برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر – الحلقة 61 – سورة ق (الآيات 1 – 5)

اسلاميات

التفسير المباشر الحلقة61:

بسم الله الرحمن الرحيم

الجمعة 20/5/1430هـ

تفسير سورة ق.

الآيات محور الحلقة : 1- 5

د. عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأهلاً وسهلاً بكم في برنامجكم التفسير المباشر الذي يأتيكم على الهواء مباشرة من استديوهات قناة دليل الفضائية من مدينة الرياض. إنتهينا في اللقاء السابق من تفسير سورة الحجرات واليوم بإذن الله تعالى سوف نبدأ بتفسير سورة ق التي تُعدّ عند كثير من العلماء أول حزب المفصّل المفضّل من القرآن الكريم. وسوف نتوقف بإذن الله تعالى في هذه الحلقة مع ضيفنا الكريم حول مسمّى سورة ق ومقاصدها وتفسير أوائل آياتها. وباسمكم جميعاً أيها الأخوة المشاهدون الكرام في بداية هذه الحلقة أرحب بضيفي الكريم فضيلة الشيخ فهد بن مبارك الوهبي ، الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة طيبة بالمدينة المنورة والمشرف العلمي بملتقى أهل التفسير. حياك الله يا شيخ فهد.

الشيخ. فهد: وحياك الله

د. عبد الرحمن: وللمشاهدين الراغبين في المشاركة معنا في هذه الحلقة يمكنكم التواصل عن طريق الهاتف على الأرقام التي تظهر تباعاً على الشاشة:.

من داخل السعودية الرقم الموحد: 920009599

ومن خارج السعودية: 00966920009599

وللتواصل بالرسائل القصيرة على الرقم: 0532277111

أو يمكن التواصل أيضاً عبر منتدى البرنامج [email protected]

وقبل أن نبدأ يا شيخ فهد تفسير الآيات نستمع إليها مرتّلة ثم نعود للحديث حولها.

(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ{1} بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ{2} أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ{3} قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ{4} بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ{5})

د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون بعد سماعنا لتلاوة هذه الآيات الكريمة نشرع مع ضيفنا الكريم في الحديث حول سورة ق. سورة ق يا شيخ فهد كما ذكرت هي بداية حزب المفصل وكنا بدأنا في سورة الحجرات في الحلقات الماضية وقلنا أنها على أحد الأقوال هي أول المفصّل فلعلك تحدثنا عن حزب المفصّل

الشيخ فهد: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم النبيين وإمام المرسلين سيدنا ونبينا محمد عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة وأتم التسليم. أما بعد، فهذه السورة على القول الصحيح هي أول المفصل والمفصل هذا الذي هو آخر القرآن هو ما كان يتكرر كثيراً في الصلوات وما كان يقرأه الناس غالباً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكثرة فواصله وقصر آياته وأيضاً لاشتماله على عدد عظيم من الآيات التي تدل على الإيمان والبعث والآخرة وهي آيات مؤثرة في النفوس ومربّية أيضاً للمجتمعات. هذا بالنسبة للمفصل, طبعاً سورة ق الذي يلفت النظر فيها أنها سمّيت بهذا الحرف سميت بحرف ق وهناك أربع سور في القرآن سميت بحروف هي ص وق وطه ويس، سورتان بحرف وسورتان بحرفين، وهناك تشابه لطيف ايضاً بين سورة ق وسورة ص فـ ص وق تبتدئ بالقرآن الكريم وتختتم أيضاً بالقرآن الكريم، فهذه ملاحظة في السورتين. أما بالنسبة لسورة ق فأحب أن أبدأ الحديث بها عن الحروف المقطعة لأنها أول سورة المفصل ابتدأت بالحروف المقطعة. الحروف المقطعة هي الحروف التي ذكرت في القرآن ويجب على القارئ أن يقرأ كل حرف منها على حدة فيقول أل لام ميم ولا يصلها فإذا وصلها وقال (ألم) إنتقل إلى كلمة أخرى مثل (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) فهذه الحروف المقطعة لها حكم ولها اسرار وتحدث العلماء حديثاً طويلاً فيها وبعضهم يدخلها في المتشابه وبعضهم يجعلها مما لا معنى له وأنا أحب إذا سمحت لي- أن أتكلم باختصار في هذا الموضوع. العرب لم يكن في كلامهم ابتداء بالأحرف المقطعة، يعني ما كانوا في البداية يقولون ألم ثم يبدأون، فهذا أمر جديد على العرب فلماذا ابتدأ القرآن الكريم بهذه الأحرف؟ مما المقصد من هذه الأحرف؟ طبعاً الصحيح في هذه الأحرف أنها حروف الهجاء المعروفة عند العرب ما كان لها معنى غير كونها حرفاً فإذا قلت ق يفهم العربي هذا الرمز المكتوب (ق) هذا رمز لقاف وليس إسماً لكن إذا أردت أن تنطق به تقول (قاف) تنطق بهذا الإسم فهذا (قاف) هذا إسم وليس حرفاً وأما الأول (ق) فهو رمز للحرف.

د. عبد الرحمن: وهو أول حرف في الكلمة.

