سحر البيان

سحر البيان – بيان القرآن الكريم

اسلاميات

الحلقة الأولى: بيان القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف خلق الله أجمعين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. السلام عليكم  ورحمة الله وبركاته أيها المشاهدون الكرام في هذا البرنامج الذي جعلنا عنوانه ( سحر البيان ) سيكون كلاما يتعلق ببيان القرآن الكريم. معنى ذلك أن الألف واللام في كلمة البيان هي العهد، يعني البيان المعهود الذي يكون حاضرا في ذهن المتلقي، بيان القرآن ومعلوم أن لفظة السحر هي في الأصل من ما لا يحبذه الإنسان، بل هو في الإسلام حرام، لكن هنا نريد به الاستعمال اللغوي أنه حينما يقال سحرهم بكذا كأنما شغل أذهانهم وكسبهم إلى ما يقوله، فهذا هو السحر الذي يسمى أحيانا السحر الحلال، حتى يفرق بينه وبين السحر الحرام. وورد ذلك في حديث رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ في قوله ــ عليه الصلاة والسلام ــ: إن من البيان لسحرا. فنحن نتكلم عن هذا السحر للبيان، وإن كان الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ أطلقها في وقتها على البيان المنمق الذي استطاع أحد رجلين كان في الحديث جاءا إليه ــ عليه الصلاة والسلام ــ وهما يرأسان وفديهما من بني تميم، ويذكر ذلك حقيقة أصل الحديث في البخاري والتفصيلات في الكتب الأخرى يذكرون أن الذبرقان من بدر وقف خطيبا بين يدي الرسول ــ عليه الصلاة والسلام ــ، وفي حديث البخاري قال: تكلم رجلان من المشرق ما ذكر اسميهما، لكن فيما وراء ذلك من الكتب ذكرت هذه الحكاية سنوردها ــ إن شاء الله تعالى ــ بشكلها بنصها، لكن يعنينا هنا أنه تكلم الأول وقال.. وهذا يعرف حقي أو يعرف ذلك يعني أثنى على نفسه كأنما هو رئيس. قوله وقال: وهذا يعرف ذلك كأنما أراد أن يستدل بما يقوله هذا الرجل هذا الثاني، فهذا الرجل الثاني ذكر خلاصة لشأن الأول ذكر خلاصة له قال: هو كذا هو كذا هو كذا. فنهض الأول وقال: يا رسول الله هو يعرف مني أكثر من ذلك، ولكنه لم يقل حسدا، فغضب الرجل لما غضب قال كلاما فيه ذم لذلك الإنسان، ثم قال للرسول ــ عليه الصلاة والسلام ــ: يا رسول الله رضيت فقلت أحسن ما أعلم، وغضبت فقلت أسوأ ما أعلم، وصدقت في الأولي ولم أكذب في الثانية. فقال ــ عليه الصلاة والسلام ــ: إن من البيان لسحرا. إذا كان بحيث أن هذا الإنسان استطاع ان يوصل هذا الكلام في شقيه في حاليه، فما بالك بكلام الله ــ سبحانه وتعالى ــ! فعندما نأتي إلى حديث البخاري يقول فيه: قدم رجلان من المشرق فخطبا.. يعني خطبا بين يدي الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ، فعجب الناس لبيانهما. هناك نوع من الإعجاب بالبيان، يعني بما قالاه بطريقة هذا النطق أو بطريقة عرض الفكرة التي عرضاها. فقال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ إن من البيان لسحرا. فالبيان هو في أصل اللغة بيَّن الشيء تبيانا، بينه بيانا أو تبيانا، لما بين الشيء وأصل البيان هو الظهور، يعني بينت هذا الأمر بمعنى أظهرته وأوضحته، هذا في الأصل وهو من الكلمات التي تكون متضادة بان الشيء بمعني ظهر وبدا وبان الشيء بمعني بعد، أيضا يأتي لهذين المعنيين لكن لما سمي نوع من الكلام بيانا، معني ذلك أنه صار مصطلحا، يعني إذا ذكر ينصرف الذهن إلى ذلك الشيء ولا ينصرف إلى أصل فكرة الوضوح والإبانة. نعم هو فيه وضوح وإبانة لما يقول