برنامج التفسير المباشر

التفسير المباشر – 1432 هـ – سورة الدخان

اسلاميات

الحلقة 138 – سورة الدخان

ضيف البرنامج في حلقته رقم (138) يوم السبت 14 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالعزيز الخضيري الأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود .

وموضوع الحلقة هو :

– علوم سورة الدخان .

– الإجابة عن أسئلة المشاهدين .

************************

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً. أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأهلاً وسهلاً بكم في برنامجكم اليومي التفسير المباشر وقد قاربنا منتصف شهر رمضان نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله حجة لنا. باسمكم جميعاً أرحب بضيفنا في هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالعزيز الخضيري أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك سعود وعضو الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم. اليوم سوف يكون حديثنا حول سورة الدخان.

سورة الدخان وأمس كنا في سورة الزخرف لعلنا نبدأ إذا كان يظهر لك تناسب بين السورتين ثم نبدأ باسم السورة.

د. الخضيري: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. هذه من سور الحواميم المتتالية في القرآن الكريم وهي سبع  وسورة الدخان جاءت بعد سورة الزخرف حتى في النزول وقبل الجاثية أيضاً، هي الخامسة في الترتيب وفي النزول أيضاً. هذه السورة مناسبة تمام المناسبة لسورة الزخرف ولا أدل على ذلك من قوله في آخر سورة الزخرف (وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ 89)) تهديد، إذن سورة الدخان سورة تهديد ويكفي أنه اختير لها اسم الدخان الذي هو أحد ألوان العذاب التي عذب به المشركون أو سيراها الناس في آخر الزمان على قولين مختلفين عند المفسرين. إذن هي سورة عنوانها الأعظم التهديد هي جاءت لتقرير حقيقة هذه الحقيقة اشتركت فيها الحواميم كلها وهي تعظيم هذا الكتاب وإبرازه والثناء عليه وبيان بركته الذي هو القرآن ففي سورة الزخرف (حم ﴿١﴾ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا) وصفه بأنه عربي، لماذا؟ (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). في سورة الدخان جاء ببيان متى نزل وما هي بركته وبيان أثره قال (حم ﴿١﴾ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴿٣﴾ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴿٤﴾ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴿٥﴾ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) فهو وصف لهذا الكتاب. من أعظم حقائق هذا الكتاب بعد التوحيد الإيمان باليوم الآخر، جاءت هذه السورة لبيان حقيقة الإيمان باليوم الآخر والتأكيد عليه وتهديد المكذبين به بطرق متعددة. فإن قلت أين هو ذِكْر اليوم الآخر؟ جاء في وسط السورة، قال الله عز وجل (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ) هذا هو الذي كانت ترمي السورة وتقصد إليه إثبات البعث والرد على المكذبين به، هؤلاء كذبوا بالقرآن وكذبوا بحقيقة عظمى من حقائق القرآن وهي اليوم الآخر.

د. الشهري: والعجيب أنها متلازمة إذا كذب بالقرآن وكذب بالبعث وكذب بالنبي وكذب باليوم الآخر كلها واحد،

د. الخضيري: ولذلك التكذيب بواحد منها يستلزم التكذيب ببقيتها. ولذلك جاء في أول الآيات الثناء على القرآن وبيان موقف المشركين منه ثم تهديدهم، هددهم الله عز وجل أنه سينزل بهم عذاباً عاجلاً وآجلاً. ثم ذكر لهم مثالاً من أمة سابقة وهو موسى عليه السلام كيف صنع فرعون وملؤه بموسى وماذا صنع الله به؟ تماماً كالذي وقع للمشركين لأن موسى عليه السلام لما قال (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴿١٨﴾ وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آَتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴿١٩﴾ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ﴿٢٠﴾) أن تؤذوني في نفسي وفي بدني (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ ﴿٢١﴾) مسالم أنا لا أطلب منكم إلا أن تؤدوا هؤلاء القوم وهو بنو إسرائيل، (فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ ﴿٢٢﴾ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ﴿٢٣﴾) إلى أن قال الله عز وجل (كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ ﴿٢٨﴾ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴿٢٩﴾ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴿٣٠﴾) فهذه عقوبة أنزل الله عز وجل بقوم فرعون جزاء ما فعلوا بموسى عليه السلام وكذلك المشركون نزلت بهم عقوبات، آيات وهؤلاء العرب بما أنهم يعرفون من كان داخل الجزيرة العربية من أسلافهم ذكروا أيضاً بأقوام من داخل الجزيرة العربية فموسى وقومه يعرفون أخباره من أهل الكتب كأن هذه أخبار عالمية باقي أخبار اقليمية محلية قال الله عز وجل (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) أهؤلاء خير من قوم تبع الذين لما جاءتهم البينات كذبوا بها فحاق بهم العذاب وأهلكهم الله سبحانه وتعالى؟ قال (إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) ثم عاد للتأكيد على اليوم الآخر وبيان أدلته فقال (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴿٣٨﴾ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٣٩﴾) ثم بدأ يفصّل في اليوم الآخر (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٤٠﴾ يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴿٤١﴾ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿٤٢﴾) إذن الخلاصة أن هذه سورة نزلت بالتهديد أسلوب التهديد ظاهر فيها حتى لما ذكرت العقوبات وذكر الجزاء بديء بجزاء المكذبين قبل جزاء المؤمنين على أي قضية؟ على قضية الإيمان باليوم الآخر. قضية الإيمان باليوم الآخر لا تكون إلا بالإيمان بالرسول هم كذبوا بهما واستهزأوا وعاندوا بل إنهم فعلوا كما كان يفعل بنو إسرائيل. بنو اسرائيل ذُكر لنا في سورة الزخرف شيء من خبرهم العجيب (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٤٨﴾ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ﴿٤٩﴾ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ﴿٥٠﴾) في سورة الدخان تماماً حصل للمشركين هذا الموقف قال الله عز وجل (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ﴿١٠﴾ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١١﴾ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ﴿١٢﴾ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ﴿١٣﴾ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ﴿١٤﴾ إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴿١٥﴾) إذن سيحصل منكم مثل الذي حصل من الأمم التي قبلكم ثم يحيق بكم العذاب مثل الذي حاق بمن قبلكم قال عز وجل (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ) وهذا الذي حصل تماماً لفرعون مع موسى عليه السلام بطش الله بهم البطشة وحصل لمشركي مكة في بدر بطش الله بهم البطشة الكبرى.

