برنامج التفسير المباشر

التفسير المباشر – 1432 هـ – سورة الفتح

اسلاميات

الحلقة 142 – سورة الفتح

ضيف البرنامج في حلقته رقم (142) يوم الخميس 18 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالله العبيدي القحطاني (أبو مجاهد العبيدي)، أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك خالد ، والمستشار بملتقى أهل التفسير .

وموضوع الحلقة هو :

– علوم سورة الفتح .

– الإجابة عن أسئلة المشاهدين .

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً. أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في برنامجكم التفسير المباشر. اليوم سيكون حديثنا عن سورة الفتح صلى الله عليه وسلم وباسمكم أرحب مجدداً بضيفنا فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد بن عبدالله العبيدي القحطاني (أبو مجاهد العبيدي)، أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك خالد في أبها، والمستشار بملتقى أهل التفسير.

اليوم سوف يكون حديثنا عن سورة الفتح ولعلنا نبدأ إذا كان هناك تناسب بينها وبين سورة محمد ثم نتحدث عن إسمها.

د. محمد: الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. نسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا ومن جميع المسلمين صالح الأعمال وأن يوفقنا لما يحب ويرضى ونسأله جل وعلا أن يجعلنا من أهل القرأن الذين هم أهل الله وخاصته.

سورة الفتح لا شك أن لها اتصال بسورة محمد التي قبلها ولاحظنا بالأمس لما تحدثنا عن سورة محمد بأنها تعنى بموضوع القتال والصراع بين المشركين والمؤمنين والعاقبة عندنا يا أهل الإيمان هي أنها دائماً للمتقين والنصر للمؤمنين ولا بد أن يُفتح لهم بإذن الله تعالى فإن هذا وعد من الله جل وعلا فأتت هذه السورة التي هي سورة الفتح. نهاية القتال والصراع الفتح والنصر محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل الذين كفروا فيفتح الله له وينصره نصراً عزيزاً. فأتت هذه السورة العظيمة سورة الفتح مباشرة بعد سورة محمد. وفي سورة محمد قوله تعالى (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)) لمن تولى وأعرض وفي سورة الفتح في آخرها (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ) فهي صفات الذين يستحقون أن ينصرهم الله وأن يجعلهم مكان الذين تولوا وأعرضوا. وفي سورة محمد (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) وفي هذه السورة (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا) وكلمة التقوى هي لا إله إلا الله التي علمناها في البداية واعتقدناها فيكون لها الأثر بإذن الله تعالى علينا في النصر والتعامل مع الكفار. فهذه السورة هي سورة الفتح سورة مدنية باعتبار زمن النزول لأنها نزلت بعد الهجرة كما هو الضابط المشهور عند حمهور أهل العلم أن التفريق بين المكي والمدني باعتبار الزمن فهي نزلت بعد الهجرة في السنة السادسة تقريباً ومكانها مكة أو في ضواحي مكة لأنها نزلت قريباً من مكة في مكان يسمى الحديبية “كُراع الغميم” منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية في السنة السادسة من الهجرة فهي مدنية الزمان ومكية المكان باعتبار أنها في ضواحي مكة.

د. الشهري: وأسماء السورة سورة الفتح هل لها أسماء أخرى غير هذا الاسم؟

د. محمد: لا يعرف لهذه السورة غير هذا الاسم سورة الفتح وبهذا سميت في الأحاديث وسميت كذلك في أقوال المفسرين وكتب السُنة ولا يعرف لها اسم غير هذا الاسم فهي سورة الفتح

د. الشهري: وهذا يرجح أنه اسم توقيفي طالما لم يعرف لها غير هذا الاسم. ما مقصود السورة هي نزلت بعد الهجرة في السنة السادسة بعد الهجرة وذكرت في ضواحي مكة في “كراع الغميم” منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية. والحديبيبة هي التي وقعت فيها صلح الحديبية. عندما نقول الحديبية الآن ما عدنا نرى لها أثراً لا في مكة ولا في ضواحي مكة ولا على طريق جدة فهل لها اسم جديد استحدث الآن؟

د. محمد: الذي علمته منك بأنه الشميسي الآن في مدخل جدة هذا مكان الحديبية وأتمنى أن الأماكن التأريخية التي لها قيمة في تاريخنا ووقعت فيها حوادث أن لا تغير لأننا لو مررنا بمكان وقيل لنا هذا مكان الحديبية لتذكرنا مواقف مرت بالنبي صلى الله عليه وسلم ولها تاريخها في السيرة فأتمنى أن لا تغير الأماكن القيمة وأن تبقى باسمائها المعروفة حتى يمتد ذكرها ويرتبط آخر هذه الأمة بأولها لأن الأماكن لا شك كلما مررت بمكان وعرفت أن فيه حادثة معينة تتذكر تلك الحادثة لها ذكريات جميلة وخاصة مثل هذه المواقف العظيمة

د. الشهري: ما أجمل وأنت قادم من جدة إلى مكة أن ترى لوحة مكتوب عليها بدل الشميسي مكتوب الحديبية

د. محمد: تتذكر النبي صلى الله عليه وسلم وما حصل في تلك المواقف وما دار بينه وبين الصحابة وكيف وقع الصلح حوادث عظيمة ولها أثر وتعيدنا إلى أمجاد هذه الأمة وكيف عانى النبي صلى الله عليه وسلم وعانى أصحابه وماذا حدث لهم والحوادث التي وقعت بينهم بمجرد أن ترى الاسم ستتذكر هذه الأشياء أو على الأقل تذكر أولادك بأن هذا الموضع كذا وحدث فيه كذا فأتمنى أن لا تغير الأسماء

د. الشهري: نرجع إلى موضوع سورة الفتح، ما هو الموضوع الأساسي الذي تتحدث عنه؟

د. محمد: موضوع سورة الفتح الأساسي من أولها لآخرها هو “ما منّ الله به على أهل الايمان ابتداء بإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه وما ترتب على ذلك ما منّ الله به عليهم من هذا الفتح العظيم وهو الذي حصل بصلح الحديبية. فموضوع هذه السورة عن صلح الحديبية وما حدث فيه وما ترتب عليه لأن صلح الحديبية كما هو معلوم في أحداث السيرة الذي حدث في السنة السادسة للهجرة عندما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمر وأتى بـ1600 من أصحابه يريدون العمرة بعد أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيعتمر ويطوف بالبيت فأتى بما يقارب الـ 1600 إلى مكة للعمرة وذلك في السنة السادسة للهجرة بعد الأحزاب وبعد غزوة الخندق.

