برنامج التفسير المباشر

التفسير المباشر – رمضان 1431 هـ – سورة المؤمنون

اسلاميات

الحلقة 23

ضيف البرنامج في حلقته رقم (117) يوم الخميس 23 رمضان 1431هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور مساعد بن سليمان الطيار الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود .

وموضوع الحلقة هو :

– علوم سورة المؤمنون .

– الإجابة عن أسئلة المشاهدين حول الجزء الثالث والعشرين من القرآن الكريم .

————————-

سورة المؤمنون

إسم السورة

د. مساعد: هذه السورة سورة المؤمنون هذا هو الإسم المعروف لها وبعض قد يقول المؤمنون والبعض يقول المؤمنين والخلاف في هذا لا يؤثر على إسم السورة. وهذا الإسم هو الذي اشتهر منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم إلى اليوم وقد تسمى سورة (قد أفلح) أو سورة الفلاح ولكنها تسمية نادرة جدًا ولم ترد إلا عند بعض المتأخرين وهذا يُشعر بأن هذه التسمية تسمية من جهة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد سبق التنبيه على مثل هذا الضابط أنه إذا لم يعرف للسورة في عهد الصحابة رضي الله عنهم بالذات إلا إسم واحد ويتداول بينهم فهذا يشعر أنه قد تلقي من الحضرة النبوية وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نطق بهذا الإسم. ولهذا يبحث عن سر هذه التسمية وهي تسمية هذه السورة بـ (المؤمنون) ونجد في أول آية قول الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)) ظاهر سبب التسمية أنها أخذت من أول السورة.

د. عبد الرحمن: تعليق إذا أذنت لي هو أنك قلت يجوز أن تقول سورة المؤمنون وسورة المؤمنين، توضيح للمشاهدين أنه إذا قلت سورة المؤمنون تقصد بها الحكاية كما يقول النُحاة وإذا قلت سورة المؤمنين فأنت أجريت عليه حكم المضاف إليه. وأذكر للفائدة رحمه الله الشيخ طاهر الجزائري له كتاب إسمه التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن على طريق الإتقان، كتاب حققه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تكلم في فصل طويل عن كيفية إعراب أسماء السور

د. مساعد: الشيخ طاهر رحمه الله تعالى كتبه نفيسة وكان صاحب فوائد ودرر ولهذا أنصح بقراءة هذا الكتاب وكتابه توجيه النظر في مصطلح الحديث. قلنا لماذا؟ الغالب حكاية هي سورة المؤمنون لكن بعض من كتب في تفسير السورة أو بعض كتب السنة قال سورة المؤمنين على الأصل الإعرابي وإلا في الغالب الحكاية سورة المؤمنون.

لو تأملنا موضوعات السورة سنجد أنها بالفعل منصبة على الإيمان وما يقابله.

وقت نزول السورة

د. مساعد: السورة مكية باتفاق وبما أن السورة مكية فمعنى ذلك أنها ستتحدث عن القضايا المرتبطة بالعقائد الكبرى التي كان يناقش فيها أهل مكة بالذات.

د. عبد الرحمن: وهذا مر معنا في السور المتقدمة سورة يونس وسورة هود أغلبها تتحدث عن قضايا العقيدة

د. مساعد: أغلب السور المكية تتحدث عن قضايا العقيدة وركائز العقيدة المعروفة قضية الألوهية والربوبية وما يتعلق بها من أسماء الله وصفاته، قضية الوحي وما يتعلق به، المرسِل وهو الله سبحانه وتعالى والرسول الأول جبريل والمرسل إليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم والرسالة وهو القرآن تتحدث عن كل هذه الأمور عن البعث قضية التوحيد وإثبات البعث قضايا كلها تجدها في السور المكية لكن هذه السورة ستأخذ جانبا معينا وهو ما يرتبط بقضية الإيمان يعني آمنوا ولماذا لا تؤمنوا؟

موضوع السورة:

