برنامج التفسير المباشر

التفسير المباشر – 1432 هـ – سورة القمر

اسلاميات

الحلقة 148 – سورة القمر

ضيف البرنامج في حلقته رقم (148) يوم الأربعاء 24 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور مساعد بن سليمان الطيار عضو مجلس إدارة مركز تفسير للدراسات القرآنية ، والأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود .

وموضوع الحلقة هو :

– علوم سورة القمر .

– الإجابة عن أسئلة المشاهدين ..

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة المشاهدون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم التفسير المباشر. اليوم بإذن الله تعالى سوف يكون حديثنا عن سورة القمر مع ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور مساعد بن سليمان الطيار عضو مجلس إدارة بمركز تفسير للدراسات القرآنية والأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود.

كنا أمس في سورة النجم واليوم انتقلنا إلى سورة القمر ومنذ عدة حلقات ونحن في سور مكية هل في سورة القمر أية مناسبات ظهرت بين القمر وبين النجم؟

د. مساعد: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين. من أظهر المناسبات هو ارتباط النجم بالقمر في كثير من آيات القرآن وورود سورة النجم ثم بعدها سورة القمر آيتان كونيتان متلازمتان في القرآن هذه أحد وجوه المناسبات اللفظية أو قل التي هي من عادات القرآن لربط النجوم بالقمر. لو نظرت إلى قضية الآيات ففي سورة النجم ذكر آية من آيات الله العظمى للنبي صلى الله عليه وسلم وهي المعراج ثم ذكر آية من الآيات التي طلبها المشركون وهي انشقاق القمر مما يؤكد التناسب في إيراد هذه الآيات العظمى لمحمد صلى الله عليه وسلم. وهناك الموضوعات التفصيلية، بعض الموضوعات المترابطة بين السورتين مثلاً في النجم ذكر الآلهة التي كانوا يعبدونها وإشراكهم بالله سبحانه وتعالى ثم ذكر في هذه السورة شدة تكذيبهم وأيضاً ذكر أمثالهم من الأمم أشياعهم وهذه كلها مناسبات وهناك مناسبات كثيرة بين السورتين.

د. الشهري: أحياناً عندما يبحث الباحث في المناسبات يظن أن المناسبة تكون بين آخر السورة وأولها فقط في حين أن السورة تكون في أولها وفي أوسطها وفي آخرها موضوعات متناسبة مع السورة التي قبلها سواء في أولها أو في أوسطها أو في آخرها

د. مساعد: هذا صحيح، المناسبات قد تكون بين آخر السورة ثم أول السورة التي تليها مثل عندنا في سورة القمر قال (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) يأتي بعدها (الرَّحْمَنُ) لذلك الذي يصل بينهم بدون بسملة فسيقول: “مقتدرٍ الرحمن” فهذه نوع من التناسب فهذا التناسب لا يلزم أن يكون دائماً موجود لكنه كثير، هناك مناسبات لفظية ومناسبات معنوية وهناك مناسبات في الموضوع

د. الشهري: سورة القمر هل لها إسم غير هذا؟

د. مساعد: الاسم الشهر هو القمر وبعضهم يقول (اقتربت) (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) لحكاية أول السورة لكن لا أذكر أنها سميت بغير هذين الاسمين

د. الشهري: متى نزلت سورة القمر من حيث الزمان والمكان؟

د. مساعد: على حسب تحديد واقعة انشقاق القمر التي هي في السنة الخامسة للهجرة، فإذا كانت كذلك فإنها ستكون في الجزء الأخير من العهد المكي تقريباً

د. الشهري: ما هو المقصد الأساسي للسورة؟

د. مساعد: لو تأملنا السورة قضيتها واحدة وهي قضية انشقاق القمر وقوله سبحانه وتعالى (وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) كأنها هي معقد المقصد، المقصد قائم على قوله (وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) كأنها المسألة مرتبطة بأنه مع ظهور الآيات إلا أن هؤلاء الكفار يعرضون عن الله سبحانه وتعالى وعن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. فكأن المقصد هو الإشارة إلى الإعراض ولهذا جاءت قصص الأنبياء السابقين ومآلات أقوامهم متتالية في هذه السورة. لو قرأنا السورة من أولها وآخرها سنجد أن القصص التي بين هذه السورة هي أطول شيء فبداية السورة (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) عندنا ثمان آيات تتحدث عن الكفار وعن تكذيبهم باليوم الآخر وبهذه الآية بالذات ثم سنجد في الأخير قوله سبحانه وتعالى (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ) من الآية 43 إلى 49 رجعت تناقش قضية الكفار التي قال تعالى فيها (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ﴿٤٦﴾ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ﴿٤٧﴾ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ﴿٤٨﴾) إلى آخر الآيات

د. الشهري: هل ورد في فضل سورة القمر أحاديث؟

د. مساعد: لا لم يرد

د. الشهري: نعود إلى أول السورة ونأخذ السورة مقطعاً مقطعاً في قوله (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) هل لها سبب نزول؟ هل هي تتحدث عن حادثة وقعت؟

د. مساعد: سببها أنه طلب المشركون آية فشق الله سبحانه وتعالى القمر نصفين آية للنبي صلى الله عليه وسلم لأجل أن يؤمنوا ولكن الكفار لم يؤمنوا فقالوا هذا من سحر أبو كبشة يقصدون محمد صلى الله عليه وسلم (ينسبونه لأحد أجداده من باب التعيير) وهذا أسلوب من أساليب العرب وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يكون معيراً لكن هذا من جهل الكفار به صلى الله عليه وسلم. لما طلبوا هذه الآية كما أخبر بعض الصحابة مثل ابن عباس وغيره أنه صار القمر فلقتين إنشق وصار نصفين وبعد أن صار نصفين كان المتصور أن يؤمن هؤلاء لأنهم طلبوا آية وحصلت ولكنهم ردوه إلى السحر قال تعالى (وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) فهم حكموا على ما رأوه أنه سحر فأحالوه إلى السحر لئلا يؤمنوا مع أنهم هم الذين طلبوا الآية. فهذا هو سبب نزول هذه الآية.