د. الشهري: هل حدد الشهر؟

د. محمد: في ذي القعدة. فما كان من قريش إلا أن صدوهم وقال جماعة من المفسرين أن قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج) نزلت في قريش لما صدوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن العمرة ومعلوم أن قريش هم القائمون على مكة وما كانوا يصدون أحد فصدّهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كان جريمة كبيرة وشناعة ذمّهم الله عز وجل ذماً لازمهم إلى أن تقوم الساعة في هذه الآية فصدوه واصحابه عن العمرة فبقي في الحديبية خارج الحرم في الشميسي الآن وحصل ما حصل من المفاوضات لأجل الدخول وكانوا محرمين ملبين يريدون العمرة فأصر كفار مكة على رأيهم ومنعوهم فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه ليتفاوض معهم فتأخر عثمان وشاع أنهم قتلوه فقام النبي صلى الله عليه وسلم بمبايعة أصحابه رضي الله عنهم على الموت وأن يقاتلوا المشركين لفعلهم الشنيع هذا فوقعت بيعة الرضوان أو بيعة الشجرة التي بايع فيها النبي صلى الله عليه وسلم  1400 من أصحابه على الموت كما قال سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم بايعهم على الموت تحت الشجرة (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) وأثنى الله عز وجل على أهل هذه البيعة وجاء في حديث صحيح: “لا يدخل النار رجلٌ بايع تحت الشجرة” فكلهم من المبشَّرين بالجنة رضي الله عنهم ويؤخذ من هذا كفر الرافضة الذين يسبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون بأنهم من أهل الله لأن الله وعدهم بأنهم أهل الجنة وأثنى عليهم وهؤلاء كذبوا القرآن ومن كذب القرآن فقد كفر كما هو معلوم. لما علمت قريش عزيمة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على القتال حتى الموت وكانوا يهابونه والمسلمون أنفسهم يظنون أنهم لا يُغلَبون لأنهم عدد كبير مقارنة بما سبق الذين بايعوه 1400 كما جاء في الروايات خففوا من رأيهم السابق ولجأوا إلى المفاوضة فأرسلوا أكثر من شخص إلى أن جاء سهيل بن عمرو وقال النبي عليه الصلاة والسلام “سهُل أمركم” وحصل الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش على أمور منها:

– أن لا يعتمروا هذا العام ويعتمروا العام القادم

– أن يكون بينهم معاهدة وترك للقتال عشر سنوات يأمن الناس فيها، نزع السلاح لمدة عشر سنوات وهذا كان له أثر كبير جداً

– الأمر الثالث من شاء أن يلتحق بقريش ويحالفهم فله ذلك ومن شاء أن يلتحق بالاسلام ويحالفهم فله ذلك

– الأمر الرابع الذي كان شديداً على أهل الاسلام أن من جاء المسلمين من المشركين وهو مسلم فإنهم يردونه إليه ومن جاء كفار مكة من أهل الاسلام يريد أن يكون معهم يرتد عن دينه فيذهب وهذه أغضبت الصحابة وخاصة عمر رضي الله عنه قال: ألسنا على الحق قال صلى الله عليه وسلم بلى قال أليسوا على الباطل قال بلى قال: فلِمَ نعطي الدنيّة في ديننا؟ رأى أنها دنيّة والنبي صلى الله عليه وسلم أخبره أنه رسول الله وأنه ينفذ أمر الله وجاء إلى بكر فقال له مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم وقال إلزم غِرزه فغضب عمر رضي الله في هذا الموقف وحكم عليه حكماً ظاهراً

د. الشهري: ظاهر هذا الشرط فيه ظلم عندما تشترط قريش أن الذي يأتي من قريش مسلماً إلى محمد صلى الله عليه وسلم يرده إلى قريش

د. محمد: وجاء في هذه الأثناء أبو جندل ابن سهيل بن عمرو مسلماً وكان في أغلاله فأتى يريد الخلاص مما كان فيه فقال نبدأ بهذا. حتى ورد في بعض الروايات عمر يقترب منه لعله يأخذ السيف لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينظر إلى أبعد من ذلك والله عز وجل قال (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ) وقال في سورة (فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا (27) الفتح) ينبغي أن نتهم عقولنا وآراءنا أمام الوحي ولا نظن أن المسألة هي الظاهر، لا، ماذا حصل بعد ذلك وسبب النزول نزلت هذه السورة ولها فضل في منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يلطف الجو، رأى أنه أخطأ وكانوا شديدي الحساسية أن يؤذوا النبي صلى الله عليه وسلم أو أن يعترضوا على شرع الله وخاصة لما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بحلق الشعر لأنهم أحصروا شق ذلك عليهم ورفضوا أمرهم، تأخروا لعل الله يغير أكثرهم ما قام أحد! فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وهو متأثر أم المؤمنين رضي الله عنها فأشارت عليه رأياً يدل على كمال عقلها رضي الله عنها ويدل على حكمة النبي صلى الله عليه وسلم وعقله في استشارة زوجاته فقالت اذهب أنت فاحلق فحلق فتسابق الناس إلى حلق رؤوسهم كأنهم قد يئسوا إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حلق فلا مجال للعمرة بعد ذلك. في المنصرف في الرجوع إلى المدينة النبي صلى الله عليه وسلم كان راكباً وعمر بجواره فسأله عن شيء فسكت النبي عليه الصلاة والسلام فسأله فسكت فسأله مرة ثالثة عن شيء فلم يرد عليه فقال عمر رضي الله عنه ثكلتك أمك يا ابن الخطاب سألت رسول الله ثلاثة مرات فلم يرد عليك فابتعد خوفاً من أن ينزل فيه قرآن يؤنبه أو يكون شديداً عليه فذهب في مقدمة المسيرة فإذا بمنادٍ ينادي يا عمر أين عمر؟ فقال وقع الذي كنت أخشاه ظنّ نزل فيّ قرآن! فعاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا به صلى الله عليه وسلم يقول: أنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (2)) نزلت في هذا الحادث وفي فضل هذه السورة وأنها أحبّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما طلعت عليه الشمس وكيف لا تكون أحب إليه وفيها (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) وتأمل حال النبي صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه وهم في هذا الموقف وهذه الآيات تنزل عليهم! بهذا الخبر المؤكد (إنا) بصيغة الخبر المؤكد بنون العظمة (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) ليس أي فتح وإنما فتحاً مبيناً. وهي أيضاً مما يسمى بالقرآن الليلي “أنزلت عليّ الليلة” والعلم بهذه الأشياء عدّه العلماء مما يُمدح به الإنسان العلم بهذه الأشياء لها أثر على أهل القرآن لأنهم يعرفون بعض التفاصيل وأن القرآن نزل في الليل والنهار وأنه ينزل حسب الوقائع والأحداث وينزل ليثبت ويسدد ويبشر (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) الفرقان) هذه ملابسات نزول هذه السورة العظيمة التي هي وعودات من الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولصحابته كما سيأتي.

