارك كانت فاصلة في التاريخ الإسلامي بدر، أُحد، الخندق، فتح مكة، اليرموك، القادسية، مرج دابق، كان هناك تفاوت كبير. وأذكر صلاح الدين الأيوبي لما خرج في حطين كان عددهم 12 ألف وكان الجيش المقابل يزيد عن مائة ألف حتى بعض وزراء صلاح الدين كان يعارض خروجه بحجة أن الوقت والعدد والظروف غير ملائمة بالرغم من أن صلاح الدين كان يعد لذلك سنوات طويلة واتخذ سنوات من الاعداد فخيّر وزراءه وقال أنا سأخرج من أراد أن يخرج فليخرج معي وخرج فعلاً ونصره الله نصراً مؤزراً لا زلنا إلى اليوم نقول حطين، لو فعل مثل هؤلاء المخذلين لو قال (ليبطئن) ليبطئن يعني يؤخرونك لأسباب كثيرة ومختلفة وهذا واقع الآن نحن بأمس الحاجة أن نرجع لمثل هذه الآية ونعدّ أنفسنا في هذه الأمة الاسمية المترامية الأطراف هذا الإعداد القرآني

د. الطيار: في قوله (ليبطئنّ) أي يبطّئ غيره، هذا هو الأصل

د. الشهري: (ليبطئنّ) أتصور يبطئون

د. الطيار: هو تبطّأ في أصله، توقع التبطيء لنفسه قبل أن يخرجه لغيره

د. الشهري: ما أجمل حتى التعبير (ليبطئنّ)

د. الخضيري: فيها دلالة على التثقيل مثل اثاقلتم في سورة التوبة. لكن التبطيء لا يكون إلا إذا النفس صارت ثقيلة جداً فظهر أثر التبطيء عليها ثم ظهر على لسان ذلك المبطئ: يا ناس الوقت غير مناسب، العدو أكثر تخطيطاً، العدو يعلم عن مثاقيل الذر في أعمالكم، له جواسيس فيكم ويبدأ يتكلم بكلمات تبث الرعب في نفوس المؤمنين وتثقلهم عن ملاقاة أعدائهم. وقد قال الله عز وجل في نفس السورة يبين أنه مهما هوّلنا من أمر الأعداء فإن أمرهم يسير لا سواء قال (إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ (104) النساء) لا سواء!

د. الطيار: قال (فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ) سمى الله سبحانه وتعالى الهزيمة مصيبة لأنها الآن هي معركة سيكون فيها فائز وخاسر فالخاسر هو الذي سيصاب بالمصيبة سواء كانت قتلاً أو هزيمة. هذا المبطئ نظره الدنيوي المادي يقول (قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا) يعني حاضراً ولم يقصد الشهادة أي القتل لأنه لا يرجوها ولهذا قالوا إن هؤلاء من المنافقين لأن المؤمنين يتمنون الشهادة فدل السياق على أن المبطّئ هو من المنافقين (قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا) فجعل عدم حضوره وأن لا يصاب بهذه المصيبة جعلها نعمة ومن الله، وكأن الله سبحانه وتعالى يدلنا على أن ظحضورهور مشهد القتال بما يحصل للمسلم سواء قتل فهو شهيد أو جرح أُجر وأو رجع سالماً غنم كل هذه الأحوال أنه هو الذي قد وقعت عليه نعمة الله الحقيقية ولهذا التصورات البشرية والمادية هي تصورات قاصرة لا تنظر إلا إلى الحاضر والمشاهد وتغفل عما وراء ذلك وعلينا نحن المسلمين دائماً إذا العبد المسلم تفكر فيما وراء الحدث وما أعده الله سبحانه وتعالى إن كان أصيب بمصيبة فصبر أو أصيب بنعمة فشكر فهذه لا يعرفها المنافق أو الكافر، عنده محسوس مقابل، خذ وأعطي، عنده مال ويأخذ بضاعة فقط! أما المسلم فعنده حساب آخر غير هذا الحساب، هذا جزء من الحساب ولكن ليس كل الحساب.

