التفسير المباشر – الحلقة 55:
بسم الله الرحمن الرحيم
الجمعة 14/4/1430هـ
تفسير سورة الحجرات.
الآيات محور الحلقة : 4 – 8
د. عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ومرحباً بكم في لقاء متجدد في برنامجكم الأسبوعي التفسير المباشر الذي يأتيكم على الهواء مباشرة من استديوهات قناة دليل الفضائية من مدينة الرياض. لا يزال حديثنا متصلاً حول سورة الحجرات وتفسيرها. وقد وقف بنا الحديث في الحلقة الماضية عند الآية الرابعة واليوم بإذن الله تعالى سوف نستكمل تفسير هذه الآيات مع ضيوفنا في هذا اللقاء وبداية باسمكم أيها الأخوة المشاهدون الكرام أرحب بضيوفي هنا في الاستوديو فضيلة الشيخ الدكتور. مساعد بن سليمان الطيار، الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود كما يسرني أن أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور. محمد بن عبدالعزيز الخضيري، الأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود. فحياكم الله جميعاً.
الضيوف: وحياكم الله وحيا الإخوة المشاهدين.
د. عبد الرحمن: للمشاهدين الراغبين في التواصل معنا في هذا اللقاء يمكنكم التواصل عن طريق الهاتف على الأرقام:.
من داخل السعودية الرقم الموحد: 920009599
ومن خارج السعودية: 00966920009599
أو بالرسائل القصيرة على الرقم: 0532277111
ويمكن التواصل أيضاً عبر منتدى البرنامج [email protected]
وقبل أن ندخل مع المشايخ هنا في الاستوديو في تفسير هذه الآيات نستمع لتلاوة لهذه الآيات ثم نعود إليكم
(إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8))
د. عبد الرحمن: حياكم الله أيها الأخوة المشاهدون مرة أخرى بعد أن استمعنا إلى هذه الآيات المباركة من سورة الحجرات ننتقل الآن مع الدكتو رمساعد للحديث عن الآية الرابعة د. مساعد نحن توقفنا في اللقاء الماضي عند الآية الرابعة (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)) فنريد أن نتحدث عن سبب نزول هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)) من هم هؤلاء.
د. مساعد: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين. ذكر المفسرون في قوله (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)) أقوالاً فبعضهم يذكر شخصاً فرداً وبعضهم يذكر مجموعة وظاهر القرآن أنهم كانوا مجموعة والبعض يذكر قائد المجموعة الأقرع بن حابس ويبدو أن ذكر بعضهم له أنه كان هو رئيس القوم كما يقال قوم فرعون ينسبون إليه. وهم وفد من بني تميم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكما هو معلوم حالهم في الجاهلية لم يكن هناك مراعاة لبعض الآداب التي أدّب الله سبحانه وتعالى بها الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاؤا إلى النبي ويبدو من ظاهر الآيات أنه كان في حال خلوة لأنه كان في حجراته وغالباً لما يكون في حجراته يكون في حال خلوة واستراحة مع أهله فكانوا يرفعون أصاوتهم ينادونه يا محمد اخرج إلينا، وفي رواية أن الأقرع قال “يا محمد إن مدحي زين وذمّي شين” فكان عندهم أيضاً بعض الألفاظ والعبارات التي كانت من الطبائع التي اعتادوها في الجاهلية وما كانوا يعدون هذا شيئاً من منكر القول ولكنه في الإسلام لا شك أن هذا يُعدّ من منكر القول
د. عبد الرحمن: خاصة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
د. مساعد: نعم من حيث العموم بالذات مع النبي صلى الله عليه وسلم كما سيجري تفصيل بعض الأمور المتعلقة بهذا. طبعاً تتمة القصة أنهم طلبوا المبارزة الكلامية سواء بالشعر أو بالخطابة وغلب شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسّان وغلب أيضاً خطيب النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم القوم بعد ذلك ثم أسلم كثير منهم هذا باختصار ما ذكره المفسرون في قصة هؤلاء القوم مآثر هؤلاء القوم أنهم يكونون أشد، يعني أبناء هؤلاء يكونون أشد قوماً على الدجال فهذه تعتبر منقبة لكيلا يُفهم أنه قد حصل من آبائهم هذا الذنب أنه لم تتطهر أخلاقهم أو بقي منهم شيء من ذلك بل الظاهر أنه حسن منهم الإسلام وبشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه البشارة.
