الحلقة 150 – سورة الواقعة
ضيف البرنامج في حلقته رقم (150) يوم الجمعة 26 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن علي الحسن، الأستاذ المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
وموضوع الحلقة هو :
– علوم سورة الواقعة .
– الإجابة عن أسئلة المشاهدين .
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة المشاهدون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلًا وسهلًا بكم في برنامجكم اليومي التفسير المباشر في هذا اليوم الجمعة السادس والعشرين من شهر رمضان 1432 هـ وهذه هي آخر جمعة في هذا الشهر المبارك أسأل الله أن يختم لنا ولكم هذا الشهر بالمغفرة والرضوان وأن يرزقنا الإنابة والقبول. اليوم بإذن الله تعالى سوف يكون حديثنا حول سورة الواقعة مع ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن علي الحسن، الأستاذ المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه (تبيان).
تعودنا أن نبدأ بالحديث عن اسم السورة
د. الحسن: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وإمامنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. سورة الواقعة من السور العظيمة وكل كلام ربي عظيم سورة لها وقعها الخاص ولها روحانياتها الخاصة لها كلماتها التي تهز المشاعر وقصد بها تحريك مشاعر هذا الانسان الذي قد يعلوه الران وإلف العادة والانشغال بالحياة الدنيا. اسم السورة الواقعة كما في المصاحف وكما هو في كتب التفسير وكتب السُنّة والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سمى السورة بدليل ما في السنن أن أبا بكر رضي الله عنه قال يا رسول الله شبت، قال شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعمّ وإذا الشمس كورت فنصّ النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذه السورة اسمها الواقعة وهذا هو المدون في المصاحف والمعروف في كتب التفسير.
د. الشهري: وقت نزول السورة، مكان نزولها
د. الحسن: السورة مكية ويقول ابن عطية باجماع المفسرين ونصّ ابن عاشور على أنها نزلت بعد سورة طه ومعلوم أن طه نزلت قبل إسلام عمر واسلام عمر كان في السنة الخامسة للبعثة فنستنبط أن السورة إما نزلت في أواخر السنة الخامسة أو أوائل السنة السادسة والعلم عند الله سبحانه وتعالى. وهناك استثناءات عند بعض المفسرين أن قوله تعالى (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ ﴿٨١﴾ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴿٨٢﴾) أنها مدنية ولكن لكن النص على نزولها في المدينة لا يصح لأنه وهمٌ من بعض من لم يفهم عبارة الصحابة رضي الله عنهم في قولهم “نزلت هذه الآية في كذا” على أنه سبب نزول والمعهود أن الصحابة رضي الله عنهم يطلقون لفظ “نزلت هذه الاية في كذا” على البيان والتفسير ولا يقصدون دائماً وأبداً النصّ على السببية فجاء حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الحديبية ثم ذكر أن الله سبحانه وتعالى قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ثم تلا الآية، جاء في بعض الروايات “فنزلت الآية في كذا” فظنّ المتوهّم أن هذا سبب نزول وأن هذه الآية نزلت في الحديبية وهذا لا يصح.
د. الشهري: ما هو موضوع سورة الواقعة؟ وما هو موضعها الأساسي؟ هل له صلة باسمها الواقعة؟
د. الحسن: الموضوع الرئيس الذي تتحدث عنه السورة هو اسمها “الواقعة”. والواقعة اسم من أسماء يوم القيامة سمي اليوم بالواقعة لأنه متحقق الوقوع ثم إن لفظ الواقعة يدل على وقوع شيء هائل شيء عظيم والقيامة كذلك (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) الحج) تنسف الجبال ترجّ الأرض تتبدل السموات غير السموات والأرض فهي على اسمها واقعة ووقعة هائلة وهذه الوقعة تسبب رجّ الأرض وبسّ الجبال وتغيير الكون. هذا هو الموضوع الرئيس القيامة جاء بعد ذلك تفصيلات نذكر بعض الموضوعات الجانبية التي كلها تعود إلى الموضوع الرئيس وهو الواقعة أو القيامة
د. الشهري: ما يمكن أن نسميه بأغراض السورة
د. الحسن: أغراض السورة أو الموضوعات الأخرى المتفرعة عن الموضوع الرئيس
د. الشهري: نبدأ من اول السورة
د. الحسن: موضوعات السورة إذا رتبناها من البداية نجد أنه حديث عام عن القيامة وماذا يحدث في الأرض عند وقوع القيامة من رجّ الأرض وبسّ الجبال وانقسام الناس إلى ثلاثة أصناف وهذا الموضوع الثاني ثم التفصيل في هذه الأصناف أولاً السابقون وأصحاب اليمين وأصجاب الشمال، ثم ذكر بعض إما أعمال هؤلاء وما الذي فعلوه في الدنيا حتى نالوا هذا النعيم ثم التفصيل في نعيمهم أو عذابهم. ثم الموضوع الثاني وله علاقة بالقيامة موضوع السورة الرئيس وهو أدلة البعث ذكر الله سبحانه وتعالى دلائل البعث وسنتطرق إليه في حينه. ثم تعظيم هذا القرآن وبيان أنه حق من رب العالمين ثم وقفة عند اللحظات الأخيرة وهو الحد الفاصل بين الدنيا والواقعة القيامة وهو حالة الاحتضار وحالة الموت وهذا برزخ بين بين (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) لا هو من عالم الدنيا ولا هو من عالم الواقعة فذُكر أيضاً ثم عودة للتذكير بالأقسام الثلاثة السابقون وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال ثم ختم السورة بتسبيح الحيّ الذي لا يموت.