د. الشهري: لعل في كلامك ما يصحح تصور البعض عندما يقرأون السورة فيظنون أن (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا) المقصود بها فتح مكة

د. محمد: كان بعض الصحابة عبد الله بن مسعود والبراء بن عازب يقول: إنكم ترون الفتح فتح مكة وقد كان فتحاً ولكننا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما كنا نعد الفتح إلا صلح الحديبية. لأن الفتح إذا أُطلق في السيرة فهو لا شك فتح مكة. وحتى نعرف الفتح، الفتح والنصر ما الفرق بينهما؟ النصر هزيمة الأعداء ولا يسمى النصر فتحاً إلا إذا اقترنت الهزيمة بأخذ الأرض فإذا أخذت الأرض يسمى فتحاً لذلك فتح خيبر لأنهم أخذوا خيبر، فتح مكة لأنهم أخذوا مكة ما يقال فتح بدر ولا فتح أُحد لأنه لم يكن هناك وراثة للأرض وإنما هزيمة الفتح في الظاهر هو أخذ الأرض قالوا ما أخذت في صلح الحديبية بالعكس هم رجعوا إلى المدينة لم يأخذوا مكة ولم يكن هناك قتال فانتصروا فيه على قريش فيقال إن الحديبية سميت فتحاً باعتبار ما بعدها وباعتبار ما أفضت إليه فهي التي كانت السبب الأكبر في فتح مكة. ولذلك عدد المسلمين في الحديبية 1600 وفي فتح مكة عشر آلآف يعني في مدة وجيزة سنتين في المعاهدة التي كانت بين صلح الحديبية وفتح مكة تمكن الناس من السؤال عن الاسلام وتمكن المسلمون من دعوة الناس ومحاورتهم في دعوة الحق ففي مدة سنتين دخل أضعاف ما دخل قبل فهذا يدل على أن مقصود الفتح حصل بصلح الحديبية فباعتبار المآل وباعتبار العاقبة فإن صلح الحديبية يعتبر فتحاً عظيماً وسماه الله هنا فتحاً مبيناً وسماه في آخر السورة (فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) فهو مبين وقريب لأنه حصل لهم مباشرة وترتبت عليه آثار عظيمة للمسلمين وهذا يدل على حكمة الله جل وعلا وعلى صدق النبي صلى الله عليه وسلم وتسليمه لأمر ربه وأن الأمور ليست دائماً بالاستعجال ولا بما نظنه بادي الأمر وإنما ينبغي أن نعلم علماً يقينياً بأن الله سبحانه وتعالى هو الحكيم فيما شرع وهو الحكيم فيما قدر وأن الله قد يصرفنا عن شيء الآن لأن المصلحة لنا في صرفه ولو تأخر ولو كنا حريصين عليه حتى النصر أحياناً قد يتأخر لمصالح عظيمة ولأنه لم يأت أوانه فلا ينبغي أن نستعجل وقد قال النبي عليه صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما استعجلوا: والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون. النصر يحتاج إلى تهيئة يحتاج إلى بعد نظر وتأني ليس النصر قتال وحتى لو انتصرنا ابتداء وماذا بعد؟!

د. الشهري: نحن نستعجل لأن مقايسنا البشرية سريعة والمقياس الذي يجري عليه القدر مقياس آخر تأمل في فتح مكة على سبيل المثال أو هذا النصر جاء بعد 19 سنة تذكر في أول الاسلام عندما كان الصحابة لا يأمن الواحد منهم يأمن على نفسه فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم قوم تستعجلون. أسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى. نعود للموضوعات التي تضمنتها السورة، هذا مفتتح السورة فيه إشارة إلى الفتح وفيه بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم ومغفرة للنبي لما تقدم من ذنبه وما تأخر

د. محمد: السورة ثلاثة مقاطع: المقطع الأول في بيان منّة على عباده بهذا الفتح العظيم وما حصل للرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، المقطع الثاني وهو الأكثر في السورة تفاصيل ما حصل في ذلك الصلح العظيم الفتح العظيم وملابسات لحوادث

د. الشهري: سهيل بن عمرو أسلم بعد الفتح

د. محمد: وهذا من ثمرات الفتح كما سيأتي لأن الله أخر القتال (لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء) ثم المقطع الثالث خاتمة السورة في أوصاف هؤلاء الذين استحقوا هذه الكرامات وهذه الفضائل من الله جل وعلا (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)

د. الشهري: توقفنا عند تقسيم السورة إلى ثلاثة مقاطع المقطع الأول تحدث فيه عن هذا الفتح العظيم وما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم ولمن معه والثاني عن تفاصيل الفتح والثالث عن أوصاف هؤلاء الذين استحقوا هذا الفتح

د. محمد: المقطع الأول مقطع يُفرح ومن أعظم ما يفرح أهل الايمان النصر والفتح كما قال الله عز وجل (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ (13) الصف) وقال عز وجل (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) الروم) فالنصر يفرح والفتح يفرح فقال الله عز وجل (إنا فتحنا) وهنا تتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم هي أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس لما يوعَد هذا الوعد (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا) (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) ذكر لفظ الجلالة هنا كأن الخبر كان مفاجأة للنبي عليه الصلاة والسلام

د. الشهري: وكأني بالنبي صلى الله عليه وسلم لما يتخذ هذا القرار وهو قرار تاريخي قرار المفاوضات ثم التوقيع عليه والنبي صلى الله عليه وسلم ينتظر النتيجة فلما تنزل السورة وتؤيده وتبشره

د. محمد: ورأيك رأي موفق وبعده سيأتي الخير العظيم والفتح المبين هنا تأتي الفرحة الحقيقية