د. الشهري: هاتان الأيتان فيهما مسألة مهمة جداً وهي أن الله سبحانه وتعالى ينبه المسلمين أن هناك في صفوفهم قال (منكم) جعلهم منكم، يعني عدوك المجاهر لك بالعداوة أهون وأسهل في مدافعته من المنافق المندس معك في الصف فهذا تتقيه كما قيل

وإلا فاطرحني واتخذني عدوا أتقيك وتتقيني

هذا عدو ظاهر لكن المنافق الذي معك في الصف يظهر لك الأخوة وهو يبطن لك العداوة ولذلك هنا قال (وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)) هذا تحذير من هذا النوع من المنافقين المندسين المنتفعين سمهم ما شئت الذين ينتظرون الفرص، يعني الصادقون المخلصون والمجاهدون في هذه الأمة يبذلون أرواحهم  في سبيل الارتقاء بهذه الأمة ونصرة الأمة ورفع الظلم عنها ثم إذا حصّلوا هذه الثمرة جاء هؤلاء المنتفعون لكي يقطفوها ويستغلوها ويركبوا هذه الموجة (وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا) فيأتون إلى هذه الانجازات وإلى هذه المشروعات فيختطفونها من هؤلاء المخلصين ويحاولون بشكل أو بآخر الالتفاف عليها، هذا واقعنا.

د. الطيار: في قوله (منكم) كونه جعل المنافقين من صفكم هذا ملحظ مهم جداً في أن الاسلام يعامل الناس بالظاهر وهذا كان تطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم مع المنافقين مع أنه كان يعلم أعيان المنافقين فهذا يفيدنا نحن في قضية التعامل مع المنافقين ودرجات هذا التعامل واختلاف المنافقين، المنافق في الصف المسلم موجود منذ أن بدأ النفاق إلى اليوم وله صور متعددة وأشكال متعددة لكن مهم جداً كيفية التعامل مع المنافق كما أرشد إليه كتاب الله سبحانه وتعالى وكما طبقه النبي صلى الله عليه وسلم. بمعنى أننا لا يحصل منا تخاذل أو تهاون في تنبيه على أوصاف هؤلاء المنافقين وتحديد الأوصاف بدقة وأن من فعل مثل هذا الفعل فهو منافق، هذا التهاون في التعامل مشكلة كما أن تجاوز التعامل النبوي مشكلة أخرى. ألاحظ أن بعض من يتعامل مع هذا الصنف أحياناً يتجاوز المقدار الشرعي في التعامل مع هؤلاء وهو قد يكون أحياناً صاداً لبعض من يكون فيه شيء من الخير ونحن نعرف قاعدة أنك إذا كنت محسناً في لفظك وفي عملك مع الناس حتى مع هذه الفئة فإنه أولاً تكون قد أعذرت أمام الله وأمام الناس وأمامهم لا يستطيع أن يمسك عليك شيئاً والقضية الثانية أن تكون حجة عليك فتستفيد أنت من هذا التعامل الذي يسمونه الراقي الحضاري مع أنه التعامل الذي شرعه الله تعالى لا يكون عليك أي ممسك عليك لكن لاحظ لو كنت تناقش واحداً من هؤلاء ساعة وأخطأت في عبارة واحدة يتناسى الناس كل حسناتك في هذا اللقاء ولا يتذكرون إلا هذه العبارة! ولا شك أن هذه مرتبطة بقدر الله وكونه يجري الحكمة على العبد لكن من المهم جداً خاصة نحن نعيش ثورة نفاقية كبيرة جداً وارتماء بعض المسلمين إلى الغرب بل إن بعضهم يستدعي الغرب الكافر على إخوانه المسلمين تعالوا انصرونا تأتي المرأة  فئام من ابنائنا وبناتنا يستنصرون بأميركا للتدخل في هذه القضية، وغيره طلب من قبل من أميركا التدخل في برامج التعليم وهذه من صور النفاق ويجب على المسلم أن لا يرتمي في أحضان الكفار وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك. هذه الصورة كيف يُتعامل معها؟ كيف تعالج؟ لا بد أن نرجع للمنهج الشرعي في العلاج.