د. الشهري: القرآن الكريم في السور التي مرت معنا وخاصة في السور المكية بالذات وحتى في السور المدنية التكرار على قضايا أساسية في حياة البشرية أولها قضية التوحيد يعيد ويبديء فيها القرآن الكريم ويصورها بأكثر من طريقة وأكثر من أسلوب، القصص القرآني، قضية الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالرسل هؤلاء عليهم الصلاة والسلام وتلاحظ كيف الآن التركيز على هذه الأشياء خاصة في المنظمات الدولية الكبرى ليس لهذه القضايا الكبرى أي ذكر في المواثيق الدولية لا عناية بدين ولا عناية بأنبياء ولا عناية بقرآن ولذلك نحن الآن عندما نتحدث عن القرآن لا نتحدث عنه من باب الترف العلمي أو من باب الفضول وإنما هو قضية أساسية في حياة البشرية وحياة المسلمين

د. الخضيري: لا يمكن للبشرية أن تحيا حياة سعيدة إلا إذا آمنت بهذه الأصول التي أسلفت ذكرها ويؤكد هذا أن ما يعيشه الغرب من التنظيم والترتيب في حياتهم والله لو غابت عنهم بعض الأسباب لرأيت كيف يعودون إلى بهيمية كاملة ولا يصبح عندهم أدنى ذرة من بشرية. انظر كيف يتعاملون مع الشعوب الأخرى إذا ستعمروا الدول، ماذا يفعلون؟ يفعلون الأعاجيب، أليس هؤلاء بشر؟! أين هي حضارتكم ومبادئكم وإنسانيتكم التي تدّعونها؟ الإنسان وصف عام لكن عندهم مقصود به إنسان خاص (الغربي ذو العين الزرقاء!)

د. الشهري: عندما تنظر فيها الآن تقارنها كيف يركز القرآن الكريم على قضايا العقيدة والتوحيد والإيمان باليوم الآخر والأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يرسلون لهذه الأشياء العظيمة ثم تجد في المقابل تهاوناً فيها في واقعنا المعاصر! أصبح من يذكّر بالتوحيد متشدد أو من يطالب الناس بتعظيم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتوقيرهم

د. الخضيري: أذكر ما هو أسوأ من ذلك وهو شيء يحز في نفسه وهو أنك تجد بعض الدعاة الآن وللأسف بدأوا يسابقون الموجة فإذا تحدث حتى عن العبادات وعن شرائع الإسلام يتحدث عنها بمنظور مادي يعني الصلاة رياضة وصحة وقضايا اجتماعية وإصلاح عام وغيره أما قضية العبودية لله عز وجل وصلة الإنسان بربه ولماذا خُلق وأُوجِد في هذه الحياة وماذا ينتظر وما هي مقدار هذه الدنيا أمام ما هو مقبل عليه هذا لا يكاد يذكر هذه إلا تبعاً، هذه مصيبة! السجود هذا حتى يصل الدم للمخ والديسك وغيرها وبدأت العبادات تفسر تفسيراً مادياً بحتاً وهذا الكلام يخرج من دعاة!! ونقول لهؤلاء الدعاة إتقوا الله عز وجل إرجعوا إلى القرآن لتفسير حقائق هذا الدين ومعرفة لما شُرع ولما أوجب ولماذا قرر الله عز وجل ولماذا أكد علينا الإيمان بكذا وكذا.

د. الشهري: وهذا من معاني الرد إلى كتاب الله يعني الآن البعض يظن أننا إذا قلنا (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83) النساء) أو التحاكم إلى القرآن يقصد به عند الاختلاف فقط، بل حتى في أساليب الدعوة وفي أساليب المجادلة وفي ترتيب الأولويات، الأولوية في القرآن أكاد أجزم أن الأولوية التي تجتمع عليها آيات القرآن قضية توحيد الله عز وجل وإفراده بالعبودية وتعظيمه وتعظيم أنبيائه وكتبه.

د. الخضيري: انظر مثلاً في قضية الصيام، الآن يكتب كثير من الكتّاب عن فوائد الصيام وآثاره على الإنسان في أنه يتذكر الفقرآء والمساكين وأنه يتصدق وأيضاً يصح بدنه “صوموا تصحوا” كما في الحديث الوارد وإن كان ضعيفاً أو موضوعاً لكن الله عز وجل لما ذكر الصيام ما ذكر هذا قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) البقرة) واضحة ما تحتاج أحد يستنبطها تحقيق التقوى لله عز وجل حتى تعيش متقياً لله عز وجل ولذلك الأمة التي كانت تصوم لتتقي الله كانت تترفع عن الشهوات، كانت حرة لا المال ولا الجاه ولا المنزلة ولا أحد من عباد الله يستطيع أن يفرض عليها لأنها كانت متقية لله، هذا المعنى بدأ الناس يغفلون عنه الآن وبدأوا يذهبون كما يقولون إلى بنيّات الطريق

د. الشهري: هذه استطرادة لأني لاحظت تتابع سور القرآن الكريم على التأكيد على هذه المعاني

د. الخضيري: وبصور متعددة ليس صورة واحدة تتكرر، هو التوحيد ولكن يذكر بأساليب مثلاً اليوم معنا  الإيمان باليوم الآخر لاحظ ماذا قال؟ قال (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ) وفي سور أخرى يقول (وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) الأنعام) وهنا (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ) ثم يأتون بحجة، هذه حجة جديدة (فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) أرادوا أن يحاجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة يظنون أنها تخصمه قالوا إن كان البعث حقاً إبعث لنا آباءنا. هم يعرفون أن البعث حق وله ميعاد ولا يمكن أن يكون في أيّ وقت. قال عز وجل (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) ما رد على هذه الشبهة لأنه سبحانه وتعالى يعلم أنها ليست حقيقية وأنهم هم أول من يكذبها. ثم قال مستدلاً على البعث بدليل قلما يذكر في السور الأخرى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ) هذا الدليل موجود في سورة أخرى لكن هذا الدليل أن الله لم يخلقكم عبثاً إذن خلقنا لحكمة، ما هي الحكمة؟ (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون) وجه استدلال عليهم لكن بطريقة أخرى. في سورة النحل يستدل بطريقة أخرى قال (وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ (38)) قال الله عز وجل (بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) لماذا؟ (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ (39)) وجه وجوب قيام القيامة ليقضي بين الناس ويفصل بين الخلائق، يموت الناس والظالم ظالم والمظلوم مظلوم ولا عُرف من هو الظالم من المظلوم ولا عُرف المحق من المبطل! فالله عز وجل لا بد أن يبعثنا في يوم حتى يقضى بين هؤلاء المختلفين.

