برنامج التفسير المباشر

التفسير المباشر – 1432 هـ – سورة الطور

اسلاميات

الحلقة 146 – سورة الطور

ضيف البرنامج في حلقته رقم (146) يوم الإثنين 22 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم الخبير بمركز تفسير للدراسات القرآنية وأستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الشارقة سابقاً.

وموضوع الحلقة هو :

– علوم سورة الطور .

– الإجابة عن أسئلة المشاهدين.

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في برنامجكم التفسير المباشر. حلقة اليوم بإذن الله تعالى سوف تكون حول سورة الطور. باسمكم جميعاً أيها الإخوة المشاهدون الكرام في هذا اللقاء أرحب بضيفنا في هذا اللقاء أستاذنا فضيلة الشيخ الدكتور مصطفى مسلم الخبير في مركز تفسير للدراسات القرآنية أستاذ بجامعة الشارقة وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً.

نبدأ بالحديث عن المناسبة بين سورة الطور وسورة الذاريات ثم ندخل في اسم السورة بعد ذلك.

د. مسلم: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد. الحقيقة هناك تشابه كبير بين موضوعات سورة الذاريات وسورة الطور وكلتا السورتين من السور المكية المتقدمة، والسور المكية المتقدمة التي نزلت في المرحلة المكية الأولى لها خاصية معينة يكثر فيها القسم بالأشياء المحسوسة والمحيطة بالإنسان وفي الغالب ما يعايشه الإنسان مثلاً القسم (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ﴿١﴾ فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ﴿٢﴾ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ﴿٣﴾) كلها عبارة عن الرياح الحاملة للسحب والمطر ما يتعلق بمعايش الإنسان وأرزاقه. سورة الطور جاء القسم فيها بخمسة أمور ضخمة من العوالم العلوية والسفلية (وَالطُّورِ ﴿١﴾ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ﴿٢﴾ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ ﴿٣﴾ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ﴿٤﴾ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ﴿٥﴾ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴿٦﴾) حكمة القسم بهذه الأمور الضخمة العظيمة تنبيه هؤلاء الناس وكأنهم في غفلة يعني أناس مثل قريش عيشهم هنيئاً قوة قريش وسلطتها بين القبائل وسمعتها احترام وتكريم الناس لهم باعتبارهم سدنة البيت باعتبارهم المشرفون على المشاعر المقدسة وكما هو معلوم فإن شعائر الحج من أيام ابراهيم عليه السلام بقيت وإن أدخلوا فيها الشركيات والتحريفات. فكانوا في بلهنية من العيش، مستقرين، قوتهم، تقديس الناس لهم، احترامهم، كل ذلك جعلهم كأنهم في سبات عميق فتأتي الآيات المكية الأولى القَسَم بهذه الأمور المحسوسة وتأتي بعبارات موجزة وبليغة جداً في غاية البلاغة لتهز هؤلاء النائمين هزّاً كأن الواحد في غفلة في نوم في سبات تأتي لوقظه تهزه هزاً عنيفاً وتلفت نظره إلى شيء ينتظره واقع محدق به هذا العذاب الذي ينتظركم ينبغي للعاقل أن لا يقرّ له قرار إذا ما تلافى هذا العذاب ما تجنب المسببات أو الأشياء المؤدية لهذا العذاب فينبغي أن يكون في قلق ولذلك يأتي بعد هذا القسم وهذا الهز العنيف لفت الأنظار إلى أشياء في غاية الدقة ليفكروا فيها. فجاء في سورة الطو  بعد التنبيه على العذاب جاء التركيز على شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ ﴿٢٩﴾ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ﴿٣٠﴾ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ ﴿٣١﴾) شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تفكروا يا نوم أنتم عقلاء تفكرون مرة تتهموه بالشعر ومرة تتهمونه بالكهانة! فكروا بما جاءكم به! والأمر الثاني الذي نبههم (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ) تقوّل القرآن الوحي الذي جاء به (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ) أنتم فكروا مثله في البشر بل هو أمي وأنتم قارئون كاتبون لو كان اخترع من عنده ففيكم الخطباء وفيكم الشعراء وفيكم الأدباء أنتم أولى بالقدرة من أن تأتوا بحديث مثله (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ) ولذلك من أوائل آيات التحدي بالقرآن الكريم آية سورة الطور هذا الأمر الثاني بعد القسم وبعد التنبيه وهزّهم نبههم أن فكِّروا فيه (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ) الأمر الثالث قضية خلق الكون والخالق (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴿٣٥﴾ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ ﴿٣٦﴾) فكروا في أنفسكم هل أنتم خلقتم أنفسكم؟ هل أنت خلقتم غيركم؟ هي عبارات في غاية السهولة والبساطة لكن عندما يفكروا فيها من الذي خلقنا؟ من الذي أوجدنا ولذلك دائماً نقول ثلاثة أشياء لو تدبر بها العاقل وخلا بنفسه وصدق مع نفسه يصل إلى الحقيقة يصل إلى الإيمان من خلقني؟ ولماذا خُلِقت؟ وأين مصيري؟ هذه الأسئلة الثلاثة البسيطة: من خلقني؟ فكر فيها بعمق ولماذا خُلقت ما هي وظيفتي؟ الأكل والشرب والمتاع؟ صار مثل الحيوانات إذا لم يكن عنده مهمة في الحياة، وإلى أين مصيري؟ هل نهاية المطاف الموت أو هناك شيء آخر؟. ولذلك كثير من العقلاء فكروا وكل واحد له طريقة في التفكير بعضهم فكر في الجاهلية أن كل ظالم يجب أن يُظلم فمات أحد الظَلَمة ولم يُظلم في الدنيا فقال إذن لا بد هناك يوم يُقتصّ منه

د. الشهري:

وما من يد إلا يد الله فوقها   ولا ظالم إلا سيبلى بأظلم

د.  مسلم: سورة الذاريات وسورة الطور من السور المكية المتقدمة والتي مهمتها كما قلنا السور المكية دائماً الدعوة إلى أسس العقيدة قضية التوحيد والبعث بعد الموت والنبوة وأمهات الأخلاق وأصول الشرائع، هذه الأربع مبادئ أساسية لا تخلو سورة مكية منها.

د. الشهري: هذا ما يتعلق بعلاقتها بسورة الذاريات، بالنسبة لاسم السورة سورة الطور

د. مسلم: سورة الطور وردت عن بعض الصحابة أن اسمها سورة (والطور). والحقيقة عندنا أسماء توقيفية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البقرة وآل عمران وسورة النساء هذه فيها نصوص تفوّه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن تسمية السورة بسورة الطور إذا سميت السورة بأول كلمة فيها لا تحتاج إلى توقيف، أيّ واحد قد يقول السورة التي تبدأ بكذا فهذه لا تحتاج إلى توقيف ولكن ورد عن بعض الصحابة أن أم سلمة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تقرأ بسورة (وَالطُّورِ ﴿١﴾ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ﴿٢﴾) بجانب البيت، الكعبة فمعنى ذلك أنه كان معلوماً لديهم اسمها. في حديث جبير بن مطعم قال جئت في فداء أسرى بدر فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في رواية في صلاة المغرب وفي رواية في صلاة الفجر بسورة (وَالطُّورِ) فيقول عندما وصل إلى قوله (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ) خشيت على نفسي فدخل الإسلام في قلبي فعندما وصل إلى قوله تعالى (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) كاد قلبي يطير من البلاغة القرآنية فأسلم في وقتها. المهم جاء على لسان الصحابة تسميتها بسورة الطور فقد تكون توقيفية باعتبار أنهم سمعوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يوجد لها أسماء أخرى

د. الشهري: محور سورة الطور

د. مسلم: لو نظرنا في افتتاحية سورة الطور وخاتمة سورة الطور نحن دائماً نستدل على المحور بعدة أمور أحياناً من عنوان السورة وأحياناً من المناسبة بين افتتاحية السورة وخاتمتها وأحياناً نستدل على المحور من مقاطع السورة والله أعلم الافتتاحية والخاتمة ركزت على العذاب الواقع يوم القيامة للمكذبين بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك جاء (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴿٧﴾ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ ﴿٨﴾ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا ﴿٩﴾ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴿١٠﴾) حديث عن الأحداث التي تقع عند الساعة. وكذلك توعدهم بالعذاب في نهاية السورة أيضاً (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) هناك قول أن هناك لفتة إلى عذاب دون عذاب القيامة الذي وقع بالمشركين يوم بدر هذا على بعض الأقوال وبعضهم قال يصعقون يوم القيامة بهذا العذاب

د. الشهري: هذا المحور، دعنا نأخذ السورة من أولها وتعليقاً على قولك أن الذي يتأمل في هذه الأسئلة الثلاثة من خلقني؟ لماذا خلقت؟ إلى أين المصير؟ أنه يهتدي إلى الحق، حتى بعض المتأخرين والمعاصرين قصيدة إيليا أبو ماضي المشهورة وإيليا أبو ماضي شاعر نصراني قريب العهد القصيدة مليئة بالشك عندما يقول

جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت

ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت

وسأبقى سائراً إن شئت هذا أو أبيت

كيف أبصرت طريقي ولماذا لست أدري لست أدري

ومليئة على هذا المنوال بالشك

د. مسلم: هذا يمثل حالة التردد والشك والتشكيك في الأمر ولكن لو استمر في شكّه هذا وتعمق في ذلك سيصل إلى النهاية. الإنسان العاقل طالما يدرك أنه ليس الذي خلق نفسه وليس أبواه الذين خلقوا هذا الإنسان لأنه من الذي خلق الوالدين؟ ثم بعد ذلك يقول هذا الكون وجد من لا شيء لكن لا شيء لا يُحدث شيئاً (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) هل يتصور أن عدم يوجد شيئاً؟ العدم لا يوجِد شيئاً وبعض الكون لا يوجد بعضه لأن البعض الذي كان عدماً ما يوجِد شيئاً آخر.

د. الشهري: هذا دليل عقلي بسيط واضح

د. مسلم: نعم ولذلك أدلة القرآن الكريم في البراهين العقلية وغيرها مأخوذة على كل المستويات بحيث لو الإنسان العادي تدبر لو أي فيلسوف جاء إلى هذه القضايا الثلاثة سيسلِّم بأن هنالك خالق لا بد منه وهذا الخالق غير المخلوقات ولذلك سيصل إلى الحقيقة.

د. الشهري: نعود إلى الحكمة من القسم بهذه الأمور الخمسة، أولاً: ما هو الطور؟

د. مسلم: بعضهم قالوا الطور هو سيناء الذي كلّم الله عليه موسى ولكن والله أعلم الطور يطلق في اللغة العربية على كل جبل كبير ذي شجر وأنا في رأيي أن اختيار القسم بالطور بالجبل الضخم الكبير مأخوذ من واقع أهل مكة، مكة كلها جبال هذه الجبال الثوابت التي يظنون أن شيئاً لن يزلزلها فعندما يقسم بهذه الجبال العظيمة سيأتي يوم تسير هذه الجبال عن أماكنها (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا ﴿٩﴾ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴿١٠﴾) هذه الجبال لن تبقى مستقرة هكذا كما أن معيشتكم لن تكون مستقرة على ما أنتم عليه، هذا نوع من هزّهم هزاً عنيفاً لا الجبال الثوابت التي حولكم ستستمر بهذا الشكل ولا حالتكم المعيشية والحياتية ستسقر وتستمر هكذا ولذلك انتبهوا لما ينتظركم (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ) سيقع بكم فتجنبوا ما هو طريق التجنب؟ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ﴿١٧﴾ فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴿١٨﴾) التقوى. تتقوا هذا العذاب تتقوا بأن تسيروا في الطريق غير الذي أنتم عليه الآن، تؤمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم، تؤمنوا بخالق هذا الكون وتعرفوا أن هناك يوم للمعاد والحساب فتتصرفوا على ضوء ذلك.

د. الشهري: (وَالطُّورِ ﴿١﴾ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ﴿٢﴾) هل المقصود بالمسطور هنا القرآن أو الكتاب؟

د. مسلم: الذين قالوا أقسم بالطور جبل سيناء قالوا الكتاب المسطور هو التوراة لكن طالما ليس هناك شيء يحدد فأنا أرجح والله أعلم أن يكون الكتاب المسطور جنس الكتب المنزلة على الأنبياء فأقسم بالكتب (فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ) الكتب المدوّنة. وبعضهم قال اللوح المحفوظ وهذا مستبعد لأنه ما كان معروفاً عند قريش، ما كان يعرفون عند قريش اللوح المحفوظ، هذه الأمور ما كانت معروفة لقريش وإن كان قد يأتي لتنبيههم على ذلك ولكن دائماً النسق إذا كان في القسم يكون له علاقة ببعضه يكون أولى والله أعلم فالكتاب المسطور في رق منشور هو جنس الكتب السابقة وهذا لهم علم به.

د. الشهري: ما هو الرق؟

د. مسلم: الرق هو ما يكتب فيه غالباً يكون من الجلود، الجلد الذي يكتب فيه الكتاب المنزّل

د. الشهري: والبيت المعمور؟

د. مسلم: البيت المعمور هنا بعض العلماء قالوا هو البيت الذي في السماء السابعة وهو في حيال الكعبة أرجح أن يكون البيت المعمور هو الكعبة نفسها، أمور معلومة لقريش: الجبل العظيم والكتب المنزلة والبيت المعمور سواء كان الكعبة يعمره الزوار والمعتمرون وإذا كان البيت الذي في السماء السابعة فهو يعمره الملائكة

د. الشهري: التفسير المشهور أنه البيت الذي في السماء

د. مسلم: هذا قاله بعض المفسرون وبعضهم قال الكعبة

د. الشهري: لأنه ينطبق على هذا وهذا. (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) ما المقصود بالمسجور؟

د. مسلم: المسجور الممتلئ هل هو ممتلئ بالماء؟ أنا أرجح قول من يقول “وإذا البحار سجّرت بالنيران” البحر المسجور هو يوم القيامة عندما يختل نظام الكون بدل هذه المياه ستمتلئ هذه البحار نيراناً. الطبقة اليابسة من الكرة الأرضية تتراوح بين 50 إلى 70 كلم بينما قطر الأرض كله أكثر من 12 ألف كلم فهذه الطبقة إذا فجرت داخل هذه الطبقة تحت الغطاء اليابس كلها نيران (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) الحاقة) بأي كوكب إذا اصكدمت الأرض، نحن في غفلة، أحد الغربيين يقول: لو أنك قلت لإنسان سنحملك على طائرة مليئة بالمتفجرات وتسير بسرعة هائلة 20 ألف كلم في الثانية وتسير بإتجاه معين وهي معرضة لأن تصطدم لو اصطدمت بجبل من الجبال ستنفجر هذه المتفجرات، هل يجرؤ الركوب في هذه الطائرة إنسان عاقل؟! يقول وضعنا على الكرة الأرضية أخطر من هذا لأنه داخل الكرة الأرضية كلها عبارة عن نيران هائلة معادن مصهورة! عندما نرى البراكين التي يخرج منها اللافا هذه السيول التي تسيل من النيران ما هي إلا جزء ضئيل مما يجري داخل الكرة الأرضية فعندما تنفجر وتصطدم الكرة الأرضية وتسير الجبال عن أماكنها ويختل توازن الكون عندئذ البحار تُملأ نيراناً فهو البحر المسجور. بعض العلماء الآن يقول هناك نيران تحت قيعان البحار الآن في بعض الشقوق تحت المحيطات وتحت البحار يخرج منها نوع من النيران التي تخرج من قيعان البحار وهي موجودة الآن وهناك صور وأفلام وثائقية بينوا هذا. باعتبار أن الحديث عن يوم القيامة وهن اختلال نظام الكون فالله أعلم البحر المسجور يكون عندما تسجّر البحار (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) التكوير) يعني ملئت نيراناً عند اختلال الكون.

د. الشهري: ومصداقاً لكلامك الإمام الطبري رحمه الله ذكر القولين قال سجرت بمعنى ملئت وقال ويأتي السجر بمعنى الاحتراق النار قال ومنه قصة كعب بن مالك لما جاءته رسالة من الروم قال: فعمدت إلى التنور فسجرتها. قال ولكن نحن لا نرى الآن النار في البحر ولذلك فنحن نقول أن معنى المسجور الممتلئ لكن اللغة تقبل أن يكون بمعنى المليء بالنيران إذا أراد الله سبحانه وتعالى. لكن المشكلة مثل هذه الأقوال عندما تقال الآن، مثلاً الآن عندما يثبت الإعجاز العلمي أن البحار تحتها طبقة من النيران ومصداق ذلك البراكين التي تظهر أمام الناس ثم يثبت العلم بوثائقه هذا ونأتي إلى الآية نفسها فنجد أنها تحتمل هذا أصلاً

د. مسلم: على العموم أي إعجاز علمي لا يجوز تجاهل دلالة الكلمة في اللغة العربية لا بد إذا الكلمة لا تحتمل هذا المعنى لا يجوز أن نفسر الآية بهذا المعنى وإن كان بعض الحقائق قد تظهر ولكن نرجع إلى دلالات الكلمة إذا ما احتملتها لا يجوز أن نصرفها إليه.

د. الشهري: نعود لدلالات القسم لما بعده في جواب القسم بعد أن أقسم بهذه الخمسة قال (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴿٧﴾ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ ﴿٨﴾)

د. مسلم: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴿٧﴾ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ ﴿٨﴾) انظر المؤكدات بعد القسم (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴿٧﴾) هنا لطيفة ذكرها بعض المفسرين: السياق سياق تهديد ووعيد بالعذاب وكلمة الرب تدل على الرحمة والرأفة والتربية والعناية ما الحكمة؟ ما قال إن عذاب الله لواقع؟ يقول بعض المفسرين لو قال إن عذاب الله لواقع لارتجف منه قلب رسول الله أولاً وقلب المؤمنين بعده كلهم لكن عندما نسب (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ) كلمة الرب واضافتها إلى ضمير رسول الله صلى الله عليه وسلم (ربك) فخففت من الأمر حتى ينصرف التهديد والوعيد إلى المشركين وليس إلى المؤمنين وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

د. الشهري: لفنة مهمة جداً وكلما ورد الرب في القرآن الكريم يشير إلى هذا المعنى

د. مسلم: لتخفيف هذا الشيء، لتخفيف هذا الوعيد وإلا شمل الجميع المؤمنين وغير المؤمنين.

د. الشهري: وقفنا عند قوله سبحانه وتعالى (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ) ولفت نظرنا إلى أنه قال عذاب ربك للإشارة إلى رحمته سبحانه وتعالى وهذا يذكرني بقول ابراهيم لأبيه (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن (45) مريم) إذا تأمل ووفق الإنسان إلى التدبر في لغة القرآن الكريم وفهم مقاصدها ودقائقها كيف يزيد إيمانه بهذا القرآن

د. مسلم: إذا عايش الإنسان القرآن الكريم ليس فقط يطّلع على جمع الأقوال، يعايش القرآن فيختلط روح القرآن بروحه تتفتق أمامه أمور لا تخطر على بال ولذلك الإمام الألوسي في كثير من المواضع يقول: وهذه من نفحات الأسحار، وقت السحر عندما يتدبر القرآن ويقرأ تتفتق أمامه أمور وتأتي خواطر ولذلك ينصح دائماً الذي عاش هذه اللحظات وخطرت له خاطرة أن يدونها إذا ما دوّنها تضيع عليه ثم يبحث عنها فلا يحصّلها.

د. الشهري: نواصل الحديث حول آيات السورة

د. مسلم: من عادة القرآن الكريم التتابع أو مجيء الترغيب والترهيب فعندما جاء القسم على هذا العذاب الواقع الذي لا يدفعه دافع (مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ) جاء ذكر نعيم أهل الجنة مباشرة بعده دائماً ينبغي أن يكون المؤمن بين الخوف والرجاء فعندما جاء الترهيب بهذا العذاب الواقع الذي ليس له دافع جاء (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ﴿١٧﴾ فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴿١٨﴾) التعبير (متقين) و(وقاهم)

د. الشهري: قبل ذلك دعنا نتوقف عند قوله (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا ﴿٩﴾ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴿١٠﴾) ما معنى تمور الجبال مورا؟

د. مسلم: نحن نجد السماء ثابتة فوقنا سقف محفوظ ثابت مزين بزينة الكواكب وهذه النجوم الثابتة فعندما تمور وتضطرب وتتحرك ليست مستقرة، نتيجة حركة السماء وحركة الأرض الأشياء الراسية مثلاً في السماء النجوم الثابتة تبقى السماء بخير وعافية ما دامت نجومها والأرض تبقى صالحة للسكنى ما دامت جبالها تثبتها فإذا هذه الثوابت تحركت وزعزعت من مكانها النجوم اضطربت تصير السماء موران تضطرب تتحرك وكذلك تسير الجبال سيراً، هذه مرحلة من مراحل ذكر الجبال لأن هناك عدة مراحل للجبال: مرحلة (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) الحاقة) فكانت كثيباً مهيلاً كما في المزمل (وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا (14) المزمل) مثل التراب غير المتماسك هذه الجبال الصخرية الضخمة الحديدية وإذا بها أصبحت مثل الرمال المتففتة التي لا تتماسك. وقال (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ (5) القارعة) وبعد ذلك تتطاير الجبال (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) طه) (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ (88) النمل) هذه كلها مراحل تحدث على الجبال يوم القيامة. هذه عبارة عن اختلال النظام الكوني بحيث هذه الأشياء الثابتة التي تثبت وتجعل غيرها يستقر إذا نسفت هذه انتهى الموضوع

د. الشهري: في قوله (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ ﴿١٢﴾ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ﴿١٣﴾ هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴿١٤﴾) ما معاني هذه العبارات؟

د. مسلم: أي مشرك أي كافر ما يحمل هذه الأمور على جدية عندما تأتي تناقش الملحد يقول دعك منها هذا يريد الدنيا، هذا يريد الزعامة، ركّز معي يا أخي هل هذا القرآن الذي أنزل على محمد من كلام البشر؟ ما يدخل معك، يريد أن يخوض خوضاً يخلط الأوراق ويعمل أي شيء حتى لا يفكر تفكيراً. أحد النصارى أسلم فقلت هل دعوت والديك إلى الاسلام؟ قال أنا حاولت أن أجذبهم أن يفكروا في حقيقة الدين، حقيقة الموت، قالوا ما لنا؟ المهم لنا راتب وأقساط ونعيش ما لك ولهذا التفكير؟ يريدون أن يخوضوا في أي شيء ويصرفوا الناس عن التفكير الجدي في يوم القيامة في الكتب المنزّلة في الرسول صلى الله عليه وسلم، ما يريدون، يريدون خوض فقط، لعب وخوض فقط وكلام باطل

د. الشهري: ما أجمل التعبير عن اللعب والعبث بالخوض لذلك قال (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا (68) الأنعام)، كلام رائع!. في قوله (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا)

د. مسلم: هذه يوم القيامة الذي تنكرون والعذاب الذي تنكرون يوم يأتي يوم القيامة ستدفعكم الملائكة دفعاً إليها (الدعّ هو الدفع) هنا لفتة جميلة يقول بعض المفسرين التعبير (يدعّون) الملائكة تدفعهم لشدة لهيب نار جهنم لا يمسكونهم ويرمون بهم على شفير النار وإنما من بعيد يدعونهم دعاً يدفعونهم دفعاً إلى نار جهنم حتى ما يصابوا هم بحرّها، إذا كانت النيران ملتهبة ولفحها يؤدي إلى أذى من يقترب منها لا يستطيع الإنسان أن يقترب منها ولذلك (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ﴿١٣﴾ هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴿١٤﴾ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ ﴿١٥﴾ اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿١٦﴾)

د. الشهري: التعبير بالدعّ جميل وقد ذكره الله في سورة الماعون (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)) يدفعه يبعده كأن هذا جزاء من جنس عملهم. (هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴿١٤﴾ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ ﴿١٥﴾ اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ)

د. مسلم: الحقائق بعدما برزت وهم دُعّوا إلى هذه النيران بهذا الشكل الشديد العنيف واكتووا بهذه النيران واحترقوا بها هل هناك مجال أن تقولوا هذا سحر، محمد كان يعدنا؟! الآن وقعتم وجدتم الحقائق لكن هذه الحقائق سواء اعترفتم الآن ما عاد ينفعكم الاعتراف! الآن صار الأمر واقع سواء صبرتم أم لم تصبروا لن يُسمع لكم مهما عملتم أرجعنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل، لم يبق مجال، فات الوقت

د. الشهري: وهل ترى الآن في هذه الآية عندما قدم ذكر الكفار على ذكر المتقين، ما دلالته في هذه السورة؟

د. مسلم: السياق كله عذاب المكذبين يوم القيامة، محور السورة كما قلنا البعث بعد الموت وتهديد المكذبين بهذا البعث يوم القيامة ولذلك السياق يتناولهم فبدء بهم أما مجيء ذكر المتقين ليفتح لهم طريق أن هناك مجال للنفاد في هذه الحياة الدنيا وهو طريق التقوى

د. الشهري: وهنا نأتي إليهم في قوله (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ﴿١٧﴾ فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴿١٨﴾ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿١٩﴾)

د. مسلم: هذه صور من صور نعيم أهل الجنة لكن الشيء اللافت للنظر أن الذرية المؤمنة لهؤلاء، في الجنة فيها كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر دائماً الإنسان يتذكر أسرته وأقرباءه، إذا ذهبت لمناطق سياحية جملية دائماً تقول لو كان فلان معي يا ليت أهلي معي، لو كنت وحدك ما تجد اللذة الكاملة، الله سبحانه وتعالى يريد أن يحقق اللذة الكاملة لأهل الجنة ولذلك عندما يتذكرون أن أبناءهم أو آباءهم كانوا دونهم في الأجر وقد يكون بعضهم عليه بعض العذاب يقول يا رب أنا لا يتم هنائي ونعيمي وسعادتي إلا بوجود أقربائي معي فيقال لهم إنهم قصروا في العمل ما بلغوا درجتك، يقول يا رب عملت لي ولهم فشفّعني بهم فيشفّعه بأهل بيته ولكن بشرط أن يكونوا ماتوا على الإيمان (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ) هنا جاءت تنكير (بإيمان) بعضهم يقول بإيمان عظيم، لا، بإيمان أي بأيّ نوع من الإيمان ماتوا على كلمة التوحيد (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ) لا تظنوا أننا سننقصكم شيئاً من حسابكم، لا، هذا فضل الله عملكم كامل ودرجتكم كاملة وهؤلاء تكريماً لكم ألحقنا بكم ذريتكم من غير أن ننقص من أعمالكم شيئاً

د. الشهري: ألتناهم بمعنى أنقصناهم

د. مسلم: ما أنقصناهم من عملهم شيء، الشافع يبقى في مكانه وفي درجته وفي نعيمه ويلحق به من غير أن ينقص منه شيء

د. الشهري: اللفتة في قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ) وأن من كمال نعيمهم أن الله سبحانه وتعالى يجمع معهم أبناءهم وذرياتهم ولعل هذا يذكرنا أيضاً بقوله سبحانه وتعالى في نعيم أهل الجنة أنه ما قال في أهل الجنة خالداً فيها وإنما خالدين فيها إشارة إلى أنهم مع بعض، بخلاف أهل النار فإنه قد ذكر في مواضع خالدين وفي مواضع كما في قوله سبحانه وتعالى (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا (14) النساء) بعض المفسرين قالوا هذا أشبه ما يكون بالعذاب الانفرادي حتى يشعر بالعذاب وفي قوله (وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) الزخرف)

د. مسلم: بالنسبة لنعيم أهل الجنة من جملة التنعم والتلذذ فيها قضية الذكريات، عندما ينجح أحد في مشروع ويصل إلى غاية ثم يجتمع باصحابه وإخوانه يقول تذكر يا فلان كيف كنا نعيش كيف كنا نقضي ايامنا نتعب كيف كنا نشقى كيف صيامنا كنا نعمل في الزراعة وفي الحصاد ونعطش يعني يتذكرون ذكرياتهم بعدما زالت هذه الأمور والمصاعب والمتعاب عنهم، هنا اللفتة جاءت هنا (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ﴿٢٥﴾ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ﴿٢٦﴾ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴿٢٧﴾ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴿٢٨﴾) كانوا في حال الدنيا يذكّر أهل الجنة بعضهم بعضاً اصدقاؤهم أقرباؤهم عندما كانوا مجتمعين كنا مشفقين خائفين كنا ما نستطيع أن نقول ما في أنفسنا، على وجل، كل ما يطلبون أن يصلوا إليه ما يصلوا إليه فمنّ الله عليهم ووقاهم عذاب السموم، الله سبحانه وتعالى نصرنا على ذلك ومرت تلك الأيام ووقانا عذاب الجحيم ونحن الآن في هناء. فقضية الذكريات من ضمن نعيم أهل الجنة وتلذذهم بالأيام الخوالي التي قضوها.

د. الشهري: قوله (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ) بمعنى خائفين (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) ما معنى (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)؟

د. مسلم: في هذه الحالة التي كنا فيها متعبين ما قطعنا رجاءنا من الله سبحانه وتعالى فهو الذي نصرنا وهو الذي أعزّنا وهو الذي أزال هذاالبؤس عنا فالفضل والنعمة الأولى والأخيرة دائماًً لله تعالى فلا ينسون فضل ربهم في هذا الأمر.

د. الشهري: ننتقل إلى المقطع الذي بعده في قوله (فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ) ثم طعون الكافرين بالنبي صلى الله عليه وسلم

د. مسلم: من كثرة الاعتراضات أحياناً ومن كثرة المقاومين والمعاكسين والمشاكسين والتهم أحياناً قد يجد إلى نفس الداعية نفس الرسول صلى الله عليه وسلم هل عند هؤلاء صواب؟ هل عندهم وجهة نظر معقولة؟ فقد يؤثر على عزيمته من ناحية وقد يشككه في موقفه السليم من ناحية ولذلك كثير من الآيات في القرآن تأتي تنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستمرار (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) النمل) (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا (158) الأعراف) ينبه أنه لا تتردد في دعوتك ولا تشك في أمر صدقك وكونك على الحق فتأتي الآيات تثبت الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً حتى يستمر على دعوته. فهؤلاء عندما كانوا يقولون كاهن، ما الذي دعاهم ليقولوا عنه كاهن؟ الحقيقة قريش كانوا عقلاء فمثلاً عندما كانوا يجدون أن الرسول تأتيه حالات الوحي فيغيب عما حوله وتأتيه حالة نزول الوحي وكان يسمع له غطيط قريش ترى الظاهر ما تعرف حقيقة الأمر فتقول هذا لا يصاب به إلا المصروع أو المجنون فإذن اتهموه بالجنون. عندما يجدوا هذا القرآن الكريم له ميزان معين في الدقة وفي الوزن (وَالطُّورِ ﴿١﴾ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ﴿٢﴾ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ ﴿٣﴾ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ﴿٤﴾ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ﴿٥﴾ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴿٦﴾) فواصل كأنها تفعيلات شعرية ولكنهم لما يقارنوها بالأوزان الشعرية عندهم ما ينسجم، هذا الأمر له وزن لكن وزنه ليس كالأوزان المعروفة عندهم فيقولون عنه شعر حتى تمر على الناس الذين لا يعرفون الشعر. هناك أمور غيبية ذكرت في القرآن والرسول أبلغ عنها والأمور الغيبية معروف أن الكهان كانوا يعملون هذا الشيء فقالوا عنه كاهن فكل مرة يختاروا صفة من واقع أو حالة من حالات الرسول صلى الله عليه وسلم لكنهم عندما يتدبرون. لذلك الوليد بن المغيرة عندما جاؤوا يستشيرونه ماذا نقول عن محمد؟ لا نريد أن نقول قولاً يكذب بعضنا بعضاً، قال اعرضوا عليّ ما تقولون؟ قالوا نقول إنه شاعر، قال والله إن لأعلمكم بالشعر وقد عرضت على الشعر فلم ينسجم ما هو بالشعر! نقول عنه كاهن، الكاهن قد يصيب في واحد و99 لا يصيب لكن محمد ما يقول إلا الصدق وكل الأخبار التي يقول عنها ما كُّّبت فليس بكاهن! فقالوا إذا ما قلنا فيه قولاً يكذب بعضنا بعضا فيسلم الناس ويدخلون دين محمد فقال دعوني أفكر كما وصف في سورة المدثر (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ﴿١٨﴾ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ﴿١٩﴾ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ﴿٢٠﴾ ثُمَّ نَظَرَ ﴿٢١﴾ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ﴿٢٢﴾ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ﴿٢٣﴾ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴿٢٤﴾ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴿٢٥﴾) أقرب شيء أن تقولوا عنه أن هذا سحر لأنه يفرق بكلامه بين المرء وزوجه وبين الأخ وأخيه وبين الأب وابنه فأرق شيء تقولوا عنه سحر لأنه يفعل فعل السحر في النفوس. لكن قبل ذلك بعد أن فكر قال: والله إن لكلامه لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله يعلو ولا يعلا عليه وما يقول هذا بشر، قالوا إن قلنا هذا صبأوا، قال إذن قولوا عنه سحر.

د. الشهري: ثبتوا على السحر، سبحان الله العظيم! ولذلك جمع مثل هذا الوصف وصف المشركين للقرآن الكريم أول ما جاء يعتبر من أفضل ما يذكر وما يمكن أن تحلله في الوصول إلى بلاغة القرآن وسبب إعجازه فهؤلاء هم أعلم الناس بالبلاغة وهم أدرى الناس بالخلل لو كان فيه خلل، عندما يأتي الآن بعض الذين يقولون القرآن فيه أخطاء نحوية هل كان هذا سيفوت على الوليد بن المغيرة وهو متخصص في النحو؟! هذا من أفضل الردود عليهم.

د. مسلم: هذا جهل كثير من الناس يأتون ببعض الإعتراضات. هذه الحقيقة ظهرت في زمن عندما دخلت الزندقة ابن قتيبة رد عليهم في تأويل مشكل القرآن رد عليهم ردوداً لأنه وجد أن الناس لم تستوعب هذه الحقائق والآن كثير من الناس يكررون نفس المشاكل القديمة ويعترضون على القرآن. ولكن الرد المجمل عليهم أن قريش كانت أحرص الناس على إبطال قضية القرآن وزعزعة ثقة الناس بذلك فلو كانت هناك قضايا لغوية مأخوذة عليه أو قضايا فكرية أو قضايا تاريخية كانوا أبرزوها وناقشوا فيها.

د. الشهري: نعود إلى الآيات التي كاد قلب جبير بن مطعم يطير عند سماعها في قوله (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ)

د. مسلم: العبارة البليغة والموجزة في قضية القرآن وكونه من عند الله (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٣٣﴾ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴿٣٤﴾) جاءت في غاية الإيجاز وفي غاية الدقة وفي لمحة سريعة، دائماً السورالمكية الأولى مثل المسّ الكهربائي لتوقظهم من غفلتهم، هذا القرآن، فكروا فيه تقولون جاء به من عند نفسه أتى به، كيف؟ (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ)، هذه أول آية في التحدي

د. الشهري: لفت نظري في التحدي لا أذكر أن أحداً من الباحثين توقف عندها وهي أن التحدي جاء بسورة ولم يأتي التحدي بآية ولذلك ناقش علماء القرآن قالوا أقصر سورة ثلاث آيات فإذن هو أقل الحدّ المعجز بأقصر سورة منه، هل مر عليك مثل هذا أن الاعجاز متربك بالسور وليس بالآيات

د. مسلم: عندنا فرق بين التحدي وبين دلالة الآية على مصدر القرآن. أحياناً نستدل على أن القرآن من كرم الله وليس من صنع البشر بآية واحدة، بكلمة واحدة في قوله (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) النازعات) كلمة دحى تدل على مصدر القرآن. هناك كثير من الكلمات كلمة واحدة، آية واحدة تدل على مصدر القرآن ولكن ما جاء بها التحدي وإنما التحدي جاء بسورة أقصر سورة في القرآن سورة الكوثر

د. الشهري: هذا يؤيد الذي تدعو إليه دائماً وهو أن السورة وحدة موضوعية

د. مسلم: شخصية معينة متكاملة لها بداية لها نهاية لها هدف معين محور معين أما لو قال آية واحدة (ق) هذه آية، حرف واحد يأتي آية، لذلك ما ينسجم التحدي بآية

د. الشهري: توقفنا عند الآيات التي يحاجج الله فيها هؤلاء المشركين بقوله (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٣٣﴾ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴿٣٤﴾) وقلت هذه أول آية وردت في تحدي المشركين أن يأتوا بمثل هذا القرآن

د. مسلم: التحدي مر بمراحل (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) مثل الحديث الذي يتحدث به محمد صلى الله عليه وسلم القرآن منزّل عليه في هذا الوقت كان هناك سورة معينة سور مكية في المرحلة الأولى نزلت فليأتوا بمثل هذه السور من غير تحديد، ثم لما صاروا يطلبون قضايا مادية معجزات مادية جاء التحدي بكل القرآن الكريم صراحة بكل القرآن الذي نزل إلى ذلك الوقت (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) ليس فقط أهل مكة بل كل المشركين وكل من يدعونهم في الملات لنصرتهم وتأييدهم من الإنس والجن يستعينوا بما شاؤوا ولن يفعلوا ذلك.

د. الشهري: وهذا كان في سورة الإسراء وهي متقدمة.

د. مسلم: بعد ذلك جاء التحدي بعشر سور (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ (13) هود) لما قال (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ (38) يونس) إذا كانت القضية فرية والفرية سهلة عليكم فليأتوا بعشر سور مثله مفتريات، أنتم افتروا وأنتم أقدر على الافتراء وليس بالضرورة أن يكون هنالك قضايا غيبية إئتوا بما تستطيعون من الوصف ولكن تكون في إعجاز القرآن في بلاغة القرآن، عجزوا عن ذلك. جاء التحدي في سورة يونس بسورة واحدة (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ (38)) وتكرر التحدي في سورة البقرة (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) البقرة) ما الحكمة في تكرر السورة؟ أما يكفي أن التحدي قائم في سورة يونس وهي مكية؟ ما الحكمة في التحدي مرة أخرى؟ يقول بعض المفسرين عندما تحداهم بسورة وأطلق السورة قد يقول بعضهم كما كانت اليهود تزعم أن محمد كان بين أناس أميين ليس لهم علم بالنبوات ليس لهم علم أما لو تحدانا لأتينا بمثله ونحن أهل العلم وأهل الثقافة فجاء التحدي في سورة البقرة السورة المدنية التي فيها فضائح اليهود كلها، تحداهم بهذا الأمر

د. الشهري: والعجيب أنه قطع رجاءهم عندما قال (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ (24) البقرة)

د. مسلم: هذه مراحل التحدي في الاعجاز القرآني

د. الشهري: هذه الآيات هي مدار البحث في إعجاز القرآن الكريم يبدأون بذكر آيات التحدي ومراحلها وسبب التحدي. دعنا نستعرض هذه الآيات وهي من قوله (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴿٣٥﴾ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ ﴿٣٦﴾ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ ﴿٣٧﴾ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴿٣٨﴾ )

د. مسلم: ما هي المبررات التي تجدها قريش في نفسها أن يكونوا في منأى من عذاب يوم القيامة، من المؤاخذة من المحاسبة من تعجيل العذاب لهم قبل يوم القيامة، يحصل بهم كما حصل للأمم السابقة، ما ميزتهم عن ذلك؟ (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ) ما عندهم لا هذه الإمكانات، إذا كانوا يدّعون أنهم على علم باتباع آبائهم وأنهم يأتيهم الغيب (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) كانوا يأخذون من السماء (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ﴿٣٩﴾ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ﴿٤٠﴾ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴿٤١﴾ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ ﴿٤٢﴾) هل يريدون كيداً بمحمد؟. اللطيفة هنا يقولها بعض المفسرين أنه ذكرت (أم) في سورة الطور 15 مرة وفي نهايتها جاء (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) يقولون جاء التهديد بالصعق بالهلاك في نهاية الـ (15) ويقولون أن المرحلة المكية 13 سنة وسنتين هجرة وقت غزوة بدر في نهاية السنة الخامسة عشرة وقع الصعق في كبرائهم في غزوة بدر هذه لفتة يقول عنها ابن عطية دائماً: وهذه من مِلَح التفسير وليس من متين العلم. الحقيقة أنا أقول قد تكون هذه ومثيلاتها كثير يعني من الملح التي ذكرها عبد الدائم الكحيل في موقعه أن في سورة الكهف (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)) قبلها جاءت كلمة لبثوا، قال بين كلمتي لبثوا 309 كلمات بعدد سنوات لبثهم، هذه إذا صار لها ضوابط، الاعجاز العددي الآن يقوم على كثير من هذه القضايا التي يذكرها ولكن هذه تحتاج إلى عدم الشردو ويكون هناك ضوابط وقواعد

د. الشهري: لو كانت مبنية على قواعد وضوابط يمكن السيطرة عليها لكانت لطيفة لكن المشكلة أنها مفتوحة!. نرجع للآيات، هل هناك من توجيه لماذا قال (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) (أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) هذه الأسئلة؟

د. مسلم: كلها ليس عندهم شيء من ذلك ولو من باب أصل عندهم ويكبروه ويضخموه حتى يقنعوا أنفسهم على أنهم على شيء من الحق أو على شيء من المزايا تجعلهم لا يخضعوا للحق أن يكون عندهم شبهة يتمسكوا بها، كل هذه الأمور ما عندهم.

د. الشهري: وكأنه أتى في هذه الآيات على كل الشبهات

د. مسلم: نعم، الاشياء التي يمكن أن يتمسكوا بها ليس عندهم شيء من ذلك فلا داعي لبقاء هذا والعذاب يهددهم ولكن إذا لم يستمعوا لك يا محمد (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ)

د. الشهري: يصعقون مأخوذة من ماذا؟

د. مسلم: الصعق يأتي بمعنى الموت وياتي بمعنى العذاب المُهلِك الماحق ولذلك الذين فسروه ببدر أنهم صعقوا في بدر بقتل سبعين من زعمائهم فكانت كالصاعقة عليهم.

د. الشهري: ليست بالضرورة الموت بالصاعقة

د. مسلم: لا ليس بالضرورة، فلان صعق من الخبر أو جاءه شيء صعقه هذه من صدمة الحادث

د. الشهري: في آخر السورة واضح أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على كل هذا (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ)

د. مسلم: هذا منتهى الاطمئنان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مهما قالوا عنك اشياء ومهما قالوا عن دعوتك استمر واصبر على تحمل الأذى واستمر على المشقات التي تعترضك فإنك بأعيننا أنت في رعاية الله والله سبحانه وتعالى هو الذي يؤيدك بنصره وبتوفيقه وإذا كان الله معك فلا يهمك كل البشر ولو كانوا ضدك. غاية التطمين والدعم بلا تشبيه لو كبير من الكبراء غني من الأغنياء زعيم وملك من الملوك قال لك يا فلان أنا وراءك إمش في طريقك ولا يهمك مهما يأتيك من مصاعب أنا وراءك أدعمك إذا كان هذا وعد من ملوك الدنيا هكذا يدفع الإنسان لركوب المخاطر وتحمل المشقات فما بالك رب العالمين يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم؟! هذه القضية ليست لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحده بل لكل دعاة الحق إذا صبروا على الأذى وتحملوا فإن الله سبحانه وتعالى يرعاهم وينصرهم.

د. الشهري: أسأل الله أن يتقبل منك لعل هذا أنسب ختام.

د. مسلم: في نهاية السورة (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) فاتني أن أقول في المناسبات أن القرآن الكريم كله مثل السبيكة الذهبية سلسلة ذهبية حلقاتها مترابطة، تنتهي هذه السورة (وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) وجاء في أول سورة النجم (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) إدبار النجم مغيب النجم في الأفق في هذا الوقت من الليل سبح الله سبحانه وتعالى و(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى).

د. الشهري: أكرر الشكر لفضيلة الشيخ.

************************

الفائز بسؤال الأمس: الأستاذة هيفاء فرج

سؤال الحلقة: لم يصرّح الله باسم أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا باسم صحابي واحد، فما الاية التي ذكر فيها اسم هذا الصحابي في الجزء الثاني والعشرين؟