برنامج التفسير المباشر
الثلاثاء 2/9/1429هـ
د.عبد الرحمن:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين…
أيها الإخوة المشاهدون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحباً بكم في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات برنامجكم اليومي التفسير المباشر، في هذه الحلقة سوف نتناول الجزء الثاني من أجزاء القرآن الكريم، ويسعدنا أن نتلقى اتصالاتكم واستفساراتكم حول هذا الجزء على وجه الخصوص على الهواتف والأرقام التي تظهر تباعاً على الشاشة ويسعدني في بداية هذه الحلقة أن أرحب بكم وأرحب بضيفنا في هذه الحلقة وهو فضيلة الشيخ الدكتور/ محمد بن عبد العزيز الخضيري الأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود والمتخصص في الدراسات القرآنية حياكم الله يا دكتور محمد.
د.محمد: حياكم الله.
د.عبد الرحمن: وأهلاً وسهلاً بك في هذا البرنامج الذي نناقش فيه كل يوم جزء من القرآن الكريم، ما يتعلق بمسائله وغريبه، وما يسأل عنه الإخوة المشاهدون، وتعودنا يا دكتور محمد قبل أن نبدأ ونشرع في تفسير الجزء أو الحديث عن بعض القضايا البارزة فيه أن ننوه ونبين أبرز الموضوعات التي تناولها هذا الجزء حتى يكون الأخ المشاهد على بينة من موضوعات هذا الجزء على وجه الاختصار.
وأبرز الموضوعات التي اشتمل عليها الجزء الثاني -والجزء الثاني يبدأ من الآية الثانية والأربعين بعد المائة من سورة البقرة وينتهي عند الآية الثانية والخمسين بعد المائتين من سورة البقرة فيعني الجزء الثاني كله في سورة البقرة- أبرز الموضوعات هي:
· حادثة تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام في مكة المكرمة وبيان عناد أهل الكتاب في هذه المسألة.
· الموضوع الثاني فضل الصلاة والصبر على البلاء والشهادة في سبيل الله.
· الموضوع الثالث ذكر شعيرة السعي بين الصفا والمروة وجزاء كتمان ما أنزل الله من العلم.
· والموضوع الرابع بيان وحدانية الله ومظاهر قدرته.
· الموضوع الخامس فضل عبادة الله وشكره وبيان خصال البر المكملة للإيمان ليس البر… الآية
وأبرز الموضوعات آخرها:
· تشريع القصاص والوصية وصيام رمضان وما يتصل به وتفصيل أحكام الحج والعمرة وغير ذلك من الأحكام.
يعني هذه أبرز الموضوعات يا دكتور محمد التي اشتمل عليها الجزء الثاني من القرآن الكريم، ونحن في هذا اللقاء بإذن الله تعالى سوف نتوقف أنا وإياك مع الإخوة المشاهدين، حول قضايا بارزة في هذا الجزء وهي كما تلاحظ قضايا مهمة جداً، وسورة البقرة تحدثنا أمس عن مقدمة عن سورة البقرة في الجزء الأول مع ضيفنا أمس الدكتور مساعد الطيار، واليوم لعلنا نواصل يا دكتور محمد حول هذه القضايا ولتكن البداية بتحويل القبلة وهي أول الجزء فتفضل حياك الله.
د.محمد: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه
نسأل الله أن يجعل هذا العمل مباركاً نافعاً للمسلمين وأن يجعله من التدارس المشروع لكتاب الله وحتى إخواننا المشاهدين الذين الآن ينظرون إلينا خلف هذه الشاشات نسأل الله — أن يجعلنا وإياهم في مدرسةٍ واحدة نتدارس كتاب الله ونظفر بهذه الأجور العظيمة التي ذكرها النبي –، فقال: ((وما اجتمع قوم يتلون كتاب الله)) وفي رواية: ((في بيت من بيوت الله)) هذا هو أفضل مكان ولكن في الرواية الأخرى مطلقة: ((ما اجتمع قوم يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)) فنحن نرجو أن نكون وإخواننا المشاهدين من أهل هذا الحديث قد جمعنا هذه الخصال الأربع وغيرها من الخصال التي وردت فيها أحاديث أخرى.
جواباً على سؤالك فضيلة الدكتور عبد الرحمن حول موضوعات هذا الجزء يمكن أن أستفتح وأقول هذا الجزء هناك تحول في سورة البقرة يبدأ التحول في سورة البقرة من مجادلة الكفار من اليهود والمشركين والمنافقين، وبيان عوارهم، وكشف خصالهم وأخلاقهم، إلى ذكر شرائع الإيمان فكأنه بعد ما انتهى من الخصومات وبعد ما انتهى من الإقناع وبيان أدلة الوحدانية ومناقشة هؤلاء الذين يكذبون رسول الله وينكرون نبوته ويحاولون أن يعكروا عليه بعض ما أنزل الله إليه وأوحى إليه من الشرائع تنتقل لسورة سلسة عجيبة جداً إلى ذكر الشرائع يوم أن قال: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة:177]، فكأن هذا الميدان الذي سنتحدث فيه هو ميدان التحول من فسطاط إلى فسطاط آخر، ومن موقع إلى موقع آخر، فلينتبه القارئ لهذه السورة العظيمة التي افتتحت بذكر أصناف الناس ومحاجة الكفار وخصومتهم وبيان أدلة الوحدانية وغيرها إلى أننا الآن بدأنا ننتقل إلى ذكر الشرائع وتفصيلها فانتبهوا يا أهل الإسلام هذا هو قدر الأمم السابقة وهذا هو عنادهم وتلك هي أخلاقهم وخصالهم فنحن الآن نذكر لكم ما يجب عليكم أن تقوموا به وأن تمتثلوه وأن تسمعوا له وأن تطيعوه فيبدأ ذكر هذه الأمور.