د. عبد الرحمن: رضي الله عنهم. في قوله أكثرهم لا يعقلون، ما رأيكم يا دكتور محمد في قوله (أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) لماذا جاء بهذا التعبير هل نلمس فيه عدل من الله سبحانه وتعالى أنه لم يجعل كل هؤلاء الوفد من غير العقلاء؟
د. محمد: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. تتميماً لكلام الدكتور مساعد في حقيقة ما جرى وهي أن العرب كانوا قوماً فيهم جفاء وقد جاء القرآن لتهذيب طباعهم وأخلاقهم وكان مما يكثر عندهم أن الرجل إذا جاء في أي وقت يرى من حقه أن يُستقبل وأن ينادي صاحب البيت ولو كان في بيته في شغله مع نفسه أو مع أهله فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي جعل وقته كله للمسلمين فهو لا يكاد يدخل إلى حجراته إلا ليستريح أو يؤدي واجباً في بيته لا يستطيع أن يؤديه في الخارج فقالوا مثلما ذكر الدكتور مساعد ” يا محمد اخرج إلينا” هذا الخطاب لا شك أنه لا يليق بمقام رسول الله ولا من هو دون الرسول صلى الله عليه وسلم ممن تولى زمام الأمور وأصبحت بيده مقاليد الدولة أو غير ذلك، كان يجب عليهم أن يحترموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يصبروا حتى يخرج إليهم صلى الله عليه وسلم. وهذا بالمناسبة ليس خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أدب عام هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أيضاً كان على شاكلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن حمل علماً، أدى رسالته وبلّغها فينبغي على من جاء إليه ليحمل رسالته أو ليتعلم منه أو ليستفيد من جاهه ومنزلته بين الناس أن يكون كذلك فلا يتعجل بالمجيء إليه في أوقات الراحة والاستراحة أو أن يطرق عليه الباب فيؤذيه في ليلة ليلاء أو في القيلولة أو في عز الظهيرة يقول اخرج إليّ، هذا لا يليق. هذا الجفاء الذي كان في قبلائل العرب جاء الإسلام وجاء القرآن ليهذب هذه الطبائع ويجعلها طبائع راقية شفافة رائعة ذات أدب جم ورفيع وبالفعل هذا ما حصل سبحان الله من هؤلاء وغيرهم ممن تربى على مائدة القرآن. (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)) لا شك جاءت لتعلمنا كيف نعدل مع من يخطئون. فالذي يخطئ تجده يخطئ في مجال ولكنه في مجال آخر لا يخطئ فيه. وهؤلاء الذين أخطأوا قد يكون فيهم واحد أو اثنان ممن أخطأوا لكن البقية لم يخطئوا فيجب أن نكون من أهل العدل فيما نقول ولذلك مع أهل الكتاب ورد في القرآن (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) آل عمران) وورد في سورة آل عمران (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ (75) ) وهذا من العدل الذي يجب أن يتسم به الإنسان ويقوم به في كل أحواله.
د. عبد الرحمن: جميل. (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)) دكتور مساعد أليس فيها إشارة إلى أن الله قد غفر لهم؟
د. مساعد: لا شك هذا فيه إشارة. وإن تكرمت قبل أن ننتقل من الآية الأولى أود أن أقف عند لفظ الحجرات وهو سبب تسمية السورة أيضاً وأنا لا زلت الحقيقة أبحث عن سر اختيار هذا الإسم كونها سميت سورة الحجرات، لماذا سميت السورة بالحجرات لأنه ذُكر فيها الحجرات لكن سر اختيار هذا الإسم الحجرات. الحقيقة الموضوع مرتبط أصلاً ومقدمة السورة واضح جداً أنها مرتبطة بجناب النبي صلى الله عليه وسلم وحسن الأدب معه وهذا خُلُق تأدب به الصحابة رضي الله عنهم وقد أدبهم القرآن في غيرما موضع في كيفية التعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم. كما أن الله سبحانه وتعالى قابل ذلك بأنه أدّب نبيه صلى الله عليه وسلم بحسن معاملة أصحابه فقال له (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ (159) آل عمران) (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) الضحى) فهذه التربية التي نراها وقد أدّب الله سبحان وتعالى بها النبي صلى الله عليه وسلم من جهة وأدّب المسلمين بها من جهة أخرى نطبقها واقعاً ملموساً فإذا طبقناها واقعاً ملموساً يكون عندنا هذا الرقي وهذه الشفافية التي كان يتكلم عنها الدكتور محمد ولنقل بصراحة أننا نفتقد كثيراً كثيراً من هذا الأدب القرآني الذي نراه بين أيدينا. نرجع إلى الحجرات لما تتأمل النبي صلى الله عليه وسلم كان في هذه الحجرات وأنا أحب أن أنبه السامع إلى أن أسأله سؤالاً، كم تتوقع مساحة حجرات النبي صلى الله عليه وسلم؟ كم تتوقع مساحة بيت عائشة؟ كان يسمى بيتاً وهو في الحقيقة لا يساوي بيت درج من بيوت بعض الناس اليوم. زاوية الدرج التي تأتي إلى بيتك أنت تصعد الدرج وتحته زاوية بيت عائشة أصغر من هذه. أعلى ما قُدّر ثلاث أمتار ونصف في خمسة أمتار، هذا أعلى تقدير في غرفة عائشة! فتصور هذا يسمى بيت عائشة.