د. الشهري: هذا يذكرني بموقف آخر للنبي صلى الله عليه وسلم عندما قبل الفدية في أسرى بدر واتخذ القرار ثم نزل الوحي شديد يعاتبه ويؤيد عمر

د. محمد: وأنت لما تتخذ موقف تاريخي مؤثر في حياتك تنتظر ما تكون النتيجة

د. الشهري: إذا أيدك فيه واحد تثق فيه تشعر براحة كبيرة

د. محمد: ولذلك جاءت السكينة. (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) العلماء يتكلمون عن هذه الآية، هي هنا مفاجِئة لأن الفتح يتعلق به نصر وعواقب معينة لماذا ذكرت المغفرة؟ المغفرة هنا (ليغفر لك) جُعلت علّة للفتح لأن صلح الحديبية فتح المجال للدعوة وانتشار الخير وحصل كل ذلك ببركة النبي صلى الله عليه وسلم فكان هذا من الأعمال العظيمة التي تستحق أن يغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم معصوم عن كبائر الذنوب وعن تعمد الخطأ (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) بعضهم يقول ما معنى تقدم وتأخر؟ قبل الرسالة؟ بعد الرسالة؟ الأقرب أنها في كلام العرب يقصد بها الاستيعاب وهي شيء نسبي ” من صام رمضان غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ما المقصود؟ شيء نسبي كل شخص له ما تقدم وما تأخر. هنا ما تقدم وما تأخر يقصد بها استيعاب جميع الذنوب لكن ما موقف النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهي وقفة مهمة. هو غُفر له وانتهى والمخبِر هو الله هل قال أرتاح؟! لا  ضاعف العبادة وزاد في الاجتهاد وهكذا كان يفعل صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي وكان يقوم حتى تتفطر قدماه فتقولله عائشة ويقول له غيرها كيف تفعل وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيقول صلى الله عليه وسلم أفلا أكون عبداً شكوراً هؤلاء هم أهل الايمان والعقل إذا أُنعم عليه بنعمه أو تفضل عليه بفضل فإنه يزيد في العمل فزاد عليه الصلاة والسلام استشعاراً لهذه النعمة العظيمة (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) يزيدك ويوفقك ومن أعظم الهداية لك أن يهدي الله بك هذه هداية لك أنت لأن الله يفتح على يديك ويدخل الناس بسببك الاسلام (وَيَنصُرَكَ اللَّهُ) أعاد لفظ الجلالة مع أنه معلوم أنه ينصرك ليزيد في بيان أن الله هو الذي ينصر وأن النصر ليست مسألة باجتهادنا ولا بقوتنا مع أهمية بذل الأسباب هي من الله (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ (126) آل عمران) فنعلم أن النصر من عند الله فماذا نفعل؟ ننصر الله بنصر دينه ونستمد النصر منه (وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا) وهو ما حصل بعد ذلك سواء في خيبر أو فتح مكة أو بعد هذا الصلح من نصر عزيز نصر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم وأولياءه. هذا للنبي صلى الله عليه وسلم فماذا للمؤمنين؟ (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)

د.الشهري: ما هي السكينة؟

د. محمد: السكينة هي السكون والطمأنينة لأن القلب في المواضع الشديدة يحتاج إلى تطمين يرتاب ويتزعزع أو يصيبه شيء من الخوف والوجل خاصة في الشدائد في مفترق الطرق في حوادث معينةلا يُدرى ما بعدها في مواطن أحياناً ظاهرها أنهم حصل عندهم أحياناً ارتياب فدور المربي والله عز وجل قبل ذلك يثبت وهذا يدل على أهمية على أهمية تثبيت أهل الإيمان وأن يكون لنا دور في تثبيت من حولنا البعض قد يتهم من شكّ ويقول أين إيمانك؟ لا، الإنسان ضعيف قد يرتج قد يحصل عنده نوع من عدم وضوح الرؤية فيحتاج إلى ثبيت والنبي صلى الله عليه وسلم كان يثبّت، من الأشياء المهمة جداً في تعامل المربي مع من معه أن لا يتركهم قلقين بل يحاول أن يزيل هذا القلق أن يزيل الارتياب خاصة إذا كان في أمر خطير. النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء أبي بن كعب لما سمع بعض الصحابة يقرأون بقراءة لم يقرأها ارتاب فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذه ذكرها ابن كثير في صدر سورة (لم يكن) وسماها الله سورة البينة لأنها تعطي الصحابة بينة فلا يرتابوا ولا يشكّوا فجاء إلى النبي عله الصلاة والسلام وقال إن هذا يقرأ بقراءة لم تقرئني إياها قال النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ فقرأها، قال هكذا أنزِلت قال أبيّ فوقع في قلبي من الشك وهو قرأها عليّ بقاءة أخرى فوضع صلى الله عليه وسلم يده على صدر أبيّ وقال اللهم أذهِب عن قلبه الشك ما قال كيف تشك؟ اين إيمانك يا أبيّ؟! لا، هذه مسألة التطمين والتثبيت تولاها الله قال (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) فإذا نزلت السطينة فلا ارتياب ولا شك وإنما هي الطمأنينة. وقد ذكرت السكينة هنا والغريب أن السكينة مرتبطة بالقتال (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا (154) آل عمران) (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ (11) الأنفال) النعاس سكينة وأمنة لأهل الحرب (ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ (26) التوبة) (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ (40) التوبة) السيكنة أحوج ما يحتاجها الإنسان في مواضع الشدة والقلق. فهنا نصيب أهل الإيمان أولاً في الدنيا السكينة أنزل الله السكينة عليهم فثبتهم واطمأنت قلوبهم وارتاحوا وعلموا أن المسألة وعد من الله وكان سيدهم في ذلك أبا بكر رضي الله عنه فقد كان قوي الاتبّاع للنبي صلى الله عليه وسلم وكان يقول لعمر إلزم غرزك لا تخالف ولا تشك أنت مع الرسول أنت مع رجل مؤيد بالوحي منصور من الله سبحانه وتعالى. قال (لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ) هذا دليل على مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص وأعظم ما يكون الإيمان في زيادة بما في القلب من العلم والطمأنينة والسكينة. ثم قال (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) تطمين آخر لا تخافوا فإن الله سبحانه وتعالى ينصر أولياءه بجنوده، لله جنود السموات، جنود السموات الملائكة، الريح، مطر كلها من السماء، جنود الأرض أهل الإيمان ينصرهم، يعني هؤلاء الجنود (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ (31) المدثر) (وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) وأذكر نفسي وإخواني وكل من قرأ القرآن أن يقف دائماً مع الفواصل وأنا أعتبر هذه الفواصل مثل الختم في الخطاب دائماً تختم الآيات (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) (وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) (وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) قف معها لأنها تورثك أمراً عظيماً وهو معرفة الرب عز وجل. كل من كان بالله أعرف كان له أتقى. كيف تعرف ربك؟ بمثل هذه الآيات أكثر الآيات مختومة بأختام من الله يعرفك الله بنفسه هناك عليماً حكيماً، عزيزاً حكيماً، غفورا رحيما، بما تعلمون بصيرا، يجب أن نقف عندها وأن هذه الأشياء ناتجة عن علم الله سبحانه وتعالى التام والله يعلم وأنتم لا تعلمون وحكمته بحيث يضع الأمور في مواضعها ثم قال (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا) هذه عاقبتهم في الآخرة أن الله يدخلهم جنات, لفتة هنا المؤمنين أين المؤمنات؟ ما حضروا. لهنّ أثر، حتى لو كان مع النبي صلى الله عليه وسلم نساء دورهن في القتال ليس بظاهر لكن يحصل لهن من الفضائل لأنهن يشاركن الرجل إما في تضميد الجراح أو تخلفه في البيت إذا خرج وتصبر لخروجه أو فيما يحصل بعد القتل إذا مات فللمرأة  حضور حتى في القتال والله يعطيها الأجر ويدخلها الجنة سبحانه وتعالى

