أبواب الجنة : باب الحزن
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد. “لن يُدخِل الجنة أحدكم عمله إلا أن يتغمده الله برحمته” لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى خلق فيك أبواب الجنة خلقاً فأنت مؤهل للجنة لأن الله سبحانه وتعالى خلق فيك أبوابها وما عليك إلا أن تنوي بها أنك تعبده، من ذلك الحزن. الحزن قانون من قوانينك، خلقك الله على هذا القانون تفرح وتحزن وتبكي. بنيتك إذا كانت نيتك لله كل دمعة تذرفها عينك فى سبيل الله من مخافة الله فهي عبادة لا تمسّ عينك النار “عينان لا تمسهما النار إحداهما عين بكت من خشية الله” وكلنا نبكي ماعليك إلا أن تنوى أنك هنا تبكس من خشية الله لأمر يُصدِّق ذلك ويَصْدُق عليه، هكذا الحزن. “الحزين فى ظل الله يوم القيامة”، “الحزين عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين”، “إن العبد لتسبق له المنزلة عند الله فلا يبلغها بعمل فيسلط الله عليه الحزن ليبلغها بذلك”.
من الحزن الذي يضمن لك الجنة إذا مات لك ولد كما قال الله تعالى عن سيدنا يعقوب (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوكَظِيمٌ (84) يوسف) كان الله فى عون كل أب يموت ولده، الولد فلذة كبد المرء وموته وخاصة أنواع معينة من الموت كأن يموت صغيراً أو شاباً أو في مقتبل العمر أو في حادث يورث أبويه حزناً هائلاً وقس على هذا كثير من الأحزان التى تسبب لصاحبها كمداً. حينئذ إذا قال الحمد لله فقد نجا، إذا قال إنا لله وإنا إليه راجعون فقد نجا (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {157} البقرة) تأمل، تحزن على أعظم ما يحزنك وهو موت ولدك فتقول الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون، بالحمد لله ينشأ لك بيت فى الجنة يسمى بيت الحمد وإذا أحدثت إسترجاعاً فعليك صلوات من الله ورحمة وأنت مهتدي ولكما تذكرت هذه الحادثة طيلة حياتك وأحدثت لها استرجاعاً فإن الله عز وجل يعطيك من الأجر على ذلك كما أعطاك الأجر من أول يوم. فتأمل كيف تدخل الجنة برحمة الله ومن أوسع أبوابها بهذه العبادة التى لا تملك لها رداً. ما من أحد إلا ويحزن على ولده كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ولنقول إلا ما يرضى ربنا).
إذن هذه السيلقة الفطرية فى الإنسان وهذه المشاعر الجميلة التى تدل على إنسانية صاحبها والنبي صلى الله عليه وسلم تعوّذ من عين لا تدمع، فدمعة العين تدل على رقة وعلى جلال وعلى إنسانية عالية وأكثر أهل الجنة رقاق القلوب. حينئذ هذا الحزن الذى لا تحصى أسبابه عبادة جليلة إذا نويت بها العبادة أي إحتسبتها وقلت إنا لله وإنا إليه راجعون، ما عليك إلا أن تحدث إسترجاعاً لكل مصيبة تحزنك، كلما حزنت من مصيبة أو أمر تكرهه قل إنا لله وإنا إليه راجعون (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) غافر) وحينئذ فسوف ترى يوم القيامة هذه الثواني التى قلت فيها إنا لله وإنا إليه راجعون وقلت الحمد لله تساوي عبادات عشرات السنين. فعلاً كما قال سيدنا عمر “لو لم يدخل الجنة إلا واحد لرجوت أن أكون أنا”، لما أودع الله سبحانه وتعالى فى هذه الطبائع الإنسانية والقوانين الإنسانية من الأجر ما ينقصها إلا النية وإنما الأعمال بالنيات هذا هو رب العالمين وهكذا هو عطاؤه وكرمه. ولذلك ليس منا من لا يحزن من أجل ذلك (زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ (185) آل عمران) هذه وأمثالها تزحزحك عن النار وتفتح لك أبواب الجنة. من أجل هذا قال عليه الصلاة والسلام (لا يدخل النار إلا شقى) كيف تدخل النار وكل هذه العطاءات والنفحات والإكرام والفتوحات والفرص النادرة ومع هذا تدخل النار؟!!
حينئذ نسأله تعالى أن يهوّن علينا كل حزن وأن يدع أحزاننا فى سبيله وأن يأجرنا عليها خيراً وأن يوحد هذه الأمة وأن يدفع عنها ما يعتريها من شر وأن يحفظ بلداننا وأوطاننا وشعوبنا وأن يوحد حكامنا على الخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.