حتى بالمناسبة يا دكتور عبد الرحمن ذكر تحويل القبلة جاء في موطن الخصومة مع هؤلاء والحجة عليهم، وذكر الصلاة والسعي بين الصفا والمروة أيضاً جاء في هذا الموطن: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا[البقرة:158]، لأن من الصحابة تحرجوا من الطواف بهما لأنه كان عليهما أصنام فقالوا: كيف نطوف بين صنمين، فقال الله — هذا المشعر من مشاعر الله، وليس من مشاعر أهل الكفر ولا أهل الجاهلية فطوفوا بينهما فإن المشركين قد اعتدوا عليهما فنصبوا فوق المروة أو فوق الصفا صنمين ليطوف الناس بينهما فلا حرج عليكم في الطواف بينهما لأنهما من شعائر الله.
د.عبد الرحمن: جميل جدا.
د.محمد: ثم بعد ذلك طبعاً جاءت هذه الموضوعات التي تفضلت بذكرها وهي الحقيقة ميدان واسع لو أردنا أن نخصص لكل قضية من هذه القضايا حلقةً ما كفاها.
يعني صوم رمضان مثل آيات الصيام لم ترد في غير هذه السورة لو أردنا أن نتحدث عنها أظن أنا سنحتاج إلى ثلاث أو أربع وخمس حلقات في هذا الخصوص.
فأول ما ذكرتم قضية حادثة تحويل القبلة، الحقيقة حادثة تحويل القبلة لم تبدأ هنا خلافاً لما يتوقعه بعض القراء: سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [البقرة:142]، فظن بعض الناس أن هذه هي البداية الأولى للكلام حول قضية القبلة.
د.عبد الرحمن: القبلة وتحويل القبلة.
د.محمد: أي نعم، ولكن الواقع ليس كذلك، بدأ الحديث عنها من أين من قول الله : مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [البقرة:106]، لأنه سيأتي النسخ بعد قليل فبدأت التهيئة من هناك، ثم يستمر الأمر وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا [البقرة:114]، هذا تثريب على اليهود والنصارى وهذا تثريب على المشركين ٍفَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ [البقرة:115]، ثم يأتي بعد ذلك ذكر إبراهيم وبناءه للبيت وتعظيم هذه القضية وأن الذي بنى هذا البيت هو إبراهيم، وتعرفون ذلك في كتابكم أيها اليهود، وتعرفون ذلك في كتابكم أيها النصارى، وتقرون بذلك أيها المشركون، ثم جاء بعد ذلك سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ [البقرة:142]، الآن بدأ التحويل،تقولون لماذا تحول من بيت المقدس إلى هذا البيت؟ هذا البيت بناه إبراهيم-عليه الصلاة والسلام- والنسخ شيء من شرع الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فعلام تثربون!!
بل هناك كما ذكر أحد العلماء وسمعتها بنفسي تتبع ووجد في التوراة ما يدل على أن بيت الله قبلة في الكتابين التوراة والإنجيل.
د.عبد الرحمن: صدقت نعم هذا صحيح.
لو نلاحظ يا دكتور محمد ويلاحظ الإخوة المشاهدون في التعبير بقوله: السُّفَهَاء ، سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا يعني يسألون سؤال استنكار.
ولاحظ أنه قال: السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ والتعبير بهذا التعبير “السفاهة” السفاهة في لغة العرب هي الخفة يقولون: ثوب تسفهته الرياح لأنه خفيف، فالسفاهة هي الخفة، فكيف وصف الله المعترضين على أمره، والمعترضين على التشريع بأنهم سفهاء، وأنت لو تتبعت وصف السفهاء في القرآن الكريم لوجدت أنه لا يوصف به إلا أقل الناس عقلاً أو المشركين أو المنافقين أو من غير هذه الطوائف.
فهذه الآية فيها هذه اللفتة التربوية في قضية أنه ينبغي على المؤمن – وهذا الذي سبق أن نبهنا عليه مراراً يا دكتور محمد هي أن سورة البقرة سميت بهذا الاسم -قد تعرضنا لهذا في الحلقة الماضية- إشارةً إلى قصة بني إسرائيل مع البقرة، وأن هذه القصة ترمز إلى الاستجابة، يعني بنو إسرائيل قد تمحلوا وترددوا في الاستجابة لأمر الله فسميت السورة بسورة البقرة كأنها يعني سميت بهذا الاسم حتى تكون استجابة المؤمن لأمر الله مباشرةً ليس كما صنع بنو إسرائيل وترددوا ما لونها؟ ….؟ ….؟
د.محمد: أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً [البقرة: 67] أشد وأنكى من هذا.
د.عبد الرحمن: بالضبط
د.محمد: فقال قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [البقرة:67].
د.عبد الرحمن: الشاهد أن سورة البقرة كلها جاءت للاستجابة والانقياد لأمر الله ، يعني تسميتها بهذا الاسم في تصوري فيه هذا المعنى أنه لا يكون حالكم أيها المؤمنون مع هذه الأوامر التي اشتملت عليها هذه السورة كحال بني إسرائيل مع موسى -عليه الصلاة والسلام- عندما رفضوا أو ترددوا للاستجابة له في أمر البقرة، فكذلك هنا في تحويل القبلة هو أمر ما ملك المؤمنون إلا التحويل بدل أن كانوا متجهين إلى بيت المقدس تحولوا إلى الكعبة، حتى تذكر القصة في مسجد قُباء جاءهم رجل واحد في صلاة الفجر أظن.
د.محمد: في صلاة الظهر والعصر.
