الحلقة 181
ضيف البرنامج في حلقته رقم (181) يوم الخميس 28 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم، الخبير بمركز تفسير للدراسات القرآنية وأستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الشارقة سابقاً.
وموضوع الحلقة هو :
علوم سورة الزلزلة والعاديات والقارعة والتكاثر .
*******************************
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان في برنامجكم اليومي التفسير المباشر وسوف يكون حديثنا بإذن الله تعالى في هذه الحلقة المباركة عن أربع سور من سور القرآن الكريم وهي سورة الزلزلة وسورة العاديات وسورة القارعة وسورة التكاثر. باسمكم جميعاً أيها الإخوة أرحب بضيفي وشيخي الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية وبجامعة الشارقة سابقاً والخبير بمركز تفسير للدراسات القرآنية بالرياض حالياً حياكم الله يا شيخنا وأهلاً وسهلاً بكم. اليوم لعلنا نقسم الحلقة إلى أربعة أقسام نتحدث في سورة الزلزلة عشر دقائق ثم بقية السور فنبدأ على بركة الله باسم سورة الزلزلة.
سورة الزلزلة
د. مسلم: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. تسمى سورة “الزلزلة” وأيضاً تسمى “وإذا زلزلت” وتسمى “الزلزال” عند بعض المفسرين، ثلاثة أسماء، الاسمان الأولان منقول عن الصحابة رضوان الله عليهم وسورة “إذا زلزلت” منقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم ورد في حديث الترمذي: “إذا زلزلت” تعدل نصف القرآن -هذا من فضائل هذه السورة- و”قل هو الله أحد” تعدل ثلث القرآن و”قل يا أيها الكافرون” تعدل ربع القرآن، هذا في حديث الترمذي. فسورة الزلزلة أو “إذا زلزلت” سورة مدنية عند الجمهور وقت نزولها نزلت في المدينة وبعض العلماء قال أسلوبها أسلوب السور المكية، السور المكية ترسّخ على أسس العقيدة ويكون فيها الأسلوب البياني مقاطعها قصيرة آياتها تزلزل القلوب والنفوس فأسلوبها أقرب للأسلوب المكي ولذلك قال بعضهم بمكيتها ولكن إذا كان الجمهور يرون والنقل والأسانيد الصحيحة نقلت أنها نزلت في المرحلة المدنية فلا مانع أن تكون هنالك فعند الجمهور هي مدنية.
د. الشهري: إذن هذا ما يتعلق بفضلها ومكان نزولها وتسميتها، ما موضوع السورة؟
د. مسلم: موضوع السورة محورها يتعلق بقضية البعث والحساب عند قيام الساعة (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴿١﴾ وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴿٢﴾ وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ﴿٣﴾ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴿٤﴾ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴿٥﴾) هذه في أثناء قيام الساعة عندما تتزلزل الأرض طبعاً بالإضافة إلى الأمور الأخرى، بعض السور تذكر جانباً مما يحدث في الكون النجوم والكواكب والشمس والبحار سُجّرت والجبال سُيّرت، منها (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) فهي زلزلة شديدة ما الذي يحدث فيها، نحن نشاهد أحداث صغيرة عندما تحدث الزلازل على الأرض نجد الخسف والدمار ومثل هذه الأمور فما بالك إذا كانت الزلزلة عامة لكل الأرض؟! شيء غريب لا نستطيع أن نتصوره!
