الحلقة 167
ضيف البرنامج في حلقته رقم (167) يوم الخميس 14 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد بن سريع السريع ، أستاذ القرآن وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
وموضوع الحلقة هو :
علوم سورة المزمل
******************
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى وصحبه وسلم تسليماً كثيراً حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في هذه الحلقة القرآنية في برنامجكم التفسير المباشر. اليوم بإذن الله تعالى سيكون محور حديثنا عن سورة المزمل وباسمكم جميعاً أرحب بضيفنا في هذه الحلقة فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بن سريع السريع أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ورئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه تبيان. حياكم الله دكتور محمد وأهلاً وسهلاً بكم ونحن متشوقون للقائكم من أول الشهر وقبل أن نبدأ أبارك لكم دكتور محمد وأبارك لجمعية تبيان حصولها على جائزة أفضل مطبوعات العام من الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم متى كان حضور هذا الحفل يا دكتور؟
د. السريع: كان يوم الإثنين الماضي في مدينة جدة في منطقة مكة المكرمة في حفل برعاية خادم الحرم الحرمين الشريفين والحمد لله تعالى هذا إنجاز للجمعية وحصولها أفضل إصدارات وبحوث علمية وامتداد عمر الجمعية طوال السنوات الماضية.
د. الشهري: بالمناسبة المطبوعات التي تطبعها الجمعية أين يمكن أن يحصل عليها المشاهدون أين يمكن أن يجدوها هل توزع في المكتبات التجارية الآن؟
د. السريع: نعم، هي الحقيقة على شقين: هناك شق يوزع مجاناً ولا يوجد منه نسخ للبيع بحمد الله ويمكن الحصول على مثل هذه النسخ عن طريق مكتب الجمعية الرئيس في الرياض أو عن طريق لجانها الفرعية في مناطق المملكة والشق الثاني وهو الأغلب يوجد في الدور وخصوصاً الدور التي نشرت مطبوعات مثل المكتبة التدمرية وكنوز إشبيلية وغيرها وهذه دعوة إلى سائر المتخصصين والأكادميين والمهتمين والطلاب أن يشرفونا بعضوية الجمعية فيحصلوا على المطبوعات مجاناً.
د. الشهري: أسأل الله لكم التوفيق أنا فرحت جداً بهذه الجائزة وشعرت براحة كبيرة وأسأل الله أن يسدد خطاكم يا دكتور. نعود إلى حلقتنا سورة المزمل يا دكتور محمد نحن الآن كما تلاحظ أوشكنا أن نختم الجزء التاسع والعشرين ولله الحمد. نبدأ في العادة الحديث عن اسم سورة المزمل هل هناك اسم آخر لهذه السورة؟ هل هو توقيفي أو اجتهادي؟ ثم ندخل بعد ذلك في مقدمات أخرى في السورة.
د. السريع: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. سورة المزمل عُرفت بهذا الاسم ولا أعرف لها اسماً آخر غير سورة المزمل وقد وردت في كثير من الآثار عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم وهذا الاسم مأخوذ من الكلمات التي وردت في أول آية من السورة.
د. الشهري: متى نزلت سورة المزمل؟ تاريخ النزول هل هناك تحديد دقيق للنزول؟.
د. السريع: تاريخ النزول بالمناسبة تاريخ نزول السور والآيات منه ما هو منقول بالسماع عن الصحابة والتابعين وربما يوجد في بعض المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى ذلك. ومنه ما يؤخذ بالإعتبار والقياس وموضوعات السورة وأحداثها. إذا نظرنا إلى سورة المزمل بهذين الاعتبارين نجد أنها من القرآن المكي ونجد أنها أيضاً من أوائل ما نزل في العهد المكي. موضوعات السورة تشير إلى هذا الأمر وأيضاً ما نُقل عن الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم يشير إلى هذه القضية بل إن العلماء مختلفين في ترتيب نزول السورة منهم من ذكر أنها ثالث سورة أو رابع سورة بل بعضهم ذكر على سبيل الاحتمال أنها من الممكن أن تكون هي السورة الثانية بعد سورة العلق وبالجملة الذي يهمنا أنها من السور المتقدمة في العهد المكي.
د. الشهري: ولعله يتضح من خلال إن شاء الله الحديث عن التفاصيل هذا الأمر. هل هناك أحاديث أو فضائل خاصة لسورة المزمل يا دكتور محمد؟
د. السريع: والله لا يحضرني فضل خاص بسورة المزمل إلا ما جاء إجمالاً.
د. الشهري:في دخولها في المفصل يعني.
د. السريع: نعم.
