برنامج التفسير المباشر

التفسير المباشر – 1432 هـ – سورة النجم

اسلاميات

الحلقة 147 – سورة النجم

ضيف البرنامج في حلقته رقم (147) يوم الثلاثاء 23 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن علي السديس أستاذ القراءات المشارك ورئيس قسم القراءات بكلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية .

وموضوع الحلقة هو :

– علوم سورة النجم .

– الإجابة عن أسئلة المشاهدين ..

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامجكم التفسير المباشر. اليوم سوف يكون حديثنا بإذن الله تعالى حول سورة النجم. ضيفنا اليوم قدم إلينا من المدينة المنورة وباسمكم جميعاً أرحب به وهو أستاذنا فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن علي السديس أستاذ القراءات المشارك ورئيس قسم القراءات بكلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية.

سوف نبدأ حول سورة النجم، أمس في آخر الحلقة كان ضيفنا الدكتور مصطفى مسلم في آخر الحلقة قال انتهت سورة الطور بقوله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) وبدأت سورة النجم بقوله (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) نبدأ بالمناسبة بين سورة الطور وسورة النجم ثم نتحدث عن اسم السورة.

د. السديس: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أكرر شكري لكم وأسأل الله جل وعلا أن يجعله برنامجاً مباركاً ومميزاً وأن يعم بنفعه الجميع إن شاء الله تعالى. لا شك في ما يتعلق بالمشاكلة والمناسبة بين السورتين علم المناسبات من حيث هو علم معتبر سواء كان ذلك فيما يتعلق بمناسبة الآيات بين السورة وحدها أو كذلك فيما يتعلق بالماسبات من نوعه الآخر. في قوله جل وعلا (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) جاء هذا في آخر سورة الطور ثم افتتح الله تعالى سورة النجم (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) وهذا فيه مشاكلة لفظية ظاهرة هذا من وجه فقوله سبحانه وتعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) ما يتعلق بإدبارها ومغيبها ثم استفتتح السورة التي تليها قال سبحانه (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) أي إذا سقط وهذه المشاكلة والاعتبار يأتي على أن المراد بالنجم هنا هو الكوكب المعروف سواء أريد به اسم الجنس فيعم جميع النجوم أو أريد به نجم الثريا على القول المشهور بذلك تظهر المشاكلة بوجهها الواضح التام. وأما على قول من يقول أن النجم هنا هو القرآن منجماً فالمراد قطعة القرآن تنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم فيختلف النظر في المناسبة حينئذ.

د. الشهري: إسم السورة هل لها أسماء أخرى غير النجم؟

د. السديس: المشهور في اسمها والذي جاءت به النصوص وكان اسماً معروفاً حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تسميتها بسورة النجم، وقد جاء في الصحيح أن ابن مسعود رضي الله عنه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النجم فسجد وسجد معه المشركون، فسماها بهذا الاسم. وهذا الاسم باعتبار ورود هذا اللفظ في أولها ومعلوم أن ما يتعلق بتسمية السور يكون لأدنى ملابسة فاسم السورة لا يشترط أن يستحوذ على مقصود السورة الأكبر أو على موضوعها الأتم وإنما يكون لأدنى ملابسة وذكر في السورة تسمى به السورة. البخاري في صحيحه وكذا الترمذي في جامعه بوب لهذه السورة بـسورة (والنجم) محاكاة للفظ في أول السورة فاللفظ جاء مصحوباً بواو القسم فهذان الاسمان وهما في سياق واحد (النجم) أو (والنجم)، هذا هو الذي ثبت في تسميتها وما وقفت على ما يتعلق بأسماء أخرى لكن هذين الاسمين هما اللذان وردا سواء في الأثر أو في النقل الصحيح.

د. الشهري: كأني فهمت من كلامك أن السورة نزلت في مكة

د. السديس: نعم هذه السورة من السور المكية وابن عطية رحمه الله يقول في البحر الوجيز “باجماع المتأولين” يعني باجماع المفسرين وقد استثنى بعضهم آية واحدة منها وهي قوله جل وعلا (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) ويروون في ذلك أثراً عن ابن عباس رضي الله عنه لكنه من طريق لا يصح عنه. ولذلك هذه السورة بجملتها سورة مكية، وأيضاً إذا نظرنا إلى مقاصد السورة ودلائل السور المكية وطبعاً السور المكية لها ميزة ولها دلائل ولها أمارات وتكون ظاهرة في السور المكية كلها حاضرة في هذه السورة ما يتعلق بنصرة النبي صلى الله عليه وسلم، ما يتعلق بصحة ما تلقاه صلى الله عليه وسلم عن ربه وهو الوحي المنزّل، ما يتعلق بذكر آلهة المشركين وأنها آلهة غير معتبرة عند الله سبحانه وتعالى، والأمر بافراده سسبحانه وتعالى بالعبادة، وذكر ما كان عالقاً في أذهان المشركين من دعوى ان الملائكة بنات الله ومن تعلقهم بعبادة الكواكب والنجوم كل ذلك مما ورد ذكره في هذه السورة. فهذه السورة بمجموعها عالجت أموراً كانت موجودة في عهد المشركين ومظاهر السور المكية واضحة جداً في هذه السورة. أيضاً من ناحية الملحظ اللفظي لآياتها وقصر آياتها وتحقق الاعجاز سواء في مفردات الكلمات أو في السياق فهذا أيضاً ظاهر بجلاء في هذه السورة ولذلك ابن عطية عندما قال هذه الكلام كان متأكداً منها أنها مكية بإجماع المتأولين.

د. الشهري: ما موضوع السورة البارز؟

د. السديس: لعله فيما يتعلق بصدارة عندما أقسم الله جل وعلا بالنجم، والإقسام من الله سبحانه وتعالى ينتظر مجيء أمر مقسم عليه وهو صدق النبي صلى الله عليه وسلم، فالموضوع الذي يبادرني ابتداء ما يتعلق بإثبات بالدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يتعلق بإثبات صدقه صلى الله عليه وسلم ودفع الشبه والأقاويل التي كانت تثار عنه صلى الله عليه وسلم ولذلك جاء في هذه السورة تزكية النبي صلى الله عليه وسلم بأنواع خاصة الله جل وعلا في القرآن الكريم زكّى نبيه جملة وتفصيلاً فمن التزكية العامة أن الله جل وعلا أمر باتباعه هذه تزكية له، وأمر بالتأسي به هذه تزكية عامة، من مظاهر التزكية العامة أن الله جل وعلا قال في سورة القلم (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)) لكن نجد في هذه السورة أن الله زكّى لسانه قال (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴿٣﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴿٤﴾) زكّى جنانه قال سبحانه وتعالى (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) وزكّى بصره قال (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) فهذه تزكية لجوارح النبي صلى الله عليه وسلم ولازم ذلك هو إثبات صدقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عنه في هذه الجوارج ولذلك تزكية البصر هنا مناسبتها ظاهرة لأنه لما أخبر عن حوادث الاسراء وما فيها من الأمور العظيمة والآيات الباهرة (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) فكان من المناسب تزكية بصره عليه الصلاة والسلام وأنه لم يخبر إلا بما رآه وشاهده.