د. عبد الرحمن: ودليل على أنه ضيق يا أبو عبد الملك أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلّى فأراد أن يسجد يغمز رجلها فتكفّها فيسجد ولو كانت واسعة لما احتاج إلى هذا.
د. مساعد: ومكان عائشة بلذات هو المعروف بالدقة لوجود القبر النبوي وقبر صاحبيه معه. أنا أنبّه إلى هذا وأقول لعله ينكشف لنا سراً من جهة أن السورة تسمى الحجرات وتعود بنا إلى ذلك الماضي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كيف كان يعيش الكفاف بكل معانيه وبيوتاته يعني حُجر أزواجه متجاورة بعضها مع بعض ولم تكن إلا من لَبِن ومن الطين ومن جريد النخل، جريد النخل شيء لا يكاد يُذكر. وسعيد بن المسيب لما عمر بن عبد العزيز أمر الوليد بن عبد الملك أن تضم الحجرات للمسجد قال ليتهم تركوها ليرى الناس كيف كان النبي، فانظر لو كانت هذه الحجرات موجودة لكن موقعها لا يزال موجوداً ولا يكاد يكون غرفة واحد منا اليوم، كل حجرات النبي.
د. عبد الرحمن: الحقيقة أنها عبرة كبيرة للمسلم أن يرى كيف كان يعيش قائد هذه الأمة عليه الصلاة والسلام مع قدرة النبي عليه الصلاة والسلام على التوسع خاصة لو طلب من أي واحد من الصحابة أن يتسح له فرصة أو أن يعطيه من أرضه أو يعطيه من بستانه القريب من المسجد النبوي لأعطاه وما تردد.
د. مساعد: لأعطاه وهو فرح
د. عبد الرحمن: لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان متعمداً أن يكون في هذه الحدود
د. مساعد: ولهذا لما جاءه جبريل في آخر حياته وخيّره بين الملك والنبوة اختار أن يكون عبداً رسولاً ويموت.
د. محمد: ألا ترون أن هناك ملحظ في هذا وهو أن هذا الرسول الكريم الذي يرتضي لنفسه هذه الحجرات وهذه البيوتات الصغيرة ويؤثر هذه الأمة بالمال والرزق ويعطيها مما أفاء الله عليه أنه حقيق بأن يُكرّم ويُشرّف وأن يُعظّم وأن لا يعتدى عليه في الأوقات التي يرتاح فيها أن الحجرة كما يقال بجوار الشارع يعني من حين ما تتكلم سيسمع النبي صلى الله عليه وسلم كلامك. ولو كان يريد الأثرة ويريد المُلك والأُبّهة لجعل لنفسه حُجّاباً، لجعل لنفسه قصراً وأسوار وأشياء كثيرة لكنه لما تواضع لكم أيها المؤمنون احذروا أن تستغلوا هذا التواضع فتعتدوا على مقامه. وهذه نقوله الحقيقة يا أبا عبد الملك وأنا خلال هذه الآيات كنت أتأمل بأن علماءنا بما أنهم يعيشون مع الناس ويخالطون الناس ويأكلون مع الناس ويصلون مع الناس في المساجد لا ينبغي لنا أن نستغل بساطتهم واختلاطهم بالناس فنجترئ عليهم ونؤذيهم ولا نقدر الحرج الكبير الذي يعيشونه عندما يهجم الناس عليهم في أوقات لا يليق الهجوم فيها أو المجيء فيها أو يحاول الإنسان أن يأخذ وقتاً أكثر مما ينبغي فتجد الإنسان يتصل بالتلفون الساعة 12 ليلاً أو في عز الظهيرة وهو يعلم أن هذا الشيخ نائم أو مشغول ليس هذا وقت الاتصال يا أخي، وإذا اتصلت ينبغي لك أن تقتصر أقل وقت ممكن لكي تفرغ الوقت للبقية من الناس أيضاً.
د. عبد الرحمن: جميل، جزاك الله خيراً. أستأذنكم أيها الأخوة المشاهدين في فاصل ثم نعود إليكم فابقوا معنا حفظكم الله.