د. الشهري: نعود لموضوع سورتنا اليوم ذكرت أن موضوعها التهديد والتأكيد على قضايا التوحيد بالذات

د. الخضيري: التأكيد على التوحيد والإيمان باليوم الآخر لكن بطريقة التهديد والوعيد والدليل على ذلك اسم السورة الدخان. اختير الدخان لأنه رمز من رموز العذاب وأيضاً الدخان هو رمز لعذاب عاجل وليس آجلاً، الكلام في هذه السورة على العذاب العاجل هنا يقول (إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴿١٥﴾ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ ﴿١٦﴾) في الدنيا، وفي موسى (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ﴿٢٤﴾) عذاب عاجل ليس في الآخرة ثم لما انتهى من هذا وقرره بالنسبة للأخبار العالمية ثم الأخبار الاقليمية  والمحلية انتقل إلى ما سيكون في الآخرة (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٤٠﴾ يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴿٤١﴾) ثم قال (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ﴿٤٣﴾ طَعَامُ الْأَثِيمِ ﴿٤٤﴾)

د. الشهري: ما هو وقت نزول السورة؟

د. الخضيري: كما ذكر الطاهر ابن عاشور أنه هذه السورة وهي مكية نزلت في آخر العهد المكي بدليل أن هذا العذاب الذي تحقق على أهل الشرك إنما صار بعدما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، النبي صلى الله عليه وسلم بعدما هاجر صار يدعو على المشركين يقول: اللهم أعني عليهم بسنين كسنيّ يوسف

د. الشهري: وهذه الدعوة كانت وهو في المدينة أو في مكة؟

د. الخضيري: نعم وهو في المدينة، لماذا؟لأن الله عز وجل قد وعد نبيه أنه لا ينزل العذاب على أهل مكة وهو فيهم (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ (33) الأنفال) فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بهم عذاب الله فأصابهم من الجهد ما أكلوا معه العظام فصار الرجل يرفع بصره إلى السماء فيرى مثل الدخان. قال أبو عبيد وغيره قال لكثرة الجفاف صارت السماء من الغبار كأنها ملبدة بالدخان من شدة ما أصابهم حتى جاؤوا واستغاثوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا محمد أدرك مُضر فإن السنين قد أهلكتهم فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم لهم وأنزل الله عليه (إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴿١٥﴾) ستعودون لهذا وقد قيل أن الله عز وجل أجاب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فبقيت فيهم سبع سنين من السنة الأولى للهجرة إلى السنة السابعة وفي الثامنة جاء فتح مكة

د. الشهري: يبدو لي أن هذه الحادثة وقعت في الوقت الذي أسلم فيه ثمامة بن أثالة الحنفي عندما جاء إلى المدينة يطلب الميرة فكان من تمام إسلامه قال يا رسول الله لن يصل إلى قريش حبة قمح إلا إذا أذنت. دعنا نبدأ من أول السورة بعد أن بينت موضوعها الأساسي تلاحظ في مطلعها الحديث عن القرآن الكريم نريد أن نتوقف عند هذه الآيات.

د. الخضيري: يقول (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) لما أقسم بالكتاب أقسم بوصف تتضح حقيقته في هذه السورة، مبين يُبين عن حقائقه، يُبين عن العقائد المطلوبة، يُبين عن كل ما يريده من العباد بأسلوب يظهر لكل من يقرأ فيه ويتأمله وفي سورة الزخرف نفس الأسلوب (حم ﴿١﴾ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا )

د. الشهري: وكلمة المبين تحتمل معنيين

د. الخضيري: من (بان)

د. الشهري: إما هو مبين يبين هو الحقائق ويوضحها وإما مبين هو بنفسه.

د. الخضيري: وكلاهما صحيح. قال (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ) أنزل هذا القرآن في ليلة، القرآن والليل متجاوران في القرآن (وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (20) المزمل) (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٢﴾ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ﴿٣﴾ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا ﴿٤﴾ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴿٥﴾ المزمل) القرآن يقرأ في النهار وفي الليل لكنه في الليل أكثر مواطأة وخصوصاً بعد النوم. قال (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ) هذا الانزال يتضمن انزالين ذكره ابن عباس ونقل فيه الاجماع وهو إنزاله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وهو إنسان جُملي والمقصود منه التشريف تشريف هذه الأمة إعلام أهل السماء تشريف هذا النبي ولا يقصد منه أن ينزل بيت العزة ليأخذه جبريل وينزل به على محمد، كلا، فالأدلة والنصوص قاطعة أن جبريل كان يتلقاه من الله مباشرة ثم ينزل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيضاً تحتمل كما قال جماعة من أهل العلم أنه إشارة الى إنزال أول قطعة منه، ابتداء النزول والآية محتملة للإثنين ومعناهما صحيح وإن كان لفظ أنزل في الغالب تأتي في القرآن بمعنى الإنزال الجُملي لكن لا يمنع أن يكون المقصود إنزال أول قطعة منه على رسول الله كانت في الليلة المباركة وهذه الليلة بهذا الوصف مبهمة لكن عندما نجمع آيات القرآن نعرف ما هي الليلة، في قوله (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) القدر) هذه دلت على أنها ليلة القدر وهي الليلة المباركة أين ليلة القدر؟ قال الله عز وجل (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى (185) البقرة) فهذه الأدلة الثلاثة إذا جمعناها اكتملت لدينا الصورة أنزل القرآن في رمضان في ليلة القدر وهي الليلة المباركة. وبركتها لا توصف ولا تُحدّ والقرآن سبحان الله هو مبارك وأنزل على رجل مبارك وهو محمد صلى الله عليه وسلم أعظم الناس بركة وفي ليلة مباركة وفي مكان مبارك