الإيمان وصفات المؤمنين وصفات من يقابلهم من أهل الكفر وستجد أنها ذكرت وبشكل سريع جدًا مجموعة من الأنبياء إشارة إلى قضية الإيمان والعبادة فقط يعني اتقوا الله واعبدوا الله هذه مجرد إشارات وتذكير لأهل مكة بهؤلاء الأقوام الذين كذبوا أنبياءهم وما آل أمرهم إليه. أيضًا حديث مباشر عن الكفار أنفسهم وسيأتي كلامهم واعتزازهم بالحرم المكي وكونهم أهل بيت الله وكانوا يجعلون هذا نوع من القربة لهم كأنهم يجعلون بينهم وبين الله نسبًا كونهم أهل الحرم فالله سبحانه وتعالى عاب عليهم هذا الأمر كيف تكونوا أهل الحرم أهل بيت الله وأنتم تعرضون عنه ولا تؤمنون به ولا برسوله.

د. عبد الرحمن: لف نظري نلاحظ في القرآن الكريم أن سورة المؤمنون 118 آية وفيها تفاصيل عن الإيمان لعلنا نتطرق إليها وسورة الكافرون سورة قصيرة كانت واضحة في المفاصلة والولاء والبراء وسورة المنافقون خصصت للحديث عن المنافقين فكأن كل فئة من الفئات التي كانت ذات موقف من الوحي خصصت بسورة المؤمنون والكافرون والمنافقون.

د. مساعد: هذا ملحظ جيد لكن لا يأتي واحد ويقول أين أهل الكتاب؟!

د. عبد الرحمن: هناك بعض السور مثل سورة البقرة وسورة آل عمران وغيرها

د. مساعد: لكن من دون تسمية. ملحظ آخر بما يتعلق بتناسب السور وهذا أيضًا من الأشياء التي يحسن أن يعتنى بها وإن كان كما هو معروف قد يقع فيه نوع من التكلف أو عدم إدراك السرّ وسواء قيل ترتيب السور توقيفي أو اجتهادي أيّا ما كان فإنه لا يمنع من البحث عن علة المناسبة

د. عبد الرحمن: لأن فعل الصحابة على بينة

د. مساعد: نعم على بينة، لو قيل مع أن الصواب الأرجح أنه توقيفي. لو تأملنا آخر سورة الحج في قول الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)) ثم قال بعدها (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ (78)) ستجد أن الصحابة قد طبقوا هذه الأوامر فكأنه جاء جواب لآخر هذه السورة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) إخبار أن هؤلاء الذين أمروا بهذا الأمر قد طبقوا هذه الأوامر فماذا حصل؟ أعطاهم الله هذا الجزاء. لما تأتي هذه الآيات المبشرات (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) إذا جاء إنسان في حالة قنوط في حالة يأس في حالة ضعف تقول له ألست تؤمن؟ ألست تصلي؟ ألست كذا؟ يقول بلى، قل إسمع هذا الخبر (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) مؤكد هذه براعة استهلال إخبار من الله سبحانه وتعالى أنه قد جعل الفلاح للمؤمنين قال (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) فهي واضحة جدًا ولا تحتاج الإنسان أن يشك فيها طرفة عين. ولهذا بدأ يذكر صفات هؤلاء المؤمنين.

د. عبد الرحمن: إسمح لي أن أناقشك في مسألة المناسبات بين السور وما يكتبه المفسرون في كتب التفسير تلاحظ أن المتقدمين لم يكونوا يعتنون بهذا مثل الصحابة والتابعين أو لم يُحفظ عنهم في كتب التفسير ذلك ثم جاء بعض المتأخرين وبدأوا يكتبون في هذا مثل الرازي وغيره واذكر كلامًا جميلًا للرازي عندما قال وإنما “هو أمر معقول إذا عُرِض على العقول تلقته بالقبول”. هل برأيك هناك ضابط يمكن أن نقول هذه مناسبة مقبولة وهذه مناسبة أفضل من هذه وهذه مناسبة لا يؤتى بأفضل منها؟ لأن البعض يقول أنت جئت الآن بمناسبة فيقول هذه مناسبة غير صحيحة ويأتي بمناسبة يرى هو أنها أصح فيقع الاختلاف

