برنامج بينات – رمضان 1436هـ
الحلقة (1) | [المائدة:82-83]
تفريغ الأخت أم عبد الرحمن وأخواتها جزاهن الله خيرا لموقع إسلاميات
الشيخ محمد الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. ما زال الحديث موصولاً حول هذه السورة الكريمة العظيمة سورة المائدة وقد وصلنا فيها إلى قول الله عز وجل (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢)) وهذه السورة فيها حديث كثير حول اليهود وأخلاقهم ونقضهم للعهود والمواثيق وقد أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أنهم هم أشد عداوة للمؤمنين وهذا يستدعي المؤمن أن يكون حذراً منهم غير واثق بعهودهم وأن يكون متقياً لكل معاملة معهم من غير أن يظلم أو يتعدى الحدود المشروعة في التعامل مع أي أحد كان لأن قيمة العدل في الإسلام قيمة مطلقة فالعدل واجب مع كل أحد في كل زمان وفي كل مكان، لعلنا نستمع الآن من مشايخنا الكرام جزاهم الله خيراً إلى ما يمكن أن يقال في هذه الآية الكريمة.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم الحديث في هذه الآيات في قوله تعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) فيه إشارة إلى عناية الله سبحانه وتعالى بالمجتمع المسلم، النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام عندما انتقلوا إلى المدينة المنورة وبدأ تكون الدولة الإسلامية من أهم مقومات نجاح هذه الدولة معرفة كيف ينظرون الآخرون إليك وكيف يتعاملون معك؟ اليوم الدول الآن تبذل مليارات من أجل جانب الاستخبارات والجانب الأمني وحماية الجانب الأمني وعدم اختراق الصفوف، الله سبحانه وتعالى قد أمن للمجتمع المسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هذه القضية فكشف له مشاعر وهذا لا يمكن حتى اليوم في أي استخبارات، كشف الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم مشاعر الآخرين الذين يعيشون معك ويعيشون قريب منك ماذا يشعرون تجاهك من المحبة، من الود، من العداوة، ولذلك قال (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) ولذلك ينبغي علينا نحن اليوم أن نعود لهذه الحقائق التي قررها القرآن الكريم وهي شدة عداوة اليهود للمؤمنين وأنه لا ينفع معهم لا معاهدات سلام هم يعادونا عداوة دينية أزلية لا تنتهي، ولذلك نحن ينبغي أن نعتقد هذه العقيدة ونتعامل معهم على هذا الأساس هذه واحدة، الأمر الثاني أنه قال (الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) المشركون يعادون الموحدين وهذه قاعدة مضطردة أنهم يعادون المؤمنين والموحدين لدينهم، اليوم المشركون كثيرون ليس المشرك فقط هو الذي يعبد الأصنام، لأن بعض الناس ارتبط في ذهنه أن المشرك هو فقط مشركو قريش الذين كانوا يسجدون للأصنام، لا المشركون هم الذين يشركون مع الله غيره، وهم كثيرون في زماننا هذا الشرك وصوره كثيرة في زماننا هذا.
الشيخ محمد الخضيري: ومنها الآن صورة الشرك النفس اللي كون الإنسان يكون إلهاً مع الله، أنا لا أريد أحد يأمرني ولا أحد ينهاني، أنا أشرع لنفسي ما أشاء، أفعل ما أشاء، فكأنه يجعل من نفسه إلهاً فهذا لون من ألوان الشرك المعاصر مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم «تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة» فسمى هؤلاء عبداً لها مع العلم أنه لا يسجد لها ولا ينظر لها.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وأيضاً من مظاهر الشرك الذي هو اليوم الأنظمة العلمانية، العلمانية التي ترى فصل الدين عن الحياة والتي تحارب محاربة شديدة أي دعوة لتطبيق الإسلام في واقع الناس، هذا مظهر ضخم من مظاهر الشرك بالله سبحانه وتعالى، فالآية تشير إلى شدة عداوة هؤلاء الذين اتصفوا بصفة الشرك ولذلك لم يقل: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والمشركين، وإنما قال (الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) فجاء الوصف لهم بالاسم الموصول الذي يدل على شدة اتصافهم بهذه الصفة وهي صفة الشرك بالله سبحانه وتعالى، وأنهم كل ما زادت هذه الصفة فيهم كل ما زادت عداوتهم للموحدين، يعني هذه الآية وأمثالها ونظائرها في القرآن الكريم تعطي المؤمن حصانة بأن هؤلاء الذين يعادونك، يعادونك لدينك ولتوحيدك، والله سبحانه وتعالى قد كشف لنا هذه الدواخل وهذه المشاعر التي يشعر بها هؤلاء اليهود والذين أشركوا.
