برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر- تفسير الجزء 14 – رمضان 1429 هـ

اسلاميات
تفسير الجزء الرابع عشر 14/9/1429هـ

المقدم : د. عبد الرحمن الشهري

الضيف : فضيلة الشيخ الدكتور / محمد بن عبد الله الربيعة – الأستاذ المساعد بـ (جامعة القصيم) والمتخصص في الدراسات القرآنية ، والأمين العام لـ (الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم) – ..

بسم الله الرحمن الرحيم .. والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين .

أيها الإخوة المشاهدون ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامجكم اليومي (التفسير المباشر) الذي يأتيكم على الهواء مباشرة من استوديوهات (قناة دليل الفضائية) بمدينة الرياض .

اليوم هو اليوم الرابع عشر من شهر رمضان من عام تسعة وعشرين وأربعمائة وألف ، وسوف يكون محور حديثنا في اللقاء عن الجزء الرابع عشر من أجزاء القرآن الكريم – كما تعودنا في كل حلقة من حلقات هذا البرنامج اليومي – .

قبل أن نبدأ أريد أن أذكركم أيها الإخوة بأرقام الهواتف التي يمكنكم التواصل عن طريقها معنا.. الثابت : 014459666، 012085444 ورقم الهاتف الجوال الذي يمن استقبال الرسائل عليه : 0532277111

قبل أن نبدأ في الحديث عن هذا الجزء أريد أن أشير إلى أبرز الموضوعات التي تناولها هذا الجزء – كما تعودنا في كل حلقة – .

و(الجزء الرابع عشر) أيها الأخوة يبدأ من (سورة الحجر) وينتهي بنهاية (سورة النحل) ..

  • وقد تناولت (سورة الحجر) :

– المقاصد الأساسية للعقيدة الإسلامية من إثبات الوحدانية والنبوة والبعث والجزاء .

– كما تناولت بيان قدرة الله – تعالى – في الخلق وحفظه للسماء من استراق السمع .

– ويعدد الله – سبحانه وتعالى – على الإنسان نعمه الكثيرة في هذه السورة .

– ثم ذكر قصص الأنبياء للعبرة وتسلية النبي – صلى الله عليه وسلم – .

– ثم ختمت (سورة الحجر) بتذكير الرسول – صلى الله عليه وسلم – بكبرى النعم ؛ وهي القرآن المجيد .

  • ثم عالجت (سورة النحل) :

– موضوعات العقيدة الكبرى كالألوهية والوحي والبعث والنشور .

– وتناولت دلائل قدرة الله – تعالى – ووحدانيته في هذا العالم الفسيح .

هذه هي أبرز الموضوعات التي تناولتها هاتان السورتان ، وسوف يأتي الحديث عنها – بإذن الله – بتفصيل مع ضيفنا العزيز في هذه الحلقة .

وبداية .. باسمكم جميعاً – أيها الإخوة المشاهدون – نرحب بالضيف العزيز .. ضيف هذه الحلقة فضيلة الشيخ الدكتور / محمد بن عبد الله الربيعة – الأستاذ المساعد بـ (جامعة القصيم) والمتخصص في الدراسات القرآنية ، والأمين العام لـ (الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم) – .. حياكم الله يا أبا عبد الله معنا في هذا اللقاء .

الضيف : أهلاً وسهلاً بكم وبالمشاهدين جميعاً .

المقدم : حياك الله وشكر الله لك استجابتك لهذه الدعوة .

معنا يا أبا عبد الله – كما سمعت – في هذا اللقاء (سورة الحجر) و(سورة النحل) .. وبدايةً – قبل أن ندخل في تفاصيل الأسئلة – نريد أن نعطي المشاهد نبذة عن أبرز أو الموضوع الأساسي لـ (سورة الحجر) و(سورة النحل) .

الضيف : بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

نسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يجعلنا من أهل القرآن العاملين به والعاملين.

في هذا الجزء – كما ذكرت بارك الله فيك – يأتينا (سورة الحجر) و(سورة النحل) ، وكلتاهما مكيتان ، ولكن (سورة الحجر) الملاحظ فيها أنها أكثر ارتباطاً بالمكي من (النحل) .. ويظهر أنها من آخر ما نزل في الفترة المكية ؛ ولذلك ذكر الله – تعالى – فيها المحور والمقصد الذي يمكن أن نبينه فيها أنها في توعد الكافرين المستهزئين المستكبرين ؛ ولذلك لاحظ أنه فتح بقوله بعد (الر) : { الر تِلْكَ آَيَاتُ الكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ * رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } (الحجر : 2) ؛ يعني انتهى الأمر { ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } (الحجر : 3) .. فهي تهديد، وقد ذكر الله – عز وجل – في آخرها موعوداً في قوله – تعالى – : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ } (الحجر : 94-95)  ؛ فهي في الواقع هذه السورة في بيان حقيقة الكافرين في آخر أمرهم وقبل الهجرة ، وتهديدهم بالوعيد ؛ ولذلك تضمنت السورة مصارع الأمم السابقة .. ولو أننا تتبعناها على عجل لننتقل منها إلى (سورة النحل) لوجدنا ظاهراً هذا المقصد ؛ فافتتاحها كلها في بيان سنة الله – عز وجل – في الكافرين .

المقدم : افتتاح (سورة النحل) .

الضيف : (سورة الحجر) مازلنا في (الحجر) .

– سنة الله – عز وجل – في هؤلاء الكافرين .. قال الله – تعالى – : { مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } (الحجر:5) ..

–  ثم قال أيضاً في سنته في حفظ هذا القرآن : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (الحجر : 9) : ليس لكم سبيل عليه.

– ثم يذكر الله – تعالى – : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ } (الحجر:10)  .. كلها في سنن الله – عز وجل – في الأمم .

– ثم يأتي بعد ذلك ذكر خلق آدم – عليه السلام – ما مناسبته ؟

مناسبته – بارك الله فيك – أن الله – تعالى – يذكرهم بأصلهم .. هؤلاء المستكبرين مم خلقوا ؟ يذكرهم بهذا الأصل فيقول : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ } (الحجر:26) .. هذا الإنسان المستكبر مم خلق ؟ من صلصال ، وهو تراب مفتن – على ما ذكر المفسرون – أو اليابس من حمإ مسنون : يعني من طين لين .. كيف يستكبر هذا الإنسان الذي خلق من هذا الطين اللين ؟!

– ثم يذكر الله – تعالى – بعد ذلك حقيقة الصراع بين الحق والباطل .

– ثم يذكر مصارع الكافرين المكذبين .. ومنهم أصحاب لوط وبعد ذلك أصحاب الأيكة وأصحاب الحجر .. كل ذلك تهديداً لهؤلاء الكافرين .

– ثم يختم السورة بسنته – سبحانه وتعالى – في إقامة الحق : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ } (الحجر:85) : اتركهم .. اتركهم وشأنهم ، هم الآن مستكبرون معاندون فلا عليك إلا أن تصدع بما تؤمر وتعرض عن المشركين ، وأن تنشغل بتسبيح ربك – عز وجل – فقال : { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ } (الحجر : 98-99) ..

–  وهذا المقصد يعطينا باختصار أن الإنسان إذا رأى صولة الباطل واستهزاء المشركين والكافرين والمكذبين عليه أن يصدع بالحق ، وعليه أن ينشغل بعبادة ربه : { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ } (الحجر:98-99) .