د.عبد الرحمن: الظهر و العصر، قال: صلينا الفجر مع النبي — إلى البيت الحرام إلى مكة فاستداروا إلى البيت الحرام من الشمال إلى الجنوب فاستداروا مباشرةً هذا هو الانقياد – سبحان الله العظيم-
وهذا المعنى الذي تدور عليه سورة البقرة كثيراً
طيب هذا بالنسبة لما يتعلق بتحويل القبلة يا دكتور من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام.
د.محمد: فيه ملحظ في قضية تحويل القبلة لماذا بُدئ به؟
أنا في نظري أنه بدئ به لأنه متعلق بالركن الثاني من أركان الإسلام وهو الصلاة ولذلك جاء بعدها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153].
د.عبد الرحمن: جميل.
د.محمد: فلما كان تعلقه بالصلاة قدم ولذلك سيأتي بعد قليل معنا.
د.عبد الرحمن: كشرط من شروطها.
د.محمد: أي نعم.
الإنفاق في قوله: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ[البقرة:177]، ثم جاء بعده الصيام.
د.عبد الرحمن: نعم ممتاز.
د.محمد: لاحظ ثم جاء بعدهم الحج فكأن الأركان رتبت في سورة البقرة ترتيبها الوارد في حديث ابن عمر: ((بني الإسلام على خمس)) إلى آخره.
د.عبد الرحمن: جميل.
فيه يا دكتور محمد مسألة مهمة في قضية تحويل القبلة -طبعاً هذا موضوع يتعلق به النسخ أليس كذلك-
د.محمد: نعم.
د.عبد الرحمن: يعني النسخ كان هناك أمر سابق من الله بالتوجه إلى بيت المقدس فصلى النبي — طيلة بقائه في مكة -يعني النبي — وهو في مكة
د.محمد: كان يصلي خلف الكعبة فيجعلها بينه وبين بيت المقدس.
المقدم: لكنه كان يتوجه إلى بيت المقدس يعني هذا ينتبه له.
د.محمد: نعم.
د.عبد الرحمن: ثم لما انتقل إلى المدينة صلى فترةً من الزمن إلى بيت المقدس وكانت نفسه تتوق إلى أن القبلة تكون إلى مكة.
د.محمد: وكان يقلب رأسه.
د.عبد الرحمن: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء [البقرة:144]، فتحولت القبلة.
هذا الموضوع يتعلق بما يسميه العلماء في علوم القرآن “النسخ في القرآن الكريم”؛ بمعنى أنه يأتي أمر سابق ويطبق ثم يأتي أمر ينسخه يغيره فيصبح العمل بالقرار الثاني أو بالخطاب الثاني.
هذا يا دكتور محمد يشير إلى مسألة مهمة بودي أن ننبه إليها الإخوة المشاهدين وهو مسألة المكي والمدني يعني الناس يسمعون ويقولون: هذه سورة مكية وهذه سورة مدنية وقد لا يتنبهون لفائدتها في التفسير، يعني أنا خلاص هذه سورة البقرة نزلت في المدينة، سورة العنكبوت نزلت في مكة، طيب ما هي الفائدة التي أستفيدها أنا في التفسير وفي الفهم من تحديد هل هي مدنية أو مكية مثل هذه الآية مثلاً.
د.محمد: جميل، أولاً طبعاً ينبغي لنا أن نبين للإخوة المشاهدين أن كلمة مكي ومدني ليست على ظاهرها، لما يقال مكي يظنون أنه نزل بمكة ومدني نزل بالمدينة، القضية زمانية وليست مكانية، وهذه من الأشياء التي يعني يخالف ظاهرها باطناها ، فنقول مكي ومدني تراه متصلاً بقضية زمانية وهي الهجرة، ما كان قبل الهجرة فهو مكي على الصحيح من أقوال أهل العلم.
د.عبد الرحمن: يعني هذا المختار في التعريف.
د.محمد: أي نعم، وما كان بعد الهجرة فهو مدني هذا أولا.
ثانياً: هذا العلم من أشرف علوم القرآن لأنه يتعلق به عدد كبير جداً من الفوائد منها:
· ما أشرت إليه وهو قضية النسخ، فما عرفنا أنه نزل بمكة، ثم جاء في القرآن المدني ما يناقضه تماماً عرفنا أنه مدني يعني يكون ناسخا له ورافعا لحكمه، فالحكم دائماً يكون للمتأخر، ومنه هذه الآيات.
· الشيء الثالث قضية مهمة جداً وخطيرة – وأنا أوصي إخواني المشاهدين بها – أن ينتبهوا لها وهم يقرؤون القرآن في كل سورة هل هي مكية أو مدنية ليفهموا السورة في إطارها الذي نزلت فيه، فنحن عندما نقرأ سورة مكية لا نتوقع إلا أن نقرأ قضايا تتصل بالإيمان وترسيخ العقيدة، الإيمان بالله، الإيمان بالرسول، الإيمان بالرسالة، الإيمان باليوم الآخر، الجنة أو النار.
د.عبد الرحمن: يعني هذه الموضوعات التي دارت عليها السور المكية.
د.محمد: في السور المكية, والسور المدنية ..لا..؛ نجد غالب الموضوعات تدور حول التشريعات، العبادات، المعاملات، الجهاد، خصومة أهل الكتاب، خصومة المنافقين، فضحهم وكشف عوارهم، هذه الأشياء موجودة في القرآن المدني، ولذلك إذا وجدنا شيئاً من الأحكام في القرآن المكي فلننظر لماذا ذكر؟
سنجد أنه ذكر لعلةٍ عقدية وليس لعلةٍ تشريعية.
د.عبد الرحمن: سبحان الله
د.محمد: مثل ذكر اسم الله على الذبيحة.