د. مساعد: المناسبات متعددة طبعًا أنا جئت بنوع من أنواع المناسبات وإلا هي متعددة جدًا. وأنا أتيت بمناسبات لفظية معنوية من جهة الألفاظ، (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) هذه لفظية ومعنوية أن هناك أوامر لهؤلاء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) فكأنه حصل منهم هذا فقال قد أفلح هؤلاء الذين ذكرتهم في آخر السورة. هذه مناسبة معنوية فالمناسبات متعددة لكن أحيانًا بالفعل يظهر لكثير من المتأملين أن هذه المناسبة فيها نوع من التكلف فالمسألة مبنية دائمًا على الاجتهاد يقع فيها منازعات

د. عبد الرحمن: هل هناك ضوابط تذكرها في بعض الكتب؟ أوليست المسألة جديرة أن يوضع لها بعض الضوابط؟

د. مساعد: لا شك. أنا أذكر “كتاب الإعجاز البياني في ترتيب سور القرآن وآياته” وهذا الكتاب ما دمنا على الهواء أعرته لا أدري لمن ولعله يسمع ويعيده، وهذا كتاب أنفس ما كتب في هذا الموضوع وجاء بجميع أنواع المناسبات اللفظية والمعنوية والسياقية ورتبها وكتب عنها وأفضل ما كتب في نظري في هذا الباب وطبعًا هناك كتب علوم القرآن مثل البرهان للزركشي كتب مجموعة من أنواع المناسبات هي موجودة بين مناسبة خاتمة السورة وأول السورة

د. عبد الرحمن: والسيوطي له كتاب إسمه “أسرار المطالع والمقاطع” بين مطلع السورة وخاتمتها

د. مساعد: وله أسرار ترتيب القرآن الذي سمي هكذا وأيضًا في ترتيب السور لعبد الله صديق الغماري في تاسب سور القرآن وأبو جعفر بن الزبير الغرناطي وهو من علماء القرآن له كتاب تناسب سور القرآن حققه الدكتور سعيد الفلاح هناك مجموعة من الكتب في هذا يمكن الرجوع إليها ولعل بعض الإخوة يجتهد في استنباط أشياء في المناسبات غير هذه وهو لا شك باب مفتوح. ولعلي أشير إلى اصل وإن كان الحديث فيه كلام عند بعض المحدثين وهو حديث إبن عباس لما قال لما عمدتم إلى سورة التوبة فجعلتموها بعد الأنفال ولم تجعلوا بينها سطر بسم الله؟ وجواب عثمان يشير إلى المناسبة لأنه قال وجدت إن قصتها شبيهة بقصتها فجعلتها فيها فهذا إن صح فإنه أصل في مراعاة المناسبات.

د. عبد الرحمن: نعود إلى بداية سورة المؤمنون وحديثها عن صفات المؤمنين هنا عندما قال (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)) وسبق أنه في أكثر من حلقة تنبيه إلى أن الله تعالى يذكر الصفات مثلا يقول (إن الأبرار لفي نعيم) للإشارة إلى أن هذا النعيم بسبب بِرِّهم (وإن الفجار لفي جحيم) بسبب فجورهم وهنا نفس القضية (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) إشارة أن فلاحهم بسبب إيمانهم ولذلك يزيد فلاحهم بزيادة  هذه الصفات، هذه الصفات هل من حكمة في ترتيبها بهذه الطريقة؟

د. مساعد: لا شك أن هناك حكمة، (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)) وبعدها بآيات قال (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)) ثم قال بعدها (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)) كرر الصلاة مرتين لكن بوصفين مرة ذكرها بالخشوع ومرة ذكرها بالمحافظة فمثل هذا لا شك يستوقف القارئ. لما قال (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) هنا خصّ صفة الخشوع ما يدل على أهمية صفة الخشوع معنى ذلك أنه قد تداوم على الصلاة لكن لا تخشع فيها فتقديم صفة الخشوع على المداومة والفصل بينهما بمجموعة من الصفات دل على أن هذا الخشوع جنس والمداومة جنس آخر لا يلزم أنهما مع بعض دائما يعني كل ديمومة لا يلزم منها الخشوع لكن الخشوع هو من لوازم المحافظة والديمومة