د. الشهري: أفهم من كلامك أن هذه نزلت السورة بعد الاسراء؟

د. السديس: نعم، ما يتعلق بالإسراء والمعراج ذكر في سورتين في القرآن الكريم، ذكر الاسراء في سورة الاسراء وذكر المعراج وما رأى صلى الله عليه وسلم من الآيات العظيمة في سورة النجم وكلاهما قبل الهجرة بنحو ثلاث سنوات أو أقل على حسب اختلاف أهل السيَر

د. الشهري: نبدأ بمطلع السورة ودلالة هذا المطلع على هذه المعاني التي أوردتها في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم

د. السديس: أولاً هناك أمر أود التنبيه إليه وهو أن الله جل وعلا اختار النجم للإقسام به. وهاهنا أمر ظاهر وهو ما يتعلق بما جُبِل عليه هذا الكوكب من الخلق العظيم الذي يدل على عظم الخالق سبحانه وتعالى ولذلك في محاجة ابراهيم مع قومه ذكره (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا (76) الأنعام) وإنما جعله محتملاً في هذا السياق من باب ما لهذا الكوكب من الأثر العظيم والخلق الباهر وكلٌ ينظر إليه لكم هناك أمر آخر وهو مناسبة الإقسام بالنجم على صدق النبي صلى الله عليه وسلم هو بجامع الهداية في كل منهما فالنجوم يهتدي بها السائرون والنبي صلى الله عليه وسلم يهتدي به السالكون وقد قال الله جل وعلا عن النجم (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) النحل) وقال عن النبي صلى الله عليه وسلم (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52) الشورى) فجامع الهداية بينهما. وهناك أمر آخر وهو أن العرب تعرف وتألف من أحوالها أن النجوم لا تتغير ولا تختلف ولا تختل مواعيدها ولذلك يعتمدون عليها ويتكلون عليها في أمور معاشهم واسفارهم وزراعتهم ومعرفة الاتجاهات وغير ذلك فكما أن هذا أمر ثابت فالأمر المُقسم عليه كذلك سواء بسواء والعرب تفهم هذه الإلماحات بلغتها كونهم أهل لسان وأهل فظنة. اختلف المفسرون في قوله سبحانه (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) هل المراد بالنجم هنا هو نجم الثريا وقالوا إن العرب إذا أطلقت النجم لا تعرف إلا هذا النجم الثريا فقط كما قال النابغة

أقول والنجم قد سارت كواكبه إلى المغيب

أو كما ذكر في بيته، فالمقصود النجم هو الثريا بالذات وإذا ورد بهذا اللفظ فإن العرب تريده

د. الشهري: وتصديقاً لكلامك قول امرؤ القيس

كأن الثريا علقت في مصامها رأس كتان إلى صُمّ جندل

د. السديس: وذهب بعض المتأولين أن النجم هنا هو اسم جنس يراد به جميع النجوم وليس ذلك خاصاً بنجم، قالوا العرب تستعمل النجم مراداً به جميع النجوم وليس خاصاً بنجم كما قال الشاعر

قالوا تحبها؟ قلت بهراً عدد النجم والحصى والتراب

فقوله عدد النجم المراد به النجوم وكما في القول الراعي “فباتت تعد النجم في مستحيرة” ولا يمكن أن تعد نجمة واحدة فهي نجوم متعددة. فالأظهر والله أعلم أن المراد بذلك النجم جنس النجوم. وأيضاً النجم يطلق ويراد به ما لا ساق له من النبات فإن ما له ساق من النبات يسمى شجراً وما ليس له ساق يسمى نجماً وهذا ذكره الله تعالى بهذا اللفظ (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)) في سورة الرحمن. فقوله (والنجم) هنا الأظهر والله أعلم أنه اسم جنس يعم النجوم جميعاً والإقسام بها كما تقدم في حكمة الإقسام لمشاكلته مع عمل النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته. (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) ثم قال سبحانه وتعالى وهو الأمر المقسم عليه (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) هذا جواب القسم وهاهنا نكتة تتعلق ببلاغة المفردة القرآنية الله جل وعلا خاطب المشركين ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه صاحب لهم (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) فلم يأتي السياق ما ضل النبي، أو ما ضل الرسول وإنما ما ضل صاحبكم والمراد بذلك الإشارة إلى أنهم يعرفون ويعرفون أمانته ويعرفون ما كان عليه عليه الصلاة والسلام من أخلاق وكانوا يسمونه الأمين فما الذي تغير؟ هو ليس غريباً عليهم وإنما معروف عندهم. وأيضًا الإشارة إلى لازم الصحبة وهي النصرة والتأييد فهاهنا الله جل وعلا يذكرهم بما يجب عليهم في حق النبي صلى الله عليه وسلم وهو نصرته لا الوقوف في وجه دعوته عليه الصلاة والسلام.

محمد من العراق: جاء في القرآن الكثير من الايات القرآنية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا (33) لقمان) (إلا من آمن وعمل صالحا) ولكن جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية وعلم نافع وولد صالح يدعو له، السؤال الثاني عندنا في العراق يجوز الصلاة عن الميت والحج وإطعام الطعام والزكاة فهل يصل الحج للميت؟

السؤال الأول: في آخر سورة لقمان (لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا) ويقول في آيات أخرى (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)) فكيف نفهم هذا التعارض؟

د. السديس: نجيب عليه عندما نصل إلى الآية في السورة إن شاء الله.

