الحلقة 176
ضيف البرنامج في حلقته رقم (176) يوم السبت 22 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم الخبير بمركز تفسير للدراسات القرآنية وأستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الشارقة سابقاً.
وموضوع الحلقة هو :
علوم سورة البروج والطارق والأعلى .
****************************
التفسير المباشر- علوم سور البروج والطارق والأعلى.
http://www.youtube.com/watch?v=QuxjKwsJYwY&list=UUzPBBUB3SQlDx7EO00YawkQ&index=5&feature=plpp_video
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان في برنامجكم اليومي التفسير المباشر وسوف يكون حديثنا بإذن الله تعالى في هذا اللقاء عن ثلاث سور كريمة من سور الجزء الثلاثين وهي سورة البروج وسورة الطارق وسورة الأعلى. باسمكم جميعاً أيها الإخوة المشاهدون أرحب بضيفي العزيز فضيلة الشيخ الدكتور مصطفى مسلم أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية وبجامعة الشارقة سابقاً والخبير بمركز تفسير للدراسات القرآنية بالرياض حالياً حياكم الله يا شيخنا. أنا أعلم أن الوقت ضيق يا شيخنا نتحدث عن ثلاث سور ولكن لكن لعلنا إن شاء الله في عشر دقائق عشر دقائق نعطي لمحة عن كل سورة من هذه السور، نبدأ على بركة الله بسورة البروج.
سورة البروج
د. مسلم: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، أما اسم السورة فتسمى سورة البروج وتسمى أحيانا سورة “والسماء ذات البروج” ونحن قلنا تسميتها بأول كلمة فيها لا يحتاج إلى توقيف فسورة البروج قد تحتاج إلى توقيف لأنها كانت مشهورة بين الصحابة رضوان الله عليهم وبعض المفسرين أطلقوا عليها سورة “والسماء ذات البروج” إبتداءً بأول آية فيها. أما وقت نزولها نزلت في المرحلة المكية الثالثة، المرحلة المكية الأولى كانت دعوة سرية، المرحلة المكية الثانية كانت جهرية عرض الرسول الدعوة على الناس ومحاولتهم هم أن يناقشوا رسول الله يطلبوا منه أدلة محاجّة أحياناً استفسارات أحياناً عرض وإغراء بالمال بالمنصب بالنساء بكذا كل هذا ما أفاد في المرحلة الثانية. المرحلة الثالثة بدأت الفتنة، الفتنة تعذيب أصحاب رسول الله ومقاطعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحصارهم في الشعب فهي مرحلة الفتنة المرحلة الثالثة. الآيات نزلت لبيان أن قضية الفتنة في سبيل العقيدة سنة من سنن الله سبحانه وتعالى ويُضرب لهم المثل بأصحاب الأخدود. في مرة من المرات كان الرسول جالساً في ظل الكعبة متكئاً فجاءه أحد الصحابة قال يا رسول الله ألا تدعو لنا الله؟ اشتد بنا الأذى اُدعُ الله أن يفرِّج، فكان متكئاً وجلس رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال “إنكم تستعجلون إن من الأمم السابقة كان يؤتى بالرجل فتحفر له حفرة ثم يوضع المنشار في مفرق رأسه فيفلق فلقتين لا يردّه ذلك عن دينه وكان يؤتى به فيمشّط ما بين لحمه وعظمه بأمشاط الحديد فلا يردعه ذلك عن دينه، والله ليُظهرنّ الله هذا الأمر حتى تسير الظعينة من حضرموت إلى صنعاء لا تخشى إلا الله والذئب على غنمها ولكنكم تستعجلون”. فهذه الجرعات سنة الله في الكون في الدعوات أن يكون هنالك ابتلاء ولذلك لا بد من الصبر والتضحية، طبعاً في هذا المجال تذكر رخصة في هنالك رخص يعني مثلاً عندما اشتد الأمر بعمار ابن ياسر عندما جاء باكياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعطيتهم ونلت من رسول الله ومن الإسلام، قال إن عادوا فعُد، كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان فنزل قوله تعالى (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ(106) النحل) فهذه رخصة ولكن لا بد من العزيمة أيضاً. يعني بلال الحبشي وغيره من الصحابة عندما عُذِّبوا صبروا ولم يمكِّنوا الكفار من شيء. والحقيقة عندما نشاهد ما يجري في سوريا نستعيد سيرة السلف الصالح شباب يؤتى بهم فيُداس على رقابهم ويُهددون بالقتل أن يسجدوا لصورة بشار الأسد فيبصقون على الصورة يتحملوا، كم قتلوا تحت التعذيب! هذه سنة الله سبحانه وتعالى ولذلك لا بد من الصبر واعطاء المثل، يعني المرأة التي ظهرت على التلفاز وقُتل ثلاثة من أولادها وهي تحتسبهم إلى الله!.
د. الشهري: وأيضاً في بورما يا دكتور يحرقون بالنار أيضاً كما يحرق أصحاب الأخدود وفي سوريا أيضاً كما ذكرت يعذبون بوسائل تعذيب وحشية حديثة لا يزيدهم ذلك إلا ثباتاً ولله الحمد.
د. مسلم: هذه سنة الله على المؤمنين أن يصبروا ولكن القضية قضية من يستطيع نصرتهم ويسكت عنهم هذا جرمهم كبير أما أولئك فقد أدّوا ما عليهم وصبروا وامتُحِنوا وقُتلوا تحت التعذيب أما الذين يتفرجون عليهم ولا يحركون ساكناً فهذه مسؤوليتهم عند لله عظيمة. إذاً قلنا محور السورة هو الفتنة في دين الله وتسلية المؤمنين الله سبحانه وتعالى عندما ذكر في الآيات أن الله جبّار ذو البطش الشديد يستطيع بكُن فيكون أن ينتقم من هؤلاء لكن سنة الله هي التي ستطبق يعني يختار الشهداء عند الله يعرف المجاهدين يعرف أصحاب الدرجات العليا وهؤلاء الذين يتمادون في كفرهم وفي إذائهم للمؤمنين حتى يكون مصيرهم معروفاً، تربية الأمة تربية الأجيال بهذه سنن الله سبحانه وتعالى في الدعوة.
د. الشهري: إذاً هذا هو موضوعها الأساسي. يعني هل ممكن أن نقف عند هداية أو هدايتين من هذه الآيات؟
د. مسلم: أولاً عندما عقّبت الآيات على قصة أصحاب الأخدود، ما جرمهم هؤلاء؟ يعني ما ذنبهم؟ ذنبهم أنهم آمنوا بالله العزيز الحميد، يعني ما اعتدوا، ما أكلوا أموال أولئك، ما نافسوهم على السلطة، فقط قالوا نريد أن نعبد الله وحده سبحانه وتعالى لأنهم وصلوا على الحق طبعاً الوقت لا يكفي لبيان قصة أصحاب الأخدود كيف أن هؤلاء اهتدوا إلى دين الحق وتركوا عبادة هذا الجبار الذي كان يستعبد الناس فبمجرد أن تركوا عبادة ذلك ولجأوا إلى عبادة الله العزيز الحميد، في تهديد ووعيد لقريش بعد ذلك يعني هؤلاء الذين يعذِّبون المؤمنين وليس لهم ذنب إلا أن قالوا ربنا الله، نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فصاروا يعذبونهم هذا التعذيب من غير أن يعتدوا على شيء، فهذا تهديد لأهل مكة ولكن رحمة الله سبحانه وتعالى مع كل ذلك هؤلاء فتح لهم باب التوبة يعني بالرغم من هذا الإضطهاد للمؤمنين.
د. الشهري: إلا أنه سبحانه وتعالى فتح باب التوبة مع كبر جرمهم.
د. مسلم: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) يعني معنى ذلك إذا ارتدعوا إذا تابوا إلى الله إذا رجعوا، باب التوبة مفتوح. يعني ما يقطع أمل المؤمن إذا عمل موبقات حتى إذا قتل باب التوبة له مفتوح وهذه من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن يبقى باب التوبة مفتوحاً.
د. الشهري: بالنسبة لقصة أصحاب الأخدود يعني كتب التفسير وأكثر الناس يعرف أنها وقعت في نجران وأنها هي القصة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى المقصود بها الأخدود الذي في نجران هل هذا صحيح أم هناك تفسير آخر؟
د. مسلم: هو الحقيقة وردت روايات تبين على أن القصة وقعت في نجران والحقيقة أن الشيء الذي لفت النظر أنا كنت في نجران مكثت هناك سنتين وذهبنا إلى منطقة الأخدود والخراب الباقي (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) بعض الروايات تقول عذاب جهنم في الآخرة وعذاب الحريق في الدنيا. بعض الروايات تقول أن النار التي أُضرمت في الأخاديد وألقوا المؤمنين فيها انقلبت عليهم فاحرقتهم بعد ذلك، هؤلاء الطغاة أُحرقوا أنا أؤيد هذه الرواية لأنني عندما كنا ندور في الخربة نجد القطع المتفحمة من العظام من غيرها مسودة ليس في منطقة واحدة في محيط المنطقة كلها في هذه القطعة المتفحمة الموجودة، فالله أعلم أن النار انقلبت عليهم فكان لهم حريق الدنيا وحريق جهنم ينتظرهم عذاب جهنم في الآخرة.
د. الشهري: لعلنا نكتفي بهذا يا شيخنا في سورة البروج وننتقل إلى سورة الطارق أم ما زال عندك لفتة؟ لنختم.
د. مسلم: قضية هؤلاء المتجبرين لماذا لا يعتبرون بالأمم السابقة، بالطغاة السابقين؟! يعني أما سمع هؤلاء أهل مكة بقصة فرعون وثمود يعني كانوا طغاة جبابرة ماذا حلّ بهم؟ هل أفادهم ملكهم هل أفادهم غناهم أو جبروتهم أو طغيانهم وهم يرون آثار الفراعنة في مصر وآثار ديار ثمود في مدائن صالح وكانوا يمرون عليهم في تجاراتهم وغير ذلك ماذا كان مصير هؤلاء ألا يعتبروا بها؟! (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18)) ولكنهم لا يعتبرون ويكذبون بالقرآن الذي أورد بهذه القصص لهم فلا يعتبرون بها.
د. الشهري: إذاً يعني هذه مناسبة إيراد قصة فرعون بالذات.
د. مسلم: حتى يعتبروا بها.
د. الشهري: إذن لعنا نكتفي بهذا في ما يتعلق بسورة البروج ننتقل إلى سورة الطارق أولاً هل هناك مناسبة بينهما يا دكتورالطارق والبروج باعتبار أن والسماء ذات البروج والسماء والطارق؟
سورة الطارق
د. مسلم: كلها في قضية العقيدة ترسيخ العقيدة يعني الله سبحانه وتعالى الذي خلق البروج وهي في السماوات وخلق النجوم الطوارق التي تطرق بالليل تظهر بالليل وتختفي بالنهار وأحكم هذا الأمر والإنسان الضعيف يتكبر على ربه سبحانه وتعالى فتوحيد الله سبحانه وتعالى من خلال مخلوقاته هذه أيضاً محور سورة الطارق وهي لها صلة بقضية البروج وكيف تجبر هؤلاء الجبابرة على عباد الله وأنكروا عبادة الله سبحانه وتعالى.
د. الشهري: سورة الطارق هل لها اسم آخر غير هذا الاسم؟
د. مسلم: هي تسمى سورة الطارق وسورة “والسماء والطارق” مثل سورة البروج أيضاً. وقت نزول هذه السورة والله أعلم هي متقدمة على سورة البروج لأن إقامة الحجة على المشركين بمظاهر الكون ومن خلال مخلوقات الله وإحكام خلقه في المخلوقات هذه كانت في مرحلة عرض الدعوة عليهم على المشركين وإقامة الحجّة عليهم والإتيان بالبراهين والأدلة هذه كانت في المرحلة الثانية والله أعلم.
د. الشهري: أنت ذكرت يا دكتور أن الطارق هو النجم مطلقاً النجوم تسمى طوارق لأنها تطرق بالليل يتداول في الآونة الأخيرة الأن صوت يقال إنه صوت لنجم أو نوع من النجوم صوته كصوت الذي يطرق الباب هل سمعتها وما تعليقك على هذا؟
د. مسلم: نعم سمعت، عظمة القرآن الكريم يأتي القرآن بكلمات وبعبارات يمكن أن يفهمها الناس العاديون الذين يرون طروق النجوم في الليل وقد يصل العلم إلى أشياء دقيقة في الفلك واللفظة القرآنية تحتملها، هذه قضية عظمة القرآن وصلاحيته واستيعابه لفهوم الأجيال مهما تقدم العلم يعني أنا أعجبني في تحليل عبد الدايم كحيل له موقع على الإنترنت ويأتي بأشياء جديدة وحديثة يقول (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) الذاريات) كتب مقالاً على الحبك يقول إحتار الفلكيون عندما وجدوا نظام المجرات في الكون ليس مجرة واحدة بل المجرات كلها فلم يجدوا إلا استخدام قضية الحبك والحبك هو تداخل النسيج كما نحبك النسيج لعمل بساط أو نجوه يقول لم يجدوا إلا كلمة الحبك (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) الذاريات) العلماء المفسرون قالوا ذات الطرائق ولكن عندما توصل العلم الحديث إلى تصوير الكون بمجراته لم يصلوا إلا إلى كلمة ذكرها القرآن الكريم.
د. الشهري: يعني أنها أدق ما يمكن أن يوصف به. هل نتوقف عند بعض الوقفات في سورة الطارق يا دكتور في قضية أصل الخلقة وخاصة قوله (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ)؟
د. مسلم: يعني دائماً كما بيّن القرآن الكريم (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ (53) فصلت) هنا ذكر الناحيتان في الأفاق (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ) وفي نفس الإنسان التي عليها حافظ، حفظها الله سبحانه وتعالى يعني آيات الله في النفس الإنسانية عندما
د. الشهري: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ).
د. مصطفى مسلم: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6)) يعني عندم تمعنوا في هذه الأمور قبل ما كان العلم إلا في الآونة الأخيرة توصل إلى الماء الدافق من أين يأتي أصله، منبعه ثم أين يستقر ثم بعد ذلك يكون دافقاً فعندما تتبعوا وجدوا بأن قضية الصلب والترائب هي منبع هذا الماء وكيف ينزل بتفصيلاتهم العلمية الدقيقة. إذاً آيات الله في الكون العظيم وآيات الله في النفس الإنسانية هي مجال للتدبر وبالتالي الوصول إلى عظمة الخالق سبحانه وتعالى وتوحيده. في كِلا المقطعين جاء القسم وهذا الحقيقة كما قلنا في المرحلة الأولى عند العرض كان يكثر القَسَم في الآيات القرآنية لتنبيه الناس على أن ما سيأتي بعد ذلك أمر عظيم انتبهوا له. (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ) في المقطع الثاني (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)) قسمان في سورة واحدة وفي مقطعين وكِلا المقطعان لإبراز قدرة الله سبحانه وتعالى. في قضية الرجع (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) العلماء يقولون المراد بالسماء هنا السحاب وهذه أيضاً لفتة علمية أن السماء من أين تتكون؟ (ذَاتِ الرَّجْعِ) كأنه يصعد بخار الماء من البحار والمحيطات إلى وتصل إلى هذا السحاب إلى مستوى معين ثم ترجع مطراً إلى الأرض.
د. الشهري: ولذلك سماها ذات الرجع.
د. مسلم: الرجع هو عودة الشيء إلى ما كان عليه قبل. (وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) بعد ذلك الأرض كيف تنبت يعني دائماً الاستدلال بالأشياء المحسوسة المحيطة بالإنسان بالشخص بكذا يعني تلفت نظرهم، كيف تكوّن هذا السحاب؟ من أين جاء هذا المطر؟ بعد ذلك هذا المطر البخار الذي يتصاعد من البحار والبحار كلها مالحة وينزل الماء العذب الفرات من هذه السحب (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) الواقعة).
د. الشهري: يعني مالحاً لا يصلح.
د. مسلم: لا يستفاد منه. (وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) هذه النبتة عندما تنبت يعني نبات الأرض خزائن الأرض من النبات لا نزرعها نحن كلها وإذ بها تخرج في الصحراء وفي البراري وفي الجبال نباتات وأشجار لا عهد لنا بها من الذي زرعها من الذي أنبتها؟
د. الشهري: الله سبحانه وتعالى، ما أجمل الإيمان بهذه الحقائق.
د. مصطفى مسلم: نعم، ثم بعد ذلك قضية الكيد، أمهِلهم يا محمد أنت اعرض عليهم دعوتك وأبرز لهم الأدلة والبراهين على عظمة الخالق وتوحيده وبعد ذلك أمهلهم لأن لله سبحانه وتعالى شأناً في ذلك وإرادة في ذلك فلا تستعجل عليهم (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)) هناك لفتة في قضية الكيد يقول العلماء الكيد لا يُنسب إلى الله إبتداءً وإنما هو من باب المشاكلة الكيد والمكر والخداع لا يليق أن نطلق على الله سبحانه وتعالى إبتداءً أما تأتي لأنه يقابل فعلاً بفعل مماثل واشد وينقلب عليهم هذا الأمر فسمي ربما قال (جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا (27) يونس) المقابل لا يقال سيئة وكذلك الكيد المقابل من باب المشاكلة أطلق عليه هذا الأمر.
د. الشهري: في التنكير يا دكتور مصطفى في قوله (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا) ونكّره وأيضاً قال (وَأَكِيدُ كَيْدًا) ونكّره ما دلالة هذا التنكير هنا؟
د. مصطفى مسلم: التنكير طبعاً يأتي والسياق هو الذي يبيّن هذا هل هو للتحقير هل هو للتعظيم هل هو لشيء فريد من نوعه فهم يكيدون كيداً عظيماً، كيدهم أنهم ما تركوا طريقة لإطفاء دعوة الله سبحانه وتعالى إلا واتبعوها أولاً باتهام رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شاعر ساحر كاهن وغير ذلك واتهموا القرآن بأنه شعر وسحر ثم لجأوا إلى الأمور المادية ليس فقط الإتهامات يعني عندما حاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشِعَب وعندما عذّبوا أصحابه وفي الأخير حاولوا تصفيته جسدياً عندما اجتمعوا واتفقوا على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أمهلهم يا محمد فكان في بدر طغاتهم قُتِلوا وأمهلهم يوم القيامة عذاب شديد ينتظرهم أيضاً.
د. الشهري: أستأذنك يا دكتور مصطفى في فاصل نشاهد فيه سؤال هذه الحلقة ثم نعود لنكمل حدييثنا.
——————————-
سؤال الحلقة: قوله تعالى (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) الإنشقاق) ما هو تفسير كلمة وسق؟
1. جمع وحمل.
2. فرَّق.
3. سكونه
————–
د. الشهري: مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى وما زال حديثنا مع ضيفنا الدكتور مصطفى مسلم متصلاً حول سورة الطارق وسورة البروج قبلها وسوف يأتي الحديث عن سورة الأعلى. حياكم الله شيخنا. هل انتهى الحديث عن سورة الطارق؟.
د. مسلم: باقي نقطة لو سمحتم، في قضية خلق الإنسان يأتي التعبير القرآني أحياناً خُلق من تراب وأحياناً من ماء دافق وأحياناً من نطفة وأحياناً من ماء مهين وأحياناً من صلصال كالفخار، هل هذا تناقض؟ حاشا لله أن يكون تناقضاً إنما السياق القرآني يوصف الخلق في مرحلة من مراحله حسب السياق. إذا كان الحديث في قضية تجبّر الإنسان وتكبّره وعلوه واستعباد الناس فيقال خُلق من تراب أو من ماء مهين يُتقزز منه والتراب الذي يُداس بالأقدام
د. الشهري: كقوله تعالى (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ﴿١٧﴾ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴿١٨﴾ عبس) تحقير له
د. مسلم: من نطفة، قال (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) الكهف) لصاحب الجنتين عندما دخل جنته مفتخراً بماله وبرجاله قال (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا) هذا أصلك الحقير المهين تتكبر على الله جل وعلا؟! وعندما يكون الحديث عن قدرة الله سبحانه وتعالى يقال (صلصال كالفخار) لو أضيف الماء إلى التراب صار طيناً إذا تُرك الطين فترة صار حمأ مسنوناً، هذا الحمأ المسنون إذا ضُرب بالجدار لاصق يلتصق به، إذا شُكّل على صورة وجفّ قليلاً صار له رنين كالفخار صلصال. فإذا كان الحديث عن قدرة الله سبحانه وتعالى يأتي بهذه الأوصاف في هذه المراحل المتأخرة ولذلك ليس هنالك تناقض وإنما نرجع إلى سياق الحديث عن الإنسان أو عن الله سبحانه وتعالى وعظمة خلقه وتدبيره فتأتي هذه الأوصاف فليس هنالك تناقض في ذلك
د. الشهري: لفتة مهمة جداً. ننتقل إلى الحديث عن سورة الأعلى وهي السورة الثالثة معنا في هذه الحلقة فنتحدث عن اسمها ونزولها وموضوعها
سورة الأعلى
د. مسلم: سورة الأعلى أيضاً سورة مكية وهي أيضاً مثل سورة الطارق والله أعلم في المرحلة الثانية للاستدلال على عظمة الله سبحانه وتعالى وقدرته وجاءت السورة بقضية تنزيه الله تعالى حتى يعوّد المؤمنين والناس على تنزيهه (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى). السورة محورها يدور حول توحيد الله وتعظيمه من خلال مخلوقاته والحكمة في تدبير هذه المخلوقات عندنا خلق وعندنا تدبير، تدبير المخلوقات أن ينشئها على طريقة معينة بحيث يستمر وجودها وتؤدي وظيفتها المنوطة بها في هذه الحياة الدنيا (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) كل شيء عنده بمقدار بتقدير وهداه إلى ما يُصلح شأنه وما يجعله يؤدي وظيفته في هذا الكون فمن خلال هذه المخلوقات ندرك تدبير الله سبحانه وتعالى وقضية تدبير الكون كله والسنن الكونية لو تدبر الإنسان هؤلاء الجاهلون الذين يقولون وجِد الكون صدفة! ولذلك أعجبني أحد الغربيين في زمانه كانت المطابع عبارة عن تشكيل حروف نحاسية يشكلونها حتى يضعوا الكلمة ثم يضعوها في قوالب معينة ثم بعد ذلك الآلة تدور وتطبع. يقول لو أن إنساناً قال لنا أن انفجاراً وقع في مطبعة فانتشرت هذه الرحوف في كل اتجاه ثم عندما نزلت هذه الحروف وإذ بها نظمت لنا قصيدة من قصائد شكسبير، هل نصدق هذا؟! نُتَّهم بالجنون! مطبعة فيها عشرات الآلآف من الحروف تطير ثم تشكل كلمات منظّمة تشكل قصيدة، يقول القائلون بالصدفة في الكون أبعد من هذا التصور! هذا الكون الدقيق ثم يقولون وجد الكون صدفة؟! أمثلة على قلة عقول هؤلاء الذين لا يؤمنون بتدبير الخالق سبحانه وتعالى وحكمته في هذا الكون. ذكر العلماء لهذه السورة فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهذه السورة وبسورة الغاشية في الجمعة وفي العيدين لها هذه الخصوصية وكان يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد. وعندما نزل قوله تعالى (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) الواقعة) قال اجعلوها في ركوعهم ولما نزل (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال اجعلوها في سجودكم. فهذه كلها فضائل تذكر لهذه السورة الكريمة
د. الشهري: ولله الحمد ما زال الجميع يقرأها في هذه الأوقات في صلاة الوتر وفي صلاة الجمعة وفي صلاة العيد وصلاة الاستسقاء تُقرأ.
د. مسلم: السورة نستطيع أن نقطعها إلى ثلاثة مقاطع: المقطع الأول في قضية التسبيح والتعظيم لله سبحانه وتعالى من خلال هذه المخلوقات ثم في المقطع الثاني تكليف رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضية قرآءة القرآن وضمان حفظه له (سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى) فـ(لا) هذه بعضهم قال هل هي ناهية أو نافية؟ في الحقيقة هي نافية النفس ضمان من الله سبحانه وتعالى بأن لا ينسى ويحفظ القرآن في صدر رسول الله عليه الصلاة والسلام. أما لو كانت ناهية طبعاً لا تكون ناهية لأنه كان يقال (فلا تنسَ) كانت حذفت الألف المقصورة للنهي.هي موجودة إذن هي ليست ناهية والنفي دائماً أقوى من النهي. النهي يُطلب من الشخص أن يفعل شيئاً أو ينتهي عنه وقد يتحقق وقد لا يتحقق إنما عندما يقول الله سبحانه وتعالى (سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى) هذا شيء الله ضمن لك حفظ القرآن فلا تنساه فاطمئن إلى هذا الأمر. الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره كان أمياً فعندما يأتيه الوحي من الله سبحانه وتعالى جبريل يلقنه ما يكاد ينتهي من آخر آية حتى يكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء في عدة مواطن في القرآن الكريم يطمئنه (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ (114) طه) لا تستعجل وقوله (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴿١٦﴾ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ ﴿١٧﴾ القيامة) جمعه في صدرك وتيسير قرآءته على لسانك. (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ﴿١٨﴾) بعد ذلك تطبّق ما أُنزل إليك وهنا (سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى) يعني تطمين بعد تطمين دائماً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يقلق على حفظ الوحي.
هذا المقطع الثاني، (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى) سبيل التبليغ سنيسره لك يا محمد ولكن عليك أن تذكّر به من ينتفع بهذه الذكرى هل ينتفع كل من يذكَّر؟ ولذلك نحن نبحث عن الذين ينتفعون بالتذكير فنذكّرهم؟ أو إنه عام وقد يحدث أنه يتذكر؟ هل تبلِّغ كل الناس أو نبلّغ الذين نتوقع انتقاعهم به؟ رأيان للعلماء بعضهم أخذ بقضية الحكمة يعني ما حدّثت أناساً لا تدركه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم، أو تحدث تريد أن تمهّد له حتى ينتفع بهذه الذكرى. وبعضهم قال نحن لا نخصص وذكروا قول عيسى عليه السلام يروى عن عيسى عليه السلام: لا تضعوا الحكمة في غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم وكُن كالطبيب يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع. كأنك تختار لهذه الموعظة. الحقيقة نستطيع نحن أن نجمع بينهما، بعض الناس يكون في غفلة ولو جاءتهم الذكرى بعض الناس عندما يفيق من غفلته يقولون أين أنتم يا مسلمون؟ هذه الكنوز وهذه الحقائق عندكم ولا تدعون إليها ولا تذكرون بها أحد خاصة في الغرب هناك كثير من الناس وحتى كبار الأساتذة والمخترعين ما وجدوا من يعرض عليهم. للأسف شباب وكثير من الذين يذهبون إلى الغرب من خلال سلوكياتهم يعطون نظرة سلبية سيئة عن الاسلام للغربيين فيقولون هذا إسلام من علّمهم. ولكن عندنا يجدون الشاب التقي، كثير من أساتذة الجامعات أسلموا على أيدي طلابهم ويقولون لهم لماذا لا تعرّفوننا على هذه الكنوز وهذه الحقائق الهائلة ولذلك كثير من الناس ومنهم د. زغلول النجار يقول نحن عندنا القرآن والله ما دمنا نعرضه على الغرب وعلى غيرهم ونطبقه في أنفسنا أكبر سلاح وأكبر برهان ودليل على دعوة الحق لانتشار الإسلام. ولذلك نحن نحول بين الناس وبين الاسلام أولاً بكتم وثانياً بسلوكياتنا إذا كانت هذه السلوكيات غير صحيحة.
د. الشهري: المقطع الثالث؟
د. مسلم: مقومات هذا الفلاح، تنزيه الله سبحانه وتعالى ثم تكلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضية تذكير الناس وتبليغهم الدعوة من هم الذين يفلحون وينتفعون بهذا الذكر؟
د. الشهري: (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ﴿١٠﴾ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴿١١﴾)
د. مسلم: (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴿١١﴾ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ﴿١٢﴾ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا ﴿١٣﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴿١٤﴾ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴿١٥﴾ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿١٦﴾) بكل أسف كثير من الناس يؤثرون متعة الحياة الدنيا السريعة الزائلة ولو أنهم عقلوا وتدبروا في أحوالهم، الإنسان يعيش كم سنة؟ لو عاش مئة سنة وهل لو ملك الدنيا كلها، بعد ذلك ماذا؟ إما أن يفارق الدنيا أو تفارقه ليست بدار مقرّ للإنسان ولا دار طمأنينة يطمئن إليها فلماذا يحجزون أنفسهم ورغبتهم وأمورهم كلها في متع هذه الدنيا الزائلة الفانية؟! لو عاش إنسان خمسين سنة في الملذات والشهوات وغير ذلك، بعد ذلك بعد عنها لحظات ساعة ساعتين ماذا بقي من هذه الشهوات واللذائذ التي ركنت إليها في هذه الحياة الدنيا؟ ولا شيء! لو أصابه ألم في عينه في ضرسه في جسمه نسي كل ما تقدم. إذا يعيد الإنسان إلى ما مضى من حياته كلها هباء إلا ما كان أبقاه أمامه وادّخره عند الله سبحانه وتعالى
د. الشهري: أستأذنك نكمل حوارنا بعد الفاصل. أيها الإخوة المشاهدون فاصل ثم نكمل حوارنا مع الدكتور مصطفى.