د. الشهري: المتصور أن السورة نزلت مع بعضها

د. مساعد: الظاهر من ترابط السورة نزولها كاملة

د. الشهري: نأخذها من الأول (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴿١﴾ وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ﴿٢﴾) التعبير باقتراب الساعة، قد يقول قائل كم لنا الآن منذ أن نزلت هذه السورة والله تعالى يقول (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) ونحن الآن في العام 1432 ربما 1440 سنة منذ نزلت هذه السورة فكيف يقول اقتربت الساعة وبيننا وبينها هذا المدى البعيد وإلى الآن لم تقم.

د. مساعد: هذه قضية نسبية النبي صلى الله عليه وسلم يقول “بُعثت أنا والساعة كهاتين” إشارة إلى القرب. والقرب لا يلزم منه مشكلة الإنسان أنه يقيس القرب بحياته هو مع أنه الاقتراب هنا منسوب إلى بداية الزمان فإذا نظرنا إلى بداية الزمان وإلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وإلى انشقاق القمر في عهده صلى الله عليه وسلم فقوله (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) وكونه صلى الله عليه وسلم قال بُعثت أنا والساعة كهاتين، يعني متقاربتان فهو بالنسبة لما عاشه بنو آدم في هذه الأرض فإذا نظرنا إلى ما عاشوا من بعثة محمد إلى آخر الزمان وما قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ستكون قليلة وهذا معنى الاقتراب لكن إذا قاسها الإنسان بوقته ونظر لها بهذا النظر فإنه يعدها بعيدة ولهذا بعض السلف حدد قيام الساعة بخمسمائة عام من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم نظروا لأمارت وإن كان ذلك ليس بصحيح فقد مضت الخمسمائة عام ولم يحصل هذا وكان هناك بعض الدلالات والأمارات عندهم لكنها ضعيفة دلّ على ضعفها عدم علم الغيب أولاً ثم القضية الأخرى أن الواقع كذّب مثل هذه النبوءات

د. الشهري: ورد في القرآن الكريم وصف الإنسان بالاستعجال (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ (1) النحل) (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ (37) الأنبياء) حتى لما تتأمل الأمم السابقة تجد نوح عمر ودعوته كان طويلاً جداً مقارنة. نعود لقوله تعالى (وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) ما معنى مستمر؟

د. مساعد: مستمر إما أن مأخوذة من مَرّ يمرّ مروراً يعني سحر ذاهب وزائل أو أن يكون مستمر من مِرّة أي قوي سحر مستمر أي سحر قوي وقد مرت معنا بالأمس (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) النجم) في وصف جبريل عليه السلام يعن ذ قوة. إما أن تكون من مرّ يمرّ وإما أن يكون من مِرّة وكلاهما محتمل أن يقولون هذا سحر قوي لكنه زائل فيجتمع المعنيان.

د. الشهري: ألا يمكن أن يكون من معانيها مستمر أي متواصل لا ينقطع أو مستمر من المرارة شديد المرارة؟

د. مساعد: لا أذكر أنه ذكر هذا ضمن الأقوال التي قيلت لكن المرارة ترجع إلى معنى القوة

د. الشهري: (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ)

د. مساعد: قوله (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ) كأنها إشارة إلى السبب لماذا كذّب هؤلاء؟ لأنهم اتبعوا أهواءهم فاتباع الهوى من أكبر أسباب الضلال عن الحق

د. الشهري: المشكلة أن بعضهم يظن أنه يعمل بالحق وهو في حقيقة الأمر يتبع الهوى لا يميز بين اتباعه لهواه أو اتباعه لدليل بل بعضهم يستدل بدليل خاطئ ويصر عليه ويرى أنه متبع للحق في حين أنه في واقع الأمر يتبع الهوى فكيف يميز الواحد أنه متبع للهوى أو متبع للحق؟

د. مساعد: لا شك هذه من الصعوبة بمكان لكن كما قال صلى الله عليه وسلم استفت قلبك وإن أفتاك الناس وافتوك. الإنسان بالنسبة له يظهر له هل هو متّبع للهوى أو هو متجرد ويبحث عن الحق؟ لكن أحياناً تظهر أمارات من كثرة ما ترى من خطأ ذلك الانسان حتى مع اتباع الدليل مع أنه يقول قال الله قال رسوله قال فلان من العلماء ولكن تلحظ أنت منه أنه يتوجه إلى شيء واحد ويغمض عينه عن أشياء كثيرة جداً فمثل هذا قطعاً أمارات كلامه تدل على اتباعه للهوى والخطورة حينما لا يشعر هو أنه متبع للهوى ولا شك هذا والعياذ بالله نوع من الزيغ وأخشى أن يدخل في قوله سبحانه وتعالى (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ (5) الصف) لما صار يتبع الهوى بالفعل ويبحث عن طاعة فلان وعلان من الناس من رؤوسائه أو مشايخه ويبحث لهم عن الدليل ويصحح ما يقولونه بدون النظر لأقوال الآخرين وعدم الاعتبار لها فلا شك أن هذا الإنسان والعياذ بالله يصل فيه الحد أن يظن أنه على حق وهو على باطل، هذا لا شك أنه أمر عظيم والإنسان يراجع نفسه ويسأل الله عز وجل الهداية للحق ونحن في قولنا (اهدنا الصراط المستقيم) في أحد معانيها أن هذا الصراط متنوع الأعمال متنوع العبادات فيسأل المرء ربه في تفاصيل هذه العبادات، هدايات خاصة يهديه لبر والديه يهديه للصلاة، يهديه للزكاة، يهديه للجهاد يهديه للحج يهديه للعمرة يهديه لأشياء أخرى. ومنها يهديه لاتباع الحق لأن الإنسان أحياناً قد يضل بسبب اتباع الهوى