د. الشهري: في إيران أمس وقبل أمس كان هناك زلزال يقولون لمدة تسع ثواني فقط وحدث منه انهيارات كبيرة جداً
د. مسلم: عشرات القرى دُمّرت ومئات الناس هُجّروا وقتل بعضهم. فما بالك إذا كانت الزلزلة عامة لكل أنحاء الأرض؟! حتى جوف الأرض يفجّر (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) التكوير) في قول البعض مُلئت نيراناً، كيف تملأ نيراناً؟ العلماء يقولون القشرة الأرضية هي عبارة عن قشرة تتراوح بين خمسين إلى ستين كلم القشرة الأرضية اليابسة و12 ألف وكسور هي كلها سوائل من الحديد ومن النيران فلما تحدث البراكين تتنفس هذه فما بالك إذا كانت زُلزلت وفُجّرت هذه البراكين التي داخل الأرض؟! القشرة الصغيرة يشبهونها بقشرة التفاحة الحمراء هذه القشرة اليابسة واللبّ الأبيض كله نيران وحديد وغير ذلك من المواد المنصهرة! فإذا زلزلت وفُجِّرت هذه البراكين شيء رهيب ولذلك الإنسان يسأل (وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا)؟! (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) الأرض بلسان الحال وقد يكون بلسان المقال تحدث أخبارها فعندئذ (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ﴿٩﴾ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ﴿١٠﴾ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ﴿١١﴾ العاديات) الآيات كلها اليوم تتحدث على قضية الآخرة وما يحدث على الكرة الأرضية. عندئذ يبدأ الناس بالحشر (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا) كما جاء في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فسّرت هذه الأمور كيف بعدما يبعث الناس في النفخة الثانية (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68) الزمر) كل واحد يقوم على قبره وفي بعض الروايات في بعض الأحاديث جاء أنه عند النفخة ينزل مطر كمنيّ الرجال كل إنسان يفنى إلا عجب الذنب فعندما ينزل هذا المطر عليهم ينبت الإنسان من عجب الذنب هذا ويُبعث على قبره حفاة عراة كما ولدتهم أمهاتهم ثم يُحشرون إلى أرض المحشر. طبعاً السيدة عائشة عندما سمعت هذا قالت: رجال نساء عراة أينظر بعضهم إلى بعض؟ قال يا عائشة الأمر أكبر من ذلك! كل واحد لا يعرف مصيره ما ينظر ما حوله ما الذي يجري له، موقف رهيب جداً!!
د. الشهري: ثم يقول (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨﴾)
د. مسلم: هذه الآية الفذّة التي عندما سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن بعض الأشياء في زكاة الحمير قال لم ينزل عليّ فيها شيء ولكن هذه الآية الفذّة -في صحيح البخاري- (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨﴾) الذرة التي هي عند بعض العلماء التي هي الهباء الذي يُرى من الكوّة عندما تدخل الشمس فنجد الغبار المتطاير وبعضهم قال الذرّ النمل الصغير وسواء كان هذا أو ذاك ولذلك عندما جاءت السائلة تسأل السيدة عائشة فما وجدت في البيت شيئاً تعطيها فأعطتها تمرة واحدة فرفيقتها في البيت قالت تمرة؟! قالت كم فيها من عدد من الذرات؟! لا تستقلوا هذه التمرة! ولذلك عندما يُحاسَب الإنسان وهذه الآية الفذّة بعض السلف كان عندما يقرأ هذه الآية يكاد يُصعق لشدّتها الإنسان ما يعمل عمل صغيرة وكبيرة حتى بمقدار الذرة سيحاسب عليها!
د. الشهري: (وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) الأنبياء). هل نكون بهذا انتهينا من الحديث عن سورة الزلزلة أم لديك؟
د. مسلم: قضية (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا) القول الراجح عند العلماء هي ما دُفِن فيها من الأموات، هذه أثقالها. وبعضهم قال معادنها وكنوزها لكن ذكر الكنوز هنا في هذا السياق ليس محله أما تُخرج أثقالها مما في باطنها من الناس الأموات هذه السياق يرجح هذا الكلام والله أعلم.
د. الشهري: وهو الأليق بحديث البعث بعد الموت يوم القيامة
د. مسلم: ولذلك قضية إخبار الأرض بعدما تلقي ما في باطنها وتشهد عليهم كان بعض السلف كلما مرّ في مكان ويغادره يقول أودعتُ في هذا المكان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حتى تشهد له هذه البقعة يوم القيامة لأن الأرض تشهد على كل ما يجري فيها.
د. الشهري: إذن انتهينا من الحديث عن سورة الزلزلة وموضوعها هو قضية البعث بعد الموت. ننتقل إلى سورة العاديات (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ﴿١﴾ فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا ﴿٢﴾ فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا ﴿٣﴾ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ﴿٤﴾ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ﴿٥﴾) العاديات هنا، اسمها؟
سورة العاديات
د. مسلم: العاديات فيها قولان للمفسرين قول مروي عن سيدنا عليّ أن العاديات هي الإبل، إبل الحجّ عندما تنفر وتعدو في النفرة من عرفات وقول ابن عباس وكثير من الصحابة أنها خيول الجهاد، ما الذي دفع سيدنا علي أن يقول هي الإبل؟ لأنها سورة مكية والجهاد وأموره وأدوات الجهاد ما فُصِّلت إلا في السور المدنية ولكن الحقيقة كثير من العلماء رجّحوا أن يكون العاديات هي خيل المجاهدين، السبب في ذلك بالرغم من أن بعض السور المكية ذُكرت قضية الجهاد كتهديد وإشعار لهؤلاء المشركين أن مصيرهم سيكون سيئاً إن بقوا على حالهم وتنفيس عن المؤمنين المضطهدين المعذبين سيكون لكم دور في قضية الدفاع عن أنفسكم مثل باتفاق العلماء سورة المزمل مكية ومن أوائل السور (وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (20) المزمل) تنفيس لهؤلاء المؤمنين وأيضاً تهديد للمشركين الرسول صلى الله عليه وسلم مرة من المرات اشتدوا حوله فأشار أني قد جئتكم بالذبح عندما أشار هكذا وإذا بهم يجفلون، محمد يقول هكذا؟! وهو صادق، ما كنتَ جهولاً يا محمد فصاروا يتوددون إليهم بهذا الأمر
د. الشهري: مجرد الإذن بالجهاد أو التلويح به مخيف
د. مسلم: ولذلك الراجح والله أعلم أن العاديات هي خيل المجاهدين. والأمور الأخرى (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ﴿١﴾ فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا ﴿٢﴾ فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا ﴿٣﴾ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ﴿٤﴾ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ﴿٥﴾) كلها وصف كأنها خيل تضبح تخرج هذا الصوت أثناء عدوها وتحيط بالعدو ويقدح من حوافرها عندما تضرب الأرض تقدح النار فهذه كلها وصف. الوقفة التي أريد أن أقف عندها أنها هي سورة مكية واسمها العاديات والمحور أنا أخذته من قضية ربط القَسَم بالمُقسَم عليه، القسم بالعاديات بالخيول خيول المجاهدين (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) هذا جواب القسم، جواب القسم دائماً ابن القيم رحمه الله ذكر في كتاب “التبيان في أقسام القرآن” ذكر الربط بين المقسم به والمقسم عليه هنا ذُكِر وصف للخيل وطبيعة الخيل أنها وفيّة ووفاء الخيل يُضرب به المثل، من يقرأ كتاب “الحيوان” للجاحظ وغيره و”حياة الحيوان” تجد أوصاف خاصة الخيول عندما يربيها ما تترك صاحبها، صاحبها يُقحِم بها في المعارك وهي معرضة للخطر ومعرضة للقتل للحرق لأي شيء تقتحم وفاءً لصاحبها أما الإنسان فمن طبيعته الجحود، كنود يجحد نعم الله. الله سبحانه وتعالى الذي أوجده وأعطاه وأغناه ودلّه على سبل المعيشة وعلى الخير وإذ به يجحد هذه النعم كلها ويتنكر لها ويُنكر ويعادي ويتحدى الله سبحانه وتعالى ولذلك محور السورة الجحود والإنكار من غرائز الإنسان ولا يليق به ذلك.
د. الشهري: والخيل بالرغم من أن بعض الناس لا يُطعمها إلا طعاماً يسيراً وبالرغم من ذلك تفي معه وتصبر معه وتخاطر معه. في قوله في بقية جواب القسم (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ)
د. مسلم: هذا جانب من التعليل ما سبب كنوده هو يشهد أنه ينكر نعمة الله، يعترف بها ولكن ما الدافع له لأن يكون جحوداً لا يشكر نعمة ربه سبحانه وتعالى؟ (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) والخير هو المال، لحبّ المال شديد يعني محبته ولذلك حب المال والبخل يؤدي إلى قطع الرحم ويؤدي إلى ارتكاب المعاصي ويؤدي إلى مخالفات كثيرة ولكن الإنسان مهما أخفى هذا الشيء وحاول أن يضر بغيره ربنا سبحانه مطّلع على هذا الأمر
د. الشهري: نقول معنى الآية (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) أي لحب المال شديد
د. مسلم: وهذا الحب دفعه إلى أن يكون ناكراً للجميل لا يشكر نعمة الله سبحانه وتعالى
د. الشهري: وهناك تفسير آخر وهو أنه من أجل حبّ المال لبخيل، لشديد هنا بمعنى بخيل.