د. الشهري: وأيضاً مما ذكر (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِِ)

د. محمد: ومن نتائج النصر وثمرات النصر ما يحصل للكفار من العذاب العاجل بالقتل وبالهزيمة والأسر وما يحصل لهم بعد ذلك من العقاب والعذاب في الآخرة قال (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ) وبدأ بالمنافقين والمنافقات لخطورتهم في القتال لأنهم عدو خفي أما المشركون الظاهرون فمعروفون ظاهرون فأنت تستعد لهم لكن الإشكال هنا في خفاء المنافقين ولذلك بدأ بهم. قال عز وجل (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ) المنافقون لم يخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية لذلك حتى الذين بايعوا تحت الشجرة ليس كلهم هناك ناس لم يبايعوا، كثير منهم تخلف، لماذا يتخلفون؟ لأنهم يظنون بالله ظن السوء وظن السوء هنا هو أن الله لا ينصر رسوله ولا ينصر أولياءه وهذا من أعظم أنواع سوء الظن بالله فمن ظنّ أن الله لا ينصر أولياءه ولا ينصر رسله فقد ظن بالله ظن السوء فلنحذر من ظن السوء بالله وقد ذكر هذا ابن القيم رحمه الله وتكلم كلاماً عجيباً قال (وما منا إلا) لا تظن هذا الظن فإن الله لا يمكن أن يخيب أولياءه إن حصل نوع من الهزيمة فهو من تقصيرنا نحن ولضعف إيماننا لأننا لم نقم بما يجب علينا أما إذا قمنا بما يجب علينا وآمنا وحققنا مطلوب الله فلن يخيبنا الله (وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141) النساء) فأسوأ الظن بالله أن تظن أن الله لا ينصر أولياءه فمن ظنّ هذا الظنّ فهو مشارك للكفار والمنافقين الذين يظنون بالله ظن السوء قال تعالى عنهم (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا)

د. الشهري: نأتي إلى الآية (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) وظائف النبي صلى الله عليه وسلم

د. محمد: هذه الآيات أشبه ما تكون بالفاصل بين ما سبق والآيات التي ستأتي بعدها. (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ) لبيان أن هذا النبي الذي أرسله الله مستحق للكرامة التي أكرمه الله بها وتمهيداً لما سيأتي بعدها من حفظ الله ورعايته فقال (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) الشاهد يشهد والشاهد هو المُخبر بصدق فلان وكذب فلان فالنبي صلى الله عليه وسلم يشهد على أمته ويبلغ أمته ويشهد أنه بلّغهم ويشهد في أشياء كثيرة ويشهد أن القرآن حق ويشهد أن ما جاء به من قبله حق فهو شاهد عليه الصلاة والسلام وهو مبشر لمن اتبعه بالجنة والنعيم ومنذر لمن كفر وأعرض بالعذاب الأليم. ثم قال (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) هنا اختلف المفسرون (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) لا إشكال فيها، لكن (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) هل الضمير يعود على الله عز وجل أو على النبي عليه الصلاة والسلام. أكثر المفسرين أن الضمير في (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) تعود على النبي صلى الله عليه وسلم و(تسبحوه) تعود على الله ولذلك الأنسب في الوقف (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) تقف ثم (وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) وقد استحسن ابن الجزري الوقف هنا حتى لا يتوهم القارئ أن (تسبحوه) يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يعود إلى الله جل وعلا وبعض العلماء قال أن الفوائد كلها تعود على الله (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) لكن قول الجمهور قد يكون لأن لفظ التعزير للنبي

د. الشهري: التعزير بمعنى النصرة

د. محمد: التعزير بمعنى النصرة وبمعنى التأييد.