الشيخ فهد: فإذا قلت قال فهو أول كلمة (قال). هل عندما أقول (قاف) هذا اللفظ الذي ذكرته الآن له معنى أو ليس له معنى؟ (قاف) هذا له معنى ومعناه هو الرمز المكتوب. فإذن العرب لم يكن عندهم أي إشكال في فهم الألفاظ المنطوقة، لم يختلفوا في أن هذه الألفاظ المنطوقة تدل على هذه الرموز المكتوبة أبداً ولذلك لا يمكن أن نُدخِل هذه الأسماء في المتشابه لأنها معلومة كما عند جميع الناس ولم يقع فيها إشكال ولم يستشكلها العرب، هذا أمر مهم ينبغي أن نتنبه إليه. الأمر الثاني أنه لا يوجد في القرآن لفظ لا يعلم أحد معناه، لا يوجد أبداً بإجماع العلماء، لا يوجد لفظ أتى في القرآن نقول هذا ليس له معنى أو له معنى لكن لا يعلمه إلا الله، يعني لفظ تفسيره لا يعلمه إلا الله. قد يُشكل هذا على بعض الناس ويقول هناك متشابه كلي لا يعلمه إلا الله، نقول المتشابه الكلي هو في الكيفيات وليس في الألفاظ فالذين قالوا أن المتشابه هو الذي لا يعلمه إلا الله ووقفوا على قوله تعالى (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ (7) آل عمران) هم يريدون الكيفيات ولا يريدون الألفاظ.

د. عبد الرحمن: لأن الألفاظ عربية.

الشيخ فهد: عربية ومفهومة. فإذا كان المتشابه هو الكيفيات نقول أن ق وص وألم وغيرها ليست من الكيفيات وإنما هي من الألفاظ وهي معلومة عند العرب والفاظها مسموعة عندهم ويعرفون معانيها.

د. عبد الرحمن:.ولعل يؤيد هذا يا شيخ فهد قول النبي صلى الله عليه وسلم ” من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف” مما يدل على أنهم يعرفون

الشيخ فهد: يعرفون هذه الجُمَل. والحرف عند العرب يختلف عن الحرف عند النُحاة ويختلف عن الحرف الذي اصطلح عليه النحاة الآن، هناك حرف هجائي الذي يسمونه أحرف البناء، وهناك أحرف المعاني عند النحويين مثل (إلى ومن وفي وغيرها) وهناك الحرف عند العرب الذي يشمل هذه كلها، يشمل الإسم ويشمل الفعل ويشمل الحرف، يعني إذا قال العربي حرفاً يشمل عنده إسم وفعل وحرف كما ذكر ذلك سيبويه وغيره من النحاة. نحن حديثنا في الأحرف المقطعة هي أحرف البناء، أحرف الهجاء هذه لها معنى عند العرب تدل على هذه الرموز أما الرموز فلا معنى عند العرب. إذا كتبت لعربي رمزاً مثلاً (ق) فإنه لا يفهم أنه يدل على ذات.

د. عبد الرحمن: إلا إذا سمى واحد نفسه (ق).

الشيخ فهد: إذن انتقل إلى الأسماء والأسماء ليس لها ضابط. لكن لما تأتي لشخص وتقول له (ق) لا يفهم شيئاً. ولذلك لما نأتي الآن ونتكلم في هذه السورة ونقول ما معنى ق؟ واختلف العلماء في معنى ق، هل ق هو قسم أقسم الله تعالى به، هل (ق) هو إسم الجبل المحيط بالأرض مثلاً؟ هل ق اختصار للأمر (قضي الأمر والله)؟ الصحيح في هذا أنه حرف هجائي فقط أما الأقوال الأخرى فهي ليست بصحيحة.

د. عبد الرحمن: .لعدم وجود أدلة عليها.

الشيخ فهد: نعم، النقل عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم عن الأحرف المقطعة يعتريه أمران أولاً عدم صحة النقل أنه غير صحيح والأمر الثاني اختلاف النقل عنهم. فالصحابة الذين قالوا أنها أسماء الله تعالى جاء عنهم في روايات أخرى أنهم فسروها تفسيراً آخر فكيف يكون الرمز هذا له أكثر من معنى؟ مما يدل على عدم صحة هذا النقل عنهم. فإذن (ق) هي حرف من حروف الهجاء ومعناها واضح عند العرب معناها هذا الرمز الموجود. لماذا جاءت؟ هذا مدار الحوار وليس هذا من علم التفسير ليس الكلام في الحِكَم داخل في التفسير، لماذا جاءت؟ الصحيح أنها جاءت لبيان إعجاز القرآن فكأن القرآن يقول لهم هذه الحروف التي تقرأونها ونظمتم منها أشعاركم وحكمكم وأمثالكم هي حروف معروفة عندكم ومنها تألف القرآن من هذه المادة ولكنه بلغ شأواً لا يمكن أن تصلوا إليه مما يدل على عجزكم لأن المادة هي المادة لكن النتيجة تختلف. فكأنه لما يقرأ القرآن ويقول (ق) يقول هذه حروف تعرفونها لماذا لم تأتوا بمثل هذا القرآن؟ فهم عجزوا عن أن يصلوا بهذه المواد إلى بلاغة هذا القرآن، هذه الحكمة الصحيحة التي ذكرها عدد كبير من العلماء ورجّحوها.

د. عبد الرحمن:.يؤيد هذا القول أنها جاءت للتحدي والإعجاز أنه جاء بعدها في معظم المواضع ذكر القرآن.

الشيخ فهد: مثل هنا.

د. عبد الرحمن: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) (ألم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ (2)) (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) والذي يرجح هذا القول يا دكتور فهد هو أن هذا القول له معنى بخلاف القول الذي يقول أنها من المتشابه., هذه فيها معنى وفيها حِكَم ولذلك نحن نقول هذه الأحرف ليس لها معنى إنما هي رموز ولكن لها مغزى ولها حكمة.