د. الشهري: ويظهر من علامات اتباع الهوى الاصرار على الرأي مهما ظهرت لك من الأدلة ولذلك تجد قلّ من يرجع إلى رأي مخالِفه مع وضوح الأدلة ولو في المسائل العلمية البسيطة أو في القضايا الاجتماعية، واحد يبين له الحق ويبين له الدليل فيقول والله فعلاً كنت أرى هذا الرأي ورجعت إلى قولك وهذه موجودة عن كثيراً عند السلف مثل الشافعي والليث بن سعد هؤلاء الأئمة الكبار يتناظرون فيرجع كل واحد منهم إلى رأي صاحبه يدلك بشكل واضح أنهم كانوا يريدون الحق مع أنهم أقدر على الاستنباط منا

د. مساعد: وأعلم لكن الخُلق هذا تجده مع الأسف مفقوداً ولذلك أحسن حل مع أمثال هؤلاء أن يسكت إذا وُجه وجوبه يسكت، إعترف أنك أخطأت، لا، تجده لا يستطيع أن يُخرِج أنه أخطأ

د. الشهري: ثم يقول سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) هم اتبعوا أهواءهم بالرغم

د. مساعد: الأنباء الأخبار ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب وما شاهدوه من أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم (وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) اي ما يزجرهم عما هم فيه من التكذيب، مزدجر مأخوذة من الزجر وهذه مبالغة في معنى الزجر فكأنه هناك ما جاءهم من الأنباء ولهذا ستأتيهم أنباء هم يعرفونها أنباء قوم عاد ولوط وثمود هذه يعرفونها فهذه الأنباء عندهم ويعرفونها ومع ذلك لم يتعظوا بها ولم يزدجروا بها

د. الشهري: سبحان الله كل يوم أجلس في هذا المجلس واستمع إلى سورة جديدة وتفاصيل جديدة فملفتة للنظر كثرة القصص عندما يأتي الوعيد يذكر القصص عندما يأتي تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر القصص عندما يمتنّ عليه يذكر القصص سبحان الله العظيم دليل واضح أن القصص نسبته كثيرة والأمر الثاني فائدته عظيمة

د. مساعد: وهذا أحد الأسباب التي ذكرتها الآن تنوع القصة بتنوع الموضوع إذا كان هناك تسلية إذا كان هناك بيان العقاب إذا كان هناك بيان نجاة للمؤمنين وكلها تأتي فيها القصة ولا شك أن القصة مهمة جداً في تقريب الصور التي تقع.

د. الشهري: قال (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ) أولاً قبل أن نتحدث عن معناها (فتولى عنهم) في المصحف وضعوا عليها علامة (ميم) في الوقف، هذا الوقف ما اسمه؟

د. مساعد: هذا الوقف اللازم من وقوف الإمام السجاوندي المتوفي سنة 560 هـ له كتابان في الوقف الكتاب الكبير والكتاب الصغير، في أحد المخطوطات اسمه علم الوقوف وفي باق يالمخطوطات اسمه الوقف الكبير. هذا الوقف عنده “ما لو وصل طرفاه لغيّر المرام وشنّع معنى الكلام” كما يقول في تعريفه. نطبقها هنا: لما قال (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ) قد يُفهم من الوصل أن الأمر بالتولي في ذلك الموقف وليس كذلك وإنما الأمر بالتولي اليوم فتولّ عنهم الآن ثم استأنف فقال (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ) فقوله “يوم يدع الداع إلى شيء نكر” جملة مستأنفة وهذا من الاستئناف البياني كأنه قيل فتولى عنهم فأي شيء يكون بعد التولي؟ قال اذكر يوم يدع الداعي، فالجملتان منفصلتان في الزمان، فهذه الجملة لها زمن وهو اليوم وتلك زمنها قادم وهو يوم القيامة

د. الشهري: هل تدل المشاهدين على كتاب مختصر في معرفة الوقف وفوائده؟

د. مساعد: هناك كتاب الحصري “معالم الاهتداء” هو كتاب جميل وقد طبع الآن بعد أن كان مفقوداً ونفدت طبعته وهو كتاب جميل وفيه فوائد

د. الشهري: يستطيع أن يتعرف القارئ على أنواع الوقف ودلالاته لأن الناس يسألون كثيراً في هذا

د. مساعد: هو علم مع الأسف مما تُرِك وهو من علوم الإقراء كان علماء القرآءة قديماً يعتنون به كثيراً ولا نجد في البرامج القرآنية من يعتني به ليس هناك أي برنامج قرآني مرتبط بالوقف ولماذا وقفنا هنا أو هنا

د. الشهري: الإخوان الذين يدرّسون التجويد في القنوات الفضائية أنهم يعتنون بقضية الوقف لكن تفصيل الدلالات والمعاني هذه مهمة وقد يتحول إلى برنامج تفسير وليس برنامج تلاوة.

د. مساعد. هم يعتنون لكني قصدت علم الوقف كعلم مستقل يُدرَس دراسة خاصة.

د. الشهري: وقفنا عند قول الله تعالى (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ) في قوله (فتولى عنهم) الضمير يعود لمن؟

د. مساعد: يعود إلى الكفار. لاحظ من بداية السورة -وأنا كنت أنتظر أن نصل إليها- هي نفس ما ذكرناه في سورة ق (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ ﴿١﴾ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ﴿٢﴾) هنا الضمائر أطول منذ بدأت السورة في قوله (وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) من الآية 2 إلى الآية 7 وبداية الآية 8 (مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) كلها ضمائر لمن لم يُذكر ثم قال بعد ذلك (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) فأظهر بعد كل هذا الإضمار، الآيات سبقت كلها إضمار ثم أظهر وهذا نفس الفكرة التي ذكرنا في سورة ق إظهار بعد إضمار وكما سبق أنه إذا أُضمر ولم يذكر قبله مُظهَر دلّ على شهرته ومعرفة الناس به فالذين أعرضوا هم كفار قريش ولا أحد يختلف في هذا.

