برنامج بينات

برنامج بينات 1433هـ – الحلقة 7- تأملات في سورة النساء آية 148-149

اسلاميات

بينات – رمضان 1433 هـ

الحلقة 7

الآيات 148 – 149

الشيخ عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في برنامجكم بينات ولا زال حديثنا متواصلاً مع الضيفين الكريمين والشيخين الكريمين الدكتور مساعد الطيار والدكتور محمد الخضيري حول آيات من سورة النساء. قد توقفنا في المجلس الماضي مع المشايخ عند قول الله تعالى (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) حيّاكم الله يا مشايخ.

الشيخ محمد الخضيري: حياك الله.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وتوقنا عند معاني هذه الآية في أن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية بعد الحديث عن المنافقين والنفاق وجزاء المنافقين وما ذكره الله أيضاً من قبوله لتوبة هؤلاء المنافقين بشروطها الأربعة ثم ذكر الله سبحانه وتعالى انتقل إلى حديث فقال (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) وهذه الآية فيها إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى يبغض الجهر بالسوء، ولو تأملنا في القرآن الكريم فيه آيات كثيرة تشير إلى تهذيب الألفاظ (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) [الحج:24]، (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ) [الإسراء:53].

الشيخ مساعد الطيار: (لَا تَقُولُوا رَاعِنَا).

الشيخ عبد الرحمن الشهري: حتى هذه (لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا) [البقرة:104] حتى اللفظة التي تحتمل معنى سلبياً اتركها.

الشيخ محمد الخضيري: تجاوز عنها.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: بل سبحان الله حتى في قوله سبحانه وتعالى (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) لاحظوا كيف أن الله سبحانه اختار هذا التعبير.

الشيخ محمد الخضيري: (أَحْسَنُ).

الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني الآن كأنك عندما تريد أن تقول قولاً تأمل فيه تأمل هل هناك أحسن من هذه العبارة؟

الشيخ محمد الخضيري: فتقولها.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لا، تبحث عن الذي أحسن أنت مأمور شرعاً بدلالة هذه الآية إنك تقول هذه الأفضل وهذه الأجمل وهذه الأحسن لأن القول والله – وهذا واقع في زماننا هذا الآن بشكل واضح – عبارات تند من الإنسان تفسد علاقتك بأخيك المسلم ورُبّ واحد يقول كلمة الآن ممن يكتبها في توتير أو يكتبها في الفيس بوك أو يرسلها في برنامج ويجلس يعتذر منها شهوراً والله أنا ما أقصد أنا ما فهمتم قصدي أنا ما كان

الشيخ محمد الخضيري: آسف، سامحني.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لو كان بداية (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) كان أراح نفسه من البداية.

الشيخ محمد الخضيري: ما يريح نفسه فقط بل كسب المكاسب.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ولذلك الله سبحانه وتعالى ذكر هذه القاعدة هنا (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) يعني شف سبحان الله العظيم هذا أدب رباني يعني أنت الآن عندما تربي نفسك وتربي أبناءك على الكلمة الطيبة ولذلك قال: «والكلمة الطيبة صدقة» صح وإلا؟

الشيخ مساعد الطيار: صحيح.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: فأنت تربيهم على أدب رباني ولذلك حتى من نعيم أهل الجنة قال (لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (٣٥)) [النبأ] من كمال النعيم ما تسمع هذا الجهر بالسوء.

الشيخ مساعد الطيار: مما يدل على أنه مؤذي.

الشيخ محمد الخضيري: إي نعم ولذلك نحن نقول الحقيقة وذكرنا هذا في اللقاء الماضي يعني هناك أزمة يعيشها المسلمون خصوصاً في هذا العصر هي أزمة الألفاظ الحسنة نحتاج إلى أن يجتمع الدعاة والمصلحون والمربون والأساتذة على أن يُربّى أطفالنا وأولادنا وأبنائنا وزوجاتنا وأهلونا يربّوا على الكلمات الطيبة وأن يكون هناك قواميس للكلمات الطيبة، ما هو الأنسب أن تقول في هذا الموطن عند الاعتذار، ما هو الأنسب أن تقول عند العزاء، ما هو الأنسب أن تقول عند الزيارة أو عند عيادة المريض.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: والسُنّة مليئة بكل هذا.

الشيخ محمد الخضيري: سبحان الله! وأتوقع إن شاء الله أن مثل هذه الحملة نسميها “حملة تصحيح الألفاظ” ستؤتي ثماراً طيبة وإن لم تؤتي على المدى القريب ستؤتي على المدى البعيد. إشعار المجتمع بأن هناك حاجة إلى مثل هذا الأمر وتوطئة لهذه القضية مهم جداً ولذلك أتمنى والله ومن خلال هذا البرنامج المبارك أن نقول للناس قوموا بحملة لتصحيح الألفاظ في البيوت، في المدارس، في المساجد، بين الجيران، بين الأهل والإخوان لاحظ الشعوب يا أبا عبد الله الشعوب التي أوتيت جمالاً في الألفاظ انظر كيف يتقون كثيراً من الإشكالات بسبب جمال الألفاظ وكيف إن الإنسان يستطيع بعبارة أو عبارتين يقولها أن يُنهي مشكلة كاملة وخصوصاً مثلاً مع الأهل أو الزوجة قل عبارة جميلة لها وهي غضبانة ومملوءة غيظاً عليك، عبارة جميلة تنتهي المشكلة من أولها إلى آخرها مما يدل على أثر الكلمة الطيبة التي تسحر القلوب وتؤثر في النفوس.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) [الحج:24].

