الحلقة السادسة
ضيف البرنامج في حلقته رقم (100) يوم الاثنين 6 رمضان 1431هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالله العبيدي القحطاني الأستاذ المساعد بكلية الشريعة بجامعة الملك خالد بأبها.
وموضوع الحلقة هو :
– علوم سورة الأنعام .
– الإجابة عن أسئلة المشاهدين حول الجزء السادس من القرآن الكريم .
———————-
سورة الأنعام
سبب تسمية السورة
سورة الأنعام سورة مكية سميت بهذا الإسم – وهذا الإسم هو المعروف لا يعرف لها إسم غيره – بعض السور لها أكثر من إسم لكن هذا الإسم المعروف لها، سميت بهذا الإسم لذكر الأنعام فيها ومع أن الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ذكرت في سور أخرى إلا أنها لم تذكر بتفصيل مثلما ذكرت في هذه السورة وسميت بهذا الإسم لذكر الأنعام فيها وأيضاً سميت بهذا الإسم – ولعله يأتي إن شاء الله في بيان مناسبة إسم السورة لمحورها ومقصدها لأن هذه السورة تناولت قضايا وللأنعام علاقة بالقضايا التي ذكرتها هذه السورة. وهي أول سورة مكية من السور الطوال حسب ترتيب المصحف. وبالنسبة للتسمية ذكر الفيروزأبادي تسمية اجتهادية من عنده لم تنقل فيما أعلم عن غيره وهي أنها سورة الحُجّة وذلك لأن هذه السورة قائمة على المحاجة بين الأنبياء وأقوامهم كذلك إقامة الحجة على الكفار (قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ (149) (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ (83)) (وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ (80)) وهذا الإسم له وجاهة من حيث ارتباطه بموضوع هذه السورة.
مقصد سورة الأنعام الأساسي:
السورة مكية ولا شك أن معرفة السورة ومتى نزلت السورة له أثر كبير في معرفة مقصد السورة لأن السور المكية كما علم وطرع في كثير من المناسبات تعني بقضايا العقيدة وأصول الإيمان لأن السور المكية التي نزلت قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة كانت تركز على هذا الجانب الذي هو أهم الجوانب لأنه جانب البناء والتأسيس فمحور سورة الأنعام لا يخرج عن المحور العام الذي ورد في السور المكية. لكن هذه السورة بالذات أظهر الأصل المهم الذي ركزت عليه السور المكية إظهاراً ليس له نظير في كثير من السور فيمكن أن يقال بأن هذه السورة تعنى بالعقيدة والتوحيد حتى إن قواعد التوحيد كلها ذكرت فيها وأصول الإيمان على وجه التفصيل والبيان بحيث لم يرد بالتفصيل في سورة أخرى مثل هذه السورة، قد ترد أحياناً في بعض السور الأخرى لكنها مقتصرة، قضايا، إشارات، لكن هذه السورة فيها تفصيل خاصة أنها من السور الطوال ويدخل تحت هذا المحور الرئيسي وهو قضية التوحيد وأصول الاعتقاد قضايا معينة تعود على هذا الأصل والمقصد وهو بيان قدرة الله عز وجل وخاصة في الكون وفي النفس لأن هذا جزء من تقرير العقيدة لأن تقرير العقيدة مبني على معرفة الله وبيان عظمته وقدرته فبيان قدرة الله وعظمته تكرر كثيراً في هذه السورة وما خلق وما له من جميل الإنعام على عباده وما له من عظيم القُدَر في خلقه ومخلوقاته، آيات كثيرة جداً تتكلم عن قضية التعريف بالله عز وجل ومن الغرائب في هذه السورة وهي تعرّف بالله عز وجل أنها قد تكون السورة الأولى التي ذكر فيها (وهو) (وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (4)) (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ (60)) (وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ (98)) آيات كثيرة جداً تتكلم عن قضية التعريف بالله عز وجل كأن السورة تعريف بشيء ظاهر واضح وهو الله عز وجل ولذلك يعرّف الله عز وجل بضمير مستقر في الذهن حاضر لا يجوز لأحد أن ينكر معرفة هذا الخالق العظيم والتعريف بالله عز وجل كثير في هذه السورة، هذا جانب. الجانب الثاني هو دحض شبه الكفار التي تخالف هذا الأصل لأن الكفار كأي فرقة ضلّت لهم شُبه يقيمون عليها معتقدهم ويردّون بها الحق فجاءت هذه السورة لتدحض شُبه الكفار وتنسفها نسفاً. من من قرأ هذه السورة وجد فيها من تسفيه الكفار وردّ الشبهات التي يوردونها على الحق ودحض أباطيلهم وإظهار سفاهاتهم بشكل قد لا يوجد في سورة أخرى. والقضية الثالثة وهي مهمة جداً فيما يتعلق بتقرير العقيدة