د. الشهري: احتفت به البركة من كل جانب

د. الخضيري: إذن من اقترب منه فقد وقع في دوحة البركة (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ (29) ص) ما هي هذه البركة؟ أُطلقت في القرآن ولم تقيّد ما قال مبارك في هداياته ولا مبارك في دلالاته مبارك حتى عندما يقرأ على المريض حتى لو كان كافراً ترى أثر بركة هذا القرآن على المريض، الصحابة قرأوها على سيد ذلك الوادي الذي لُدغ فقام كأنه نشط من عقال. قال (إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ) هذا يؤكد التهديد ما قال إنا كنا مرسلين أو مبشرين، قال (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) في تلك اللية يفصل كل أمر حكيم وقد ذكر العلماء أن الله عز وجل يقدّر ما يكون في ذلك العام إلى ليلة القدر من العام المقبل وخصوصاً الأمور العظيمة. حكيم يعني ذو حكمة وذو حُكم. قال (أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) هذا كله تعظيم للقرآن وأنه من عند الله عز وجل فيجب أن يتقبله الناس وأن يأخذوه على وجه التعظيم. قال (رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ) لا تظنوا أن هذا نزل ثقلاً عليكم وتكليفاً لكم وإيذاء وظلماً وبغياً، لا، هو رحمة ولذلك إذا أخذتم به أخذتم الرحمة وأدركتم الرحمة والناس الآن يحاولون التخفف من كتاب الله وأخد بعض القرآن والإيمان ببعض يظنون أنهم بذلك يدركون الرحمة والتخفيف والرخصة والتسهيل وهم ما يدرون أنهم يشقون على أنفسهم (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (96) الأعراف)

د. الشهري: الأمر بأخذ الكتاب بقوة ليحيى عليه السلام وللنبي صلى الله عليه وسلم ولنا نحن أن تأخذه كله وتأخذه بقوة وبإيمان وبإقبال وبتصديق حتى بعضهم يطلب الرقيا بالقرآن الكريم من باب التجربة مثلاً يقول جربت العلاج الفلاني وقالوا لي القرآن كويس وأريد أن أجربه

د. الخضيري: إذا ما أخذته على أنه من عندنا رسالة من عند الله عز وجل صادقة فيها البركة وفيها الخير والرحمة فأنت ما لك منه نصيب.

د. الشهري: توقفنا عند أول السورة عند قوله (رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ) في وصفه للقرآن الكريم والحقيقة قضية نزول القرآن الكريم ووصفه بهذه الأوصاف جديرة أن نجليها للإخوة المشاهدين أكثر خصوصاً في رمضان لأن بعض الناس لا يلتفت إلى القرآن إلا في هذا الشهر ونحن نسأل الله أن يتقبل منهم وأن يهدينا وإياهم ويثبتنا على الحق باستمرار لكن هذا منهج غير صحيح في التعامل مع كتاب الله ينبغي أن يكون برنامجك مع القرآن على طول العمر حتى يأتيك اليقين، فماذا توجه في ظل هذه الآيات الواضحة في أول سورة الدخان

د. الخضيري: الله عز وجل يكثر من وصف القرآن لنا بأوصاف متعددة تبين لنا أنه لا يمكن للإنسان أن يحيا حياة سعيدة ولا أن يصل إلى ما يصبو إليه ويحقق أهدافه بوجه كامل حتى يرجع إلى كتاب الله عز وجل. فعندما يصف كتابه(فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴿٤﴾ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴿٥﴾ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٦﴾ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴿٧﴾) ويقول (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) ويقول في آخر السورة عطفاً على أولها (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)

د. الشهري: وهل يمكن أن نعتبر أن هذه الإفاضة في وصف القرآن الكريم تهديد لمن يخالفه؟

د. الخضيري: نعم.

إتصال أمة الله من تونس: آية في سورة الأعراف الآية 57 (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ضرب مثل لكني لم أفهم الوجه في ضرب المثل فهل يمكن أن تفسروه لنا؟

د. الشهري: هي قرأت برواية روش عن نافع (نُشُراً) فسّرها لها بالروايتين

د. الخضيري: ربنا سبحانه وتعالى يرسل الرياح مقدمة بين يدي نزول المطر فالناس يعرفون نزول المطر بهبوب الرياح فإذا هبت الريح عرف الناس قرب رحمة الله لهم بنزول المطر فهي مبشرة بشرى بين يدي رحمته (حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ) أي هذه الرايح (سَحَابًا) هذه السحابة التي يُنشئها الله عز وجل في السماء ما تذهب إلى أي مكان إلا عبر راحلة والراحلة هي الريح فالريح تقل السحاب وتذهب به إلى المكان الذي يشاء عز وجل. قال (حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ) بلد ميت أي قد أجدب فصار مثل وصف الميت الذي مات بعد حياة

د. الشهري: كما هو الوضع الآن في الصومال أرض قاحلة

د. الخضيري: أرض قاحلة ليس فيها شجر، قال (فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ) ثم هذا سيق لأمر آخر وهو ليكون دليلاً على البعث قال (كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) كما نخرج النبات بعد أن كانت الأرض مجدبة نخرجكم أنتم بعد أن ذبتم في الأرض لأن الله في يوم القيامة يُنزِل على الأرض مطراً كمنيّ الرجال فينبتون كنما تنبت الحِبّة في حميل السيل، انظر إلى البقلة الصغيرة عندما تنبت على طرف الوادي تنبت صغيرة ضعيفة ثم يأذن الله عز وجل بنفخ الأرواح فتنفخ فيقوم الناس لله رب العالمين

د. الشهري: وهذا الدليل يتكرر أن الله يستدل بإحياء الأرض بعد موتها يستدل به على بعث الناس بعد الموت

د. الخضيري: وقد مر بنا في سورة الزخرف بالأمس (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴿١١﴾) فهو من أكثر الأدلة التي يستدل بها على إمكان البعث بدليل حيّ ظاهر لكل إنسان يستطيع أن يراه في كل عام، تمر بالوادي فهو مجدب وأشهب ثم تمر به وقد اخضر الحياة ستدب فينا بعد موتنا كما تدب في هذا الوادي بعد أن مات والله على كل شيء قدير