هذا بيان ساحر، وهذا بيان جيد، معناه هذا كلام بين واضح يعني يبقى فيه لكن صار له في مصطلح العلماء معنيان، المعنى الأول يكون عاما شاملا وهو معنى الإبانة عن ما في النفس، أنه هذا البيان يعني هذا الكلام الذي يبين عما في نفس المتكلم أيا كان ذلك، سواء كان بليغا أو لم يكن بليغا، سواء كان في أسلوب أدبي أو في أسلوب اعتيادي، كما يقول الأب لابنه ناولني كأس ماء، هذا أبان لأن الأصل أن المعنى كان في ذهنه ثم أظهره هذا هو البيان الاعتيادي. النوع الثاني من البيان الذي هو مقصود بكلمة سحر البيان، أو إن من البيان لسحرا في حديث الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ ما يكون فيه حسن صياغة بحيث لا يتأتى لكل فرد من أبناء تلك اللغة، وإنما يكون لأناس مخصوصين، أنهم يستطيعون أن يعبروا بتلك الصورة، ولذلك اختلف البلغاء عن عموم الناس، وكما يقول بعض علمائنا القدماء يقول: المعاني مطروحة في الطريق، يعني المعنى كل واحد يستطيع أن يقوله، لكن يبقى التعبير عن ذلك المعنى. يعني معنى التواضع مثلا، معنى الرحمة، معنى الرعاية، هذا المعنى موجود يعني يقول لك: ارع أبويك، اعتن بأبويك. كلام موجود غير لما يأتي القرآن الكريم فيقول: { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } الصورة  اختلفت. كذلك في كلام الناس كلام البلغاء كلام الأدباء أحيانا الشعراء فيما بينهم يتنافسون في صياغة المعنى، تجد المعنى واحدا لكن هذا يصوغه بطريقة وهذا يصوغه بطريقة، فما يكون أعلى في الصياغة وأوقع في نفوس الناس، أوقع يعني أنه يحدث أثرا أعلى في نفس ذلك الإنسان، يقول: هذا أبين وهذا أعلى في البيان. أهل البيان هؤلاء فصحاء العرب وبلغاؤهم نجد أنهم وقفوا عاجزين نحو القرآن الكريم، حتى نتبين الفارق بين كلام الله ــ سبحانه وتعالى ــ وكلام أهل البيان. كلام البلغاء كلام أهل تلك الصنعة هم أقروا بعجزهم ولم يحاولوا أن يكتبوا سطرين لكي ينتهي النزاع بينهم وبين محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ. حملوا السيوف وقاتلوا ولم يكتبوا هذين السطرين، فإذا البيان لهم هذان المعنيان، لكن نرجع إلى قصة الرسول ــ عليه الصلاة والسلام ــ. إن من البيان لسحرا، أو في رواية وكلتاهما في البخاري أو إن بعض البيان سحر. المعنى واحد إن من البيان، وهذا من التبعيضية يعني بعض البيان يسحر الناس، لا بمعنى السحر الممقوت، وإنما يجعل قلوب الناس تميل إليه يجعلهم يتعجبون من مثل هذه الصياغة ومن مثل هذه العبارات. هذا هو الحديث الذي في البخاري بهذا المقدار فعجب الناس لبيانهما. لكن نجد في بعض الكتب الأخرى هذا أخرجه البيهقي في الدلائل عن ابن عباس ــ رضي الله عنه ــ هذا فيه تفصيل وفيه أسماء يعني كأنما في البخاري موجز مختصر وهذا فيه التفصيل يقول: جلس إلى رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ يعني من وفي التميم الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وقيس بن عاصم.. هؤلاء قادة تميم لما جاءوا وكانوا قد دخلوا في الإسلام وجاءوا وفدا عن قومهم، فقام الزبرقان فقال: يا رسول الله. والزبرقان معناه البدر المضيء،، البدر المنير. يسمون البدر حينما يتم تمامه ويضيء يسمونه زبرقان، فكني أو لقب بهذا اللقب. فقال: يا رسول الله.. أنا سيد بني تميم ومعه سادة آخرون في بني تميم، كان هو نسب السيادة لنفسه وما نوزع فيها أولا، والمطاع فيهم والمجاب، يعني