د.عبد الرحمن: طيب نستأذنك يا دكتور محمد لدينا اتصال من الأخت أم عبد الرزاق من السعودية تفضلي يا أخت أم عبد الرزاق، حياكم الله.
السائل: السلام عليكم ورحمة الله.
د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
السائل: جزاكم الله خير على هذا البرنامج، لو تكرمت أنا جهزت أسئلتي على الجزء الثاني.
د.عبد الرحمن: تفضلي
السائل: بالنسبة لكل جزء بارك الله فيكم أرجوا الاهتمام بالأمثال في كل جزء -يعني في الجزء الأول عندنا مثلين للمنافقين في الجزء الثاني فيه مثل للكافرين آية 171 – فأتمنى بارك الله فيكم تركزوا لي على الأمثال في كل جزء الله يعطيكم العافية.
د.عبد الرحمن: جزاك الله خيراً أحسنت.
السائل: طيب، بالنسبة للجزء الثاني الآيات من الآية 204 إلى الآية 205 وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ [لبقرة:204]، أود شرح هذه الآيات والتركيز على ألد الخصام، ما معنى ألد الخصام؟ أيضاً التنبيه على دعاء رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا [البقرة:250] في الجزء الثاني أيضاً أحسن الله إليكم.
د.عبد الرحمن: بارك الله فيك، وشكراً جزيلاً، حياكم الله، طبعاً الأخت أم عبد الرزاق أشارت إلى موضوع الأمثال يا دكتور محمد وهو فعلاً هو موضوع طريف.
د.محمد: هو ليس طريفاً فقط ولكن أيضاً هو مقياس لما يؤتيه الله — لعبده من العلم وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43].
د.عبد الرحمن: صدقت.
د.محمد: طبعاًهي ذكرت أن الله أنزل مثلين وقد يكون أكثر من ذلك.
د.عبد الرحمن: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً [البقرة:17]، هذا أولها.
د.محمد: أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء [البقرة:19].
د.عبد الرحمن: صحيح.
د.محمد: ثم قال: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26]، وهذا أيضاً في باب الأمثال، وهو مهم جداً في هذا التأصيل، أنا أقول الاهتمام بالأمثال لا شك أنه من أجل العلوم، من أجل علوم القرآن، ففي القرآن أمثال كثيرة ضربت في أبوابٍ عدة من أهمها أبواب الاعتقاد، فبيان العقيدة وإيضاحها كان من أهم الأسباب الموصلة إليه والطرق الموضحة له ضرب الأمثال.
د.عبد الرحمن: جميل جداً، هي ذكرت في آية 204: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة:204]، وهذه الآية فيها معاني دقيقة لعلنا نجيب عنها للأخت أم عبد الرزاق، لكن معنا الأخ طلال من الكويت، تفضل يا أخ طلال حياكم الله.
السائل: السلام عليكم.
د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
السائل: كيف الحال يا شيخ؟
د.عبد الرحمن: يا مرحبا بك.
السائل: تقبل الله طاعتكم.
د.عبد الرحمن: آمين
السائل: شيخ عندي بس بعض الاستفسارات في سورة البقرة عندي استشكال وأنا أناقش بعض المرات مع النصارى، فسألني سائل قوله –: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ [البقرة:102]، تفسير هذه الآية أعطاني إشكال وقال: هل الله — بعث الملكين هاروت وماروت ليضلوا الناس؟ هل ربكم يريد أن يهدي الناس والعياذ بالله إلى النار؟ فنريد تفسير هذه الآية بارك الله فيكم والمقصود بقوله –: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ هذه الإشكالات شيخنا يستغلها كثير من المستشرقين ليشكلوا على المسلمين، خاصةً في أمور العقيدة وأمور القرآن، ويستغلونها في بعض القنوات، وبعض المحطات الفضائية فيشكلون على المسلمين، فنريد تفسيراً واضحاً من مشايخنا حفظهم الله.
د.عبد الرحمن: شكراً يا أخ طلال بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً.
السائل:: السلام عليكم.
د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
نعود يا دكتور محمد إلى الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة:204]، فبين أول شيء معنى الآية.
د.محمد: طبعاً وَمِنَ النَّاسِ كلمة وَمِنَ النَّاسِ وردت في القرآن مرات كثيرة ومن الحسن والإنسان يقرأ أن يجمع مثل هذه الأشياء ليرى هذه الصفات التي ذكرها الله –، فما كان منها محموداً اتبعه وما كان منها مذموماً اتقاه.
د.عبد الرحمن: اجتنبه.
د.محمد: نعم، وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ -أي حسن الكلام- إذا تكلم فكلامه يعني من أحسن الكلام كحال أولئك المنافقين الذين يعجبك قولهم ولكنهم في نياتهم وفي قلوبهم على خلاف ذلك يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ يعني: يقول: يشهد الله أني صادق، وأني لا أريد لك إلا الخير، وهو كاذب فيما يقول، كما قال الله عنهم في سورة المنافقون: إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1]، فجعلهم كاذبين مع أنهم قالوا كلمة صدق وهي أن محمداً رسول الله، صحيح لكن لما كان هذا الكلام لا يطابق ما في قلوبهم جعلهم كاذبين وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ يعني أشد الناس لدداً في الخصومة، ويعني مجادلةً ومماحكة ومعاندة في الخصومة، فتجده يلوي أعناق الكلام، ويفر يميناً ويساراً، ولا يعترف بالحق إذا كان عليه، ويكبر القضية إذا كانت له وهكذا وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ .
د.عبد الرحمن: يعني اللدد يا دكتور هو شدة الخصومة!
د.محمد: شدة الخصومة نعم.