الشيخ مساعد الطيار: أيضاً قوله سبحانه وتعالى (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً) حتى التعبير الآن هو تعبير نسبي بين اليهود والذين أشركوا وبين النصارى بمعنى أن هذه الطوائف الثلاث أقربهم مودة هم (الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى) وعبارات القرآن مثل ما ذكرت عبارات فيها دقة، يعني بعض الناس قد يقول اليوم نجد أن النصارى من أشد الناس عداوة لنا.
الشيخ محمد الخضيري: نعم.
الشيخ مساعد الطيار: واليهود وإن كانت عداوتهم ظاهرة يعني عداوتهم متيقنة لكنها غير ظاهرة مثل ما هي ظاهرة الآن من النصارى، النصارى الآن عاثوا في بلاد المسلمين وهنا ننبه على مسألة مهمة جداً وهي أن الله سبحانه وتعالى لما قال (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى) قال (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا)
الشيخ عبد الرحمن الشهري: (وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢))
الشيخ مساعد الطيار: نعم فهو أوضع أوصاف فهذه الأوصاف حينما نتأمل إذا تحققت في من يدعي النصرانية.
الشيخ محمد الخضيري: فإنه يكون قريب.
الشيخ مساعد الطيار: فالأغلب أن يكون قريب منك، ولهذا نجد أن السلف حينما فسروا هذه الآية ذكروا أنها نزلت في من؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: نصارى الحبشة
الشيخ مساعد الطيار: إي نعم في النجاشي، فيمكن نقول أنه من كان على ما كان عليه النجاشي فهذا يقين يكون أقرب إليك، ولهذا في كثير من الأحداث التي سمعناها أن بعض النصارى إذا تليت عليه قصة عيسى عليه الصلاة والسلام وأمه في سورة مريم أنه يتأثر، وهذا يشعرك بهذا المعنى، فإذاً هذا معنى أو قصدي قضية قد يقع عند المسلم وهو يقرأ هذه الآية وينظر في الواقع يقع عنده نوع من ماذا؟ من الاضطراب كيف أن الآية تقول بأنهم أقرب مودة ونحن نراهم هم أصل البلاء، ولهذا نقول أيضاً يجب أن ننتبه إلى مسائل أخرى في هذا الموضوع وهي قضية العقائد التي يستبطنها هؤلاء وطريقة ترتيب الأفكار الموجودة عندهم وهم من يسمون بالإنجيليين الآن وهم نوع أو بعض النصارى الموجودين الآن وإن كانوا علمانيين إلا أنهم مع ذلك يعتقدون بالعقيدة النصرانية وعندهم آراء مبثوثة بالنسبة لهم أنه لا يمكن أن ينزل المسيح عليه الصلاة والسلام أو أن يجيء المسيح عليه الصلاة والسلام إلا إذا كان كذا وكذا وكذا.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: هرمجدون
الشيخ مساعد الطيار: إي نعم قصة هرمجدون وغيرها ومنها أن يكون اليهود لهم وطن في فلسطين وقصة طبعاً طويلة في هذا لكن اللي قصدته أن ننتبه لمثل هذا الأمر وهو كيف الله سبحانه وتعالى وصف هؤلاء القوم بأوصاف إذا تحققت فيهم فإنه هؤلاء هم الذين يقال عنهم إنهم أقرب إلى المؤمنين.