د. الشهري: والتعزير يأتي بمعنى الحدّ

د. محمد: لا، التعزير هنا بمعنى النصرة والتأييد وتوقروه من التعظيم والإجلال. ثم جاء المقطع الثاني في ذكر بعض الأشياء في صلح الحديبية (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) هذا تعظيم للبيعة، يتحدث عن بيعة الرضوان وهذه البيعة لها شأن عند المسلمين وكانوا في مناقب الصحابة يتكلمون عن أشياء جوهرية في حياة الصحابة فيقدمون بعضهم على بعض فيقولون المهاجرون الذين لهم فضل السبق والنصرة والهجرة، البدريون “ما يدريك لعل الله اطّلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم”، أهل بيعة الرضوان هؤلاء طبقة مختارة من الصحابة لهم ميزة وقد جاء في الحديث الصحيح أنهم لا يدخلون النار “لا يدخل النار من بايع تحت الشجرة” فالبشرون بالجنة ليسوا فقط العشرة وإنما هؤلاء 1400 لا يدخلون النار فقبّح الله من سبهم وكفرهم وآذاهم كالرافضة ومن شابههم لا تدري أين عقول هؤلاء! الله يثني عليهم ويزكيهم (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ (100) التوبة) وهؤلاء يسبونهم ويتهمونهم بأشنع الصفات، أين عقول هؤلاء؟ أنت لو مدحت أحد وأثنيت عليه ثمجاء واحد وقال هذا؟! يسقط من عينك. هؤلاء ليسوا بمسلمين ولو كان في قلوبهم أدنى ذرة من إيمان وإسلام ما تجرأوا على هذا والصحابة عدول عدّلهم الرب سبحانه وتعالى. (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) تعظيم البيعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم مفوّض من ربه الله عز وجل أمره بالقيام بهذا. أحياناً السلطان أنت لك بيعة لكن لا تبايعه مباشرة وإنما تبايع رسوله أو القائم مقامه. النبي صلى الله عليه وسلم هنا المبلّغ لشرع الله وهو رسول الله فالذين يبايعون رسول الله ويعطونه أيديهم يبايعون الله (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) وفي هذا إثبات صفة اليد ولا يلزم منها حلول ولا تشبيه، (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) الله عالٍ على عرشه، هذا تعظيم وبيان أن الله حاضر معهم يراهم ويعلم التفاصيل ويؤيدك في هذه البيعة. (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) نكث يعني نقض البيعة وحاشاهم رضي الله عنهم لم ينكث منهم أحد وإنما كانوا على بيعتهم رضي الله عنهم حتى عثمان كان غائباً فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال هذه بيعة عثمان.

د. الشهري: على ذكر عثمان كانت إشاعة أنه قيل أنه قتل ولما رجع انتهت المشكلة. في قوله (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ) تحدثت أنه قد تخلف المنافقون والأعراب ثم لما رجع الرسول بدأوا يعتذرون له.

د. محمد: المخلفون هم الذين خلّفهم كسلهم وخلفهم تعلقهم بالدنيا كما سيأتي

د. الشهري: المخلفون يعني الذين تخلفوا

د. محمد: مخلّف إسم مفعول يعني خلّفه شيء، المخلفون ماذا الذي خلفهم؟ خلفهم ضعف الإيمان، ضعف اليقين، سوء الظن والدنيا، التعلق بالدنيا كما صرّحوا هم (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا) قد يكون عذر اقبح من ذنب (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا) وهم كاذبون قال الله عز وجل (قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) قال قبلها (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) وبالمناسبة كثرة الاعتذار من صفات المنافقين بعض الناس دائم الاعتذار هذا دليل كثرة التقصير وأنه من صفات أهل النفاق فهم يعتذرون يقول تعالى (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) لأنهم أهل نفاق يظهرون ما لا يبطنون (قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) كأنه رد عليهم، هم كانوا خائفين وهم يظنون أن الرسول لن يرجع (بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا)

د. الشهري: يعني توقعوا أنهم سيُقتلون؟

د. محمد: كانوا يقولون محمد وأصحابه سينتهون، سيذهبون إلى الكفار في عقر دارهم ولن يرجعوا أبداً ولذلك هم ما خرجوا.

د. الشهري: هل هناك فرق بين المنافقين من الأعراب والمنافقين من أهل المدينة؟ وما المقصود بالأعراب؟

د. محمد: الأعراب هم سكان البادية. طبعاً سكن البادية ليس مذموماً لذاته بقدر ما هو باعتبار ما يؤدي إليه لأن ساكن البادية إذا رضي أحياناً تقول تعال تعلّم فيقول لا يجلس مع إبله فيذم لأنه ترك التعلم (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ (97) التوبة) لكن إذا آمنوا واتبعوا فالأعراب يذمون باعتبار أن التعرب والبعد عن العلم يؤدي إلى قصورة القلب والجهل أما من جهة النفاق – والله أعلم وهذا شيء ظهر لي الآن – أن منافقي الأعراب أخف من منافقي المدينة لأنهم يمكن أن يُعذر أهل الأعراب بأن العلم عندهم قليل ولم تقم عليهم الحجج أما أهل المدينة فهم يسمعون آيات الله تتلى عليهم صباحاً ومساء ويعيشون بين ظهراني النبي صلى الله عليه وسلم ومع القدوات والصحابة ومع ذلك فهم مصرون على نفاقهم والذي ظهر لي الآن أن الله قال عن منافقي الذين تخلفوا في غزوة تبوك (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ (101) التوبة) قال في الاعتذار (فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ (83) التوبة) لن تخرجوا معي أبداً أما هنا أعطاهم فرصة لمخلفي الأعراب (فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) إذن هنا أعطوا فرصة لأنه قد يجهلون أشياء وقد تغيب عنهم حقائق ليست بغائبة عن أولئك الذين مع النبي صلى الله عليه وسلم فالذي يظهر لي أن المناقين من الأعراب أخف من المنافقين في المدينة لأن هناك جهل وبعد عن الوحي وليس كمن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ويرى الحقائق ويبقى على نفاقه والعياذ بالله! فهم هنا ظنوا بالله ظن السوء والمانع اشتغالهم بالأموال والأولاد هذا شيء قالوه وإن كان الله عز وجل (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) ليس هو فقط الذي اشغلهم وإنما الذي أشغلهم هو الخوف وظن السوء أن الله عز وجل لن ينصر أولياءه ولن ينقلب الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة إلى المدينة. لذلك قال (بَلْ ظَنَنتُمْ) ليس الأمر كما ظننتم (بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ) (زين) الشيطان، ضعف الإيمان، حُذف الفاعل. قال عز وجل (وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) أعادها مرة أخرى قال (وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا) وقال (وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا) وضع الظاهر وضع المضمر للتذكير بأن هذا كفر (وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) السياق “فإنا أعتدنا له” قال (فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا) فدل ذلك على أن هذا كفر وأن هذا الوصف سبب العداوة.

أبو عمر من السعودية: أمس ذكر الشيخ كراهية ما أنزل الله مثّل له بكراهية المرأة للتعدد

د. الشهري: عندما ذكرت بالأمس أن المرأة تكره التعدد وأن هذا قد يدخل تحت كرهوا ما أنزل الله، فرق بين كراهيتها الجبلية لنفور المرأة بطبيعتها من الشريكة لكن كراهيتها لأنه حكم الله أليس هناك فرق؟

د. محمد: شيء واضح المراد أن تكره شرع الله في التعدد تقول ليت الله ما شرع التعدد هذا كفر

د. الشهري: يدخل في هذا من يسعون إلى إلغاء هذا الآن. هناك أناس يسعون أن يقنن ويمنع الرجل أن يتزوج قانوناً هذا لا شك يدخل في هذا أما الأخوات

د. محمد: المرأة المسلمة لا تكره شرع الله لكن تكره أن زوجها يعدد ففرق بين هذا وذلك لكن لو ضاقت بقول الله (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ (3) النساء) كره شرع الله وما أنزل الله كفر وكره التعدد الفعلي للزوج يعني تكره أن يعدد.