وهي تثبيت الداعي إلى العقيدة والقائم بها وهو النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه من الدعاة فهذه سورة تثبت قلب النبي صلى الله عليه وسلم وتبيّن تثبيتاً بالتلقين وأحياناً التعليم بالتلقين هو التعليم الذي لا يُنسى ولذلك تجد في هذه السورة (قل) (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ (19)) (قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ (12))، (وهو) للتعريف بالله و(قل) للنبي صلى الله عليه وسلم (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي) فتثبت النبي صلى الله عليه وسلم تثبيتاً لا يتزعزع بعده وهو تعليم لكل أتباع النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكونوا على بينة وأن يثبتوا لأن العقيدة لا يقيمها إلا أناس ثبتوا وتمسكوا بها وكانوا على يقين منها. من أهم قضايا تقرير العقيدة عندما يكون هناك مواجهة وشُبه أن يكون الداعي لها والمقرر لها على بينة بحيث يقرر هذه العقيدة تقريراً هو ابتداء لن يتأثر لأنه على بينة ومن كان على بينة يوشك أن أن يقنع الآخرين وهذا سر المجيء بقصة إبراهيم في هذه السورة لذلك قبل أن يذكر الله عز وجل شأن إبراهيم في هذه السورة قال (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)) هذه قضية كبرى في تأسيس بناء الدعاة إلى الله عز وجل أن يكونوا على يقين وبينة فإن لم يكن على بينة فإنه يتزعزع أو يضعف أو يتساهل وهذا خطر جداً على الدعوة ولذلك الآيات في هذا الباب قوية جداً في هذه السورة سواء في مخاطبة النبي عليه الصلاة والسلام أو في بيان موقف إبراهيم عليه السلام ولماذا نال هذا الحظّ من الاهتمام في القرآن الكريم، الآيات (وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)) و(قل) هذه في القرآن ينبغي لمن يقرأ القرآن أن يقف معها، إذا مرّ عليك في القرآن (قل) فانتبه لأنها لا تأتي إلا في أمور مهمة وقضايا كبرى والأمر الثاني أن ما بعدها ينبغي أن يعلم ويقال ولا بد أن تُعلم وتقال ولذلك من تأمل الآيات التي صدرت في (قل) في القرآن يجد أنها قضايا كبرى سواء في العقائد أو في الأمور التي جاءت بها الرسالة.
د. عبد الرحمن: هل يمكن أن نقول أن بدء السورة بـ (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ (1)) فيه إشارة إلى هذه النعم العظيمة التي سوف يأتي تفصيلها؟
هذه القضية تتعلق بمطلع السورة. وهي من السور الخمس التي ابتدئت بالحمد. الحمد كما هو معلوم هو الإخبار عن الله عز وجل بصفات الجلال والكمال يعني جميع أنواع المحامد مستحقة لله عز وجل فالمستحق للحمد بجميع أنواعه وصوره هو الله عز وجل والمستحق للحمد بجميع أنواعه هو الكامل والكامل هو المستحق للعبادة. فالبداية بالحمد لها أثر في النعم وقد ذكر بعض العلماء سراً في السور المبدوءة بالحمد يتعلق بالنعم لأن الحمد يتعلق بالنعم والمنعم هو الذي يستحق الحمد فلو نظرنا إلى النعم الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى ومنها نعمة الهداية لوجدنا أن منشأها الخلق والبقاء يعني تخلق ثم تبقى ثم انهالت عليك النعم، النِعم لا تأتي إلا بعد خلق وإيجاد، النعم كلها تعود للخلق والبقاء فالسور التي بدأت بالحمد ذكرت فيها هذه القضية قضية الخلق والبقاء سواء الخلق في الإيجاد الأول المتعلق بالدنيا أو الإيجاد الثاني أو الخلق الثاني فيما يتعلق بالآخرة وهذه ذكرت في الفاتحة ولذلك هي أم القرآن (الحمد لله رب العالمين) الخالِق الموجد، و(مالك يوم الدين) هو أيضاً مالك يوم الدين ويوجد يوم الدين ويبقي الناس فيه. في سورة الأنعام ذكرت هذه النعمة ابتداء (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ (2)) فقضية الخلق هي أساس النعم، ولذلك هذه القضية ذكرت في أول أمر بالعبادة في القرآن الكريم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) البقرة) فينبغي للإنسان أن يعرف ربه وأن يتذكر دائماً نعم الله عليه التي تبتدئ بنعمة الخلق العظيمة التي كثيراً ما تذكر في القرآن ولذلك بدأت هذه السورة بالحمد إخباراً بأن الله عز وجل هو المستحق للحمد سبحانه وتعالى. هذه مناسبة واضحة بين بداية السورة وبين موضوعها ومقصدها الأساسي.
وهناك مناسبة في أول السورة (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) الذي خلق السموات والأرض هو الخالق المستحق للعبادة والأنعام لأن من صور ضلالات المشركين في الأنعام أنهم قسّموها جعلوا منها نصيباً لشركائهم وآلهتهم ونصيباً لله وهذا من الشرك والسفه لأن الله هو خالق هذه الأنعام وهو المتفضل بها ولذلك قال في أول السورة (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) يجعلون لغيره نصيباً مما لا يستحقه إلا هو عز وجل
د. عبد الرحمن: ما علاقة قصة إبراهيم عليه السلام بمقصد السورة؟
تبدأ قصة إبراهيم من قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) هذه قضية تقرير الألوهية، فقبل أن تقر قضية العبادة لله عز وجل يُبدأ بالتخلية نبذ الشرك وتسفيه أهله (أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً) ما مبرر إتخاذ هذه الأصنام آلهة؟ ماذا صنعت؟ ماذا تملك؟ ولذلك قال في سورة الأنبياء (قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)) (أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) ثم قال (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)) لاحظ أن إبراهيم وهكذا كل الدعاة إلى الله عز وجل قبل أن يبدأوا دعوتهم عندهم رصيد قوي من المعرفة واليقين ومن أعظم وسائل تحقيق هذا اليقين والمعرفة النظر في ملكوت السموات والأرض إضافة إلى النظر في آيات الله لكن النظر في الملكوت يكون سابقاً على النظر في آيات الله.
قصة إبراهيم عليه السلام في سورة الأنعام ودلالاتها
سورة الأنعام لما كانت تقرر قضية العقيدة والتوحيد وتؤسس هذه القضية الكبرى سلكت مسالك متعددة من ضمنها أسلوب التقرير وأسلوب التلقين وأسلوب القصة، أسلوب الحوار ولذلك الحوار واضح جداً في هذه السورة، بعض الباحثين كتب الحوار القرآني في ضوء سورة الأنعام
د. عبد الرحمن: أذكر الدكتور زاهر ألمعي في كتابه مناهج الجدل طول في سورة الأنعام كثيراً
هذا من أسلوب تقرير العقيدة وإبطال عقائد المشركين. وقبل أن أقف مع هذه القصة أحب أن أنبه على قضية مهمة جداً لمن يقرأ القرآن ونحن عندما نتكلم عن شيء ينبغي أن نذكر قواعد نستفيد منها ونحن نقرأ القرآن. قراء القرآن كثيراً ما يركزون على قضية الأمر والنهي إذا سمعت الله يقول يا أيها الذين آمنوا فارعها سمعك فإنه إما خير تؤمر به أو شر تنهى عنه، هذا أمر مهم جداً لكنه في الغالب في السور المدنية ويتعلق بالأحكام لكن هناك أمر من وجهة نظري أهم بكثير وهي الوقوف مع الأخبار في القرآن التي تكثر في السور المكية، السور المكية أكثرها أخبار قضايا مؤكدة بأخبار، والأخبار هذه هي بناء الاعتقاد أنت لما تعتقد تحتاج لأخبار صادقة (ومن أصدق من الله قيلا) لتبني عليها اعتقادك وفكرك وثقافتك فإذا تكوّن الاعتقاد الصحيح يأتي الامتثال الكامل على وجهه أما إذا كان الاعتقاد ضعيفاً فإن الأوامر ستأتي والنواهي ولا أحد يمتثل لها كحال كثير من الناس الآن، كثير من الناس يؤمر وما يستجيب لأنه ليس هناك عقيدة قوية ولا إيمان صادق وراسخ يدفعه إلى الامتثال. إذا قرأت القرآن المكي غالبها أخبار في جملتها فيها أوامر ونواهي لكن قليلة مقارنة بالأخبار، لما تقرأ سورة الأنعام أخبار مؤكدة فتحتاج أن تأخذ هذه الأخبار بصدق (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً (115)) صدقاً في الأخبار فخذ هذه الأخبار بقوة. لما تقرأ قصص الأنبياء هي أخبار فعليك أن تستفيد منها في تقرير القضية الكبرى التي جاء القرآن لتحقيقها والدعوة إليها وهي قضية الإيمان والعقيدة. إبراهيم على وجه الخصوص من الأنبياء وأولي العزم الذين لهم مكانة بل يكاد يكون النبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم في المنزلة والمكانةعلى كثرة الأنبياء وهو الذي نذكره مع نبينا في التشهد “اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم” وسبب ذلك أنه ركز على هذه القضية قضية تقرير العقيدة والإيمان والتوحيد بأساليب شتى وبطرائق متنوعة كلها منشؤها اليقين بالله عز وجل فبدأت هذه الآيات بذكر اليقين وأنبه على كلمة اليقين وخاصة في أسلوب الحوار لأن الحوارات الآن وهي مسلك مهم من مسالك تقرير الحق خاصة في مواقع الانترنت مواقع حوارية ومواقع مع النصارى وحوار مع المبتدعة ويسلكها من لا يملك الحد الأدنى من العلم حتى بعضهم ضيّع دينه وضيّع مبادئه وشكك هؤلاء الذين يحاورهم لأنه لم يدخل على يقين فجاءت قبل هذا الحوار مع الكفار (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)) فإذا لم تكن على يقين اترك الجدال لغيرك ممن وصل إلى هذه المرتبة والعلماء يقولون اليقين إنما يوصل إليه بعد مرحلة من النظر والتأمل ومعرفة العلم بالأدلة المتتابعة لا يكفي دليل واحد بل لا بد من أدلة متتابعة حتى تصل إلى القوة واليقين بعد ذلك أنت لما تحاور غيرك إن أقنعتهم فهذا هو المطلوب وإن لم تقنعهم فعلى الأقل ثبت أنت لكن المشكلة أن يتزعزع الإنسان
د. عبد الرحمن: حتى معنى اليقين في اللغة يؤكد هذا المعنى. العرب تقول يقن الماء إذا اطمأن في بطون الأودية بعد المطر فإذا استقر الماء في بطون الأودية واستقر قالوا بطن. فكذلك العقيدة إذا ثبتت في نفس الإنسان واستقرت ورسخت تستطيع أن تدافع عنها وأنا أؤكد على كلامك كثير من الإخوان يدخلون حوارات على الانترنت وهم لا يملكون الأدوات للحوار وكثير منهم يراسلني ويستشير في هذا فأقول له إبدأ في نفسك وتعلم فيقول الوقت أضيق من أن أتعلم فأنقل الكلام من مواقع موثوقة.
هذه قضية مهمة جداً خاصة في هذا الزمن الذي يتقاربت فيه المعلومات كل يستطيع أن يتلقى ويحاور فأحث كل من له عناية بالدعوة إلى الله أن يهتم في بناء نفسه وإلا فهو في عافية لأن مسألة الدين مسألة كبيرة (الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) البقرة) (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي (57)) حتى لو جادلتم فأنا على بينة فلن أشك في حال من الأحوال.
ثم جاء الحوار بين إبراهيم عليه السلام وقومه (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي (76)) هذا على التنزل هو يريد أن يفهمهم على سبيل التنزل ولم يشك إبراهيم لأن بعض الناس يقولون شك وما كان من الشاكّين وإنما هذا أسلوب من أساليب الإقناع فهو يريد أن يبين لهم كما بين لهم في قصة كسر الأصنام، يريد أن يبين لهم الحق، (فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) أفل أي غاب، (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ (80)) هو على يقين فلن يتأثر ثم بدأ بحوار معهم ثم ذكر تعالى (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83))
هل هناك رابطة بين سورة الأنعام وسورة المائدة
هناك مناسبات والقرآن كما هو معلوم أن القرآن مترابط من أوله إلى آخره وإن اقتضت الحكمة أن ينزل متفرقاً لكنه فيه مناسبات ذكرها العلماء. المناسبات مبنية على الاجتهادات والنظر لا يمكن الجزم بها بشيء لكنه اجتهاد قد يصيب وقد يخطئ، والعلماء ذكروا مناسبات منها آخر سورة المائدة (لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)) وهذا إجمال أخبر الله أن له ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير فجاء تفصيل هذا الإجمال في سورة الأنعام فبيّن الله عز وجل أنه هو الخالق والخالق هو الذي يملك وكل ما فيهن ملك له وتحت تصرفه، فما ذكر في الأنعام إجمال لما ذكر في المائدة. وهناك نوع من التناسب في الموضوع ذكرت في المائدة الأنعام وبعض الضلالات فيها (مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ (103)) وذكر في الأنعام كذلك تفاصيل بعض ضلالات المشركين في الأنعام ولكن بشكل أوسع. وبعضهم ذكر مناسبة بين الخاتمة في قوله تعالى (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) المائدة) بيّن الله عز وجل في سورة الأنعام شيئاً مما يتعلق باليوم الآخر وتفضيل الجزاء فهناك نوع من التناسب بين الأنعام والمائدة.
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (159) الأنعام) هل له علاقة وربط بالسورة؟
السورة تتكلم عن قضية التوحيد والعقيدة الصحيحة ومعلوم أن العقيدة الصحيحة منهج واحد وصراط واحد وهذا ما قررته آيات الوصايا العشر التي نزلت في كل الشرائع (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) الأنعام) قال الله تعالى بعدها بقليل في آخر السورة (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) فالذين خالفوا أمر الله لأن الله أمر باتباع المنهج الصحيح والصراط المستقيم والصراط المستقيم هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكل ما خالفه فهو ضلال، هذا الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم ما كان على ما أنا عليه واصحابي فهو الذي ينجو من النار، قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) النبي صلى الله عليه وسلم بريء منهم وطريقهم في ضلال هذا يدل على أنهم في انحراف ولا يجوز لأحد أن يتبعهم فقد تبرأ منهم النبي صلى الله عليه وسلم.
إتصال من الأخ أبو محمد من السعودية:
بالنسبة لقوله تعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) محمد) هل قاطع الرحم يشمله هذا اللعن أم لا بد أن يشكل التولي والإفساد وقطع الرحم جميعاً؟
الآية أحياناً نحن ننظر إلى قطيعة الرحم فقط لأننا نتحدث عنها لكن هي مرتبطة بأولها (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) محمد)، قطيعة الرحم مظهر من مظاهر التولي عن الدين، إن توليتم عن الدين وأعرضتم عنه تعودون إلى ما كان عليه أهل الجاهلية من فساد في الأرض وقطيعة الرحم فهذا يبين قبل أن نذكر حكم قطيعة الرحم ولا شك أنها كبيرة ولا يدخل الجنة قاطع وقد ورد اللعن والإثم الكبير لقاطع الرحم لكنه مظهر من مظاهر التولي عن الدين فقاطع الرحم ما قطع رحمه إلا وهو متخلٍ عن دينه، لو كان متمسكاً بدينه ما قطع رحمه، (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ) لكل هؤلاء لكل من اتصف بهذه الأوصاف التولي عن الدين والإعراض عنه والإفساد في الأرض وقطع الرحم وكل واحد من هذه الذنوب يوجب اللعن لصاحبه.
إتصال من الأخ أبو عبد الرحمن البرازيلي
أول مرة قرأت القرآن الكريم بنسخة مترجمة وصلت إلى هذه الآية فدخلت في الإسلام، (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ (90)) لما قرأتها اقتنعت أن هذا القرآن هو دين الأنبياء.
هذه الآيات تؤثر في الناس كلهم وليس فقط في قريش. (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ) دليل على قضية كبرى وهي أن قضية الدين ليس فيها ناس لهم مكانة يستحقون الإكرام فأعطوا، الدين يشرف به الإنسان فمن ترك الدين فلا قيمة له ويؤخذ هذا الدين ويعطي لغيره ويوكل بها غيره. هذه الآية جاءت بعد ذكر ما يقارب 18 نبياً قال (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ) الذين أوحينا إليهم وهم الدعاة إلى التوحيد أو (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء) كفار قريش المشركون فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين فقضية التوحيد وما دعا إليه الأنبياء لا يؤتبط بأحد لقربه من نبي لمكانة أو جنس وإنما هو شرف يشرف الله به من حمله.
إتصال من الأخ علي من السعودية:
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة) لم ترد فيها (قل) كما جاءت مع باقي الآيات التي فيها (يسألونك) فلماذا؟
لأن القرب لا يحتاج (قل) لأنها في الدعاء (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) من قربه عز وجل أنه لا يحتاج إلى واسطة لا تحتاج يا محمد أن تقول (قل) فهو من مناسبة قرب اللفظ للمعنى لما كان الحديث عن قرب الله ناسب أن لا تذكر (قل) لأن (قل) واسطة في إيصال الخبر ولكن لقربه لا يحتاج واسطة.
سؤال الحلقة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً مما أُنزل عليه فقد كذب والله يقول .. فأي آية من آيات الجزء السادس التي ذكرتها رضي الله عنها؟
————————————
رابط جودة عالية
http://ia360704.us.archive.org/23/it…/mobasher6.AVI
رابط جودة متوسطة
http://ia360704.us.archive.org/23/it…mobasher6.rmvb
رابط للجوال
http://ia360704.us.archive.org/23/it…her6_512kb.mp4
رابط صوت
http://ia360704.us.archive.org/23/it…/mobasher6.mp3
رابط الحلقة كامل على موقع مشاهد