د. الشهري: دعنا نتوقف مع قوله في أول السورة (خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ)، ما معنى هذا التعبير (خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ)؟
د. الحسن: قبلها قليلاً (لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ) إذا وقعت القيامة لا تجد أحداً يكذّب بها لأنها صارت رأي العين (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (53) الأعراف) فإذا رأى هذا الكافر الملحد الذي كان ينكر البعث ويستبعد عود الأجسام بعد أن تكون تراباً إذا رأى ما كان يوعد لا يستطيع أن يغالط نفسه ولا أن يقول هذا سحر، إنما سُكّرت أبصارنا، هذا غير حقيقة! فهو يرى ما كان يوعَد. أما ما سألت عنه من معنى قول الله تعالى (خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ) للوهلة الأولى هو المعنى المتبادر الذي يفهمه كل أحد القيامة الواقعة تخفض أقواماً وترفع آخرين. تأمل! الدنيا لها موازين ارتفاع الناس وانخفاض الناس مبني على موازين أرضية سلطان، جاه، جسد، عشيرة، قوة، مال، جمال، موازين أرضية ويرفع الناس بناء على هذه الموازين الأرضية. في يوم القيامة هناك موازين أخرى يرفع الناس ويخفضون بناء على موازين جديدة لا عهد لهم بموازين أرضية، تختلف الموازين (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم (9) الأعراف) فهناك ينخفض أقوام كانوا في غاية الرفعة في الدنيا في غاية العلو في غاية العزّ وفي غاية التسلط أمر نهي تأثير في الحياة والكون ولكن ينخفضون حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن هؤلاء (هؤلاء المتكبرون) يحشرون كأمثال الذرّ يطأهم الناس لأن الجزاء من جنس العمل كانوا يتكبرون هناك فخفضوا هنا وأعظم من يُخفض في ذلك الموقف الرهيب من يتكبر على خالقه الكفار الذي يُدعون إلى السجود في الدنيا وهم سالمون فيتكبرون ويانفون ويقولون: هل نقبل الأرض؟! فهذا كِبْر على الله سبحانه وتعالى فحينئذ ينخفضون. بينما يوجد أناس قد خفضوا في الدنيا، ذلّوا إما بقضاء الله وقدره كالفقر والمرض ونحو ذلك وإما بتسلط متكبر كضَعَفة المؤمنين الذين يُذلّون ويهانون ويستهزأ بهم فيرفعوا حتى أن بعض هؤلاء المتكبرين يقولون (أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا (53) الأنعام)، فيوم القيامة وينبغي لكل عاقل أن يتفطن لهذا الموازين تختلف فيرفع أقوام ويخفض أقوام بناء على ما قدموا من عمل في الحياة الدنيا.
د. الشهري: في أول التقسيم في أول السورة (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً ﴿٧﴾ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ﴿٨﴾ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ﴿٩﴾ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴿١٠﴾) ما معنى الأزواج؟ ثم نتوقف مع صنف السابقين.
د. الحسن: الأزواج هم الفرق الأصناف كلٌ يُقرن بنظيره (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) الصافات) فليس المقصود زوجته فقد تكون زوجته مؤمنة وإنما مثيله في العمل فيوم القيامة ينقسم الناس إلى ثلاثة أصناف سابقون يحشرون مع السابقين أصحاب يمين وهم أقل درجة من هؤلاء يحشرون مع أصحاب اليمين وأصحاب الشمال يحشرون مع أجناسهم وأمثالهم ونظرائهم في الكفر والضلال، هذا هو التفسيم الأصناف الثلاثة بناء على عمل قدموه في الحياة. نأتي إلى الصنف الأول السابقون السابقون قال الله (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) أفضل إعراب اطّلعت عليه في (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) أن الكلمة الأولى مبتدأ والثاني هو الخبر ولا بد من معنى كبير يقول لهذا المبتدأ وهذا الخبر، ماذا يكون المعنى؟ فالسابقون المبادرون للعمل الصالح في الحياة الدنيا هم السابقون عند الله السابقون للدرجات السابقون في دخول الجنة فكما سبقوا إلى طاعة الله وامتثال أمره وتقديم ما يرضيه هم يسابقون (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ (133) آل عمران) (خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) المطففين) (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ (21) الحديد) هؤلاء امتثلوا وسارعوا وجدّوا وشمروا وكانوا دائماً وأبداً في كل أمر يحبه الله المبادرون السابقون فحينئذ يجازون أنهم هم السابقون في الدار الآخرة في يوم الواقعة وسيكون لهم النصيب الأكبر في السبق إلى الرفع (رافعة) النصيب الأول لهؤلاء السابقين. (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴿١٠﴾ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴿١١﴾) هذه النعمة كلمة (الْمُقَرَّبُونَ) نعمة لم تذكر لأصحاب اليمين وهي تقريبهم من الله سبحان الله! فالقرب من الله أكثر كلما اقترب العبد من ربه يوم القيامة أكثر كان له من النعيم الأوفر وكان له النصيب الأكبر من اللذة والأنس بالله والنظر إلى الله فبعض أصحاب اليمين يرون الله من الجمعة إلى الجمعة بينما هؤلاء السابقون يرون الله صباحاً ومساء يرونه مرتين في اليوم والسبب القُرب، فهؤلاء مقربون من الله مقربون من منازل الأنبياء مقربون في الإكرام في الدرجات العلا في الفردوس الأعلى لهم الدرجات العلا، الغُرف التي فوقها غرف مبنية يتراءاها أصحاب اليمين كما نتراءى الكوكب الغابر في الأفق فهذا معنى (أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) وهذه نعمة القرب ونعمة النظر إلى الله سبحانه وتعالى لا تعدلها نِعَم الجنّة كافة. (أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴿١١﴾ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿١٢﴾) لماذا وصفت الجنات بالنعيم؟ قد يدخل الانسان جنة ولا يتنعم من جنان الدنيا لوجود مانع قد يكون مهموماً قد يكون مريضاً وقد يكون خائفاً فهو في الجنة لكنه غير منعّم، هؤلاء في جنات النعيم هم في جنة ولكن جنة نعيم من دخلها ينعم نسأل الله أن نكون منهم. ثم وصف بعض نعيمهم (عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ) موضونة يعني منسوجة بالذهب وعلى قول أنها مرصعة بالدر والجواهر المهم أن هذه السُرر في غاية الجمال والكمال. (مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ) لا أحد يدير ظهره للآخر لأنه إذا كان المكان ضيقاً قد تضطر أن تدير ظهرك للآخر أما المكان الفسيح والمكان الدائري كما تتراءى نعيم الجنة فحينئذ كل واحد يقابل الآخر وجهاً لوجه وهذا أتم في النعيم وأتم في الإكرام (مُتَقَابِلِينَ). ثم ذكر الله سبحانه وتعالى شيئاً من نعيمهم (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ ﴿١٧﴾ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ﴿١٨﴾) كلمة معين يعني عين جارية لا تنفد المعين عند العرب الماء الجاري الغزير الذي لا ينفد، وهذا الخمر أنهار (أنهار من خمر). (لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ) ليست كخمر الدنيا يصيبهم صداع بسببها أو فساد عقل، ذهاب العقل. ثم قال الله تعالى (وَحُورٌ عِينٌ) وهذه فيها قراءتان قراءة الجمهور المعنى المعروف الذي نقرأه برواية حفص (حورٌ) بالضم يعني “ولهم حور عين” ولكن الوقفة التي سنقفها عند قراءة حمزة والكسائي (وحورٍ عين) بالجرّ فحينئذ هذا يحتاج إلى معنى فبعضهم يقول أن المعنى بما أن هؤلاء السابقين ذُكروا أنهم في جنات النعيم ثم قال “وفي حورٍ” كأن هذا الرجل أحاطته الحور من جميع الجهات من تمام النعيم هو في بحر من حور هو في حور ليست واحدة حتى يقال (مع)
د. الشهري: وقد ثبت أنهم سبعين
د. الحسن: نعم، هذا من معاني (وحورٍ عين) بالجرّ. وهناك معنى يتراءى للذهن لكني لم أجده ولا يجوز الجزم به وهو يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب ثم عُطِف بحورٍ فكأن الحورية تزفّ إلى عريسها زفاً فالغلمان يهيئون هذه الحورية ويطوفون بها عليه يقدّمونها له يدخلونها عليه فهنا ينقلب ما كان معهوداً في الدنيا، الآن الملوك وأشباههم الزوجة هي التي تدخل على زوجها لكمال نعيمه وترفه، هل هذا هو المراد؟ قد يكون، وإذا ذهبنا إن شاء الله إلى هناك نعلم علم اليقين ما الذي يحدث نسأل الله من فضله.
د. الشهري: وقفنا عند قوله تعالى (وَحُورٌ عِينٌ) وذكرت توجيها جميلاً لقراءة الجرّ أن المقصود أنه يطاف عليهم أيضاً بالحور العين. وهذه أول مرة أنتبه لها أن الملوك تزف إليهم الزوجات وليس العكس وهذا لا شك من تمام نعيمهم في الجنة.