د. الشهري: من اللطائف إحدى الأخوات الداعيات كانت تتحدث عن التعدد وأنه مشروع شرعاً لكن أخبرني أحدهم أنه لما حاول زوجها أن يعدد صارت مشكلة كبير، ففرق بين هذا وهذا. في قوله سبحانه وتعالى (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ) ما معنى الآية؟

د. محمد: الله سبانحه وتعالى مما تفضل به على أهل الحديبية أن الله وعدهم بغنائم خيبر وكانت خيبر بكلام الله خاصة بمن شارك في صلح الحديبية وخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما عاد عليه الصلاة والسلام والصحابة إلى المدينة وكانوا يتحدثون عن خيبر وما وعدوا بها، المنافقون قالوا خيبر؟! منافع ومزارع ونخل واليهود معروف أنهم أهل غنى لأنهم أهل ربا وجشع قالوا هذه فرصة سنخرج، حكم الله لن تخرجوا معنا (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ) نريد أن نقاتل معكم، هنا الدنيا يتسابق الناس إليها أما إذا كانت المسألة فيها تضحية وبذل لا ترى أكثرهم، إذا مشروع فيه إعطاء ما أكثر الحاضرين وإذا فيه بذل يذهب أكثرهم! هنا يقولون (ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ) نحن نريد أن نشارككم قال الله (يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ) كلام الله أنها خاصة (قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا) ضعف اليقين عندهم، كلام الله المفروض أنهم يرضون، أقل نتيجة لخطئهم، قالوا لا، أنتم تحسدوننا لا تريدون أن نشارككم فقال الله (بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا). ثم انتقل (قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ) سنعيطكم فرصة تقاتلون أهل الوثنية (قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) اختبار صعب لهم، قال (أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيد) ليعلم هل هم صادقون أم لا، لأن باس شديد يعن قوة. من هم هؤلاء؟ اختلف المفسرون منهم من قال هوازن وثقيف ومنهم من قال فارس والروم والأقرب أنها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأقرب الناس الذين قتلوا بعد ذلك هم هوازن وثقيف وكانوا أولي باس فعلاً. (قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) فرصة أخرى، هذا يدل على أنه إذا جاءك أحد وأخطأ أعطه فرصة أخرى

د. الشهري: يذكر التاريخ قبيلة هوازن وهي قبيلة يبدو إما أنها امتداد لها أو بطن من بطونها قبيلة العتيبة

د. محمد: وثقيف معروقة. (قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) مشروعية إعطاء فرصة لمن أظهر خطأه أو رغب في إثبات صدقه أعطي فرصة أخرى ليعلم صدقه من كذبه. (فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا). ثم بيّن الله العذر وأن هناك أناس معذورون وهم الأعمى والمريض (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) لأنهم معذورون بعضهم يريد لكنه لا يستطيع. ثم جاءت الآية المفصلية (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ) (لقد) تأكيد، وهل يكفي هذه الآية وما أكثر تأثيرها على أهل الإيمان، هل هناك أعظم من أن يرضى الله عنك؟ لذلك كان تأثير القرآن عظيماً على الصحابة لأنه ينزل في أحوج ما يكونون إليه، شيء عجيب، هنيئاً لهم ما كانوا فيه من النعيم نسال الله أن يلحقنا بهم. (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) إذن المسألة ليست ادعاءات المسألة هي ما في القلوب “إن الله لا ينظر إلى صوركموأشكالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم” قال الله في سورة الأنفال (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (70) الأنفال) المسألة في القلوب فلنهتم بالقلوب لأنه سهل أن نزين الظواهر وأن نتكلم بكلام جميل لكن ماذا في القلوب؟! فالله علم ما في قلوبهم من الايمان والصدق والطمأنينة بهذا الدين والرضى به ولذلك ضحوا وبذلوا وكل هذا بسبب ما في القلوب (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) وكانت مغانم خيبر كثيرة. (فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ) الأرجح قول ابن عباس وابن كثير يعني صلح الحديبية وأنه غنيمة وأنه شيء فرحوا به لما علموا ثمرته (فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ) في الحديبية كاد ان يقع قتال (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) أخرى هي خيبر، (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا) هيأها لكم جزاء لكم ابتداء (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا)

د. الشهري: (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا) أن المقصود بها مغانم خيبر وأن الله سبحانه وتعالة إكراماً لهذه الفئة التي خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية أعطاهم خيبر وغنائمها. الذين حضروا مع النبي صلى الله عليه وسلم هل تذكر بعض الأسماء الذين حضروا معه بيعة الرضوان: أبو بكر وعمر وعثمان

د. محمد: كل من يسبهم الشيعة حضروا: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والعشرة المبشرون بالجنة وعبد الرحمن بن عوف كلهم حضروا رضي الله عنهم

د. الشهري: أدعو المشاهدين للتعرف على أسماء هؤلاء الـ 1400 اسم كلهم مبشرون بالجنة.

د. محمد: أحياناً لو جاءك أبوك وقال إني ضامنك كم يدخل قلبك من الطمأنينة وهو بشر؟! فكيف رضي الله عنهم؟ قال الله عز وجل (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ) في صلح الحديبية كاد أن يقع قتال لأنه خرجت طائفة من المشركين فكادوا أن يشتبكوا فالله كف أيديهم عن المسلمين لحكمة من الله ومنّة قال (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ) لأن القتال في ذلك الوقت لا تتحقق المصالح التي ستحقق لو لم يحصل قتال (مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) لماذا نقاتل أهل الشرك؟ لأنهم هم الذين كفروا.

د. الشهري: فائدة هنا (ببطن مكة) فعلاً يشير إلى نزول هذه السورة في مكة ولكنها بالرغم من ذلك مدنية.