د. الخضيري: في قوله (وإن منكم) والله أعلم لم يذكر أنهم منافقون ليشمل المنافقين وليشمل أولئك الذي يستمعون لأطروحاتهم ويتأثرون بمقالاتهم وهم من المسلمين. وقد يكون في المسلمين من هو مسلم وعنده صدق وعنده إيمان لكن لكثرة استماعه لهم ومجالستهم وقراءته مقالاتهم واستماعه لبرامجهم تجده يتأثر بمقالاتهم وينسى هذه الوعود الربانية وينسى هذه الحقائق الإيمانية وينسى أن هؤلاء خونة في الأمة فيستمع إليهم استماع المشفق المستنصح فنقول أن هؤلاء قد أدرجوا في اللفظ إدراجاً قال (وإن منكم) منكم أيها المؤمنون من يستمع إليهم، منكم أيها المؤمنون من ظاهره إيمان وباطنه نفاق.

د. الشهري: حتى التعبير النفير في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ) ثم قال (وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ) يفهم منها أنني أنا طلبت منكم النفير والاسراع والمبادرة ولكنه يوجد بينكم من يريد تقليل السرعة إلى درجة التخذيل تماماً فهذه كلها تدخل تحت التبطيء. واحد يريد أن تطيعوه قليلاً كما قال تعالى (لا تنفروا في الحر) هو لا يعارض النفير مطلقاً بل يعارض التوقيت وذمّه الله سبحانه وتعالى هنا أنها إذا اجتمعت كلمة المسلمين على أمر فإنه من يخالفها فهو يدخل تحت المبطئين. والمسألة الأخرى أنه لا ينبغي التحذير نت التبطيء عن مشروعات الخير وهذا موجود سواء في الجهاد أو فير غيره، في كل مشروع خيري، تريد أن تنشئ قناة فضائية نافعة فتجد من يبطئ، تريد بناء مسجد، أعرف أحدهم جاءني قال أريد أن ابني مسجداً في المكان الفلاني وهو مقبل ومصر فجاءه واحد وقال لا تبني في هذا المكان ابني في مكان بعيد جداً عن هذا الرجل، فقال دعني أرى، فقلت لصاحبي هذا ماذا صنعت؟ أنت منعته من البناء في هذا المكان وفي غيره، قال أنا أردت له الخير فقلت يأ اخي العزيز رُبّ مريد للخير لا يبلغه، ما دام هذا الرجل يريد أن يبني هذ المسجد فدعه يبني هذا المسجد وإن كان ولا بد فليكن في موقف آخر أو في موضع آخر أو بطريقة آخر، فأحياناً الإنسان يسيء من حيث يريد أن يحسن، وصرف الناس عن الخير وصدهم عن مثل هذا.

د. الخضيري: ولذلك ينبغي أن يكون من سياسة المستشار أنه إذا جاءك شخص يستشيرك في مشروع خيري أن تراعي العبارات إذا كان الرجل مقبلاً والمشروع الذي يتحدث عنه بالفعل هو خير وإن لم يكن في نظرك هو الأفضل في هذا الميدان أنك لا تقف في وجه هذا الخير لأنه قد يكون ممن إذا صددته عن الأمر الذي يريده أنه يترك الأمر الذي يريده والذي تريده أنت وهذا الذي يحدث بل شجعه وساعده وأعنه كونه يقوم بأمر مفضول خير من أن لا يقوم لا بمفضول ولا فاضل. ولذلك مرة رأيت شخصاً يريد أن يعمل عملاً فقال له أحدهم الأفضل لك أن تفعل كذا، فقلت الأفضل الذي دعوته إليه لا يصلح له لأنه لن يعمله دعه يكون في ذلك الأمر الذي يشتهيه ويختار وهذه سياسة ينبغي لنا أن ننتبه لها.

د. الطيار: هذا الأفضل لك وليس له

د. الخضيري: وقد يكون الأفضل له لكن حاله أو إمكاناته الآن لا تعين على الوصول إليه فدعه يقوم بشيء من الخير ثم سيدعوه هذا الخير إلى خير أكثر,

د. الطيار: الجملة الاعتراضية في قوله (كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) توقف المتدبر لها، الآن هو قال (منكم)

د. الخضيري: ما رأيك نرجئها للحلقة القادمة نشوّق إخواننا المشاهدين أن يستمعوها أو أن يتأملوها. مشاهدي الكرام إلى هذا المطاف وصلنا في هذه الحلقة ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.