د. مسلم: يشدّ على نفسه
د. الشهري: بالمعنيين هي تدل على نفس النتيجة. نختم حديثنا هل هناك وقفة في سورة العاديات يمكن أن نتوقف عندها في قوله (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ﴿٩﴾ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ﴿١٠﴾ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ﴿١١﴾)؟
د. مسلم: إذا حُشِر الإنسان للحساب وكوامن النفس ظهرت وشهد عليه سمعه وبصره وجلده لم يبق مجال لهذا الجحود ولم يبق لكتمان هذه الغريزة وهذه الطبيعة الراسخة في نفسه فالله مطلع على كل ذلك وسيفضحه يوم القيامة بعكس ما هو أراد أن يخفيه.
د. الشهري: في قوله (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) المقصود بالإنسان هنا جنس الإنسان
د. مسلم: جنس الإنسان وإن كان بعض المفسرون قال الكافر لكن الحقيقة طبيعة الإنسان بشكل عام هو هكذا فطرة الإنسان قضية البخل بالمال وقضية جحد النعمة والتظاهر بأشياء ليست موجودة فيهم طبيعة لكل الناس أما المسلم فيهذب هذه الطبائع وهذه الغرائز فيظهر فيها ويرضخها لحكم الله سبحانه وتعالى
د. الشهري: هل هناك مناسبة بين سورة الزلزلة وسورة العاديات؟ هل ظهر لك أي وجه من أوجه المناسبة؟ وإن كانت كلها تدور حول محاور متقاربة
د. مسلم: كلها تتعلق بأحداث يوم القيامة وتتعلق بقضية الحساب ويوم القيامة عندما تكشف هذه الأمور (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨﴾ الزلزلة) (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ﴿٩﴾ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ﴿١٠﴾ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ﴿١١﴾)
د. الشهري: موضوعاتها ليس بعيدة عن بعضها. ننتقل الآن إلى سورة القارعة.
سورة القارعة
د. الشهري: نبدأ سورة القارعة والحديث عن اسم السورة
د. مسلم: اسم السورة القارعة هي لها هذا الاسم الوحيد ووقت نزولها سورة مكية بالاتفاق وغالباً نزلت في المرحلة الثانية مرحلة عرض الدعوة على قريش والسور المكية أغلبها في هذه المرحلة الثانية تكون قوية شديدة النبرات واللهجة تزعزع
د. الشهري: تماما كما قبل قليل في الزلزلة، القارعة، كلها أسماء مخيفة
د. مسلم: محورها أحداث يوم القيامة يوم الحساب طبعاً هذه كلها أسماء ليوم القيامة: القارعة، الحاقّة، الطامّة، الصاخّة، كل مرة تسمى بصفة أو أمر يترتب على هذا الاختلال الكوني فهي أحداث هذا اليوم تقرع السمع والقلوب قرعاً فتزلزلها، قرعاً شديداً. الأسلوب القرآني (الْقَارِعَةُ ﴿١﴾ مَا الْقَارِعَةُ ﴿٢﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ﴿٣﴾) هذا السؤال سؤال تهويل لبيان عظيم عِظَم هذه القارعة هذا الحدث الهائل الذي يقع شيء لا يتصوره عقل إنسان هذا من اختلال نظام الكون واصطكاك الأجرام ببعضها والتفجيرات التي تحدث لا يمكن أن يتحملها إنسان ولذلك هُوِّل من أمرها (الْقَارِعَةُ ﴿١﴾ مَا الْقَارِعَةُ ﴿٢﴾) ثم كُرِّر (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ)
د. الشهري: كما قال أيضاً (الْحَاقَّةُ ﴿١﴾ مَا الْحَاقَّةُ ﴿٢﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ ﴿٣﴾)