د. الشهري: دعنا يا دكتور ندخل في موضوع سورة المزمل هل ظهر لكم موضوع أو مقصد أساسي لسورة المزمل يمكن أن نشير إليه قبل الدخول في تفاصيلها؟
د. السريع: نعم، بالنسبة لمقاصد السور لعله من المفيد أن أشير إلى قضية هنا أن من تكلموا حول المقاصد أو الموضوعات منهم من يتكلم حول موضوعات السورة يقصد بموضوع السورة أو مقاصد السورة هو مجموع الموضوعات التفصيلية التي تحدثت عنها هذه السورة فربما ذكر في السورة الواحدة خمسة أو عشرة موضوعات. مثلاً الطاهر بن عاشور عليه رحمة الله في مثل هذه السورة ذكر لها عدد ويسميها أغراض السورة. ومن أهل العلم خصوصاً من المتأخرين من يقصد أو يريد بمقاصد السور هو الموضوع الرئيسي الذي تلتقي حوله موضوعات السورة الفرعية، ولعلكم يا شيخ عبد الرحمن تقصدون هذا.
د. الشهري: نعم أنا أقصد هذا
د. السريع: وهذا بالمناسبة فيه مجال للتدبر والتأمل والإجتهاد فقد يرى الإنسان شيئاً وقد يرى شيئاً آخر وهذا لا شك يقال أحياناً في الكلام العادي فما بالك بأعظم كلام نزل على قلب بشر وتكلّم به ربنا جل وعلا؟! الذي يظهر لي والله أعلم أن موضوع هذه السورة هو زاد الدعوة وإن شئت أن تقول الدعوة وزادها أو الداعية وزاده أو زاد الدعوة فقط. يعني بدئت السورة بقوله جل في علاه (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)) يا أيها المزمل المراد به محمد صلى الله عليه وسلم في بعض الآثار والأحاديث أنه إنما تزمل بعدما رأى جبريل فجاء ترعد فرائصه فقال زملوني زملوني أو غير ذلك من الآثار.
د. الشهري: زملوني بمعنى غطّوني.
د. السريع: غطّوني نعم، أو غير ذلك من الآثار أيّاَ ما قيل فالمراد به محمد صلى الله عليه وسلم. وهو لا ينادى بشخصه هنا وإنما ينادى بوصفه هو النبي صلى الله عليه وسلم هو الرسول ولذلك قال الله له (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) وكأنه يقول يا أيها الرسول، يا أيها النبي، قُم ثم بعد ذلك إذا أريد منك أن تقوم بأعباء الدعوة فعليك بهذا الزاد (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)). قيام الليل هذا أعظم زاد ثم بعد ذلك قراءة القرآن (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا)، زاد ثالث (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا). هذه في الحقيقة القضايا التي أشارت إليها السورة هذه قضايا رئيسية وهناك قضايا فرعية وردت في أثناء السورة (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ) هذا نوع من الزاد إن صحت العبارة مع أنه إيماني هو زاد معرفي يوطّن الداعية نفسه عليه لا تضجر ولا تجزع لهولاء المكذّبين والطغاة والمجرمين والمعرضين (ذَرْنِي) دعني وهؤلاء، هؤلاء سنمهلهم ولكن العاقبة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) محمد) أشعر والله أعلم من قديم وأنا اقرأ في هذه السورة أنها تعطي الداعية والنبي صلى الله عليه وسلم في أول مراحل الدعوة تعطيه الزاد الذي يعينه، يثبته، يقويه على مسيرة الدعوة. إذا تأملنا في ما قيل في سورة المزمل أيضاً وجدنا من جهة أخرى أنها تؤكد على هذه القضية. سورة المزمل (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) عند كثير من أهل العلم أن فيها إيجاب قيام الليل على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين وعند جماعات من أهل العلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقط ثم جاء التخفيف بعد ذلك جاء التخفيف قيل بعد سنة وقيل بعد بضع سنين وقيل بعد ثمانية أشهر وأياً ما كان ليس هذا الذي يعنينا. لكن هذا التأكيد وهذا الإيجاب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه في أول الأمر حتى تقوى نفوسهم وتثبت قلوبهم يتعلموا الإيمان ويتشربوه من الداخل حين يخلو الإنسان بنفسه مع الله جل وعلا فيناجيه ويقرأ كتابه وينطرح بين يديه ويمرغ جبهته في التراب ويدعوه يبث إليه شكواه نجواه ينقل له هموم الحياة وهموم النهار التي تواجهه فيطرحها على سجادة الصلاة بين يدي الله جل وعلا هذا أعظم زاد. استمر الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم مع نبيهم صلى الله عليه وسلم مدة عام كامل وهم على هذا الأمر أمر إيجاب حتم – وأياً ما قيل في التفاصيل كما قلنا – حتى تقوى نفوسهم على الإيمان وعلى تبعات الدعوة حتى يتعلموا التوحيد الحقيقي، التوحيد الحقيقي هو في الحقيقة لا يؤخذ إلا من القرآن التوحيد ليس هو توحيد المعرفة لكنه توحيد القصد والطلب أنت تعلم أنه لا إله إلا الله حين يقول ربنا جل وعلا لنبيه ومصطفاه في سورة محمد التي نزلت في العهد المدني (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) محمد) ألم يكن محمد صلى الله عليه وسلم يعلم أنه لا إله إلا الله؟! كيف وقد هجر القريب وترك بلاده وعادى أقرب الناس إليه قتل في ذلك عمه قتل في ذلك أصحابه كسرت رباعيته شج وجهه أخرج من بلده إلى الطائف تتبعه سفهاء الأقوام من أجل لا إله إلا الله ثم يقال له بعد ذلك (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) محمد). لا إله إلا الله ليست مجرد علم نظري يردده الإنسان صباحاً ومساءً هو في الحقيقة حقيقة تعيش في قلب الإنسان تثمر يقيناً أنه لا يدبر هذا الكون إلا الله لا تحب إلا الله لا تتوكل إلا على الله لا ترجو إلا هو جل وعلا لا تقصد بحوائجك صغيرها وكبيرها إلا هو اِعلم أنه لا مجير إلا هو سبحانه وتعالى بيده ملكوت كل شيء (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) يس). كل المسلمين يؤمنون بهذه القضايا إيمان نظري لكن الشان أن يصبح هذا حقيقة يعيشها الإنسان في واقعه يمارسها في سلوكه وأخلاقه وتصرفاته في اخذه وعطائه ومنعه قيام الليل وقراءة القرآن كما يقول العلماء ونقرأ عنهم تربي على مثل هذه المعاني تهيئ الداعية تهيئة حقيقية لأن يستقيم على أمر الله جل وعلا.