د.عبد الرحمن: يحضرني بيت من الشعر أحدهم في الجاهلية يصف صاحب له شديد الخصومة له يقول:
وألد ذي حنقٍ عليَّ كأنما تغلي *** عداوة صدره في مرجلي
فاللدد هو شدة الخصومة، فلذلك يقولون: عدو لدود، يعني ملازم شديد الخصومة.
د.محمد: وفي الحديث قال: ((إن الله يبغض الألد الخصم))
يعني الذي شديد الخصومة، ولذلك ننبه إخواننا الحقيقة بهذه المناسبة، على أن الإنسان إذا كان في خصومة ينبغي له أن يترفق قال النبي –: ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمور كلها)) حتى في الخصومة، وقال: ((إن الله يحب عبداً سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى سمحاً إذا اقتضى))
د.عبد الرحمن: الله أكبر
د.محمد: حتى في الاقتضاء والمقاضاة يكون سمحاً.
د.عبد الرحمن: جزاك الله خيراً، معنا اتصال من الأخت أم فهد من السعودية، حياك الله يا أم فهد، تفضلي.
السائل: السلام عليكم.
د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
السائل: بس حبيت أقول يا أخي البرنامج يا ليت يستمر بعد رمضان تستفتحون أكثر في شرح الآيات وكذا.
د.عبد الرحمن: بارك الله فيك، اقتراح جيد، لكن.
السائل: يعني ما شاء الله عليكم الله يجزاكم خير كنا نتمنى مثل كذا يعني القرآن لو تكون له قناة خاصة فيه ما تكفيه، يعني يكون شرح موسع نستمتع به، وجزاكم الله خيراً، ويا ليت يستمر البرنامج لبعد رمضان.
د.عبد الرحمن: بإذن الله هل لديك سؤال يا أم فهد؟
السائل: لا؛ شكراً، يعطيكم العافية.
د.عبد الرحمن: جزاك الله خيراً، شكراً جزيلاً لك الله يحفظك.
نعود يا دكتور محمد إلى التأكيد على قضية الأمثال كفائدة للأخت أم عبد الرزاق، هناك كتب كثيرة كتبت في بيان الأمثال في القرآن الكريم وأذكر منها كتاب “الأمثال في القرآن” لابن القيم– وأظنه مستل من كتابٍ من كتبه.
د.محمد: “إعلام الموقعين”.
د.عبد الرحمن: أظنه “إعلام الموقعين” عندما جاء إلى القياس والأشباه والنظائر تكلم عن الأمثال فيها، وابن القيم بالمناسبة يعتبر من أفضل وأجود من رأيت يشرح الأمثال ويتوسع فيها لكن أيضاً هناك كتاب اسمه “أمثال القرآن الكريم” من أجود ما قرأت حقيقة للشيخ عبد الرحمن حبنتة الميداني ، كتاب طبعته دار القلم وتناول فيه الأمثال في القرآن الكريم من أوله إلى آخره بالشرح والبيان وبيان وجه التمثيل في أمثال القرآن.
د.محمد: وهناك رسائل دكتوراه فيه وماجستير في أمثال القرآن، وهناك أمثال القرآن العقدية أيضاً، يعني هناك من كتب في أمثال القرآن العقدية لأن أغلب الأمثال بالمناسبة في القرآن هي جاءت في باب العقيدة.
د.عبد الرحمن: نعم، جميل.
طيب نريد أن نجيب على سؤال الأخ طلال من الكويت لكن لدينا اتصال من الأخ نايف العتيبي من السعودية تفضل يا أخ نايف حياك الله.
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل: تحية طيبة لك يا دكتور عبد الرحمن الشهري ولضيفك الكريم وأهنئكم بالشهر الكريم وأهنئكم أيضاً بهذا البرنامج الناجح أسأل الله — أن يوفقكم فيه.
د.عبد الرحمن: الله يحييك، الله يحفظك.
السائل: لدي سؤالان اثنان: الأول له علاقة بدرس الأمس الفرق بين الختم والطبع، وأيهما أشد الختم أو الطبع؟
الأمر الثاني نجد في القرآن الكريم تقديم السمع على البصر ما الحكمة من هذا؟ وجزاكم الله خيراً, السلام عليكم.
د.عبد الرحمن: حياكم الله، شكراً أخ نايف.
نعود لسؤال الأخ طلال من الكويت يسأل سؤال الحقيقة أن السؤال دقيق يا دكتور محمد وكثيراً ما يسأل، وتجد حتى كتب التفسير تطول فيها النقاشات حوله وهو في قوله في الآية تقريباً أظنها 102 أو 101: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ [البقرة:101]، وأنا أتمنى من الإخوة المشاهدين أن يفتحوا المصحف على هذه الآية حتى يكون الحديث حولها وأنت تتكلم وهم يقرؤونها ما هو التفسير الصحيح لهذه الآية يا دكتور محمد؟ وكيف يجاب عن الإشكال اللي ذكره الأخ طلال؟
د.محمد: الحقيقة، طبعاً هذه الآية كما ذكرت يا دكتور عبد الرحمن أشكلت على كثيرين بل عدها بعض المفسرين من أشكل آيات القرآن، وذلك لما يقع أحياناً أو يرسخ في قلب الإنسان من بعض المعاني التي لا أصل لها في الشرع ثم إذا جاء إلى الآية لم يستطع الجمع بين ما رسخ في قلبه أو ما استقر في ذهنه وبين ما يظهر من معنى هذه الآية، فمعنى هذه الآية أن الله أنزل ملكين يعلمان الناس السحر هذا ظاهر في الآية بلا شك، الناس يريدون أن يدرأوا هذا الظاهر: كيف ربنا ينزل ملكين يعلمان الناس السحر؟ أنا أقول ما المشكل في هذا؟ الآن الكفر الذي هو أشمل من قضية السحر من الذي خلقه؟
د.عبد الرحمن: يعني السحر شعبة من شعب الكفر.