د. الشهري: نعود لذكر القرآن والإفاضة فيه في أول السورة، لماذا هذه الإطالة وأنت حدثتنا أن الموضوع عن التهديد؟

د. الخضيري: لأجل أن يعود الناس إلى كتاب الله عز وجل ويجعلوه نبراساً لهم ويعلموا أن المسألة ليست مسألة اختيارية بإمكانكم أن تأخذوا هذا الكتاب أو لا تأخذوه، لا، لذلك في سورة الشورى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا (52)) وقال في غافر (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ (15)) فسمى الوحي النازل من السماء روحاً، ما هو الروح ميزانها في البدن؟ هي الحياة فهذا الجسم على طوله وعرضه لا يساوي شيئاً في مقابل نفخة الروح، هو ميت إن لم تكن فيه هذه الروح كذلك أنت أيها الإنسان ميت إن لم يكن فيها هذه الروح وهو القرآن قال صلى الله عليه وسلم “مثلُ الذي يقرأ القرآن والذي لا يقرأه كمثل الحيّ والميّت”. قال (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٦﴾ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴿٧﴾ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) دائماً سبحان الله يتدرج من أدلة الربوبية إلى الألوهية فما دمتم توقنون أنه رب السموات ورب الأرض وما بينهما وهو الذي يحيي ويميت إذن فلا تصرفوا العبادة لأحد سواه ولذلك يقول (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴿٨﴾)

د. الشهري: هنا لفتة في قوله (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ) أن الله سبحانه وتعالى يستدل بأنه هو الذي يحيي ويميت ولم يمنعه معارضة النمرود عندما قال لابراهيم (قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) ادّعاء وليس حقيقة فابراهيم انتقل قال (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ (258) البقرة) الآن تلاحظ حتى في مواضع أخرى من القرآن يستدل بقضية الإحياء والإماتة لأن حقيقة الإحياء والإماتة لا يقدر عليها إلا الله حتى لو شغّب بعض المشغبين في بعض الأدلة لا يعني أن تترك الدليل لأنه دليل قوي

د. الخضيري: وهذا الدليل ميزته أنك يمكن أن تشاهده في كل ثانية مئات المرات، تعال إلى أي خلية من خلايا النحل أو النمل أو الحشرات أو الحيوانا أو الأحياء أو تسمع أخبار فلان ولد له هذا الدليل لا ينقطع مستمر في كل لحظة. يقال أن عالماً من اليمن كان في أوروبا فجاؤا إليه أيام الاختراعات قالوا له وهم يدلونه على الالحاد يقولون لا إله لهذا الكون فيقول لهم هذا الكون له إله وهو حيي ويميت، قالوا نحن الآن نستطيع أن نخلق حتى النملة، يعني نخلق نملة فتكون حية وليس هذا خاصاً بالله، قال أعطونا فجاؤا له بمجسّم نملة تتحرك وتمشي قال أعطوني النملة التي خلقها الله فأعطوه إياها فوضعمها بجوار بعض ثم صب عليها الماء أما النملة المصنوعة فسكتت لأن فيها كهرباء صار فيها تماسّ فانتهت وتلك بدأت تصارع الموج حتى نجت فقال (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ (11) لقمان)

د. الشهري: هذا طبعاً مع الاختلاف في الفكرة

د. الخضيري: وهم يعلمون أنهم كاذبون. بل نحن نقول أقل من ذلك حبة الشعير وحبة القمح التي ليس فيها حياة تتحرك بها فيما يظهر لنا نحن هل تستطيع مصانع أميركا أو أوروبا أو الصين أن تصنع حبة قمح أو حبة رز تكبر ويكون فيها الخصائص الموجودة فيها؟ تغرسها في مكان فتنبت؟ لا يمكن.

د. الشهري: قال تعالى في سورة الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)) لماذا الذباب بالذات؟ هل هو تحقيراً لهم أو لأن لحقارة الذباب علماً أن الذباب فيه تعقيدات في خلقه؟

د. الخضيري: أولا من باب التحقير وأن أضعف مخلوقات إذا أخذ شيئا من الطعام الذي تضعونه للأصنام لن تستطيعوا أن تأخذوا هذا من الذباب ولا الأوثان تستطيع أن تسترد هذا الطعام من الذباب، يا الله! ما أبلغ هذا المثل في بيان حقارة هذه الأصنام وعابديها! ثانياً يقول العلماء المعاصرون أن الذباب من الحيوانات الفريدة فيما رأوه أنه يحول المادة إلى مادة أخرى تماماً في جزء يسير جداً من الثانية بحيث لو استطعت أن تقبض على الذباب وتعضره لتخرج المادة ما صارت نفس المادة، المادة نفسها تغيرت تماماً عن المادة الأولى وهذا من عجائب هذا المثل

د. الشهري: لاحظ وأنت تتحدث في القرآن كيف أن الله يرسم لنا العلاقة بين المؤمن وبين المسلم وربه والكون حوله، هؤلاء الغرب عندما يرون أنهم وصلوا إلى مرحلة سيطروا فيها على التحكم بالطبيعة كما يقولون انظر كيف يعانون من الزلازل ومن البراكين لأنهم بتجاربهم النووية أحدثوا تغييرات في الطبيعة لأنهم لا ينظرون إلى الطبيعة على أنها مسخرة لهم كأنها مخلوق آخر يريدون أن يسيطروا عليه يقولون ترويض الطبيعة

د. الخضيري: يقولون غزو الفضاء ويقولون صاروخ التحدي، تحدي من؟! ولذلك الله عز وجل أعطاهم جواب التحدي في ثانيتين انطلقت فرجعت إليهم رماداً!