د. الشهري: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ) ما معنى شيء نُكُر؟

د. مساعد: مُنكر

د. الشهري: حتى في جَرْس الآيات وفواصل السورة تكاد تكون غريبة في القرآن الكريم، تكرار حرف الراء

د. مساعد: وأيضاً في (نُكُر) هي مضغوطة وتمثل هذه الفظاعة التي ستكون يوم يدع الداعي

د. الشهري: قال (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ) هذا كأنه في وصف حال هؤلاء

د. مساعد: وصف حال هؤلاء وغيرهم، لكن حالهم هم لما قال (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ) ذكر ما يحصل أبصارهم من الخشوع بسبب الذلة التي تكون عليهم وقال سبحانه وتعالى (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ) تصوير حال خروجهم من القبور (كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ) يعني من كثرتهم ومن التصاق بعضهم ببعض ومن تقاربهم يعني حالهم كحال الجراد المنتشر ما بين تقارب وابتعاد كما يُرى الجراد في السماء إذا جاء ملتصق أحياناً ومبتعد أحياناً وكثير. فهذا تصوير لحال خروجهم من قبورهم (مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) مادين أعناقهم وأبصارهم إلى الأرض (مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) إلى من دعاهم وهي دعوة الحشر، يقول الكافرون إذا وقفوا في هذا الموقف (هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) أي عسير وهو يوم عسير كما أخبر الله سبحانه وتعالى (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) المدثر) فهو عسير عليهم وللمؤمنين لا شك أنه يختلف. هذا التصوير في حالهم كله جاء من قولهم (وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ﴿٢﴾ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ﴿٣﴾) ذكر الله عز وجل هذا الاجمال السريع جداً ذكر الآية التي نزلت عليهم ذكر سبب تكذيبهم ذكر ما سيكون من حالهم يوم القيامة ومن اللطائف الواردة وهو سؤال كنت وددت أن ننتبه له كنت نسيته ولعلنا نعود له الآن وهو (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) القصة والحدث مرتبطة بانشقاق القمر فقوله (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) والابتداء بقوله (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) هذا كان فيه براعة استهلال ونظر في ترابط الموضوعات فيسأل سائل ما العلاقة بين اقتراب الساعة وانشقاق القمر وهذا ملحظ لطيف يحسن التنبه له في قضية العلاقة بين الموضوعات فعندنا في قوله تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) بينما إشارة إلى التحول الذي يحصل يوم القيامة في هذه الأجرام وفي كل نظام الكون يتحول كل نظام الكون من نظام معتاد عليه إلى نظام جديد وهو نظام يوم القيامة ينتقل من نظام الدنيا إلى نظام يوم القيامة فلعله ناسب ذكر اقتراب الساعة مع اختلال نظام القمر في هذه الجزئية التي حصلت في ذلك الوقت. هذه أحد الروابط في ذكر اقتراب اساعة وانشقاق القمر. الطاهر بن عاشور رحمه الله ذكر فائدة أخرى وهي أن القرآن يتلمس جوانب الموعظة وكأنه ربط بأن هذه فرصة وهي الوعظ باليوم الآخر فكأنه ابتدأ بالموعظة (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) ثم ذكر الحال الذي حصل قال (وَانشَقَّ الْقَمَرُ) هذا أيضاً ملحظ آخر أنه يؤتى بالموعظة في المواطن المناسبة لها.

د. الشهري: وهم يفهمون هذه الإشارات وتقع في أنفسهم. التشبيه بالجراد في قوله (كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ) لماذا التشبيه بالجراد دون غيره من الحشرات والحيوانات؟

د. مساعد: الجراد يكون في الغالب متجمعاً وفيه كثرة أيضاً ولذا الجراد إذا جاء على مزرعة يكون كالغمامة ويغطي المزرعة بالكامل.

د. الشهري: ويمكن أن يقال أن هذا تشبيه لهم بما يعرفونه ويألفونه في بيئتهم، الجراد من الأشياء المألوفة في هذه البيئة. ننتقل الآن من المقدمة يدخل الآن إلى القصص دخل في قوله (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) دعنا نتوقف مع القصص