الشيخ محمد الخضيري: ما ذكرته يا دكتور مساعد في موضوع انتباه الإنسان للأوصاف المذكورة في الآية حتى لا ينخدع بمجرد تحقق واحد منها لابد أن تتحقق كاملة مثلاً بعض الناس يقول (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (٨٢)) [سورة طه] يعني هذه دلالة على مغفرة الله عز وجل لعباده صحيح بس انتبه للأوصاف أيضاً غفار أي كثير المغفرة لمن؟ (تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)) لابد تجمع هذه الأوصاف وتنتبه لتحققها أيضاً فهي فيها رجاء لكن أيضاً هذا الرجاء له قيود وله ضوابط وشروط، وكذلك هذه الآية التي معنا (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى) ولم يكتفي بل وصفهم وأوصاف ترى بالمناسبة ليس في الآية وحدها حتى في الآية التي تليها قال (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) الواقع يشهد لما ذكرته يا أبا عبد الملك وهو مصدق للآية، النصارى في العالم إذا جئت إلى نصارى ليس عندهم ضغط إعلامي أو تأثروا بالدعاية الإعلامية ضد المسلمين تجد أنهم يتعاملون معاملة لطيفة وكريمة وهذا شيء من أثر النصرانية عليهم لأن الدين النصراني فيه تعلية من قضية الأخلاق واللين واللطف والرحمة كما هي في تعاليم عيسى عليه الصلاة والسلام الموجود بعضها في الإنجيل فتجد أنهم تدخل عليهم في الكنيسة أنا شخصياً ممن دخل في الكنيسة وجلسنا نناقشهم ما نجد أي مشكلة في المناقشة معهم، تتحاور أنت وإياه مرتين، ثلاث، أربع، ثم قد يعلن عن رغبته في الإسلام ولو ما أعلن لا يعاديك كالمعادات التي تشعر معها بأنه يحقد عليك أو كذا، في المقابل مثل ما ذكرت يا دكتور عبد الرحمن اليهود الآن ابحث عن أي بلاء في الأمة، أي مشكلة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، عندما تبحث وتتتبع تجد أن اليهود هم وراء ذلك كله، يعني عندما تجد الآن جماعات تدخل في دين الإسلام أو تقوم بأعمال وتنظر إلى هذه الأعمال وإذا هي إفسادية وتخريبية تنظر من وراء هؤلاء؟ تجد أن هناك عقود ومعاهدات بينهم وبين اليهود وأن اليهود قد اتفقوا معهم على مثل هذه الأمور، ولعل من الأحداث القريبة التي نراها مثلاً إيران التي تدعي أشياء وأشياء من يتتبع السياسة بشكل دقيق يجد أن إيران وإسرائيل بينهما مؤاخاة لكن ليست في العلن فإيران تسب إسرائيل في الليل والنهار ولكنها تلتقي بها في الخفاء وتنسق معها كل المجريات.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: لا وأيضاً وصف الله اليهود بأنهم يسعون في الأرض فسادا وإن لم يكونوا مسؤولين مباشرة عن الفساد تجد أنهم كما قال أبو سفيان لم آمر بها ولم تَسُؤْنِي، يعني يسعدهم هذا الذي يحدث.
—— فاصل ——
الشيخ عبد الرحمن الشهري: في قوله سبحانه وتعالى هنا (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ).
الشيخ محمد الخضيري: أنا أريد أعود فائدة ذكرتها أطربتني والله يا أبا عبد الله
الشيخ عبد الرحمن الشهري: ماهي يا شيخ؟
الشيخ محمد الخضيري: وهي قضية السياسة الشرعية، يعني نحن كفينا في شيء كبير منها بفضل الله سبحانه وتعالى، لسنا بحاجة أن نكتشف جماعات أو أمم ونبحث عن خباياهم، الله كشفها لنا، بالله عليك أليس هذا فيه راحة لنا؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: طبعاً.
الشيخ محمد الخضيري: يعني لما يأتيك يهودي يبتسم ويريد يقدم لك خدمات أنت ممكن تعامله أو تقول سأجلس مثلاً عشر سنين أجرب هذا الرجل حتى أكتشف هل هو يضمر لي العداوة أو هو صادق؟ الله عز وجل كشف لك الحقيقة وبيّنها لك وقدمها لك على طبق من ذهب من دون عناء منك، فيقول لك هؤلاء أعداء لك، لا يمكن أن يكونوا أصفياء لك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا) [سورة آل عمران:118] انتبهوا
الشيخ عبد الرحمن الشهري: (وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ) [سورة آل عمران:118]
الشيخ محمد الخضيري: (وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ)
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وأيضاً الآية اللي في البقرة (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ)
الشيخ محمد الخضيري: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [سورة البقرة:١٢٠]
الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني هذه تراها مهمة جداً
الشيخ محمد الخضيري: جداً في السياسة.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: في التعامل معهم
الشيخ محمد الخضيري: في باب السياسة، أنا أعجبتني إنه هذه الآيات يجب أن تدخل في السياسة الشرعية كتطبيقات عملية أن الله قد كفانا المؤونة فيها فلسنا بحاجة إلى أن نضع استخبارات لتكشف لنا هل اليهود أصفياء لنا وإلا أولياء؟ هل نحن بحاجة إلى أن نتوقاهم وإلا ننطرح بين أيديهم ونأتمنهم على كل شيء ونكشف لهم أسرارنا؟ لا هذه خطوط حمراء قد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بها وقد كفينا مؤونتها، صحيح لو كانت أمم لم تذكر في القرآن قد تحتاج إلى فترة حتى تكتشف حقيقتهم، لكن هل هناك أمة تخرج عن هذه الأوصاف المذكورة في القرآن؟ إما يهود وإلا نصارى وإلا مشركين مثلاً ما تكاد تجد.