الشيخ فهد: ولذلك تعبير الصحابة رضي الله عنهم كثير من الناس الذين قالوا أنها من المتاشبه ذكروا قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقول عمر وغيرهم لما يقولون هي سر القرآن، كلمة سر لا تعبر عن التفسير وإنما تعبر عن الحكمة. بالإجماع الأحرف المقطعة لها سر، لا يقول أحد أنها جاءت عبثاً في القرآن وإنما جاءت لسر وحكمة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى لكن التعبير بكلمة السر لا يؤدي إلى التفسير. لا نقول هي تفسيرها لا يعلمها إلا الله فلما أقول ما سر الصيام؟ هذه تعني ما حكمة الصيام، لكن لما أقول ما معنى الصيام؟ هذا واضح. وكذلك ينبغي التنبيه لكلمة ليس لها معنى، هناك استعمالان لهذه الجملة (ليس لها معنى) إستعمال عند الفقهاء والأصوليين لما يقولون ليس لها معنى يعني لا حكمة له معلومة لنا، يقولون العبادات مثلاً الصلاة لماذا جاءت ركعتان ثم أربع أربع ثلاث، ليس لها معنى يعني لا نعلم نحن حكمتها يعني تعبدية، والوضوء كذلك لماذا نغسل يدينا؟ وأما استعماله عند اللغويين مفرغ من محتواه، يعني جملة أو كلمة ليس لها مدلول في اللغة. فالذين قالوا هذه الأحرف ليس لها معنى يعني ليس لها حكمة نعلمها ولا يقصدون ليس لها معنى عند اللغويين.

د. عبد الرحمن: حروف هجائية.

الشيخ فهد: نعم. حروف هجائية.

د. عبد الرحمن: العجيب يا شيخ فهد يلفت نظري أنني لم أجد عن الصحابة ولا عن التابعين من استشكل هذه الأحرف المقطعة وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها.

الشيخ فهد: أبداً. لكن حتى استخدمت لكن استخدمت استخداماً آخر مثل لما قال: “فقلت لها قفي قالت قافِ” هي لم ترد معنى القاف هذا ولكن هي اقتطعت من وقفت حرف القاف والعرب يقولون إذا كان هناك ما يدل على السياق يجوز الاقتطاع. أما إذا لم يوجد ما يدل عليه في السياق مثل هنا (ق) ما يدل على أنها اقتطعت من كلمة (قضي الأمر والله) هذا الأمر لا يُقبل وهو يرد لأنه لا يوجد له ضابط.

د. عبد الرحمن: قد يكون والله أعلم من الأشياء الطريفة في هذه يا دكتور فهد وهو أنه من عادة العرب أيضاً عندما يريدون أن يستجلبوا اهتمام السامع أن يبدأوا بمثل هذه البدايات التي ليس لها معنى حتى يستلفتوا انتباههم، فقد يكون هذا من الأسباب

الشيخ فهد:.صحيح. هذه ذكرها بعض العلماء قالوا إنها ذُكِرت لجلب انتباه المشركين وهذه مكيّة ولذلك أغلب السور التي نزلت فيها هذه الأحرف أغلبها مكية لما أراد القرآن أن يستجلب انتباههم جاءهم بأشياء لم يعهدوها فإذا كانوا يطوفون ويتكلمون ويتحدثون ويشاغبون وقال (ق) يصمتون ما هذا الأمر الغريب؟! فيستمعون إلى القرآن وهذه حكمة أيضاً يستفيد منها المعلمون أو المربون إذا ابتدأوا دروسهم أو مقالاتهم يبدأون بشيء غريب يلفت الانتباه ويذكرها أهل التربية في البداية تذكر في الدرس ما يجمع التلاميذ لك حتى تعطيهم المعلومة. ويستخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم.

د. عبد الرحمن: فتح الله عليك، هذا كلام جميل في الأحرف المقطعة مع أن الحديث فيها طويل كما تفضلت لكن هذه هي الزبدة

الشيخ فهد: هذا مختصر الأقوال في هذا الأمر.

د. عبد الرحمن: فضل سورة ق يا شيخ فهد، هل ورد في فضلها حديث صحيح؟

الشيخ فهد: ق ورد فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأها في المجامع الكبرى، كان يقرأها في العيد هي واقتربت الساعة وكان يقرأها في الجمعة أيضاً وورد عن أم هشام أنها قالت ما حفظت سورة ق إلا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة ما يقرأها في كل جمعة على المنبر، يعني ليس فقط في الصلاة وإنما كان يقرأها على المنبر، يخطب بها، حفظتها من النبي عليه الصلاة والسلام.

د. عبد الرحمن: وهذا يحتمل أنه كان يكررها كثيراً أو أنها سريعة الحفظ

الشيخ فهد: يحتمل الأمران. كان يكرر النبي عليه الصلاة والسلام في كل جمعة، هذا يدل على أن هذه السورة ذات شأن. الآن لما يأتي شخص ويختار في كتابه آية في مقدمة الكتاب نقول هذه الآية لها سرّ عند هذا المؤلف فإذا النبي عليه الصلاة والسلام اختار هذه السورة لأن يقرأها في العيد ويقرأها في كل جمعة أو في بعض الجمع أكيد هناك سر في هذه السورة. ومن الأسرار التي قالها العلماء أن هذه السورة تذكر بالآخرة ويوم العيد ويوم الجمعة يوم اجتماع وزينة فكأنها تقول لهم أن هذه الزينة وهذا السرور لا يتعدى إلى منكرات قد تؤثر على الشخص في اليوم الآخر. ولذلك جاء فيها (ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)). فجاءت هناك آيات تدل على تذكير الإنسان بالآخرة، بالقيامة والتذكير بالقيامة من أفضل ما يخوَّف به الإنسان والنبي صلى الله عليه وسلم كان يستخدمه “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم جاره” “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت” وهكذا أحاديث كثيرة. فهي تُذكِّر بالآخرة وهي كانت تقرأ في الجمعة والجمعات وهي سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم

د. عبد الرحمن: جميل. هذا يقودنا يا شيخ فهد إلى الحديث عن ما الموضوع الذي يمكن أن نقول هذا موضوع سورة ق؟ ما الموضوع الرئيسي لها؟

الشيخ فهد: الموضوع الرئيسي إثبات البعث.

د. عبد الرحمن: اليوم الآخر,

الشيخ فهد: اليوم الآخر. لأن القضية التي عجبوا منها في بداية السورة هي أنه أنذرهم باليوم الآخر وبالعذاب

د. عبد الرحمن: يعني يمكن أن نجعل هذا عنواناً للسورة “إثبات البعث”

الشيخ فهد: إثبات البعث. وأنه ليس أصعب من الخلق الأول

د. عبد الرحمن (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) ق)

د. عبد الرحمن: كل هذه السورة موضوعها الكامل هو هذا أو فيها موضوعات؟

الشيخ فهد: يوجد فيها موضوعات ومن أهم موضوعاتها بيان عظمة القرآن لأنه ابتدأ بحرف ق الدال على إعجاز العرب وعلى عظمة القرآن وقال (وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) وفي قوله (وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) إشارتان لعظمة القرآن: الأولى القسم لأن الله جل وعلا لا يقسم بشيء إلا وهو عظيم عنده جل وعلا. والأمر الثاني وصفه بأنه مجيد والمجيد مأخوذ من المجد يعني ذو الشرف والمكانة العالية. لما يقول للعرب أنتم عجزتم عن الإتيان بهذا القرآن أنا أقسم به وهو ذا علو ومكانة عالية عندي. شرف القرآن يقولون له جهتان جهة الألفاظ فهو أعلى أنواع الألفاظ أعلى ما أنزله الله تعالى على رسول من الرسل هو هذا القرآن في بلاغته وقوته وسبكه وجودة ألفاظه، هذا هو القرآن من ناحية اللفظ. ومن ناحية المعاني ففيه ما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة أعلى ما يحتاجه الناس يعني لا يمكن أن يأتي عصر من العصور ويخلو القرآن عن تلبية حاجة من الحاجات وهذا بينه في قوله (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ (89) النحل) وهذا من إعجاز القرآن ذكره السيوطي من أوجه إعجاز القرآن الوجه الأول في بعض كتبه أنه يستنبط منه كل شيء.

د. عبد الرحمن: جميل. ولكنه يحتاج إلى إعمال نظر وتدبر وعلم.

الشيخ فهد: نعم، هل هو استنباط مباشر أو بإحالة إلى دليل آخر بالعموم أو بالخصوص لكنه لا يمكن أن يأتي يوم من الأيام وينقول لا لم نجد حلاً لهذه القضية في القرآن سواء كانت قضية اجتماعية، قضية سياسية، قضية فقهية، كل ما يحتاجه الناس في أمور دينهم أو في أمور دنياهم من السياسة وسياسة العالم والكون وآخره حتى يصلون إلى ربهم هو موجود في هذا القرآن.

د. عبد الرحمن: وهذا من لوزم هيمنته

الشيخ فهد: إذن هو مجيد يعني ذو شرف كامل من ناحية اللفظ ومن ناحية المعنى ولا يأتي بعده ما ينسخه أبداً فهو ناسخ لكل ما قبله ونُسِخ منه آيات قليلة.

د. عبد الرحمن: فتح الله عليك يا شيخ فهد أستأذنك وأستأذن الأخوة المشاهدين في فاصل قصير ثم نعود إليكم فابقوا معنا حفظكم الله.

——————–فاصل——————-

د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون مرة أخرى ولا يزال حديثنا متصلاً حول سورة ق مع ضيفنا الكريم فضيلة الدكتور فهد بن المبارك الوهبي الأستاذ بجامعة طيبة. هناك يا شيخ فهد يقول من ضمن الأقوال في بعض كتب التفسير من يقول أن ق إسم لجبل بعضهم يقول أنه جبل يحيط بالكرة الأرضية ويحيط بالدنيا ويحيط بالسموات فما مدى صدق مثل هذا القوا وما مدى وجاهة هذا القول؟

الشيخ فهد: هذا القول حقيقة من الأقوال الغريبة في تفسير هذه السورة واستنكره كثير من المفسرين منهم ابن عاشور وابن كثير وغيره. هم يقولون أولاً أن هذا يحتاج إلى نقل ولا يوجد نقل صحيح.

د. عبد الرحمن: يعني دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ عن معصوم.

الشيخ فهد: عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن معصوم. الأمر الآخر أن الآن الكرة الأرضية مشاهدة معروفة أين هذا الجبل الذي يحيط بهذه الأرض؟ الشيء الثاني أنهم لو أرادوا الجبل لكتبوا (قاف) ما كتبوا الإسم ولذلك العرب في كتابة القرآن لما يريدون الإسم يكتبون الإسم ولا يكتبون الرمز مثل (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا (87) الأنبياء) لما أرادوا النون الدالة على الحوت كتبوا (النون) ولما أردوا الحرف في بداية السورة كتبوا (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) القلم). لماذا فرقوا بين (ن) هنا وذا النون هناك؟ هنا أرادوا الحرف وهنا أردوا الكلمة كاملة وهنا لو أردوا الجبل لكتبوا (قاف) وهو الإسم لكنهم أرادوا الرمز وهو مثل الرموز الأخرى التي جاءت لماذا قلنا هنا (ق) الجبل ولم نقل في (ن) الحوت؟ هو نفس الحرف.

د. عبد الرحمن: الإشكالية يا شيخ فهد أن كثيراً من الإخوة المشاهدين يقرأ في كتب التفسير على سبيل المثال مثل كتاب الكشاف ومثل كتاب الثعلبي (الكشف والبيان) أو غيرها من كتب التفسير التي تورد في فضائل السور أحاديث موضوعة سبق أن تحدثنا عنها في حلقة سابقة ولكن القارئ ليس كل قارئ يستطيع أن يفرّق بين ما يصح وما لا يصح مثل هذا النقد الذي وجهته مثل هذه الرواية نقد صريح واضح، مثل هذا الأمر لا بد أن يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أمر غيبي والأمر الثاني أنه لم يثبت بعد الاكتشافات الآن وجود مثل هذا الجبل. فهي أقوال واهية ولكن

الشيخ فهد: هذا منطلق بعض الذين يقرأون الهيبة من الآثار. الحقيقة أن الآثار لما تقرأ عن ابن عباس وابن مسعود تجد أنك أمام نصوص وأنت يعني المسلم عادة يهاب الكلام في نصوص نُقلت عن الصحابة والتابعين لكن لما يكون هذا النص غير صحيح، نص موضوع إذا كان النص موضوعاً فلا يُعتدّ به ولا يُفسّر به فهذا هو الأمر المهم أن هذه النصوص إذا لم تكن صحيحة فليس لها قدسية.

د. عبد الرحمن: جميل، أحسنت. وهناك قواعد وضوابط في معرفة الصحيح من الضعيف من هذه الآثار.

الشيخ فهد: يقولون في هذا طرفة، أحد الخطباء كان يخطب دائماً بأحاديث ويعظ الناس فبعض الناس كانوا يتأثرون منه فجاءه شخص وقال له من أين تحضِّر هذه الخطب؟ قال أحضرها من كتاب الموضوعات لابن الجوزي ثم لما عرفوا أنها من كتاب الموضوعات رجعوا إلى ما كانوا إليه عرفوا أنها أحاديث موضوعة.

د. عبد الرحمن: موضوعة يعني مكذوبة.

الشيخ فهد: مكذوبة، فالأحاديث المكذوبة لا تأخذ بها لا في الفقه ولا في التفسير ولا غيرها.

د. عبد الرحمن: لعله ظن أن المقصود بالموضوعات جمع موضوع.

الشيخ فهد: جمع الموضوعات في مكان واحد.

د. عبد الرحمن: لعلنا نبدأ يا شيخ فهد في تفسير هذه الايات، في قوله (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)) أنا ألاحظ هنا (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) فيه قَسَم، نريد الحديث عن هذا.

الشيخ فهد: هذا القَسَم كما ذكرنا يدل على عظمة القرآن وعلى علو القرآن كما سبق. أين هو المقسَم به؟

د. عبد الرحمن: باعتبار أن القَسَم له أركان.

الشيخ فهد: القسم لا بد من أداة القسم (وهنا الواو) والمقسَم به (القرآن) وجواب القسم.

د. عبد الرحمن: أين هو جواب القسم؟

الشيخ فهد: إذا لم يأت جواب القسم الكلام غير تام. (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2))

د. عبد الرحمن: بعضهم قال لا يوجد جواب القسم.

الشيخ فهد: بعضهم قال (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) جواب القسم لكنه ليس بصحيح. قال بعض النحاة أن هذا هو الجواب. الصحيح في الجواب أن يقال هناك إشارتان في بداية السورة تدل على جواب القسم: الأولى (ق) لما جاء (ق) الذي أعجز، يعني دلالة على إعجاز العرب عن الإتيان بالقرآن فكأن جواب القسم يقول إنه لكتاب الحق، ق والقرآن المجيد إن هذا القرآن لكتاب حق ونزل بالحق مثلما قال جل وعلا في سورة أخرى (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) الزخرف). الإشارة الثانية إلى النبي عليه الصلاة والسلام لما قال (بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ) فكأنه قال ق والقرآن المجيد إنك لرسول حق كما قال جل وعلا (يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) يس). هناك إشارتين لجوابين مختلفين.

د. عبد الرحمن: فيكون جواب القسم هنا محذوف.

الشيخ فهد: محذوف ومقدّر يقدّره السامع بحسب ما يفهم من الآيات.

د. عبد الرحمن: جميل، أحسن الله إليك. أستأذنك في أخذ اتصال يا شيخ فهد.

إتصال من الأخ أبو بكر من السعودية: أسأل بالنسبة طالما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قراءته لسورة ق في صلاة الجمعة فهل ممكن أن تكون لنا ورداً في صلاة الجمعة حتى لو كانت جمعة وجمعة أو كل جمعة مثلاً؟

د. عبد الرحمن: تقرأها أنت بنفسك وليس الخطيب؟

أبو بكر: أقرأها أنا وهل نثاب على ذلك؟

إتصال من الأخت أم باسل من السعودية: قال تعالى في سورة ق (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ (41)) ما هو المكان القريب في هذه الآية؟

د. عبد الرحمن: نعود يا شيخنا الكريم إلى (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)

الشيخ فهد: باقي موضوع في القسم، لماذا لم يذكر الله عز وجل القسم؟ ليذهب السامع في كل مذهب

د. عبد الرحمن: يعني يبحث.

الشيخ فهد: والأمر الآخر كأن القرآن يقول (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) أن تتأمل ما هو القسم؟ ثم يقول تأمل وَدَعْ وانتقل إلى الأمر العجيب الذي هو أهم والذي هو (بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)) فكأنه الالتفات عن جواب القسم إلى هذا الموضع لبيان أهمية ما سيأتي.

د. عبد الرحمن: جميل وايضاً أذكر الإمام ابن القيم أشار إشارة جميلة إلى حذف جواب القسم هنا فقال: “كأن جواب القسم هو المُقسَم به نفسه”

الشيخ فهد: هو المقسم به هو القرآن

د. عبد الرحمن: كأنه أقسم ثم جاء بالمقسم به وهو القرآن لكن لأنه أهمّ ما يُتحدث عنه حذف جواب القسم لتتوقف عند المقسم به وهو القرآن.

الشيخ فهد: والقضية قضية البعث وإنكارهم هو المهم في هذه الآية.

د. عبد الرحمن: جميل جداً. نعود إلى المقصود بالمجيد. أنت أشرت إلى أن المقصود بالمجيد أنه العظيم ذو العظمة

الشيخ فهد: والشرف الكامل

د. عبد الرحمن: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (22) البروج)

الشيخ فهد: وأن المجيد مجيد في ألفاظه

د. عبد الرحمن: وهذا واقع

الشيخ فهد: هذا واقع، ومجيد في معانيه وهذا واقع.

د. عبد الرحمن: هذا واقع. صحيح. ثم قال (بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ) الكلام عن مشركي مكة وأنت تحدثت أنها سورة مكية.

الشيخ فهد: (بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ). السورة مكية بالإجماع إلا آية واحدة اختلف المفسرون فيها. (بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ) العجب هو الأمر المستغرب قريش تستغرب أمرين الأمر الأول أنه ينذرهم بالعذاب يوم القيامة وهذا أشار إله جل وعلا في قوله( منذر) (بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ) لأنه ينذرهم بالآخرة وأنهم إذا ماتوا على الكفر سيدخلون النار هذا أمر عجيب عندهم. و (منهم) هذا مكان التعجب الثاني أنه بشر عليه الصلاة والسلام (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ) هذا أمر مستبعد. وأيضاً (إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً (94) الإسراء) كأنهم يريدون أن يأتي ملكاً

د. عبد الرحمن: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً (9) الأنعام)

الشيخ فهد: لأن الإنسان يتقبل ممن هو مثله لو جاءه ملكاً لقال أنا مسحور كيف أشاهد هذا الذي أمامي فكيف أؤمن فأنا مسحور. فهم استعبدوا الأمرين أنه بشر وأنه منذر. وهذه مذكورة في الآية.

د. عبد الرحمن: أستأذنك في أخذ اتصالين: الأخ أبو رند من السعودية.

الأخ أبو رند من السعودية: في بعض أقوال المفسرين قرأت في سورة ق أن ق هو الجبل المحيط بالأرض أنا أقول مثل هذا القول يحتاج إلى نقل فأنا أتسائل كيف تدخل مثل هذه الأقوال في كتب التفسير أو عند المفسرين؟

الأخ نايف من السعودية: ألا يقال في مقصد سورة ق أنها في التخويف بالقرآن الكريم؟ بدأت بذكر القرآن وختمت بذكر القرآن (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ (45)) ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأها يوم الجمعة وجاء في حديث آخر إن صح الحديث في قراءتها في العيد.

د. عبد الرحمن: نعود إلى قوله (بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ) وقلت أنهم عجبوا من أمرين: أولاً كونه منذر وكونه بشر.

الشيخ فهد: وكونه بشر. وهذا أمر مستغرب عندهم ولذلك يذكرون عن أُبيّ ابن خلف أنه جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام ومعه عظام وقال له أتزعم أننا نعود مرة أخرى؟ فقال نعم معنى الحديث – نعم ويبعثك ويدخلك النار فنزلت (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) يس) إذن هذه القضية قضية مزعجة للمشركين كيف نعود مرة أخرى؟ وكيف نُبعث؟. والشيء الآخر أنه بشر، هذه القضيتان هي المذكورة في هذه الآية وهي محل تعجّب في آيات أخرى.

د. عبد الرحمن: (بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ)

الشيخ فهد: لماذا قدّم (منذر) على (منهم)؟ لماذا لم يقل بل عجبوا أن جاءهم منهم منذر؟ قالوا لأن إنذارهم بالآخرة والعذاب هو السبب الأول للكفر ثم قضية أنه بشر هذه زادت الإنكار. فبدأ بالأهمّ عند المشركين ثم جاء بما يأتي بعدها.

د. عبد الرحمن: أيضاً يسأل سؤال يا شيخ فهد لماذا قال (بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ)؟ لماذا لم يقل بل عجبوا أن جاءهم مبشِّرٌ منهم؟

الشيخ فهد: لأن سبب الكفر هو النذارة وليس البشارة

د. عبد الرحمن: مع أن الرسل يأتون بهذا وبهذا

الشيخ فهد: هم لم يأتون يقولون أنت وعدتنا بالجنة وأننا ندخل الجنة ونحن لا نريد ذلك، هم قالوا أنت وعدتنا أن ندخل النار إذا كفرنا وهذا أمر عجيب وهم كفروا بهذا الموضوع. لماذا أظهر الكافرون؟ لماذا قال (بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ)؟

د. عبد الرحمن: للدلالة على أن هذا الكفر هو سبب

الشيخ فهد: لسببين السبب الأول لبيان من هم المتعجبون؟ مشركو قريش، ولبيان أن هذا القول وهذا الإنكار هو كفر، يعني هذا الوصف وصف الكفر المأخوذ من قوله (الكافرون) يدل على أن هذا العمل من الكفر.

د. عبد الرحمن: لا شك أن إنكار البعث هو كفر.

د. عبد الرحمن: نكمل الآيات أو نسأل بالنسبة للأخ أبو بكر عندما قال قراءة سورة ق عندما ذكرت فضل سورة ق وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأها في خطبة يوم الجمعة قد يفهم أنه كان يقرأها كسورة السجدة في صلاة الفجر أو يقرأها كسورة الكهف في الأوقات بين الصلوات لكن سورة ق يقول هل لو قرأتها كورد لي؟

الشيخ فهد: هي سُنّة للخطيب أنه يقرأها في يوم الجمعة أنا الناس فلهم ورد يسيرون مع القرآن كله ومقاصد سورة ق موجودة مثل غيرها من الآيات.

د. عبد الرحمن: صحيح. وهذه في الحقيقة رسالة يا شيخ فهد للإخوة الخطباء أن يستنوا بهذه السنة يقرأوا سورة ق في خطبة الجمعة وأنا ما أذكر أني رأيت خطيباً يقرأ سورة ق في خطبة الجمعة.

الشيخ فهد: نحن في المدينة إمام مسجد قباء جزاه الله خيراً الشيخ محمد عابد يقرأ كثيراً سورة ق في خطبة الجمعة يقرأها كاملة ثم ينزل وأحياناً يتكلم في بعض معانيها وهي مؤثرة في نفوس الناس بعضهم يخشع وبعضهم يتأمل في هذه المعاني لأن القرآن من أعظم ما يوعظ به.

د. عبد الرحمن: صدقت. الأخت أم باسل تسأل عن آية لعلنا نؤجلها لأنها في آخر السورة. الأخ نايف يسأل عن مقصد السورة يقول هل يمكن أن يقال أن من مقاصد السورة الوعظ بالقرآن الكريم والتخويف به؟

الشيخ فهد: من موضوعات السورة. من موضوعات السورة القرآن وبيان عظمته.

د. عبد الرحمن: لكن لُبّ السورة كله في أمر البعث

الشيخ فهد: نعم هو لُبّ السورة في البعث كله مع مصير المؤمنين ومصير الكافرين.

د. عبد الرحمن: جميل. الأخ أبو رند يسأل عن ورود مثل هذا الحديث عندما تحدثت عن ق وقلت أنه جبل، يقول كيف يذكره المفسرون؟!

الشيخ فهد: هذا استغربه حتى ابن عاشورة واستبعده وقال لولا أن العلماء يذكرونه لا ينبغي الاهتمام به. هذا سببه والله أعلم دخول الروايات الإسرائيلية كما يقول بعض العلماء أنهم أخذوا من بني إسرائيل هذه الروايات بدون تمحيص ولكن العالم الآن والعلم الحديث والعقل يردّ هذه.

د. عبد الرحمن: وحتى قواعد التفسير ما لم يثبت النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس في شيء.

الشيخ فهد: هذا معروف عند العرب.

د. عبد الرحمن: في الآية التي بعدها في قولهم (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ)

الشيخ فهد: هم يستنكرون الآن يقولون (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) هم يريدون من هذا الاستنكار أمران الأمر الأول بيان بُعْد هذا الشيء أنهم لا يؤمنون به ودعوة غيرهم إلى الكفر لأنهم يظهرون هذا الشيء (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) هم لا يؤمنون ويريدون غيرهم أن لا يؤمن فهذا هو تعجيب السامعين والامتناع عن التصديق هذا المراد.

د. عبد الرحمن: جميل جداً.

الشيخ فهد: والمستفهم عنه ما هو؟ (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا) أنرجع مرة أخرى إلى هذه الحياة؟

د. عبد الرحمن: (ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ)

الشيخ فهد: (ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) يعني بعيد عن العقل.

د. عبد الرحمن: وهذا الاستنكار منهم ورد في سور كثيرة مثل النازعات وغيرها .

———————- فاصل ————————

د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون مرة أخرى في برنامجكم النفسير المباشر, لا زلنا نتحدث عن سورة ق في مطلعها مع ضيفنا الكريم الشيخ فهد الوهبي. وقد توقفنا يا شيخ فهد عند قوله (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ). قد يسأل سائل يا شيخ فهد ويقول ما هو سبب استبعاد المشركين للبعث بعد الموت؟

الشيخ فهد: سبب الاستبعاد أنهم رأوا هذه الأجساد تتفرق في الأرض وتدخل في التراب ثم هذا التراب يُعمل له إعادة ثم تدخل الأجساد في بعض، كيف ترجع كل ذرة إلى ما كانت إليه ثم يصبح الشخص أمامهم مبعوثاً مرة أخرى؟ وهذا وقع حتى من إبراهيم عليه السلام أراد أن يطمئن قلبه فقال (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (260) البقرة) إذن هذه القضية قضية عظيمة والمؤمنون لما آمنوا بالنبي عليه الصلاة والسلام تبع ذلك الإيمان إيمان بقضية البعث وإلا هي من ناحية العقل لما يأتي يتصورها الإنسان شخص قد انتهى وتفرق جسده في الأرض كيف يعود مرة أخرى؟! لكن الذي خلقه قادر على أن يعيده سبحانه وتعالى.

د. عبد الرحمن: وأيضاً في الآية التي بعدها ما يؤكد كلامك في قوله (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4)) والحقيقة يا شيخ فهد هناك مسألة عندما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى العرب وكانوا مشركين وقلّت فيهم حالات الإيمان ما بقي فيهم إلا بقايا من الذين يؤمنون باليوم الآخر ويؤمنون بالأنبياء والرسل فأصبح الحديث عن البعث حديثاً مستغرباً جداً ومستبعداً. فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم كان من أول ما ذكّرهم به قضية البعث ويؤكد عليها ويصر عليها فلذلك استنكروها بمثل هذا الأسلوب الذي يكون فيه أحياناً نوع من الجفاء (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) وفي آيات أخرى أشد منها.

الشيخ فهد: الإنسان إذا أغرق في المادية واصبح يعيش حياته للخلود فقط يكره أن يكون هناك بعث مرة أخرى ويحاسَب ويُجازى ويدخل النار إذا أخطأ ولذلك الماديون لا يحبون إلا أن يعيشوا هذه الحياة فقط.