د. الشهري: إذاً نحن نقول إن سورة المزمل في موضوعها الأساسي تتحدث عن زاد الداعية إلى الله سبحانه وتعالى واضح وظاهر فعلاً وأيضاً هو مناسب لبدء الدعوة حتى تستطيع أن تستمر فيها وتواصل. دعنا نتوقف عند آياتها يا دكتور الآن أنت ذكرت قيام الليل وهذا واضح جداً في قوله (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)) نأتي للنقطة الثانية (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا) في قضية ترتيل القرآن الكريم، وأحد الإخوة في تويتر يقول ليتكم تتوقفون مع بعض الإئمة الذين يقرأون في صلاة التراويح بشكل سريع جداً لا يتناسب مع هذه الآيات.
د. السريع: إن أذنت لي نعود إلى بعض الآيات التي قبلها لبيان بعض الألفاظ يقول ربنا جل وعلا (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ (4)) يعني سأل بعض الإخوة وهذا هو ما دعاني للعَوْد (نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا) انقص من النصف أو (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) زد على النصف يعني الثلث أو النصف أو الثلثين لأن بعض الإخوة ظنّ أن المراد الليل انقص منه أو زد عليه ماذا يزيد على الليل بعد ذلك؟!! فهذا هو المراد. والمراد أن تستوعب كثير من ساعات الليل وربما أكثر الليل في مناجاة الله جل وعلا. والحقيقة ونحن في رمضان يا شيخ عبد الرحمن كما تفضلتم فرصة عظيمة جداً نرجو الله تبارك وتعالى أن يعيننا عليها، أحياناً الواحد منا يمضي الساعات الطويلة في الليل في الأكل والشرب أو الأحاديث أو الصفق في الأسواق ثم إذا اراد أن يصلي ركعتين استثقلها وقال أنه متعب ومرهق!! وفي الحقيقة أننا ما خلقنا للأكل مجرد الأكل والشرب والصفق في الأسواق وإنما كما قال الله (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) وما هذه الأشياء إلا تعين على طاعة الله جل وعلا وتيسر السبيل للوصول للمقصود فكما قال بن القيم عليه رحمة الله
فَحيّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّها مَنازلِك الأُوْلَى وَفِيها المُخَيَّمُ
وَلَكِنَّنا سَبْيُ العَدُوِّ فَهْلْ تَرَى نَعُودُ إِلَى أَوْطَانِنَا وَنَسْلَمُ ؟
قد زعموا أن الغريب إذا نأى وشطت به أوطانه فهو مغرم
وأي اغتراب فوق غربتنا التي أضحت العداء فينا تحكم
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيدنا إلى موطننا الأصلي.
د. الشهري: وأيضاً كما تفضلت إذا لم يحرص الإنسان في هذه الليالي المباركة على القيام وعلى الترتيل وعلى التدبر وعلى القيام بالليل يعني متى سيكون له فرصة أخرى؟!.