د. مساعد: قصة نوح عليه السلام ذكرت هنا بإيجاز فذكر تكذيب قومه وماذا قالوا له (وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) نهروه لو تأملنا (وَقَالُوا مَجْنُونٌ) هذه سنجد ما من نبي يأتي إلا ويقول عنه قومه مجنون وحتى الدعاة ولهذا كل من سلك مسلك الأنبياء فإنه لا يسلم مما ذكر في الأنبياء ولا شك أن الداعية يعتبرها نعمة مؤشر أنه يسير في الطريق الصحيح. قال الله سبحانه وتعالى (فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا) في مقام الدعوة نسب نوح إلى العبودية وهي أشرف المقامات لم يذكر النبوة هنا وإنما ذكر العبودية وهذا معروف ومشهور في القرآن. قال (فَدَعَا رَبَّهُ) دعا ربه بعد 950 سنة من الدعوة وهنا يجب أن ننتبه إلى أن أعمار الناس في زمانهم ليست كأعمارنا والأعمار بدأت تتناقص، فالأعمار من عهد آدم غير الأعمار في عهد نوح غير الأعمار في عهد هود غير الأعمار فيمن جاء بعدهم إلى أن وصلت الأعمار إلى ما هي عليه وبقيت مستقرة. آدم كان قرابة ستين ذراعاً قرابة ثلاثين متراً. قال سبحانه وتعالى (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ) طلب من به سبحانه وتعالى الانتصار له ومغلوب لأن كل الوسائل التي يستطيع أن يقدمها انتهت، قال الله سبحانه وتعالى (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ﴿١١﴾ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴿١٢﴾) فالله سبحانه وتعالى لما كذب قوم نوح التكذيب الصريح وانتهى منهم الايمان لأنه قال (لا تذر على الأرض  يضلوا) انتهى الأمر تماماً أنزل الله سبحانه وتعالى من السماء ماء منهمر منصبّ بكثرة وفجر الأرض عيوناً تفجير كله عيون وليست عيناً، بدأ يخرج الماء في كل مكان، ماء الأرض يخرج وماء السماء يهطل وهذا أسرع ما يكون في الغرق. فقال سبحانه وتعالى (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) وصف السفينة هنا وهذا وصف لطيف جداً وهذا يتناسب مع سورة القمر لو قال وحملناه على الفلك أو حملناه على السفينة لاختلّ الفاصل (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) بيّن لنا مكونات هذه السفينة أنها ألواح والألواح معروفة من الخشب (ودسر) على أشهر التفاسير فيها أنها مسامير وهناك أقوال أخرى في دسر أنها الليف الذي يربط به خشب السفينة وبعضهم قال أضلاع السفينة ولكن لا تخرج الأقوال عن معنيين المعنى الأول معنى الدفع والمعنى الثاني معنى الربط، المعنى الأول من قال أضلاع السفينة أو مقدمة السفينة فلأنها تدفع السفينة وهذا هو المعنى الاشتقاقي لمادة (دسر) دسر بمعنى دفع، فكأن أضلاع السفينة تدفع السفينة في الماء. والمعنى الثاني الذي هو الربط من قال أنها مسامير فالمسامير تربط الأخشاب بعضها بعض أو الليف يربط بعضها ببعض. ولكن صاحب مقاييس اللغة رحمه الله تعالى لم يجعل لها إلا معنى واحداً وهو الدفع أما الربط فإنه ذكر المسامير قال ومما في هذا الباب لكنه لم يربطه في الدفع وإن كان المسمار فيه معنى الدفع لأنه يُطرق فيدفع لكن لو قيل بمعنى آخر أنها بمعنى الربط التي تدخل معها الألياف تربط بالألياف لصار المعنيان متقاربان ويكونان أصلان لا أصل واحد للفظة. ثم قال (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ) إما نوح أو الله سبحانه وتعالى يعني كُفر به وهو الله سبحانه وتعالى يعني جازيناهم وعاقبناهم لأجل كفرهم بالله. ثم قال (وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) هل هي السفينة؟ هذا احتمال وقد ورد عن قتادة أن هذ السفينة بقي منها آثار رآها صدر هذه الأمة وإن صح ما ذكره قتادة بن دعامة السدوسي-وهو من التابعين توفي سنة 118 أو 117- فيه إشارة إلى أنه ما من أمة من الأمم إلا ورأت هذه السفينة فهذا احتمال. واحتمال آخر أنه تركناها أي تلك القصة قصة نوح. وقصة غرق قوم نوح من القصص التي تكاد تتفق عليها كتب التاريخ والمؤرخين وحتى الأساطير وثقافة الشعوب عموماً فيها أنه في يوم من الأيام غرقت هذه الأرض الغرق العظيم وهذا يدل على أن هذه القصة بالذات مما تركه الله سبحانه وتعالى في الناس لكن منهم من وصلته هذه القصة بطريق صحيح ومنهم من كانت عنده القصة ولكنها مشوهة إلى حد أن تكون مثل الأساطير مثل قصة جوجامش وغيره مما ذُكر.

د. الشهري: وهذه القصة قصة غرق قوم نوح تكرر ذكرها في القرآن الكريم في سورة هود وهنا وفي مواضع لو جمعناها كلها لتبين كثيراً من أوصاف هذا الغرق الذي حدث.

د. مساعد: هذا صحيح. وهو كما تلاحظ غرق عظيم جداً وحدث عظيم لا يكاد ينسى ولهذا بقي اليوم والله سبحانه وتعالى أخبر أنه تركها آية واتفاق هذه الشعوب كلها على معرفة الحدث هو يدخل في قوله (وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً)

د. الشهري: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) ما معناها؟

د. مساعد: برعايتنا وكلاءتنا وما دام نسب العين له سبحانه وتعالى فهذا فيه إثبات صفة العين كما يذهب إليه سلف هذه الأمة.

د. الشهري: نأتي إلى الآية (فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) كلمة مدّكر هذه ستكرر معنا كثيراً

د. مساعد: هي أصلها (مذتكر) فأُدغمت الذال في التاء فصارت مدّكر هذا هو أصلها الاشتقاقي. هنا قوله (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴿١٦﴾ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴿١٧﴾) هذه أصلها كيف كان عذابي ونذري كأنه يقول انظروا كيف كان عذابي ونذري الخطاب موجه للذين كفروا بهذه الآية التي رأوها عياناً. هذا عذابي ونذري في قوم نوح وكان المفترض أن يؤمنوا ثم قال سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)

د. الشهري: السؤال هنا (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) يعني كيف رأيتموه؟ يشير إلى ضخامته وعظيمته وقوته فالسؤال ليس المقصود منه الاستفهام وإنما تعظيم العذاب

د. مساعد: التعظيم وأن لازم هذا أن يؤمن هؤلاء ولكن ومع ذلك نجد أنهم لم يؤمنوا

د. الشهري: ثم تأتي الاية (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) تتكرر هذه الآية في السورة فما معناها؟ ولماذا تتكرر؟

د. مساعد: جعلناه موعظة، يسرناه للذكر أي للاتعاظ (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أيضاً استفهام لازمه الخبر كأنه حث للناس أن يتعظوا بمواعظ القرآن وأن يتذكروا به والله عز وجل يسّر هذا القرآن فما من تالٍ للقرآن إلا ويخرج بفائدة وباتعاظ وبحصيلة