في قوله في جواب القسم (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) نجد أن الله جل وعلا نفى عن النبي صلى الله عليه وسلم أمرين الضلال والغواية. والضلال يطلق في القرآن الكريم على جملة معاني فيطلق الضلال ويراد به ما غاب عن الإنسان فكل ما غاب عنه شيء فقد ضلّ عنه كما في قوله جل وعلا (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (8) يوسف) (قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) الشعراء) ويطلق الضلال ويراد به ترك طريق الحق إلى طريق الباطل وترك طريق الايمان إلى طريق الكفر وطريق الهدى إلى طريق الضلالة، وهذا هو الاطلاق العام والغالب في القرآن الكريم. ويطلق ويراد به الغيبوبة والاضمحلال ومنه قوله جل وعلا (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (10) السجدة) أي غبنا فيها وصرنا عظاماً. هنا نجد أن الله سبحانه وتعالى نفى عن نبيه صلى الله عليه وسلم جنس الضلال قال (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) ونفى عنه الغواية والغواية هي ترك طريق الحق عمداً فيكون نفى عنه تعالى هذين الأمرين وإذا نفى عنه هذين الأمرين فمن لازم ذلك أن يكون صادقاً عليه الصلاة والسلام فيما يخبر عن ربه (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى). قوله (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴿٣﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴿٤﴾) قوله وما ينطق عن الهوى هو التزكية للسان النبي صلى الله عليه وسلم أي ما يتكلم به النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من جنس الوحي الذي أوحاه الله تعالى إليه.

د. الشهري: ننبه على مسألة من يدعون الآن إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم يقولون نأخذ من القرآن الكريم الأدلة أما السنة النبوية فلا ندري ما ثبت منها وما لم يثبت لكن هذه الآية تدل على أن ما تكلم به صلى الله عليه وسلم من السُنّة هو وحي من الله

د. السديس: كما قال صلى الله عليه وسلم ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه. فلا شك أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وما ثبت من سنته وجب العمل به ويكون مكملاً للقرآن ولا يمكن أصلاً أن يستغنى عن السنة لأنها مبينة ومفصلة وتبين ما جاء مجملاً في القرآن وتوضح كثيراً من الأحكام التي جاءت مطلقة في كتاب الله جل وعلا. لو عدنا إلى سياق الآيات يقول تعالى (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴿٥﴾ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴿٦﴾) شديد القوى المراد به جبريل عليه السلام وأيضاً نجد أن هذا الوصف يتناسب مع ما ذكره الله تعالى عنه (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) التكوير) فقال جل وعلا (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) والمِرّة يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله إنها تدل على قوة في الذات وتمام العقل وهنا حملها على تمام العقل أقوى وأظهر لأن قوة الذات وردت ومعلوم أن المعنى إذا دار بين التأسيس والتأكيد فحمله على التأسيس يكون أولى. وقيل إن المراد بالمِرّة الهيئة الحسنة الجميلة فتكون من جملة صفاته عليه السلام. هذه السورة ذكرت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل مرتين فبدأ الله جل وعلا بالمرة الأولى عندما رآه في مكة وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه على الخلقة التي خلقه الله تعالى عليها وله ستمائة جناح فسد الأفق عليه السلام. قال (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) استوى إذا جاء مطلقاً يدل على التمام والكلام كما قال جل وعلا (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى (14) القصص) أي اكتمل. وإذا جاء معدّى بـ(إلى) أو بـ (على) فيكون بحسب ما عُدّي به لكن على الفهم الصحيح (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ (4) السجدة) بما يليق بجلاله (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء (11) فصلت) قصد إليها. قال (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴿٦﴾ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ﴿٧﴾ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ﴿٨﴾) الضمير يعود على جبريل عليه السلام (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) عندما رآه النبي صلى الله عليه وسلم والتدلي هو رؤية الشي من فوق أي شيء يقترب إليك من فوقك يكون قد تدلّى عليك

د. الشهري: مثل إذا تدلى عنقود العنب

د. السديس: مثل ذلك. وهنا نجد أن اللفظ القرآني غاير في المعنى قال (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) والتدلي يكون قبل الدنو تدلى فصار قريباً لكن هنا لأنهما أمران متلازمان وقريبان قال جل وعلا (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ﴿٨﴾ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴿٩﴾) وهذا مثل يضرب في شدة القرب وهذه المرة الأولة التي رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على خلقته الأولى وذكر جل وعلا ما كان مقصوداً من هذا الارسال فقال (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) وهنا قوله ما أوحى على سبيل التفخيم والتعظيم وهو القرآن لأنه كلام الله سبحانه وتعالى. ثم ذكر الله جل وعلا بعد ذلك قال (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى)

د. الشهري: نلاحظ في التعبير أو وصف النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتلقى الوحي يوصف بالعبودية (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) مع أنه في موقف تشريف وأيضاً في قوله سبحانه وتعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ (1) الإسراء) وقال (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ (1) الكهف)

د. السديس: مقام العبودية هو أشرف المقامات ولذلك الله جل وعلا يختار هذا اللفظ في أشرف المقامات التي تفضلتم بها.

د. الشهري: مع أنه مرتبط عندنا مفهوم العبودية بالذلة

د. السديس: لكن العبودية هنا عبودية من نوع خاص وهي العبودية لله جل وعلا الواحد القهار فهي تشريف وهي أعلى مقامات التشريف ولذلك ذكر الله جل وعلا في الاسراء في الإنزال (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ (9) الحديد)، في الكفاية (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ (36) الزمر) فكل هذه المقامات كأنها مقامات حماية وتشريف وتعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم فذكرها بلفظ العبودية لأن الإنسان مهما كان لا يمكن أن يستغني عن عبوديته لله جل وعلا ولا يفلح ولا يلازمه التوفيق إلا إذا استشعر رق العبودية لله سبحانه وتعالى، حتى في هذا المقام قال (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى). ثم قال جل وعلا (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى) هنا الحديث عما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج حينما عر به إلى السماء ورأى الآيات العظيمة قال الله جل وعلا (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) هنا تصديق لفؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وجنانه أي ما كذب وفي رواية ابن هشام عن ابن عامر (ما كذّب) وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ما كذب وما كذّب بالتخفيف والتشديد. ثم قال جل وعلا (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى) ونجد هنا نكتة في المفردة القرآنية من دلائل الاعجاز فيها قال (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى) وهم في ذلك الوقت قد ماروه والمراء هو المجادلة  بقصد الغلبة فهو مجادلة وزيادة قال (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى) فهم في الحقيقة ماروه على شيء رآه وانتهى منه لكن هنا جاء بالفعل المضارع والذي من لازمه ذكر الحال والمشاهدة للدلالة على أنا ما أخبر به من ماضٍ هو كأنه رأي عين ومعلوم أن رأي العين ينطبق فيه الوصف فأنا وأنا جال في هذا المكان استطيع أن أصف ما أراه وصفاً دقيقاً متكاملاً لكن لا يتأتى لي هذا الوصف بعد يوم أو يومين أو شهر أو شهرين أو ما سوى ذلك. فقال جل وعلا (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى) عندما أخبركم كأن ذلك رأي عين منه عليه الصلاة والسلام وهذا غاية ما يكون في تصديقه وفي دقة الوصف. (وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴿١٣﴾ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ﴿١٤﴾) والكلام هنا عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم الثانية لجبريل كما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل مرتين في هذه السورة ذكر أنه رآه مرتين تقدم ذكر المرة الأولى، (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى) وهذا عندما عُرج به عليه الصلاة والسلام. والسِدرة هي شجر السدر واحدة السدر وهي شجر النو المعروف وهو يتميز بأن له طعم لذيذ ورائحته زكية وظل وارف وهذه خاصية في شجر السدر، حتى ابن القيم يقول:

هذا وظِل السدر من خير الظلال      ونفعه الترويح للأبدان

وجاء في الحديث الصحيح الذي صححه الألباني عند ابن داوود الوعيد الشديد على من قطع سدرة قال صلى الله عليه وسلم من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار يوم القيامة. ولذلك قال أبو داوود هذا الحديث يحمل على من قطع سدراً في طريق يستظل به الناس ويستظل به المسافرون. وقال الامام أحمد لا أحب قطع السدر ومن قطعه لم يرى ما يحبه في العاجل. وهذا بسبب ما يستفاد من ظلها المديد الوارف. لكن السدر التي تتحدث عنها الآيات هي سدرة عظيمة وقد ورد في السنة أنها  وأن أوراقها كأنه آذان الفيلة من عظمها عند الله سبحانه وتعالى. هنا المفسرون في قوله (المنتهى) يقولون هو ما ينتهي إليه كل صاعد إليها وكل نازل من عند الله سبحانه وتعالى إليها فهي ملتقى ما بين الفريقين ينتهي إليها الصاعد وينتهي إليها النازل ولذلك سميت سدرة المنتهى بهذا الاعتبار. ثم قال سبحانه (عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى) هذا يدل على أن الجنة -نسأل الله الكريم من فضله – أنها فوق السماء السابعة لأنها إذا عند السدرة والسدرة كذلك فمن اللازم أن تكون عندها.

د. الشهري: بنص الآية، الآية واضحة في هذا.

د. الشهري: وقفنا عند قوله تعالى (عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى) – نسأل الله أن يجعلنا وإياك من أهلها- أن الجنة فوق السماء

د. السديس: أيضاً في قوله سبحانه وتعالى (المأوى) إلماحة إلى تقرير البعث الذي ينكره المشركون، كانوا ينكرون البعث والجزاء والحساب ويدل على أن القبور دار ممر وليست مأوى إنما المأوى هو في الجنة إن شاء الله تعالى. قال سبحانه (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) هنا على سبيل التفخيم. (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) نقف عند هذه الاية الكريمة في تزكية النبي صلى الله عليه وسلم فالله جل وعلا نفى عن نبيه صلى الله عليه وسلم وعن بصر نبيه صلى الله عليه وسلم الزيغ في تلك المقامات العلية وزيغ البصر هو انحرافه يميناً وشمالاً وطغيانه مجاوزة الحد المأذون له فيه. ونلاحظ أن في ذلك المقام العظيم قال جل وعلا (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ﴿١٤﴾ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴿١٥﴾ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴿١٦﴾) التزم النبي صلى الله عليه وسلم كان على أعلى مقامات الأدب مع الله جل وعلا فما زاغ بصره ولا انحرف يميناً ولا شمالاً وما تجاوز الحد رغم أن الأمور المحيطة في ذلك المشهد العظيم تغري بذلك كثيراً لذلك جُبِل الناس في عاداتهم وطباعئهم إذا حلّ في مكان أو دخله لأول مرة أن يقلب بصره فيه وهذا ينبغي أن يتحرز الإنسان في هذا فيكون في حدود المأذون له فيه ولنا في نبينا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حيث أنه في تلك المقامات العلية كان على أتم وأكمل وأعلى درجات الأدب مع الله سبحانه وتعلا قال تعالى (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) رغم أنه رأى من آيات ربه الكبرى الآيات العظيمة. ثم انتقل السياق بعد ذلك -وهذا من دلائل مكية هذه السورة- إلى ما يتعلق بذكر الأصنام التي تعلق بها المشركون في ذلك الزمن بأسمائها المعروفة عندهم قال سبحانه (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ﴿١٩﴾ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ﴿٢٠﴾) ودائماً إذا ذكرت هاتين الآيتين تحسن الإشارة إلى القصة المعروفة قصة الغرانيق ولعل من المناسب الإشارة إلى هذه القصة. قبل أن أشير إلى هذه القصة أذكر أن هناك حدثان متلابسان ما يتعلق بسجود المشركين مع المسلمين لما تلا النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم وما يتعلق بقصة الغرانيق والفرق بين هذين الحدثين هو الفرق بين الحق والباطل والصحيح والضعيف وما يُقبل وما لا يُقبل. فسجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم ثابت كما في الحديث الصحيح ولكن هذا السجود له أسبابه وله مبرراته وليس متعلقاً بقصة الغرانيق. قصة الغرانيق باختصار هذه القصة استغلها المستشرقون للطعن في القرآن والطعن في النبي صلى الله عليه وسلم وهي غير صحيحة وسأشير إلى ذلك. فصة الغرانيق باختصار أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قرأ هذه السورة فبلغ قوله جل وعلا (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ﴿١٩﴾ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ﴿٢٠﴾) قالوا كما تنسج هذه القصة أن الشيطان ألقى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم قوله “تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترتجى” على نفس السياق فسُر المشركون بذلك سروراً عظيماً ورأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مدح آلهتهم وصحح مذهبهم ولذلك كما تحكي هذه القصة لما سجد سجدوا معه لأنهم متفقين معه في ذلك المشهد. ثم تشير الرواية  أن النبي صلى الله عليه وسلم حزن على هذا الأمر فأنزل الله الآية في سورة الحج (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)) هذه القصة لا تصح رواية ولا دراية أما من حيث الرواية فإنما هي تروى مرسلة وتروى موصولة فترفع إلى ابن عباس بطرق واهية ومعلوم أن ابن عباس هو أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رواية وقد ورد عنه من الطرق ما هو مخرّج في الصحيحين وورد عنه من الطرق ما هو مختلق وهناك طرق بين ذلك.