د. الحسن: من كمال نعيم هؤلاء السابقين قول الله تعالى (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ﴿٢٥﴾ إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ﴿٢٦﴾) فليس في الجنة لغو ليس في الجنة كلام قبيح، التأثيم هو ما يؤثم بسببه صاحبه
د. الشهري: لعل هذا يكون جواباً لسؤال أحد الإخوة: كيف يكون في الجنة تأثيم؟
د. الحسن: هو نفي للتأثيم يعني لا يقع في الجنة معصيةٌ لله أبداً لا يعصى الله فيها وإنما يلهمون التسبيح والذكر وسلام بعضهم على بعض وتذكر أحوال الدنيا كانوا في أهلهم مشفقين فيذكرون هذا كانوا من ربهم خائفين وجلين كانوا يدعونه إنه هو البر الرحيم ونحو ذلك من كلام طيب لا لغو فيه ولا تأثيم. ثم قال (إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا) كل ما يصدر منهم هي قول سلام، يعني سالم من اللغو وسالم من التأثيم وهو أيضاً سلام يسلم بعضهم على بعض وتسلم عليهم الملائكة
د. الشهري: في قوله في وصف السابقين (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ﴿١٣﴾ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ ﴿١٤﴾) ثم يأتي في اصحاب اليمين فيقول (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ﴿٣٩﴾ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ ﴿٤٠﴾) ما الفرق؟
د. الحسن: أولاً ينبغي أن يُعلم أن هناك قولين مشهورين للمفسرين: القول الأولى أن المراد (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً) المراد جميع بني آدم فيكون المقصود بالثلة من الأولين في قصة السابقين هم سابقو الأمم المتقدمة من عهد آدم عليه السلام إلى عهد نبينا صلى الله عليه وسلم والقليل من الآخرين هم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وبناء على هذا القول يكون السابقون من الأمم السابقة أكثر بكثير من السابقين من هذه الأمة، هذا القول الأول. أما بالنسبة لأصحاب اليمين (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ﴿٣٩﴾ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ ﴿٤٠﴾) فهم كثيرون من القسمين بالنسبة للأمم السابقة أصحاب اليمين كثيرون وبالنسبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أصحاب اليمين كثيرون أيضاً هذا قول، ولكن ليس هو الراجح
د. الشهري: ما معنى ثلة؟
د. الحسن: أصل الوضع اللغوي للثلة الجماعة قليلة أو كثيرة ولكن لما قال (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ) علمنا أن المراد بالثلة الجمع الكثير. فالقول الثانية لثلة من الأولين وقليل من الآخرين أن الحديث كله عن أمة محمد (كنتم) أنتم يا من سمعتم القرآن يا من قرأتم القرآن يا من نزل عليكم القرآن، (كنتم) فهذا خطاب لحاضِرٍ يسمع وهم أهل القرآن فحينئذ يكون المعنى: ما معنى ثلة من الأولين وقليل من الآخرين بالنسبة للسابقين؟ صدر الأمة وآخر الأمة، فالسابقون في القرون الأولى كثيرون ثم يقلّون في الأخرين بسبب أن الوحي كان حياً الإيمان كان حياً القرآن كان غضاً طرياً يفقهه الناس ويعرفونه ثم هناك صدق وجِدٌ في أخذ هذا الكتاب بقوة من هؤلاء السابقين ثم يبدأ الميل للدنيا وشهواتها مع بقاء الإيمان فيصعب الوصول إلى درجة السابقين لضعف الهمم وذعف العزائم وعدم وجود المعين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أنتم تعانون وهم لا يعانون في حديث “لهم أجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم”
د. الشهري: ولعل هذا يؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم “خير القرون قرني ثم الذين يلونهم” يؤيد هذا المعنى
د. الحسن: ولذلك الشيخ ابن عثيمين غفر الله له يرجح القول الثاني أن الحديث عن أمة محمد وكذلك قبله ابن كثير يرجح أن الحديث عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويؤيد هذا نكاد نجزم لا نقكع قطعاً تاماً يؤيده أحاديث وردت أن من هذه الأمة 70 ألف يدخلون الجنة بغير حساب في رواية مع كل ألف سبعين الفاً وفي رواية مع كل واحد سبعون الفاً فهذا دليل على أن من يدخلون الجنة من غير حساب من هذه الأمة كُثُر لذا نرجح أن المراد بالسابقين واللاحقين أيضاً الحديث كله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأن خير هذه الأمة أولها ويكثر فيها السابقون لتعلقهم بالله وبالدار الآخرة وزهدهم في الدنيا ثم يضعف المتأخرون عنهم ولا يلحقون بهم من حيث العمل والله سبحانه وتعالى يقول (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ (132) الأنعام) (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) النجم) فيا من يتمنى على الله الأماني يريد أن يلحق بالسابقين وهو لا يعمل بعملهم عليه أن يتذكر (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ). كلما قرأت في ترجمة الإمام ابن القيم رحمه الله أقف وقفة عند رؤيا رآها في مرض موته يقول رأيت شيخي شيخ الاسلام ابن تيمية رأيته في المنام فقال كدت أن تلحق بنا وأنت في درجة ابن خزيمة، يعني تأمل ابن القيم رحمه الله جد واجتهد وصبر وصابر وألف مؤلفات عظيمة نافعة ومع ذلك لم يصل إلى درجة شيخه لأن جميع حسنات ابن القيم في ميزان حسنات ابن تيمية فهو حسنة من حسناته. فيا أخي الكريم كرر قول الله تعالى (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ) وكرر قول الله تعالى (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)