د. الشهري: أما المسلم فهو ينظر إلى الكون على أنه مسخر له

د. الخضيري: وكلها أيضاً عابدة لله (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ (18) الحج) كل هذه المخلوقات هي عابدة لله عز وجل

د. الشهري: هناك كتاب قيّم في هذا الموضوع في قضية علاقة المسلم بالطبيعة قضية فلسفة التربية للكاتب ماجد عرسال الكيلاني له كتاب فلسفة التربية الاسلامية يؤكد فيه هذه الحقائق هي بالنسبة لنا حقائق ظاهرة وبسيطة أن الله خلق لنا هذا الكون وسخره لنا أنت تنظر إليه على أنه مسخّر له وهو يوحد الله ويسبح الله وأنت لا تعلم لكن الفلسفات الغربية لا تؤمن بهذا “لا إله والحياة مادة” كما يقولون

د. الخضيري: والعالم كله تحدي وسيطرة وغزو. قال (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) (بل ) إضراب عن الكلام الأول بعد أن بيّن حقائق التوحيد وضرب لها الأمثلة وأتى لها بالدلائل قال (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) هم في شك لما دائماً يذكر حرف الظرفية (في) يعني هم واقعون داخل الشك لا يريدون أن يخرجوا منه، ما قال على شك يعني يطلّون على الشك لا، هم واقعون في بؤرة الشك ولذلك ما يبالون، كونكم تستطيعون الخروج من هذا الشك سهل لو أنكم أبصرتم بأعين بصائركم ونظرتم إلى الأدلة التي تتلى عليكم والتي من حولكم لكنهم لا يريدون ذلك لأنهم قد التهوا، يلعبون وهذا هو سر هذه السورة كلمة يلعبون، لعبوا لأنهم لا يؤمنون بالآخرة كما هو الحال الآن في الحضارة الغربية المقصود أن تعيش وأن تسعد بكل ما أوتيت ولو على مصلحة العالم أجمع لأنه  ليس لك إلا هذه الحياة ليس لك إلا هذا العمر وهذه الدقائق التي تعيشها، نموت ونحيا وينتهي بذلك العالم. فالله عز وجل يقول لهم (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ ﴿٣٥﴾) فسبب اعراضهم وهذه هي علاقة هذه السورة بالسورة السابقة، في السورة السابقة كان سبب الإعراض عن التوحيد ودعوة القرآن زخرف الحياة وهنا الاعراض عن الموت والإعراض عن الآخرة، انظر للعلاقة علاقة في غاية الروعة كأنه في كل سورة يعالج جانباً من جوانب إعراض هؤلاء عن القرآن وعن الاذعان للتوحيد والرسالة تصل بكل وضوح لأن هذا كتاب مبين

د. الشهري: حتى بعض المسلمين لم يكن يتفطن إلى هذه الحقائق ونحن في برنامجنا في هذا المنهج الذي اختطيناه عندما نتحدث عن السورة تفسير موضوعي ونظرة كلية نريد أن نبين للناس أن السور القرآنية رسائل تحمل أشياء محددة والناس يفهمونها فعندما تأتي تلك وتحدث عن الزخرف وتأتي هذه تحدث عن التهديد وتلك تتحدث عن القرآن وتعظيمه وعن حماية الرسول عن الدفاع عن الأنبياء وهكذا.

د. الخضيري: وهذه الرسالة كان البارحة أحد المشايخ يتصل بي ويناقشني في قضية التدبر وحقيقة والاختلاف بينه وبين التفسير. موضوع هذه الحلقات هو تدبر للسور نبين ما هي الحقائق التي تدعو إليها هذه السور وهذه الحقائق بينة واضحة سهلة ميسرة قد أكد الله ذلك بالنص (والكتاب المبين) وقال في آخر السورة (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ (97) مريم) يفهمه كل أحد صحيح أنه قد لا تفهم معنى الآية الفلانية المحددة لغرابة اللفظ أو لأن المعنى قد يكون بعيداً عنك أو ما عرفت سبب النزول لكن الحقيقة التي تدور حولها الآية وتريد أن تقررها في نفسك ويراد منك القيام بها وتنفعك في حاضرك ومستقبلك لا بد أن تكون واضحة وسهلة وإلا كيف يكون هذا الكتاب للثقلين؟ كيف يكون للعرب ولغير العرب؟ كيف يكون للصغار والكبار إلا لأنه سهل ويمكن فهمه ويمكن الوصول إلى حقائقه بأيسر الطرق (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17) القمر). أضرب مثالاً الذي يقرأ قول الله عز وجل (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿٢٢﴾ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ﴿٢٣﴾ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴿٢٤﴾ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ﴿٢٥﴾ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴿٢٦﴾ المطففين) كل واحد منا يعرف أن الله عز وجل يقول كونوا أبراراً لتنالوا هذا النعيم، هذه هي الغاية النهائية التي يجب أن يصل إليها كل الناس وهي واضحة. سألت أناساً قبل أسبوعين قلت من يعرف الأرائك؟ فخاضوا في القول أحسنهم من قال الأرائك هي الأسرّة، قلت عودوا لكتب التفسير وانظروا ماذا قال المفسرون قال الأريكة هي الحَجَلة والحجلة وهي الستور المرخاة يعني السرير المزيّن وليس السرير العادي هذا المعنى يصل إليه المفسر لكن المتدبر الذي يريد أن يصل للحقيقة قد وصل إلى الحقيقة من دون أن يفهم المعنى الدقيق لهذه الكلمة في لغة العرب فالعالِم هو الذي يجلّي لنا المعاني الدقيقة للقرآن لكن المعاني الواضحة الجلية يفهمها كل مسلم، هل يستطيع أحد أن يقول أنا ما فهمت التوحيد من القرآن؟ ما فهمت أن أركان الاسلام إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان؟ ما يستطيع لوضوح آيات القرآن في الدلالة على هذه الحقائق، هل يستطيع أحد أن يقول ما تبين لي أن الكذب من الأخلاق الرديئة وأن الصدق من الأخلاق الطيبة؟ لا يمكن

د. الشهري: ولو كان هذا ممكناً لرد المشركون على القرآن وقالوا ما فهمنا كلامك يا محمد أو أنه صعب!

د. الخضيري: أبداً، ماذا كانوا يفعلون؟ (لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ) لأن مجرد سماع القرآن يوصل هذه الحقائق إلى القلوب ولهذا من أول مهمات الرسول قال (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ (2) الجمعة) لأن تلاوة الآيات بذاتها تحقق المقصود وهو الهداية إلى هذا الحق العظيم. (وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) هناك شيء آخر غير التلاوة وهو التعليم. التعليم كونهم يعرفون الفرق بين صلاة الظهر والعصر، الركوع، السجود، ماذا يقولون في الركوع؟ ماذا يقولون عند الافطار؟ ماذا يفعلون في الاعتكاف هذه تعليم لكن الحقائق الكبرى الجلية هذه تفهم والتلاوة كفيلة بإيصالها

د. الشهري: والعجيب أن قريش كانت تحذر من سماع النبي صلى الله عليه وسلم وقد مرّت معنا في سورة فصلت (لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فيه (26) فصلت) فكأنهم فهموا أنكم إذا استمعتم سوف يدخل في قلوبكم مباشرة، الطفيل بن عمرو لما زار مكة فقالوا له انتبه محمد سوف يضلك وحملوه أن القطن في أذنه فقال أنا رجل أعرف اللغة والشعر شعر أنه عار عقله للآخرين فلما استمع إلى القرآن أسلم ومثله كثير

د. الشهري: توقفنا عند قوله سبحانه وتعالى (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ) لكن نشير إلى بعض الأسئلة التي وردتنا حول السورة

سؤال: (ذلك هو الفوز المبين) لم لم يقرن الفوز المبين إلا في الأنعام والدخان؟

د. الخضيري: أولاً كلمة مبين في هذه السورة ترددت كثيراً قال الله عز وجل (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) (بِدُخَانٍ مُّبِينٍ) (وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ) (إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) ومع بني اسرائيل قال (مَا فِيهِ بَلَاء مُّبِينٌ) خمس مرات تكررت هذه الكلمة مما يدل على أن كل الحجج والآيات والدلائل في هذه السورة في غاية الوضوح كما رأوا ذلك الدخان بأعينهم أيضاً هذه آيات الله المنظورة والمتأمّلة والمعقولة بيّنة واضحة لا تحتاج لأحد أن يستفسر عنها أو تلتبس عليه أو يحتج بغموضها عليه

سؤال: لماذا ذكرت قصة موسى مع فرعون في سورة الدخان دون غيرها من القصص؟

د. الخضيري: هناك شبه كبير بين العقوبة التي حلت بالمشركين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والعقوبة التي حلّت بفرعون عندما هدده موسى لأن الله تعالى قال (وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ)

د. الشهري: ما معنى رهوا؟

د. الخضيري: رهوا تأتي بمعنى الساكن والرهو يقال رهى بين رجليه يعني فرّج بينهما يعني اتركه منفرجاً ساكناً حتى تعبر ثم يأتي فرعون من بعدك فيطبق عليه البحر بإذن الله عز وجل

د. الشهري: كأن موسى عليه السلام عندما خرج من البحر أراد أن يعود

د. الخضيري: قال له اترك البحر رهوا حتى يتكامل دخول فرعون فلما تكامل دخولهم أطبق الله عليهم فذهبت أمة في لمح البصر أمة كاملة

د. الشهري: هذه عقوبة لم تتكرر إضافة إلى غرق قوم نوح

د. الخضيري: في قوم نوح الغرق جاء شيئاً فشيئاً أما في هذه الأمة كانت رأي العين ثم غابت، لا يوجد أحد منهم

د. الشهري: ومن كمال عقوبتهم أنه خرج مع الجيش كل المؤثرين في قوم فرعون خرجوا معه

د. الخضيري: طبعاً يقال كما ذكر المؤرخون أن الذين خرجوا مع فرعون 600 ألف.

د. الشهري: وإن كان ابن خلدون يشكك فيها

د. الخضيري: لكن عدد كبير جداً. قلت في برنامج بينات أو في أحد البرامج السابقة قلت إن موسى ضرب البحر فجعل الله عز وجل اثنا عشر طريقاً والحقيقة أن هذه المعلومة غير صحيحة الطريق كان واحداً وإنما كان إثنا عشر لما ضرب الحجر (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً (60) البقرة) هذه خرج منها 12 عيناً أما البحر فكان طريقاً واحداً (يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) طه) وقد نبهني إلى هذا أخي الشيخ فهد المبارك جزاه الله خيراً. وأمس أيضاً (وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ (59)) قلت قدوة وهي عبرة  وآية، أردت أن أوضح هذا.

د. الشهري: المثُلات يعني العبر والآيات. سؤال آخر ما المعنى المستفاد بالتعبير بالبكاء في قوله (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ)؟

د. الخضيري: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ) قال العلماء إن الرجل الصالح يبكي عليه موضع سجوده من الأرض ومصعد عمله من السماء فهؤلاء القوم لم يكونوا عُباداً ولم يسجدوا لله عز وجل فالله عز وجل يبين أن هذه السماء ما بكت عليهم لأنهم ما تعرفهم وأن الأرض ما بكت عليهم لأنهم ما سجدوا لله عز وجل عليها كأنها ما تأثرت بموتهم ولا ندمت على زوالهم

د. الشهري: الآن على سبيل المثال بعض الطغاة الذين سقطوا ما أحد بكى عليهم! بالعكس فرح الناس بزوالهم

د. الخضيري: هذه الآية استفاد منها بعض الناس أنه يستحب للإنسان أن يستكثر من مواضع العبادة تصلي في مواطن كثيرة جداً لتشهد لك يوم القيامة

د. الشهري: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ)

د. الخضيري: الله عز وجل قال (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ) اختلف العلماء في هذه الآية هل المقصود بها الدخان الذي رآه المشركون وهذا الذي فسرها به ابن مسعود وجماعة من المفسرين على أنه شيء تحقق ووقع حتى قال ابن مسعود خمسة قد مضت الدخان والروم والقمر والبطشة واللزام وأما ابن عباس وجماعة فيرون أن الدخان هي الآية التي ستكون في آخر الزمان من علامات الساعة العشر الكبرى وهذا الدخان سيأتي ويجعله الله علامة على قرب قيام الساعة ويستدل هؤلاء الذين يقولون بأنه في آخر الزمان بقوله (يَغْشَى النَّاسَ) ما قال يغشى الكفار أو يغشاكم يا أهل مكة

د. الشهري: يؤكد هذا كأنه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم (إرتقب) انتظر فقط وستشاهده

د. الخضيري: يؤكد القول الأول، فقوله (ارتقب) يؤكد القول الأول ويؤكد أيضاً قوله (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) دل هذا على أن هذا الدخان قد وقع. وهناك قول آخر أن قوله (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ) صالح للإثننين مثلما قلنا في قوله (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ) بدخان مبين ترونه يا أهل مكة وبدخان مبين يأتي في آخر الزمان ويكون بيّناً

د. الشهري: وهذا صحيح وهذا صحيح ولا تعارض بينهما.