د. الشهري: أكثرهم روياة فيما يتعلق بالتفسير

د. السديس: نعم أحسنت. هذه الرواية التي وردت عنه من طرق لا تصح وقد نبه على ذلك جماعة من المحدثين مثل ابن حظيمة وغيره رحمهم الله تعالى، هذا من حيث الرواية. وأما من حيث الدراية فإن هذه القصة فيها طعن بالنبي صلى الله عليه وسلم من وجوه: أولاً يقول الله جل وعلا عن الشيطان (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100) النحل) فكيف يتلبّس بلسان النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآيات ثم يُظن أن النبي صلهم هو الذي قالها؟! هذا لا يمكن. أيضاً من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر في القرآن شيئاً ليس منه من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم سلّم بقناعة المشركين في آلهتهم وحاشاه عليه الصلاة والسلام أن يكون كذلك. في السياق (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ﴿١٩﴾ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ﴿٢٠﴾) ثم جاء ما قالوه “وتلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترتجى” ثم قال (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى ﴿٢١﴾ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴿٢٢﴾ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ﴿٢٣﴾) لا يستقيمّ كلها تنفي والعرب تتذوق الكلام وتفهم الخطاب فلا يمكن أن يفهموا هاتين الجملتين ثم جاء نسخ ما قبلها وما بعدها! هذه القصة تذكر كثيراً في كتب الأخبار والتراجم وتذكر أيضاً في بعض كتب التفسير لكن الكلمة العامة والغالبة أن هذه القصة لا تصح وأما سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ثابت لما قرأ سورة النجم له أسبابه وأظهر ذلك أنهم خافوا عذاب الله لما سمعوا يقول الله جل وعلا في ختام هذه السورة (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى ﴿٥٠﴾ وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى ﴿٥١﴾ وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى ﴿٥٢﴾ وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى ﴿٥٣﴾ فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى ﴿٥٤﴾ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ﴿٥٥﴾ هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى ﴿٥٦﴾ أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ ﴿٥٧﴾ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴿٥٨﴾ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ﴿٥٩﴾ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ﴿٦٠﴾ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ﴿٦١﴾ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ۩﴿٦٢﴾) فما وسعهم إلا السجود خوفاً من الله جل وعلا ويشهد بذلك ما جا في قصة النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) فصلت) قام عتبة فوضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم وقال ناشدتك الله والرحم خوفاً! يعرفون دلالة الكلام ويعرفون مقاصد الكلام وشدة القوارع التي قرعهم الله بها فسجدوا. وذكر بعضهم أن سجود المشركين ربما يكون عبادة لله جل وعلا وذلك لأنهم لم يكونوا ينفون العبادة عن الله وإنما كانوا يجعلون شفعاء وشركاء ووسائط فيكون سجودهم مما قصدوا به الله مباشرة وذكروا أقوالاً أخرى والأظهر والله أعلم أنهم لم يسعهم وقد سمعوا هذه القوارع العظيمة إلا الامتثال للأمر قال (فَاسْجُدُوا) فسجدوا.

د. الشهري: ويمكن من الاحتمالات وإن كان بعضهم قد يستبعدها أنهم سجدوا لبلاغة الكلام وهذا حدث مع بعض المشركين سجد لبلاغة هذا الكلام

د. السديس: لأنه وافقه فسجد له.

د. الشهري: هذه معلومة مهمة جداً قضية التفريق بين قصة السجود وأنها ليست مرتبطة.

د. السديس: ولذلك في الحديث الصحيح أنه سجدوا سجد القوم إلا أمية بن خلف أخذ كفاً من تراب وقال يكفيني هذا فوضعه على جبينه. فقصة السجود ثابتة ولا يلزم منها أن تلصق بقصة الغرانيق وهم يجعلونها في سياق واحد وبينهما فرق كبير.

د. الشهري: في قوله (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ﴿١٩﴾ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ﴿٢٠﴾) ذكر هذه الأصنام مع أن الناس يعرفون أن مكة كان فيها أصنام كثيرة جداً هل معنى هذا أن هذه أبرز هذه الأصنام؟

د. السديس: لا شك ما كانت تحظى به هذه الأصنام الثلاثة من عناية واهتمام ورعاية فلذلك ذكرها الله جل وعلا بأسمائها وهذا لأنها كانت مشهورة، كانت أصناماً رئيسية ومعتبرة عندهم والنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حطّم ثلاثمائة وزيادة من الأصنام التي كانت موجودة حول البيت الحرام ولكن هذه رموز هذه الأصنام. ثم ذكر الله جل وعلا ما يتعلق بالملائكة ونفى أن تكون الشفاعة إلا بعد أن ياذن الله لمن يشاء ويرضى وهذا مثل قوله تعالى (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى (28) الأنبياء) (وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ (23) سبأ) فهذا نفس السياق ومثله قوله جل وعلا (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى ﴿٢٧﴾) يشابه قوله سبحانه (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثًا (40) الإسراء) نفى الله عنهم هذه الشبهة

د. الشهري: تتكرر نفي هذه الفرية قضية نفي أن تكون الملائكة بنات الله كثيراً في السور المكية.

د. السديس: هذا من أماراتها لأنها كانت مساألة عقدية وكانوا يجادلون فيها فكان من المناسب الإشارة إليها. ننتقل إلى بعض مقاطع السورة قوله جل وعلا (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) وهذه في وصف بعد أن قال (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) نجد اللفظ القرآني هنا أن الله جل وعلا استعمل لفظ الاجتناب وهذا غاية ما يكون في الابتعاد ولذلك استعمل هذا اللفظ في البعد عن الأصنام  قال جل وعلا عن ابراهيم عليه السلام (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) إبراهيم) اي اجعلني في جانب وعبادة الأصنام في جانب آخر وهذا غاية ما يكون في الابتعاد, ولذلك قال سبحانه (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ) والكبائر فيما ذكر أهل العلم أنها تُعرَف بالعدّ وتعرف بالحدّ والأظهر والله أعلم أنها محدودة وليست معدودة، يعني تعرف بالحدّ وحدّها معروف ولذلك يقول ابن عبد القوي في منظومته في الآداب الشرعية:

وكُـن عالماً أن الذنـوب جميعها

بصغرى وكبرى قسمت في المجود

فمـا في حد في الـدُنى أو توعد

بأخرى فسم كبرى على نصّ أحمد

وزاد حفيـد المجد أو جـا وعيده

بنفـي لإيمــان ولعــن مبعـد

د. الشهري: حتى يفهمها المشاهدون أن هذه ما يفهما إلا الخاًصة أن ما توعد الله عليه بالنار أو الغضب أو لعن فاعله فهذا من الكبائر