د. الشهري: عندما نقرأ في نعيم السابقين ونعيم أصحاب اليمين نرغب في مقارنة وموازنة بين نعيم السابقين ونعيم أصحاب اليمين، ما الفرق بينهما؟
د. الحسن: أولاً ينبغي أن نتذكر أن ما ذُكِر من نعيم للسابقين وأصحاب اليمين كله في مجال ما يمكن أن يفهمه الإنسان في هذه الحياة الدنيا وليس في الآخرة مما في الدنيا إلا الأسماء فالأمر أكبر من أن يُحاط به وأكبر من أن يُعلم (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً (25) البقرة) فنعيم الجنة ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وهذا متفق عليه وأمر بدهي لكن الله سبحانه وتعالى أراد منا أن نشمر لنلحق بالسابقين وأن لا نتوانى ونقول نكتفي أن نكون من أصحاب اليمين، فذكر الله سبحانه وتعالى فوارق عظيمة بين نعيم السابقين ونعيم أصحاب اليمين فمثلاً القُرب (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) هذا لم يذكر في أصحاب اليمين. و(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ) هذا الطواف لم يذكره في نعيم أصحاب اليمين
د. الشهري: وتأكيداً لنعيم القرب عندما دعا فرعون السحرة إلى مغالبة مسوى عليه السلام قال (فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) الشعراء)
د. الحسن: فالقرب من الملوك عزّ فكيف به عند ملك الملوك جل جلاله وعظم شأنه؟! الطواف لم يذكر في نعيم أصحاب اليمين. تأمل هناك الفواكه العجيبة والطير الذي يشتهونه ذكر مقابله ظل ممدود وسدر مخضود وطلح منضود ولا شك أن وقعها في نفس العربي الذي يعرف السدر والطلح وإن كان ليس هو هو سدر الآخرة ليس كسدر الدنيا لكن لا شك يقع في نفسه أنه أقل من النعيم السابق فالخلاصة الفوارق واضحة أوضح من أن توضح فالله سبحانه وتعالى ذكر الفرق بين النعيمين ليحث المؤمن على أن يحرص أن يكون من السابقين ولا يكتفي بدرجة أصحاب اليمين.
د. الشهري: نأتي إلى (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ﴿٣٩﴾ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ ﴿٤٠﴾) في أصحاب اليمين هل في هذا إشارة إلى أنه سيكون في آخر هذه الأمة أناس كثيرون يدركونها؟
د. الحسن: هذا ينبهنا إلى أمر في غاية الأهمية وهو أن عمل السابقين صعب شاق لا يناله إلا من وفقه الله سبحانه وتعالى أولاً ثم جد واجتهد وصبر صابر واتقى الله في جميع أحواله حينئذ ما كل إنسان مهيأ ليلحق بالسابقين ولذا صاروا قلة بالنسبة للمتأخرين، أما درجة أصحب اليمين تجد أنها متاحة لكثيرين ولذا أدركها كثير من المتأخرين على الرغم من كثرة الشهوات وكثرة الشبهات وتسلط الكفار والفجار والميل إلى الدنيا وعدم وجود مربي يربي كما ينبغي نحن نخرج إلى الدنيا بتوفيق من الله جل وعلا مثل طلع البرّ بدون تربية حقيقية فحينئذ ومع ذلك يدرك كثير من المتأخرين درجة أصحاب اليمين
د. الشهري: في قوله (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً ﴿٣٥﴾ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ﴿٣٦﴾ عُرُبًا أَتْرَابًا ﴿٣٧﴾) ما معنى أنشأناهن إنشاء؟
د. الحسن: الله سبحانه وتعالى يخلق المرأة في الجنة خلقاً جديداً فهذ الحوريات هن إنشاء جديد ليس الحديث عن امرأة الرجل من أهل الدنيا فهذا خلق جديد ينشأ إنشاء جديداً ويكون أيضاً من الأبكار ويشرحه ما جاء في سورة الرحمن (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56)) بمعنى أنهن لسن من نساء الدنيا هذا قول. ويمكن أن يقال أن الله سبحانه وتعالى يبدل خلق المرأة التي في الدنيا خلقا جديداً فتكون بكراً وتكون ما وضفها الله سبحانه وتعالى في هذه الاية كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم من أن الجنة لا يدخلها العجوز وتعرفون القصة التي جعلت المرأة العجوز تبكي وتولول وتحسب أنها لن تدخل الجنة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله ينشئ نساء الجنة إنشاء جديداً ويكن أبكاراً
د. الشهري: في قوله سبحانه وتعالى (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ)، (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ) الاستفهام في (مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ) واضح أنه لتعظيم مكانتهم لكن (مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ)؟
د. الحسن: للتهويل للتخويف للتقبيح. الاستفهام العربي يفهمه من خلال السياق قد يكون للتحقير وقد يكون للتكبير للتعظيم فالخلاصة أن الاستفهام من أساليب العرب البلاغية التي يفهم المقصود منها من خلال سياقها فمثلاً حينما يقول سبحانه وتعالى في غير الاستفهام (ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) الدخان) هل أحد يفهم أنك تعذب إنسان بأنواع العذاب وتقول (ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) ويكون هذا عز وكرامة؟ّ إنما هو إهانة وذل ومثل هذا الاستفهام يأتي للتوبيخ ويأتي للتهويل ويأتي للتعظيم
د. الشهري: وقفة سريعة مع عذاب هؤلاء (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ) والعياذ بالله.