الشيخ محمد الخضيري: نسأل الله أن يهدينا جميعاً.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وهذا أدب يعني في قوله هنا (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) يعني حتى المظلوم لو صبر وكتم غيظه وقال خيراً فهو مأجور يعني ليس في هذه الآية حثّ للمظلوم على الجهر بالسوء وإنما فيها التماس للعذر له وإباحة لو لم يستطع الصبر فله أن ينتصر وأن يذكر من ظلمه بسوء.

الشيخ مساعد الطيار: في قوله (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) فيها قراءتان القراءة الأولى (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) والقراءة الأخرى (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) وكأن المعنى (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) فيجوز أن يُجهر

الشيخ محمد الخضيري: بالسوء له.

الشيخ مساعد الطيار: بالسوء له أو (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) فيجوز أن ينتصر

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ينتصر.

الشيخ مساعد الطيار: أو ينتصر أو يدعو على من ظلمه.

الشيخ محمد الخضيري: طبعاً من نماذجه أن يكون الإنسان مظلوماً قد أُخذ حقه أو اعتُدي عليه فله إذا ذهب إلى القاضي أو الحاكم أو عند الناس أن يقول فلان ظلمني، بخسني، أخذ حقي، فعل بي إلى آخره.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: دون أن يعتدي.

الشيخ محمد الخضيري: دون أن يزيد ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: «ليّ الواجد ظُلمٌ يحِلُّ عرضه وعقوبته» ليّ الواجد ما هو؟ ليّ الواجد يعني مماطلة الإنسان الذي استدان منك أو اقترض منك وبدأ يماطل في أداء حقك لك الحق أن تشير إلى ظلمه لك فلان بخسني حقي، فلان أخّر عليّ في سداد الدين الذي لي عليه، وتقول هذا. أبو عبد الله قال من دون تعدي، ما المقصود من هذا الكلام؟ يعني من دون أن تتعدى إلى أمر لا صلة له بمظلمتك يعني فلان ظلمك ببخس الحق مثلاً لا يحق لك أن تقول هذا الرجال عاقٌ لوالديه وقاطع لرحمه ما دخل الناس في هذا الموضوع؟! ما صلة هذا بمظلمتك؟! هو ظلمك في جانب المال أو في جانب عرض أو في جانب دم أو غير ذلك لك الحق أن تتحدث في هذا الميدان وتدع ما سوى ذلك.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ويؤيد هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم أنه قال «المستبّان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتدي المظلوم».

الشيخ محمد الخضيري: فإذا اعتدى خلاص.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني أن المستبّان ما قالا فإثم هذا على البادئ منهما حتى يعتدي المظلوم فإنه لا يكون الأمر كذلك. فهذا يؤيد وأيضاً هذا تحذير الحقيقة للمظلوم أن لا يعتدي وأن لا يتخذ هذه الإباحة ذريعة للوقوع في أعراض الناس بحجّة أنني والله مظلوم، والله أنا مظلوم فهذه دعوى أيضاً قد تكون دعوى عريضة.

الشيخ مساعد الطيار: من أغرب ما ورد في تنزيل الآية على حدث ما ورد عن مجاهد أنه قال (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) قال فيما إذا استضاف أحداً فلم يضيّفه في أن يقول إن فلان لم يضيفني.

الشيخ محمد الخضيري: لأنه ظُلم ترى بالمناسبة.

الشيخ مساعد الطيار: نعم لماذا؟

الشيخ محمد الخضيري: لأن الضيافة حقٌ واجب لكن الضيافة ما هي؟ بالمناسبة بعض الناس يفهمها فهماً خاطئاً الضيافة لمن يأتي قادماً من مكان بعيد.

الشيخ مساعد الطيار: وليس له مأوى.

الشيخ محمد الخضيري: وليس له مأوى فهذا حقٌ واجبٌ على من طرق بابه أن يضيّفه ليوم وليلة هذا واجب. يجب أن تأخذ حقك منه ويجب على من نزلت عليه أن يضيفك ويُطعمك ويُسقيك ويُسكنك يوم وليلة وثلاثة أيام هذه مستحبة وبعد ذلك لا يحلّ له أن يبقى عنده حتى يُحرجه كما ورد في الحديث بعد الثلاثة لأن الثلاثة هي الحدّ الذي يطيق الناس بعضهم بعضاً فإذا زادت نقول لا، انتقل إلى آخر لئلا تحرج هذا الأخ المسلم. فالمقصود أن هذا إذا لم يضيفه فقد ظلم أخاه حقه فله الحق أن يأخذ من ماله كما يفتي بذلك بعض السلف وله الحق أن يشتكيه إلى من يلزمه بالقيام بحقه.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: سبحان الله من كمال هذا الدين أنه يجعل للضيف حقاً عند صاحب البيت وهذا من كماله لأنه في حاجة إليه وأن من كمال الأخوّة الإسلامية ولذلك قال «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه» انظر يا أخي ما أجمل وما أرقى هذا الدين صح وإلا لا؟

الشيخ محمد الخضيري: صحيح.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني جعله حقاً لك وليس منّة.