د. عبد الرحمن: نعود للحديث حول هذه السورة، نعود للحديث عن الصلاة، الله سبحانه وتعالى ذكر أول صفة من صفات المؤمنون قال (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) ثم بعد أن ذكر عدة صفات قال (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) أريدك أن تضيف في هذه الفائدة أن هناك أمر بالإقامة وهناك المحافظة وهناك الخشوع في الصلاة

د. مساعد: هناك رسالة في الصلاة للدكتور فهد الرومي وهي “الصلاة في القرآن” وأيضًا هناك رسالة في الصلاة في القرآن رسالة ماجستير أو دكتوراة موجودة اطلعت عليها في الملتقى وهي موجودة على ملف بي دي أف يمكن مراجعتها. قضية الصلاة وأهمية الصلاة وعظم الصلاة الأمر فيه يطول لكن من هذا الوصف الذي أمامنا الآن لما قال (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) لا بد أن يتأمل المسلم في صلاته هل هو بالفعل يحقق هذا الوصف أو لا؟ لما قال سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)) وهذا الوصف ورد أيضًا في سورة المعارج (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)) (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) المعارج)

د. عبد الرحمن: دائمون مثل محافظون

د. مساعد: نعم هذه أحد الأقوال فيها فالمعنى هذا معنى المحافظة لا شك أنه وصف لكنه ليس الوصف الأعلى والوصف الأعلى هو قضية الخشوع. ولهذا لا بد من التركيز على وصف الخشوع ومعرفة أسباب الخشوع وحضور القلب في الصلاة لأننا كثيرًا ما نصلي ونسهو في صلاتنا لهذا لو تأملنا قول الله تعالى (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الماعون) معنى أنهم لا يحافظون عليها وليس المراد السهو بالصلاة كما هو معروف فأحد أسباب عدم الخشوع هو عدم المحافظة على الصلاة لكن المحافظة على الصلاة هي طريق من طرق الخشوع لكن لا بد أيضًا من إضافة طرق أخرى

د. عبد الرحمن: ولا بد من مجاهدة النفس وتربيتها

د. مساعد: لا شك وخاصة في رمضان فرصة عظيمة جدًا جدًا لتربية النفس على الخشوع بحيث أن المسلم يصلي التراويح فيستحضر مع الإمام الآيات ويحاول أن يتأمل في الآيات ويقرأها ويفكر فيها فإذا مر بآية عذاب يتعوذ وإذا مر بآية رحمة يطلب الله سبحانه وتعالى سيجد أنه بدأ بمرحلة الخشوع أما حال كثير من الناس وحالنا نسأل الله أن يرفع عنا ذلك حال الإنسان الذي يكثر السهو في صلاته.

د. عبد الرحمن: صفات المؤمنين في هذه السورة كل واحدة تستحق أن نفردها بحديث لكن نكتفي بما ذكرنا. يلفتني في قوله (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ (68)) ما دام تحدثت عن التدبر في القرآن والخشوع فيه فهو باب من أبواب الخشوع في الصلاة الآن تدبر القرآن الكريم الذي يقرأه الإمام في الصلاة هو طريق من طرق الخشوع في الصلاة لأن بعض الناس يدخل في الصلاة ثم ينشغل بأمور دنيوية ببيت يشتريه أو بسيارة وأمور الدنيا ما أكثرها لكن لو اشتغل بتدبر الآيات التي يقرأها الإمام والتأمل فيها لكان هذا معينًا له بإذن الله على الخشوع في الصلاة.