المقدم : وأيضاً – كما رأيتم يا دكتور – في بداية (سورة الحجر) ورد قوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (الحجر:9) ، وفي آخرها يقول : { وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ المَثَانِي وَالقُرْآَنَ العَظِيمَ } (الحجر:87) .. فيذكر في أوله وفي آخره.

الضيف : نعم .. لإثبات أن هذا القرآن حق أنه محفوظ مهما كاد له الكائدون ؛ فلذلك قال : { كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآَنَ عِضِينَ } (الحجر:90-91) .. يعني متفرق ، مرة قالوا : ساحر مرة قالوا : كاهن مرة قالوا : خلقه بشر .

المقدم : جميل .. أو يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ، هذا بالنسبة لـ (سورة الحجر) .

الضيف : أما (سورة النحل) – بارك الله فيك – فيظهر مقصدها من اسمها (النحل)..

و(النحل) ذكره الله – تعالى – في سياق تعداد النعم ، فهذه السورة – كما ذكر الكثير من السلف .. منهم الضحاك – أنها (سورة النعم) ؛ ولهذا تعددت فيها لفظ (النعم) [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ] {النحل :18} وقوله – تعالى – : [شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ] {النحل :121} ، وقوله : { أفبنعمة الله تجحدون } .. فتكررت هذه النعم ؛ فهي في إثبات الألوهية لله – عز وجل – عن طريق الدلالات الدالة عليه من نعمه – تعالى – على خلقه .

المقدم : كأنه استدلال بالربوبية على الألوهية هو الذي خلق وخلق وخلق .

الضيف : نعم .. استدلال بالربوبية من هذه النعم ، والخلق والرزق وما سخر الله – تعالى – في هذه الأرض وفي هذه السماء لهذا البشر إثباتاً لألوهيته – سبحانه وتعالى – فلاحظ – بارك الله – فيك كأنه ذكر في هذه السورة في موضعين .. ذكر آيات في الموضع الأول قال : [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ] {النحل:10} ، ثم قال : [يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ] {النحل:11-12} ثم قال [وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ] {النحل:13} ، ثم قال : [وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ البَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا] {النحل :14} ..
وفي موضع آخر أيضاً في نفس السورة أعاد التذكير بآياته – سبحانه وتعالى – فقال : [وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ] {النحل :65} ، وقوله : [وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا] {النحل :66} ، وقوله : [وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ] {النحل : 68} .

كل هذا التعداد لمن تأملها وتدبرها لاشك أنها ستدله —- وعلى وحدانيته وعلى فضله على عباده .. ولاشك أنك – أيها الإنسان الضعيف – ستعرف فضل الآخر بفضائله عليك ونعمه، فكيف بهذا الرب العظيم – سبحانه وتعالى – الذي جميع ما في الأرض من النعم والفضائل والخير كله بيده ومنه – سبحانه وتعالى – .

المقدم : ولذلك عقب ذكر هذه النعم كلها فقال [وَللهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالغُدُوِّ وَالآَصَالِ] {الرعد:15} كأنه استدلاً بربوبيته كما تفضلت على الألوهية .

الضيف : إذا كانت هذه الكواكب وهذه الأشجار ، حتى الظلال .. ظلك أيها الإنسان يسجد لله وأنت صاغر { وهم داخرون } يعني صاغرون رغم أنفه .. فإذا كان هذا الظل يسجد لله فكيف أنت أيها العبد الضعيف الحقير ، لابد أن يذكرنا ذلك بالإنابة إلى الله وعدم الاستكبار والخضوع لله – عز وجل – وطلب الزرق منه – سبحانه وتعالى- لأنه هو مصدر الرزق ومصدر الإنعام .

المقدم : لعل هناك مما تفضلت ملحوظة .. الفرق بين (سورة النحل) و(سورة الحجر) قصيرة الآيات .

الضيف : أشبه ما تكون بسور قصار المفصل التي ركزت على جانب العقيدة وركزت على مواجهة الكافرين .

المقدم : بخلاف (سورة النحل) فإن آياتها طويلة مع أنها مكية ، وهذا يدل على أن الضابط الذي يذكره العلماء – من أن الغالب على السور المكية حصر الآيات – أنه ليس مطرداً ؛ هناك سور مكية طويلة الآيات مثل الأنعام والأعراف .
فتح الله عليك يا أبا عبد الله .

هذا والحقيقة مدخلة جيدة لهذه الحلقة لإلقاء الضوء على موضوع الحجر وموضع النحل .. ولعل من المناسب الآن نستقبل بعض الأسئلة .

الضيف : لعلي أشير فقط في النقطة الأخيرة أن الله – سبحانه وتعالى – ذكر في آخرها إبراهيم .. لاحظ ما مناسبة ذلك ؟ لأنه علامة على التوحيد وعلامة على أنه قام بحق الله .. { إبراهيم الذي وفى } – كما في (سورة النحل) هنا – ماذا قال ؟ قال : { شاكراً لأنعمه } مناسباً لموضوع السورة (سورة النعم) ، كأنه يقول : كونوا كإبراهيم .. اتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً فهو شاكر لأنعمه .

كيف شكر لأنعم الله ؟ بقيامه بالتوحيد الكامل المخلص لله – عز وجل – وميله عن الشرك وأهله ، وهي موعظة .

المقدم : فتح الله عليك يا أبا عبد الله .. معنا اتصال من الأخ : عبد الرحمن من السعودية .. تفضل يا أخ عبد الرحمن .

المتصل : السلام عليكم .. حياك الله ياشيخ عبد الرحمن وهيا إلى الدكتور / محمد ، نشكركم على هذا الطرح الجيد ، ونسأل الله أن يجعله في موازين حسناتكم – إن شاء الله – .

لدي سؤال في آية (9) في (سورة النحل) : ما المراد بقوله تعالى : [ وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ] {النحل:9} ؟ نود منكم – حفظكم الله- مناسبتها من الذكر الأنعام في هذه السورة ؟

المقدم : أمر آخر يا دكتور / محمد زيدان نتطرق في الحديث عنه ؛ وهو موضوع المناسبات الآن التي نتلمسها بين موضوعات ……………. عندما قلت النحل ومناسبتها لموضع السورة ، وقلت : إن النحل ……………… صدقت فعلاً النحل هي مرتبطة بالنعم والعسل ، ولكن لماذا خصت وارتباطها بموضوع السورة ؟ يعني هل ترى أن عنوان السورة له علاقة بموضوعها ؟

الضيف : هو في الواقع أن هذه المسألة – وهي قضية علاقة اسم السورة بمقصد السورة – تكلم فيها العلماء – كما تعلم – منهم من أثبتها ومنهم من نفاه ، قد يكون فيها تكلف .. لكن لاشك – والله أعلم – أن اسم السورة له علاقة للمتأمل المتدبر الذي رسخ علمه في كتاب الله – عز وجل – ولكن الذي لا يجد هذا ظاهراً ينبغي ألا يتكلفن .. لاحظ كلمة الإخلاص (سورة الإخلاص) .. لماذا سميت (سورة الإخلاص) ؟ لأنها تدل على الإخلاص ، و(سورة البقرة) وهي سورة طويلة لماذا ذكرت فيها اسم البقرة ؟ ما ذكر فيها أسماء الحج أو الصيام أو غير ذلك ؛ لأن قصة البقرة تشير إلى حال بني إسرائيل مع أوامر الله في تلكعهم وتشددهم وتساؤلهم فيه ؛ كأنها معلم لهذه الأمة المحمدية أن تحذر ما وقع فيه بنو إسرائيل في كل هذه التشريعات التي جاءت في هذه السورة ؛ فإياكم أن تكثروا السؤال على أنبيائكم وتتعنتوا وتتشددوا في آيات الحج .. في آيات الصيام .. في آيات القصاص .. في آيات الربا ، بل قولوا : سمعنا وأطعنا .