د.محمد: شعبة من شعب الكفر، من الذي خلقه؟
د.عبد الرحمن: أليس الله ؟
د.محمد: من الذي أوجد أسبابه؟ الله ، فالله خلق هذه الأشياء ليبتلي عباده ولينظر من يكفر ومن يؤمن ومن يتبع الحق ومن يتبع الضلال, فالله هذا السحر وهذا المعنى اللطيف أنزل فيه ملكين يعلمان الناس طريقته ومع ذلك مع تعليمهم إياه يقولان للناس: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ .
د.عبد الرحمن: لا حول ولا قوة إلا بالله.
د.محمد: يعني مع بيان هذا السحر الذي هو كفر، يقولون للناس: احذروا منه فإنه كفر، لتقوم الحجة على العباد، من الذي ينصاع لأمر الله — ويستجيب فيحذر من هذا الكفر أو هذه الشعبة العظيمة من شعب الكفر ومن الذي يستجيب لهوى نفسه فيتخذ هذا السحر مطيةً لتحقيق مآربه وشهواته وإفساده في الأرض إذاً هو فتنة.
طيب نحن إذا كنا نريد أن نزيغ عن هذا المعنى فلنقل بأن الكفر لم يخلقه الله وهذا كفر.
نقول بأن هذه الشهوات التي أنزلت لم يخلقها الله.
من الذي قدر الزنا؟ من الذي قدر القتل؟ من الذي …
كل ذلك إنما وقع بقدر الله والله هو الذي قدر كل شيء وخلقه إذاً لما نفهم هذه القضية ضمن هذا السياق العام سنجد أننا أمام أمر يسير جداً وأنا أقول للأخ طلال هذا اليهودي أو النصراني الذي يجادلك عبر الإنترنت أو إذا كنت في بلاد الغرب أو غيرها قل له اسأله هذا السؤال؟
هل يؤمن بأن الله خلق كل الأشياء أو أنه يؤمن أنه خلق الأشياء الحسنة والجميلة والإيمان والصدق والعدل وغيرها من الأخلاق ولم يخلق الظلم ولم يخلق الشر فإن قال: لا، أنا أؤمن بهذه دون هذه قلنا أنت كافر ولا مجال للنقاش معك
وإذا قال: لا، أنا أؤمن بأن الله خالق كل شيء نقول: وهذا واحد منها.
د.عبد الرحمن: سلم بهذا وهو التسليم بهذا يا دكتور محمد عند بعض الناس فيه صعوبة مع أن الذي يؤمن بالله يؤمن بهذا ولا يجد في ذلك إشكال
فتح الله عليك يا دكتور محمد أيها الإخوة المشاهدون نستأذنكم في فاصلٍ نعرف به بكتابٍ من الكتب التي تنتفعون بها في تدبر القرآن وفهمه ثم نعود إلى استكمال حديثنا.
*********************************************
فــــــــــــــاصـــــــل
«السراج في بيان غريب القرآن»
مؤلف هذا الكتاب هو الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري الأستاذ المساعد بكلية المعلمين في مدينة الرياض، وقد صنفه تيسيراً لقارئ القرآن الذي يرغب في معرفة معاني بعض المفردات والكلمات الغريبة بيسر وسهولة، وجمعه من أقوال المفسرين وكتب غريب القرآن القديمة والمعاصرة، وصاغه بعبارةٍ يفهمها الجميع، حتى يعم الانتفاع به طبقات القراء على اختلاف ثقافاتهم، فهو يورد معاني الكلمات في جدولٍ به رقم الآية والكلمة ومعناها باختصار، ومن الأمثلة من الكتاب قوله في بيان كلمات سورة الكوثر:
· الكوثر: الخير الكثير ومنه نهر الكوثر في الجنة.
· وانحر: اذبح ذبيحتك لله وحده.
· شانئك: مبغضك.
· الأبتر: المنقطع أثره المقطوع من كل خير.
وقد صدرت طبعته الأولى عام ألفٍ وأربعمائةٍ وتسعةٍ وعشرين للهجرة عن مجلة البيان بالرياض، وهو كتاب نافع للمسلم لمعرفة معاني المفردات القرآنية بأسهل عبارة.
*******************************************
د.عبد الرحمن: وقد أجبنا عن بعض الأسئلة التي سألها الإخوة المشاهدون وكان ختام الحديث قبل الفاصل مع الدكتور محمد حول آية وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ، وجزاك الله خيراً في إيضاح هذه الحقيقة التي يُفر منها, ترى بعض الناس عندما تقول له: إن الله أنزل ملكين يعلمان الناس السحر، يقول: لا يمكن هذا كيف يفعل الله هذا وهذا ينافي العدل وهذا ينافي كذا، لكنه عندما يعتقد أن الله هو الذي خلق هذا كله، ثم هناك شيء نريد أن يفرق بينه الناس وهو الفرق بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية القدرية يعني عندما تقول إن الله قد خلق الكفر وخلق السحر قدراً لكنه لا يرضاها شرعاً ولذلك قال: وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر:7] فأنا أريد أن أنبه يا دكتور إلى أن حكم تعلم السحر أنه كفر بنص هذه الآية، قال: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فيؤخذ من هذا أن من تعلم السحر فهو كافر.
د.محمد: بالنص
د.عبد الرحمن: أيضاً قول النبي –: ((من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)) وهذا نص واضح في هذا.