——————–فاصل——————-
د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون مرة أخرى في ولا يزال حديثنا متصلاً عن سورة الحجرات مع ضيوفي الكرام في الاستديو الدكتور مساعد الطيار والدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري. ينتقل بنا الحديث الآن يا دكتور محمد إلى قوله تعالى في سورة الحجرات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)) لو تحدثنا عن هذه الاية وتفسيرها
د. محمد: الحقيقة نحن أحوج ما نكون في هذا الزمن إلى أن نتفقه في هذه الآية وأن نشيعها للناس ويا ليت أن الناس يكبونها في ورقات ويضعونها في مجالسهم لكثرة ما يقع من الخطأ بسبب مخالفة هذه الآية. وهي أننا نتساهل في قبول الأخبار من كل من هبّ ودبّ. هذه الآية تقول لنا أن النبأ وهو الخبر الهام ينبغي لنا أن نقبله من الثقات دون غيرهم وأما غير الثقات فيجب علينا إذا جاء الخبر منهم أن نتبين وأن نتثبت وأن لا نسارع إلى تصديق ذلك الخبر والعمل بموجب ذلك الخبر من حب أو بغض أو حكم على إنسان بأنه قد أخطأ أو إتهام له إلا بعد أن نتثبت من صحة كلامه. هذه الآيات لها سبب نزول يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسلم بنو المصطلق أرسل إليهم من أجل أن يأتوا بصدقاتهم فبعث إليهم الوليد بن عقبة بن أبي معيطة وكان بينهم وبينهم شيء في الجاهلية، عداوة، فلما ذهب إليهم رأهم قد اجتمعوا فظن بهم سوءاً فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وقال له يا رسول الله إن هؤلاء القوم قد ردوني ومنعوني من أداء الزكاة أو قد هموا بقتلي فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وأرسل إليهم بعثة ويقال في بعض الروايات أنه أرسل إليهم خفية خالد بن الوليد فقال انظر إلى حالهم فإذا رأيتهم مسلمين سمعت الأذان والصلاة فكُفّ عنهم وإن رأيتهم غير ذلك فقاتلهم لأنهم همّوا بقتل رسولي ومنعوا أداء الزكاة الواجبة عليهم. فذهب خالد رضي الله تعالى عنه إليهم فوجد القوم يصلّون المغرب والعشاء فأخذ منهم الزكاة ثم عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية. وفي رواية أخرى أيضاً أن ملكهم الحارث الذي هو أبو جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى النبي صلى اللله عليه وسلم لما تأخر المصدِّق الذي هو جابي الزكاة فقال يا رسول الله إننا جلسنا ننتظره فتأخر علينا وإني سمعت أنه جاء إلينا ثم عاد إليك فلا أدري ما الذي منعه منا؟ قال صلى الله عليه وسلم: ألستم أردتم أن تقتلوا رسولي ومنعتم الزكاة؟ قال والله يا رسول ما مرّ بنا أحدٌ من قِبَلك وأنه لما تأخر علينا رسولك أتيت بنفسي إليك فأنزل الله هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) وصدّرها بقوله يا أيها الذين آمنوا حتى تكون أدباً لكل مؤمن يعني لن يكتمل إيمانك أيها المؤمن حتى تكون من هذه الصفة وهي أن تتبين في الأخبار التي تصلك إليك خصوصاً من الفسّاق. ولا يعني يا دكتور عبد الرحمن أن الإنسان لا يتبين إلا في خبر الفسّاق بل إن الإنسان عليه بالجملة أن يتبين وأن يكون عهده وطريقته التثبت لكن إذا جاء خبر الثقة المعروف بالصدق الذي يتحرى الواقع تماماً فإن الإنسان لا يلزمه أن يتثبت شرعاً ولكن لو كان في خبره نكارة وجب عليه التبين.
د. عبد الرحمن: أستأذنك يا دكتور بأخذ اتصال.
إتصال من الأخ نايف من العراق: السلام عليكم ورحمة الله. دكتور مساعد لي وقفة معه حدثت لطيفة مع الشيخ عندما كتبت رسالتي للماجستير، كتبت في رسالتي للماجستير في آيات الصفات بين المؤيدين والمنكرين فأخرجت بعض المواطن من كتاب التفسير للشيخ مساعد الطيار التفسير اللغوي في القرآن الكريم فحدثت لطيفة عندما طلبت الكتاب من الانترنت كلفني أكثر من خمسين دولاراً وبعد شهور قليلة نزل عندنا في العراق فاشتريته باثني عشر دولاراً ولله الحمد. أطلب من الدكتور مساعد الطيار والدكتور محمد الخضيري أن يبينوا موقف أهل السنة في تفسير قوله تعالى (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ (11) الحجرات) الذين ينسبون الدعوة السلفية للوهابية هذه طبعاً نسبة غير صحيحة فالدعوة عندما تُنسَ تُنسَب للشيخ محمد ولا تنسب للوالد عبد الوهاب أبو الشيخ، فهل يمكن للماشيخ أن يبينوا هذا الموقف.
إتصال من الأخ محمد من ليبيا: بالله يا شيخ لي رجاء عندكم أن تخصصني بالدعاء بالإسم. عندي مشكلة أنا حججت هذه السنة ولكن عندي بعض الذنوب تأتي على خاطري في الصلاة أتذكرها من الماضي فأطلب من الله تعالى أن يغفر لي وأطلب منكم أن تدعوا لي. هل عليّ ذنب في أني أتذكر الماضي ويخطر على بالي فجأة وأحياناً وأنا في الصلاة؟.
د. عبد الرحمن: بارك الله فيك وفي أولادك أخي محمد.
د. عبد الرحمن: نعود للحديث دكتور محمد عن هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الآية وردت فيها قراءة أخرى دكتور محمد.