د. مساعد: هذا صحيح، معرفة المعاني من أكبر وسائل الخشوع سواء معاني الآيات أو معاني الأحاديث التي يذكرها الإنسان في صلاته والأذكار المرتبطة بالصلاة في وسط الصلاة نغفل عنها ونغفل عن معانيها لهذا الإنسان يرددها مجرد ترداد دون أن يكون لها حقيقة في قلبه. الآيات هي استوقفتني كثيرا من قوله تعالى (قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (66)) الآيات تتحدث عن أهل مكة كما هو ظاهر قال بعدها (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)) وفي قرآءة تُهجِرون ثم قال (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) لو تأملنا الآيات تتحدث عن أهل مكة وعن موقف أهل مكة من النبي صلى الله عليه وسلم ومن القرآن ومن الحرم لأنه قوله (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ) كلام السلف على أن الضمير في (به) يعود إلى الحرم (وأنتم تسمرون في الحرم وأنتم تهجرون في قولكم) تهجرون القرآن أي تعرضون عنه أو تُهجرون يعني تقولون الفحشى والسبّ قراءتان ولكل قرآءة معنى

د. عبد الرحمن: معاني لا تتعارض وإنما تتوافق

د. مساعد: بل هي متوافقة هذه مع تلك. الله سبحانه وتعالى ينعي عليهم هذا الوصف يعني مستكبرين أنتم في حرم الله وتتكبرون على ذكر الله وتعرضون عنه وتقولون الهجرى من القول ولذا قال (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) المقصود به القرآن. الآن لما يقول لهم (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) هذا واضح أنهم يفهمون هذه المعاني التي تليت عليهم (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف) فكون الله سبحانه وتعالى أنزله بلسان عربي مبين واضح فمثل هؤلاء ما كانوا يحتاجون أن يبين لهم فهم يعرفون معانيه فطُلب منهم التدبر لأنهم يعرفون المعنى ولهذا أنا أنبه أن بعض من يتكلم في التدبر يضع قاعدة أن التدبر للعامة والتفسير للعلماء وهذا يحمل شيء من المناقضة وإنما الصواب أن نقول إن التدبر لا يمكن إلا أن يكون بعد فهم المعنى التي هي وظيفة التفسير فليس هناك انفصال بين التفسير والتدبر لا يمكن للإنسان أن يتدبر شيئًا لا يفهم معناه وإنما يتدبر فيما يفهم معناه فنقول له تدبر فيما تعرف معناه فإن جهلت المعنى فاسأل عنه فإذا فهمته تدبره، هذا هو الصواب في هذه القضية.

د. عبد الرحمن: الحقيقة حتى التفسير هو باب من التدبر وإلا نحن مولعون الآن بأننا نفصل بين المصطلحات فصلًا وإلا المسألة متقاربة

د. مساعد: هذا ملحظ جميل أننا في بعض الأحيان نريد أن نضع حدّا فاصلًا نقول هذا تفسير وهذا تدبر ويصعب في بعض الأحيان. وما دام أنك ذكرت هذا أنا أرى أن موضوع المصطلحات موضوع مهم جدًا والبعض يتهاون به يقول لا مشاحة في الاصطلاح وهذا ليس بصحيح هذه القاعدة ليست صحيحة على إطلاقها بل هناك مشاحة في الاصطلاح أحيانًا ولذلك أنا أرى أن نفكر في مصطلح “فهم القرآن” فهو أوسع دلالة من تدبر القرآن ويدخل فيه التدبر والتفسير والاستنباط، وهذا المصطلح “فهم القرآن”

د. عبد الرحمن: وهذا عنوان كتاب الحارث المحاسبي

د. مساعد: لو قرأت كتاب الحارث المحاسبي تجد أنه يتكلم عن قضايا مرتبطة بعلوم القرآن وتفسيره وهو يجعلها من باب فهم القرآن ولهذا يكثر عنه عبارة “من عقل عن الله كلامه” فبما أننا نحن الآن نجتهد أو نحرص على أن نبرز أو نقدم هذا القرآن للناس فأرى أن نقدم لهم القرآن كما قدمه السلف لما جاء من الأمم نقدمه نحن كذلك فلا نخصصه في جزء دون جزء بل يكون عندنا النظر الشمولي وما يرتبط بفهم القرآن على الوجه الأعم، هذا في نظري أولى لأنه لما نقول التدبر التدبر يحتاج إلى علماء ما يكفي فيه النظر الأولية، كل واحد يتدبر على مستواه لكن إذا أردنا التدبر الحقيقي الذي يبنى عليه أشياء فيجب أن ننتبه أنه هناك أشياء لا يتدبرها إلا العلماء