د. السريع: وهي كما يقول العلماء نحن نسأل الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا ليس لنا حظ منها إلا مجرد قراءة كلام من جرّبوا كابن لقيم وابن الجوزي وهؤلاء الأفذاذ العلماء العُبّاد يعني يقولون هذه جنة من دخلها لا يريد أن يخرج منها يعني تتصاغر أمامها جنان الدنيا. متع الدنيا ولذاتها وأكلها ومطاعمها ومشاربها لا شيء أمام جنة الأنس بالله جل وعلا. لذلك شيخ الإسلام عليه رحمة الله لما هددوه في سجن القلعة قال ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري أنّى رحت فهي معي يعني ليست جنتي عبارة عن سيارة أو قصر فاره تخرجني منه أو أرصدة تسلبها أو تجمدها جنتي وبستاني في داخل الصدر إن قتلتني فأنا شهيد وإن سجنتني فهذا خلوة وإن أخرجتني من بلدي سياحة ماذا سيصنع الأعداء بعد ذلك؟! ولذلك الأعداء أمام المؤمن الحق ما لهم معه حيلة وهذا الذي يقصم ظهور الجبابرة أنهم ما يدرون ما يصنعون بهؤلاء كلما قلبوهم على ظهر أو على بطن فإن هذا هو غاية ما يريدون. بعض السلف يقول إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة هي جنة الأنس بالله مناجاته نعيم الذكر فإذا كان الأمر كذلك فلماذا نشغل أنفسنا بغيره؟!
د. الشهري: حتى لا يدركنا الوقت يا دكتور محمد ونحن نتحدث عن آيات سورة المزمل وهي مليئة بالمعاني. في قوله سبحانه وتعالى هنا (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) ما المقصود بالقول الثقيل هنا؟.
د. السريع: هو القرآن الكريم وقد تنوعت عبارات المفسرين ما معنى القول الثقيل؟ فبعضهم قال أنه ثقيل في أحكامه والعمل به له تبعات وفعلاً خصوصاً في ما يتعلق بالداعية والخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم ولأتباعه حقاً وأتباعه حقاً هم الدعاة إلى ما دعا إليه صلى الله عليه وسلم فهو قول ثقيل بالنسبة للداعية، قال له ربه جل وعلا قم فلم يزل قائماً ثلاثة وعشرين سنة حتى قبضه الله تعالى ما بنى القصور ولا أثّث الدور وإنما قام لدعوة ربه جل وعلا. وبعض المفسرن يقول هو ثقيل ثقل حسي من المعلوم أن الوحي كان إذا نزل على النبي صلى الله عله وسلم يعاني من شدة وكما جاء في حديث أنس أنه أنزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم وركبته على ركبته فكادت ركبتي أن ترضّ. وربما نزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي وهو على الناقة فتبرك من شدة ثقل الوحي وكان صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي في اليوم الشاتي فيتحدر منه العرق من شدة ما يعاني. قالوا فهذا هو القول من الثقل، القول الثقيل. ومثل ما تفضلت أن الأقرب أن القول الثقيل ثقيل بهذا وثقيل بذاك بل الفراء عليه رحمة الله يقول ثقيل بمعانيه، معانيه عظيمة، معانيه سامية، معانيه ليست من سفاسف القول أو سقط الحديث كل واحد يستطيع أن يأتي بها ولذلك هناك كلام نفيس لشيخ الإسلام عليه رحمة الله وهو يحقق مسألة الإعجاز يقول: إعجاز القرآن في معانيه أعظم من إعجازه بألفاظه بل لو اجتمع عقلاء العالم على أن يأتوا بمثل المعاني التي جاء بها القرآن لم يستطيعوا بل كانوا أشد عجزاً من العرب حين لم يستطيعوا أن يأتوا بمثل ألفاظه. وهذا صحيح ولو لم يكن في هذا يا شيخ عبد الرحمن إلا أنه إلى الأن أكثر من اربعة عشر قرناً وهذا وجه لطيف من اسرار القرآن لم يستطع أحد منصف على وجه الحقيقة أن يقول أن في القرآن خطأ واحد كفى بهذا إعجاز ومنزلة كبيرة لهذا الكتاب العظيم.
د. الشهري: أيضاً في قوله (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) ما المقصود بناشئة الليل؟ ولماذا اختار الليل هنا؟ ويلاحظ يا دكتور أن الليل يتكرر كثيراً في السورة.
د. السريع: ناشئة الليل هي ساعاته وأحايينه وأوقاته وقيل ذلك في معناها. فهذه الأوقات التي يمضيها والحالات التي يقوم بها وقيام ساعات الليل أشد وطأ يعني يتواطأ فيها القلب مع اللسان لأنها أبعد عن ضجيج الدنيا وعن صخبها وعن مشاكلها وعن تفرق القلب الإنسان في النهار يتفرق قلبه وللأسف يا شيخ عبد الرحمن في واقعنا الآن حتى في الليل يتفرق قلب الإنسان إلا من عصمه الله الذي يدير آخرته كما يدير أهل الدنيا دنياهم. ربنا جل وعلا قال عن الكفار أنهم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، يقول الحسن: يقلب الدينار فيخبرك عنه صحيح أم مزيف قديم أم جديد، خبرة، صاحب السيارات يرى السيارة من بعيد فيعرف هي جديدة أم مستعملة أو فيها مشكلة, يديرون دنياهم ولهم الحق في ذلك لكن الأهم من ذلك أن يدير الإنسان آخرته ما يترك الدنيا تسحبه مع كل جهة وإذا أراد أن يخلو بربه عليه أن يهيئ المكان المناسب والزمان المناسب والحال المناسب وكما يغلق الإنسان على نفسه في الدنيا عليه أن يغلق على نفسه من أجل مناجاة ربه فيسلم من القواطع، ما يقوم بين يدي ربه وثلاثة جوالات شغالة والتليفزيون يشتغل من حوله والأطفال ضجيج ويغردون من فوق رأسه ما يمكن أن يجتمع القلب!! فربنا جل وعلا أرشد نبيه في هذه الآية إلى ناشئة الليل لأنها أشد وطأً يتواطأ معها القلب واللسان وأقوم قيلاً يعني هي اشد تأثيرا وسلامة أن يخلوا الإنسان بربه جل وعلا فيناجيه بعيداً عن الصوارف والقواطع.
