مقدم الحلقة: الدكتور حسام النعيمي |
تاريخ الحلقة: 17 /10/2008 ـ 18من شوال 1439 هـ |
سحر البيان
موضوع الحلقة : الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف خلق الله أجمعين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أيها المشاهدون الكرام، في الحلقة الماضية تكلمنا في بداية بسم الله الرحمن الرحيم في أول سورة الفاتحة، وخلاصة ما ذكرنا بهذا الشأن أن البسملة فيها قولان في كونها من أول السورة أو أنها هي آية أو بعض آية في سورة النمل، ووضعت في أوائل السور ومنها سورة الفاتحة، لكن قلنا الذي أخذت به اللجان التي أشرفت على طباعة المصحف الشريف هو الرأي الذي يقول: إن البسملة هي الآية الأولى من سورة الفاتحة، والأمر فيه سعة الحقيقة يعني ممكن أن تصلي خلف إمام فلا يجهر بالبسملة، يعني رأسا يبدأ بالحمد لله رب العالمين، ويمكن أن تصلي خلف إمام فيبدأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين فيه سعة، هذا ممكن وهذا ممكن، هذا جائز وهذا جائز، وإن كان جمهور الذين لا يجهرون بالفاتحة يسرون بها يعني يقرأها سرا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم يجهر بكلمة الحمد لله رب العالمين كأنه محاولة للجمع بين الروايات، لكن الذي ترجح لدى هذه اللجان العلمية التي اعتمدت في الإشراف على طباعة نسخ المصاحف هو أنها تكون الآية الأولى وهي مسألة يعني نستطيع أن نقول ليست من المسائل التي ينبغي أن يجادل فيها الناس. هي بسم الله الرحمن الرحيم موجودة سواء عددتها الآية الأولى، أو لم تعدها هي مثبتة ومثبتة في أوائل جميع السور، لكن في الفاتحة كأنما إشارة إلي كلمة السبع المثاني حتى تكون سبع آيات. عدت البسملة آية منها والذين لا يعدونها يقسمون إحدى الآيات على قسمين، فإذا ليس مشكلة من هذا، والأولى هو اتباع الآن ما عليه المصحف، لأن لما نفتح المصحف على سورة الفاتحة سنجد: بسم الله الرحمن الرحيم جنبها رقم واحد، فإذا: نقول بهذا، وكلمة بسم الله التي هي بداية الفاتحة بعد البسملة يعني بداية الفاتحة قبل الحمد لله رب العالمين، أن تقول بسم الله العلماء قالوا: الجار والمجرور لا يقومان وحدهما في الكلام، لابد أن يرتبطا بشيء غالبا مرتبطان بفعل وقد يرتبطان بأسماء تقوم مقام الأفعال، أو تعمل عمل الفعل وهي المشتقات من اسم فاعل، أو اسم مفعول. فكلمة بسم الله لابد هذه الباء مع كلمة اسم لابد أن تتعلق بشيء. لما ننظر في الآية بسم اله الرحمن الرحيم لا نجد يعني مكانا تتعلق فيه الباء، مع اسم ولذلك ماذا قال العلماء؟ قالوا: إذا لم يوجد ما يتعلق به الجار والمجرور عند ذلك ينبغي أن ينوي، حتى إنه في باب المبتدأ والخبر في ألفية بن مالك قال: وأخبروا بظرف أو بحرف جر، معني كائن أو أستقر يعني ليس هو ظرف أو الجار والمجرور هو الخبر، وإنما لما يعرب نقول متعلقات بخبر محذوف ثم يقدره على قول النحاة المتأخرين يمكن أن يكون اسما عاملا عمل الفعل، ويمكن أن يكون فعلا القدماء كان لهم رأيان بعضهم يقول يجب أن يكون فعلا، بعضهم قال يجب أن يكون اسما. جاء ابن مالك قال: كلا نظر من زاوية صحيحة، فإذا يصح التقديران أنهم كذا، فكيف قدر العلماء بسم الله ما أفعله، يعني بسم الله أفعل هذا بسم الله أقرأ، بسم الله أتلو، بسم الله آكل، لما يأكل إنسان بسم الله، أخرج من بيتي بسم الله، أدخل إلى بيتي وقدروا هذا الفعل بعد كلمة بسم