في هذه السورة معنا – بارك الله فيك – دقة بنائها وبنيانها أولاً تفصيل حالها ، وهي عجيبة .. انظر النحل كيف أنها مسلما الله تخرج العسل من فمها وتخرج الفرث من ذيلها وهذا الشمع الذي تبنى به بيتها ومن أجنحتها .. انظر أيضاً إلى دقة طرقها ومسالكها .. ومنها الخدم ومنها الملكة تدل على قدرة الله – عز وجل – هو الذي سخرها والذي خلقها فأبرزها لاسم السورة لنتأمل فيها ؛ ولذلك ذكر فيها فائدة عظيمة لمصلحتها { فيه شفاء للناس } الذي هو العسل .. هذا الذي يخرج منها فيه شفاء لكم أفلا تشكرون الله – عز وجل – ؟

فانظروا إلى خلقها وانظروا إلى نتاجها وهو العسل هذا الطيب .. لعل السر – والله أعلم – من هذا الفرقة في وصفها ووصف بنائها ومسالكها وطرقها ووصف العسل بألوانه وأشكاله لا شك أنها بارزة .

المقدم : أو لا شك أنها مع دقة خلقها وأنها صغيرة في الحجم إلا أنه يمزج منها شراب مختلف ألوانه ، وأيضاً يغالي الناس في ثمنه .. الآن العسل هل قيمة العسل كقيمة اللبن ؟

أضف إلى ذلك القز .. دودة القز على صغر حجمها يخرج منها الحرير ، وهو من أثمن الألبسة والعسل يخرج من هذه .. سبحان الله العظيم !.. أنا يوم ذكرت لي القصة يادكتور بالمناسبة يعني فائدة في (سورة البقرة) .. قد يقال لماذا ابتلي بنو إسرائيل بالبقرة ؟ لماذا لم يقل الله لهم : إن الله يأمركم أن تذبحوا فرساً أو تذبحوا شيئاً آخر ؟

فيذكر بعض المفسرين أنه قد ابتلى بنو إسرائيل بعبادة العجل فرسخ في أذهانهم أن العجل مقدس ، وسبحان الله العظيم ! على مدار التاريخ تجد من يعبد العجل .. انظر الآن الذين يعبدون البقر من دون الله ويسجدون لها .

قالوا : فأمرهم الله بذبح البقرة حتى يسكر في نفوسهم هذا التقديس لهذا الغير ، وبعضهم يذكر ما في البقر من البلادة وأنه مناسب لحال بني إسرائيل .

معنا – لو تكرمت – اتصال يا دكتور محمد .. الأخ : عبد الباري .. تفضل عبد الباري .

المتصل : السلام عليكم .. أحب أشكركم ياشيخ / محمد الربيعة على طرحه الجميل ..

سؤال : عندما يتأمل الإنسان (سورة النحل) يجد عندما ذكر الله النعم في أول السورة يذكر في آخر الآية يقول كما ذكر في الأولى ذكر في الأولى (يتفكرون) وفي الثانية (يعقلون) وفي الثالثة (يذكرون) وفي وسط السورة قال في الأولى (يسمعون) وفي الثانية (يعقلون) وفي الثالثة (يتفكرون) ما سبب الاختلاف من أول السورة إلى وسط السورة لماذا ما ذكرها كلها واحدة؟

المقدم : نعود لسؤال الأخ عبد الرحمن يا أبا عبد الله .. هو يسأل عن الآية التاسعة من (سورة النحل) فيقول إن الله – سبحانه وتعالى – يقول : [ وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ] {النحل:9} .. ما معنى هذه الآية ؟

الضيف : جميل .. والله سؤال في الحقيقة وجيه ؛ لأن هذه الآية تجد أنها معترضة في سياق ذكر النعم ، بل قال قبلها [وَالخَيْلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ] {النحل:8-9} .. لاحظ أنه غير السياق فلما ذكر الطرق الحسن التي مراكبهم الحسنة .. هي مراكب حسنة تسلكوا بها السبل .. فذكر في مقابل ذلك الطرق المعنوية ؛ وهي طرق الدين والهداية التي سخرها الله لهم .. كما سخر لهم هذه وهم يركبونها سخر لهم سبل الهداية وسبل الخير قال : [وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ] {النحل:9} يعني : على الله – عز وجل – تيسير السبل لكم سبل الخير ؛ ولذلك قال 🙁 ومنها جائر) : أي من هذه السبل منحرف ، كما قال الله – عز وجل – : [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ] {الأنعام:153} فقال : (ومنها جائر) .. منها جائر ليست عائدة على الخيل … بعض الناس يفهمها هكذا من السبل في نفس الآية ؛ ولذلك قال بعدها [وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ] {النحل:9} .. فجعلهم سبيلاً واحداً ، ولكنه جعلها سبلاً مختلفة ؛ ابتلاءً لكم .. فهذه الآية لماذا وردت ؟ تذكيراً لهم بما منّ الله عليهم من الخير كما منّ الله عليهم المعايش في الدنيا ، وهذه مثلها في سورة الحج [وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى] {البقرة:197}  ومثلها في قصة آدم في الأعراف لما ذكر الزاد للحج قال [وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى] {البقرة:197} .. ومثلها في الأعراف أيضاً : [يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى] {الأعراف:26} ، يذكر الطريق الحسن ثم يذكر الطريق المعنوي ، وهذا بديع في القرآن لو شبه الإنسان له .

المقدم : هذه وقفة لطيفة ، والحقيقة العناية بالسياق عند الحديث عن التفسير يعني الآية .. يسألون الناس لماذا ذكر الله كذا بعد كذا ؟ لماذا ذكر الله الآية الفلانية بين الآيات الفلانية ؟

هذه تحتاج في الحقيقة دقة في النظر .. النظر في السياقات ؛ لأن بعضها قد يضطرب على القارئ .. يقول ما علاقة هذه بهذه ؟ تحتاج إلى تأمل .

الضيف : لذلك يجب على الإنسان ألا يتعجل في القراءة فيسأل ؛ لذلك ذكر الرازي – رحمه الله – أن أكثر أسرار القرآن موجود في المناسبات .. لاحظ : [حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى] {البقرة:238}  في البقرة .. ما مناسبتها ؟ جميع الذي يقرأها يقول : (وش جابها) ؟

نقول بكل بساطة الله – عز وجل – أراد أن يرفعك من علاقاتك مع الخلق ومشاكلك معهم إلى علاقتك مع الله – عز وجل – لتصفو نفسك وتطيب نفسك وترتاح نفسك وترجع إلى أهلك سالماً غانماً ؛ فالإنسان إذا وقع في مشكلات وفي العلاقات الاجتماعية يجب أن يرتفع إلى ربه – عز وجل – بصلاته ومناجاته فتهدأ نفسه ، ويقول رسول الله – عليه الصلاة والسلام – : ” أرحنا بالصلاة يا بلال ” ؛ فيرجع إلى بيته ساكناً هادئاً – بإذن الله عز وجل – .

المقدم : هذه لفتة لطيفة جداً الأخ عبد الباري يشكرك .. ونحن كذلك نشكرك ، والحقيقة يا دكتور محمد الناس في حاجة الحقيقة إلى طرق هذا الموضوع بكثرة .. بيان موضوعات السور ومقاصدها وكيفية ربط موضوعاتها ببعضها البعض ؛ لأنهم ربما بعضهم يكثر الآن في رمضان .. يقرأ بعضهم يمكن عشرة خمسة عشر مرة ولا لم يستوقف هذا الموضوع ولا مرة .

الأخ عبد الباري يسأل يقول : عندما يتم الله – سبحانه وتعالى – في أول سورة النحل فقال : [يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ] {النحل:11} ثم عقبها فقال [إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ] {النحل:11}  ، ثم قال في التي بعدها : [إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ] {النحل:12} ، ثم قال في التي بعدها : [إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ] {النحل:13}  .. يقول : ثم في وسط السورة عندما عدد الله – سبحانه وتعالى – العلم أيضاً قال يسمعون .. لقوم يعقلون .. لقوم يتفكرون ، يسأل ما هو – يا ترى – في هذه التعقيبات ؟

الضيف : هو سؤال وجيه في محله ، وهو ينم عن تدبر ، وهي مما ينبغي للإنسان أن يقف معه فواصل الآيات ..
فواصل الآيات في الحقيقة – كما تعلم دكتور عبد الرحمن – فيها أسرار ، ختم الآية مثل (غفور رحيم) ، (عزيز حكيم) .. لماذا ربطها بما قبلها ؟ تجد فيها ملاحظات وهدايات ودلالات .. هنا – والله عز وجل أعلم – لو تأملنا وتدبرنا الآية .. الآية الأولى قال : [يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ] {النحل :11} … هذه الأمور كلها من الأمور المشاهدة والحسية ؛ فهي تحتاج إلى فكر .. تفكير فيها .. كيف تنبت ؟ كيف تنمو ؟ كيف تزرع ؟ النخيل .. أنواعها وأشكالها والأعناب وأشكالها تحتاج إلى فكر ؛ لذلك قال (لقوم يتفكرون) .. جميل ، وهذا التفكر يدلهم على الخالق وعلى ألوهيته – سبحانه وتعالى – ووحدانيته .. بعدها قال : ( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) ، وقال : [وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ] {النحل:12} .. وهذه غير مشاهدة تحتاج إلى عقل .. كيف الليل يخرج ؟ كيف النهار يخرج ؟ وكيف الشمس تغيب ؟ كيف الشمس تخرج ؟

وهذه ليست أمام أعينهم قريبة .. يعني هم الذين يباشرونها .. هذه في أفلاك الله – عز وجل – فلذا قال : (قوم يعقلون) .. يحتاج إلى عقل .. أنه لا يمكن أن تكون هذه بغير مدبر لاشك ، وهذا يدلهم على الإله … أما الآية الثالثة : [وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ] {النحل:13} .. بعد هذه الآيات … بعد التفكر ثم التعقل يسير الإنسان إلى التذكر نتيجة ؛ ولذلك جاءت بعدها في الآية التي بعدها قال : (ولعلكم تشكرون) ؛ فلاحظ – بارك الله فيك – هذا التدرج ..
ثم تشكر ، وهذا الحقيقة – والله أعلم – التدرج أو تتابع الآيات على هذا الترتيب لهذا المعنى … أو لمعانٍ أخرى ، والله أعلم .

المقدم : صدقت ، وهذا يحتاج يا دكتور محمد – فيما يبدو لي – إلى إعمال النظر مرة بعد مرة ، ثم أنت الآن وقد أجبت بهذا الجواب ربما إنك لو تأملت وتمعنت أكثر لظهرت لك أسرار لم تظهر لك في البداية ، وهذا من طبيعة النص القرآني أنه غني.

الضيف : لكن هنا مسألة يادكتور عبد الرحمن ؛ وهو أن الإنسان يتأمل في الآية ويربطها في المناسبة ، وهذا من الاجتهاد حتى يقول الإنسان : أخشى أن أتكلف .. نقول : لا تتكلف .. اجتهد في ربطها بالآية التي فيها .. فإن وفقك الله لذلك فهذا اجتهاد منك كاف وأنت مأجور عليه .. وإن لم تستطع فارجع إلى بعض كتب التفاسير .

المقدم : مثل ماذا يا دكتور ؟ مثل كتاب تفسير معين على هذه الفوائد التي تذكرها .

الضيف : والرازي يعتني بها كثيراً .. البقاع يعتني بها كثيراً .. البقاع في كتابه (نظم الدرر) .. ابن عاشور في (التحرير والتنوير) .. (البحر المحيط) – وإن كان واسعاً – .

أما بالنسبة للموضع الثاني – والله أعلم – اللي في الوسط ذكر مثال : ما هو إحياء الأرض آية (65) ثم قال [إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ] {النحل:65} ، فالحقيقة التماس هذا المعنى يحتاج إلى تأمل .. لكن يظهر لي – والله أعلم – أن المناسبة لما ذكر إنزال الماء وإحياء الأرض .. وهو دال على البعث والنشور ودالٌ على إنزال القرآن أياً لأنه قال بعدها : [وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ] {النحل:64} .. فهو هذه الآيات .. آية لقوم يسمعون، يفهمون، ويستجيبون ؛ فانظروا إليها ..
أما بالنسبة لما بعدها قال : [وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ] {النحل:67} .

حقيقة فيه ملحظ جميل : هو أنه لما ذكر الشكر قال : (تتخذون منه سكراً) ، والسّكْر يذهب العقل وسكت عنه .. ما وصفه .. قال : { إن في ذلك لآية لقوم يعقلون } : يعني صفت عقولهم وعرفت .. هذا المعنى لاحظ – والله أعلم – الارتباط بين ذكر السّكْر والعقل ، أما بالنسبة للتفكر في الآيات التي يجدها أن كما ذكرنا أنها آية رقيقة .

المقدم : هذه تحتاج إلى وقفة .. نأخذها بعد اتصال الإخوة .. الأخ أبو أسامة إتفضل .. حياك الله .
المتصل : السلام عليكم .. عندي اقتراح .. الاقتراح بالنسبة للأسئلة التي تكون خارج الجزء المحدد .. يا ريت تكون في آخر الحلقة لأن نحن نكون مستمعين لهذا الجزء المحدد ، وجزاكم الله خيراً .

الاستفسار الأول عن الآية الثانية في (سورة الحجر) : [رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ] {الحجر:2} .. نحن تعودنا على ربما .. هل التخصيص لحاجة لغوية أو غير ذلك !!؟

الثاني: [نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ] {الحجر:49} آية 49 وآية 50 .. [وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ] {الحجر :50}  .. يا ريت نأخذ كذا مناسبتها .

الآية الثالثة : [وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ المُرْسَلِينَ] {الحجر :80} .. أصحاب الحجر ـ كما علمت ـ أنهم هم قوم صالح .. لماذا في هذه الآية فقط من القرآن كله سموا بأصحاب الحجر ؟ .. الله يجزيكم خير .

المقدم : الأخت نورة من السعودية تفضلي .. طيب لا بأس .. نعود للآية التي ختمت بها حديثك ؛ وهي آية مهمة يذكرها العلماء دائماً في ابتداء تشريع تحريم الخمر فيقولون : إن أول إشارة لتحريم الخمر هذه الآية التي في (سورة النحل) في مكة ، وهي قوله – تعالى – : [تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إ] {النحل:67} .. تعليقك على وجه الاستنباط في هذه الآية ..

الضيف : الله – عز وجل – امتن عليهم بالنخيل والأعناب ، وأنها منها يًصنع السُكر ومنها يصنع الرزق .. وهو التمر والعنب، فذكر جانبا .. وهذه السورة – كما تعلم – مكية وقد كان الخمر لم يحرم بعد .. فذكر الله – تعالى – .. هذا في خطاب المشركين .. أيضاً أنه ذكر لكم .. سخر لكم هذه النخيل والأعناب التي تتخذون منها هذا السكر وهذا الخمر .. فذكرهم بذلك لأنهم مشركون .. ولأن الخمر لم تحرم بعد .. ثم أشار إلى ما هو حلال وهو الرزق ؛ لذلك سماه رزقاً.

المقدم : أيوه وصفه بالرزق : (تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً) ، فسكت عن وصف السكر بأنه حسن ووصف الرزق بأنه حسن ؛ ولذلك قال العلماء هذه أول إشارة إلى أن الخمر ستحرم .

المضيف : ولعل أيضاً ما يشير إلى كراهة الخمر هنا التعبير بقوله سكر ؛ فالسكر بمعنى خمر يؤدي إلى السكر وذهاب العقل.

المقدم : أيضاً مما يؤكد على هذا المعنى كلامك الجميل الذي تفضلت به .. فإنه ختم الآية بقوله: (قوم يعقلون) للإشارة إلى أن السكر يتنافى مع العقل فيذهبه ، وهذه فكرة جميلة جداً ..

في – دكتور محمد – سائل سألنا عن الآية الثالثة من (سورة النحل) .. وهي قوله –  سبحانه وتعالى – :

الضيف : الآية الثانية من (سورة الحجر) ، وهذا تخصصك يا دكتور أبو أحمد .

المقدم : طبعاً قبل ذلك هذا سؤال جاءنا من جوال لك بالحق – تعالى – [خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ] {النحل:3} .. ما معنى هذه الآية في (سورة النحل) رقم (3) ؟

الضيف : أي نعم .. هو الله – عز وجل – لما ذكر في أول السورة افتتاحها قال – سبحانه وتعالى – عما يشركون في ألوهيته وربوبيته ، ثم ذكر هنا إنزاله الوحي : ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) {النحل:2} بدأ في ذكر دلائل وحدانيته .. أول دلائل وحدانيته خلق السماوات والأرض بالحق ؛ فهو خلقها بالحق وخلقها لحكمة يريدها .. فمنها تسخير هذه الأرض للبشر ليعبدوا الله – عز وجل – فمناسبتها أنه افتتح الله بها دلائل وحدانيته.

المقدم : أيضاً تقدس وتنزه – سبحانه وتعالى – .

المقدم : أيضاً في إشارة – كما تفضلت – في قوله – سبحانه وتعالى – في آية أخرى : [لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] {غافر:57} ؛ فلذلك يستدل بها لكونها من أعظم المخلوقات ..

أما سؤال الأخ عن قوله : [رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ] {الحجر:2} .. هذه لغة .. بعض القبائل تقول (ربّما) وبعضها تقول (ربَما) ، وقد وردت قراءة ربَما وربَما في هذه الآية .. يسأل أبو أسامة سؤالاً عن قوله : [نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ] {الحجر:49} وأنا على ثقة أن لديك فيها تفصيلاً ؛ لذلك استأذنك أن آخذ اتصال أبو أحمد قبل الحديث عن هذه الآية ..

أبو أحمد تفضل .. حياك الله .

المتصل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. حياك الله ياشيخ وحيا ضيفك الكريم .. عندي سؤال ياشيخ في آية (سورة النحل) في قوله – تعالى – : [وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا] {النحل:35} ..
هي طبعاً شبيهة بآية (الأنعام) يقول : [سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا] {الأنعام:148}  ..
فما الفرق بين هنا : [وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ] {النحل:35} ، والآية قال : [وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ] {الأنعام:148} بدون من دونه ؟

المقدم : أبو أحمد لو تعطينا رقم الآية .

المتصل : آية (35) وفي (الأنعام) ….

المقدم : يكفي (الأنعام) نرجع لها .

المتصل : السؤال الثاني في قوله – تعالى – في (سورة النحل) : [وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ] {النحل:70} ، ومن في آية رقم (70) نلاحظ أن الله – سبحانه وتعالى – قال الله : (خلقكم ثم يتوفاكم) ، ثم ذكر مرحلة قبل الوفاة اللي هي (وفيكم من يرد إلى أرذل العمر) .. يعني التقسيم المنطقي أن يقال : الله خلقكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ثم يتوفاكم ، فما الحكمة أنه قدم مرحلة الوفاة ثم ذكر مرحلة هي ما بين الوفاة والخلق ؟

في سؤال ثالث أيضاً يا شيخ : في قوله – تعالى – أيضاً الآية التي بعدها : [أَفَبِالبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ] {العنكبوت:67} نلاحظ كلمة (نعمة) في القرآن أحياناً تكتب بالتاء المفتوحة وأحياناً تكتب بالتاء المربوطة كقوله : [وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ] {الضُّحى:11} .. فهل في فرق بين النعمة التي تكتب بالتاء المفتوحة والنعمة التي تكتب بالتاء المربوطة ؟ وهذا أيضاً في (رحمة) .. أحياناً تكتب بالتاء المربوطة وأحياناً بالتاء المفتوحة .

أيضاً يا شيخ سؤال في الأمثال التي ذكرت في هذه السورة : [ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا] {النحل:75} .. ثم ذكر المثل الآخر : [وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ] {النحل:76} .. يعني كلا المثلين سيق لأجل إثبات أن لله حق العبادة ، لكن ما الفرق بين المثلين في الدلالة على هذا ؟ وما الحاجة في أن يضرب المثلين للدلالة على شيء واحد وفي موطن واحد ؟

السؤال الأخير أيضاً يا شيخ – وأعتذر عن الإطالة – في قوله – عز وجل- : [شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {النحل:121} .. فالوقف هنا شاكراً لأنعمه .. أو شاكراً لأنعمه اجتباه الوقف في القرآن هنا أن الوقف على لأنعمه ، لكن لو وقف شاكراً لأنعمه اجتباه ، ثم ..وهداه إلى  صراط مستقيم الفرق في المعنى لكان الوقف على لأنعمه ، ولا مكان الوقف على اجتباه.

المقدم : شكراً يا أبو أحمد على أسئلتك .. تفضلي ياأخت نورة .

المتصلة : السلام عليكم … لو سمحت يا شيخ في الآية 75 و76 من (سورة النحل) مفهوم – والله أعلم – أن الأول المثال للعبد المملوك والثاني للأبكم يعني ما ورد من ذكر لأنهم أصلاً ما لهم من حول ولا قوة هذا في سورة النحل في الآية الأولى الآية 33 من سورة النحل [هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ المَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ] {النحل:33} ما المقصود بمجيء الملائكة هنا ؟ وهل مجيء الملائكة داخل في أمر الله .. يأتي أمر ربك ؟

المقدم : معنا الأخت محبة القرآن من ليبيا .

المتصلة : السلام عليكم .. .حياكم الله .. لدي سؤال : آية 87 (سورة الحجر) : [وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ المَثَانِي وَالقُرْآَنَ العَظِيمَ] {الحجر:87} ، ما المراد بالسبع المثاني ؟ ولماذا سميت بالمثاني ؟

المقدم : تلاحظ يا أبا عبد الله الأسئلة كثيرة ، ولعلها أسئلة جيدة .

الضيف : أعجبني منها أن فيها تدبراً وفيها تأمل ، وهذا الذي نريده كذلك .. من يقرأ هذا الجزء يقرأه حقيقة وهو يتساءل وإذا جاء عنده السؤال لا يعرفه .. يكتبه ثم يسأل عنه .

المقدم : والله أنا متفائل يا دكتور بالأسئلة الدقيقة هذه .. إن عودة الناس للقرآن عودة واضحة – ولله الحمد – .. أبو أسامة يسألنا سؤالاً في (سورة الحجر) في آية 49 و50 يادكتور .. يقول : قوله – سبحانه وتعالى- :  [نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ] {الحجر:49} .. يقول : يعني معنى هاتين الآيتين ، وسر ختم الآيات التي سبقتها جميعاً .. ثم ينتقل إلى قصة إبراهيم .

الضيف : طيب لاحظ – بارك الله فيك – أنه قال في الآيات .. قال : [قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ] {الحجر:39-40} ، ثم قال الله – تعالى – بعدها : { إن عبادي ليس لك عليهم …} ، وهنا الله – عز وجل – ذكر العباد .. وحتى الكفار عباد الله ، فهو قال : {نبئ عبادي} هؤلاء الذين يغويهم الشيطان ويريد أن يحرفهم عن سبيلي .. نبئهم { أني أنا الغفور الرحيم } : حين يطيعونني ويعصون الشيطان ويستجيبون لي ، { وأن عذابي} لمن عصاني واتبع الشيطان .. فهي مناسبة لذكر حال الشيطان وكونه اتخذ على نفسه عهداً بعداوة بني آدم وإضلالهم ؛ فهو ترغيب وترهيب .

المقدم : وأيضاً الحقيقة فيها امتنان يادكتور .. أليس كذلك ؟ فعندما يقول الله – تعالى- ويرد على الشيطان ويدحره ويقول : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } لو قال : إن الناس ليس لك عليهم سلطان .. لكن عندما يقول : { إن عبادي } فيها معنى الحماية .. ليس لك عليهم سبيل ، ثم يقول { نبئ عبادي} .. فيها إشارة وتحبب للقلب أن يتوبوا ويعودوا إليه .

صحيح .. فتح الله عليك يا أبا عبد الله ، نستأذنك يا أبا عبد الله ونستأذن الإخوة المشاهدين في فاصل نعرف فيه بكتاب لعلهم ينتفعون به ، وأرجو أن يسجلوا عنوانه ويستفيدوا منه ، ثم نعود إليكم .. فابقوا معنا .

الفاصل :

– التفسير الميسر .. قام بتأليف هذا الكتاب نخبة من العلماء المتخصصين في الدراسات القرآنية ، وقد صدر هذا التفسير عن (مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف) في المدينة المنورة عام 1419هـ .

–  وقد تم تأليف هذا التفسير السهل الميسر في عبارته وأسلوبه لتلبية حاجة المسلمين الذين يقرأون القرآن الكريم ، ويرغبون في معرفة معانيه بيسر وسهولة دون تطويل ودخول في اختلافات المفسرين وتعدد أقوالهم ؛ مما لا يحسنه إلا أهل العلم المتخصصين ومن في حكمهم ..

– وقد حرص المؤلفون على توحيد المنهج للعناية بذكر أصح الأقوال في تفسير الآية  مما تطمئن إليه النفس .. مع العناية بأقوال السلف الصالح في تفسير القرآن وسلامة المعتقد .

المقدم : مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون مرة أخرى في برنامجكم (التفسير المباشر) ، وأجدد الترحيب بأخي ضيف هذا اللقاء فضيلة الشيخ الدكتور / محمد بن عبد الله الربيعه «الأستاذ المساعد بجامعة القصيم والمتخصص في الدراسات القرآنية، والأمين العام لـ (الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم) » .. حياكم الله يا أبا عبد الله مرة أخرى .

كان حديثنا عن : [نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ] {الحجر:49} .. سأل الأخ أبو أسامة سؤالا فقال : إن أصحاب الحجر هم قوم صالح – كما يعلم – فيقول : لماذا في هذه السورة سماهم (أصحاب الحجر) ، فقال : [وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ المُرْسَلِينَ] {الحجر:80} ، فيقول هل من علة ياترى في هذا التخصيص هنا ؟

الضيف : والله ما يظهر لي إلا أن الله – سبحانه وتعالى – ذكر من حالهم : {وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين } ؛ فهم (أصحاب الحجر) لهذا المعنى .. والسورة كما نعلم أنها في التشديد على الكافرين والتغليط عليهم وذكر استكبارهم ؛ فانظر كيف هؤلاء الذين ينحتون الجبال وهم (أصحاب الحجر) قوم صالح (ثمود) ، والحجر هو واد هناك ، وهذا الحجر نسبوا إليه ؛ فذكر الله – سبحانه وتعالى – هنا صفاتهم التي فيها قوة وفيها جبروت .. فقد يكون – والله تعالى أعلم – مناسباً هذا الذكر تخصيصهم ؛ لذلك سميت السورة بهم .

المقدم : جميل جداً .. يسال الأخ أبو أحمد أيضاً سؤالاً في الحقيقة يبدو أنه يحتاج تأملاً .. هو : ما الفرق بين الآية رقم (35) في (سورة النحل) وهي قوله – سبحانه وتعالى- : [وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا البَلَاغُ المُبِينُ] {النحل :35{ ؟

الضيف : هذا ما يظهر لي فيها شيء الآن ، لكن الحقيقة لو تأملت سياق السورة هنا وهناك وتدبرت العلا .

المقدم : يعني هو الفرق يقول : هنا في سورة الأنعام [سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا …] {الأنعام:148}  .. حتى نشرك الأخوة المشاهدين في الآيتين ، وهي الآية 148 من سورة الأنعام يقول : [سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ] {الأنعام:148} ، وهنا في النحل يقول [وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ] {النحل :35}  ، وهنا ..

الضيف : لاحظ أنه في (النحل) ذكر في الأول قال : { لو شاء الله ما عبدنا من دونه} فذكرها { ولا حرمنا من دونه} ، لكن إنه لاشك له معنى آخر .. هذا التعبير له دلالة لكن ما يظهر لي – والله أعلم – الآن .

المقدم : ومثل هذا حقيقة كما يقولون يا دكتور محمد أذكر كلمة جميلة كان يذكرها لنا أستاذ يدرس لنا في الكلية قديماً ، فكان كثيراً يطرح الأسئلة ويتركها بدون أجوبة ، فقلت له : أنت تذكر الأسئلة ولا تجيب عليها ، فقال : حتى تفكروا فيها ، فقال لي : اسمع أنا سمعت كلمة من أستاذ لي قديماً قال : الدرس الذي يثير الأسئلة هو أفضل من الدرس الذي يعطي الأجوبة .. أن تخرج من الدرس وقد أثيرت في ذهنك عدد من الأسئلة تبحث عن إجابتها وتأمل فيها خير من الدرس الذي يعطيك الأجوبة مباشرة دون إعمال ونَصَب ..

نحن نقول للإخوة المشاهدون الآن .. الآن أبو أحمد أنا الحقيقة أشكره .. الحقيقة على أسئلته .. أبو أحمد يسألنا يومياً هو متابع – جزاه الله خيراً – وهو ممن يشجعنا في هذا البرنامج بأسئلته ودقة السؤال ؛ لأن السؤال يدل على عقل صاحبه  لعلنا نراجعها .

الضيف : هو الحقيقة أنا لاحظت أن أكثر أسئلته في المتشابه ، وأنا أحيله للحقيقة شخص له اهتمام كبير في المتشابه في الشخص .. هو أحد الباحثين في (جامعة أم القرى) الشيخ / فهد الشتوي ، ورسالته في (المتشابه اللفظي وأثر السياق في حله في قصة موسى) ، وأبدع في هذه الرسالة ، ثم تبعه بعض الباحثين والباحثات في قصة لوط وإبراهيم .

المقدم : في تصوري ياأبا عبد الله أن مثل هذه الأسئلة طبعاً إثارتها في حد ذاته تعتبر خطوة رائعة ، ثم الإجابة عنها تحتاج إلى إعمال العقل .. لكن لدينا اتصالين من ليبيا .. الأخ عيسى من ليبيا .

المتصل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. كيف حالك ياشيخ محمد ؟ أريد تفسير قوله – تعالى – في (سورة يونس) .. وهي الآية التي تقول : [أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ] {يونس:62} [لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ] {يونس:64} .. ما معنى كلمة : أولياء الله ؟ والله هو الولي الحميد ؟ يعني تفصيل هذه الآية مشكورين ، وبارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً  .

المقدم : معنا الأخت سمر من سوريا .. تفضلي ياأخت سمر .

المتصلة : السلام عليكم .. لو سمحتم عندي سؤال في العقيدة .. أنا امرأة ملتزمة – ولله الحمد والشكر- ولكن تراودني شكوك حول – والعياذ بالله – حول وجود الله .. أنا ملتزمة – ولله الحمد – ولكن هذه الشكوك لا تؤثر على عباداتي ، وأزيد منها للتغلب عليها من عبادة التفكير من قراءة القرآن .. متابعة البرامج الدينية ، ولكن دائماً هذه الأفكار تسيطر على سؤال : هل أنا مؤمنة ؟ هل إذا مت على هذا الحال ما هو مصيري ؟ مع إني دائماً – والحمد لله – دائماً أقوم بجميع عباداتي .

المقدم : نعود ياأبا عبد الله إلى الحديث في قوله – سبحانه وتعالى – :  والله خلقكم …  في سورة الأنعام .

الضيف : نذكر – بارك الله فيك – مصادر الآيات في (غرة النزيل) للكافي .. فيه .. لا بين جمع (ملاك التأويل) .

المقدم : (ملاك التأويل) للغرناطي عرضناه على الإخوة في حلقة من الحلقات ، وهذا كتاب فعلاً قيم .. (ملاك التأويل) القاطع لذوي الإلحاد والتعطيل هذا للزبسر الغرناطي .

الضيف : فيه —— للأنصاري هي الحقيقة تعينك حين يأتيك المتشابه فيه الحقيقة دقائق ومعان جميلة .
المقدم : والحقيقة كما ذكره الذي يكشفها لتلك التدبر والتأمل .. سائل يسأل – وهو أبو أحمد أيضاً – يقول : يقول الله في آية رقم (70) من (سورة النحل) : [وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ] {النحل:70} .. ثم سؤاله يقول : الترتيب المنطقي – كما يرى هو – أن المفروض أن يقال : والله خلقكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ثم يتوفاكم ؛ لأن الرجوع إلى أرذل العمر قبل الوفاة .. فيقول : ما هي الحكمة يا ترى في ذكر الله خلقكم ثم يتوفاكم ، ثم ذكر وفيكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئاً .

السؤال : هل يرد إلى أرذل العمر هي قيم للخلق والوفاة ؟

الضيف : الذي يظهر لي – والله عز وجل أعلم – أن الله – عز وجل – هنا ذكر الحالة الطبيعية (سورة النعم) .. الحالة الطبيعية هي خلقكم ثم وفاتكم ؛ يعني تكون حياتهم خلق ثم وفاة طبيعية .. قال : وفيكم من يرد إلى أرذل العمر  هذه حالة قليلة وأيضاً فيها من الحالات التي لا يرضاها هذا الإنسان ؛ لأن بها يذهب عقله وبها الناس يتركونه .. إلى غير ذلك ؛ فهي سورة في النعم .. لما كانت السورة في النعم آخر ما لم يكن هذا من النعم … لعل هذا ، والله أعلم .

المقدم : هذه لفته جميلة .. الرجوع إلى أرذل العمر ليس مما يمتن به على الناس .

الضيف : تذكر لي هنا اللهم إنا نعوذ بك من أن نرد إلى أرذل العمر تذكير في سياق الخلق كأنه قال تذكروا هذا الخلق .. ثم تذكروا إن فيكم كذا.

المقدم : ولاحظ يا دكتور محمد وهذه فائدة مهمة جداً أن الله – سبحانه وتعالى – ذكر العلم أنه من أهم صفات الإنسان .. يعني أنت الآن كإنسان قيمتك فيما تعلم ولذلك قال : ( ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ).. لماذا ؟ لكيلا يعلم بعد علم شيئاً ، ثم ختمها فقال : ( إن الله عليم قدير).

الضيف : أي والله الإنسان إذا رأى إنساناً يعني عنده تخلف عقلي أو إنساناً كبيراً يهذي والله إنه ليعرف نعمة الله عليه .. يعرف نعمة الله عليه بالعقل ..نعمة الله عليه بالعلم ونعمة الله عليه بالصحة والعافية .. فالله – عز وجل – هنا يذكرنا بذلك.

المقدم : أذكر يادكتور محمد عبرة لنا جميعاً وللإخوة المشاهدين .. كان هناك كاتب مشهور جداً أعرفه مصري – رحمه الله – توفي وكاتب من أعمق الكتاب .. يعني عندما تقرأ كتبه أحياناً تحتاج إنك تكرر مرة ومرتين حتى تفهم ما يكتب من عمق العلم .. لقيته وقد بلغ من الكبير عتيا وأصبح عقله يذهب ويعود ، فلما تأملته وهو يهذي لا يعرف من يأتي إليه ويتكلم بكلام ليس له أساس تذكرت هذه الآية : [وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ] {النحل:70} .. ربما لا تستطيع فهمها من عمقها .. وهو الآن الذي لا يستطيع أن يبين عما في نفسه .