إذا ناديتهم يطيعونني ويجيبون كلامي، أمنعهم من الظلم وآخذ بحقوقهم، وهذا يعلم ذلك يعني عمرو أشار إلى عمرو وقال: وهذا يعلم ذلك فقال عمروــ يعني هو استشهد به وشاهد ــ فقال عمرو: أنه لشديد العارضة، يعني قوي مانع لجانبه، يعني ما أحد يستطيع أن يتجاوز عليه، مطاع في أدنيه يطيعه الأقربون فقال الزبرقان: والله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال. يعني هذا الذي قاله جزئية صغيرة هو يعلم أكثر من هذا، وما منعه أن يتكلم إلا الحسد هو حاسد فما تكلم، ما أبان إبانة كاملة قال عمروــ وقد غضب ــ: أنا أحسدك! والله يا رسول الله إنه لذميم الخال. نحن نقول دائما ثلثي الولد على خاله، فطعنه في خاله لذميم الخال حديث المال ما هو من القديم عنده مال، الآن صار عنده مال، أحمق الوالد، أبوه أحمق طبعا لما يكون خاله هكذا طبعا انسحب عليه لما يكون أبوه هكذا، معناها ينسحب عليه هو ما هاجمه بشخصه، وإنما هكذا جاء بشكل غير مباشر، مضيع في العشيرة يعني سائر العشيرة لا تقيم له وزنا، هذا لا يتعارض مع قوله مطاع في أدنيه يعني القريبين منه الذين حوله يطيعونه، لكن سائر العشيرة لا قيمة له عندهم، والله يا رسول الله لقد صدقت في الأولى. الأوصاف التي قلتها وما كذبت في الآخرة، ولكني رجلا إذا رضيت قلت أحسن ما علمت، وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت. فقال النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ: إن من البيان لسحرا، أو إن من البيان سحرا، أو بعض البيان سحرا، بحسب الرواية التي وردت. بعض العلماء يعني نظر في هذا الحديث بعضهم قال: هذا فيه ذم. بعضهم قال: هذا فيه مدح. هو السياق حقيقة يعني واضح أنه لما قال: بعض البيان إن من البيان لسحرا، يعني يحتمل أن يكون بعض هذا الكلام ممدوحا، معنى ذلك يقال عن البيان أنه سحر في حال المديح وفي حال الهجاء ممكن. إذا قال إنسان كلاما وغمط حق غيره بسبب ذلك الكلام يعني لعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من الآخر، ألحن بحجته يعني يقول كلاما ويحتج حججا بحيث الثاني ما يستطيع أن يبين بشكل واضح فيغلبه ويكون ظالما له بما تقدم ويكون البيان أحيانا بيان حق بشكل واضح مبين بحجة واضحة، فعند ذلك يكون ثناء. فهكذا إذا البيان قال أحسن ما يقال في هذا إن الحديث ليس ذما للبيان كله، ولا مدحا للبيان كله، لقوله ــ عليه الصلاة والسلام ــ من البيان.. فأيا كان إذا فهمته أنه ذم فمعنى بعضه مذموم وإذا فهمت أنه ثناء فمعنى ذلك أن بعضه يثني عليه. هذه الحال التي رأيناها عند العرب نقول لما تنزل القرآن الكريم وبدأ الناس يستمعون إليه كان بيانا،يعني هو معاني هذه المعاني ممكن أن يعلمها بعض الناس ممن تقدمهم آثار النبوة الأولى، لكن أن تصاغ بهذا النظم بهذا الترتيب في الآيات هذا هو الذي أعجزهم والمعنى العام { أمنوا بالله وحده } هذا المعنى لا تشركوا بالله وأقيموا الصلاة وكونوا أناسا صالحين، هذه المعاني الدعوة إلى الصلاة و الدعوة إلى الخير والدعوة إلي نبذ الربا وإلى نبذ ما يؤذي الآخرين، هذه معان لكن صيغت في كتاب الله ــ عز وجل ــ. كلام الله ــ سبحانه وتعالى ــ جاءت بطريقة بحيث أن هؤلاء العرب وقفوا أمامها عاجزين، من ما يدل على ذلك أن العربي كان يتأثر بما يسمع. جملة من الوقائع تشير إلى هذا التأثر بالسماع، يعني هو لم يعرض عليه النظام الاقتصادي الإسلامي والنظام الروحي والنظام