الشيخ مساعد الطيار: في قول أيضاً أبو عبد الله قد يسأل سائل ما الفرق بين القسيس والراهب؟ طبعاً الراهب من خلال تاريخ النصارى هو الرجل العابد المنعزل عن الناس يعني الرهبان في تاريخ النصارى
الشيخ محمد الخضيري: من “ترهبن”
الشيخ مساعد الطيار: “ترهبن”، انصرفوا عن الناس وانشغلوا بأنفسهم، لكن القسيس لا، القسيس أشبه ما يكون بالعالم الذي يدير أمور الديانة وأمور الناس يكون هو ماذا؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: قسيس.
الشيخ مساعد الطيار: القسيس، طبعاً الأصل في القسيس أن فيه شيء من الرهبنة في القسيس النصراني هو فيه شيء من الرهبنة لكن الفرق بينه وبين الراهب هو في الخلطة مع الناس، فتجد أن الراهب لا يكاد يخالط الناس يعني ينعزل، من جاء إليه استقبله لكنه لا يخالط الناس.
الشيخ محمد الخضيري: ليس من أولوياته أو أعماله بث الدعوة أو الخلطة بالناس
الشيخ مساعد الطيار: لا، ينعزل بنفسه، أما القسيس لا هو الذي يتولى أمر طائفة
الشيخ محمد الخضيري: قال في سورة الحديد (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا).
الشيخ عبد الرحمن الشهري: طبعاً هذه فيها فائدة في قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢)) وهي إشارة إلى مسؤولية العالم ومسؤولية الصالحين في المجتمع، الآن الله يقول أن هؤلاء النصارى أقرب مودة إليكم أيها المسلمون لماذا؟ قال من ضمن الأسباب لأن فيهم هذه الشخصيات، فيهم شخصيات أهل علم وشخصيات أهل عبادة وصلاح وهؤلاء لهم دور إيجابي في هؤلاء الناس أنهم يدلونهم على الخير ويؤثرون عليهم تأثير إيجابي فهؤلاء القسيسين لأنهم أهل علم بالكتاب ويعرفون أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم التي وردت في الإنجيل فهم يؤيدون ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة كان ممن التقى به كثير من أحبار اليهود أليس كذلك؟
الشيخ مساعد الطيار: نعم.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: واليهود يرجعون إليهم في أخذ الرأي ماذا نصنع مع محمد؟ يرجعون إلى أحبارهم، بل حتى قريش، قريش إذا أشكل عليها شيء من هذه القضايا يبعثون إلى اليهود لأنهم طبقة مثقفة في الجزيرة العربية يسألونهم أنتم أهل كتاب بل حتى خديجة رضي الله عنها لما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ما لجأت إلى أبي بكر وإلى أبي سفيان وهم من كبار قريش ولا إلى أبي جهل، إلى ورقة بن نوفل لأنه كان يقرأ الكتاب العبراني فدائماً المثقفين وأهل العلم لهم دور إيجابي في المجتمع ينبغي أن يقوموا به ولذلك قال من أسباب قرب النصارى منا قال (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢)) وهذه إشارة إلى أهمية قيام هؤلاء بدورهم الإيجابي في المجتمع ودلالتهم على الخير.