د. محمد: ومن المناسب في ذكر مدنية أن لا نغفل المكي أحياناً قد تغيب عنا بعض الأشياء هي مدنية باعتبار الزمن لذلك بعض السلف قال هي مكية باعتبار الحوادث لكن باعتبار الاصطلاح فمسألة الاصلاح والتقسيمات التي قد تؤدي أحياناً إلى بعض الإشكالات، قل مدنية باعتبار النزول لكنها مكية باعتبار المكان. قال (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) هذه مثل بداية سورة محمد (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)) يعني هذا لملأ قلوب أهل الايمان من الكراهية والغيظ على أولئك، التذكير بالماضي كما يفعل الله (يا بني آدم  لا فتتنكم الشيطان ) يذكرنا بالعدو الأول، لذا لا ينبغي للعاقل أن يغفل عن أعدائه وأفعالهم وأوصافهم لأن هذا قد يؤدي إلى ذهاب معلم من معالم الاسلام وهو الكره والبغض فالمؤمن يكره الكفار ولو أحسنوا إليه ويحب أهل الايمان ولو اساؤوا إليه لأن المسألة مسألة دين (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) يصدون الهدي أن يبلغ محله وهو مكة. والهدي هو ما يهدى إلى مكة وكان هذا عادة عند العرب وأقرها الإسلام وهو سُنة

د. الشهري: والرسول صلى الله عليه وسلم أحضرها معه

د. محمد: كانوا يعظمون حتى كانوا يقلّدونها ويعلّمونها لأن هذا هدي حتى السُرّاق ما يتعرضون له. أفتصدون الهدي أن يبلغ محله؟ يعني وصلت بهم الشناعة إلى أن يفعلوا أشياء ما كانوا يفعلونها لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي فعلها فذكرهم بأفعالهم ومع ذلك لم يقاتلوهم لماذا؟ قال (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) هذا يدل على عظمة الإيمان. كان في مكة مؤمنين رجال ومؤمنات من النساء فالله بحكمته كفّ القتال حتى لا يقتل هؤلاء إذن وجود أولئك كان من أسباب عدم قتل المسلمين الكفار.

د. الشهري: كانوا مسلمين ولم يعلنوا إسلامهم؟

د. محمد: سواء أظهروا أو أنهم معذبون محبوسون بعضهم كان مضطهداً. (لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) هذا يدل على أن الصحابة لن يقتلوهم وهم يعلمون وهذا دليل على أن قتل المؤمنين معرّة وشنيعة عظيمة أين بعض الناس الذي يهجمون على بعض المجمعات بحجة أن فيها كفار؟ فيها مؤمنون. (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا (92) النساء) مكانة المؤمن عند الله عظيمة يعني مستحيل مؤمن يقتل مؤمناً، استحالة، أبلغ درجات النفي، مستحيل أن يجتمع إيمان مع قتل، أين عقول هؤلاء الطغاة المفسدين في سوريا يرسلون الجيش على الناس يقتلونهم؟ أين الايمان الذي يدّعونه؟ هؤلاء والله ليسوا بمؤمنين لأنهم لو كانوا مؤمنين ما قتلوهم. الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة أتوا لغرض لأنه هناك المؤمنين والمؤمنات في مكة قال (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء) المؤمنون يلتحقون بكم ومن الكافر من سيدخل في الإسلام. ثم قال (لَوْ تَزَيَّلُوا) لو تمايز الكفار (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) إذن هذه لفتة لكن من تزين له نفسه أحياناً قتل الناس أو قتل جماعة ومعهم غيرهم ممن لا ذنب له، لو كان هناك مكان فيه مسلمون فلا تقدم عليه ولو كان واحد كان المسلمون يسيرون جيوشاً لأجل واحد، فكيف بمن يقتلون مؤمنين بحجة كافر واحد؟! فقيمة المسلم عند الله عظيمة ولأن تزول الدنيا باسرها أخف من أن يراق دم مسلم.

د. الشهري: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ)

د. محمد: مقارنة بين أهل الإيمان وأهل الكفر بين الدوافع والنفسيات والمعتقدات (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) لماذا منعوهم؟ حمية حتى لا يقال دخل محمد مكة فنسفوا مبادئهم لهذه الحمية. هم ما كانوا يصدون أحداً في الشرك والجاهلية، الآن كيف محمد يأتي؟ (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) عياذاً بالله من الحمية التي تدفع بالناس للباطل! قلت لواحد ممن يقتلون لأتفه الأسباب أين أنتم من (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) النساء) قال يا أخي صعب الناس يعيروك إن لم تقتل من قتلك، حميّة جاهلية مع الأسف أنها باقية في بعض ديار المسلمين كنت أظنها انتهت حتى تجد من يقتل لأتفه الأسباب، حمية، ثأر، حمية باطلة جاهلية!. قال الله عز وجل (فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) هم جعلوا الحمية والله أنزل السكينة. السكينة لمكانتها أنزلها الله عز وجل في قلوبهم.

د. الشهري: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ) ما هذه الرؤية؟

د. محمد: مرتبطة بالحادثة لأن عمر رضي الله عنه لما قال الرسول نرجع قال يا رسول الله ألم تقل أنا سنطوف بالبيت (ورؤيا الأنبياء حق)؟ قال بلى، وهل قلت لك بأننا سنطوف هذا العام؟ قال لا، قال سنطوف. إذن المسألة ليست الآن. لما جاء إلى أبي بكر قال له نفس الجواب وهذا يدل على مكانة أبي بكر قال له: وهل قال لك أنه سيطوف هذا العام؟ (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ) آمنين العام الذي بعده، ومقصرين أخذ منه العلماء فضل الحلق، آمنين عند الدخول، لا تخافون عند أداء العمرة. قال الله عز وجل (فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) كنتم تريدونه في أول سنة والله أراد أن يكون في وقت آخر علم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً. ثم وعد آخر (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) لا تشكوا ولا ترتابوا الله هو الذي أرسل رسوله وسيعلي كلمته وسينصره وسيظهره على الدين كله (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) الشاهد الله. واختتمت السورة بالثناء على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) وكفى بهذا مدح (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) هذه عقيدة، بعض الناس أهين ما يكون مع الكفار يكاد يحملهم من الأرض! لا، هؤلاء كفار! فكيف بالذين يقلجونهم ويعجبون بهم؟! في سورة المائدة قال (فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ (54) المائدة)

د. الشهري: فتح الله عليك وشكر الله لك.

***************************

الفائز بحلقة الأمس: مريم علي سعيد

سؤال الحلقة: بين الله أن اتباع الهوى مفسد للسموات والأرض فما الآية التي تدل على ذلك في الجزء الثامن عشر؟