د.محمد: دكتور عبد الرحمن مثل هذه القضية بالمناسبة فيما يعتقده الإنسان أحياناً أو يرسخ في ذهنه ويأتي ظاهر الآيات مخالفاً لما وقر في قلبه، مثل قضية العصمة للأنبياء نحن نؤمن بأن الأنبياء معصومون، ومع ذلك نجد في القرآن آيات كثيرة تدل على أن الأنبياء وقعت منهم ذنوب وأنهم استغفروا الله منها، فكثير من الناس حتى أهل التفسير أيضاً تجدهم عندما يأتون لهذه الآيات يفرون ويؤولون ويبحثون عن مخارج فيخالفون ظاهر القرآن، فنحن نقول إن عصمة الأنبياء تكون في تبليغهم لدين الله – لا يصيبهم في ذلك أي تحريف أو كذب أو نقص أو غير ذلك، إن عصمة الأنبياء في أن يقع منهم ما يخل بمقامهم وبقدرهم عند الله وعند المخلوقين أما وقوع الصغائر منهم ووقوع بعض الذنوب منهم فهذه تقع منهم بمقتضى البشرية ولذلك نجد الأنبياء يضربون أروع الأمثلة عندما يقع منهم ذنب يبادرون إلى التوبة والاستغفار فانظر إلى آدم، وانظر إلى نوح، انظر إلى موسى، انظر إلى يوسف عليه الصلاة والسلام، انظر إلى يونس، كل هؤلاء الأنبياء وغيرهم، قد وقعت منهم، لكنهم كانوا أول المبادرين بعد وقوعها إلى التوبة ولا يخل ذلك بالعصمة التي نحن نعتقد أنها ثابتة للأنبياء في بعض صورها ووجوها ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية أن الصحيح من أقوال أهل السلف الذي عليه جمهور السلف أن الذنوب تقع من الأنبياء وهم لا يقرون عليها ويبادرون إلى التوبة منها.
د.عبد الرحمن: جميل جداً، وهذا المعنى يا دكتور يؤكده قول الله في مواضع كثيرة: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ثم يقول: يُوحَى إِلَيَّ [فصلت:6]، يعني أنا مثلكم في البشرية، ويقع منه ما يقع من الناس إلا أنه يوحى إليه، وكما تفضلت في قضية أنه لا يمكن أن يقع منه الخطأ في التبليغ أريد أن ننتقل إلى السؤال الذي سأله الأخ نايف لكن لدينا اتصال الأخ عبد الله ، تفضل يا أخ عبد الله حياك الله.
السائل: السلام عليكم.
د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل: مبارك عليكم الشهر.
د.عبد الرحمن: الله يبارك فيك.
السائل: عليكم وهذا الشيخ الضيف عندك وما شاء الله , ، ربنا يجعلنا وإياكم من المقبولين، أنا من المدينة خصوصاً وحطني من السعودية كلها، سؤالي إلى فضيلة الشيخ ولجمهور المشايخ صراحة في السعودية خاصة وفي العالم الإسلامي القضية إلي نبشت من بعض من ينتسبون للعلم الشرعي هي قضية فك السحر بالسحر وأن هذا الأمر جائز والآن فيه خلاف وفيه من العلماء من قال فيه في السابق لكن تقرر لدينا أن هذا مفسدة وهذا شر واضح جداً جداً ومعالمه بادية لا يختلف فيها اثنان وما أدري ما تعليق الشيخ على مثل هذه النقطة الله يحفظك.
د.عبد الرحمن: بارك الله فيك.
السائل: وكل عام وأنتم بخير وجزاكم الله خيراً على هذه القناة الرائدة حقيقة.
د.عبد الرحمن: الله يحييك يا أخ عبد الله شكراً لاتصالك، شكراً جزيلاً، التعليق على ما ذكرته الأخت أم فهد يا أبو عبد العزيز تطالب بأن يكون البرنامج مستمراً، ونحن نقول للأخت أم فهد نشكرك على حسن ظنك، ونحن مازلنا في الحلقة الثانية من البرنامج ودعونا ننتهي إلى نهاية رمضان وننظر كيف يكون الصدى وإن كنا ندعو هذه القناة المباركة -نسأل الله أن يبارك فيها وفي القائمين عليها- إلى العناية ببيان تفسير القرآن الكريم للناس وتقريبه للناس, الناس يا شيخ محمد الآن يسألون كثيراً عن القرآن وعن التفسير وعن تدبره، وعن كتبه وعن مسائله، وهذا بشرى خير ولله الحمد فينبغي أن تكون القنوات على مستوى المسئولية في الإجابة عن الأسئلة وشفاء غليل الناس في بيان كتاب الله .
د.محمد: صدقت، بل نبشر والحمد لله نحن نلاحظ أن هناك صحوة بفضل الله في السنوات الأخيرة حول الحرص على فهم القرآن وتدبره كما أسلفت والسؤال عن كتب التفسير بشكل أكثر بكثير مما كان عليه في العقد الماضي يعني.
د.عبد الرحمن: وترى هذا يحتاج إلى جهد كبير من القنوات ومن المتخصصين لسد هذه الثغرة والإجابة يعني.
د.محمد: ورجوع الناس إلى كتاب الله لا شك أنه دلالة خير وعلامة يعني كبيرة جداً.
د.عبد الرحمن: لا شك.
نأتي إلى أسئلة الأخ نايف ونعتذر منه على التأخير هو سأل سؤالين:
السؤال الأول: لماذا قدم السمع على البصر في القرآن الكريم؟ ما هي الحكمة؟
د.محمد: أي نعم، نقول: يقدم السمع على البصر لأن السمع أشرف، ولأن البلاغ إنما يكون بالسمع ولا يكون بالبصر فالذي فقد البصر تبلغه الرسالة ولا يضيره أن يسمع وأن يتعلم وأن يهتدي بل و يعقل لأنه الذي يحول بين الإنسان وبين العقل عدم وجود السمع أحياناً، أما البصر فكأنه بالنسبة إلى السمع نافلة، ولذلك نجد من علماء المسلمين من فقد البصر وهو عالم يرجع إليه ويفتي الناس وما ضره ذلك، ولكن هل تعرف أو تجد من العلماء بل من العقلاء أحياناً من فقد السمع, أحياناً يفقد حتى مقومات اللغة بسبب فقد السمع.