د. عبد الرحمن: يتفاوت فيها الناس والعبرة ربط الناس بالقرآن الكريم وجعله منهج حياة وكلٌ بحسبه

د. مساعد: الغاية التي نريدها يجب أن تكون الوسائل إليها صحيحة فوصول بعض الناس إلى هذه الغاية بطرق غير صحيحة لا يعني أن الطرق التي وصولوا إليها صحيحة ووصولهم إلى بعض الطرق التي قد يكون فيها إشكال لا يعني أن هذه الطريقة صحيحة فإنه يلزمنا نحن الطريقة الصحيحة كيف تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع هذا الكتاب وعلمه لصحابته وكيف علمه الصحابة لمن جاء بعدهم هذه هي الطريقة المثلى فنحن نحاول أن نتتبعها ونبحث عنها ونعلمها للناس.

د. عبد الرحمن: هناك لفتة أريدك أن تعلق عليها، في هذه السورة ذكر الله تعالى قصة نوح عليه الصلاة والسلام ثم ذكر رد قومه (فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (23)) ثم جاء بعدها فذكر قصة نبي لم يذكره فقال (ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (32)) لم يحدد الله في هذا المقطع من هم هؤلاء القوم؟ ومن هو هذا النبي؟ وهذا سؤال ورد في ملتقى أهل التفسير وهو سؤال وارد في كتب التفسير، من هم هؤلاء القوم؟ وهل من حكمة في إبهامه؟

د. مساعد: إذا كان بالفعل هو موضوع الإيمان ومن يقابله بالفعل هو موضوع السورة فالمسألة واضحة جدًا أن المراد الإشارة بالعبرة بهؤلاء القوم الذين أنكروا رسولهم وكفروا به فوقع عليهم العذاب هذا هو المراد والله سبحانه وتعالى يخبر بخبره الصادق ولهذا هو خبر ثقة بل هو أوثق الأخبار وإلا ما كان الله احتاج في هذا الخبر أن يقول تثبتوا منه هل وقع أو لم يقع، هو يقول هذا حصل وانتهى. لو تأملنا لفظة الصيحة التي وردت في آخرها، الصيحة هي التي جعلت البعض يقولون هم قوم شعيب لأنهم عذبوا بالصيحة وآخرون قالوا قوم ثمود عذبوا بالصيحة فهل هم هؤلاء أو غيرهم الله أعلم فالإبهام هنا مقصود لأن العبرة متحققة أنهم قوم أرسل إليهم رسول فكفروا برسولهم فعاقبهم الله بالصيحة من يكون هؤلاء القوم؟ الله أعلم فهذا الإبهام يبدو لي أنه مقصود، يحتمل هذا ويحتمل هذا والله أعلم. ولهذا يأتي بعده في قوله سبحانه وتعالى (فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ (32)) إلى أن جاء إلى موسى وهارون وهذا الفصل الطويل يعطي فرصة في احتمال أكثر من نبي.

د. عبد الرحمن: من فوائد الإبهام في القرآن الكريم أن العبرة تتحقق دون التنصيص على شخص ولذلك تلاحظ سورة المنافقون سورة التوبة تحدث القرآن الكريم عن المنافقين كثيرا في القرآن لكن لم يذكر أي واحد باسمه وهذا مطلب وها معناه أن المسألة ليست متعلقة بالأسماء وإنما بالأوصاف.