د. الشهري: والحقيقة يعني كلها من الزاد الذي يستشعره المؤمن فعلاً ومن جرّب عرف الذي يعيش هذه الأجواء يجد من الأنس ويجد من زيادة الإيمان في قلب الكثيرين. أستأذنك يا دكتور نكمل بعد الفاصل بقية ما ذكره الله من الزاد في هذه الآيات الذي جعله للداعية فاصل أيها الإخوة نشاهد سؤال هذه الحلقة ونكمل حوارنا مع الدكتور محمد السريع فابقوا معنا.
———–
فاصل: سؤال الحلقة:
قوله تعالى (فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)) ما هو تفسير كلمة (وبيلا)؟
1. شديدأً
2. ليناً
3. مدهشاً
————-
د. الشهري: حياكم الله أيها الأخوة المشاهدون مرة أخرى ولا زال حديثنا متصلاً عن سورة المزمل مع ضيفنا الأستاذ الدكتور الدكتور محمد بن سريع السريع، أستاذ القرآن وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حياكم الله مرة أخرى. كنت تحدثت عن شيء من زاد الداعية إلى الل سبحانه وتعالى ذكرت قيام الليل وذكرت ترتيل القرآن وأيضاً تحدثت عن سبب تخصيص الليل بهذا الأمر لعلنا نواصل ما ذكره الله من زاد للداعية في هذه السورة العظيمة.
د. السريع: من ما ذكره ربنا جلّ وعلا في هذه السورة قوله (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) الذكر لا شك أنه من أعظم الزاد الذي يقوي النفس وينشطها، يمتّن الروح، يصل الانسان ببارئه جلّ وعلا خصوصاً الذكر الذي يتواطأ عليه القلب واللسان حين تتفجر معاني الذكر ويعيشها الإنسان حقاً وحقيقة
د. الشهري: أستأذنك آخذ اتصالاً من الأخ عارف من عُمان.
اتصال من الأخ عارف من عمان: سورة الجن، ماذا كانوا يستمعون من السماء؟ وهل كان لهم أنبياء من جنسهم؟ أسماء السور هل هي توقيفية أم اجتهادية وأيضاً ترتيب السور
د. الشهري: نعود للحديث عن ذكر الله كما في السورة (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا)
د. السريع: الذكر هو من أعظم العبادات وهو من أيسر العبادات وإذا تأملنا وجدنا أن كثيراً من العبادات العظيمة التي أكّد عليها الشرع هي من العبادات اليسيرة. ليس هناك أعظم من التوبة وليس هناك عبادة أيسر على من وفقه ربه جل وعلا من التوبة ومن ذلك الذكر فالإنسان يستطيع أن يذكر ربه وهو قاعد وقائم وعلى جانبه وهو جالس وهو في طريقه وفي كل أحايينه كما كان محمد صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. الذكر وأعظمه وأعلاه وأشرفه القرآن كل الذكر هو من أعظم الزاد الذي يعين الداعية. الإنسان حين يحال بينه وبين كل شيء لا يمكن أن يحال بينه وبين ذكر الله جلّ وعلا عند ذلك لا يستطيع أحد أن يصنع معه أي شيء لأنه لا سبيل له على قلبه المتصل بالله جلّ وعلا
د. الشهري: هنا في قوله (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) قد يسأل سائل ويقول: واذكر ربك وهنا يقول واذكر اسم ربك، هل هناك بينها فرق؟ وآخذ الجواب بعد سماع اتصال أحد الإخوة.
اتصال من الأخ محمد من بيشة: عندي استفسار في سورة النساء ما علاقة ورود التعدد بعد اليتامى في أول السورة؟
د. الشهري: نواصل ثم بعد الفاصل الثاني نأخذ الأسئلة إن شاء الله. في قوله سبحانه وتعالى هنا (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) ثم قوله (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) هذا الزاد الرابع ربما.