د.عبد الرحمن: بالضبط صحيح
د.محمد: قال الله : إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ [الإسراء:36]، فيذكر البصر بعد السمع لأجل هذه العلة، أحياناً يقدم البصر إذا كان له ارتباط بالسياق الذي جاءت فيه الآية مثل يعني مشاهدة بعض آيات الله وغير ذلك فيقدم البصر باعتباره في السياق الذي سيقت فيه.
د.عبد الرحمن: بالضبط صحيح, لو أنا يعني يخطر على بالي مسألة عندما جاء الرجل الذي عبد الله عمره كله فجيء به يوم القيامة فقيل له: هل أعمالك بعدلي أم بعملك؟ قال: بل بعملي يا رب, واثق من نفسه.
د.محمد: قال: بعملي – يعني يقال إنه صام ستمائة سنة وقام ليلها-.
د.عبد الرحمن: لا إله إلا الله , قال: زنوا عمله بنعمة بماذا؟
د.محمد: البصر.
د.عبد الرحمن: البصر؛ طيب هنا سؤال معناه هنا كأن نعمة البصر عظيمة هل يمكن أن نقول هنا يا شيخ محمد أنه لو وزنها بالسمع لرجح السمع أيضاً؟
د.محمد: وأكثر بلا شك لأننا الحقيقة نقول إن الإنسان يعيش حياة سوية بالسمع ولو فقد البصر، لكن بفقده للسمع لا يعيش حياة سوية، بل هو أقرب إلى المتخلفين منه إلى العقلاء، وهذا ملاحظ أن الذين يفقدون السمع تماماً لا يعرف يتكلم يعني يفقد خصائص مهمة جداً لقوام اللسان.
د.عبد الرحمن: بالضبط أيضاً هناك مسألة تلاحظها في قضية السمع والبصر في أن الله — قد امتن بالسمع والبصر والفؤاد في مواضع كثيرة؛ يعني قال الله: وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78]، فانظر كيف أنه قال: خرجت أمياً لا تعرف شيئاً ثم ذكر لك وسائل اكتساب المعرفة، فقدم السمع ثم البصر ثم الفؤاد وهذا يؤكد المعنى الذي ذكرته من قضية الامتنان بنعمة السمع في القرآن الكريم وتقديمها لحكمة ولعلة وكون أكثر المعلومات عن طريق السمع لكن لا شك أيضاً لا يدل هذا يا دكتور محمد حتى لا يفهم الإخوة المشاهدون التقليل من نعمة البصر؟
د.محمد: ..لا .. لا، ليس المقصود هذا ولكن عند المقارنة نقول هذه أعلى من هذه.
د.عبد الرحمن: بالضبط
د.محمد: وفي الآية التي ذكرت يا دكتور عبد الرحمن الحقيقة في ملحظ جميل جداً وهو لما ذكر الله — ما امتن الله به على عبده في سورة النحل ” النعم ” الآية التي قرأتها قبل قليل: وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ذكر السمع لأنه أول ما يتخلق مع الجنين لذلك يذكرون أن الجنين في بطن أمه يسمع.
د.عبد الرحمن: لا إله إلا الله.
د.محمد: يسمع ولذلك أول ما يخرج من بطن أمه يشرع لنا أن يؤذن فيه ليسمع هذه الكلمات العظيمة وترسخ في فطرته بإذن الله.
د.عبد الرحمن: جميل جداً، الله يفتح عليك.
*********************************
معنا متصل الأخ أبو علي من الرياض.
السائل: السلام عليكم ورحمة الله.
د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل: أحسن الله إليكم يا شيخ، الله يحفظكم يا شيخ فيه ورد نصين عن قضية الكتمان: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ [البقرة:159]، إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ [البقرة:174]، أحب فقط تبينوا هذه المسألة، ولو أن إنسان قد كتم شيئاً أو علماً.
د.عبد الرحمن: بارك الله فيك يا أبا علي، أشكرك أشكرك.
****************************
أستأذنك يا دكتور محمد الحقيقة لأن الوقت قد أدركنا في هذا اللقاء، وأعتذر من الإخوة الذين سألوا ولم نستطع أن نجيب على أسئلتهم في هذا اللقاء، غداً إن شاء الله سوف نجيب على أسئلتهم بإذن الله تعالى، وأحب أن أشير في نهاية هذه الحلقة إلى أن الإخوة في القناة قد رأوا تقديم وقت البرنامج وتمديده، ولله الحمد حظي البرنامج بقبول عندما رأوه أمس واليوم فرأوا أن يمدد, يصبح من الساعة الرابعة والنصف إن شاء الله بتوقيت مكة المكرمة إلى الساعة الخامسة والنصف لمدة ساعة كاملة ونرجو أن يكون في هذا بإذن الله مساحة أوسع للحديث والإجابة عن أسئلة الإخوة المشاهدين واستفساراتهم حول القرآن الكريم.
أكرر شكري لك يا دكتور محمد في ختام هذه الحلقة وأرجو بإذن الله أن يتجدد اللقاء بك في حلقات قادمة في هذا البرنامج.
كما أشكركم أيها الإخوة المشاهدون أيضاً على تفضلكم بمتابعتنا في هذه الحلقة، وأسأل الله أن يتقبل صيامكم، وأن يتقبل منا ومنكم وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن في الدنيا والآخرة، وحتى نلقاكم غداً بإذن الله تعالى، أستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أذيعت يوم الثلاثاء بتاريخ: 2 / 9 / 1429 هـ