السياسي والنظام الاجتماعي، وكيف أن هذا الدين ينظم شئون الأسرة ما عرض هذا، وإنما كان يسمع آيات معينة ويكون قلبه منفتحا لها فيدخل في الإسلام. يقول لك: والله هذا الكلام نحن نعلم كلام الناس، هذا ما هو كلام الناس. لذلك في سورة فصلت تشير إلى واقع عند هؤلاء الكفرة يعني { وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم } يعني هو يعرف الحق وينصرف وينحرف عنه. في سورة فصلت تشير إلى قول هؤلاء الكفار ماذا يقولون لسائر الناس، يعني لما يقول الكفار لعلية القوم لرؤساء القوم { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغو فيه لعلكم تغلبون } يعني هو العاقل ما يسد أذنه عن الكلام. يقول لك: والله كما فعل ذلك العربي الذي كان رأسا في قومه، فلما جاء إلى مكة ابتدره رؤساء مكة قالوا له: عندنا رجل مجنون يهذي فلا نحب أن تسمع كلامه نخشى أن يؤثر فيك، هو فيه نوع من السحر. يقول: وضع القطن في أذنيه وهو يطوف حول الكعبة، ورأى الرسول ــ عليه الصلاة والسلام ــ ،والرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ صار يقرأ القرآن فبدأ هو يحدث نفسه يقول له: ويحك يا فلان أنت عاقل ومدرك وتفهم الكلام ما هذا! أتضع قطنا في أذنيك حتى لا تسمع الكلام! اسمع منه فأخرج القطن وصار يسمع إلى القرآن الكريم فقال: أنا مؤمن بما تقول وأسلم. قالوا: هذا الذي كنا نخشى منه في المدينة. لما ذهب مصعب بن عمير ــ رضي الله عنه وأرضاه ــ ذهب معلما لأهل المدينة الكفرة والمنافقين واليهود. ماذا صنعوا؟ حرضوا عليه سعد بن معاذ ــ رضي الله عنه ــ وكان سيد الأوس، قالوا: هذا جاء يسفه أحلامكم ويعيب آلهتكم ويعيب ما كان عليه أباؤكم. هذه كلها إهانات فيكف ترضى بوجوده؟ فأقبل سعد وهو مغضب ينوي أن يطرد مصعب بن عمير، فأحد الأنصار ممن كان قد أسلم قال: يا مصعب هذا إن أسلم.. أسلم من وراءه. فجاء سعد قال: أنت جئت معنى كلامه أنت جئت من مكة إلى المدينة لتعيب آلهتنا وتعيب عمل أبائنا وتعيبنا في دارنا، اغرب عنا يا رجل. فقال له بكل هدوء مصعب ــ رضي الله عنه ــ: أوليس خيرا من ذلك يا سعد. يعني أنا أعرفك ولما تنادي الإنسان باسمه يتأثر يا فلان، يعني ما سبق بيني وبينك معرفة، الآن تقول لي يا فلان. قال: أوليس خيرا من ذلك يا سعد. قال: ما ذاك، ما هو خير من أن تغادر؟ قال: تجلس فتسمع، فإن أعجبك فلك ذلك، فإن أعجبك وإن لا تركتكم. فالتفت إلي هؤلاء المحرضين الذين كانوا وراءه قال: أنصف الرجل. فعلا لماذا لا نسمع فاتكأ. البعض يقول على قوس، بعضهم يقول نوع من السلاح كان معه، وبدأ يسمع بدأ مصعب بكل إخلاص نية لله ــ سبحانه ــ يتلوا بعض الآيات يقرآ أن هذا الذي أنزل الله ــ عز وجل ــ إلى أن فرغ من ما عنده وهو يتمنى أن يسلم سعد، لأن هذا قال له إن أسلم.. أسلم من وراءه. سمع الآيات لاحظوا الصورة! من غضبان يريد أن يطرد إلى بعد السماع التفت إلى هؤلاء إلى قومه قال: أي رجل أنا فيكم؟ يعني ما رأيكم بي؟ أي رجل أنا فيكم؟ قالوا: سيدنا وبن سيدنا. قال: فإن كلامكم علي حرام وإن طعامكم علي حرام وإن التزوج من نسائكم علي حرام حتى تؤمنوا. لما يقول هذا الرجل يعني مجرد أن سمع الآيات تحول من محارب طارد إلى داعية بشكل جازم وحاسم، يحرم علي كل شيء بيني وبينكم بعد أن جعلهم يقرون.. قررهم بأنه هو سيدهم وبن سيدهم فبدأ الأوس يدخلون في دين الله ــ عز وجل ــ أفواجا. تحول إلى داعية للإسلام بهذا السماع.