الله لنوع من التأدب مع اسم الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن لا يتقدم عليه شيء في بداية التلاوة في كتاب الله ـ عز وجل ـ، لأن لو قالوا مثلا أبدأ بسم الله ستكون البداية كلمة أبدأ قبل الجار والمجرور، أو بعد الجار والمجرور لا مانع، لكن لنوع من رعاية لفظ القرآن أن نكون قد بدأنا بلفظ قرأني في النطق، وفي التقدير قالوا: نقول بسم الله أبدأ قراءتي، بسم الله أقرأ. وهكذا بسم الله أتلو، وفي كل شئون الحياة لما يقول الإنسان: بسم الله يقدر المحذوف بعد لفظة بسم الله، كلمة اسم هي يعني نقول ما أسمك؟ يعني هذه اللفظة سؤال عن الصوت الذي خصص بك، بحيث إذا ما نطق تستحضر في الذهن… يعني هذا الطفل الوليد لما يولد نضع له اسما، لماذا نضع له هذا الاسم، الاسم هو عبارة عن صوت يعني لما يولد الإنسان وتسميه خالد مثلا أو عليُّ أو حسن أو فاضل أو محمد، أي اسم من هذه الأسماء فلصق به، ذلك الصوت مجموع الأًصوات لصقت به، فلما يقول الإنسان يا أمي فلان يبكي لما يذكر الاسم خالد يبكي رأسا، تحضر في اسم السامع صورة ذلك الطفل الرضيع أنه يبكي، ويبقي هذا اللفظ ملازم له إلى أن يموت فلان. هو فلان نعم ممكن بعد ذلك يصير أبو فلان والعرب في الجاهلية، وحتى في صدر الإسلام كان المولود إذا ولد يسمى ويكنى، يعني يقول هو فلان وهو أبو فلان استبشارا بأنه سيكون رجلا وسيتزوج، وسيكون له ولد. ولهذا بعض الناس يغلب عليه الكنية، هذه أبو فلان بحيث ينسى الاسم الأصلي له. يعني كثير من الأسماء حتى في الجاهلية معروف أبو فلان، لكن ما اسمه الحقيقي؟ يعني عندنا مثلا أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ نقول: أبو بكر هو ما كان اسمه، هذه كنيته وله اسم أبو طالب هذه كنيته وله اسم، فإذا هذا الاسم هو الذي إذا ذكر يحضر رسم أو صورة الذي وضع له ذلك الصوت، الآن هذا فيما بيننا قال فلان، ولا سيما حينما يقول هو وحده فيما نعرف اسمه كذا، فلان يسلم عليك، لما نذكر الاسم يستحضر الصورة، فإذا هذا كلمة اسم وضعت لاستحضار الصور. لما يقول ما اسمك؟ يعني ما اللفظ الذي وضع حتى نستحضر صورتك، إذا ذكرناه ما اسمك كلمة الله هو اللفظ الذي وضعته العرب إشارة إلى خالق الكون البارئ المصور الذي له الأسماء الحسني، والذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ليس كمثله شيء أكثر من هذا، يعني العرب لما يقولون الله العربي يستحضر في ذهنه كل أمارات العظمة والرحمة والقوة، كل هذه الصفات على اختلافها، يعني هذه صفة قوة وهذه صفة رحمة، وهذه صفة لطف، وهذه صفة مغفرة. هذه الصفات التي هي في أسماء الله الحسنى الأسماء الأخرى إذا ذكرت تستحضر الصفات، كلا بصفته. لما تقول الغفار تستحضر معنى المغفرة، معناها الغفران لما تقول القادر تستحضر معنى القدرة قدرة الله ـ سبحانه وتعالى ـ لكن لما تقول الله تستحضر العظمة وما تشاؤه وما أنت بحاجة إليه من معاني أسماء الله الحسني، فهو أمر عام بعض العلماء يقول لك كلمة الله اسم أيضا، فكيف قال بسم الله؟ يعني هل هو باسم؟ الاسم هو ليس هكذا، وإنما كلمة إسم لفظ يشير إلى لفظ آخر، لما تقول له ما اسمك؟ أنت تريد منه أن يذكر لك لفظا، إذا ذكر استحضروا صورتك هكذا. يعني إذا جاء هذا اللفظ فنحن عندما نقول بسم الله يعني نحن نستحضر العظمة لخالق الكون ـ سبحانه وتعالى ـ، يعني نحن مع الله ـ عز وجل ـ لا نستحضر صورة معينة لأنه غير ممكن، لأنه كل ما خطر ببالك فالله ـ سبحانه وتعالى ـ بخلاف ذلك. لما يقول ربنا ـ سبحانه وتعالى ـ ليس كمثله شيء، ونلاحظ يعني كان ممكن في غير القرآن يقول ليس مثله شيء، أن ليس كإياه شيء، الكاف للتشبيه ومثل للتشبيه، لما تجتمع أداتا التشبيه معنى ذلك هذا نوع من أنواع التأكيد والمبالغة في المعنى والمبالغة نريد بها أن يبلغ الفعل أقصى درجات معناه. هكذا لما نقول هذه مبالغة لأن نضطر في الحين والآخر ننبه على ذلك لأنه صار سائدا بين الناس أن كلمة المبالغة كأنها رديف لمعنى الكذب، أو لمعنى عدم قول الصدق. يقول لك: والله فلان يبالغ يعني كأنما لا يذكر الحقيقة، وإنما يضيف عليها ليس هكذا في المصطلح اللغوي، عند علم اللغة أهل اللغة لما يقولون هذا. أهل الصرف بالذات لما يقولون هذه صيغة مبالغة يعنون هذه الصيغة تصل بالفعل إلى أعلى درجات معناه، كأنها تستوعب كل ذلك المعنى، فإذا لما نقول بسم الله يعني نحن نريد نبدأ أو بسم الله ـ سبحانه وتعالى ـ نبدأ أي تكون بدايتنا باسم الخالق البارئ المصور الذي له الأسماء الحسنى، الذي ليس كمثله شيء. يعني الكاف ومثل ولله المثل الأعلى يعني لما تقول فلان ليس كمثل فلان في الشعر، لو قلنا هكذا فلان ليس كمثل فلان في شعره، معنى ذلك أنه لو تصورت نأتي للمثال حتى لا نبقى في دائرة فيها حرج في الكلام الحقيقة، لأنه مع الله ـ سبحانه وتعالى ـ ينبغي أن يكون الإنسان في غاية الحذر وهو يتحدث عن الذات الإلهية ـ سبحانه وتعالى ـ لكن نضرب هذا المثل لما نقول فلان ليس مثل فلان، يعني هو لا يشبهه في إنشاء الشعر أو فلان ليس كفلان في إنشاد الشعر، يعني ننفي المشابهة لكن إذا قلنا فلان ليس كمثل فلان، كأنما نقول لو تخيلتم مثالا لذلك الشاعر لو تخيلتم مثالا طبعا المثال سيكون درجة ثانية، ليس هو الشخص لما تقول فلان كفلان، هذه مشابهه بالتوازي لما يماثل المتنبي يكون عند ذلك درجة ثانية عن المتنبي، هذا ليس كالمثال وليس كالأصل. يعني حتى لا يشبه المثال، لو تخيل فإذا تمثيل بدرجة ثانية هذا النوع من التمثيل في قوله تعالى ليس كمثله شيء، ليس بهذه الصورة، لكن يكون له معني ابتعاد المشابهة، كيف ضربنا المثل البحتري، والمتنبي يعني البحتري ليس كالمتنبي، هذا بعد للمشابهة البحتري ليس كمثل المتنبي، صار ابتعاد أكثر في المشابهة ولله المثل الأعلى. عند ذلك نقول: هذا نفي مطلق لمماثل، أو لأي شيء يمكن أن يخطر بالبال، ويكون فيه مماثلة لله ـ سبحانه وتعالى ـ، فليس كمثله يعني هذا التأكيد { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } فلا تستطيع أن تتمثل أو أن تتخيل، لكن تتمثل الصفات المغفرة الرحمة العدل، كل هذه الصفات التي هي ورد ذكرها في كتاب الله ـ عز وجل ـ أوفي ما صح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. فإذا أنت تبدأ بسم الله وكلمة الله من الألفاظ التي كان لها إجلالها في نفوس العرب من الجاهلية يجلون هذه الكلمة وما سموا بها أحدا، ما سموا إنسانا بكلمة الله، ما عندهم هذا لكن ممكن أن يسمون بغفور أو غفار أو ما أشبه ذلك، يصفون فلانا غفور، فلان غفار، لمن أساء إليه فلان. كذا يذكرون هذا حقيقة يعني عندهم، لكن أن يقولون فلان الله لا يقولونه، مع أنه ذكرنا في الحلقة الماضية أن هذه الكلمة الرأي الراجح فيها أنها مشتقة أيضا من إلهه يأله وفيها معني الحب البالغ إلى درجة العبادة في الأصل