د. الشهري: ماذا يشمل معنى التيسير؟

د. مساعد: التيسير يشمل تيسير ألفاظه للقرآءة، تيسير معانيه للفهم، هذا أيضاً من التيسير وأيضاً تيسير العمل به جميع أنواع التيسير حاصلة فيه وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى أن جعل كلامه ميسراً للناس وليس فقط للمؤمنين ولهذا من قرأه من الناس حتى غير العربي سيجد فيه فائدة وبعض من يقرأه من الكفار يؤمن به لما يرى فيه من الخير والنفع العظيم. فهذا الموضوع بالذات في قوله (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) هذا يدل على أننا نحن نبتعد عن القرآن ونظن أنه صعب وسبب ذلك هو هذا الحاجز الذي نجعله نحن أمامنا في هذه القرآن. لكن من قرأ القرآن في الغالب سيخرج بفائدة لو قلنا لأيّ عامي لو قرأت القرآن وختمته ختمة وأنت تريد أن تفهم معانيه كم تتوقع أن تفهم منه؟ نصفه؟ ربعه؟ ثلثه؟ ثلثاه؟ لو قال أستطيع أن أفهم الثلثين هذا الحمد لله نعمة، لا يُفهم أنه لا بد أن نفهم القرآن آية آية، لا، أقل شيء أنك تفهم عموم هذه الآيات أغلب الآيات إذا كانت مفهومة لديك فهذه نعمة. كون المسلم يتدبر وينظر في الآيات ويجتهد في معرفة معانيها وما أشكل عليه يسال عنه هذا هو المطلوب وداخل في التيسير. ولذا نقول قاعدة في قوله (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أنه لا يوجد آية أو كلمة لا يعلم أحد معناها ولهذا كما قلنا في اللقاء السابق في سورة ق السلف تكلموا عن جميع الآيات حتى الأحرف المقطعة التي ظنّ قوم أنها من المتشابه الذي لا يعلم به إلا الله تكلم فيها السلف مما يدل على أنه لييس هناك شيء في القرآن إلا وهو معلوم المعنى.

د. الشهري: نعود للآية (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) تتمة لحديثك أنت تدرس طلاباً غير عرب وأنا أدرس عندنا في الجامعة والأعجب أنني أجد أن الطلاب غير العرب يتقنون التجويد وأحكام التجويد ومخارج الحروف أفضل من الطلاب العرب مع أنهم قد لا يفهمون بعض المعاني التي تدل عليها وللأسف لم أطلع على كتاب يجمع كل القصص التي حفظت حتى في الوقت الراهن عن عناية غير العرب بالقرآن الكريم وخاصة في قراءته وفهمه والاتعاظ به. ومن أغرب ما سمعت وآخر ما رأيت في واشنظن مجسم كبير قالوا هذا للرئيس الأميركي الثالث توماس جيفرسون وهو الذي كتب الدستور الأميركي وكان نصرانياً وكان عنده نسخة من المصحف لا ينقطع من النظر فيها، ينظر فيها، تأمل الآن في الدستور الأميركي تجد أنه من أمثل الدساتير الوضعية الغربية واستطاع أن يعالج كثير من قضاياهم بغض النظر أنه وضعي وفيه نقص لكني أربط بينه وبين عنايته بالرجوع إلى القرآن الكريم والاستفادة مما فيه. وقد قرأت مؤخراً عن طوني بلير (رئيس وزراء بريطانيا السابق) أنه يفعل ذلك ويرجع إلى القرآن كثيراً ألا يدخل هذا في معاني هذا التيسير؟

د. مساعد: سبق وذكرنا هذا من جاء إلى القرآن يريد أن يستفيد منه فإنه تنفتح له هذه المعاني وأن هذا من التيسير قطعاً وكما قلنا القرآن هدى للناس كما قال تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ (185) البقرة) فهو ليس هدى للمؤمينن إنما هدى لجميع الناس يعني المؤمن والكافر ولكن تمام الانتفاع به لا يكون إلا للمؤمن.

د. الشهري: وحدثني أحدهم قال وقد جيء بنسخة المصحف التي كانت عند الرئيس توماس جيفرسون وجيء بها للرئيس أوباما عندما تولى الرئاسة الأميركية لكي يُقسم عليها فهم يعتنون بهذه النسخة.

د. الشهري: من أهم الأسئلة هي صعوبة حفظ السورة هل من توجيه فيها؟

د. مساعد: سواء هذه السورة وسورة الرحمن هو كما سبق ذكرنا مرة قضايا الحفظ ترجع للإنسان وكيف يضبط والحفاظ لهم طرق في ضبط الحفظ تتعدد بتعددهم لذا حاول أن تجعل عندك مقارنات أو موازنات بحيث تربط فيها السورة وخاصة هذه الآيات المتشابهة.

سؤال: في قصة نوح عليه السلام وقصة عاد ولوط عليهما السلام وردت هذه الآيات متتالية (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ) إلا في قصة ثمود فصل بين هاتين الآيتين آية أخرى وهي قوله تعالى (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ(32)) فهل لهذا فائدة أو نكتة بلاغية؟

د. مساعد: لا شك لكن لا يظهر لي وهذا السؤال استوقفني لكن ليس عندي فيها شيء. وهذه من الأشياء التي تضبط الحفظ

سؤال: هل ظهر لكم حكمة في تكرار (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) هل لتخصيص هذه السورة بتكرار قوله (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) لها فائدة بعينها؟

د. مساعد: الواضح جداً أن تكرار هذا المقطع أو هذه الآية مع القصص تمام الاتعاظ يكون بتأمل هذه القصص فكونها خُصّت هذه الآية تلو هذه القصص فهي إشارة إلى تمام اتعاظكم بها لكن العبارة والألفاظ أوسع قال (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) فأول ما يدخل في التذكر والاتعاظ هو هذه القصص.

د. الشهري: تسمح لي أن أجتهد في هذا الجواب؟ هذا السؤال من الدكتور محمد الجنايني زميلنا في ملتقى أهل التفسير، سورة القمر عندما جاء الحديث فيها عن الآية الحسية، هم يطالبون بآيات حسية يقولون هذا القمر فلينشقّ فاستجاب الله لهم وانشقّ فأعرضوا رغم ذلك فالله سبحانه وتعالى أنتم تطلبون آيات حسية هذا القرآن الذي بين أيديكم أعظم دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم مثل انشقاق القمر ولذلك تكرر (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)

د. مساعد: هذا جداً جميل. في قوله (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ) هذه الآية وكما قلنا قضية الاهتداء بالقرآن نحن الآن نعيش ثورات من الشعوب والشعوب كلها إسلامية تطلب الحرية وتطلب القرب من كتاب ربها والعودة إلى حياتها السابقة ومجدها السابق أن يتذكر إخواننا هؤلاء ونحن كذلك (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ) والداعي هنا هو نوح عليه السلام ولذلك نقول أكثروا من الدعاء فالله سبحانه وتعالى يحب الدعاء والدعاء هو العبادة ولهذا قال الله سبحانه وتعالى بعدها (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ) وكما سبق أيضاً لا يجعل الإنسان قضية استجابة دعائه مربوطة بالدقيقة والساعة واليوم، ولكن يدعو وقطعاً بإذن الله ستأتيه الإجابة قريباً بعد شهر شهرين ستة شهور بعد سنة سنتين إن شاء الله هذه الإجابة بإذن الله.