د. مسلم: ذكر في هذا اليوم حال أمرين: حال الناس وحال الجبال. حال الناس يكونوا كالفراش المبثوث، الفراش المعروف الحيوان الصغير الذي يتوه، تائه، بعض المفسرين قال حيوان تائه غبي لأنه يلقي نفسه في النار من غير ما يدري، عندما يجد ضوءاً أو سراجاً مضيئاً وكل ما حوله ظلام ما يرى إلا هذا المنفذ فيلقي نفسه على أساس أن ينفذ منه. الإنسان في هذا اليوم يصاب بمثل هذا الفراش المبثوث وكما جاء في سورة أخرى (كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ (7) القمر) الجراد المنتشر الذي يهيم على وجهه والفراش الذي يتوجه في كل مكان يُبثّ في كل مكان وليس له وجهة لا يدري أين؟ طبعاً الإنسان عندما يُبثّ هذا البثّ من آدم عليه السلام إلى آخر قيام الساعة والأرض قد ألقت ما في جوفها من هذه الأحمال والأثقال وانتشر الناس بعد ذلك يأتي قضية توجيهم لأرض المحشر. أنا كثيراً عندما أكون في الطريق إلى عرفة في الحج وأجد الجنود يوجهون إلى أرض عرفة والناس في ثياب الإحرام سبحان الله أتذكر يوم الحشر! بعض السائقين يريد أن يخالف الطريق ويحاول أن يأخذ طريقاً آخر فيقال له ارجع إلى الطريق من هنا، مسيرك إلى هنا، اتجاهك إلى هنا، يحاولوا أن يتفلتوا.
د. الشهري: فهم يوزعون
د. مسلم: فهكذا عندما ينتشر الناس كالجراد والفراش الملائكة تسوقهم إلى أرض المحشر فيحشرون في أرض المحشر
د. الشهري: ويبدو لي أن هذا المشهد الحج أنه مشهد مصغر صورة مصغرة للآخرة ليوم الحشر الأكبر. أستأذنك لعلنا نقف فاصل ثم نستأنف حديثنا. فاضل أيها الإخوة المشاهدون نشاهد فيه سؤال هذه الحلقة ثم نعود لموصلة حديثنا مع د. مصطفى مسلم
——————-
فاصل – سؤال المسابقة
في قوله تعالى (تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ) ما هو تفسير كلمة (سِجِّيلٍ)؟
1. نار
2. طين متحجر
3. طين متفتت
———————-
د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى ما زال حديثنا متصلاً مع ضيفنا الدكتور مصطفى مسلم عن سورة القارعة. نعود يا شيخنا للحديث عن قوله تعالى (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) كنت تصف هذه السورة وتقارن بينها وبين محشر الناس يوم عرفة في مناسك الحج.
د. مسلم: الشق الثاني قضية الجبال، الجبال ذُكِرت في القرآن الكريم لها مراحل (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) الحاقة) هذه مرحلة، المرحلة الثانية بعد هذا الدكّ تصبح كثيباً مهيلاً (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا (14) المزمل) كثيب مثل الرمال غير المتماسك يعني هذه الجبال الضخمة الهائلة الشديدة القوية بصخورها تصبح كالرمال كثيباً مهيلاً عندما ينزل يتفتت لا يتماسك. في مرحلة من المراحل وإذ بالجبال تُنسف نسفاً وفي مرحلة (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) النبأ) مثل السراب الذي نراه أمامنا لا تماسك. الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن أن الجبال هي أمان للأرض، أوتاد، في حديث له. وجود الرسول صلى الله عليه وسلم أمانٌ لصحابته فإذا ذهب الرسول جاءهم ما لم يتوقعوه -من الفتن- والكواكب أمانٌ للسماء فإذا زالت الكواكب أتاها من أمر ربها ما ينتظرها والجبال أمانٌ للأرض فإذا زالت الجبال جاء الأرض ما ينتظرها من أمر الله سبحانه وتعالى. فهذه الجبال عندما تزول عن أماكنها وهي بهذه الضخامة اختل ميزان الكون كله! كل ميزان الكون اختلّ ولذلك يأتي الأرض هذه الأمور
د. الشهري: (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا (14) المزمل). لماذا خُصص الإنسان والجبال في هذا؟ لماذا قال (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ﴿٤﴾ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ﴿٥﴾)؟ ما العلاقة بين الجبال وبين الإنسان؟
د. مسلم: أنا ما اطلعت على رأي للمفسرين ولكن أجتهد من عندي: كأن الإنسان في قرارة نفسه في أنه باقٍ وأنه في مكانه ولا يؤثر عليه شيء وإذ به توقعه زال فصار كالفراش المبثوث، كالجراد المنتشر، هذه القوة في نفسه أو الاعتداد بنفسه زال وتطاير أمام الأحداث لهول ما. الجبال التي هي أمان للأرض وهي الثوابت ويظن أنه لا يزعزها شيء، ناحية مادية في الجبال وناحية معنوية في إزالة هذا الإنسان من الاعتماد على نفسه
د. الشهري: وأنت تعلل بهذا التعليل أتذكر أشعاراً كثيرة في الأدب العربي تشير إلى أن الإنسان يضرب المثل بالثبات والبقاء بالجبال كما يقول مثلاً “فإني مقيمٌ ما أقام عسيب” عسيب اسم جبل، يرون أن الجبل لا يتحرك فيقول أنا مقيم مثل هذا الجبل لا يتحرك فإذا زال الجبل عرف الإنسان أن ما دونه زائل. ثم بعد ذلك قال (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴿٦﴾ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ﴿٧﴾) وقفة مع هذه الآيات العظيمة.
د. مسلم: في هذا اليوم طبعاً بعد حشر الناس إلى أرض المحشر ووضع الموازين القسط ليوم القيامة، لا ظلم هنالك. طبعاً هنا في قضية الموازين هناك أحاديث مبشِّرة كثيرة جداً للمؤمنين للمسلمين. يؤتى الإنسان وإذ به عمل من الأعمال السيئة الكثيرة مثل الجبال فيوضع في كفة الميزان سيئاته، ألك حسنة يا فلان نضعها في الميزان الآخر لنرى أيها أثقل؟ فيقول لا، ما عندي، كلها سيئات، قال لك أمانة عندنا وهذا اليوم يوم أداء الأمانات إلى أصحابها، لك كلمة التوحيد “أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله” هذه قلتها خالصة لم تنقضها فتأتي ببطاقة فيقول يا رب هذه البطاقة ماذا تعمل مع جبال من السيئات؟! فتوضع في الكفّة ولا يُثقل كلمة التوحيد شيء وإذ بها تنزل تكون ثقيلة والكفة الأخرى تصعد في السماء.
د. الشهري: وهذا المشهور في حديث البطاقة كيف أن البطاقة التي فيها شهادة التوحيد ترجح بكل تلك الحسنات، نسأل الله من فضله
د. مسلم: يؤتى يوم القيامة بأناس ويُقرّون على أنفسه على رؤوس الأشهاد يُفضحون هؤلاء المجاهرون بالذنوب والمعاصي والعياذ بالله، أما يأتي بإنسان عمل معصية بينه وبين ربه وستر نفسه وأراد أن يسترها فيلقي الله سبحانه وتعالى كَنَفه عليه يستره ويقرره بينه وبينه يا فلان أما عملت يوم كذا كذا؟ يقول بلى يا رب، يقول سترتها لك في الدنيا واليوم أغفرها لك. يأتي خصوم متخاصمين اعتدوا على بعضهم، الله سبحانه وتعالى يقول للذي أُكل حقه واعتدي عليه أنت تريد تعذيب هذا أو تريد الوصول إلى حقك؟ يقول يا رب أنا أريد حقي ولست محتاجاً لأي شيء، فيقول له اعفُ عنه وأعوّضك أضعاف ما تستحق فيعفو عنه وإذ به يقول خذ بيدك صاحبك وادخلا الجنة
د. الشهري: لا إله إلا الله! والله ذو الفضل العظيم
د. مسلم: قضية التحدي لله سبحانه وتعالى وقضية المجاهرة بالمعصية (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء (116) النساء) المجاهِر والمتحدي والمشرك هؤلاء لا كلام معهم ولا مجال
د. الشهري: والنبي صلى الله عليه وسلم قال “كل أمتي معافى إلا المجاهرون”
د. مسلم: المهم أن الإنسان يحسن الظن بالله سبحانه وتعالى وبإذن الله تكون كفة الحسنات هي الثقيلة الذين تثقل موازينهم هم هؤلاء الذين نجوا ونجحوا
د. الشهري: ونلاحظ كيف أن كلمة التوحيد لله سبحانه وتعالى وأن هذه القضية هي أم القضايا التي ينبغي للمسلم أن يعتني بها وهي توحيد الله سبحانه وتعالى وإخلاص التوحيد لله سبحانه وتعالى وانظر كيف نفعت هذه البطاقة هذا الرجل وتخيل فرحته يوم القيامة وهو قد أيقن بالهلاك عندما وزنت أعماله ثم تأتي هذه البطاقة فتدخله الجنة!! نسأل الله من فضله.