عندهم، ومنهم قالوا: هو ولهان بإبدال الهمزة واوا لما يتكلمون عن شخص مغرم، وكأنه فقد عقله من شدة غرامه. يقولون هو ولهان أو وله هكذا فاسم الله ـ سبحانه وتعالي ـ كأنه يعني شيء خاص بذات الله ـ سبحانه وتعالى ـ، فتقرأ في الفاتحة: بسم الله يعني بسم الله أبدأ قراءتي، كلمة الله إذا: أيضا قلنا فيها عموم هذه عموم أوصاف رب العزة ـ سبحانه وتعالى ـ الأسماء والصفات تدخل ضمنها وممكن أن تأتي وصفها لصفة الله، يعني أنت تقول الله الرحمن الله الرحيم الله الغفار تصفه بكل أسمائه الحسنى، لكن كلمة الله لا تصلح أن تكون وصفا لاسم أو صفة من تلك الأسماء الأخرى، ما قالوا غفار، الله يعني يصفون الغفار بأنه الله وصفه الله، لا العكس هو الواقع، فإذا هذا الاسم هو الاسم الذي يعم سائر الصفات. بسم الله الرحمن، كلمة الرحمن كأنها تأتي بدرجة أضيق من كلمة الله هي الرحمن الرحيم، وصفان لله ـ سبحانه وتعالى ـ وكلاهما مأخوذ من جذر الراء والحاء والميم من رحم، ومنه كلمة الرحم الذي يعني الإسلام أوصى بصلة الرحم، وقال إن الرحمة معلقة بالعرش تقول اللهم اوصل من وصلني واقطع من قطعني في الحديث، وفي الحديث أيضا أنه ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي يصل من قطع من رحمه. يعني الواصل الحقيقي الذي يصل الرحم هو أنه أقرباؤه يقصرون في الصلة به، وهو لا يقصر في الصلة بهم، هذا هو الواصل، وهذه هي صلة الرحم. فالراء والحاء والميم فيها معنى الانعطاف على الشيء، كيف أن الرحم ينعطف أو تنعطف الرحم على الجنين تضمه، فيها معنى العطف، وفيها معنى الضم. هذه هي الرحمة… لما نقول: فلان رحيم بالآخرين، يعني كأنه ينعطف عليهم يميل إليهم يرعاهم ويحتضنهم، هذه معنى، ولذلك يعني تكررت مرتين الرحمن والرحيم في صفات الله ـ سبحانه وتعالى ـ صفتان متقاربتان في الجذر، لكن مختلفتان في الصيغة. هذه صيغتها فعلان رحمن مثل كلمة عطشان وظمآن وغضبان وما أشبه ذلك، يقولون هذه فعلان فيها أيضا معنى المبالغة في معنى الفعل، يعني إدارك أقصى درجات ما يراد به من معنى الفعل، وكلمة رحمن يعني لهذا الشمول حتى قالوا كلمة رحمن تشمل الرحمة في الدنيا والآخرة، يعني أنه رحمن الدنيا والآخرة، وكلمة رحيم قالوا هذه خاصة بالمؤمنين، يعني رحمن الدنيا والآخرة، والله ـ سبحانه وتعالى ـ يرحم المؤمنين ويرحم الكافرين، يرحم الكافر ويعطيه ويغنيه، ولو كانت هذه الدنيا تعدل عند الله ـ سبحانه وتعالى ـ جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء، لكن لا تعدل لا تستحق هذه الدنيا، فمن رحمة الله ـ عز وجل ـ أنه يرحم حتى الكافر، يرحمه يعطيه الصحة ويعطيه النظر ويعطيه العقل ويحاسبه بعد ذلك على كل هذا، ويعطيه النعمة وهو كافر يعني يكفر بالرحمن يكفر بالله ـ سبحانه وتعالى ـ، فهذه الرحمة الرحيم صيغة فعيل. الرحيم هذه قالوا هي للمؤمنين تكون كلمة الرحيم يعني هي أضيق من كلمة رحمن، رحمن للدنيا والآخرة، رحمن للمؤمنين ولغير المؤمنين، أما كلمة رحيم فهي للمؤمنين على وجه الحصر ـ كما قالوا ـ، وهي أقل. رحيم فيها ما يسمى بالصفة المشبهة، الصفة المشبهة تكون لا صقة، كلمة رحمن ليست لازمة، ليست لاصقة، فالجمع بين اللفظتين يعني إعطاء صفة الرحمة لله ـ سبحانه وتعالى ـ على صفة الدوام والتجدد، رحمته تتجدد بتجدد مخلوقيه، لما يتجدد المخلوق الرحمة تتجدد لكل إنسان على ولادته على وجوده، لكل ما في