د. الشهري: توقفنا عند هذه الآيات في سورة الدخان في قوله (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى)

د. الخضيري: قال الله عز وجل (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ) كثير من المفسرين يرون أن هذه البطشة كانت في غزوة بدر بعد أن حصل لهم الدخان ثم كشفه الله بالغيث وعدهم الله عز وجل بهذا العذاب وهو بطشة بدر وهي كبرى لماذا؟ لأن دويلة صغيرة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان مستضعفاً وطريداً من بلده يأتي على دولة كبرى تهيمن على جزيرة العرب تقريباً ولها السمعة والجاه والمنزلة والغنى ثم تصبح هذه فريسة لتلك؟ بطشة كبرى! من الذي ذهب؟ الرؤوس الكبار ذهبوا في تلك الموقعة!. وقيل البطشة الكبرى يوم القيامة والذي يظهر لي والله أعلم أنها الأولى كما ذكر كثير من المفسرين أنها غزوة بدر والله أعلم. قال (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) على عادة القرآن بالتذكير بمصائر السابقين (وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) في غاية ما يكون من الأخلاق الرائعة والنفاسة في البشرية لأن الكريم يقال في النفيس في جنسه. قال (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) بعد أن بلّإهم رسالته فأبوها طلب طلبه الثاني أعطوني بني اسرائيل (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) الأعراف) قال (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) كأنهم قالوا لماذا نؤديهم لك؟ قال أنا رسول أمين لا يمكن أن أخون أو أكذب على الله عز وجل. قال الله عز وجل لما رآهم استكبروا (وَأَنْ لَّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) فجاء بالآيات المعروفة. ثم كأنهم هموا أن يبطشوا به قال (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ) كأنه كانت من عقوباتهم أنهم يرجمون من يريدون قتله. (وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) وهذا مشابه لقول الله عز وجل في سورة الزخرف (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ) ما تريدون ما أنا فيه اعتنزلوني ودعوني فيما أنا فيه. فدعا ربه لما رآهم قد أمعنوا وأرادوا به كيداً قال (فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ) قال الله له (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ) والاسراء لا يكون إلا ليلاً وهذا من باب تحقيق أن الإسراء في الليل لأنه قد يكون كناية عن التبكير والمبادرة. أُخرج في الليل أخفى لك لأنهم كانوا قوماً ضعفاء فمن أجل أن يتسللوا ولا يشعر بهم فرعون وملؤه وما شعروا بهم إلا الصباح. قال (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ﴿٢٣﴾ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ﴿٢٤﴾) وعد من الله سبحانه وتعالى وهو تهديد لأهل مكة مثل ما حصل لكم لما كذبتم عاقبكم الله بالقحط ولما كشف عنكم وعدتم بطش الله بكم في بدر. قال الله عز وجل (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴿٢٥﴾ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴿٢٦﴾) قوم فرعون تركوا أشياء كثيرة تركوا دولة كاملة لأنه ذهب كل من يملكها. قال الله عز وجل (وَأَوْرَثْنَاهَا) هل الذين ورثوها بنو اسرائيل كما يقول ابن كثير وجماعة؟ أو الذين ورثوها قوم آخرين كما قال الله عز وجل؟ ولو كان المراد بنو اسرائيل لقال كذلك أورثناها بني إسرائيل، وهذا لا يؤثر في الموضوع. قال (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ) يعني ممهلين. قال (وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ) هذه إشارة إلى أن نبي الله محمداً صلى الله عليه وسلم سينجو ومعه المؤمنون وسيديلهم الله على كفار مكة قال (وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ) (مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ). ثم قال (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) اخترنا هؤلاء من بني إسرائيل لأنهم كانوا مؤمنين بالله (عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) أي عالمي زمانهم. (وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاء مُّبِينٌ) آتيناهم آيات فيها نعمة ظاهرة، البلاء هنا بمعنى النعمة. قال الله عز وجل عاد إلى الحقيقة التي أراد أن يقررها  وهي أن الذي أشغل هؤلاء عن اتباعك يا محمد والتكذيب بدينك وعدم استماعهم للقرآن وأخذهم به هو غفلتهم عن الآخرة وعدم الإيمان بها. يقولون باحتجاج على رسول الله (إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ ﴿٣٤﴾ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ ﴿٣٥﴾ فَأْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿٣٦﴾) قال تعالى (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) قوم تبع هم قوم سبأ وكان الملوك يسمون التبابعة لأنهم يتبعهم الفئام الكثير من الناس فسموا بذلك. قال (قَوْمُ تُبَّعٍ) ثم استدل على البعث (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)) ثم بين يوم القيامة وأنه يوم يفصل فيه بين الحق والباطل ويفصل به بين المؤمن والكافر قال (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٤٠﴾ يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا) مولى عن مولى يعني قريب عن قريب ولكن المولى في الأقرباء والناصر في البعداء قال (إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ) لكن من رحم الله يُغني، (إلا) هنا استثناء منقطع، قال (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ). ثم ذكر عذابهم (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ﴿٤٣﴾ طَعَامُ الْأَثِيمِ ﴿٤٤﴾ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ﴿٤٥﴾) المهل يقول العلماء هو دردي الزيت، المغلي من الزيت والذي قد تغير لونه،

د. الشهري: هو المغلي سواء كان زيتاً أو نحاساً. انتهى الوقت. شكر الله لك وفتح الله عليك ويبدو لي وأنت تتحدث عن فرعون أن فرعون يضرب به المثل بالطغيان يقولون تفرعن فلان ولا يقولوا (تتبع) فلان أو تكسّر. اسأل الله أن يفتح عليك ويجزيك خيراً.

***************

الفائز بسؤال الأمس: فاطمة أبو بكر صالح

سؤال الحلقة: ذكر الله في الجزء الرابع عشر عادة جاهلية وهو ما يصيبه أحدهم من الحزن إذا ولدت له بنت فما هي الآية التي تدل على ذلك؟