د. السريع: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) كما قال ربنا جلّ وعلا (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) العلق) (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الأعلى) وهكذا من المواضع. هنا لفتة لطيفة يقول ربنا جلّ وعلا (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) التبتل هو الانقطاع والانقطاع منهي عنه في الشرع
د. الشهري: الانقطاع للعبادة
د. السريع: نعم، الانقطاع للعبادة منهي عنه. عندما جاء بعض الصحابة سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح فكأنهم تقالّوها ثم قالوا هو صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقال أحدهم: أما أنا فلن أتزوج لنساء وقال الآخر أنا لا آكل اللحم والآخر قال أصوم ولا أُفطر، نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وغضب وقال إنس أخشاكم لله وأعلمكم به وأصوم وأفطر وآكل اللحم وأتزوج النساء وأقوم وأنام فالمقصود أن الانقطاع الكلي ليس مطلوباً ولكن المراد والله أعلم في هذه الآية أمرين: الأمر الأول هو الانقطاع الأغلبي أن الإنسان يصبح همه في هذه الدنيا عبادة الله جلّ وعلا وإن انشغل في شيء من متاع الدنيا فإنه يقوّيه على عبادته. والأمر الثاني هو انقطاع القلب وهذا الذي ينبغي أن يكون انقطاعاً كلياً لا يرجو إلا الله ولا يخاف إلا هو ولا يتوكل إلا عليه ولا يحب إلا هو جلّ وعلا وإذا أحب شيئاً فإنما يحبه لمحبة الله له وهكذا.
د. الشهري: هذا المقصود بالتبتل والانقطاع هنا
د. السريع: نعم.
د. الشهري: أستأذنك نأخذ اتصالاً من عبد الله
عبد الله من الرياض: من هو المزّمل؟
د. السريع: أحسنت يا عبد الله، وجزاك الله خيرًا. المزمل المراد به أصل الكلمة المتزمل والمقصود المزمل المتدثر المتغطي الملتحف بعباءته أو بغطائه على فراشه أو الملتحف ببطانية أو غير ذلك يسمى مزّمل والمراد به في هذه الآية هو محمد صلى الله عليه وسلم نبينا ورسولنا وحبيبنا الذي وجه الله تبارك وتعالى إليه هذا الخطاب وأمته من بعده.
د. الشهري: نكمل في قضية (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا)
د. السريع: قبل هذه الآية موضوع له صلة، يقول ربنا جلّ وعلا (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) ما هي النتيجة؟ (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)) إذا كان رب المشرق والمغرب وكان لا إله إلا هو فاتخذه هو دون غيره وكيلاً لأنه هو القادر على إيصال الخير والقادر على دفع الضرّ فلماذا تتعب نفسك وراء البشر؟! وسبحان الله والله لو تأمل الإنسان بعين عقله وبصيرته لوجد أن السعي وراء المخلوقين أكثر تعباً وأقل ثمرة بل لا تكاد توجد ثمرة وإنما هذا من باب (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) الفرقان) وإلا لا يمكن أن يوجد وراءهم ثمرة إلا بتقدير الله وفضله وإنعامه وإحسانه. والداعية أحوج ما يكون إلى الاستعصام بالله جلّ وعلا إلى اليقين به صدق التوكل عليه وهذا هو التوحيد الذي نفتقده كثيراً التوحيد الحقيقي الذي يعيش مع قلب الانسان يعلم أنه لو اجتمع الخلق كلهم على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له وإن اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله له
د. الشهري: الله أكبر! ننتقل إلى الآية التي بعدها قضية الصبر وأثره في الدعوة
د. السريع: يقول الله جلّ وعلا بعد ذلك مخاطباً نبيه (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) هناك صبر وهناك هجر الهجر الجميل الذي ليس فيه شكوى وليس فيه ما ينقص هذا الهجر بعض الناس يهجر لكنه يفسد أجر هذا الهجر ويفسد أثر هذا الهجر فلا يعود له أثر ولا فائدة. وقبل الهجر هناك صبر وداعية ليس عنده صبر عليه أن يستريح لأن الدعوة الحقيقة فيها لأواء وفيها مشاكل وفيها مصائب وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم يبتلى الناس على قدر إيمانهم، يبتلى الدعاة بقدر صدق دعوتهم، الدعاء الذي يريد الدعوة راحة ولا يريد فيها مشاكل ولا يريد فيها اعتراض ولا يريد السفهاء يعترضون عليه ولا يريد أحد يلمزه وأيّ نسمة تأتيه من هنا وهناك يُخرج من القاع أساوء الأخلاق ويعامل بها المدعوين عليه أن يرتاح لأن هذا ربما يفسد الدعوة أكثر مما يصلحها. وأما الذي يريد أن يرتسم نهج محمد صلى الله عليه وسلم فعليه أن يلتزم الصبر وهو زمام وخطام للداعية
د. الشهري: وهو واضح في السورة كما تفضلت. ما أبرز المحاور التي يمكن أن نتوقف عندها قبل الفاصل؟
د. السريع: من التوجيهات الربانية للنبي صلى الله عليه وسلم قوله جل في علاه (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا) الداعية إلى الله جلّ وعلا في مسيره في دعوته سيواجه هؤلاء المكذبين
د. الشهري: ما معنى (أُولِي النَّعْمَةِ)؟
د. السريع: (النَعمة) هي التنعّم هؤلاء أهل الترفّه، النَعمة كما قال بعض المفسرين ومنهم الطاهر بن عاشور غير النِعمة، تلك بالكسر وهذه بالفتح والمراد بها الترفّه، تلك آحاد النِعَم من المطاعم والمعاش والصحة والرغد وأما هذه الترفّه، فهؤلاء أهل الترفه وبالمنباسبة هناك إشارة مهمة إلى أن الترفّه الزائد واستخدام النِعم بشكل مبالغ فيه في غير منهج رباني سبب من أسباب الطغيان ولذلك هرقل كما في الصحيح حين سأل أبا سفيان: من يتبعه؟ ضعاف الناس أو كبراؤهم؟، قال بل ضعفاؤهم، قال هرقل بعد ذلك: فهؤلاء هم أتباع الأنبياء
د. الشهري: سبحان الله! أستأذنك بفاصل قصير ثم نعود لمواصلة الحديث.