د. الحسن: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ) سموا أصحاب الشمال أولاً طبيعة العرب التبرك باليمين والتشاؤم بالشمال وعندهم خرافات في الطيرة إذا سرحت الطير يميناً تيمنوا وإذا سرحت شمالاً تشاءموا كل هذا مبني على أنهم يعتقدون أن في اليمين يمن وبركة وفي الشمال شؤم وسوء وأنهم سيستلمون كتبهم بشمالهم والعياذ بالله. فهؤلاء أصحاب الشمال تأمل عذابهم (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ﴿٤٢﴾ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ﴿٤٣﴾) السموم هو الهواء الحار الذي يدخل المسام من حرارته وبعض المفسرين يقولون مأخوذ من السُم كأنه سُم يتجرعه، هواء كالسمّ وإن كان الأول هو الأظهر يدخل في مسام الجلد ويحرقها. الحميم الماء الحار (وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ (15) محمد) نعوذ بالله!. (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) اليحموم هو الدخان الكثيف الأسود والتحميم عند العرب التسويد، كل أسود يطلقون عليه حمم والفحمة يسمونها حممة فالخلاصة أن هذا الظل من يحموم من دخان كثيف أسود لا بارد ولا كريم، لا بارد لا منفعة فيه، الظل عادة يجلب برودة يقي حرارة الشمس ونحوها أما هذا السموم فلا برودة فيه ثم ليس كريماً الكريم عظيم المنافع الذي فيه منفعة يسمونه العرب كريم فهذا السموم لا منفعة فيه لأن الانسان قد يصبر على الحر من أجل المنافع لكن هذا لا نفع فيه ولا برودة فيه.
د. الشهري: في قوله سبحانه وتعالى ضمن عذاب أصحاب الشمال (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ) وأنت تذكر العذاب شيء يقشعر منه البدن،
د. الحسن: أولاً نذكر الأخ الذي لم يسمع عذاب هؤلاء المترفين بشيء من عذابهم وهو قول الله تعالى (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ﴿٤٢﴾ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ﴿٤٣﴾) ثم سيذكر عذابهم بأنهم (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ ﴿٥١﴾ لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ ﴿٥٢﴾ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ﴿٥٣﴾ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ ﴿٥٤﴾ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ﴿٥٥﴾) ثم ذكر أن من صفات هؤلاء إنهم كانوا قبل ذلك مترفين في الدنيا بلا شك لأن الآخرة بالنسبة لهؤلاء الكفرة الترف انتقل إلى الذين رُفِعوا انتقل إلى فئة أخرى، هؤلاء كانوا في الدنيا مترفين فأول ما يلفت الانتباه هو عذاب لمترف! الإنسان الذي في شظف الحياة والشمس والحر والعرق لو أصابه سموم يتحمل نوعاً ما سموم الدنيا لا سموم الآخر أما هذا فهو مترف ثم يلاقي هذا العذاب الشديد وهذا السموم وهذا الماء الذي كان لا يشرب إلا بارداً ومثلجاً ثم يأتي هذا العذاب بعد ترف فلا شك أن العذاب سيكون أشد وقعاً. الأمر الثاني الترف في حد ذاته ليس جريمة إذن لا بد أن نبحث عن ترف هؤلاء، هؤلاء مترفون بما حرّم الله، أترفوا أنفسهم بما حرم الله تجد أن أحدهم لا يتلذذ بامرأته كما يتلذذ بالفجور والعهر لا يتلذذ بما أحل الله من طيبات الطعام والعصير والفواكه ويتلذذ بالسكر والمخدر فهؤلاء أترفوا أنفسهم بما حرم الله عليهم فكان هذا الترف سبباً لعقابهم، أو يقال وقد قاله كثير من المفسرين أن الترف قد يحمل على الكبر على الله والاعراض عن الدار الآخرة والانشغال بالدنيا فالترف سبب للمعصية وليس هو معصية بحد ذاته إنما في الغالب أن المترف يركن إلى الدنيا ويميل ‘ليها ويقدمها على الآخرة ويشعر أنه غني عن الله وليس بحاجة إلى الله وأن هذا الدين للفقراء والمساكين يتلهون به فيكون الترف قائداً له لفجور وعصيان.