الشيخ محمد الخضيري: مما يؤكد هذا المعنى يا أبا عبد الله قول الله عز وجل (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) [سورة الأنعام:122] يعني هذا النور الذي آتاك الله إياه إياك أن يكون
الشيخ عبد الرحمن الشهري: قاصراً على نفسك
الشيخ محمد الخضيري: قاصراً عليك، بل يجب أن تمشي به في الناس وتعلنه وتضيء للناس طريقهم، تبين لهم، تأمرهم بالمعروف، تنهاهم عن المنكر، عندي وقفة في قوله (وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢)) وأن من أعظم أسباب عدم قبول الإنسان للحق وعدم إيمانه الكبر وأن أكثر الأسباب المانعة لقبول الحق ليست راجعة إلى قضايا موضوعية يعني إلى قضايا في الحق نفسه أنه متلبس وإلا غير واضح وإلا غير مقنع، لا هي قضايا نفسية عند الطرف الآخر إما حسد أو كبر أو اتباع الآباء والأجداد أو خوف على رئاسة ونحو ذلك، ولذلك تجد سبحان الله كل ما خف الكبر وقل في الإنسان سهل قياده وقبوله للحق واقتناعه به من حين ما يبين له.
الشيخ مساعد الطيار: حتى ولو كان من هو أصغر
الشيخ محمد الخضيري: جداً
الشيخ مساعد الطيار: طبعاً مصداق ما ذكرته بالأول قول الله سبحانه وتعالى (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [سورة الأعراف:١٤٦]
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وقال أيضاً (إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ) [سورة غافر:٥٦].
الشيخ محمد الخضيري: مرة جاءني فرنسي فقال لي: أنا أريد أذهب للدعوة إلى الله عز وجل، قلت: أدعو في بلدك أقول له، قال: لا، لا هذا مستحيل، قلت: ليه؟ قال: نحن الأوربيون فينا كبر ما نقبل الحق وخصوصاً منكم، يقول لي كذا والله، يقول: نحن عندنا كبر هل تصدق أن الشخص الواحد تجلس معه عشر سنوات حتى يقتنع ويقبل الحق؟! قلت: هل الحق ملتبس لهذه الدرجة؟ قال: لا، يبقى في صراع مع نفسه هل يذعن؟ معقول هذا الحق جاء من هؤلاء العرب الذي بيننا وبينهم تاريخ وصراع طويل؟! أنا في النهاية أتعلم عنده وأثني ركبتي عند فلان وفلان من هؤلاء العرب الذين نعتبرهم نحن أشباه الحيوانات ! من الكبر الذي عندهم. قلت ماذا تريد أنت الآن؟ قال: أريد أدعو في غيرهم، غيرهم أخير منهم، وبالفعل سبحان الله ذهب إلى دولة أفريقية وبدأ يدعو واكتشف أن الناس مختلفة تماماً عن النفسية الأوربية يجلس في المجلس الواحد خصوصاً في أفريقيا التي كان كثير منها مستعمرات فرنسية فلما يرونه فرنسي يدعوهم إلى الإسلام يكون أكثر قبولاً، يسلم عليه يديه في المجلس مائة، خمسين، مئتين، يقول لي أنا متعجب من هذا الأمرّ قلت له: لا تتعجب، الله عز وجل قال: (وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢))، (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ) يعني كل هذه الآيات والأدلة تبين لك إن أعظم ما يمنع الإنسان من قبول الحق هو الكبر والحسد ونحوهما.
الشيخ مساعد الطيار: هو الإنسان لا شك في كل حياته يكون مر بتجربة في هذا، يمنعه من قبول الحق شيء من التكبر عن قبوله. أيضاً تتمة لكلامك في فكرة نظرة الغرب للعرب، كنظرة فارس للعرب وإلى الآن أهل إيران الذين أصولهم فُرس وأصولهم مجوس لا يزالون يحتقرون العرب حتى لو كان من أهل ملتهم يعني متفق هو وإياه في الملّة لكن هذا عربي وهذا أصوله فارسية، لا الفارسي عندهم
الشيخ عبد الرحمن الشهري: عنصرية، يعني نظرة عنصرية.