——————-
فاصل تعريف بنشاطات مركز تفسير
مطبوعات مركز تفسير – كتب علمية – أبحاث –
——————
د. الشهري: مرحبا بكم أيها الأخوة المشاهدون مرة أخرى وما زال حديثنا مع الدكتور محمد السريع عن سورة المزمل وقبل أن نواصل حديثنا نشاهد الفائز في مسابقة البرنامج في حلقة الأمس.
الفائز في سؤال الأمس:.آلاء أحمد عبد الله من الإحساء – السعودية
د. الشهري: نعود يا دكتور محمد إلى سورة المزمل ونحن في هذه الوقفات ينبغي للداعية ضرورة أن يجعل سورة المزمل نبراساً له يتخذها نبراساً له. ما الذي بقي مما يمكن أن نعتبره من زاد الداعية في هذه السورة؟
د. السريع: بقي معنا ما أشرنا إليه قبل قليل أن لا يغتر الداعية وأتباع الدعوة بما عليه أهل الكفر بما هم عليه من القوة المادية والعتاد العسكري وما هم عليه من الرفاهية فما هي إلا الحياة الدنيا (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) الحجر) (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ (12) محمد) تأمل هذا في القرآن في كثير في خواتيم سورة آل عمران هناك إشارة عظيمة لمثل هذا المعنى. طبعاً ليس معنى هذا أن المؤمن عليه أن ينام ويصبح مضطهداً ومسكيناً وفقيراً وحقيراً، لا، ليس هذا هو المقصود ولكن المقصود أن لا ينبهر بما عليه من أمور الدنيا. يقول الله جل وعلا في سورة البقرة (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ (212) البقرة) لماذا؟ لأنهم يسخرون منهم من جهتين: الجهة الأولى أنهم ليسوا على ما هم عليه من الترف والترفّه لا يعرفون كيف تدار هذه الدنيا بضجيجها وصخبها ومتاعها لا يسكنون الفنادق السبع نجوم ويعرفون كيف تفاصيل الترف والنعيم فيسخرون منهم هؤلاء الكفار. وأيضاً يسخرون منهم من جهة أخرى أن هؤلاء المؤمنين كيف يضيع أيامه وأوقاته يجلس يقرأ القرآن أو يُقرئ صبية صغاراً القرآن أو يكتب كتاباً!! يا أخي اِكتب كتاباً في الاقتصاد من أكثر الكتب مبيعاً في العالم، اِجعل أرصدتك تنمو، انظر العالم وعدّادات الأرصدة يسخرون منهم بهذين الاعتبارين. قال الله بعد ذلك (وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) هذا هو المعيار الحقيقي، ليس هو معيار التراب ولا الذين فوق التراب! هؤلاء الناس الذين تحدث عنهم القرآن ماتوا قبل ألف وأربعمئة سنة والذين الآن موجودين سيموتون ولكن المعيار الذي يبقى (وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
د. الشهري: نأتي إلى قوله في آخر السورة – بقي معنا خمس دقائق فقط نريد أن نجيب على الأسئلة ونختم الحديث عن السورة- في آخر الآية
د. السريع: آخر الآية عند جمع من المفسرين فيها تخفيف للإلزام الوارد في أول السورة بقيام الليل وأن هذا توسعة من الله جلّ وعلا إما للأمة جميعاً أو لعموم المؤمنين وبقي الأمر على ما هو عليه للنبي صلى الله عليه وسلم وبالجملة فإن قيام الليل من أعظم العبادات سواء كان على سبيل الإيجاب أو على سبيل الاستحباب. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الصلاة صلاة الليل لا شك في ذلك. وبعدما أمر الله جل وعلا بصلاة الليل وخفف على عباده فيها ذكر أبرز الأعذار التي هي مدعاة للتخفيف فذكر أن الانسان قد يكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض في التجارات وآخرون يقاتلون في سبيل الله. وهنا ملمح كنت أتحدث مع بعص الإخوة الذين يزهدون في أمر الدنيا تزهيداً مبالغاً فيه فقلت له يا أخي تأمل سورة المزمل أوائل ما نزل حديث عن قيام الليل وعن الدعوة ذكر الله يضربون في الأرض قبل الجهاد بدأ بهم قبل الجهاد وفي هذا ملمح وتطييب لخواطر الذين يصفقون في الأرض وهم يعفّون أنفسهم وأعظم من ذلك إذا كانوا يبذلون المال في سبيل ذلك. قال الله بعد ذلك في لفتة مهمة (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ) هذا عموم عند الأصوليين لأنه نكرة في سياق الشرط أي شيء تقدموه في سبيل الله من خير وأكّد هذا العموم بقوله (من) أيضاً فأي شيء يا عبد الله ونحن في رمضان في هذا الأوقات التي تضاعف فيها الحسنات لا تحتقرن شيئاً فإنك لا تدري ما هو العمل الصالح الذي تدخل به الجنة، قد تكون ابتسامة، قد تكون إماطة أذى عن الطريق، قد تكون أرملة تقوم عليها في ناحية المدينة ما أحد يشعر بذلك ولا يعلمه إلا الله عز وجل فلا تحتقر شيئاً لأنك تتعامل مع كريم ما ينظر كم أنفقت ولكن ينظر جلّ وعلا كيف أنفقت؟ فالعمل الصغير تكبّره النيّة وربما عمل كبير صغّرته النيّة.