د. الشهري: لكن يبقى دلالة الترف في القرآن على سبيل الذم
د. الحسن: لم يرد في القرآن ترف في الحياة الدنيا إلا وعلى سبيل الذم والسبب أن المُترف في الغالب ملول يريد أن يجدد يريد أن ينوع فالمترف لا يصبر على نوع واحد وعلى طراز واحد يريد التشكيل والتلوين فأحياناً المباحات تقصر عن كثرة التلون والتشكل فيلجأ إلى الحرام هذا أمر. الأمر الثاني أن الترف يقود إلى ضعف في الفكر ضعف في الهمة ضعف في العزيمة ضعف في الرجولة في الشخصية فحينئذ لا يتحمل كثيرا من اعباء الدين ومشاقه فلا يصبر ويمل ويلجأ إلى الركون إلى الحياة الدنيا ثالثاً أن الترف في غالب الأحوال يقود إلى الكبر على الله سبحانه وتعالى والاستغناء عنه.
د. الشهري: بعد أن ذكر عذاب هؤلاء قال (وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ) ينكرون البعث ثم يخل في بيان أدلة البعث
د. الحسن: من عجائب القرآن أن الله سبحانه وتعالى لرحمته بعباده وإرادته الخير لهم وأن ما يذكره من حقائق وعقائد تكون في غاية الوضوح وغاية القوة من حيث الأدلة أن الله سبحانه وتعالى يذكر أدلة نقلية تصح للمؤمنين وأدلة عقلية لا يستطيع المخالفون أن يناقضوها أو أن ينكروها. خذ ما في هذه السورة لما ذكر الله سبحانه وتعالى الواقعة والقيامة وانقسام الناس ذكر أدلة على قدرة الله سبحانه وتعالى لأن الحجة الكبرى لهذا المنكر للبعث (وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴿٤٧﴾ أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ﴿٤٨﴾) هل بعد التفتت وأن نكون تراباً نعود للحياة مرة أخرى هذا لا يمكن في تصوره الساذج. يذكر الله سبحانه وتعالى أموراً في غاية الوضوح تعال أيها المنكر للبعث انظر إلى قدرة الله في أمور بين يديك ما نأتي إلى آية في السماء أو آية تحت الأرض تعال انظر إلى ما بين يديك وتصور مجرد تصور فكر في لحظات هل القادر على هذه الأمور التي سيذكرها الله لك قادر على البعث أو لا؟ لكن جرد نفسك من العواطف ومن رواسب الجاهلية وما غرسه الآباء فيك. أولاً قوله تعالى (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ) بلا شك هم مصدقون بأن الله هو الخالق لكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يبني على هذا ما بعده (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ ﴿٥٧﴾ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ ﴿٥٨﴾ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴿٥٩﴾) انظر إلى المنيّ الذي يمنى نطفة وليس كل هذا المني يؤخذ ويصنع منه إنساناً لا وربي بل هو حيوان منوي وحيد خلية واحدة أصغر من رأس الدبوس لا يرى بالعين المجردة يؤخذ من هذا الكمّ لنقل خمس غرامات عشر غرامات يؤخذ منه مثل رأس الدبوس خلية واحدة لا ترى بالعين المجردة ثم تلتصق بخلية أخرى قريبة منها بويضة المرأة يلتحم هذا بذاك ثم يحدث عملية الانقسام بكيفية لا أحد يستطيع أن يتصورها البتة لولا الحقيقة العلمية. هاتان الخليتان تنقسمان بعد الالتحام وتصبحان أربع-ست-ثمان- 16-32-64 إنقسام هذه الملايين من الخلايا تتوزع وكأنها جيش تريد أن تصنع مصنعاً قليل منها يذهب ويكون المخ وقليل منها يذهب يتكون منها عينين وأذنان وفكّ وجلد ولحم وعصب وكله يعمل وكل يعرف المهمة التي من أجلها خلق وما هي إلا أيام ثم تسعة اشهر وإذا هو خلق إنسان سوي بعقل بلسان بأنف بيدين برجلين، من الذي خلق هذا من هذا؟ أيهما أيسر أن تصنع جسم إنسان من نطفة ماء، إجمع ماء كما تساء واصنع منه إنساناً أو نأخذ كومة من التراب ونصنع منه شكل إنسان؟ التراب أيسر. فالله سبحانه وتعالى أنتم تقولون أنه قادر على أن يخلق الانسان من ماء وأنتم ترون هذا تقولون لا يستطيع أن يخلق إنساناً من تراب؟! أين عقولكم؟ إما قولوا أن الله غير قادر لا على هذا ولا على هذا فتنكرون محسوساً أو قولوا إن الله القادر على أن يخلق إنساناً ما ماء مهين قادر على أن يخلق من تراب (وهوالذي يبدأ الخلق أهون عليه). ثم الأمر الثاني البدهي قضية الزرع (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ﴿٦٣﴾ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ﴿٦٤﴾) انظر إلى هذه النبتة من يتخيل لولا أن هذا مشاهد بالعين المجردة،
د. الشهري: ولاحظ أنه قال (تَحْرُثُونَ) ما قال ما تزرعون