د. محمد: هذه الآية ورد فيها فراءة أخرى (فتبينوا) في قراءة حمزة وردت (فتثبتوا) والقراءتان بمعنى واحد والتبني والتثبت كلاهما من باب واحد وإن كان بعض العلماء يفرق بينهما إلا أن إحداهما تستلزم الأخرى. فالحاصل هو شيء واحد لأن هذه القراءات يؤكد بعضها بعضاً. المقصود ذكر إبن القيم رحمه الله في هذه الآية فائدة نفيسة جداً وهو قوله إن الله عز وجل لم يبيّن لنا أو يأمرنا بردّ خبر الفاسق يعني ألا نقبل خير الفاسق مطلقاً وإنما أمرنا أن نتبين من خبر الفاسق بمعنى نبحث عن القرآئن والأدلة والشواهد التي تدعم هذا الخبر هل هو صحيح أو ليس بصحيح. واليوم هذه الآية يا دكتور عبد الرحمن ويا دكتور مساعد نحن بحاجة إليها شديدة لأن الآن وكالات الأنباء الإعلامية غالبيتها ليست في يد الفساق من المسلمين وإنما بيد الكفّار فإذا كان التبين في حق الفاسد واجباً فهو في حق الكافر أوجب وأشد ولذلك نحن نقول يجب علينا أن نتبين من هذه الأخبار التي نسمعها في كل ساعة في كل دقيقة من وكالات الأخبار العالمية وأن لا ننساق وراءها وننخدع بها الآن كثير من المسلمين يستمعون إلى أخبار البي بي سي أو السي أن أن وغيرها من الوكالات ويأخذونها على أنها مسلّمات وعلى أن هؤلاء القوم محايدون وأنهم لا يريدون إلا الحقيقة والواقع خلاف ذلك. وأقرب شاهد على ذلك أحداث غزة الماضية قد حدث من أمثالها كثير إخواننا في فلسطين وكانت الأمور معمّاة علينا لأنه لا توجد وكالات أنباء إسلامية لتنقل لنا الأخبار الحقيقية. ما الذي حصل في هذه الواقعة؟ الذي حصل أن وكالات الأنباء الإسلامية وجدت في الموقعة القنوات الإسلامية أخذت تصور الأحداث للمسلمين وتنقلها لحظة بلحظة فتغيرت وجهة نظر المسلمين وتغيرت وجهة نظر العالم كله. وأصبح هناك مؤيدون للقضية الفلسطينية ويعلمون ما تفعله إسرائيل مع إخواننا في فلسطين. وفي تمام الاية يقول (فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ) أي لئلا تصيبوا قوماً بجهالة بقتل أو ظلم أو اعتداء عليهم في عرض أو مال أو غير ذلك (فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) يصيبكم الندم على ما فعلتم لأنكم استعجلتم فصدقتم ذلك الفاسق في خبره ولم تتثبتوا في الخبر.
د. عبد الرحمن: وهذه حقيقة مشكلة شائعة من كثير من مجتمعات المسلمين اليوم.
إتصال من الأخت غدير من العراق: السلام عليكم، تطلب الأخت غدير أن تبقي الدكتور مساعد والدكتور محمد ضيوفاً دائمين في البرنامج ونقلت سلام أهل العراق للمشايخ.
إتصال من الأخ محمود من السعودية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أحب أن أنبه إلى قول الله عز وجل (أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الخطاب موجه إلى المؤمنين والله عز وجل بيّن أن هذه صفة من صفاتهم أنهم إذا أصابوا قوماً بجهالة ثم عقب بالفاء الدالة على التعقيب مباشرة أنهم يصبحون على ما فعلوا نادمين فبودي أن يتكلم الضيفان الكريمان عن أثر هذا في نفس المؤمن الذي يظلم الناس أو يسيء ويتبين أنه مخطئ ولا يجد في نفسه حرج أبداً من إصابته الناس بجهالة
د. عبد الرحمن: أحسنت جزاك الله خيراً، هذه لفتة جميلة، ما تعليقك يا دكتور مساعد على هذه اللفتة البلاغية؟
د. مساعد: والله هذه الحقيقة لفتة طيبة جداً لكن لعلي أشير لها مع أيضاً جملة مما يتعلق بالاية. الآية كما ذكر أخي محمد أنها لو جعلت نبراساً لأنه نشاهد للأسف اليوم بين بعض المسلمين وبين بعض الجماعات نلاحظ أنه يحدث شيء كثير جداً مخالف لهذه الآية. وأحياناً تبنى أحكام على ظنون وأوهام وعلى السماع أن فلان قال أو فلان قال ولهذا يجب أن ننتبه إلى أننا قد ربينا على هذا الكتاب. هذه القضية لا بد أن تكون محسومة عندنا فنحن لا نتعامل أو لا نحتكم إلى قول فلان أو قول فلان وإنما نحتكم إلى كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم. ولهذا كما ذكر أخي محمود أنه إن وقع أني بالفعل أصبت قوماً بجهالة قال الله سبحانه وتعالى (فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) ، إذن كأن الأمر أنه إن وقع مثل هذا فسيقع عندك الندم لا محالة.