الشيخ مساعد الطيار: وأنا أعجبني أحد النصارى الفرنسيين كتب كتاب ترجمته “التاريخ الحقيقي للعرب” كان يخاطب طبعاً قومه أنه لماذا تأنفون من المشرق؟ لماذا تأنفون مما هو عربي وكثير مما عندكم يعني أصوله عربية؟ فقال: حتى عيسى عليه الصلاة والسلام الذي تتبعونه جاء من المشرق
الشيخ عبد الرحمن الشهري: ليس أوربياً
الشيخ مساعد الطيار: ليس أوربياً، فأنتم الآن تنتسبون إليه وهو مشرقي ففيه أحياناً بعض النظرات تدل على نفس الفكرة.
الشيخ محمد الخضيري: هم الآن يصورون عيسى بالمناسبة يصورونه بصورة رجل أوربي عيون فيها زرقة ولحية شقراء وشيء من هذا القبيل.
الشيخ مساعد الطيار: أفريقيا يصورونه بلون أسود.
الشيخ محمد الخضيري: عاد هذا من باب ترى السياسة في الدعوة.
الشيخ مساعد الطيار: ما هو نفس القضية، وإلا عيسى عليه الصلاة والسلام أصله من فلسطين
الشيخ عبد الرحمن الشهري: من الشرق يعني.
الشيخ مساعد الطيار: من المشرق.
الشيخ محمد الخضيري: تفضل أبا عبد الله تريد تقول
الشيخ عبد الرحمن الشهري: أيضاً ذكر الله صفة أيضاً من صفات هؤلاء النصارى الذين يقبلون الحق قال (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) يعني فيه إشارة إلى أنهم يعترفون بأن القرآن الكريم كتاب منزل من عند الله سبحانه وتعالى، اليوم كثير من المستشرقين حتى الذين كتبوا في الدراسات الإسلامية لا يعترفون بأن القرآن الكريم أنزل من عند الله يعني في قضية مصدرية القرآن الكريم عندهم فيها مشكلة كبيرة يرون أنه من كلام محمد عليه الصلاة والسلام أليس كذلك؟
الشيخ محمد الخضيري: صحيح.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: ولذلك يرفضونه ويرفضون الاعتراف به والحديث حول هذه النقطة، هنا قال لا هؤلاء النصارى الذين هم أقرب مودة للمؤمنين يعترفون بمصدرية القرآن الكريم أنه أنزل من عند الله قال أيضاً (تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) والله سبحانه وتعالى قد ذكر في القرآن الكريم في أكثر من موضع أن القرآن الكريم مصدق لما بين يديه من التوراة والإنجيل، ولذلك وجدوا تطابق في هذه الحقائق التي في القرآن مع ما يعرفونه من الإنجيل فيعني انقادوا وفاضت أعينهم من الدمع لهذا، وفيها إشارة أيضاً إلى ما يجده الإنسان في نفسه مما يمكن أن نسميه برد اليقين عندما يجد المؤمن لأن قضايا الإيمان كما تفضلتم ليست كلها قضايا عقلية، قضايا نفسية، فهم يجدون هذه الحقائق لما تتطابق الوحي في الإنجيل مع القرآن الكريم تفيض أعينهم من الدمع (مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) فينقادون ويصدّقون ويدخلون في الإسلام.
الشيخ مساعد الطيار: وهذا يبدو أنها كأنها قضية أشبه ما نقول إذا سمعوا القرآن أنهم يعني تأثير لا يمكن أن يرده، لأنه حتى لما قال تفيض أعينهم مادة الفيضان تدل على الكثرة بمعنى أنه تأثر شديد جداً جداً جعله يبكي هذا البكاء الشديد.
الشيخ محمد الخضيري: لا بالعكس يا أبا عبد الملك لم يقل يبكون لأن البكاء فيه صوت ودمع، الدمع أصدق في التعبير عن التأثر من الصوت لأن الصوت يتقنه كل أحد يعني ممكن أنا أتظاهر بالبكاء ولا تدمع عيني لكن العين تفيض من الدمع هذا لا يكون إلا من تأثر حقيقي، ولذلك هذا يدل على مبلغ تأثرهم بالحق واستجابتهم له.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: ألا يمكن أيضاً أن نذكر من فوائد هذه الآية.
الشيخ محمد الخضيري: ما رأيك أن نجعلها في الحلقة القادمة يا أبا عبد الله؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: طيب.
الشيخ محمد الخضيري: نقف عند هذا الحد أحبتي الكرام ونواصل معكم إن شاء الله في حلقة قادمة، نسأل الله الكريم من فضله أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وإلى لقاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.