د. الشهري: تأمل في قوله (فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا) وصفه بالعبودية في هذا الموطن ثم قال (فَدَعَا رَبَّهُ) الله سبحانه وتعالى يصفه بأنه عبد وهو يدعو يا رب، لاحظ هذه العلاقة بين نوح وهو أول الأنبياء وأطول الأنبياء في عمر الدعوة جلس 950 سنة وبالرغم من ذلك قال (فَدَعَا رَبَّهُ) والانسان لا يستغني عن دعاء ربه والتعلق به وخاصة في هذه الأوقات العصيبة التي يمر بها المجتمع المسلم. ننتقل لقوله (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) ويبدو لي أن ترتيب القصص في السورة ترتيب تاريخي، ذكر نوح ثم عاد ثم ثمود.

د. مساعد: اللطيف هنا أن (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) في نوح جاءت في آخر القصة وفي عاد جاءت في أول القصة كأنها إجمال، أجمل فقال (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ) مع أنه في قصة نوح عليه السلام دخل في القصة مباشرة فإذن قوله (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) جاءت في قصة عاد مرتين وكأنها أيضاً إشارة إلى شدة قوم عاد وما كانوا فيه من التكذيب. قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا) نقول صرصر الباب الصوت المتقطع وأيضاً قد يكون الصرصر الشديد البرد من الصِّرّ والليلة شديدة البرد يجتمع فيها الصرصر والصرّ البرد والصوت يعني شدة الريح تُخرج صوتاً وتأتي بالبرد فالمعنييان محتملان في قوله (صرصر)

سؤال: هل هناك تعارض بين آية سورة القمر (كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ) وآية سورة القارعة (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4))؟

د. مساعد: ليس هناك تعارض، مبثوث يعني منتشر والفراش ليس كالجراد، الجراد فيه اجتماع وافتراق، في القمر أشار إلى حال اجتماعهم ثم إلى حال افتراقهم

د. الشهري: ووجه الشبه يكاد يكون متقارباً الكثرة والانتشار

د. الشهري: توقفنا عند قوم عاد وقد مر معنا في سورة الأحقاف تفصيل لهم (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ (21)) وهذه لعلها تكون ملحقة بها. توقفنا عند قوله (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ﴿١٩﴾ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ﴿٢٠﴾)

د. مساعد: يوم نحس معناه يوم شؤم عليهم وإلا فهو على المؤمنين يوم سعد. قال (تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) كأنهم تقلعهم من أصولهم ثم تسقطهم (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) منقعر مأخوذ من مادة القعر يعني كأنها مجوفة وكما قال (أعجاز نخل خاوية). ثن قال سبحانه وتعالى (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴿٢١﴾ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴿٢٢﴾) أعجاز النخل إذا سقطت على الأرض تراهم كلهم كأنهم سقطوا خاصة هم كانوا معروفون بالطول وضخامة الأجسام فناسب تشبيههم هنا بأعجاز نخل منقعر. ثم تأثي قصة ثمود (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ ﴿٢٣﴾ فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ﴿٢٤﴾) الآن يعترضون – وثمود قوم صالح وكانوا في شمال جزيرة العرب كما هو معلوم جهة العُلا والمشهور في قوم عاد في جنوب الجزيرة جهة الربع الخالي، وقالوا إن ثمود هم بقية من بقي من عاد فذهبوا ثم تكاثروا ثم أقاموا هناك – قال سبحانه وتعالى عنهم (فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ) هذا سبب عدم الإيمان، كيف نتبع واحد وهو بشر؟ (إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ) الآن لم ينظروا إلى الآيات والبينات التي عنده ولم ينظروا إلى ما عندهم من الأخطاء والأفعال الشنيعة وإنما كانت المشكلة عندهم أنه بشر وهذه نفس حجة جميع الكفار أنه ما دام الرسول بشراً فإنهم لا يؤمنون به ويطلبون الملائكة. قال الله سبحانه وتعالى (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) النظرة المادية، يعني من هو لكي يختاره الله سبحانه وتعالى؟!

د. الشهري: تماماً كما قالت قريش (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) الزخرف) الرسول صلى الله عليه وسلم في نظرهم ليس كذلك

د. مساعد: نعم يتخيرون على الله سبحانه وتعالى يقولون من هو هذا؟ فهذه النظرة المادية هي نظرة موجودة في البشر وتعظيم المادة ولهذا لما جاء الإسلام ألغى هذه النظرة. وتذكر في كتب التاريخ والأدب لما دخل عبد الملك بن مروان أو غيره من الخلفاء ورأى الناس مجتمعين على أحد علماء التابعين ولعله عطاء فسال الناس مجتمعين عند من؟ قالوا عند عطاء، -عطاء من الموالي وكل العرب والعجم عنده يأخذون منه العلم فرفع الله بهذا العلم أقواماً فهذا المولى وقد ذُكِر أنه كان عبداً وكان أعور وكان كسيحاً ومع ذلك هذا العلم الذي أوتيه والهيبة التي ألقاها الله سبحانه وتعالى عليه تجعل كثيراً من السادة يجلسون إليه ويأخذون منه. هذه الاعتبارات المادية ألغاها الإسلام ولكن كلما ازدادت جاهلية الناس رجعوا إليها. قال تعالى سبحانه وتعالى (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) أشر يعني بطر. ثم قال سبحانه وتعالى (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ﴿٢٦﴾ إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ ﴿٢٧﴾) لما نفذت دعوة صالح عليه السلام لهم واحتهد في أن يهديهم فلم يهتدوا جاءت الناقة الآية العلامة الواضحة التي سينتهي فيها كل شيء، هذا آخر المشوار بالنسبة لهم، فأخرج الله سبحانه وتعالى  لهم هذه الناقة فتنة ابتلاء وامتحان لهم وقال (فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) ارقبهم شيئاً بعد شيء واصبر عليهم شيئاً بعد شيء، قال (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ) حكم الله سبحانه وتعالى وكان لهم عين واحدة يشربون منها، فهذه البئر أو العين يوم للناقة لأنها كانت تعبّ الماء عبّاً وهي كبيرة جداً ووضخمة، وهم يوماً يحضرون الماء يوماً ويستقون منه ويحضرون لبن الناقة اليوم الآخر ويستقون منه فإذا شربت الناقة للشرب فهم يستقوم من لبنها وإذا كان يوم راحة الناقة ذهبوا واشتقوا من العين. قال الله سبحانه وتعالى (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ) قُدار بن سالف تنادوا فيما بينهم من يستطيع أن يقتلها؟ فانبرى لها قدار بن سالف وقتلها وهو أشقى ثمود كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) الشمس) فضرب الناقة قالوا بسهم