د. محمد: وإن لم تندم؟
د. مساعد: لكن أين الشجاعة؟ في أنك ترجع عما فعلت. وهذا هو المهم لأن هذا الخبر (هو إخبار أنكم ستكونون نادمين) هذا الخبر أيضاً يراد لازمه، ما هو لازمه؟ أن ترجع عن هذه الجهالة بأن تصلح وتبين وترد الحق لأهله على حسب الخطأ الذي وقع منك في هذا. ما دمت أنت قد وقعت في خطأ وأنت واثق أنك قد أصبت قوماً بجهالة لكن من الملاحظ مع الأسف من خلال ما تلاحظ في الساحة مع الأسف أن بعض الناس سبحان الله عنده بغي في نفسه وعنده سوء في نفسه فتجده سبحان الله يبرر لنفسه مثل هذه الأعمال بإسم الدين ويجعل هذه أنها من الدين وهذا لا شك طامة كبرى.
د. عبد الرحمن: كيف؟
د. مساعد: لما يتكلم في أعراض بعض الناس
د. محمد: لا بل بأعراض بعض العلماء والمشايخ بحجة الدفاع عن العقيدة وكلها تُهم لا مبرر لها ولا يوجد لها في الواقع أي شيء مما يُصدقه، لما يقال هذا عدو للعقيدة الصحيحة أو يريد هدمها، من أين لك هذا؟! أثبت ذلك من أي طريق حتى يقال أن هذا حق ويحتاج هذا الشخص إلى مناصحة خصوصاً أنه رأس في المسلمين وأنه داعية وله من يتبعه ويتأثر بكلامه فأين هو التثبت؟ أين هو التبين؟ تجد أن واحداً يقول هكذا يقول الناس، سمعنا الناس يقولون، يا أخي دونك كتبه ودونك أشرطته وودونك ما يُخرجه وما يتكلم به ودونك خطب الجمعة وغيرها، ما تسمع شيئاً؟! إذن هنا يأتي دور البحث عن النيّات لا تدري ماذا يقصد من كلامه، إذن هذا ليس من خُلق أهل الإيمان. لذلك ملاحظة الشيخ محمود جزاه الله خيراً في قوله (فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) أنه إن لم يحصل عندك الندم فلست من أهل هذه الآية، لست من أهل الإيمان الصادق الذي إذا تبين له أنه أصاب قوماً بجهالة يندم ويحدث ما ذكر الدكتور مساعد وهو أنه يتراجع فيُصلِح ويبين (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) البقرة) بيّن أنه كان مخطئاً في حق أخيه واتهمه به وأساء إليه واعتدى عليه.
د. مساعد: أذكر شيخ عبد الرحمن من الملاحظات فيما يقع عندنا، طالب علم صغير في بداية الطلب ذُكِر إسم واحد من الأعلام ليس مغموراً لا يُعرف فقال باستهتار “هذا عليه ملاحظات في العقيدة” قال له الذي ضيّفهم ما هي الملاحظات؟ قال عنده مسألة في الولاء والبراء أخطأ فيها. قال افترض أنه أخطأ في مسألة في الولاء والبراء هل هو خالف الأصل في الولاء والبراء؟ العلماء اختلفوا في مسائل في الولاء والبراء كُثُر ولا أحد أخرجهم أو قال عندهم أخطاء في العقيدة، فقال له اتق الله، قال أنا سمعت الشيخ فلان وذكر الشيخ فلان يقول أن عنده أخطاء في العقيدة وحينما سمعت هذا الكلام قلت أنا أشك أن هذا الشيخ المنسوب له القول أنه قال بهذا الكلام زأنا سألت نفس الشيخ فقلت له يا شيخ نُقل عنك كذا وكذا وأن أجزم يقيناً لمعرفتي بك أنك لم تقل هذا الكلام، قال والله أنا ما قلت هذه الكلمة. حددت هذه المسألة فقط والمشكلة أن ما آفة الأخبار إلا رواتها. فهذا كيّف المسألة وجعلها بهذه الصورة وهذا يحدث عندنا مع الأسف كثيرفيما بيننا. وأيضاً من باب الفائدة نحن في مكان نجتمع فيه والتليفونات موجودة ووسائل الإتصال موجودة فإذا أنت رأيت عليه خطأ إسأله إتصل واستفهم لأن الكلام هذا يوغر الصدور ويجعل أيضاً حتى الطلاب لا يتربون بأدب.
د. عبد الرحمن: أحسن الله إليكم. أستأذنكم بفاصل وأستأذنكم أيها الأخوة المشاهدين في فاصل ثم نعود إليكم.