الأرض، وهذا التراحم وضع في يعني ما قال عندنا في الحديث أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ جعل الرحمة مئة باب، كأنما وأرسل إلى اسمك تسعة وتسعين بابا من أبواب الرحمة اتصف بها ـ سبحانه وتعالى ـ، وأعطى جزءا من هذه الأجزاء المئة لمخلوقاته، فبهذا الجزء تتراحم المخلوقات بهذا الجزء، ترفع الدابة رجلها عن ولدها حتى لا تؤذيه، حتى لا يتأذى، هي ترحمه هي تستقر وتستكين بولدها عندما يأتي ليرضع، هذه نوع من الرحمة تدفع عن ولدها حتى ولو أدى ذلك إلى قتلها، يعني أحيانا الحيوان يدافع عن ولده هو يموت حماية لولده، وفي قصص كثيرة بهذا الشأن. فهذا جزء من مئة من الرحمة، قدر الله ـ سبحانه وتعالى ـ ذلك لعموم مخلوقاته، فاجتمعت كلمتا الرحمن والرحيم ليتبين الثبات في الرحمة والتجدد في هذه الرحمة. رحمن فيها معني التجدد مع ما قلنا من العموم والشمول، ورحيم فيها معنى الثبات. لا يمكن أن نصف إنسانا بلفظ رحمن، كلمة الله لا تصف لا يمكن أن نصف بها كلمة رحمن، أيضا هكذا لكن جاءت بإطار أضيق. العرب في جاهليتهم أيضا ما سمو رحمن وما وصفوا بكلمة رحمن، ما قالوا هذا إنسان رحمن إلا ما كان من أتباع مسيلمة الكذاب عندما سموه رحمن اليمامة، أضافوه حتى ما قالوا الرحمن وحده، لأن عندهم كلمة الرحمن لله ـ سبحانه وتعالى ـ، وبعضهم كأنما كان يتخيل هناك صورتان أو ذاتان الله والرحمن، فكانوا يقولون مرة تقول الله مرة، تقول الرحمن تلك اللفظتين مبجلة عندهم، فنزل قول الله ـ عز وجل ـ { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسني } هو الله هو الرحمن هو الغفور هو القادر هو هو، أنتم تذكرون صفات مختلفة لذات واحدة، يعني صفات متعددة لنقل لذات واحدة. فأيضا كلمة رحمن، ورحمن اليمامة في هذا والذي غلب عليه مسيلمة الكذاب، ونسي الناس ذلك اللقب الذي أعطاه إياه أتباعه ممن استسهلوا ما كان يدعوهم إليه، فإذا لفظة رحمن أو الرحمن لم يسم بها في الجاهلية ولا في الإسلام، أما كلمة رحيم فيمكن أن يوصف بها، وهذا من فضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ في الجاهلية وفي الإسلام إشارة إلى الرحمة للإنسان، ممكن أن يوصف بها والله ـ عز وجل ـ، وصف رسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بقوله { بالمؤمنين رءوف رحيم } فوصفه بكلمة رحيم، لذلك نستطيع أن نقول والله هذا إنسان رحيم بأولاده، رحيم بجيرانه، نستطيع أن نصف بها… أما كلمة رحمن فلا يجوز أن يسمى بها أحد، ولا يجوز أن يوصف بها أحد، لأنها لفظ خاص بالله ـ سبحانه وتعالى ـ فصار عندنا نوع من التدرج من الأوسع للأضيق، الأوسع هي كلمة الله التي تشمل جميع الصفات، وقلنا توصف ولا تصف، لما تقول الله تستحضر في ذهنك كل صفة ممكنة أنت بحاجة إليها، فيما أنت فيه لما تقول يا الله في أي حالة أنت قلتها يا الله تريد عونا، كأنك أنت قلت يا الله يا معين، تريد نصرا، يا الله يا ناصر الضعفاء، تريد أي شيء رزقا يا لله يا رزاق، هكذا لما تقول يا الله أنت تستحضر ما تشاء من الصفات بحسب ما بك حاجة إليه، أما سائر العصاة فخاصة ثم تأتي بالدرجة الثانية كلمة الرحمن التي هي ـ كما قلنا ـ خاصة بمعنى الرحمة، لكن تعم الدنيا والآخرة. المؤمنين وغير المؤمنين ثم تأتي كلمة الرحيم التي هي دالة على الثبات، وقالوا هي خاصة بالمؤمنين. أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته