برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر 1429هـ – الجزء السادس

برنامج التفسير المباشر

الحلقة السادسة

6-9-1429هـ

د. عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربّ العالَمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمُرْسَلين سيِّدِنا ونبيِّنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعين. مرحباً بكم أيُّها الأخوة المشاهدون في برنامجكم اليومي “التّفسير المباشر” الّذي يأتيكم من استديو هات قناة دليل الفضائية في مدينة الرّياض.

اليوم بإذن الله تعالى وهو اليوم السّادس من شهر رمضان المبارك، سوف نتناولُ بإذن الله تعالى الجزء السّادس من أجزاء القرآن الكريم، ونتحدّث عن أبرزِ موضوعاته، وأتوقّع منكم أن تكونَ أسئلتكم حول هذا الجزء حتى تكون الحلقات منضبطة بقدر الاستطاعة على ترتيب الأجزاء الّتي رُتِّبَ عليها القرآن الكريم.

الجزء السّادس من أجزاء القرآن الكريم يبدأ من الآية الثّامنة والأربعين بعد المئة من سورة النّساء، وينتهي عند الآية الواحدة والثّمانين من سورة المائدة، وتظهرُ أمامكم على الشّاشة الآن أبرز الموضوعات الّتي اشتمل عليها هذا الجزء وهي:

  • النّهي عن الجهرِ بالسّوءِ من القول وكراهيةُ ذلك.
  • وذمّ اليهود وتعنّتهم في السّؤال ونقضهم للميثاق.
  • تكذيب اليهود في قولهم إنّهم قتلوا عيسى بن مريم، وإنَّما رفعه الله إليه.
  • النّهي عن الغلوِّ في الدّين.
  • الأمر بالوفاء بالعقود؛ كما في أوّلِ سورةِ المائدة.
  • بيانُ ما يحرُمُ أكلَهُ من الطّعامِ إلاّ في حال الاضطرار.
  • بيانُ كيفيّة الوُضوءِ للصّلاة.
  • تذكير المؤمنون بنعمة الله عليهم بالإسلام.
  • وبيان نقض اليهودِ والنَّصارى للمواثيق وكفرهم بها.
  • بيان حدّ السَّرِقةِ وحَدّ الحِرابة.
  • الحديثُ عن الوَلاءِ والبراء (لِمَن؟؟ وَمِمَّن؟؟).

هذه أبرزُ الموضوعات الّتي اشتمل عليها الجزء السّادس من أجزاء القرآن الكريم، وهناك موضوعات كثيرة اشتمل عليها الجزء لكنّنا اخترنا هذه الموضوعات، وأبرز الموضوعات الّتي اشتمل عليها الجزء.

يسُرُّني باسمكم أيُّها الإخوةُ المشاهدون أن أُرَحِّبَ بضيفي العزيز الّذي يُشاركُني في هذه الحلقة، وهو أخي فضيلة الشّيخ: “فهد بن مبارك الوهبي” الأستاذ بجامعة طيبة، والمتخصِّص في الدِّراسات القرآنيّة، فمرحباً بكم فضيلة الشيخ فهد حيّاكم الله.

د.فهد: حياكم الله ومرحباً بكم.

د.عبد الرحمن: وأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم وشكر الله لك استجابتك لنا في هذه الحلقة من البرنامج، وأرجو أن يُسَدِّدك الله وأن يوفقك، وأن يجعل ما تقدّمه في ميزان حسناتك.

د.فهد: آمين.

د.عبد الرحمن: بدايةً يا شيخ فهد؛ كبداية ومدخل لحديثِنا اليوم عن الجزء السّادس، لفت نظري أنّ في سورة المائدة في بدايتها على وجه الخصوص أنَّها اشتملت على كثيرٍ من الأحكام الشّرعيّة الفقهيّة، فطرأ على بالي سؤال، وهو مهمّ جدّاً، وهو: موضوع بيان القرآن الكريم للأحكام؟ وأودّ قبل أن ندخل في هذا الحديث يا شيخ فهد هو أن أُذَكِّر الإخوة المشاهدين بأرقام الهواتف الّتي تظهر أمامهم على الشّاشة تباعاً للاتّصالات من داخل السّعوديّة ومن خارجها.

فأُريد أن تُحَدّثنا يا شيخ فهد عن بيان القرآن الكريم للأحكام الفقهيّة، كيف يستطيع المشاهد الكريم أن يستفيد ويستنبط الأحكام الفقهيّة من خلال آيات القرآن الكريم بمناسبة الحديث عن سورة المائدة؟

د.فهد: بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمدُ لله ربِّ العالَمين، وأُصَلّي وأُسَلِّمُ على خاتم النَّبيِّين وإمام المرسلين سيِّدِنا ونبيِّنا محمّد عليه وعلى آله وأصحابه أفضلُ الصّلاةِ وأتمُّ التّسليم، وبعد، فأشكر لكم فضيلة الدّكتور هذه الاستضافة الكريمة، وأسأل الله عَزَّ وَجَلَّ لهذه القناة والقائمين عليها التوفيق والسّداد.

ما ذكرتموه فضيلة الشيخ من بيان القرآن للأحكام لا شكّ أنّ القرآن قد اعتنى كثيراً ببيان الأحكام الشّرعيّة، والعلماء رحمهم الله تعالى قد استخرجوا من القرآن أحكاماً كثيرة في جميع أبواب الفقه الشّرعي، لكن هنا بعض التّنبيهات المهمّة في استخراج الأحكام من القرآن:

أوَّلاً : القرآن اعتنى بالأحكام، ولكنّ كثيراً من العلماء خصَّصوا هذه الأحكام بالأحكام الشّرعية الفرعية الفقهيّة فقط، مع أنّ القرآن الله عَزَّ وَجَلَّ يقول فيه {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ}[النحل:89] فكما هو بيانه في القرآن ففي الفقه هو بيانه في العقيدة وهو بيانه في السّلوك، وهو بيانه في الأدب، وهو بيانه في اللُّغة، وغير ذلك من الفنون والعلوم، فإذن هذا تنبيهٌ مهم أنَّ الأحكام لا تقتصر على الأحكام الفقهيّة فقط.

التنبيه الآخر: أنّ بعض علماء علوم القرآن قد أبرَزوا العلوم الَّتي تُخْرَج من القرآن؛ فجعلوا منها مثلاً: علوم أصول العقائد، والأحكام الفقهيّة، والقَصص، والوعد والوعيد، والأمثال وغير ذلك، فالّذي يريد أن يستخرج من القرآن لا بدّ أن يُراعي هذه العلوم جميعها، وأن لا يقصر نفسَهُ فقط على الأحكام الشّرعيّة الفقهيّة؛ لأنّ الّذين يستنبطون غالباً هم يركّزون فقط على الجانب الفقهي، مع أنَّ القرآن فيه فوائد كثيرة في غير هذا الباب.

الّذي دعا كثيراً من النّاس إلى الاقتصار على الفقه فقط أنّ مُقاتل بن سليمان رحمه الله ألّف وجمع 500 آية وقال: هذه آيات الأحكام. فمَن جاء بعده حدّد آيات الأحكام في 500 آية فقط، ثمّ العلماء لمّا ألّفوا في أحكام القرآن ألّفوا في الجانب الفقهي، مع أنَّ كثيراً من العلماء في علماء الأصول، وحتى علماء القرآن قالوا: “أنّ هذا الحصر هو حصرٌ للآيات الظّاهرة الّتي تدلُّ دلالةً ظاهرةً على الأحكام، وأمّا الدِّلالات الخفيّة في الأحكام وفي غيرِها فلا تدخل قطْعاً في هذه الآيات”.

د.عبد الرحمن: يعني الآيات الظّاهرة يا شيخ فهد فيما يظهر لي مثل {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيام} [البقرة:183]، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة:178].

د.فهد: دلالة الأمر على الوجوب، دلالة النّهي على التّحريم، دلالة العام على عمومه والخاصّ على خصوصه هذه تُعتَبَر ظاهرة، لكن دِلالة الإشارة، دِلالة الاقتضاء، دِلالة الالتزام، دِلالة التّضَمُّن، هذه الدِّلالات لا يدركُها إلاّ المُتَخَصِّصون، وهي فيها فوائد عظيمة في الفقه وفي غير الفقه.

والعلماء أيْضاً ممّا يدلّ على أنّهم لم يقتصروا أنَّهم استخرجوا أحكاماً فقهيّة كثيرة من غير هذه الأحكام من آيات القَصص، والأمثال، والوعد، والوعيد، لمّا جاؤوا مثلاً عند قول الله عَزَّ وَجَلَّ {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص:27] وهو آية قَصص قالوا: يجوز من هذه الآية أن تُنْكَحَ البنت بالإجارة، أن يُجْعَلَ مهرُها إجارةً. ولمّا جاؤوا عند قول الله عَزَّ وَجَلَّ {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ} [يوسف:55] في قصّة يوسف، وهي في القصص، وليست في الأحكام قالوا: يُسْتَنبَط منها حكماً وهو (جواز طلب الوِلاية إذا كان قادراً عليها) أو (جواز التولّي للظّالم أو الكافر) كلُّ هذه أحكام فقهيّة استُخرِجت من آيات قَصص، وهكذا من آيات الوعد والوعيد وغيرِها.

فإذن ينبغي لمَن يريد أن يستنبط من القرآن أن لا يقصر نظره على الأحكام الفقهيّة؛ حتى تكون استفادته شاملة؛ لأنَّ الإنسان وخصوصاً غير المتخصّص استطاعته في استخراج الفوائد الأدبيّة والسّلوكيّة أكثر من استخراج الأحكام الفقهيّة، فلا يقصر نفسه على هذا الجانب.

أمّا خصائص بيان القرآن للأحكام فلا شكّ أنّ القرآن له خصائص عظيمة من أعظم هذه الخصائص: أنّه لم يجعل آيات الموضوعات متوالية، لم يجعل أحكام الصّلاة في سورة، وأحكام الزّكاة في سورة، وأحكام الصّيام في سورة، وإنَّما نوّعها وفرّقها. وهذا التفريق له سرّ، من أسرار هذا التّفريق أنّه قد يُدخِل آيةً بين آياتٍ أخرى لمغزى، مثل ما أدخل الله عَزَّ وَجَلَّ آية الرِّبا في غزوةِ أُحُد مثلاً، لمغزى معيَّن وهو التّطهير من الإثم؛ كما ذكره أحد المشايخ: “تطهير الصّف الدّاخلي من هذه الأموال وغيرها سببٌ للنّصر” وكذلك قد أدخل الله عَزَّ وَجَلَّ آيات وأحكام كثيرة داخل آيات أخرى، فهذا سرٌّ من أسرار التّفريق. وسرٌّ آخر حتى يجتهد المجتهدون في جمع هذه الآيات، وبيانها واستخراج ما فيها من الأحكام وجمعها، وحمل العام على الخاصّ، وحمل المُطلَق على المقيَّد، ومعرفة أن هذا الأمر هل هو للوجوب أو قد جاء في موضع آخر ما يُذهب الوجوب إلى النّدب أو إلى الإباحة، فهذه كلُّها أمور مقصودة من تفريق الأحكام.

أيْضاً من خصائص القرآن: أنّ القرآن عندما يأتي بالأحكام لا يأتي بها مجرَّدة مثل الكتب الفقهيّة، وإنَّما يأتي بها مع الدّعوة والحثّ، وربطِها بالإيمان والعمل الصّالح ولقاء الله عَزَّ وَجَلَّ والجنّة، ومن أمثلة ذلك الكبيرة والواضحة آية الصّيام {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فبدأ بالنِّداء بالإيمان، ثمّ ختم {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فما كان أمراً مُجَرَّداً ما قال مثلاً: أنّ الصّيام حكمه واجب، ويجب على الجميع الصّيام، لا، هناك سرّ في كون الله عَزَّ وَجَلَّ يُعَبِّر ببداية الإيمان { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} ويختم بـ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؛ لأنّ الأحكام الفقهيّة جاءت للعمل، وليست كما يظنُّها بعض النّاس أنّها فقط للحفظ، ولمعرفة أنّ هذا واجب وهذا سنّة أو مندوب أو مباح أوغير ذلك. إذن هذا سرّ عظيم.

يعني: من خصائص بيان القرآن للأحكام أنّه يدلُّ على الأحكام بطريقةٍ كلِّيّة، ولا يدلُّ بطريقةٍ تفصيليّة؛ لأنّه كتابٌ خالد سيبقى إلى آخر الزّمان؛ حتى يرث الله الأرض ومَن عليها. فإذا كانت هذه هي صفةُ القرآن، فلا يمكن أن يُذكَرَ في القرآن جميع التّفاصيل، وإنّما تُذْكَر أحكام كلِّيَّة، تُذكَر عمومات، وتُذْكَر أيْضاً إطلاقات، وتُذْكَر عِلل يُقاس عليها، وهكذا، لكن قد يأتي بعض التّفصيلات المهمّة في القرآن، لكن ليست هي ديدن القرآن وطابعه العام.

هذه بعضُ الخصائص الّتي يعني

د.عبد الرحمن: وهي الحقيقة خصائص مهمّة جدّاً يعني كثيرٌ من النّاس قد يُقال له هذا الحكم وهذا الفعل الّذي تفعله حرام، فيسأل مباشرةً هل هذا موجود في القرآن هذا التحريم؟ مع أنّها قد تكون أشياء تفصيليّة وهناك أدلّة عامّة؛ مثل ما تفضّلتم {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [الأعراف:175].

د.فهد: وقد يكون الإحالة إلى دليلٍ آخر؛ مثل الإحالة على السُّنَّة، إحالة القرآن إلى اتِّباع النّبيّ عليه الصّلاةُ والسّلام؛ ولذلك الإمام الشّافعي جلس في مكّة وقال: “سلوني عمّا شئتم أُجِبْكُم من كتاب الله”، فجاءته امرأة وقالت: “أسألك عن حكم قتل الزّنبور هل هو حلال أو حرام”؟

د.عبد الرحمن: الزّنبور هو الحشرة الصّغيرة .

د.فهد: نعم، فقال: “أُجِبْكِ من كتاب الله، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر:7]، وقال عليه الصّلاةُ والسَّلام: ((اتَّبِعوا مَن بعدي أبي بكر وعمر)) وأمر عمر بقتل الزّنبور”. إذن هذا التّسلسل في الاستدلال هو أحد طرق العلماء في التّعبير عن شموليّة القرآن لجميع الأحكام.

د.عبد الرحمن: وهناك مثل مشهور عن ابن مسعود؛ مثل هذا.

د.فهد: نعم.

د.عبد الرحمن: لكن قبل أن ندخل فيه نأخذ اتّصال من أخينا الأخ عبد الله من السّعودية. تفضّل يا أخ عبد الله حيّاك الله.

أعود يا شيخ فهد إلى قصّة الشّافعي هذه قصّة دقيقة فعلاً.

د.فهد: نعم.

د.عبد الرحمن: وقد وقع لعبد الله بن مسعود أنّه قيل له: أنّه بلغ أحد النِّساء أنّه يلعن الواشمة والمستوشمة، وأنّه يقول أنّ ذلك في كتاب الله، فذهبت إليه وقالت: لقد قرأتُ كتاب الله من أوّله إلى آخره وما وجدتُ هذا اللّعن؟ فقال: إن كنتِ قرأتِهِ فقد وجدتِهِ، فقالت: وأين؟ فقال: يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر:7]، قالت: نعم، قال: والرّسول صلّى الله عليه وسلّم قد لعن الواشمة والمستوشمة، والواصلة والمستوصلة.

د.فهد: هذه هي أحد الطّرق الّتي ذكرها الشّاطبي؛ لأنّ الشّاطبي في “الموافقات” لمّا جاء إلى الكلام على كوْن القرآن شاملٌ لكلِّ شيء، ذكر كيف يكون القرآن شاملاً لكلّ شيء على أوجه وهذا منها والوجهٌ الآخر أنّه جُعِلَت السُّنّة كالقائس مع القرآن، فالقرآن يذكر الأحكام وعِلَلُها، وتأتي السّنّة تطبّق على هذه العلل وتمثّل لها وتبيّن وتفصّل في هذه الأمور، نعم.

د. عبد الرحمن: جزاك الله خيراً يا دكتور. الأخ عبد العزيز من السّعوديّة تفضّل.

المتّصل: السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د. عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.

المتصل: كيف حالكم ؟

د. عبد الرحمن: حياك الله.

أنا عندي سؤال خارج موضوع الحلقة أقول في قوله تعالى: {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79]، نجد بعض الفقهاء يستدلّ بهذه الآية على أنّ القرآن لا يمسُّهُ إلاّ المُطَهَّرون، والـ “لا” هنا ليست ناهية ولكنّها نافية فأريد أن أنبّه على هذا الشيء.

د. عبد الرحمن: بارك الله فيك عبد العزيز شكراً جزيلاً لك. انفتح باب الحديث هنا لنا يا شيخ فهد خاطرة خطرت في ذهني أمس، وأنا أُريد أن تُصَوِّبني، نحن أمس كنّا في الحلقة الماضية نتحدّث أحد الإخوان سأل عن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35]، فعلى ذكر الاستنباط من هذه الآيات، الفوائد ليست في الفقه، خطر على بالي فائدتان من هذه الآية:

الفائدة الأولى: فيما يُسَمّونه الآن تشكيل اللِّجان، تشكيل لجنة وهو تشكيل أكثر من شخص يقومون بحلّ إشكاليّة أو القيام بعمل، تّشكيل للحكَمين أمر الله سبحانه وتعالى وتوجيهه بإرسال حكمين من طرف الزّوج والزّوجة لحلّ الإشكال، فهذه الآية ممكن أن يستنبط منها هذا الحكم؛ لأنّها أصلٌ في تشكيل اللّجان.

وأيْضاً من الفوائد الّتي من الممكن أن تستنبط من هذه الآية: التّفويض الإداري، وأنّ المُفَوَّض له صلاحيّة العمل؛ لأنّ الزّوج والزّوجة عندما يرسل حكماً من طرفه وحكماً من طرفها لا شكّ أنّه قد فوّضه التّفاوض عنه، وقد أعطاه الصّلاحيّات يمكنه من خلاله أن يعمل. فأنا أقول مثل هذه الفوائد الّتي ذكرتها.

د.فهد: وهناك فائدة كبيرة في هذه الآية وهي أصلية وهي: جواز التّحكيم تحكيم الرِّجال وهذا الّذي اعترف به الخوارج على الضبط قالوا: كيف تحكّم الرِّجال؟ والله عَزَّ وَجَلَّ قد حكّم هؤلاء

د. عبد الرحمن: لذلك أنا ألفت النّظر إلى بعض الكتب مثل كتاب الشيخ السّعدي الّذي هو “تفسير الكريم المنّان” يعني في بعض الآيات مثل سورة المائدة الّتي معنا اليوم، تكلّم في آية الوضوء الّتي في أوّل سورة المائدة فاستنبط منها 40 فائدة من فوائد فقهيّة، وفوائد عقديّة، وفوائد تربويّة وفوائد إلخ. سورة المائدة -يا دكتور فهد- من السّور الّتي -كما قلت لكم- ابتدأت بقضيّة العقود والوفاء بها وما يتعلّق بها، وبيّنت الكثير من الأحكام الفقهيّة، برأيك يعني أبرز ما يمكن أن نتحَدّث عنها في بدايتها من الأحكام الفقهيّة؟

د.فهد: سورة المائدة هي ما تُسمّى بـ [العقود] سورة العقود، وسورة المائدة فسمّيت بذلك لكثرة ما فيها من الكلام حول العقود، وما جاء من نقض بني إسرائيل للعقود والمواثيق الّتي أخذها الله {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} {فَبِما نَقْضِهِمْ} وأمر الله عَزَّ وَجَلَّ في عدد من الآيات بالأمر بالوفاء بالعقود والمواثيق الّتي أخذها الله عَزَّ وَجَلَّ على هؤلاء -يعني على الصّحابة رضي الله عنهم- وما أخذوه على أنفسهم من البيْعة فهذه كلّها تدخل في العقود الّتي أخذها الله عَزَّ وَجَلَّ على النّاس {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}[المائدة:1]، كل العقود، والعقود ذكر العلماء أنها أصناف:

1.      عقدٌ بينك وبين النّاس، ويدخل فيها عقد المُبايعة، وعقد الإجارة، وكلّ الأنواع العقود الفقهيّة، هذه يجب الوفاءُ بها، ولذلك بعض العلماء يقولون: أنّ هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} تبطل خيار المجلس؛ لأنّه يجب الوفاءُ بالعقد، وهو استنباطٌ غير صحيح من الآية؛ لأنّه قد خالف الحديث الصّحيح “البيِّعان بالخِيار ما لم يتفرّقا” وخيار المجلس ثابت في السّنّة.

2.      النّوع الثّاني من أنواع العقود هو: من العقود وهو العقد الّذي بينك وبين الله عَزَّ وَجَلَّ، مثل بيْعة الصّحابة رضي الله تعالى عنهم للنّبيّ عليه الصّلاةُ والسّلام في بيعة العقبة، وبايعوه على أن ينصروه وعلى أن وإلى آخر البيْعة فهذا يجبُ الوفاءُ به أيْضاً

3.      والعقد الثالث هو: بينك وبين نفسك {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [التوبة:75]، ومع ذلك بعد ذلك نكث.

فإذن جميع أنواع العقود بينك وبين النّاس، وبينك وبين الله، وبينك وبين نفسك يجبُ الوفاءُ بها، وهذه آية عامّة؛ ولذلك هذه دِلالة القرآن الإجماليّة الكليّة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} لم يُخَصِّص عقْداً مُعَيَّناً، ولم يُدخلْهُ في جانب المعاملات فقط، ولا في جانب السُّلوكيّات وتزكية النّفوس فقط يشمل جميع أنواع العقود.

د.عبد الرحمن: جميل جدّاً، قبل أن نجيب على سؤال عبد العزيز يا شيخ فهد نريد أن نأخذ سؤالاً من الأخ محمّد

تفضّل يا أخ محمّد من السّعوديّة حيّاكم الله

محمّد: السلام عليكم.

د. عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله .

محمّد: أوّل شيء أشكركم على البرنامج الطيّب هذا كل يوم بعد العصر أحضر وأجلس عنده، الله يجزاكم خير.

د. عبد الرحمن: الله يتقبّل منّا ومنك يا أخي.

محمّد: من ناحية الرّوابط والفوائد من بعض الآيات أحياناً أشعر أن فيها بعض المبالغة.

د. عبد الرحمن: مثل ماذا يا محمّد؟

محمّد: يعني مثل تستخرج نُظُم وفوائد كثيرة 40، 50، هل تشعر أن في ذلك مبالغة؟

د. عبد الرحمن: جزاك الله خير.

محمّد : مثل قولكم {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر:7]، مثل هذه الآية فيها الدلالة على كل شيء في الحياة من خلال هذه الآية، يعني القرآن يدل على كل شيء من خلال هذه الآية

د. عبد الرحمن: الله يحيّيك شكراً جزيلاً لك. معنا الأخ أبو حمزة من مصر تفضل أبا حمزة حيّاكم الله.

أبو حمزة: السّلام عليكم ورحمة الله.

د. عبد الرحمن: وعليك السّلام ورحمة الله.

أبو حمزة: جزاكم الله خير على هذا البرنامج الرّائع.

د.عبد الرحمن: الله يحيّيك.

أبو حمزة: الله يتقبّل يا ربّ. عندي سؤال من الأمس في سورة النّساء في قوله تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [النساء:148] ما معنى (إلا من ظُلم)؟

د. عبد الرحمن: جيّد.

أبا حمزة: السّؤال الثّاني في الآية 32 من سورة المائدة.{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[المائدة:33] هل هذه الآية تُطبّق حالياً؟ وما هو من يحارب الله ورسوله ما هو المقياس الذي أعرف به من يحارب الله ورسوله؟ ثم ما دلالة الترتيب في العقوبة: يقتّلوا، يصلّبوا، تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ينفوا من الأرض؟ وكيف تُطبق هذه الحدود؟

د. عبد الرحمن: بارك الله فيك يا أبا حمزة شكراً جزيلاً لك. الأخ نايف من السّعوديّة، تفضّل يا أخ نايف حيّاكم الله.

نايف: السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د. عبد الرحمن: وعليكم السّلام حيّاك الله يا شيخ نايف.

نايف: الله يحيّيك يا شيخنا وحيّا الله ضيفك الكريم.

د. عبد الرحمن: الله يحيّك.

نايف: بارك الله فيكم لديّ ثلاث أسئلة:

الأوّل: ما هو أصحّ أقوال المفسِّرين في تفسير قوله: { والصّابئون } ؟

د. عبد الرحمن: طيّب.

نايف: السّؤال الثّاني: في قوله عَزَّ وَجَلَّ: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} [المائدة:26]، الوقف هنا على {مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} أو على {يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ}؛ لأنّ المعنى يختلف؛ لأنّ بعض المعاصرين يستدل من تفسير هذه الآية على منع دخول اليهود، مع أن اليهود دخلوا بيت المقدس بعد يوشع بن نون، ولا يجوز الوقف على {يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ}.

د. عبد الرحمن: جيّد.

نايف: السّؤال الثّالث حبذا لو كان يا شيخ فهد بارك الله فيك سواء في هذا الجزء أو في غيره لو يعلّمنا كيف استنباطها يعلّمنا كيف تطبيق عملي بناء على دراسته، ورسالة الماجستير فيه بارك الله فيك.

د. عبد الرحمن: أبشر أبشر بارك الله فيك يا نايف شكراً جزيلاً. نعود يا شيخ فهد إلى أسئلة الإخوان الّذين سألوا:

معنا الأخ عبد العزيز سأل عن قوله تعالى: {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79]، فيسأل عن الاستدلال، طبعاً هو الحقيقة ينبّه فيقول أنا أردت التّنبيه.

د.فهد: لكن تنبيهه ليس بصحيح؛ لأنّه هو يقول {لا} في هذه الآية ليست ناهية وإنّما نافية، وإذا كانت نافية تكون خبر يعني {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} هذا خبر فكأنّه يقول أنّ الأخبار لا يُسْتَنْبَط منها، وهذا ليس بصحيح،

الأخبار نوعان:

  • قسم من الأخبار ما يكونُ خبراً محْضاً؛ كالإخبار عن صفات الله عَزَّ وَجَلَّ، والإخبار عن القيامة، والجنّة، والنّار، هذه أخبار محضة.
  • وقسمٌ آخر من الأخبار وهو الأخبار الّتي يُراد بها العمل {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة:233]، ماذا يُراد بهذه الآية؟ هل يُراد فقط أنّه مجرّد الخبر أنّ هناك امرأة ترضع أولادها حولين كاملين؟ لا، المراد أنّها ترضع ويجب عليها الامتثال.

فهذه {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} إذا جئنا لهذه الآية لا يمسّه محلّ خلاف بين العلماء، هل هذه الآية يُستنبط منها أنّه لا يجوز أن يمسّ القرآنَ إلاّ طاهر؟ هذا مبني على ماذا؟ على مَن المراد بالمطَهَّرون هنا؟ هل المراد الملائكة، أو المراد النّاس المسلمون؟ فالّذين قالوا انها المسلمون استدلّوا بها على عدم جواز المسّ إلاّ بطهارة، والّذين قالوا الملائكة اختلفوا منهم مَن قال لا يجوز أن يمسّ مثل ابن القيّم رحمه الله يقول: “إن كان لا يمسّه إلاّ الملائكةُ المُطَهَّرون فمن باب أوْلى أن لا يمسّه نحن منّا إلاّ المُطَهّرون”، فعلى كلّ حال أصل المُداخلة أنّ الخبر لا يُؤخَذ منه الحكم، هذا ليس بصحيح، بل يُؤخَذ من آيات الأخبار كثير من الأحكام.

د.عبد الرحمن: هذه فائدة جيّدة، لكن يا دكتور فهد الآن في قوله { إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} هل الحديث هنا عن القرآن الكريم الّذي بين أيدينا الآن، أم هو الحديث عنه في اللّوح المحفوظ؟

د.فهد: هو هذا، هل الّذين يمسّون، هل هم الملائكة أم النّاس؟

د.عبد الرحمن: إن كانوا الملائكة فليست دليلاً.

د.فهد: لا، حتى لو كان الملائكة استدلّ بها ابن القيّم على أنّه إن كان الملائكة، لا يمسُّهُ إلاّ المُطَهَّرون وهم الملائكة، فكيف نحن نمسُّهُ ونحن غير طاهرين؟! من باب الأوْلى.

د.عبد الرحمن: حتى لو كنّا متوضِّئين؟

د.فهد: من باب أوْلى، لكنّه الاستدلال بها أضعف طبعاً من الأدلّة الأخرى الدّالّة على وجوب

د. عبد الرحمن: هو طبعاً يأتيك سؤال يا شيخ فهد بعد ذلك يسألك سائل يقول: ما حكم مسّ المصحف لغير المتطهر، للمُحدِث مثلاً؟

د.فهد: الحدث الأصغر؟

د. عبد الرحمن: نعم الحدث الأصغر. هذه مسألة فيها خلاف، لكن فيها أيضاً “ولا يمسُّهُ إلاّ طاهر”.

د.فهد: لكن هو الصحيح أنّه لا يجوز أن لا يمسّ الإنسان المصحف إلاّ إذا كان على طهارة.

د. عبد الرحمن: جميل جدّاً، فتح الله عليك.

د.فهد: طبعاً هذا يختلف عن القراءة، القراءة تجوز حتى لو على حَدَثٍ أصغر.

د. عبد الرحمن: يأتينا سؤال الأخ محمّد بعد ذلك يسأل عن الرّوابط أو الفوائد الّتي تُسْتَنْبَط من الآيات، ولعلّ الأخ محمّد سمع قولنا أنّ الشيخ عبد الرّحمن السّعدي استنبط من آية الوُضوء الّتي في أوّل سورة المائدة ما يزيد على 40 فائدة، واستنبط من القصّة الّتي في سورة “ص” قصّة داود عليه الصّلاة والسّلام تقريباً 50 فائدة فيقول يعني هذا فيه مبالغة، ماذا تقول؟

د.فهد: بُعْد النّاس عن الدِّلالات، دِلالات القرآن الّتي قرّرها أهل الأُصول، والّتي قررها أهل المعاني، يستبعد الإنسان أن يُستَخْرَج من آية واحدة عدداً كبيراً من الأحكام، لكنّه لو نظر إلى الدّلالات، وعرف أنّ الدّلالات كثيرة جدّاً ليست دلالة ولا دلالاتين ولا ثلاث، أكثر، دلالات كثيرة، فكلُّ دلالة من هذه الدّلالات لها معنى يمكن أن يُستَخْرَج منها بحكم، وأنا ضربت مثالاً لآيةٍ واحدة، وطلب أن نذكر مثالاً لآيةٍ واحدة يُستَخْرَج منها ذكرت آية {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ} [يوسف:55] هي آيةٌ واحدة يُستَنْبَط منها أكثر من حكم، استنبط منها بعضهم جواز تولّي للظّالم الولاية، واستنبط بعضهم جواز أن يقترح الإنسان نفسه للولاية إذا كان مستطيعاً، فهي آيةٌ واحدة يُستَنْبَط منها أكثر من حكم، ويمكن أن يُستَنبط منها أخبار وقصص وإثبات تاريخ معيَّن.

فإذن: إذا تعدّدت الاستنباطات وقد أشار إلى هذا القرافي وقال: “إنّ تعدّد دلالات الاستنباط يُؤدّي إلى تعدّد الاستنباطات الكثيرة من القرآن غير المحصورة” والاستنباط من القرآن هو نظير الاجتهاد عند أهل أصول الفقه. الاجتهاد من ميزاته أنّه لا يمكن إيقافه إلى قيام السّاعة، لا يمكن أن يأتي يوم ويقول شخص انتهى الاجتهاد؛ فكذلك القرآن لا يمكن أن يأتي شخص يوم من الأيّام ويقول انتهى الاستنباط، ممكن أن يأتي شخص ويقول الآن معاني القرآن كلُّها قد عُرِفَت، المعاني، معاني الألفاظ، لكن لا يمكن أن يأتي يقول شخص أنّي قد عرفتُ جميع ما استُنبِطَ أبداً ما يمكن هذا!.

د. عبد الرحمن: عندي الحقيقة سؤال يا شيخ فهد فيما يتعلّق بآية سورة النّساء {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83]، أريد أن أسألك إيّاه، لكن دعني آخذ سؤالين من الأخ أبو عبد الله من السّعوديّة حيّاكم الله يا أبا عبد الله.

أبو عبد الله: الله يحيّك يا شيخ.

د. عبد الرحمن: تفضّل الله يحفظك.

أبو عبد الله: شيخ الله يحفظك في سورة المائدة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة:35] المقصود بالوسيلة فضيلة الشيخ؟

د. عبد الرحمن: نعم، أبشر في سؤال آخر يا أبا عبد الله؟

أبو عبد الله: بارك الله فيك.

د. عبد الرحمن: الله يحيّك. معنا الأخ أبو عبد الرّحمن من السّعوديّة، تفضّل يا أبو عبد الرّحمن.

أبو عبد الرّحمن: السّلام عليكم ورحمة الله.

د. عبد الرّحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.

أبو عبد الرّحمن: أسأل الله أن لا يحرمكم الثّواب.

د. عبد الرّحمن: يحيّك يا أبا عبد الرّحمن مرحباً بك.

أبو عبد الرّحمن: هل هناك يا شيخي مصحف في هامشه تفسير ميسّر تنصحوننا به؟

د. عبد الرّحمن: أبشر.

أبو عبد الرّحمن: السّلام عليكم.

د. عبد الرحمن: عليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.

في قوله يا شيخ فهد نعود إلى سؤالي، وأُقَدّم سؤالي أنا أوّل شيء في سورة النّساء في قوله سبحانه وتعالى {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83]، لفت نظري أنّ هذه الآية جاءت بعد قوله قبلها {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء:82]، فقلت في نفسي سبحان الله! ورد الأمر بالتّدبُّر، ثمّ جاء بعدها الحديث عن الاستنباط، أودّ أن تحدّثنا عن وجهة الرّبط يا شيخ فهد؟

د.فهد: الرّبط أنّ قوله جلّ وعلا {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} أمرٌ عام لجميع النّاس، والآية موجّهة في الأصل لغير المسلمين، وهي في سياق الحديث عن المنافقين والكافرين، فإذن إذا كان الأمر بالتّدبُّر مدعو له جميعُ النّاس حتى الكفّار يمكن أن يتأمّلوا ويتدبّروا والّذين نزل عليهم القرآن قريش وكذا لم يكونوا مسلمين، ومع ذلك أسلموا لمّا سمعوا القرآن. لكن الآية الّتي بعدها هناك استخراجات للعلماء من هذا القرآن لا تُوَجَّه لجميع النّاس؛ ولذلك قال {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} أمّا الّذين لا يعرفون الاستنباط ولم تتوفّر عندهم شروط الاستنباط هؤلاء لا يمكن لهم أن يستنبطوا من القرآن؛ ولذلك لا ندعو كلَّ أحد أن يأتي إلى القرآن ويفتح المصحف ويبدأ يستنبط للأُمّة أحكاماً، لكنّنا ندعو الجميع أن يتأمّلوا ويتدبّروا، والتّدَبُّر في نظري أنّه في الغالب هو للأُمور الإيمانيّة، قد ذكرتُ ذلك في بحث سابق أنّ التّدبُّر هو مرتبطٌ في الغالب في الأمور الإيمانية وزيادة الإيمان والتّرَقّي في مدارج الكمال؛ ولذلك الآيات الّتي جاءت وجّهت الكافرين فمعنى ذلك أنّه لا بُدّ أن يكون من خصائص التّدَبُّر أن يفهمه الكافرون، وكثيرٌ من شروط الاستنباط وأوَّلُها الإسلام لا يمكن للكافر أن يعرفه.

د. عبد الرحمن: الحقيقة يا شيخ فهد أنا كان لفت نظري مسألة دقيقة وهي: أنّ الاستنباط مرتبط بالتّدبُّر أيضاً يعني الاستنباط أليس ثمرة للتّدبُّر؟

د.فهد: كنت أُريد أن أقول هذا أنّ التّدبر أحد

د. عبد الرحمن: لديّ اتّصال نأخذه على عجل ثمّ نعود، من أبو عبد الإله من السّعوديّة تفضل يا أبو عبد الإله

أبو عبد الإله: السّلام عليكم ورحمة الله.

د. عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله حيّاكم الله.

أبو عبد الإله: أسعد الله مساءك.

د. عبد الرحمن: الله يسعد مساءك ويحيّك.

أبو عبد الإله: يا شيخ عبد الرّحمن أنتم كنتم تتحدّثون قبل قليل عن مسّ المصحف، بالنّسبة لطلاّب المدارس يكون فيه حرج شديد عندما يخرج 30 طالب أو 40 طالب أو أقلّ أو أكثر للوضوء قبل حصّة القرآن الكريم، فهل يجوز لهم في المدارس قراءة القرآن الكريم وقت الحصص بدون وضوء؟

د. عبد الرحمن: خيراً إن شاء الله.

أبو عبد الإله: بارك الله فيك.

د. عبد الرحمن: تسمع الجواب إن شاء الله شكراً لك يا أبا عبد الله، بارك الله فيك. شكر الله لكم جميعاً أيُّها الإخوة المتّصلون أريد أن أستأذنك يا شيخ فهد نريد أن نعرِّف بكتابك ثمّ نعود للمشاهدين. أنا أستأذنكم في فاصلٍ نعرّف فيه بكتابٍ ثمّ نعودُ فابقَوْا معنا حفظكم الله.

*********فاصل***********

عرض كتاب “أُنموذَجٌ جليل في أسئلةٍ وأجوبةٍ من غرائبِ آيِ التّنزيل”

تفسيرُ الرّازي المسمّى: “أُنموذَجٌ جليل في أسئلةٍ وأجوبةٍ من غرائبِ آيِ التّنزيل”

مؤلِّفُ هذا الكتب هو: محمّدُ بن أبي بكرٍ الرّازي، صاحِبُ كتاب مختار الصِّحاح في اللّغة، وهو من أعلام القرن السّابع الهجري من مدينة [الرَّيّ] القريبة من مدينة [طهران] عاصمةُ إيران اليوم، ويدخُلُ كتابُهُ هذا في جملة الكتب الّتي أُلِّفَت لكشف ما يلتبسُ من القرآن الكريم ممّا يُحتاجُ في بيانِهِ أو تبيينه إلى معرفةٍ بوجوهٍ متعدِّدة من علوم اللّغةِ والبلاغةِ والنّحوِ والصّرفِ وعلومِ القرآن على اختلافِ فنونِها، وإلى معرفةٍ واسعةٍ وثقافةٍ متميِّزة، مما يتهيَّأُ به المُتَصَدّي لتفسيرِ كتابِ الله الكريم، ومن هنا تعدَّدت في المكتبةِ الإسلاميّة الكتب الّتي تعرِضُ للمتشابهِ والمُشْكِل، وتقصِدُ إلى تنزيهِ القرآن الكريم عن ظنّ الجاهلِ أو دَعْوى المُدَّعي، أو تشكيكِ المُشَكِّك، والّتي تهْدِفُ إلى إيضاحِ المسائل ومقارنتها بما يُماثلُها في كتاب الله، وتستفيدُ من أحاديثِ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، وتستأنسُ بعرضِ المسائلِ على لغةِ العربِ وأشعارِها وتراثِها؛ ليزدادَ المؤمنُ إيماناً ومعرفة، وليتَّضِحَ للغافل والجاهل ما كان غائباً عنه. ويُعَدُّ كتابُ الرّازي هذا في كتب التّفسير، وإن لم يلتزم المؤلِّف بالوُقوفِ عندَ كُلِّ آيةٍ في القرآن، فإنَّ مقصدَ الكتابِ هو حلُّ بعض الوُجوه الّتي يَرِدُ حَولها سؤالٌ أو يقعُ فيها إشكال، أو يُحتَمَلُ أن تكونَ محلَّ نَظَرٍ لسببٍ من الأسباب، وقد يُجيبُ المؤلِّفُ بجوابٍ واحدٍ يراهُ كافياً، أو جوابين أو أكثر، وقد وضع المؤلّفُ كتابهُ؛ اعتماداً على ما نقلَهُ وأخَذَهُ عمَّن سبقهُ من المُفَسِّرين، وعلى ما تفتّق عنه ذهنه، واجتهاده، بعد المدارسة والبحث والتّنقيبِ والمذاكرةِ معَ صديقٍ لَهُ من أهلِ العلم. وهذا الكتاب من ثمار تلك المدارسةِ والمباحثة مع صاحبِهِ هذا رحمه الله. وقد صدر الكتابُ عن دار ِ الفِكر عام ألفٍ وأربعَ مِئةٍ وأحدَ عشرَ للهجرة بتحقيق الدّكتور “محمّد رضوان الدّاية” وهو كتابٌ قيِّم فيهِ فوائدُ كثيرة حول القرآنِ الكريمِ ومعانيهِ الدّقيقة.

**************

د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيُّها الإخوة المشاهدون مرّةً أخرى في برنامجكم [التّفسير المباشر] وضيفنا في هذه الحلقة هو فضيلة الشيخ [ فهد بن مبارك الوهبي ] الأستاذ بجامعة طيْبة بالمدينة المنوّرة. وأعتذر يا شيخ فهد كان المُفتَرَضُ أن يكون التّعريف بالكتاب “منهج الاستنباط من القرآن الكريم” لمؤلّفه الشيخ فهد الوهبي، لكن الإخوة في الإنتاج لديهم لبس أو شيء من هذا، وسيُعَرَّف به إن شاء الله في إحدى الحلقات القادمة.

نعود إلى الأسئلة الّتي كانت قبل الفاصل يا فضيلة الشيخ فهد عن سؤال الأخ أبو حمزة من مصر.

الأخ أبو حمزة حفظه الله يسأل سؤالاً في سورة النّساء في أوّل الجزء وهو قوله تعالى {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} يقول: ما معنى قوله {إِلاَّ مَن ظُلِمَ}؟.

د.فهد: هذه الآية تُبيح للمظلوم أن يجهر بشيء من السّوء الّذي يصطلي به في داخله؛ كأن يقول للظّالم مثلاً: أنت ظلمتني، أو أنت سرقتني أو غير ذلك. وذكر المُفَسِّرون أنّ علّة هذه الإباحة أنّه لو كتم هذه الأمور قد يتدرّج الأمر إلى أن يعتدي عليه، المظلوم يعتدي على الظّالم أو أن يستخدم سلاحَهُ، فإذا أخرج شيئاً ممّا في نفسه أي حال الظّلم وقال له أنت ظلمتني يخفِّف عن نفسه، وهذا ترى من الإلماحات العظيمة للقرآن العناية بمشاعر النّاس، وهذه نجدها في العناية بالحديث عن غزوة أُحُد وبدر، حديثُ القرآن عن غزوة أُحُد كان حديث الّذي يريد أن يُواسي {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ} [آل عمران:140]؛ لأنّهم في فترة انكسار، أمّا في غزوة بدر فكانت الانتصار فجاء التّعنيف {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [الأنفال:67] لاحظوا الفرق بين الحالتين، فهذه أيْضاً منها، يريد الله عَزَّ وَجَلَّ من النّاس أن يخرج شيء ما في نفسه؛ حتى لا يتدرّج إلى ما هو أعظم من الاعتداء وسفك الدِّماء وغير ذلك.

د. عبد الرحمن: جميل، وحتى سبحان الله العظيم! يحضرني في سورة الشعراء في الاستثناء الّذي في {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} إلى أن قال { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ } إلى أن قال {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قال {وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء:224-227]، فأباح لهم الانتصار بعد الظّلم، فهو من هذا الباب يعني.

د. فهد: نعم.

د. عبد الرحمن: جزاك الله خيراً .

د. فهد: عفواً يا دكتور هو يُخصَّص هذا بتحريم الاعتداء، أو بتحريم القذف، أو بتحريم الغيبة لأنّه عام هنا مخصص بغيره من

د. عبد الرحمن: يعني إلا مَن ظُلِم فله أن يجهر بسوءٍ بحيث لا يصل إلى حدّ الاعتداء يعني لا يصل الى حد الاعتداء

د. فهد: ولا القذف، إمّا أن يقول له للظّالم أنت ظلمتني، أو أن يذهب إلى مَن ينصُرَهُ على هذا الظّالم،

والدّمُّ ليس بغيبةٍ في ستَّةٍ      مُتَظَلِّمٍ ومُعَرِّفٍ ومُحَذِّرِ

ولِمُظْهِرٍ فِسْقٍ ومُسْتَفْتٍ        ومن طلب الإعانةِ في إزالة منكِرِ

هذا متظلِّم.

د. عبد الرحمن: لا، سبحان الله! لاحظ حتى لا يغفل الإنسان ويعتدي في الشّكوى والاعتداء على مَن ظلمَهُ ختم الله الآية فقال {وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}

د. فهد: لكنّ العجيب الآن يا شيخ عبد الرّحمن {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} شأنُ كثيرٍ من القنوات هو الجهر بالسّوء لِمَن ظلمه، لا يوجد مَن ظلمه، وإنّما هم يبادرون بالجهر بالسّوء، نعم، فهذه مصيبة!.

د. عبد الرحمن: هذه الآية بالرّغم من بيان الحكم فيها جزاك الله خيراً، لكن هي أدب سبحان الله العظيم! وعندما تنظر في سلوك المسلمين اليوم تجد أنّ السّوء يُجْهَر به بكثرة في القنوات الإعلاميّة، وفي وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة التّشهير بالنّاس في النّت وفي الصُّحُف والإنترنت عالم، لا يوجد داعي لهذا، نعم. جزاك الله خيراً.

أيْضاً هناك سؤال آخر للأخ أبو حمزة من مصر في سورة المائدة وهي الآية الثّالثة والثلاثين وهي قوله سبحانه وتعالى {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33] فيقول: تطبيق هذه الآية، يعني كيف يكون في زماننا هذا؟ وهل يمكن تطبيقه، الحِرابة؟

د. فهد:: نعم الحِرابة هي إخافة النّاس وإشاعةُ الفساد في الأرض، والعلماء مُختلفون هل تُقْصَر فقط على الطُّرُقات في خارج المُدُن أم تشمل داخل المدن؟ والصّحيح أنّها تكون لمَن أفزع النّاس وأفسدهم سواءً في الدّاخل أو في الخارج، فهذا إذا فعل هذا الفعل وقُبِضَ عليه فالحاكم يُخَيَّر بين هذه الأفعال: إمّا أن يقتُلَهُم، أو يصلِبَهم، أو يقطّع أيديهم وأرجُلَهم من خِلاف، أو يُنفَواْ من الأرض، هذه الصّحيح فيها أنّها موكولةٌ إلى الحاكم، وإن كان بعض العلماء الشّافعي وغيره من العلماء قالوا: “أنّها تُخَصَّص” إن كان قتل وسرق؛ يُقْتَل ويُصْلَب، وإن كان قتل ولم يسرق؛ يُقتَل ولا يُصلَب، وإن سرق؛ تُقْطَع يده ورجلَه من خلاف، وإن أخاف فقط؛ يُنْفى من الأرض -والنّفيُ من الأرض هو الآن هو السّجن أو إخراجه من بلدةٍ إلى بلدةٍ أخرى فيُسجَن فيها- وقد أشار إلى هذا المتقدّمون. فهذا هو معنى الآية وتطبيقُها لا بأس به بل الّذي أعلمه أنّها قد تُطَبَّق أحياناً، بالعكس هي تحمي المجتمع من الفساد.

د. عبد الرحمن: هناك سؤال من الأخ نايف أعود إليه لديه ثلاثة أسئلة يسأل عن { الصّابئين } يقول: ما هو أصحّ أقوال المفسّرين في الصّابئين؟

د. فهد: الصابئون بعضهم قال: أنّهم فرقةٌ من النّصارى، وبعضهم قال: هم قوم كانوا في الشّام ليس لهم كتاب، وأيْضاً لا يُعرَف عنهم الشّرك وعبادة الأصنام، وإنَّما يتوجّهون إلى اليمن ويُصَلّون ويصومون ثلاثين يوماً في السّنة، ذكر المفسِّرون بعض هذه الأمور هذه الصّفات.

د. عبد الرحمن: قبل أن نكمل أسئلة الأخ نايف لدينا اتّصال من الأخ أبو أحمد من مكّة، تفضل يا أبو أحمد حيّاكم الله.

أبو أحمد: السّلام عليكم ورحمة الله.

د. عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أبو أحمد: كيف حالكم شيخ عبد الرّحمن؟

د. عبد الرحمن: الله يحيّك يا مرحباً.

أبو أحمد: الله يسعدك ويسعد ضيفك الكريم.

د. عبد الرحمن: الله يحييك.

أبو أحمد: عندي سؤال يا شيخ واقتراح.

د. عبد الرحمن: تفضّل.

أبو أحمد: يعني في مثل هذا البرنامج الجميل الحمد لله يعني كتب الله سبحانه وتعالى لنا متابعته، في كلّ يوم يعتني بتفسير جزء كامل فلماذا لا يكون هناك اعتناء في الجمع بين المتشابهات والتوفيق بينها حتى يسهل على الذي يريد أن يحفظ أن يفرّق بين هذه الآية لماذا أتت كذا والآية التي أتت كذا، أغلب الناس أو الحفاظ يفرق بين الآيات المتشابهة بأمور شكلية مثلاً وليس بسياقات الآية أو بسياقات التعبير في الآية، يفرق هذه الآية في هذه السّورة، وهذه الآية في هذه السّورة؛ فمثلاً في سورة النّساء تقديم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ} [النساء:135]، وفي سورة المائدة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ} [المائدة:8] ممكن يفرق بينها حفظاً لكن سياق الآية، لكن لو حفظ سياق الآية لماذا قدّم هذا مما يثبت المتشابهة في الذهن هذا اقتراح.

بالنّسبة للسؤال يا شيخ: في قوله تعالى {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} الآية جاءت في سورة النّساء، وقبلها جاء حكم المرأة الناشز وحكم الزوج الناشز، فهل يُستَنْبَط من هذه الآية أنّ المرأة يجوز لها مثلاً أن تتظلّم ضد زوجها أو تتشكّى ضد زوجها، أو بالعكس الزوج يتظلّم الرجل ضد زوجته ويُظهر هذا الظّلم ويتكلّم فيه أمام النّاس وأمام الآخرين. أسأل الله أن يوفقنا وإياكم.

د. عبد الرحمن: جزاك الله خير شكراً جزيلاً بارك الله فيك.

أبو أحمد: السلام عليكم.

د. عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

نكمل أسئلة الأخ نايف يا شيخ فهد، يسأل عن قوله تعالى في سورة المائدة {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} الآية رقم 26 من سورة المائدة، عندما تحدّث الله سبحانه وتعالى عن موسى {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} إلى أن جاءت الآية السّادسة والعشرون فقال {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} فيسأل عن الوقف في قوله تعالى {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} {أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} أو قال {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} {يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ}.

د. فهد: الوقف هنا أو هنا صحيح، بعض العلماء قال: الوقف التّام قال: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} {أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} ويكونُ المعنى: أنّ هذا الجيل الّذي أُمِرَ بدخولِ بيت المقدس حُرِّمَ عليه دخول بيت المقدس على هؤلاء، هذا الجيل فقط، ولذلك ذكر ابن كثير في بعض الروايات أنّهم قد ماتوا ولم يبقَ منهم إلاّ مَن آمن وهما الرّجلان؛ حتى انتهى ذلك الجيل، وانتهت الأربعين سنة دخل الجيل الّذي بعده مع يوشع بن نون الّذي كان أحد الرَّجُلَيْن

د. عبد الرحمن: حتى موسى مات في هذه المدّة،

وأكثر التنزيلات والقصص كانت في فترة التّيه. وأمّا الوقف الآخر قال: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} يعني: تُحَرَّم على هذا الجيل أربعين سنة ثمّ يُباح لهم الدّخول في بيت المقدس، فالوقفين صحيحين.

د. عبد الرحمن: جميل، يعني الوقف هنا صحيح، والوقف هنا صحيح، ولذلك جاءت في المصحف علامة تعانق الوقف يعني: إذا وقفنا على موضع امتنع الوقف على الآخر.

قبل أن نكمل أسئلة الأخ نايف لدينا اتِّصال من الأخ حمزة من الجزائر، تفضل يا أخ حمزة:

حمزة: السّلام عليكم.

د. عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.

حمزة: حياك الله يا شيخ.

د. عبد الرحمن: الله يحيّيك.

حمزة: ما حكم قراءة القرآن بدون أحكام التّجويد؟ والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د. عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته. سؤاله واضح صح؟

د. فهد: واضح.

د. عبد الرحمن: الأخ نايف يطلب منك يا شيخ فهد يعني آية تقف معها، وتقف مع الاستنباطات منها، وكيفيّة الاستنباط.

د. فهد: نجعله آخر سؤال إن شاء الله.

د. عبد الرحمن: أحسنت لعلّه أبشِر إن شاء الله.

الأخ أبو عبد الله من السّعوديّة يسأل عن قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} في سورة المائدة، ما المقصود بالوسيلة؟

د. فهد: الوسيلة المقصود بها القُربى والحاجة، هذا المقصود بالوسيلة {وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} يعني ابتغوا إليه القُربى. والوسيلة: تُعَرَّف أنّها ما يُتَوَسَّلُ به إلى طاعة الله، والتّوسُّل إلى الله عَزَّ وَجَلَّ حدّده العلماء بطرق: التّوسُّل بالأعمال الصّالحة، التّوسّل بدعاء الرّجل الصّالح، التّوسل بإظهار الحال والافتقار مثل موسى عليه السّلام {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:24]؛ هذه لإظهار الحال فقط وما طلب، ما دعا، {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}، وأُجيب. وكذلك التّوسُّل بالرّجل الصّالح، هذا ثبت، والتّوسُّل بالأعمال الصّالحة هذا ثبت في حديث الغار قصة الثّلاثة الّذين أُطبِقَت عليهم الصّخرة.

د. عبد الرحمن: فتح الله عليك يا شيخ فهد. معنا اتّصال من الأخ أبو همّام من السّعوديّة تفضّل يا أبو همّام.

أبو همّام: السّلام عليكم.

د. عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.

أبو همّام: كيف حالك يا شيخ؟

د. عبد الرحمن: أهلاً وسهلاً حيّاكم الله.

أبو همّام: أوّلاً أشكركم على هذا البرنامج النّاجح.

د. عبد الرحمن: الله يحييّك.

أبو همّام: سؤالي يا أستاذي الكريم: ما هو الدّليل من القرآن أنّ القرآن فيه كلِّ شيء؟ يعني ما نأخذ أيّ حاجات مثلاً يعني مواد وعلوم من الكفار، آسف لو كان السؤال خارج عن موضوع الحلقة.

د. عبد الرحمن: جيد شكراً لك، أبشِر، واضح سؤالك حفظك الله.

الأخ أبو عبد الرّحمن من السّعوديّة يسأل يقول: هل هناك مصحف بهامشه تفسير؟ يعني يمكن أن يُعتَمَد عليه وسهل.

د. فهد: أفضل الهوامش في نظري المعاصرة “التّفسير الميسّر” وهو موجود على موقع مجمّع الملك فهد لطباعة المصحف يمكن أن ينزّله ويقرأ فيه.

د. عبد الرحمن: جميل جدّاً.

د. فهد: و”زبدة التّفسير” للشيخ محمّد الأشقر وهذا كتاب نافع وجميل.

د. عبد الرحمن: وأظنّ حتى الآن يا شيخ فهد المختصرات كثيرة لتفسير ابن كثير يعني بهامشها يكون المصحف موجود بالهامش، هذا يمكن تأخذه كتاب واحد وتقرأ فيه وهذه فعلاً متوفّرة والحمد لله.

د. عبد الرحمن: أبو عبد الإله يسأل عن مسّ المصحف ويشير إلى أنّ الطّلاّب في المدارس يقول الآن المدرِّس عندما يُخرِج الطّلاّب كلّهم ليذهبوا ليتوضؤوا ليقرؤوا القرآن فأظنّ أنّهم يحدثون مشكلة، وخاصّة يمكن إذا كان يعني بعيدة مثلاً أماكن وضوء أو الماء قليل، أو شيء من هذا فيعني ماذا؟

د. فهد: أنا أقول إذا كانت المشكلة مشكلة تنظيم تُحَلّ؛ لأنَّني أعلم كثير من المدارس بالعكس ليس عندهم أي مشكلة والعدد بالمئات ففي الغالب تكون مشكلة تنظيم وتُحَلّ، ويُطَبَّق هذا الحكم.

د. عبد الرحمن: جميل، يعني لا بدّ أن يذهبوا يتوضّؤوا.

د. فهد: لا؛ لأنّه لا تُعوِّدوا الطّلاّب وهم في هذا السّنّ الصّغير على أن يمسّوا المصحف بدون وضوء، قد يستطيع بعضهم أن يتوضّأ قبل الحصّة بساعة أو ساعتين، فيبدأ بالتّساهل فهذا من ناحية تربويّة للأبناء لا، الأفضل أنهم يُلْزَمون بالوضوء.

د. عبد الرحمن: أحسنت جزاك الله خيراً. قبل أن نكمل الأخ عبد الرّحمن من السّعوديّة تفضّل يا عبد الرّحمن:

عبد الرّحمن: السّلام عليكم.

د. عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.

عبد الرّحمن: كيف حالك يا شيخ عبد الرّحمن؟

د. عبد الرحمن: الله يحيّيك يا مرحباً.

عبد الرّحمن: بارك الله لنا ولك في رمضان.

د. عبد الرحمن: اللهمّ آمين يا ربّ العالمين.

عبد الرّحمن: أشكركم على البرنامج والله يعطيكم العافية ويجزاكم خير، ويجعله في موازين حسناتكم.

د. فهد: آمين.

د. عبد الرحمن: الله يجزيك الخير يا أخي.

عبد الرّحمن: قبل هذا يا شيخ عبد الرّحمن أنا أحبّك في الله والله.

د. عبد الرحمن: أحبّك الله الّذي أحببتنا فيه.

عبد الرّحمن: لأني من طلابك في جامعة الإمام أطال الله عمرك إن شاء الله

د. عبد الرحمن: الله يحييك.

عبد الرّحمن: يا شيخ أنا عندي سؤال في سورة هود.

د. عبد الرحمن: تفضّل.

عبد الرّحمن: يقول الله عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [هود:106-107] ، هنا يقول {خَالِدِينَ فِيهَا} يعني: خلود مُؤبَّد في النّار ما دامت السّماوات والأرض، ماذا قصده بالخلود؟ ثم (ما دامت السّماوات والأرض)؟

د. عبد الرحمن: جميل، أحسنت، شكراً يا عبد الرّحمن الله يحيّيك.

عبد الرّحمن: ونفس الآية التي بعدها التي هي الجنّة {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} لماذا وصفها بالخلود ثم (ما دامت السّموات والأرض)؟

د. عبد الرحمن: أحسنت أحسنت.

عبد الرّحمن: مفهوم السؤال؟

د. عبد الرحمن: واضح واضح.

عبد الرّحمن: الله يحفظك.

د. عبد الرحمن: شكراً يا عبد الرّحمن الله يبارك فيك.

أبو أحمد الحقيقة اقترح اقتراحاً، وقال يعني: ما دمنا نتحدّث يوميّاً عن جزء، فلماذا لا يكون هناك وقفات مع التّدَبُّر في سياقات الآيات بحيث أنّ المتشابهات من بين السور تتضّح ليس فقط من خلال حفظها هذا يُقال في سورة المائدة يُقَدَّم، وفي سورة النِّساء يُؤخَّر الكلمة الفلانية، وإنَّما تتضّح للحافظ من خلال فهمها وربطِها بالسِّياق؟ وأنا الحقيقة أشكر الأخ أحمد حقيقة الأخ أحمد كثيراً على حسن ظنّه، لكن لا أُخفيك سرّاً نحن بدأنا بالبرنامج على أنّها 40 دقيقة، ثمّ أصبح الآن ساعة كاملة، ونحن الآن لم نستطع أن نفي بأن نتكلّم عن المحاور الّتي تحضّرها أنت يا شيخ فهد، وبقيّة الزّملاء في بقيّة الحلقات، وأن نُجيب على أسئلة الإخوة المشاهدين، فنحن الحقيقة والله نعيش صراع بين الموازنة بين الأسئلة واستقبالها، وأيْضاً الحديث عن المحاور الّتي تحضّرونها وتتكلّمون عنها في السّورة، ولكن نحاول بقدر المُسْتَطاع أنَّنا نُسَدِّد ونُقارب في هذا الموضوع.

د. فهد: وهو أشار إلى مثال يا شيخ عبد الرّحمن وهو قوله تعالى {قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ} و {قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ}.

د. عبد الرحمن: جميل.

د. فهد: وهذه فيها سر عجيب في القرآن.

د. عبد الرحمن: ليتك تفيدنا به يا شيخ؟

د. فهد: نعم، هو في هذه السّورة ورد { قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ} وورد في سورة المائدة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ (8)} وفي سورة النّساء وردت {قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ}؛ لأنّ الآية هناك تحكي القضاء {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا} الآية تتكلّم عن القضاء ووجوب العدل والقسط، فكان تقديم القسط هو الأوْلى هناك، لكن هنا الآية تتحدّث عن ماذا؟ في سورة المائدة كان الحديث عن الشَّهادات والمواثيق الّتي أخذها الله عَزَّ وَجَلَّ على بني إسرائيل، وأخذها أيْضاً على المسلمين فناسب أن يقوموا لله بالوفاء بهذه الأمور، وأخَّرَ القسط؛ لأنّ القسط هو العدل. هناك ناسب تقديم العدل للقضاء، وهنا ناسب القيام لله بهذه الأمور والوفاء بها؛ لأنّ الحديث عن العهود والمواثيق، فهذا ممّا يربط أيْضاً بين الآيات.

د. عبد الرحمن: هو يعني امتداداً لسؤاله أو اقتراحه ذكر آية {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ} وقال: أنّها وردت بعد الحديث عن التّحكيم بين الزّوجَيْن وما يقعُ بينهما من خلافات، فهل يمكن أن يُسْتَنْبَط من هذا يا شيخ فهد، ولعلّ أن يصلح هذا أيْضاً جوابًا للأخ نايف في قضيّة آية يمكن الاستنباط منها أن نقول أنّها وردت في هذا السِّياق {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ} في هذا السّياق حتى يمكن أن نستنبط منه أن للزوجة أو يجوز للزوج أن يتظلّم من زوجته أو تتظلّم من زوجها؟

د. فهد: هذا موجود وإلاّ كيف كان {فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا} إلاّ لأجل أنّهم يتظلَّمون، ثم يُثبت هذان الحكمان الحُكم.

د. عبد الرحمن: لكن قصدك يعني أنّي أحبّ الجهر، هل يجوز أنّهم يجهرون بهذا؟

د. فهد: هم إذا دخلوا هم يدخلون في عموم الآية الزّوجان وغيرهم يدخلون، فإذا كان هناك مصلحة من الجهر بأن تذهب إلى أخيها أو أبيها أو غير ذلك، أو تستنصر به أو تبعد عنها الظّلم فهذا ما في بأس، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقع هذا في عهده، والآية نفسها يا شيخ عبد الرّحمن لعلّها تكون تطبيق للشيخ نايف الآية نفسها ممكن يُسْتَنبط منها أشياء كثيرة:

أوَّلاً: كلمة {لا يُحِبّ} إثبات الحبّ لله عَزَّ وَجَلَّ والكُره له عَزَّ وَجَلَّ، أنّه يحبّ ويكره، وهذا من صفاته عَزَّ وَجَلَّ وكثير من المفسرين ينكر هذا الأمر.

{الجَهْرَ بِالسّوءِ مِنَ القَوْل} يقسّم السّوء إلى نوعين: قولٌ وفعل؛ لأنّه قال {مِنَ القَوْل} وابن عاشور أشار إلى أنه لماذا قال {مِنَ القَوْل} قال: لأنّه أدنى درجات السّوء والفعل أشد منه.

د. عبد الرحمن: وأيْضاً يمكن أن يُسْتَنبَط منها: أنّ الله يحبّ الجهرَ بالكلام الحسن، ما دام لا يحبّ الجهر بالسّوء، بمفهوم المخالفة.

لا أريد أن أُغفل أسئلة الإخوان الّذين اتّصلوا. الأخ حمزة من الجزائر يسأل عن حكم القراءة دون الالتزام بأحكام التّجويد يا شيخ فهد؟

د. فهد: إذا كان قادراً على أحكام التّجويد، فالصّحيح: أنّه لا يجوز. أمّا إذا كان غير قادر فهذا ما كلَّفَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ به، “والقارئ بالقرآن وهو عليه شاقٌ” مهذه من المشقة.

د. عبد الرحمن: لكن أنّهُ يُدْعى الأخ حمزة إلى أن يتعلّم.

د. فهد: بدون شكّ.

د. عبد الرحمن:: الأخ أبو همّام يقول: ما الدّليل على أنّ القرآن الكريم فيه كلّ شيء؟ وأنَّنا لسنا بحاجة إلى أن نأخذ أي شيء من الغرب

د. فهد: المقدّمتان غير مترابطتان {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89] المُفَسِّرون غالبهم، أكثر المُفَسِّرين يقولون: هذا عامٌّ أُريد به الخصوص، (لكُلِّ شيْءٍ) فيه هدايتكم من أمور الدّين والدّنيا، لكن لم يدعو القرآن إلى أنّا لا نأخذ من النّاس ومن الأُمم الأُخرى، النّبيّ عليه الصّلاةُ والسّلام لبس من لباس الكفّار، ونحن مدعُوّون إلى أن نستفيد من العلوم الأخرى والتّقنية وهذا كلّه داخلٌ في {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114].

د. عبد الرحمن: لكن هناك إشكال يا شيخ فهد هناك بعض النّاس عندَه خَلْط يقول: يرى أنّك يمكن أن تأخذ من الغرب وتأخذ من الكفّار، إمّا أن تأخذ منهم كلّ شيء، وإمّا أن تردّ منهم كلّ شيء، فبعضهم يقول: ما دام تأخذ منهم السّيّارة والمكيِّفات والأجهزة التّقنية، فخُذْ منهم الفكر والاعتقاد والمذاهب المنحرفة، وهذا غير صحيح، وهو تلازم غير وارد، فأنت ممكن أن تأخذ وتستفيد من هذه الأشياء التّقنيّة، ولكنّك الدّين لا تأخذ منهم إنَّما تلتزم بما في الإسلام.

د. فهد: وهناك إشكال أنّ بعض النّاس يُعَبِّر عن البراء بمثل هذه الأفعال، نردّ كلّ شيء ولا يجوز لنا أن نأخذ منهم، لا، البراءة أن تكره أفعالهم، فهذا الشخص الكافر إذا أسلم وآمن تُحبّه، فليس الكُره ذاتياً لذات الشّخص.

د. عبد الرحمن: الأخ عبد الرّحمن وهذا آخر سؤال علَّنا نختم به، سأل سؤالاً في سورة هود قال {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إلاّ مَا شَاءَ رَبُّك} وأيْضاً قال ذلك في أهل الجنّة فهو يسأل: ما معنى خالدين فيها ما دامت السّمواتُ والأرض؟ ما معنى الخلود يا شيخ فهد أصلاً؟

د. فهد: الخلود هو المُكْث، الحِقَب الطويلة، هذا هو الخلود، فالآية تُعَبِّر عن أهل النّارِ وأهلِ الجنّة أنّهم سيمكثون حِقَباً متطاوِلة في هذا المكان، ولن يخرُجَ الكفّارُ من النّار، ولن يخرُجَ المؤمنون من الجنّة.

د. عبد الرحمن: هذا هو المعنى، لكن قد يكون سؤاله لماذا عبّر الله (ما دامت السّموات والأرض)؟

د. فهد: تعبيرٌ عن الخلود أنّها ستبقى مُدَد بقاء السّماوات والأرض ليس المعنى أنّه سيأتي يوم ويُخْرَج أهل النّار من النّار، ويُخْرَج أهل الجنّة من الجنّة، أعني بذلك الكفّار من أهل النّار والا المسلمون العصاة الإجماع أنّهم سيخرجون إلى الجنّة.

د. عبد الرحمن: لعلّ هذا الّذي أوقع الأخ عبد الرّحمن أنّه يقول {مَا دَامَتِ السَّمواتُ والأَرْض} في تصَوُّر الأخ عبد الرّحمن أنَّ السّماوات والأرض سوف تزول، لكن هذا جاء على الأسلوب الّذي هو معهود عند العرب؛ لأنّهم يقولون: لن آتيك ما دامت السّماوات والأرض، يقصد به أنَّني لن آتيك أبداً.

د. فهد: ومعرفة معهود العرب مهمّ جدّاً عند أهل التّفسير،

د. عبد الرحمن: نعم هذه الحقيقة من أهم ما يمكن أن يتنبّه له قارئ القرآن أن يُعنى باللّغة العربيّة، ونحن عندنا مشكلة يا شيخ فهد الآن لدينا تفريطٌ شديدٌ في لغتنا، وتقصيرٌ شديدٌ في تعَلُّمِها، واستهتار حتى بقواعد النّحو وعلوم البلاغة، وهذا سببٌ من الأسباب الرَّئيسيّة؛ في ضعف فهمنا للقرآن الكريم وتدبُّرِهِ والعناية به.

شكر الله لك يا شيخ فهد الحقيقة كان حديثاً ممتعاً، وكانت ساعةً ممتعةً معك، وأسأل الله أن يتقبَّلَ منك وأن يكتُبَ أجرك. والحديث عن الجزء حقيقة حديثٌ ذو شجون وطويل، لو كان الوقت أوسع من هذا لكان هناك مجالٌ ومتَّسَعٌ للحديث، لكن دائماً يضيقُ علينا الوقت مع أمثالك. فأسأل الله أن يتقبَّلَ منكم، وأسأل الله أن يتقبَّلَ منكم أيْضاً أيُّها الإخوة المشاهدون، وباسمكم في نهاية هذه الحلقة أشكر أخي العزيز الشيخ فهد بن مبارك الوهبي الأستاذ بجامعة طيبة بالمدينة المنوَّرة، والمتَخَصِّص في الدِّراسات القرآنيّة على ما تفضّل به من الأجوبة، ومن التّوجيهات والاستنباطات الدّقيقة في الجزء السّادس من أجزاء القرآن الكريم، وموعدنا يتجدّد معكم غداً بإذن الله تعالى في حلقة الغدّ من هذا البرنامج التّفسير المباشر؛ حتى ألقاكم بإذن الله تعالى أستودعكم الله والسَّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.

http://www.youtube.com/watch?v=iTaBvtmih5E&list=PLF923571A3B4F5F5A&index=6&feature=plpp_video