د. الشهري: ما معنى (تعاطى)؟ لأن البعض سألني تعاطى المخدرات؟

د. مساعد: تعاطى بمعنى أخذ السيف تعاطاه ثم ضرب هذه الناقة بعد أن أجهز عليها بالسهم وسقطت فعقرها.

د. الشهري: أرسل أحدهم لي رسالة مرة وقال هل صحيح (تعاطى) معناها تعاطى المخدر ثم لما فقد وعيه قتل الناقة؟ قلت التعاطي الآن لفظة تستخدم في المخدرات! نطوي الحديث حتى لا يدركنا الوقت.

د. مساعد: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) الهشيم هو اليابس من الشجر والمحتظِر الذي يصنع الحظيرة يجمع هذا الهشيم ويصنعه. ثم ذكر قصة لوط وقصة لوط أيضاً مشهورة لعلنا نتجاوزها.

د. الشهري: هل تريد أن تختم السورة وأطرح عليك بعض الأسئلة؟

د. مساعد: لعلنا نختم السورة، في قوله (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ) أي في الكتب تجعلكم لكم براءة ونجاة من الكفر وقد شابهتم غيركم من الكفار السابقين؟ (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ) يرجعون إلى قوتهم وأن فيهم هذا الاجتماع سينتصرون على محمد صلى الله عليه وسلم قال الله سبحانه وتعالى (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) وهذه آية جميلة جداً وهي من آيات الغيب كان عمر يقول لما نزلت أي جمع سيهزم؟ فلما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في بدر يقول (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) علمت أنه ذلك اليوم، وهذا كأنه إشارة أنه يوم بدر ولهذا يكاد يتفق المفسرين أن هذا تحقق يوم بدر وهذا يدل عليه تأوّل الرسول صلى الله عليه وسلم وقراءته لهذه الآية (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ). آخر آية لعلنا نقف عندها في قوله سبحانه وتعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) محمد بن كعب القرضي يقول وهذا قول جماعة السلف يقول نزلت هذه الآية في أهل القدر، ومعروف أهل القدر هؤلاء المكذبين بالقدر لم يخرجوا إلا في آخر عهد الصحابة حتى في رواية عن ابن عباس أنه قال لم يأت تأويل هذه الآية لأن قريش لم يكذبوا بالقدر جملة وتفصيلاً وإنما الذي يكّذب بالقدر هم أهل القدر فهؤلاء خرجوا في آخر عهد الصحابة حتى في آخر عهد عبد الله بن عمر وكان عبد الله بن عباس توفي رضي الله عنه، في آخر عهد عبد الله بن عمر ولذلك كفّرهم عبد الله بن عمر خرجوا ونزّلوا هذه الآية عليهم وهذه أصل في أن السلف كانوا ينزّلون الآيات على الأحداث والوقائع التي تحصل في عصرهم وإن لم تكن هي سبب النزول

د. الشهري: وهذا هو الأصل في الآيات لكي يكون قانوناً ودستوراً.

سؤال: في سورة غافر هل يصح للقارئ أن يقف (لمن الملك اليوم؟) ثم يبدأ ويقول الملك اليوم للواحد القهار؟

د. مساعد: أنا أحذر من هذا أشد التحذير وأراه خطأ ظاهراً والسبب أننا إذا قلنا لمن الملك اليوم؟ فالجواب هو: لله الواحد القهار، هكذا جاء النظم وهكذا جاء التفسير. لما تقول الملك اليوم للواحد القهار أنت ادّعيت أن جملة (الملك اليوم) جملة ابتدائية (ولله الواحد القهار) فخالفت نظم القرآن وإعرابه، ثم أيضاً فصلته لأن قوله بناء على هذه القرآءة الثانية ستكون منفصلة ومنقطعة وهذا كثير في القرآن أنه يوجد مثل هذه وبعض الأئمة قد يعجبه هذا ويظن أنه صواب ولكنه خطأ فأقول انتبه أنه يخالف نظم القرآن وعربيته ويفكك الجملة وهذا كله مخالفات يقع فيها من حيث لا يشعر وأنا أعلم أن بعض القراء ممن أحسن الله عليهم بالتلاوة قد لا ينتبهون إلى هذا فيقع عندهم هذا الاشكال.

د. الشهري: هنا تنبيه من الأخ محمد (فكيف كان عذابي ونذرِ) بالكسر وهناك قراءة سبعية متواترة (عذابي ونذري) بالياء، فهذه فائدة أشكر الأخ محمد عليها واشكرك دكتور مساعد. بحسبنا في مثل هذه اللقاءات إثارة الفوائد والتنبيهات حول معاني هذه السورة العظيمة. جعلنا الله وإياكم من أهل القرآن.

*********************

الفائز بحلقة الأمس: نورة خالد فهد

سؤال الحلقة: ينفخ في الصور يوم القيامة نفختا ذكرهما الله في القرآن في آية واحدة في الجزء الرابع والعشرين فما الآية التي تشير إلى ذلك؟