د. الشهري: الله أكبر! الله يفتح عليك يا دكتور. دعنا نأخذ أسئلة الإخوان حتى لا تفوتنا. الأخ عارف سأل سؤالاً في سورة الجن (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ (9) الجن) ماذا كانوا يسمعون؟
د. السريع: يستمعون ما يوحي به الله جلّ وعلا إلى ملائكته ولذلك كانوا ينزلون بالخبر إلى الكاهن والكاهن يضيف عليه تسع وتسعين كذبة فيقع شيئ مما قاله الكاهن وشيء من الكذب فيقولون أليس قال كذا في يوم كذا فأصاب فيظنون أنه عنه شيء من الغيب.
د. الشهري: فهم كانوا يسترقون الوحي. أيضاً سأل سؤالاً عن أسماء السور البقرة الجن المزمل هل هي توقيفية أم هي اجتهادية؟
د. السريع: وقبل ذلك إن لم تخني الذاكرة سأل هل الجن فيهم أنبياء؟ كما قال أهل العلم قال فيهم نُذُر وليس فيهم أنبياء ولا رسل. أما ما يتعلق بأسماء السور، أسماء السور منها ما نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم كالبقرة وآل عمران ومنها ما نقل عن الصحابة ومنه ما يأخذه العلماء أحياناً من أول السورة أو حدث تحدثت عنه السورة ومن خلال النظر في أسماء السور نجد أنها على هذه التقسيمات الثلاث
د. الشهري: منها ما هو توقيفي ومنها ما هو اجتهادي
د. السريع: والتوقيف له منزلة غير ما لغيره وله سر
د. الشهري: ويبدو لي في أول حديثك قلت سورة المزمل لا أعرف لها اسماً إلا هذا الاسم والغالب أنه إن لم يكن لها إلا هذا الاسم غير معروف غيره فإنه يكون توقيفي، هذا والله أعلم. الأخ محمد يبدو أنه من بيشة سأل سؤالاً لماذا ذكر الله التعدد في أول سورة النساء؟
د. السريع: أولاً السورة سورة النساء فلا غرو أن يذكر فيها التعدد وخصوصاً في أولها الذي كان فيه حديث كثير عن النساء
د. الشهري: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ (3) النساء)
د. السريع: في هذا أمر آخر ما جاء في حديث عائشة في الصحيح أنها نزلت في اليتيمة تكون في حجر الرجل فيريد نكاحها ولا يقسط في صداقها فالله تبارك وتعالى كأنه يقول لكم سعة انكحوا ما طاب لكم من النساء دع هذه اليتيمة يرزقها الله جلّ وعلا وعليك ببقية النساء.
د. الشهري: هو كان يسأل عن علاقة اليتامى مع ذكر التعدد وهذا هو الجواب وهل قد يكون هذا سبب نزول الآية أو هو من الموارد التي
د. السريع: هذا من سبب النزول الذي يسميه أهل التفسير سبب النزول على نوعين: ما نزلت السورة من أجله وبعده (سبب مباشر) قال “فأنزل الله” أو “فأنزلت قبل أن يقوم من مكانه” وأحياناً يقول هذه الآية نزلت في كذا المراد أن معنى الآية يشتمل على هذا الحكم.
د. الشهري: فتح الله عليك يا دكتور محمد، انتهى وقتنا وأسأل الله أن يتقبل منك. أيها الإخوة المشاهدون انتهى وقت هذا اللقاء باسمكم أشكر ضيفنا في هذه الحلقة فضيلة الدكتور محمد بن سريع السريع، أستاذ القرآن وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ورئيس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم تبيان كما أشكركم أنتم على متابعتكم وألقاكم غداً وأنتم على خير إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.