د. السديس: ولذلك تعرف بالحدّ أيسر من معرفتها بالعدّ

د. الشهري: لأن بعضهم يظن أن الكبائر هي السبع الموبقات وهي أكثر من ذلك

د. السديس: أيضاً الله جل وعلا فرّق بين أمرين قال (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ) فالفواحش هو ما يستفحش ويستقبح منها فهي كبيرة وزيادة ولذلك الطبري قال مثل الزنا ومثل ما أوجب الله فيه حداًيقال فيه فاحشة ونجد أن الله سبحانه وتعالى في كتابه سمى بعض الكبائر فواحش (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (32) الإسراء) وقال في اللواط (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ (28) العنكبوت) وقال في نكاح الأقربين (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً (22) النساء) سمّى الله سبحانه وتعالى بعض الفواحش كبائر من هذا الباب. (إِلَّا اللَّمَمَ) واللمم المراد بها الصغائر وهي ما يُلم به الانسان من الصغائر التي قد لا يمكن للإنسان أن يتحرز منها لأن الإنسان مجبول على النقص والوقوع في شيء من ذلك. لكن قال الله جل وعلا بعد ذلك (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) وهذا مما يجلب الناس إلى التوبة وأن يدخلوا في سعة مغفرة الله سبحانه وتعالى ثم امتنّ الله جل وعلا (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) وهنا في قوله سبحانه وتعالى (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ) هذا من الأدب الذي أدّب الله به جل وعلا عباده المؤمنين فنهى الله سبحانه وتعالى أن يزكي الإنسان نفسه بما يقصد من ذلك طهارتها في الأصل لأن هذا الأمر لا يعرفه إلا الله سبحانه وتعالى أما مجرد أن يثنى على الإنسان بما هو خير ظاهر من أحواله ومن تجربة أو من مشاركة في سكنى أو في تجارة فهذا من جملة الإخبار لكن الذي ورد النهي عنه أن يثبت له الزكاء في أصل أمره وطهارة قلبه فإن هذا الأمر مما لا يعرفه إلا الله وقد تربى الصحابة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم أنهم إذا أثنوا على أحد قالوا “ولا نزكي على الله أحداً”. وقد جاء في صحيح البخاري أنه لما توفي عثمان بن مظعون في بيت أم عطية ودخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أم عطية والله شهادتي عليك يا ابا السائب أن الله أكرمك فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم وما يدريك أن الله أكرمه؟ وإني لأرجو له الخير وإني رسول الله لا أعلم ما يفعل بي، فقالت أم عطية لا أزكي أحداً بعد ذلك. فهذا من باب التأديب أن الانسان يتحرز من إطلاق الزكاء الأصلي على الإنسان لأن هذا الأمر كما قال جل وعلا (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) أي هو أعلم بأهل التقوى.

د. الشهري: تحدثت عن قول الله تعالى (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) وذكرت القول المشهور عن المفسرين أن المقصود باللمم الصغائر وقبل أمس كان ضيفي زميلكم في الكلية الدكتور نبيل الجوهري وأشار إلى قول آخر ذكره بعض المفسرين أريد أن تعلق عليه وقال المقصود باللمم الكبائر لأنها جاءت في الاستثناء (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) منها، من هذه الكبائر والفواحش، قلت كيف يكون هذا؟ قال بدليل (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) وهذا يليق بمن يغفر الكبائر فما تعليقكم؟

د. السديس: الذي تفضل به الدكتور له وجه ظاهر وهو مبني على ما يتعلق بالاستثناء هل يكون متصلاً أو يكون منقطعاً لكن قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) لا يمنع أن يراد بذلك مغفرة الصغائر والكبائر على حد سواء والأظهر والله أعلم عندما ننظر في كتب التفسير أن المراد باللمم هنا الصغائر وأن السياق في ذكر المخالفات بجملتها ما يكون منها مستفحشاً في غاية الفحش منها وما يكون من جملة الكبائر وما يكون اقل من ذلك وهو الصغائر والله جل وعلا يغفر الذنوب جميعاً كما قال سبحانه (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا (53) الزمر) ولم يقتصر مغفرته على ما يتعلق بالصغائر وإن كانت الصغائر تكفّرها الأعمال الصالحة من صدقة وصيام كما جاء في الحديث الصحيح وكما قال جل وعلا (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ (31) النساء) لكن لا يمنع أيضاً أن يكون المراد باللمم هما أيضاً اللفظ اللغوي إن كان أريد به اللمم بالفعل أو يراد به مباشرة الكبائر

د. الشهري: المقصود باللمم ما يلم به عن غير قصد

د. السديس: هذا الذي يظهر والله أعلم من السياق.

د. الشهري: سؤال الأمس لماذا صرح باسم زيد ولم يصرح باسم أبو بكر ولا عمر ولا عثمان هل عندك فيها شيء

د. السديس: ليس عندي فيها شيء

د. الشهري: أفكر في مناسبة ورود قصة زيد أن زيد رضي الله عندما عندما طلق زينب وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم جاء ذكره تطييبا لخاطره. نعود إلى قوله تعالى (وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) وكانت وقفتك عند النهي عن تزكية الإنسان نفسه تزكية عامة

د. السديس: ذكر المفسرون أن قوله (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ) يشمل تزكية الانسان لنفسه ابتداء أو تظكيته لغيره وحكمه على غيره على نحو قوله (فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ (61) النور) يعني على إخوانكم فتكون الآية تحتمل هذين الأمرين معاً (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) أعلم بأهل التقوى منكم. وهذا يدل على أنه ينبغي على الإنسان أن يحرص كثيراً على اتقان العمل وأن يكون عمله لله تعالى خالصاً وأن لا يتلفت كثيراً إلى ما قد يقال من الأقاويل لأن الله جل وعلا هو العالم بسرائر الأمور وهو الذي يحاسب الإنسان على عمله لأن مثل هذا الثناء الذي قد يكون في غير موضعه ربما يصرف الانسان ويبطّئه عن العمل الصالح. ولذلك الإثم في الأصل (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ) هذا اللفظ يتكرر كثيراً في القرآن وأصله من قولهم “تأثمت الناقة في المشي” إذا أبطأت وسمي العمل المخالف لأمر الله جل وعلا إثماً لأنه يبطئ صاحبه عن الوصول إلى الدرجات العليا والوصول إلى ما أعده الله سبحانه وتعالى فالله جل وعلا أعلم بمن اتقى فيحرص على عدم الوقوع في مثل هذه الأمور

د. الشهري: تأتي الآيات (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ﴿٣٣﴾ وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى ﴿٣٤﴾ أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى ﴿٣٥﴾) من هو هذا الرجل؟

د. السديس: هذه الأوصاف وصفها الله جل وعلا قال (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ﴿٣٣﴾ وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى ﴿٣٤﴾ أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى ﴿٣٥﴾ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى ﴿٣٦﴾) هذه الأوصاف كما نجد أنها أوصاف ذكرها الله جل وعلا لمن خالف أمره فيما ذكر (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) عن ذكر الله جل وعلا (وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى) وأعطى شيئا قليلاً ثم توقف وامتنّ به على غيره (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى) الله جل وعلا يستفهم هل عنده علم الغيب فيرى حقيقة ما له أم لم ينبأ بما في صحف موسى وابراهيم الذي وفّى وهذا فيه تذكير بما له من العقوبة لأن هذا استدراج إلى ختام الآية قال سبحانه (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى ﴿٣٦﴾ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴿٣٧﴾) ثم ذكر بعدها الآيات التي جاءت

د. الشهري: هل لها سبب نزول هذه الآيات بالذات؟

د. السديس: ربما يكون لكني حقيقة ما أطلعت على سبب نزولها.

د. الشهري: كأني أذكر أنها نزلت في أحد كبار المشركين إما أنه الوليد بن المغيرة أحد كبارهم نزلت فيه هذه الآيات لأنه أعطى قليلاً من المال ومنّ وأعجبني في تفسير أكدى مأخوذة من الكدية الأرض الصلبة كأنه أعطى ثم توقف اصطدم بالأرض الصلبة.

د. السديس: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى ﴿٣٦﴾ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴿٣٧﴾ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴿٣٨﴾ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴿٣٩﴾) وهي التي ذكرها الله جل وعلا في آخر سورة الأعلى (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)) ثم قال سبحانه (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وهذا يدل على أن الإنسان إنما يؤاخذ ويحاسب على عمله (ولعل هذا فيه إجابة على سؤال الأخ محمد من العراق) أن الإنسان إنما يؤاخذ ويحاسب على عمله فقط (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) لكن فيما يتعلق بالعمل الصالح وصول العمل الصالح إلى الميت ثابت لكن الخلاف بين أهل العلم رحمهم الله في الاجمال والتفصيل يعني هل كل قربة فعلها فنوى ثوابها إلى ميت تصله أو أن هذا مقصور على ما جاء في السنة النبوية مثل الحج، مثل الصدقة، أيضاً في الصيام لما قال صلى الله عليه وسلم أرأيت إن كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قال نعم، قال فدين الله أحق بالقضاء، فاختلف الناس في هذا وإلا وصول العمل إلى الميت وانتفاعه به من حيث الجملة هذا ثابت في النصوص الشرعية لكن يبقى ما يتعلق هل على سبيل الاجمال أو التفصيل

د. الشهري: يعني بعضهم يقرأ ويختم القرآن في رمضان مرة ويقول أهدي ثوابه لوالدي هل هذا يصله أو لا يصله؟ الخلاف هنا

د. السديس: عند الحنابلة أن كل قُربة عملها فنوى ثوابها لحيّ أو ميت وصلت، هذا مذهب الحنابلة، يصل إليه العمل سواء كان على سبيل الحج أو الصدقة أو كان على سبيل العبادات لأنهم يقولون إن الشرع لا يفرق بيم متماثلات ولا يجمع بين متفرقات فإذا جاز أن يصله ثواب عمل مثل الحج فيصله ثواب قرآءة القرآن. وبعضهم يقف مع النص فيما أذن فيه من هذا الأمر فيما يتعلق بوصول العمل. أما ما ذكره في الحديث الصحيح “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم نافع أو صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له” الولد الصالح هو من كسبه، هو من عمله فليس هناك تعارض

د. الشهري: كما فهمت من سؤال الأخ محمد هو يشعر أن هناك تعارض بين قوله تعالى (لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا) وبين قوله “أو ولد صالح يدعو له” فليس هناك تعارض

د. السديس: ليس هناك تعارض لأن هذه في سياق وهذه في سياق آخر، لا يجزي لأن الله سبحانه وتعالى عو الحكم العدل فلا يؤاخذ أحداً بجريرة غيره، بذنب غيره وقال سبحانه (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وهذا أتم ما يكون في تحقيق العدل من الله سبحانه وتعالى فلا يؤاخذ أحد بجريرة غيره.

قال تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴿٣٩﴾ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ﴿٤٠﴾ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴿٤١﴾) ثم ذكر الله جل وعلا بعض المنن التي امتن بها سبحانه وتعالى على عباده (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴿٤٢﴾ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴿٤٣﴾ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ﴿٤٤﴾ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴿٤٥﴾ مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴿٤٦﴾) وهذه من المنن والمنح التي ذكرها الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين والضحك هو نتيجة السرور والبكاء نتيجة الحزن وابن عاشور يقول وهذه خاصية لا تكون إلا للإنسان فلا يضحك أحد من الحويانات ولا يبكي

د. الشهري: يقولون أن الجمل بكى

د. السديس: في الحديث أنه لما صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً لرجل من الأنصار فجاء الجمل وضع رأسه على كتف النبي صلى الله عليه وسلم وذرفت عيناه فقال النبي عليه الصلاة والسلام لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال إنه شكى لي أنك تجيعه فذرفت عيناه. لكن ربما يكون المقصود الأعم الأغلب وأن ذلك مما يحصل للإنسان لأنه على سبيل التنفيس سواء كان ضحكاً أو بكاء فإنه على سبيل التنفيس. قال (وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ﴿٤٤﴾ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴿٤٥﴾ مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴿٤٦﴾ وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى ﴿٤٧﴾) كل هذه الأمور تقرر ما يتعلق بموضوع السورة كل هذه الأمور مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقررها عند المشركين ما يتعلق بالبعث وكان من أهداف رسالته صلى الله عليه وسلم التذكير بالبعث والتذكير بيوم النشور فكل هذه الأمور جاءت لتأكيد هذا الأمر وسياق القرآن أحياناً عندما يريد أن يقرر أمراً فإنه يقدم له بجملة من المقدمات فلذلك الله جل وعلا أشار إلى شيء من مننه ثم أشار بعد ذلك إلى يوم الجزاء ويوم الحساب لأن هذا الممتن عليكم هو من يملك هذا الأمر. قال (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى) أقنى من القنية وهي قلة الاكتساب والفقر (أغنى مقابله أقنى). (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) وذكر هذا النجم لأنهم يعرفونه

سؤال: ما الحكمة من النص على الشعرى في قوله تعالى (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) مع أنه سبحانه رب كل شيء؟

د. السديس: نصّ الله جل وعلا عليها لأن العرب تعرف هذا النجم وكان من بينهم من كان يدعو إلى عبادته، ذكر الله جل وعلا أنه هو ربه وهو الذي يستحق العبادة سبحانه وتعالى. مع شهرته المعلومة فالنص عليه كما نص على ذكر الأصنام. والمقصود بذلك هو الإشارة إلى ما ذكرته ابتداء وهو أن الله جل وعلا أبطل الآلهة التي تكون في الأرض من غير وجه كما ذكر في اللات والعزى ومناة وأبطل ما يتعلق به المشركون من النجوم والكواكب فقال (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) وأبطل ما ربما يعتقده بعضهم بالملائكة فأثبت أنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى وأنهم تحت أمره سبحانه وتعالى فإذا أبطل جل وعلا هذه الأنواع من الآلهة فدل على أنه هو المستحق للعبادة جل وعلا. ثم ذكر الله جل وعلا بعد ذلك القوارع التي من شأنها أن تردع المشركين والمكذبين بآيات الله تعالى وقد حصل ذلك عندما استجابوا لأمر السجود في هذه الآية على توجيه أن هذا وقع منهم على سبيل السجود الحقيقي والخوف من نزول العقاب. ثم قال سبحانه وتعالى (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى ﴿٥٠﴾ وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى ﴿٥١﴾ وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى ﴿٥٢﴾) نجد في القرآن الكريم كثيراً ما يتكرر ذكر القصص لكن من بلاغة القرآن الكريم أنك لكن لا تجد قصة تتكرر في موضع أو يعاد ذكرها في موضع آخر إلا بسياق مختلف وأحوال جديدة وربما يكون ذكرها في الموضع يصاحبه شيء من الاختصار وذكرها في موضع آخر يصاحبه شيء من البسط والبيان، فجاء هنا على سبيل الإشارات القوية جداً قال سبحانه وتعالى (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى ﴿٥٠﴾ وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى ﴿٥١﴾) وقد قص علينا في كتابه خبر إهلاكهم فذكر الله عز وجل ذلك في سورة الشعراء وفي سورة هود، ذكر الله سبحانه وتعالى أحوال إهلاكهم ولكن هذا فيه إلماحة إلى ذلك.

د. الشهري: عاداً الأولى ماذا تعني؟

د. السديس: يبدو الاعتبار الزمني هنا، لأن هناك اعتبارات أخرى لما جاء إلى قوم نوح قال (وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى) لأن نوح عليه السلام لبث فيهم ألف إلا خمسين عاما واستنفذ معهم كل وسائل الدعوة (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا ﴿٥﴾ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ﴿٦﴾ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ﴿٧﴾ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ﴿٨﴾ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴿٩﴾ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴿١٠﴾ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴿١١﴾ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴿١٢﴾) ومع ذلك (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40) هود) اي قلة من قومه ولذلك وصفهم الله جل وعلا هنا (أَظْلَمَ وَأَطْغَى) والظلم هو مجاوزة الحدّ أشد ظلماً وطغياناً لمخالفتهم لنوح عليه السلام مع طول الوقت الذي بقي معهم في دعوته. قال (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى) في قصص المؤتفكات

د. الشهري: من هم (والمؤتفكة)؟

د. السديس: أصحاب المؤتفكات، قوم لوط عندما رفع جبريل بجناحه القرى فأهواها إلى الأرض، هذا معنى مؤتفكة يعني مقلوبة (فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى) من العذاب ثم قال سبحانه (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ﴿٥٥﴾ هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى ﴿٥٦﴾) هذا نذير أي ما ورد في هذه السورة أو يكون المراد النذارة المطلقة، من النذر الأولى التي يجب أن يهتم بها من يستمع هذه الآيات أنها على سبيل النذارة والتخويف. ثم قال (أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ ﴿٥٧﴾ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴿٥٨﴾) والمراد بذلك اقتراب تحقق العذاب الذي توعد الله جل وعلا به للمكذبين (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ﴿٥٩﴾ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ﴿٦٠﴾) من باب الاستهزاء به لأنهم وصفوا النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به أنه سحر وكهانة (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) الفرقان) وقال سبحانه في سورة الأنعام (وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ (105)) اختلقوا جملة من الأقوال على النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغه لأمر الله ولذلك قال سبحانه (وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ﴿٦٠﴾ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ﴿٦١﴾) سامدون، السمود قيل إعجاب المرء برأيه فلا يستجيب لداعي النصح يكون متكبراً متغطرساً ولا يستجيب لداعي النصح. وقيل المراد هو الغنى والله أعلم. ثم أمر الله جل وعلا وختم السور بقوله (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ۩﴿٦٢﴾) وذكر السجود هنا لأنه كما يقول أهل العلم أنه أشرف أعمال الصلاة لأنه أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد فالقيام أفضل بذكره والسجود افضل بعمله، القيام أفضل بذكره لأنه يقرأ فيه القرآن ويقرأ فيه الفاتحة وقرأ ما تيسر من القرآن لكن السجود أفضل بهيأته وفعله لأن فيه القرب من الله جل وعلا وفيه غاية الاذعان والعبودية. قال (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ۩﴿٦٢﴾) وهذا فيه تقرير ورد آخر السورة إلى أولها (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) قال في خاتمتها (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ۩﴿٦٢﴾) أي حققوا ما أمركم به النبي صلى الله عليه وسلم من دعوته إلى عبادة الله جل وعلا وذكر السجود هنا على سيبل الامتنان على سبيل الأمر لأن السجود أشرف ما يتقرب به

د. الشهري: وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) العلق) فقد أمروا بما أمر به صلى الله عليه وسلم

د. السديس: هذه إلماحة لما جاء في هذه السورة

د. الشهري: ظهر فيها الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تفضلتم وظهر فيها أيضاً الدفاع عن الوحي الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كله من عند الله وظهر فيها خطابه للمشركين وتتبعه لشبهاتهم وردها ومواضيع السور المكية ظاهرة فيها جداً.

د. السديس: من حيث المباني ومن حيث المعاني

د. الشهري: مرت علينا لفظة ما وقفنا عندها وهي (قسمة ضيزى) هذه لم ترد في القرآن الكريم إلا في هذا الموضع

د. السديس: وفي القرآءة الأخرى (ضئزى) ومعناهما واحد. ضيزي يعني أنها جائرة حائدة عن سبيل الحق لأنه كما قال سبحانه (أصطفى البنات) كونهم يختارون لأنفسم البنين ويجعلون البنات لله سبحانه وتعالى هذا هو الظلم في القسمة والله جل وعلا ليس له من ذلك شيء سبحانه وتعالى فهو مستغنٍ بكماله وقدرته سبحانه وتعالى.

د. الشهري: أسأل الله أن يفتح عليك وأن يحسن إليك وأن يكتب أجرك فقد أمتعتنا وقد استعرضنا السورة كاملة.

******************

الفائز بحلقة الأمس: مريم محمد سبتان

سؤال الحلقة: نفى الله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون شاعراً أو عالماً بالشعر ما الآية الدالة على ذلك في الجزء الثالث والعشرين؟