سورة الأعراف
إسم السورة:
سورة الأعراف سورة مكية وسبق الحديث أن السور المكية تعنى بقضايا العقيدة الكبرى. فهذه السورة العظيمة السورة الطويلة التي توصف بالطولى (الطوليين) وقد ورد هذا في الحديث حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهذه السورة في صلاة المغرب – وهذا خلاف الغالب في صلاة المغرب أنها قصيرة ويقرأ فيها بقصار السور – ولكنه صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يطيل حتى أنه قرأ في صلاة المغرب يوماً هذه السورة وقسمها على ركعتين، الطولى هذا وصف ولكن إسمها المعروف الأعراف وسميت بهذا الإسم لأنه ذكر فيها الأعراف وهو سور بين الجنة والنار وفي هذه السورة أيضاً ذكر أصحاب الأعراف وهم على القول الأرجح قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فكانوا على هذا السور وهذا المكان الذي هو الأعراف بين الجنة والنار ليقضي الله فيهم بما يشاء فسميت السورة بهذا الإسم لأنه لم يرد ذكر الأعراف في القرآن إلا في هذه السورة.
د. عبد الرحمن: قضية قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه السورة في صلاة المغرب الآن بعض الأئمة قد يقول أنا أريد أن أصلي صلاة المغرب بسورة الأعراف اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فما رأيك؟
لا مانع، لكن قد يترتب على هذا مفسدة أو فتنة لأن الناس لم يتعودوا، فإذا أراد أن يطبق هذه السُنة أن يمهّد بحيث يقول اليوم سأقرأ سورة الأعراف فمن أراد أن يصلي معنا فليصلي ومن عنده مستعجلاً أو عنده شيئاً لأنه قد ينتهي قبل العشاء بقليل أو قد يؤذن العشاء وهو لم ينتهي.
د. عبد الرحمن: أذكر أن أحد الإئمة في الرياض كتب إعلاناً على الباب أنه سوف يتم الصلاة يوم كذا بسورة الأعراف في صلاة المغرب.
وتطبيق السنة بين الفينة والأخرى مما ينبغي خاصة للأئمة.
والسورة قد تسمى بشيء ذكر بها تميزت به عن غيرها. والأعراف من العرف وهو الشيء المرتفع هي المكان المرتفع والسور المرتفع ولذلك سمي عرف الديك بذلك لأنه مرتفع. ولذلك ورد في سياق السورة أن هؤلاء أصحاب الأعراف كانوا ينظرون إلى أهل الجنة وأهل النار وهذا يدل على أن مكانهم مرتفع بحيث ينظرون إلى هؤلاء وهؤلاء.
مقصد السورة:
هذه السورة سورة الأعراف تعالج أيضاً قضية العقيدة كما عالجتها سورة الأنعام لكن بوسيلة أخرى وهذا من طرائق القرآن وتفننه في عرض موضوعاته يعرض الموضوع الواحد بعدة أساليب وطرق. كانت سورة الأنعام تؤكز على هذا الموضوع من حيث هو ذكرت قواعد التوحيد وبينت شبه الكفار وضلالاتهم وقررت سفه العرب حتى أن ابن عباس قال من أراد أن يعرف سفه العرب فليقرأ الآيات فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام. هذه السورة عالجت جانب العقيدة من جانب آخر وهو السرد التاريخي لهذه العقيدة منذ أن خلق الله عز وجل آدم وزوجه حواء في الجنة ثم نزولهما بعد ذلك ثم ما حصل بين آدم وحواء من جهة والشيطان من جهة أخرى ثم قصص المرسلين من نوح عليه السلام مع قومه ثم هود مع قومه وصالح مع قومه وموسى وقد فصلت هذه السورة قصة موسى تفصيلاً قد لا يوجد في غير هذه السورة بمثل هذا التفصيل فذكرت العقيدة من حيث تاريخ العقيدة وذكرت الصراع بين الحق والباطل وصراع بين أهل الخير وأهل الشر وبيان أن العاقبة للمتقين الذين قاموا بهذه العقيدة وحققوها وعبدوا الله عز وجل وحده وأن العاقبة لهم وأن العذاب يكون للمخالفين المكذبين وهذا واضح في هذه السورة.
ثم إن القضية الأولى في العقيدة هي قضية الألوهية والعبودية لله عز وجل أو ما يسمى بتوحيد العبادة وهذا واضح في هذه السورة حيث بينته هذه السورة في دعوة المرسلين إلى أقوامهم (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) وما من نبي إلا دعا إلى هذا التوحيد، فقضية التوحيد قضية العبادة ذكر في هذه السورة.
هناك أيضاً توحيد آخر وهو توحيد التشريع وهو نوع من الألوهية لله عز وجل توحيد الحُكم فقد بينت هذه السورة بأن التشريع لله عز وجل وأنكرت على الذين يحرّمون ما أحلّ الله أو يحلّون ما حرّم الله أو يبتدعون أشياء تخالف شرع الله أو يقولون على الله عز وجل بلا علم ولذلك ذُكِر القول على الله بلا علم مع المحرمات الكبار بل جُعل أعلاها حرمة (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (33)) ذكر بعض العلماء أن هذه الآية تدرجت في ذكر المحرّمات الكبار من الأدنى إلى الأعلى فكان القول على الله بلا علم أعظم من الشرك لأن المشرك نفسه يجعل مع الله إلهاً آخر أي أنه يعظِّم الله ويجعل غير الله في منزلة الله تعالى الله عن ذلك، أما القائل على الله بلا علم اسوأ لأنه يجعل نفسه في منزلة مساوية لله وهذا مكمن الخطورة في القول على الله بلا علم لأن الذي يملك حق التشريع والتحريم هو الله عز وجل فمن قال على الله بلا علم أو حلل أو حرم من تلقاء نفسه فكأنه يجعل نفسه مضاهياً لله عز وجل وهذا من أعظم الظلم وأشنع الباطل ولذلك كان القول على الله بلا علم من أقبح القبائح وأشد المنكرات نسأل الله العافية والسلامة.
د. عبد الرحمن: هل يدخل في القول على الله بغير علم تفسير القرآن بغير علم والفتوى بغير علم؟
لا شك، خاصة في هذا حلال وهذا حرام أو الجزم أن هذا مراد الله عز وجل كذا وهو لا يعلم، يعني من تلقاء نفسه بدون أي علم سابق أو اطلاع على القواعد والمؤهلات التي لا بد منها حتى يقول في القرآن. فبعضهم يتجرأ ويقول على الله بغير علم ويقول إن مراد الله كذا حتى المفسرون الذين يفسرون كلام الله عز وجل إنما هم يبينون بقدر الطاقة البشرية ويقولون على وفق أصول وقواعد وضوابط وبعضهم لا يجزم في بعض الأمور المحتملة بأن هذا مراد الله لكن الجزم بأن مراد الله هذا وأنه عنى هذا قضية خطيرة جداً ينبغي على الإنسان أن يحذر منها وخاصة مع انتشار الجهل وقلة العلم فبعض الناس يتجرأ فيقول مراد الله كذا وأن هذا حلال وهذا حرام على غير دليل وعلى غير بينة. وأنكر تعالى على هؤلاء (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (60) يونس) هذه مسألة كبيرة أيضاً جاء ذكرها في هذه السورة وهي من الجوانب الكبرى فيما يتعلق الإعتقاد.
ومن جوانب الاعتقاد أيضاً الرسل وإثبات الرسالات وهذه ذكرت في السورة بطرائق
د. عبد الرحمن: كنت ذكرت بالأمس قضية الأخبار وأنها غلبت على الجانب القرآني في العهد المكي وهذه السورة مصداق لما تفضلت به.
القصص هي أخبارات سابقة وتضمنت إخبارات كثيرة فالواجب علينا أن نقف مع هذه الأخبار ونصدقها وننتفع بما فيها من مدلولات ومعاني. قوله تعالى (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)) هذه إشارة إلى الرسل عموماً وإلى من أرسلوا إليهم ثم جاء ذكر نوح وهود وصالح وشعيب وموسى وكل الأنبياء الذي ذكروا في السورة.
علاقة قصة أصحاب الأعراف بمقصود السورة الذي هو الدعوة إلى العقيدة والتوحيد
هذا من ركائز العقيدة الإيمان باليوم الآخر والإيمان باليوم الآخر أو اليوم الآخر جزء من الاعتقاد لأن من آمن وحقق التوحيد لأن مصيره في اليوم الآخر الجنة والفوز العظيم وهذا الأمر فصلته هذه السورة لأن الله عز وجل فصّل مآل المؤمنين الذين آمنوا وعملوا الصالحات ومآل المكذبين وما لهم والعياذ بالله على شكل حوار رائع بين أصحاب الجنة وأصحاب النار فمن آمن وحقق العقيدة الصحيحة والإيمان في قلبه يكون مصيره الجنة ومن كفر وكذب يكون من أصحاب النار يوم القيامة، أصحاب الأعراف ظهروا في مظهر يظهر ما عليه الإيمان من نعيم في الجنة وما عليه أهل الكفر من شقاء وعذاب (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47))
د. عبد الرحمن: تحدثت أن سورة الأعراف جاءت لتقرير العقيدة فهل يمكن توضيح أساليب تقرير العقيدة في هذه السورة؟
قضايا العقيدة الكبرى التي قررتها السور المكية ثلاث: قضية الألوهية لله عز وجل وقضية إثبات الرسالة الوحي وقضية الإيمان بالله واليوم الآخر والبعث لأن هذه القضايا التي خالف فيها الكفار هي القضايا الكبرى في السور المكية ، فذكرنا قضية الألوهية بجانبيها العبادة والتشريع وقضية إثبات الرسل على وجه العموم ومحمد صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا (158)) فأثبتت هذه السورة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص وأنها رسالة إلى كل الناس وأنها رسالة عامة.
والقضية الثالثة قضية البعث تناولتها السورة في عدة مواضع كما في قوله تعالى (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)) إلى ذكر الجنة والنار إلى غير ذلك من الآيات التي تضمنتها هذه السورة.
أساليب تناول السورة لهذه القضايا تختلف عن سورة الأنعام فعنيت بالجانب التأريخي كأسلوب ظاهر لكن هناك أساليب بالتفصيل قررت هذه القضايا ودعت إليها، أسلوب القرآن بالدعوة إلى هذه القضايا أولاً اسلوب التذكير بالنعم وهذا أسلوب لا تكاد تخلو منه سورة وخاصة السور المكية وأول نعمة هي نعمة القرآن وهي التي بدأت بها السورة ثم نعمة الخلق (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ (11)) إلى غير ذلك وقلنا بالأمس أن نعمة الخلق هي الأصل وهي الابتداء ونعمة التخويف بالعذاب. هاتان الوسيلتان تصلح لكل الناس ولذلك دائماً التذكير بالنعم والتخويف بالعذاب تصلح لكل الناس الصغير والكبير وأنت إذا أردت أن تدعو إلى شيء تذكر بالنعم تذكر بالثواب والتخويف بالعقاب لأن من الناس من يأتي بهذا الأسلوب فيخاف فيخوّف وهذه السورة خوّفت الكفار من النار وذكرت النار (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)) وقال تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)) ثم ترتقي الأساليب إلى أساليب أخرى وأسلوب أعلى وهو أسلوب إقامة الحجة وهذا تميزت به سورة الأنعام. وفي هذه السورة أيضاً فيها إقامة للحجة بطرائق متعددة ومنها الطرائق التي سلكها الأنبياء في دعوتهم لأقوامهم لأنهم كانوا يدعونهم ويقررون عليهم الحجج الحجة تلو الأخرى.
وأسلوب رابع وهو أسلوب دحض الشُبَه وهذا جاء في هذه السورة آيات عجيبة في هذا الباب دحض شبه الكفار (أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (192) وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ (195)) هذه الآيات تنسف قضية الشرك وعبادة غير الله نسفاً (أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (192)) فهذه الآيات دفعت شبه الكفار في عبادة غير الله فحق كل عاقل بعد هذه الآيات أن يعرف أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر فى يعبدها ويعبد الله عز وجل
قصة موسى في سورة الأعراف:
د. عبد الرحمن: ما هي الأشياء التي انفردت بها قصة موسى في سورة الأعراف لأن فصّل ذكر موسى في كثير في سورة طه والشعراء وغيرها لكن ذكر في سورة الأعراف أمور لم تتكرر في غيرها؟
قبل أن نبدأ في قصة موسى وهي جديرة بالوقوف كثيراً أذكر أن الموضوعات كلها التي اشتملت عليها سورة الأعراف جاءت مجملة في أول ثلاث آيات خاصة الآية الثالثة (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3)) هذه الآية الموجزة تبين من هو الذي يجب أن يتبع ومن هو الذي لا يجب اتّباعه (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ) يعني إتبعوا الوحي الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن والسُنة وما اشتمل عليه من العقيدة الصحيحة (وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ) فهذه الآية يمكن أن تكون عنواناً لكل ما ورد في السورة لأنه ورد في السورة الكثير من الأشياء مما أنزلها الله فالواجب علينا أن نتبع ما أنزل الله وأن نتبع العقيدة الصحيحة التي جاءت في هذه الآيات.
د. عبد الرحمن: مثل هذه التنبيهات مطالع السور ودلالاتها وارتباطها وبعضهم يلخص السورة كاملة ثم يبدأ
بعض الناظرين للسور ينظرون إلى المطلع يكاد المطلع يكون هو العنوان وحسن المطلع له تأثير كبير في تلقي ما بعده.
قصة موسى عليه السلام التي وردت في هذه السورة يمكن أن تدخل تحت الطريقة التي تناولت بها السورة قضية العقيدة وقضية التأريخ امتازت القصة في سورة الأعراف بذكر تاريخ بني إسرائيل من البداية منذ أن أرسل إليهم موسى عليه السلام وما كانوا عليه من الذل والاستعباد والهوان ثم لما أنجاهم الله عز وجل فذكر الله عز وجل تأريخهم قبل مجيء موسى عليه السلام وبعد مجيء موسى عليه السلام وأوضح في هذه السورة بعض المخازي التي وقعت منهم والأفعال الشنيعة التي تدل على أنهم بلغوا من السوء مبلغاً لم يشترك معهم أحد من الأمم فيه ولذلك لما أنعم الله عليهم من نعم ما أنعم بها على أحد غيرهم في زمانهم وأنجاهم من فرعون الطاغية الذي كان يستعبدهم ويذلهم ويهينهم إهانة ليس لها نظير فنجاهم الله عز وجل بآية عجيبة عظيمة حيث فلق لهم البحر وأغرق هذا العدو هم ينظرون إليه ومباشرة بعد هذه النعم العظيمة (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)) ماذا تنتظر من أناس بلغوا هذا السوء؟! لا تزال النعمة حاضرة وهم الآن نجاهم الله (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ) وهذا يدل على أن السوء متأصل فيهم وأنهم في الغالب لا يخرجون عن هذه الصفات التي جبلوا عليها من السوء والكفران وهذه الآية فيها إشارة إلى قضية كبرى تتعلق بالخطأ في العقيدة (قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) فسبب الوقوع في هذه المخازي والضلالات هو الجهل فكل بدعة وكل ضلالة إنما هي بسبب الجهل بالله أولاً لأن العلم علمان علمٌ بالله وعلمٌ بأمر الله.
إتصال من أبو مجاهد من السعودية:
وجدت لفتة بلاغية في القرآن لعل لها وجه معجز وأتمنى تعليقكم، تأملت في أسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فوجدت أن جميع اسمائهم تتكون من حروف علّة أو من مدود الألف والوا والياء (نوح، لوط، صالح، هود، إبراهيم) ما عدا إسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فكأن تلك الأسماء التي سبقت محمد صلى الله عليه وسلم امتداد بعضها لبعض حتى وصلت إلى إسم سيدنا محمد الذي ليس فيه مد فكأنه خاتم للأنبياء جميعاً. وكذلك من جهة أخرى أسماء الطغاة وأهل الشر جميع حروف أسمائهم فيها مدود إشارة إلى هؤلاء الطغاة وأهل الشر باقون إلى قيام الساعة. هل هذه صحيحة أم لا؟
أولاً يُشكر الأخ على تأمله واستنباطه وإعمال الذهن والاستنباط في القرآن له فائدة ويخرج الإنسان منه بثمرات كثيرة. القضية الثانية أن سؤاله يدخل تحت جانب لغوي بلاغي وهو ارتباط اللفظ بالمعنى، الألفاظ لها دلائل معينة والأسماء لها دلائل معينة ولا شك في هذا وهذه تكلم عنها الإمام إبن القيم في عدة مواضع سواء في تحفة المودود لما تكلم عن اثر التسمية على المولود وتكلم في عدة مواضع وإمام هذا الباب إبن جنّي في كتابه الخصائص لما تكلم عن ارتباط الألفاظ بالمعاني فلا شك أن هذا مسلك من المسالك اللطيفة التي لا يحسنها كل أحد وفيها دلالات معينة تحتاج إلى تأمل طويل وأنا لم أقف معها حتى أصوّب أو أخطّئ ولعل الأخ يثري هذا ببحث أطول.
د. عبد الرحمن: هناك لفتة ينبغي أن يلتفت إليها الأخ أبو مجاهد هي أن أسماء الأنبياء السابقين كثير منها أسماء أعجمية عندما عُرِّبت جاءت فيها هذه الحروف لكن هل يمكن استنباط هذا أو لا؟
إتصال من الأخ أحمد من السعودية:
الآية في سورة آل عمران (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)) لو كان المقصود بهم اليهود أو أهل الكتاب الذين آمنوا بالله ورسوله ودخلوا في مسمى المؤمنين لما قال (وما يفعلوا) ولقال (ما فعلوا من خير) في الماضي لأنهم الآن في المستقبل أو الحاضر لا يقبل منهم إلا الإسلام فلماذا جاء التعبير بالفعل المضارع (ومن يفعلوا من خير فلن يكفروه)؟
الذي يظهر والله أعلم، السياق في الآية يدل على أنهم طائفة من أهل الكتاب آمنوا وحققوا الإيمان والمؤمنون من أهل الكتاب على نوعين منهم من آمن قبل محمد عليه الصلاة والسلام وكان محققاً لما في وُصِف به في الآيات (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)) وطائفة منهم آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مجيئه وهم مؤمنات أهل الكتب فهؤلاء لهم الأجر مرتين. (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ) واضح أن الضمير يعود على السابقين المذكورين في الآيات فهم طائفة من أهل الكتاب آمنوا فقال الله (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ) وما يظهر أن (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ) لا بد أن يكون فعلوا من خير في الماضي لأن (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ) يصلح أن يكون في المضي.
د. عبد الرحمن: ألا يدخل فيها معنى آخر قد يجيب على سؤال الأخ أحمد وهو أن اليهود والنصارى يجازيهم الله تعالى على أعمالهم الحسنة من بر ومعروف وإغاثة ملهوف في الدنيا
حتى في الآخرة من آمن منهم. وهذه قضية يلفت إليها القرآن في مواضع، لما ذمّ الله اليهود في سورة البقرة (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (61)) يظن الظانّ أنهم كلهم هكذا ولكن قال تعالى بعدها (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62)) فالحكم ينبغي أن يكون بعدل فليس كل أهل الكتاب السابقون كفروا بل منهم من آمن وله جزاؤه في الدنيا والآخرة.
سؤال الحلقة
في الجزء السابع آية عدّ العلماء مطلعها من الأمثال المرسلة وقال ابن عباس رضي الله عنه في معناه لكل خبر وقوع ولو بعد حين فما هي الآية؟
————————————–
رابط جودة عالية
http://ia360708.us.archive.org/2/ite…i7/tafser7.AVI
رابط جودة متوسطة
http://ia360708.us.archive.org/2/ite…7/tafser7.rmvb
رابط للجوال
http://ia360708.us.archive.org/2/ite…ser7_512kb.mp4
رابط صوت