د. عبد الرحمن: وعلى علمك يا شيخ فهد وأنت أدرى، الآن في واقعنا المعاصر في الغرب بصفة عامة الحياة المادئة طغت على الناس حتى لا يُذكر لا جنة ولا يؤمنون لا بجنة ولا بنار ولا ببعث.

الشيخ فهد: مع أن الإيمان باليوم الآخر سبب لشفاء الإنسان من كثير من الأمراض النفسية لأنه لما يأتي ويرى ظالمه أمامه ثم يؤمن أنه سيأتي يوم من الأيام ويأخذ حقه منه يكون هناك نوع من السكينة له. عندما يعمل ويكدّ ويتعب ويُطعم الماس ويوجد من يكافئه في يوم ما هو يسعد في داخله.

عبد الرحمن: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا (9) الإنسان) وهذا من آثار الإيمان باليوم الآخر

الشيخ فهد: لا نريد منكم جزاء ولا شكورا. الإيمان له آثار عظيمة عند الإنسان.

د. عبد الرحمن: أستأذنك يا شيخ فهد في أخذ إتصال أخير. الأخ محمد من السعودية

الأخ محمد من السعودية: سؤالي في سورة القصص أو قبلها نحن عندنا برنامج في البالتوك مناقشة مع النصارى فهل أُرسل قبل النبي عليه الصلاة والسلام رسل من العرب؟ عندما كنا نناقشهم في قضية الكتاب المقدس هم أثاروا في غرفة البالتوك أنه هل أُرسل قبل النبي عليه الصلاة والسلام رسول من العرب؟ طبعاً لم نجبهم لاحتيارنا في الموضوع وأحدنا أجباهم قال نعم أرسل قبل النبي صلى الله عليه وسلم رسل من العرب وقال هو صالح وشعيب فأتوا هم بىية من سورة السجدة أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى قوم لم ينذر آباؤهم من قبل، هل قبل النبي عليه الصلاة والسلام أرسل نبي من العرب؟ وما هو معنى الآية (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) السجدة)؟

د. عبد الرحمن: نعود يا شيخ فهد إلى الآية (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4)) لماذا قال هنا تنقص الأرض منهم؟ لماذا لم يقل قد علمنا ما تنقصه الأرض أو ما تأخذ الأرض؟

الشيخ فهد: أولاً لماذا قال (قَدْ عَلِمْنَا)؟ لماذا رد بالعلم وليس بالقدرة، قد علموا أننا نقدر على كذا؟ قال إن أصل الاستبعاد عندهم هو تجهيل من سيأتي ويأخذ هذه الذرات المتناثرة كيف يحيط بها شخص أو يحيط بها من يريد أن يعيد فكأنهم يقولون لا يمكن أن يحيط بهذه الذرات المتناثرة من يأتي ليعيدها فالله تعالى قال قد علمنا بها وقدرتنا يعني نحن قادرون على إعادتها. (مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) النقص أخذ الأجساد مرة بعد مرة، الأرض لما تأتي للجسد تأخذ منه قليلاً قليلاً حتى يفنى فهذه اعتبار لقوله تنقص والأمر الآخر أنه يبقى من الجسد عجب الذَنَب لا يفنى كله. المراحل النقص ثم يبقى عجب الذنب لا يفنى كله.

د. عبد الرحمن: جميل. ثم قال (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ (5))

الشيخ فهد: هذا هو سبب القضية كلها أنهم لم يؤمنوا بالقرآن، بالحق الذي هو القرآن لم يؤمنوا به. فإذا لم يؤمنوا به لن يكون هناك إيمان لا بالبعث ولا بالجنة ولا بالنار، فهم في أمر مريج مختلط مضطرب واختلاطهم سبّب لهم أن يقولوا في القرآن سحر وشعر وأنه أساطير الأولين وفي النبي عليه الصلاة والسلام أنه شاعر كاهن مجنون مختلفون لم يتفقوا على قول واحد فهم مختلطون في عقيدتهم في القرآن وفي النبي عليه الصلاة والسلام.

د. عبد الرحمن: جميل. ولذلك اختلفت أقوالهم . أحسن الله إليك يا شيخ فهد. الأخ محمد يسأل هل بُعث قبل النبي صلى الله عليه وسلم أنبياء من العرب؟

الشيخ فهد: ذكر بعض العلماء وكبعاً التدقيق في هذه القضية يحتاج إلى بحث لكن ذكروا أنهم مجموعون في قول “صن شمله” صالح ونوح وشعيب ومحمد عليه الصلاة والسلام ولوط وهود على اختلاف في بعضهم. أما أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث إلى قوم لم يُبعث إلى آبائهم فهم أهل مكة، قريش.

د. عبد الرحمن: صحيح. شكر الله لك يا شيخ فهد.

الشيخ فهد: حياك الله يا دكتور.

د. عبد الرحمن: أيها الأخوة الكرام شكر الله لكم متابعتكم للحلقة واسأل الله أن تكونوا قد انتفعتم بما قيل فيها وباسمكم جميعاً أشكر أخي فضيلة الشيخ فهد بن مبارك الوهبي، الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة طيبة في المدينة المنورة على ما تفضل به وأثرى به هذه الحلقة في تفسير أوائل سورة ق. نلقاكم بإذن الله تعالى وأنتم على خير في الأسبوع المقبل في إكمال هذه السورة حتى ذلك الحين أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


رابط الحلقة (فيديو)

جودة عالية ممتازة wmv
http://ia301532.us.archive.org/2/ite…hunk_1_all.wmv

جودة عالية ممتازة ogv
http://ia301532.us.archive.org/2/ite…hunk_1_all.ogv

mp4
http://ia301532.us.archive.org/2/ite…_all_512kb.mp4

mp3

http://ia301532.us.archive.org/2/ite…hunk_1_all.mp3