——————
إعلان مركز تفسير للدراسات القرآنية – ملتقى أهل التفسير
—————–
د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى وما زال حديثنا مع الدكتور مصطفى مسلم حول سورة الأعلى. قبل أن نواصل حوارنا نشاهد الفائز أو الفائزة في سؤال الأمس
الفائز في حلقة الأمس: إلهام محمود سعيد من أو ظبي
د. الشهري: نعود يا شيخنا إلى سورة الأعلى وأنت ذكرت المقطع الأخير
د. مسلم: كما قلنا المقطع الأخير مقومات هذا الفلاح أن لا يركن الإنسان إلى هذه الحياة الدنيا الزائلة الفانية القصيرة ويطمئن إلى قضية الآخرة التي من حيث المدد مخلّد فيها لا نهاية لها ومن حيث المتع فيها فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. هذه الحقائق المنتفعون بهذه الحقائق لكل الأمم هذه ليست حقائق لأمة محمد عليه الصلاة والسلام الركون إلى الدنيا ليس شيئاً حسناً، الاطمئنان إلى الآخرة والعمل لها هذا الفلاح موجود في كل رسالات الأنبياء كما جاء في صحف ابراهيم وصحف موسى عليه السلام. سئل رسول الله بالنسبة للصحف
د. الشهري: هذا سؤال أيضاً من أحد الإخوة على التويتر يقول ما هي الصحف الأولى؟ وهل يُعرف شيئ عنها؟
د. مسلم: صحف ابراهيم عليه السلام كانت له عشر صحف وصحف موسى كانت عشر صحف أيضاً كما في الحديث الذي رواه أبو داوود. كانت صحف ابراهيم عليه السلام كلها أمثال يقتدى بها وصحف موسى عشر صحف نزلت قبل التوراة عليه وهناك صحف على بعض الأنبياء الآخرين ذكر في هذا الحديث فهي ليست كتباً كالكتب الأربعة التوراة والانجيل والزبور والقرآن ولكنها كانت صحف تأتي إلى الأنبياء فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر مضمون بعض هذه الصحف ولكن ما كانت قائمة كشرائع كاملة محفوظة في كتب معينة
د. الشهري: هل يُعرف عنها شيء اليوم؟
د. مسلم: لا، ما عرف إلا ما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
د. الشهري: في قوله (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ﴿١٠﴾ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴿١١﴾) في إشارة إلى المعنى الذي ذكرت أن الإنسان في حاجة دائمة للتذكر والخشية وأنه لا يتذكر بهذه الذكرى إلا من استحضر خشية الله سبحانه وتعالى
د. مسلم: كثير من الناس هناك لحظات في حياة الإنسان تمر عليه قد تقلبه رأساً على عقب، صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه تأثر بحادثة أخته مثلاً، أحد الصحابة جاء وقتل صحابياً وهو مشرك قتل صحابياً فعندما انتثر دمه على وجه هذا القاتل قال الصحابي المقتول: فزت بها ورب الكعبة. هذا بعد ما ذهب فكر بماذا فاز؟! قتلته وانتثر دمه والآن صار جثة بماذا فاز؟! هذه الكلمة فعلت فيه فعلاً، هؤلاء صادقون، هؤلاء ينظرون إلى شيء آخر، هؤلاء هؤلاء، إلى أن هداه الله فأسلم. ولذلك التذكير ما تقول نرجع للقول الأول أنه يجب أن أضمن استجابة فلان حتى أذكّره بها. أحياناً يقول واحد لداعية خرجت منك كلمة أثّرت بي، الداعية يكون نسي الكلمة ولم ينتبه لها ولكنها وجدت قلباً وسمعاً عند هذا الشخص وإذ به تأثر بها وهداه الله سبحانه وتعالى
د. الشهري: والآن أيضاً في القنوات الفضائية وأنت تتحدث الآن هل تضمن من يشاهدك الآن؟ كل الناس يشاهدونك فما تعلم أين تقع الموعظة وأين تقع الكلمة فالإنسان يذكّر ولا يسأل عن شريحة المذكّرين
د. مسلم: ولذلك يُنصح الدعاة أن تخرج الكلمة من القلب إذا خرجت من القلب وهو مخلص لله تعالى فيها لا تقع على الأرض إلا تؤثر ولو بعد حين ولذلك الداعية يتهم نفسه هل قالها من قلبه وهو مخلص فيها لله سبحانه وتعالى؟ إذا ضمن هذا الشيء فالنتيجة بإذن الله تعالى مضمونة.
د. الشهري: الله أكبر! جزاك الله خيراً. هنا سؤال في تويتر يقول التقسيم الذي في المصحف الذي يضع ربع الحزب ونصفه وثلاثة أرباعه هل هذا من عمل الصحابة رضي الله عنهم؟
د. مسلم: لا، الصحابة رضوان الله عليهم عندما جمعوا القرآن الكريم سواء في عهد أبي بكر أو في عهد عثمان جرّدوه من كل شيء حتى أسماء السور ما وضعوها. في زمن التابعين وزمن الحجّاج – هذه حسنة تُذكر للحجاج بن يوسف الثقفي جمع واستشار العلماء في الكوفة ماذا نعمل؟ فأولاً قالوا بتشكيل – لأن بعض الناس الأعاجم صاروا يخطئوا في القرآءة- فشكّل أي وضعوا النقاط والفتحة والكسرة ثم وضعوا سور القرآن ثم قسموه أجزاء وأحزاباً ثلاثون جزءاً كل جزء حزبين وبعد ذلك بعض الجهات وضعوا ركوعات كما في مصحف تاج كمبني الذي يُقرأ في الباكستان فبعض الصحابة رضوان الله عليه خدمة لتيسير الاطلاع وقرآءته كورد يومي أو ورد أسبوعي شهري يختمون القرآن فهو من باب الاجتهاد واجتهاد حسن في محله.
د. الشهري: سؤال في قضية لماذا تقرأ هذا السورة في يوم الجمعة؟ هل هناك حكمة خاصة؟
د. مسلم: دائماً الأمور التي كان يكررها الرسول صلى الله عليه وسلم تركز محورها والموضوعات الأساسية فيها تتعرض لأسس العقيدة إما توحيد الله، تنزيهه وحدانيته عظمته وأحياناً تتعلق باليوم الآخر مثل سورة القمر وفي صباح الجمعة كان يقرا بألم السجدة سورة الإنسان كلها تركز إما على اليوم الآخر أو على قضية توحيد الله وعظمته أو تتعلق بقضية النبوة والرسالة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
د. الشهري: يعني من القضايا الأساسية الكبرى
د. مسلم: أسس العقيدة ثلاثة وهي التوحيد وقضية النبوة واليوم الآخر هذه أسس العقيدة البقية تترتب عليها الإيمان بالكتب الإيمان بالملائكة الإيمان بالغيب هذه تترتب على هذه الأسس
د. الشهري: تكون تابعة لهذه الأسس
د. مسلم: ولذلك هذه الأسس الثلاثة دائماً تأتي الأدلة عقلية أدلتها عقلية أما قضية الملائكة قضية نقل مترتبة على شيء غيرها فأسس العقيدة تذكر في هذه السور التي كان يخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجامع الناس في التذكير بهذه الأسس وكلها أسلوب القرآن في التذكير بها والدعوة إليها أسلوب عقلي.
د. الشهري: بحكم اطلاعك دكتور مصطفى على كتب التفسير هل هذه الأدلة العقلية والموجودة في هذه السور وخاصة التي نزلت في المرحلة الثانية والمرحلة الأولى من العهد المكي هل كان لها أثر على استجابة العرب والقرشيين؟
د. مسلم: جداً. كثير منهم عندما كانوا يقرأون هذه الأشياء يستغربون في غفلتهم عنها، عندنا تشبيه البعث بعد الموت والقدرة على البعث بعد الموت تشبيه قضية النبات وتكرر هذا كثيراً في القرآن الكريم. الإنسان يغفل عن قضية الدورة النباتية، ينزل المطر فينبت ثم يكون يعجب الزراع باخضراره بازدهاره ثم يكون حطاماً ثم يعود مرة ثانية ينزل عليه المطر، هل أنتم تعملون هذا؟ هذه الدورة من الذي وراءها؟ من الذي يهيؤها؟ كذلك الإنسان، دورة النبات تتكرر في السنة مرة أو مرتين، دورة الإنسان تتكرر في الحياة البشرية مرة واحد فلذلك لا تستغربون الدورة النباتية وأنتم لا شان لكم بها وأنتم ترونها أمام أعينكم وتستبعدون على الله الدورة البشرية أن يكون هذا أمرٌ بقدرته!
د. الشهري: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منك شيخنا وجزاك الله خيراً. انتهى وقت هذه الحلقة والحديث ذو شجون. أيها الإخوة المشاهدون باسمكم جميعاً أشكر ضيفنا الدكتور مصطفى مسلم على ما تفضل به وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم وأن يجعل ما قاله شيخنا عوناً لنا على فهم كتابه وتدبره والعمل به. أراكم غداً إن شاء الله وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.