نماذج أخرى يعني لاحظ هنا. والغو فيه. { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن وألغو } اللغو هو أن يقول إنسان كلاما لا نفع منه لا فائدة من وراءه, لكن اللغو أين يكون أولا.. لا تسمعوا لهذا القرآن، أنتم حاولوا أن لا تسمعوا الأمر الثاني، أنه اعملوا تشويشا والغو فيه، واللغو هذا يعني ما قال القرآن الكريم والغو بشأنه، وألغو فيه يعني اجعلوا القرآن كأنه ظرف وعاء وهم يدخلون فيه فيحدثون اللغو بحيث لا يسمحون لأي إنسان أن يسمع، والغو فيه لماذا نفعل هذا { لا تسمعوا لهذا القرآن وألغو فيه } قال لعلكم تغلبون. يعني على أمل الغلبة أن يكون هناك لغو تشويش، لما تسمعون محمدا ــ عليه الصلاة والسلام ــ يقرأ القرآن حاولوا أن تثيروا أي كلام، المهم أن يكون هناك ضوضاء أو أن يكون هناك كلام، اقرأ شعرا قل كلاما من القرآن، قل كلاما لا معنى له، المهم أن يكون هناك أصوات تمنع من سماع القرآن، فأنتم حينما تسمعونه والذين قريبون من محمد ــ عليه الصلاة والسلام ــالذين هم قريبون منه أيضا لا يسمعون. هذا سجله القرآن الكريم لواقع كانوا يقولونه، طبعا هنا ملاحظة قد تتكرر عندما ينقل لنا القرآن الكريم كلاما عن العرب، أو عن غير العرب فإنما ينقل المعنى والصياغة والعبارة قرآنيا، هذا كلام الله

ــ عز وجل ــ لكن هذا هو المعنى الذي قالوه كما ينقل لنا القرآن ــ عليه السلام ــ موسى مع فرعون. موسى ما كان يتكلم العربية، فرعون ما كان يتكلم العربية لكن هو ينقل معاني كلامهم بالعبارة القرآنية، فهو كلام الله ــ عز وجل ــ بمعاني أولئك. لكن يعني بهذا المعنى بهذا اللفظ الذي يحدث أثره في قلوب المتلقين، يعني بشرط أن يكون هذا المتلقي فاتحا قلبه أن يكون قد فتح قلبه، ولذلك القرآن الكريم يسأل بطريقة التعجب، يعني أعجب لهم { أفلا يتدبرون القرآن } أفلا يتدبرون القرآن! ألا ينظرون في هذه الآيات الواحدة دبر الآخرة! الواحدة بعد الاخرى أفلا يتفكرون تفكرا إثر تفكر! يتمعنون في التفكير { أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها } نوع من التعجب، هل قلوبهم مقفلة؟ لأن الإنسان إذا أٌقفل قلبه على شي ء عند ذلك كما يقولون يرفع شعارا عنوانه لا أقتنع ولو أقنعتني يضعون أصابعهم في أذانهم

{ واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا } يعني الرسول يقرأ عليهم كلام الله ــ عز وجل ــ. ماذا صنعوا؟ وضعوا ثيابهم فوق رؤوسهم ووضعوا أصابعهم في أذانهم. الآية قدمت حتى تظهر الصورة وضعوا الأصابع في الأذان، واستغشوا ثيابهم وأسروا واستكبروا استكبارا، فالسماع كان له الحقيقة الأثر في نفوسهم، فسجل القرآن الكريم ذلك سجل عليهم أنهم كان بعضهم يدعو بعضا أنه لا يستمع وهذا خلاف في غاية الإنسان البحث عنه، يعني يفترض أنك تفتش عن الحقيقة لا أن أقول والله أنا على هذا ولا أتجاوزه من غير نظر في أدلة ومن غير قبول لما يقال لك وما يذكر لك من أدلة. والمرء إذا أغلق قلبه سبحان الله! يقول أشد ضلالا من الأنعام، والله ــ عز وجل ــ يقول { أولئك كالأنعام بل هم أضل } لأنه أحيانا الدابة تعرف معها راعي الغنم، في كثير من الأحيان لما يأتي بأغنامه مجرد أن يوجها باتجاه البقعة التي هو فيها، تسير إلى أن تدخل في الحظيرة. سابقا كان لما الناس ينقلون الماء على الدواب هناك أناس متخصصون في السقي يسمى السقاء، هذا كان يذهب بحماره إلى الشريعة يعني يذهب بحمارين أو بثلاثة ويملأ الآنية أو القرب على الحمار الأول ويسوقه فيعرف  كيف يعود إلى بيت السقا، وهذا الحيوان هو الموصوف بالغباء ومع ذلك يعرف طريقه، فيكف هذا الإنسان يغلق قبله! إذا أغلق قلبه عند ذلك يكون أضل من هذه المخلوقات، لأن القرآن الكريم قال { أولئك كالأنعام } يشبهون الأنعام ثم قال بل يعني دع هذا هم أضل يعني أضل من الأنعام..الأنعام أيضا قد تعرف طريقها فتدرج في بيان أولئك الذين لم يفتحوا قلوبهم لهذا القرآن ويعرفوا بيانه. أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.