الضيف : لكن هنا الحقيقة فائدة يادكتور عبد الرحمن كنت قرأتها ، وأظنها صحيحة والواقع يؤكدها ؛ وهي أن صاحب العلم الشرعي الراسخ العالم بكتاب الله الحافظ لكتاب الله لا تجده يهذي ؛ لأنه يحمل شرع الله .. كيف يهذي وهو يحمل شرع الله ؟ ولهذا حفظ الله الأنبياء من قبل بهذا ؛ فهذا دليل على أن صاحب العلم وصاحب القرآن – بإذن الله – محفوظ من هذه الحالة – بإذن الله – .

المقدم : هذه لفتة مهمة جداً .. نسأل الله أن يحفظنا ويحفظ جميع المشاهدين .

الأخ أبو أحمد من أسئلته قال : [أَفَبِالبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ] {العنكبوت:67}  .. نعمت كتبت هنا بالتاء المفتوحة وفي بعض المواضع تكتب بالتاء المربوطة .. [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ] {النحل:18}  .. [أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ] {النحل:71}  .. آية رقم (71) ما هو جواب هذا التساؤل ؟

الضيف : والله ما عندي علم .. أنت أعلم .

المقدم : هذي جوابها يا أباعبد الله إنها هذه من الرسم العثماني ؛ ولدلك يقول ابن الجزري – رحمه الله – في المقدمة .. قال يشير إلى أنه يجب على المسلم أن يتعلم قراءة القرآن الصحيحة ، وأن يتعلم أيضاً رسم المصحف .. ومن الأشياء التي ينبغي عليه أن يتعلمها ويحرص عليها قال :

ومن كل موصولٍ ومفصولٍ بها    وتايٌ فلم تكن تكتب بها

تعودنا إن (رحمة) تكتب بالتاء المربوطة .. لكنها كتبت في القرآن في بعض المواضع بالتاء المفتوحة كما في قوله [ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا] {مريم:2} ..

أقول له بكل اختصار : ليس هناك فرق في المعنى .. الذين يلتمسون الآن الأسرار هذه في الرسم العثماني الحقيقة يتكلفون .. يتكلفون تكلفاً بائباً ، ولا يمكن أن يرجعوا إلى قاعدة يمكن الرجوع إليها والاتفاق عليها .. فهي من حيث المعنى لا فرق منها  ولكن الفرق هو في القراءة ؛ فإذا كانت مكتوبة بالتاء المفتوحة فيوقف عليها بالتاء ، فقول مثلاً : (أفبنعمت) ثم تقف ، ثم تقول (أفبنعمت الله) ، أما إذا كتبت بالتاء المربوطة فيوقف عليها بالهاء فيقال (أفبنعمة) مثلاً ؛ فهذا هو الفرق بينهما ..
ولذلك لما جاء المراكش يادكتور محمد له كتاب اسمه (عنوان الدليل في مرسوم التنزيل) جاء يتلمس أسرار الكتابة بالرسم العثماني فيقول : إن التاء المفتوحة تدل على الانبساط ؛ فالله – سبحانه وتعالى – عندما قال { أفبنمعت الله } كتبت بالتاء المفتوحة .. دل على أن الله قد بسط النعمة .

الضيف : والله هذا له وجه .

المقدم : ولكنه لا ينتظم لك .. عندما تتلمس مثل هذه الأشياء أنت ترجع إلى من كتب الذين رسموا ؛ فهم لم يجعلوا عللاً في الكتابة بالتاء المفتوحة .

الضيف : لكن أصل هذه الكتابة هل هي على كتاب الوحي في الأول أو بعد أن نُقِط المصحف ؟

المقدم : طبعاً أصل الكتابة – كما تعلم – أصلها غير منقوط ، لكن الذين جاءوا ونقطوها لم يغيروا شيئاً فيما وجدوه .. فوجدوا التاء مفتوحة وتاء مربوطة ، وحتى على افتراض يادكتور محمد إن لها حكماً فهي لم يصرح بها من فعلوها ؛ ولذلك كان يقول الخليل بن أحمد عندما قيل له في مثل هذا حتى في قواعد النحو .. قال له : أنا لا أعرف العلل نصاً ممن وضع اللغة ؛ يعني ما جاء توقيفاً ، فقال : أنا جعلت الفاعل مرفوعاً لكذا ولا نصبت المفعول لكذا .. ولكنني ما مثلي إلا كمثل رجل دخل إلى بيتْ قد أحكم بناؤه ولم يحب صاحبه الذي بناه فيه ، فأخذ يتلمس العلل فيقول : ما وضع صاحب البناء هذه الغرفة هنا إلا من أجل كذا ؛ فقد أصيب وقد أخطيء .

الضيف : على كل حال أن أحلت الجواب عليك لأنك أهل علم بالرسم .

المقدم : جزاك الله خيراً يا أبا عبد الله .

المقدم : فيه يا أبا عبد الله سؤال للأخ أبو محمد أيضاً في قوله – تعالى- : { ضرب الله مثلا } ، وهذا سألت عنه أيضاً الأخت نورة ، وهو ضرب المثل هنا يا أبا عبد الله : [ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا] {النحل:75} فهو ينفق منه سراً وجهراً هل يستوون الحمد لله [وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {النحل:76}  طبعاً يقول أبو أحمد : ما هو سبب ضرب هذين المثلين ؟ وما الحكمة منهما ؟ الأخت نورة تقول : لماذا ضرب الله المثل بهذين المثلين وهما لا يملكان من أمر أنفسهما شيئاً ؟ .. المملوك لا يملك من أمر نفسه شيئاً والأبكم كذلك .

الضيف : والله أنا الآن لا يظهر لي السر – والله أعلم – في ذكر المثلين ، لكنه قال قبلها : [فَلَا تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ] {النحل:74} ، فذكر المثلين .. لكن يظهر – والله أعلم – أن المثل الأول [ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا] {النحل:75} فهو ينفق من سراً وجهراً هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون { .. ضرب الله – سبحانه وتعالى – مثلاً ليفرق بين من يستطيع لإثبات الملك – عز وجل – والألوهية لله – عز وجل – .

المقدم : شكر الله لك يا أبا عبد الله .. في الحقيقة أنا أتصور الحديث عن هذا المثل يحتاج إلى وقت أطول من هذا ، ويبدو أن الوقت قد أدركنا ؛ لذلك نعتذر للإخوة المشاهدين عن بقية الأسئلة لعلنا نجيب عنها في حلقة أخرى ..
نعم انتهى الوقت ، ولا يسعني في الحقيقة في نهاية هذا اللقاء الماتع مع أبي عبد الله إلا أن أشكره باسمكم جميعاً – أيها الإخوة المشاهدون – نشكر الأخ الدكتور/ محمد بن عبد الله الربيعة « الأستاذ المساعد بـ (جامعة القصيم) والمتخصص في الدراسات القرآنية والأمين العام لـ (الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم) » على ما أتحفنا به في هذه الحلقة من الفوائد والإجابات الموفقة .

أسأل الله أن يتقبل منكم ، وأشكركم أيها الإخوة المشاهدون ، وألقاكم غداً – بإذن الله – حتى ذلك الحين أستودعكم الله .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أذيعت هذه الحلقة بتاريخ : 14/9/1429هـ