——————–فاصل——————-
د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون الكرام مرة أخرى ولا يزال حديثنا في سورة الحجرات مع ضيوفنا الكرام فضيلة الدكتور مساعد الطيار والدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري. وقفنا عند الآية المليئة بالحكم والعبر وهي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) قبل أن أنقل الحديث إليك لفت نظري قوله (أَن تُصِيبُوا) فجعل الحديث في الآخرين والتسرع في اتهامهم مصيبة عليهم كما أن سمى الله تعالى سمى في القرآن الكريم الموت مصيبة (فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ (106) المائدة) فكأنها فعلاً عندما تقدح في عِرض الإنسان أو تتهمه في عقيدته فهي مصيبة كبيرة عليه, ولذلك أنت مأمور في أن تتثبت وتتأكد قبل أن يزل لسانك ولذلك أتذكر في قصة الإفك أن الله سبحانه وتعالى في أول الآية عاتب المؤمنين على التسرع فقال (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ (12) النور) فهذا المفترض في المجتمع المسلم أن تبادر دائماً في نفي التهمة عن أخيك المسلم وأن تذب عن عرضه أولاً هذا الذي ينبغي عليك. ثم إن ثبت بعد التثبت والتبين أنه فعلاً وقع في هذا.
د. محمد: وجبت عليك المناصحة وليس التشهير
د. مساعد: هي المشكلة لما يؤخذ التشهير على أنه باب من المناصحة العامة، يقولون لك هذا من النصح العام هذا عنده أخطاء وهذا عنده بدع.
د. عبد الرحمن: أنا أريد يا دكتور مساعد أن أجيب على سؤال الأخ نايف الذي سأل عن الذين يسمون أهل السنة بالوهابية، تعليقك على هذا وأيضاً عندما يقول أنه اشترى كتابك بمبلغ.
د. مساعد: جزاه الله خيراً. أولاً أقول له أنه ما جاءني من الخمسين دولاراً هذه شيء فما لي علاقة فيها لكن لو كنت أعلم لأرسلته له هدية، أفرح بذلك وأشكر له حرصه على الكتاب. نفس ما ذكر الأخ نايف والحقيقة يلمس قضية بوي أن ينتبه لها المسلم إذا رأيت إنساناً فاحشاً بذيء اللسان ويتكلم عن الإخوان المسلمين وينبذ بالألقاب فأنا أقول وأنا مطمئن من خلال هذه السورة أن هذا قد خالف النصوص القرآنية. ولهذا سبحان الله ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم شتاماً أو لعاناً صلى الله عليه وسلم، هو قدوتنا وكتاب الله سبحانه وتعالى بين يدينا ننظر فيه. وهذه السورة كما يسميها بعض العلماء سورة الأخلاق، لا شك أن من يفعل هذا يُعتبر من باب النبذ بالألقاب. ألمح إلماحة أنه كيف ينسبونه إلى جده ولا يقولون المحمدية. فأيضاً هذه إلماحة لطيفة لكن أياً كان حتى الوهابية كوصف وصف محمود نسبة إلى محمد بن عبد الوهاب نسبة جيدة لكن هي اتخذت نبذاً ونحن نعلم أن من أوائل من أطلق على هذه الدعوة هم أعداء هذه الدعوة وخصومها والمستشرقون لكن نقول من باب التنبيه أياً كانت هذه الأسماء السنوسية، الوهابية، نحن لا نرتبط بالأسماء ولكن بالمنهج. ننظر إلى منهج هؤلاء إن كان المنهج يعتمد على الكتاب والسنة ويعتمد على السلف الصالح فهذا هو المنهج الذي نتفق معه كائناً من كان في أي مكان كان وإن كان يخالف الكتاب ويخالف السنة ويخالف الصحابة والتابعين فهذا هو الذي يرد. لكن كما تعلم الناس يتأثرون بالألقاب.
د. عبد الرحمن: لا شك صحيح. قبل أن آخذ جوابك يا دكتور محمد على سؤال الأخ محمد من ليبيا لدينا اتصال من الأخ عبد الله من السعودية.
إتصال من الأخ عبد الله من السعودية: أحيي فضية الشيخ عبد الرحمن أستاذي وشيخي في الماضي في أبها وأحيي المشايخ في البرنامج جعلكم الله من أهل الله وخاصته. في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) ما هو السر بابتداء الآية بقول يا أيها الذين آمنوا تخصيص الذين آمنوا ولم يقل يا أيها الناس؟ وما علاقتها بآخر الآية (نادمين) هل هذه الندامة أشد عقوبة للشخص نفسه من قوله تعالى فتكونوا من الخاسرين أو من الظالمين؟
د. عبد الرحمن: نعود يا دكتور محمد للأخ محمد من ليبيا يقول يريد أن تدعو له.
د. محمد: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح حالنا وحاله وأن يثبتنا وإياه على الصراط المستقيم.
د. عبد الرحمن: يقول أنه يتذكر ذنوباً فعلها في الماضي، من هو الذي يسلم من الذنوب؟
د. محمد: هو يقول أنه حجّ هذا العام وأنه يتذكر في صلاته أحياناً بعض ذنوبه الماضية فإن كان يقصد أنه يتذكرها فيندم عليها فذلك من حقيقة التوبة لأن الندم جزء لا يتجزأ من التوبة والمؤمن إذا عمل ذنباً في وقت من الأوقات فإن هذا الذنب يبقى معه إلى آخر عمره يخاف أن يدركه شؤم ذلك الذنب. فهذا الذي في قلبك يا أخ محمد من ليبيا ليس إلا هو وصف من أوصاف التوبة الحقيقة. أما أن يتذكر ذنباً فيشتاق إليه فنقول إذا كنت تشتاق إليه بهذه الخواطر ثم لا تفعل ولا تستجيب لهذا الشوق فهذا يكتب في سجلاتك بإذن الله حسنة لأنك تهمّ بالذنب وتشتاق إليه أو تفكر فيه ومع ذلك يمنعك منه توبتك أو إعلانك التوبة بين يدي الله سبحانه وتعالى فأبشِر يا أخ محمد.
د. عبد الرحمن: الأخت غدير تشكركم على جهودكم في خدمة القرآن جزاكم الله خيراً. وتريد أننا نكرر استضافتكم نحن سنستضيفكم إن شاء الله لكن بعد كل فترة. أما الأخ عبد الله فيسأل عن قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ) يقول لماذا قدّم فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)؟ ثم لماذا قال (فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) ولم يقل خاسرين أو ظالمين؟
د. مساعد: الدكتور محمد كان أجاب عن (يا أيها الذين آمنوا) يمكن أن يعيده
د. محمد: الحقيقة يمكن أن يكون الجواب والله أعلم أن هذا من أوصاف المؤمن الحق لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون متثبتاً في الأخبار التي تصله لئلا يصيب قوماً بجهالة. وقوله (فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) لأن الإنسان إذا اكتشف أنه اصاب قوماً بجهالة يندم ندامة شديدة تؤثر عليه في حياته. طبعاً فضلاً عن كونه أذنب أيضاً هذا الندم يبقى ملازماً له فيؤثر عليه. فلئلا يقع منكم ذلك الندم الذي يؤثر عليكم قد تدرككم آثاره في الدنيا ثم في الآخرة إحذروا أولاً حتى لا تندموا فلا تصدقوا كلام الفاسقين في إخوانهم أو في إخوانكم المؤمنين أو في أي نبأ ينشرونه أو يقولونه إلا بعد أن تبينوا وتتثبتوا.
د. مساعد: لو تأملت مثل هذا الحدث، إذا وقع الندم فالندم نوع من العقوبة، أن تتذكر أنك أصبت أخاك بما يسوؤه في الحقيقة تجد قلبك يحترق
د. عبد الرحمن: تأنيب الضمير وتأنيب النفس. انظر الأخ محمد حفظه الله عندما يقول كلما أتذكر يؤنبي ضميري وهذا عقوبة عاجلة. الحقيقة الحديث ذو شجون والوقت أدركنا في الحديث عن هذه الآيات فشكر الله لكم يا مشايخ.
د. محمد: عجيب ما بقي للآيات الأخرى شيء؟!
د. عبد الرحمن: ما بقي لها وقت لكن في الحلقات القادمة إن شاء الله
د. مساعد: لكن هل ممكن تعليق موجز على كلام الأخ محمد، أنا أقول في الحقيقة أني ألمس من خلال كلامه أنه على خير كثير، هذا الذي يتذكره يتذكره وعنده الندم منه ونقول أن هذا نوع من نعمة الله على عبده أنه يتذكر الذين فيزيد خضوعاً لله سبحانه وتعالى وهذا له شواهد من أعمال الصحابة كثيرة جداً جداً لا يسع الوقت لها لكن أقول أن هذا إن شاء الله خير لكن عليه أنه إذا تذكر هذا الذنب عليه أن يزداد في الطاعة، ازدياده في الطاعة دلالة على أنه سبحانه وتعالى دائماً ينبهه أنه يا عبدي كنت كذا وأنت الآن كذا.
د. عبد الرحمن: الحمد لله الله يثبتنا وإياه على الحق وعلى التوبة. شكر الله لكم جميعاً أيها الاخوة المشاهدون على متابعتكم لهذا اللقاء وأشكر باسمكم في ختام هذا اللقاء أصحاب الفضيلة فضيلة الشيخ الدكتور مساعد بن سليمان الطيار، الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود وفضيلة الشيخ الدكتور. محمد بن عبدالعزيز الخضيري، الأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود على تفضلهم بتشريفنا في هذا اللقاء وأرجو أن تكونوا قد استفدتم وانتفعتم بما قالوه. وأسال الله أن يجعلنا وإياكم جميعاً أيها الإخوة المشاهدون وإخواني هنا في الاستوديو من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته حتى ألقاكم في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.