الشيخ محمد الخضيري: إي نعم. في قوله (لَا يُحِبُّ) طبعاً فيها إثبات صفة الحب لله عز وجل إذا كانت محبة الله منفية عن هؤلاء إذاً فمحبة الله مثبتة لضدّهم.

الشيخ مساعد الطيار: وهو قوله (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة:54].

الشيخ محمد الخضيري: وغيرها من الآيات التي ورد فيها إثبات المحبة لله عز وجل. وأي شيء أجلّ في نفس المؤمن من أنه يسعى لكي يحصل على محبة الله عز وجل وهذا يدلنا يا إخواني على خطر التأويل الذي ابتلي به بعض طوائف المسلمين عندما أردوا أن يحرمونا من هذه الصفة التي يتصف بها ربنا سبحانه وتعالى وهو أنه يُحِب ويُحَب وأن المسلم يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى أن يحصل على هذه المحبة بل هي من أعظم المكاسب وأجلّ المطالب أن تصل إلى محبة ربك الذي هو حبيبك ويحبك وليس غريباً أن تحبه لأنه أنعم عليك وكساك وأعطاك ورباك ولكن الغريب أنه يتفضّل عليك بهذه المحبة وهو المنعِم المتفضل.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وأيضاً في ختام الآية يمكن أن نقول ما قلناه في الآية التي قبلها إن الله سبحانه وتعالى ختم الآية قال (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)) هناك قال (وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)) هنا (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)) سميعاً مناسبة لأنه

الشيخ محمد الخضيري: قول.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لأنه تكلم عن الجهر بالسوء بالقول والمظلوم، وعليماً بمن هو الظالم ومن هو المظلوم لأنه قد أباح للمظلوم أن ينتصر لنفسه فيذكر ظالمه بالسوء دون تعدي. قال (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)) يعرف المُنصِف ويعرف المتعدي في شكواه أو في جهره بهذا السوء.

الشيخ مساعد الطيار: وأيضاً الجهر يدل على الإعلان لا شك فرق بين الجهر والإعلان لكن هنا المقام يدل على الإعلان.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: طبعاً لأن المقصود به إشاعته بين الناس.

الشيخ مساعد الطيار: إشاعته جائزة فلا يحب الله الجهر بالسوء إلا ما كان من هذا النوع فإنه قد أباحه.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ألا تلاحظون في هذه الآية عناية بالمجتمع الإسلامي أنها ما تفشو فيه ما يفشو فيه القول السيء وتنتشر فيه الألفاظ القبيحة وجرح المشاعر وإهانة الناس أن الله سبحانه وتعالى يمنع هذا مناعاً باتاً وطبعاً قوله (لَا يُحِبُّ) يعني يحرِّم سبحانه وتعالى هذا الفعل. ليس المقصود بها أن من يسب الناس ويشيع الفحشاء أنه يرتكب أمراً مكروهاً وإنما يرتكب أمراً مُحرّماً لأن الغيبة وذكر الناس بالسوء هذا محرم فهذا إشارة على العناية بالمجتمع. يعني الآن تجاوزت حق الفرد إلى حق الجماعة وأصبحت تشيع في الناس السوء. ولذلك لاحظ حتى أولادك الآن أنت الآن كل واحد يحرص على أبنائه ويحرص على تهذيب ألفاظهم وعلى تربيتهم ثم يفاجأ أنه يسمع بعض العبارات النابية على لسان الأطفال أليس كذلك؟

الشيخ مساعد الطيار: صحيح.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ويقول والله أنا ما ربيت أبنائي على هذا، من أين جاءت ؟ قال والله يمكن سمع فلان وإلا سمع أولاد ولذلك يعتبرون نحن نعتبر اليوم الإنسان الذي يتكلم بكلمات نابية قالوا هذا تربية شوارع، أليس كذلك؟

الشيخ مساعد الطيار: صحيح.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: يرى أن تربية الذي لم يتلقى تربية صحيحة نسبة تربيته إلى أنه يتربى في الشارع، يتلقف من الشارع كل شيء. انظر في الآية هذه إلى عناية القرآن الكريم وعناية الإسلام بتربية المجتمع على اختيار الألفاظ وانتقاء التعبيرات هذا بالكلام، فما بالكم في الكتابة يا شيخ محمد؟

الشيخ محمد الخضيري: نفس العمل.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: أليس أولى؟

الشيخ محمد الخضيري: بلى لأن الكتابة تبقى والقول يطير مع الهواء ويسمعه السامعون الحاضرون لكن الكتابة

الشيخ عبد الرحمن الشهري: أيضاً يمكنك التحرز منه بالكتابة لأن الكتابة تكتب وتُراجع ثم تنشر.

الشيخ محمد الخضيري: العجيب يا إخواني أنه عندما يأتي أمر القول في القرآن يؤكَّد على الاحتراز فيه بشكل مبالغ فيه مما يدل على أهمية هذا الأمر، مثلاً قول الله عز وجل (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [الأنعام:152] أوفوا الكيل والميزان بالقسط ثم قال بعدها (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) كأنه يعتذر لأن هؤلاء قد يزِنون ويخطئون في الوزن.

الشيخ مساعد الطيار: وليس من مقاصدهم كالمطففين.

الشيخ محمد الخضيري: نعم، ثم قال بعدها مباشرة (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا)

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ما فيه مجال.

الشيخ محمد الخضيري: ولم يعذرهم لأن القول أنت تملكه وتستطيع أن تتصرف فيه فإذا قلت وجب عليك أن تعدل مع الموالي والمُخالف، مع القريب والبعيد مع كل أحد، إذا كان هذا كما ذكر الدكتور عبد الرحمن في القول ففي الكتابة أولى لأن الكتابة تبقى ولأن الكتابة يمكن التحرّز فيها أكثر من القول. ولذلك أنا أقول هذه مهمة الآن مشكلتنا في هذا الزمن في نظري أننا أصبحنا لا نتحرز نلقي الكلام على عواهله وخصوصاً بعد مجيء الشبكات الاجتماعية التوتير والفيس بوك وبعد ما صار الناس يسعون إلى كثرة المتابعين إلى آخره ويتخفّون وراء أسماء معينة يستطيعون أن يُخفوا بها شخصياتهم يبدأ الواحد

الشيخ عبد الرحمن الشهري: يأخذ راحته.

الشيخ محمد الخضيري: يأخذ راحته، ما هو صحيح يا أخي والله لتسألنّ عن كل حرف كتبته وستحاسب على كل ذلك (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)) [الأنبياء] فليتق الله عز وجل امرؤ تمكّن من هذه الوسائل أن يكتب فيها ما يسيء فيها إلى مشاعر إنسان.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وكثيرة والله، والله رأينا في هذه الوسائل الكثير من الوقوع في أعراض الناس والشتم لهم والوقيعة فيهم وفي أعراض الصالحين ويعني وقع فيها بهتان كثير وظلم كثير وكل هذا مخالف لهذه الآية. يعني رأينا الكثير من الجهر بالسوء ورأينا الكثير من الكذب وتلقُّف الكذب وحتى إني قلت يوماً في أحد البرامج الإذاعية في قوله سبحانه وتعالى (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ) [النور:15] فقلت إنه من أصدق ما ينطبق عليه قول التلقي باللسان هو ما يحصل الآن في شبكة توتير الآن يأتي الواحد منهم فيكذب الكذبة ثم يأتي الآخر فيعمل لها.

الشيخ محمد الخضيري: رتويت retweet.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: رتويت وهو لم ينتبه لها وتنتقل كلها ظلم وبهت وتغيير للحقائق وكم من إنسان جرحت مشاعره بسبب هذا! كم من إنسان وقع ترك الكتابة بسبب هذا! وإلى آخره وكل هذا لو تأمل الإنسان هذه الآيات الواضحة (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)) يعني مُطّلع عليك ولو كتبت باسم مستعار سواء في توتير وإلا في غيره الله مطّلع عليك ودعوة يطلقها هذا المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب. فهذه دعوة لكل من يشاهدنا وكل من يملك لساناً ولذلك أعجبتني يقول أحدهم أنني كنت حزين لأنه ليس عندي حذاء ثم عندما رأيت رجلاً ليس عنده قدمين أصلاً حمدت الله سبحانه وتعالى.

الشيخ محمد الخضيري: صحيح.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم الإنسان ينبغي أنه يشكر نعمة الله عليه، الذي مكّنك من هذه الوسائل ومكّنك من الكلام وغيرك لا يستطيع الكلام ولا يكاد يبين ومكنك من الكتابة غيرك لا يستطيع أن يكتب فواجب شكر هذه النعم أن يتقي الله الإنسان فيها ويستجيب لأوامر الله.

الشيخ محمد الخضيري: الحقيقة ما أود أن نترك هذه الآية حتى نعلق على أمر يعني شاع في صفوف بعض الصالحين هداهم الله سبحانه وتعالى وهو قضية الابتلاء بقضية التصنيف فلان كذا، فلان كذا، فلان كذا تُطلَق أوصاف وأحكام بناء على تلك الأوصاف لا حقيقة لها.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لعلنا تأذن لي نكمل بعد الفاصل، فاصل قصير أيها الإخوة المشاهدون ثم نواصل حديثنا حول هذه الآيات.

*.*.*.*.*.*.*.* فاصل *.*.*.*.*.*.*.*

– تقرير عن مركز تفسير وملتقى أهل التفسير

– إعلان جوال تفسير

*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*

الشيخ عبد الرحمن الشهري: حيّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون ولا زال حديثنا في هذه الجلسة المباركة مع المشايخ الدكتور محمد الخضيري والدكتور مساعد الطيار حول آيات سورة النساء (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ). كنت تتحدث يا دكتور قبل الفاصل -وأنا كنت أريد فعلاً أن أثير هذه القضية في هذا المجلس- هناك أناس اتخذوا الوقيعة في أعراض الصالحين ديانة يصنِّفون الناس فعلاقتها بهذه الآية.

الشيخ مساعد الطيار: وهم ممن يظهر عليهم الصلاح.

الشيخ محمد الخضيري: إي نعم، أنا أقول هذا بلاء وهو مكر من الشيطان مكر به هؤلاء وهو مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلّون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم» تأتي إلى رجل يصلي ومسلم ومتقي لله وداعية ويقوم بحاجات المسلمين ويفعل الأشياء الكثيرة ثم لا يقع نظره إلا على

الشيخ عبد الرحمن الشهري: السلبيات.

الشيخ محمد الخضيري: السلبيات أو تبحث أنت عن أمر تدّعي أنه سلبياً ثم يترتب على ذلك أن تجعله مع جماعة معينة ثم ترتب على ذلك حُكماً على تلك الجماعة مسلّمة فتكون النتيجة: إن فلان مبتدع، ضال، مضل، لأنه اتبع هذه الجماعة أو مع هذه الفرقة من أثبت لك أنه مع هذه الجماعة؟ ومن أثبت أن هذا الحكم ثابت على هذه الجماعة؟ لاحظ الأمرين. ثم هل هذا يليق بالمسلم هذا الرجل ينافح عن الإسلام وعن القرآن وعن الدين ويقوم بأعمال كثيرة جداً مما أمر الله سبحانه وتعالى به ونهى الله سبحانه وتعالى عنه أيضاً ينهى الناس عنها ويُصلح في الأرض ولا بد الذي يعمل يخطئ، هل هذا يعتقد ويقول أنا أقول هذا ديانة وهب أنه يعتقد ذلك هل هو يعتقده باجتهاد وهو معذور باجتهاده أو ليس كذلك؟ لماذا لا تنظر أنت إلى القضايا والأمور التي يفعلها الآخرون إلا بمنظارك فمن فعلها صار من أهل السنة ومن لم يفعلها على ما تريد لم يكن من أهل السنة وبذلك يصبح من أهل البدعة وبذلك يصبح واجباً علينا فضحه والتحذير منه وعدم مقاربته ووجوب مجانبته، هل هذا من تقوى الله سبحانه وتعالى؟!!

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لا والله.

الشيخ محمد الخضيري: هذا من أعظم الظلم وهو من الجهر بالسوء. ولذلك لما رأيت بعض الناس يقع في هذا قلت له يا أخي أنت تدّعي أنك من أهل السنة وتقول هذا منهج لأهل السنة، من هم رؤوس أهل السنة في هذا الزمان؟ أسألك بالله، قال لي الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين والشيخ محمد ناصر الدين الألباني وعدّد، قلت هل هؤلاء يفعلون هذا الفعل؟ أو أنهم غشوا الأمة فلم يفعلوه كما تزعم أنت؟ قال لا، ولكن، قلت لا، صبراً أثبت لي هذه القضية. هؤلاء هم رموز هذه الأمة في الدعوة المباركة وهم الذين تقول أنت وتدّعي أنك تتابعهم وتنشر منهجهم وتراهم أنهم شيوخ لك وتقتدي بهم وهم شيوخ لنا ونحن نفخر بهم وبل بالعكس نجعلهم بكل ما أوتينا من قوة قدوات لنا، ما رأيناهم يخوضون في شيء من هذا وهم يعرفون الحقائق ويرون هؤلاء الناس الذين تَشْغَبون عليهم وتنددون بهم وتذيقونهم ألوان العذاب من ألسنتكم وسلقهم بهذه الألسنة الحِداد لماذا لم يتكلم فيه هؤلاء المشايخ؟ أو أنهم يسكتون على الباطل؟ أو أنهم خونة أو أنهم ما عرفوا هذا المنهج الحق الذي أنتم هديتم إليه؟! فسكت اتقي الله عز وجل نحن جالسنا هؤلاء المشايخ وعرفناهم في مجالسهم العامة والخاصة ورأينا كتاباتهم ورأينا أن هؤلاء الدعاة الذين تنددون بهم وتَشغبون عليهم دائماً يرتادون هؤلاء المشايخ ويجلسون إليهم ويتحدثون معهم ويثنون عليهم ويمدحونهم ويؤيدونهم فلماذا فعلوا ذلك؟ أنا أعرف إن الشيخ ابن باز رحمه الله كان لا يُقر أحداً يراه على خطأ على ، يناصحه ويذكّره بالله يكتب له ويكلمه ولكنه مع ذلك أيضاً لا يُسقط حق الأخوة فكان رحمه الله إذا رأى خطأً نبّه عليه وفي الوقت ذاته يقوم بحق الأخوة الإسلامية. ثم هناك مسألة يا أبا عبد الله وهي متى ثبت عقدُ الإسلام للإنسان لا يجوز لأحد أن يسلبه هذا الوصف ويُسقط حقوق الإسلام التي أثبتها وأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم بأمور موهومة أو اجتهادية متصلة بذلك الشخص. يعني أبا عبد الله أنت ما دام ثبت لي الآن إسلامك وأنك موصوف بهذا الوصف لا يجوز أن أسقط حقوق الإسلام “حق المسلم على المسلم” إلى آخره مما ورد في الأحاديث لا يجوز أن أسقطها باجتهادات من عندي والله لأني رأيت معك كتاباً لفلان من الفلانيين الذين لا أحبهم وأعاديهم يسقط حق الحق الذي ثبت بيقين. ذاك حق ثبت بيقين فما يسقط بمثل هذه الاجتهادات الخاصة. وهب أنك لا ترى ما أراه في هذا الشخص أو في هذه الجماعة أو في هذا الكتاب أو المقالة أو المجلة أو القناة مع الأسف تعدّت إلى أمور ما ندري كيف تعدّت إليها وأصبح الإنسان يصنف بخروجه في قناة أو اقتنائه لكتاب أو سماعه لكلام شيخ أو غير ذلك يقال هذا من آل فلان ومن الجماعة الفلانية ثم يترتب عليه أن لا يسلَّم عليه وأن لا يُستمع إليه وأن لا يُنتفع بعلمه وأن لا

الشيخ عبد الرحمن الشهري: اهدار لكل حقوق.

الشيخ محمد الخضيري: اهدار لحقوق الإسلام الثابتة بيقين بشيء موهوم مشتَبه فيه.

الشيخ مساعد الطيار: هذه مشكلة.

الشيخ محمد الخضيري: هذه مشكلة والله يا أخي.

الشيخ مساعد الطيار: أناس حُرموا من علم أناس

الشيخ عبد الرحمن الشهري: بسبب مثل هذا.

الشيخ مساعد الطيار: بسبب مثل هذه الأمور الموهومة ليست المظنونة

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لاحظوا كل هذا يا إخواني تعليق على قوله سبحانه وتعالى (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) وهذه الكلمة مسؤولية والقول مسؤولية وأمانة والفتن كثير من الفتن سواء هي من عادات الناس حتى قبل الإسلام كانت كلمة ربما تقيم حرباً

الشيخ مساعد الطيار: ولا تزال!

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وكلمة تطفئ الحرب، فالكلمة أمانة ورُبّ كلمة قالت لصاحبها دعني كما يقول المتقدمون. والنبي صلى الله عليه وسلم قال «رب كلمة يقولها العبد لا يلقي لها بالاً – ولا ينتبه لها يعني – تهوي به في النار سبعين خريفاً».

الشيخ محمد الخضيري: «وهل يكُبّ الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».

الشيخ عبد الرحمن الشهري: حتى لاحظ أن معاذ رضي الله عنه استغرب قال وهل نحن مؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال «ثكلتك أمك يا معاذ – يعني غريبة إنها تفوت عليك هذه المعلومة – وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم» فالحقيقة يعني نحن وإن أطلنا في هذه الآية نحن أطلنا في أمر يستحق الإطالة وهي مسألة نحتاج أن نربي أنفسنا عليها ونربي عليها أبناءنا وأيضاً نحث عليها الجميع أن هذه الآيات واضحة في القرآن الكريم جاء بوضع هذه الأسس والمبادئ التي ترسي دعائم المجتمع الإسلامي الصحيح والله إنك لما تتحدث الآن لو أردت أن تتحدث عن المجتمع الإسلامي لوجدت أن قضية تهذيب الألفاظ والقول أنه من أسس بناء المجتمع الإسلامي.

الشيخ مساعد الطيار: حتى الرسول صلى الله عليه وسلم.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: فتن تزرعها الكلمات.

الشيخ مساعد الطيار: تغيير الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الأسماء كانت من هذا الباب وأيضاً أو تعديله أو اختياره لبعض المعاني مثل صلاة العتمة «لا يغلبنكم الأعراب إنما هي صلاة العشاء» حتى في هذه الألفاظ. لكن العجيب أيضاً أن هذا الدين المليء بمثل هذه الأمور التي يمكن يسميها بعض الناس داخل ضمن ما يسمى بالإتكيت يعني يُنظر فيها إلى ما عند الغرب ولا يُنظر فيها إلى ما في الإسلام ولا أقول إلا ما عند المسلمين لأننا مع الأسف ضللنا الطريق وتركنا التطبيق فوقع منا ما وقع لكن لو رجع المسلمون إلى تطبيق ما عندهم فإنهم سيُذهبون كثيراً من (كلمة غير واضحة) انظر كل ما كان الإنسان المسلم أكثر التزاماً بدينه ورآه الكافر بهذا الالتزام كان هذا أقرب إلى دعوة هذا الكافر للدين والأمثلة على ذلك كثيرة. لعلنا ننتقل إلى قوله (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)) يعني بعد أن ذكر مقام الإباحة وهو ردّ الشيء بما يناسبه في قول (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) على قراءة أو (ظُلِمَ) على القراءة.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: فيبيح له الجهر بقدر.

الشيخ مساعد الطيار: يبيح له الجهر بقدر لكن قال هنا (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)) وقوله (تَعْفُوا) كأنها مناسبة لماذا؟

الشيخ عبد الرحمن الشهري: (ظُلِمَ).

الشيخ مساعد الطيار: إلى (ظُلِمَ) (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى:40] وهذا مقام عالي مقام الكبار. فالله سبحانه وتعالى يذكر لك المباح (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا) [الشورى:40] لكن هناك قدر أعلى وهو مقام العفو والصفح.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: مقام صعب جداً.

الشيخ مساعد الطيار: جداً، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى (أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) [النور:22] لما ذكر مقام العفو والصفح.

الشيخ محمد الخضيري: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) [النور:22].

الشيخ مساعد الطيار: أنا كنت مع بعض الطلاب قريباً في الشارقة فحدّثوني عن شخص ما شاء الله أنا رأيته ما شاء الله عليه سبحان الله من كلامه تحس قلبه أبيض.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ما شاء الله!.

الشيخ مساعد الطيار: يعني ما تحس أنه يحمل في نفسه فأنا قلت طبعاً قلت لصاحبه يا أخي صاحبك هذا ما شاء الله أوتي قلباً أبيضا.

الشيخ محمد الخضيري: اللهم اجعلنا منهم.

الشيخ مساعد الطيار: فذكر لي قصة عنه قال هذا الرجل واحد من زملائه آذاه حتى في عرضه.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: أعوذ بالله.

الشيخ مساعد الطيار: آذاه يقول ومرة كنا ذاهبين إلى خارج الإمارات ونحن راجعون يقول اشترى له هدية فقلت له تشتري لهذا الرجل؟!!.

الشيخ محمد الخضيري: الظالم.

الشيخ مساعد الطيار: الذي فعل بك وفعل، قال لا يا أخي يبقى أنه أخي يقول والله وأهداها له يقول لكن كان لها أثر كبير جداً جداً.

الشيخ محمد الخضيري: على ذاك.

الشيخ مساعد الطيار: على ذاك الرجل يعني تأسّف منه وتندم على ما كان منه.

الشيخ محمد الخضيري: أنا أقول العافي والله تعجّل الراحة في الدنيا.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: حتى هو نفسه.

الشيخ محمد الخضيري: هي جزاؤها مُعجّل ولذلك يقولون من أعظم النعيم في الدنيا نعمة العفو عمن ظَلَم.

الشيخ مساعد الطيار: ما يبقى في القلب شيء.

الشيخ محمد الخضيري: ما يبقى في القلب شيء ثم أيضاً يجد الإنسان بعدها راحة وطمأنينة ثم يفوز بلذة الثناء لأنه في نهاية المطاف من الذي يُثنى عليه؟ الذي أخذ بحقه أو يُثنى على الذي عفا عن حقه؟

الشيخ مساعد الطيار: لا، الذي عفا.

الشيخ محمد الخضيري: الذي عفا فيكسب الثناء.

الشيخ مساعد الطيار: والثناء يبدأ من الله سبحانه وتعالى.

الشيخ محمد الخضيري: يبقى بعد ذلك يقال في الآخرة يا أبا عبد الله: ليقُم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى:40].

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لاحظ الآن نحن قد يقول قائل أحياناً هذا كلام نظري سهل، أنت ما ذقت حرارة الظلم، صحيح أنت تتكلم تقول اعفوا وأصلحوا ولكنكم أنتم تتكلمون من فراغ، لا يا أخي الكريم، الرسول صلى الله عليه وسلم عندما طُرِد من مكة وحورب عليه الصلاة والسلام ثم لما انتصر في يوم فتح مكة قال للمشركين الذين حاربوه «ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ – ماذا تتوقعون إني أفعل بكم اليوم؟ – فقالوا: أخ كريم وابن أخ كريم فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء» يعني موقف هذا موقف العظماء. وكذلك أنت أيها المسلم أنت عظيم تقتدي بعظيم عليه الصلاة والسلام وتعفو عمن ظلمك. وطبعاً لا شك أن كل ما كان الظلم أشد كان العفو أعظم أجراً. لاحظوا معي في الآية التي ذكرت يا دكتور مساعد (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ) ولم يذكر الله سبحانه وتعالى إن تبدوا سوءاً أو تخفوه مع أنه ظاهر في الآية يعني كأن الآية “إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تبدوا سوءاً أو تخفوه” لكن الله سبحانه وتعالى ذكر إظهار الخير وإخفائه لأنه كأنه هو الأصل في نفس المؤمن وفي المجتمع الإسلامي أما سوء ما يحتاج إني أقول تظهروه أنا أحتاج أقول تعفوه (أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ) كأن في هذا إغراء بالعفو أليس كذلك؟

الشيخ محمد الخضيري: بلى.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وحثٌ عليه وإشارة إلى أن المجتمع المسلم هو مجتمع عفو وتسامح ومغفرة ورحمة وأن الانتقام هذا ليس من صفات المؤمن.

الشيخ محمد الخضيري: لكن هناك مسألة يا إخواني مهمة جداً وهي هل المؤمن إذا ظُلِم وإذا اعتدي عليه وبُغيَ عليه لا ينتصر لنفسه؟

الشيخ مساعد الطيار: لا، ينتصر.

الشيخ محمد الخضيري: ينتصر (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ (٣٩)) [الشورى] فإذا جاء أحد يريد أن ينتهك عرضك أن يأخذ مالك أن يؤذيك تقف له بالمرصاد فإذا تمكنت منه -لاحظوا هذا المعنى- استُحِبّ لك أن تعفو عنه لكن ما تقول لا، المؤمن ما يفعل والرجل جالس يهاجم ويؤذي ويفعل ، لا، بل بالعكس قاوم فإذا تمكنت منه.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: تعفو.

الشيخ محمد الخضيري: إي نعم (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى].

الشيخ عبد الرحمن الشهري: هو الحقيقة يا دكتور محمد ولا يهون أبو عبد الملك أن هناك فرق بين الذلة والاستكانة والعفو.

الشيخ مساعد الطيار: نعم العفو مع المقدرة.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: أن العفو عن قدرة ولا شك أيضاً أن العفو عند المقدرة أدلّ على سمو الأخلاق وأدلّ على الإيمان وأدلّ على صفاء القلب لا شك في ذلك، لكنه ليس معنى أننا ندعوك إلى العفو أن تكون ذليلاً، أن تُهان، وأن تنتهك حقوقك فتقول من عفا وأصلح، هذا ليس صحيحاً. وإنما العفو الحقيقي هو الذي يكون عن إيمان وعن صدق ورغبة فيما عند الله سبحانه وتعالى واتقاءً لفتنة تقع بين المسلمين فيعفو الإنسان والرسول صلى الله عليه وسلم لو أراد أن ينتقم من قريش في يوم فتح مكة لاستطاع عليه الصلاة والسلام.

الشيخ محمد الخضيري: ولكان محقاً.

الشيخ مساعد الطيار: ولا لامه أحد.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ولم يلمه أحد ولكنه عليه الصلاة والسلام اختار هذه الطريق السامية العالية وهذه طريق الأنبياء ولذلك لاحظ حتى يوسف عليه الصلاة والسلام.

الشيخ مساعد الطيار: نفس الحدث.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لما بهدلوه إخوانه خلال عمر طويل كم سنوات طويلة وهو مشرّد عليه الصلاة والسلام وغريب عن والده وغريب عن

الشيخ محمد الخضيري: أهله.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: قصة طويلة ومؤلمة ثم في اللحظة الأخيرة قال

الشيخ مساعد الطيار: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ).

الشيخ عبد الرحمن الشهري: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢)) [يوسف].

الشيخ محمد الخضيري: ومن التزامه بعدم التثريب أنه لم يذكر ما فعلوه

الشيخ مساعد الطيار: في البئر

الشيخ عبد الرحمن الشهري: قال بعدها (مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) [يوسف:100].

الشيخ مساعد الطيار: (وَبَيْنَ إِخْوَتِي) فنسبها إلى الشيطان. هناك تعبُّد الله بأسمائه وهذا الحقيقة من لطائف ما في القرآن لما ذكر العفو فقال

الشيخ عبد الرحمن الشهري: (أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)).

الشيخ مساعد الطيار: (عَفُوًّا قَدِيرًا (149)) فذكر في مقام العفو العفو، الطبري له كلام جميل في هذا يقول فاعفوا أنتم أيضاً، يقول: وإنما يعني بذلك أن الله لم يزل ذا عفو عن عباده مع قدرته على عقابهم على معصيتهم إياه. يعني كأنه يبين لك هذا المقام أن الله سبحانه وتعالى قادر كأنه يقول لك أنت إذا قدرت على أن ترد

الشيخ عبد الرحمن الشهري: فاعفوا.

الشيخ مساعد الطيار: فاختر العفو. قال بعدها: يقول فاعفوا أنتم أيضاً أيها الناس عمن أتى إليكم ظلما ولا تجهروا له بالسوء من القول وإن قدرتم على الإساءة إليه كما يعفو عنكم ربكم مع قدرته على عقابكم وأنتم تعصونه وتخالفون أمره. فهذا الحقيقة كلام جميل يدل أيضاً على أن علماءنا كانوا ينظرون إلى شيء من هذه المناسبات يعني ما مناسبة ذكر العفو والقدير في هذا المقام؟

الشيخ عبد الرحمن الشهري: المناسبة واضحة.

الشيخ مساعد الطيار: واضحة جداً.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ولاحظ سبحان الله حتى صفة العفو من صفات التي كان يتمادح بها الناس حتى في الجاهلية يمدحون الإنسان الذي يعفو عن الناس وحتى ذكرها الله في سورة آل عمران في قوله سبحانه وتعالى (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) [آل عمران:134].

الشيخ محمد الخضيري: عافين.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: الذي يعفو عن الناس ويصفح ولذلك كان يقول المأمون عفا الله عنه، المأمون الخليفة.

الشيخ محمد الخضيري: معروف.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لو يعلم الناس ما أجده من السرور واللذة بالعفو لما أطاعني أحد. كان يعصيه الناس وربما يخرجون عليه ثم يعفو عنهم ويقول كنت أجد لذة شديدة في العفو عن الناس، في العفو عن المخطئ، في العفو عن المذنب، فلا شك أن صاحب النفس الكريمة وصاحب النفس المؤمنة أنه يتسامى دائماً إلى هذه المرتبة.

الشيخ مساعد الطيار: وهم حكوا عنه، بقي وقت وإلا؟

الشيخ عبد الرحمن الشهري: انتهى الوقت.

الشيخ مساعد الطيار: إذاً نقف.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: أيها الإخوة المشاهدون انتهى وقت هذه الحلقة نكمل إن شاء الله الحديث عن هذه الآيات إن شاء الله في المجالس القادمة ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من المتدبرين لكتابه وأن يغفر لنا ولكم تقصيرنا في حقه ونراكم إن شاء الله في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.