د. الحسن: نعم لأن الله هو الزارع حقيقة أنا ليس لي إلا الحرث ألقي البذر وأطمره في التراب وأسقيه لا أستطيع أن أعمل شيئاً كالنطفة التي في الرحم ليس للإنسان إلا أن يقذفها فقط وانتهت مهتمه، غنتهى دور الأبوين. هكذا الزارع مهمته أن يلقي البذر ألقي بذراً وانتظر ماذا يحدث؟ يحدث عجباً في النتبة كما يحصل في الرحِم أشياء تتكاثر وتزيد وتصبح جذرا وتصبح ساقاً وتصبح أوراقاً تصبح زهوراً وثمارا حبة واحدة تنبت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة أليس الذي خلق هذا من تراب من طين إجمع ماء وتراب وضع البذر وينتج هذا! ألا يقدر على أن يخلق إنساناً؟! انظر الدليل الثالث، الماء ليس هو طين ولا هو هواء بين بين سائل ومع ذلك هو أصل الحياة ومنه خُلِق كل حيّ سبحان الله! هذا الماء من الذي أنشأه ابتداء؟ هو الله. وهو أصل الماء هواء ذرة أكسجين وذرتين هيدروجين ركبهما الله سبحانه وتعالى بطريقة ما فإذا الهواء ماء، هواء يتحول إلى ماء بقدرة خالق. ثم هذا الماء أتاكم من ملح أجاج أصله من البحر ثم يبخّره الله سبحانه وتعالى وينشئه ويسوقه ماء عذباً ثم ينزل إلى الأرض ويحفظه الله سبحانه وتعالى سنوات وألوف السنوات يحفظه لا يتلوث حتى يخرج إلى السطح، من الذي أعطاه هذه الخصائص، من الذي أوجده؟ من الذي جعله عذباً؟ من الذي أعطاه القدرة على الإحياء؟ لو اسقينا النبات يسائل آخر مثل البنزين سيموت، لو أسقينا الإنسان أي سائل آخر غير الماء أو ليس فيه عنصر الماء لن يحيا. فهذا الماء دليل على عظمة الله على قدرة الله على رحمة الله سبحانه وتعالى. ينبغي لمن يؤمن بالله واليوم الآخر وأنعم الله عليه بنعمة القرآن أن يقرأ أدلة القرآن بوعي وتدبر وبتفكر. أدلة القرآن جعلها الله سبحانه وتعالى من بيئة الإنسان ليست كأدلة الفلاسفة الحياةوتالموت والماء والنار بيئة موجودة في ساكن الكهف وأكبر عالم موجودة في بيئة كل إنسان فالله سبحانه وتعالى يأخذ الأدلة من بيئة الإنسان ثم أنها في غاية الوضوح والقوة ثم أن نتيجتها حتمية لا أحد يستطيع من هؤلاء الكفرة الذي ينكر البعث يقول أنا أؤمن أن الله قادر على هذا وليس قادراً على هذا إلا بشيء من المغالطات. فينبغي للإنسان العاقل أن يستفيد من طريقة القرآن في زرع الإيمان في القلوب
د. الشهري: ما تعليقكم على قوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴿٧٥﴾ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴿٧٦﴾)؟ قال لا أقسم ثم قال إنه لقسم
د. الحسن: أولاً (لا أقسم) في لغة العرب يعني أقسم، لا اقسم بيوم القيامة يعني أقسم. و(لا) عند العرب للتأكيد مثل قول عائشة رضي الله عنها (لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة) وخاصة إذا كان المقسم عليه منفي فهم يحرصون على أداة النفي (لا). وبعض المفسرين يقولون إنما هي بمعناها المعروف لا أقسم يعني نفي الحاجة إلى القسم الأمر أوضح من أن يقسم عليه. ولكن عرف من العرب زيادة اللام للتأكيد فنبقى على القول أن هذا قسم. الأمر الثاني مواقع النجوم يذكر علماء الفلك من مواقع النجوم ما يذهل أولاً من عظمة بعض النجوم التي هي أكبر من الشمس كذا وكذا مليون مرة، الشمس أكبر من الأرض ملايين المرات ومع ذلك الشمس يعتبر نجم صغير بالنسبة لبعض الكواكب. ثانياً الكثرة، هذه المجرة التي نراها التي تنتسب إليها المجموعة الشمسية أكثر من مليار نجم كل نجم له موقع ثم يقولون لا يمكن أن يحدث تجاذب مغناطيسي بين هذه المواقع أو اصطدام بين هذه الكواكب إلا كما لو أن سفينة في المحيط الأطلسي وأخرى في المحيط الهندي وكل واحد تتجه بنفس الإتجاه كلاهما يسيران بنفس الاتجاه والسرعة هل يمكن أن يصطدما؟ لا، وهكذا هذه النجوم الهائلة المنظمة لا يمكن أن تصطدم لأن الله قال لها لا تصطدمي وليس لها إلا أن تقول سمعنا وأطعنا.
د. الشهري: أسأل الله أن يتقبل منك ويفتح عليك.
********************
الفائز في حلقة الأمس: محمد عبد الله العنزي
سؤال الحلقة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة في السماء أي سحابة ممطرة أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغير وجهه فإذا أمطرت السماء سُرّي عنه فعرّفته عائشة ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما أدراني لعله كما قال قوم عاد ثم تلا آية من الجزء السادس والعشرين فما الآية؟