د. مساعد: بقي ملحظ في آية التدبر لما قال (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (69)) نقف عند القول والرسول وهذه نستفيد منها الآن، الآن مع الأسف نجد أن بعض الناس يعرض عن الحق لأنه جاءه من فلان، مجرد أن يسمع قال فلان يلغي الاستقبال عنده مباشرة ولهذا نقول يجب على المسلم أن يكون دائمًا يدور مع القول مع الحق الله أعطاك علما وعقلا فتأمل قد يكون عندك الخطأ وأنت لا تدري وكذلك خصمك قد يكون عنده الخطأ ولا يدري فتأمل في القول وليس في الشخص. لكن الله سبحانه وتعالى قال (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ) هل هذا الرسول لا تعرفونه؟ لو كان جاءهم من خارج ديارهم من خارج مكة وقالوا هذا القول يمكن أن يُعذروا لكن إنسان عاش معكم أربعين سنة (وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ (22) التكوير) مصاحب لكم معروف وما كان يتكلم بهذا الكلام فكأن الله سبحانه وتعالى ينعى عليهم هذا الأمر لكن التركيز على قضية القوم هذه قضية مهمة. ولهذا نلاحظ أن المحققين من العلماء إذا جاؤوا يناقشون بعض الأقوال لا يذكرون أسماء من قال بها في بعض الأحيان يذكروا القول وينتقدوا يعني يقول وقال بعضهم كذا مع أننا نحن في بعض الأحيان نتمنى راجع رسالة الخطابي في بيان إعجاز القرآن لما تأتي إلى الخطابي يذكر أقوال أقوام يذكر القول مجرّدًا عن من الذين قال به نحن تاريخيا يفيدنا الآن لو قال قال فلان نربط قضايا تاريخية لكن نحن فقدنا هذا الجانب من المعلومة وبقي الكلام فصرنا الآن نقرأ كلام الخطابي ونقرأ النقل الذي نقله ونقرأ نقد الخطابي ونحكم بعقولنا وليس عندنا أي تحيّز. وتعجب من بعض الناس عندما تقول ما رأيك بهذا القول؟ أو تنتقد قولا معينا يقول لك المفترض أن تقول من الذي قال به وهذا ليس لازمًا لأنك تريد أن تعرف هذا القول هل هو صواب أو غير صواب نحن مشلكتنا مقوماتنا من قال به؟ لو قلنا قال به فلان إذن هو حق وهذا ليس صحيحًا وهو ليس معصومًا.

د. عبد الرحمن: لكن هناك قرائن عندما تقول قال فلان وأنت تعرف مكانته في العلم تضعه في مكانه ثم تختبره بطريقة معينة مثل إذا قلت قال ابن تيمية او الطبري ليس مثلما قال شيء مجهول. أريد أن أنبه إلى فائدة في قوله تعالى (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ) في هذه الاية فائدة أن الجهل بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والجهل به من أسباب تكذيبه ولذلك الآن هذه الآية تصلح للشيخ عادل الشدّي في التعريف بنبي الرحمة لأن التعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة سنته ومعرفة تفاصيل حياته عليه الصلاة والسلام مما يزيد في الإيمان لأن الجهل به يودي إلى التكذيب به والاستهزاء بسنته.

د. مساعد: نحن بحاجة إلى برامج في بيوتنا ومدارسنا وفي مساجدنا برامج مرتبطة بهذا النبي الكريم في سييرته وشمائله وخصائصه وكل ما يتعلق به لأننا نحن نجهل أشياء كثيرة لما تقول لأحد خاتم النبي الذي كان يلبسه في أي إصبع؟ من اي شيء هو؟ ماذا كان مكتوبًا فيه؟ فمعرفة شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بها من الأمور أرى حقيقة أنه من الأمور اللازمة التي نعرف به النبي صلى الله عليه وسلم ونعرِّف به.

سؤال الحلقة

قال تعالى في سورة الصافات (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)) فكم قرآءة وردت في كلمة (عجبت)؟.


الحلقة الثانية و العشرون
سورة الحج
***********alt


رابط جودة عالية
http://ia360701.us.archive.org/4/ite…3/tafsir22.AVI

رابط جودة متوسطة
http://ia360701.us.archive.org/4/ite…/tafsir22.rmvb

رابط للجوال
http://ia360701.us.archive.org/4/ite…ir22_512kb.mp4

رابط صوت
http://ia360701.us.archive.org/4/ite…3/tafsir22.mp3

روابط الحلقة كاملة على موقع مشاهد

http://www.mashahd.net/view_video.ph…b83cac577a94e3