د. مسلم: مرّ معي بعض الأحاديث أن الصحابة أبو بكر وكبار الصحابة كانوا يبكون :أيّنا ما عصى؟ أيّنا لم يظلم نفسه؟ فبين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم “لئن لم تذنبوا لذهب الله بكم وأتى بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم” تجليات صفات الله سبحانه وتعالى المغفرة والرحمة هذه تتجلى في هذه الأمور، فقضية أن نكون مثل الملائكة فأين مجال المغفرة؟ كيف تظهر هذه؟ ولذلك الإنسان المهم لا يصرّ على ذنب ولا يجهر به ولا يتحدّى الله سبحانه وتعالى بهذا الأمر والأمور كلها ميسرة إن شاء الله.
د. الشهري: لا إله إلا الله! نسأل الله من فضله فهو ذو الفضل العظيم. في قوله (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴿٨﴾ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴿٩﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ﴿١٠﴾) ما معنى (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ)؟
د. مسلم: (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) أي هي النار، الأم دائماً هي التي تحتضن والتي يُرجع لها فشُبهت النار كأنها عندما تضم هؤلاء الناس ويحشرون إليها كأنهم حشروا إلى أمهم التي تضمهم إلى جنباتها. العيشة الراضية هي العيشة المرضي عنها، هنا اسم فاعل بمعنى اسم مفعول. عيشته راضية طبعاً إذا رضي الله عنه وثقلت موازينه وتجاوز الصراط وشرب من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل الجنة حياة سعيدة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ويتوّج كل ذلك بالنظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى الكريم في ذلك اليوم العظيم.
د. الشهري: لا إله إلا الله! كم أعدّ الله سبحانه وتعالى من النعيم لأوليائه من المؤمنين وكم توعّد أعداءه به من الجحيم! والموفَّق من يوفَّق إلى العمل والاستجابة.
د. مسلم: والحمد لله على دين الإسلام نحمد الله ليلاً نهاراً أن خلقنا في بيئة مسلمة، لو كان أحدنا خلق في بيئة بوذية أو بيئة هندوسية قلّما الإنسان يخرج من بيئته ويخالفها ويصل إلى الحق. ولذلك من أكبر النعم أن الإنسان يُخلق في بيئة مسلمة ومن أبوين مسلمين ويتلقن التوحيد من أول يوم يرى النور في هذه الدنيا، هذه نعمة من الله سبحانه وتعالى عظيمة.
د. الشهري: في قوله هنا (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) هناك بعض التفاسير التي تقول (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) يعني أم رأسه هاوية في الجحيم والمؤدّى واحد
د. مسلم: ينكبّ على أم رأسه في هذه الهاوية التي في حديث صحيح كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في المدينة فسمع دوياً، وجبة، فقال لقد هوى في جهنم حجر منذ سبعين سنة وصل إلى قعرها اليوم. سبعين سنة هذا يدل على بعد القعر!. الشيخ سعيد النورسي له تفسير يقول الرسول صلى الله عليه وسلم أحياناً يلمِّح تلميحات تلميحاته أحياناً تكون دقيقة يقول فنظروا وإذ بأحد المنافقين مات عمره سبعين سنة كأن هذا الحجر تمثيل لهذا الإنسان الذي بقي سبعين سنة على كفره ونفاقه مات هذا اليوم فيصل إلى قعر جهنم.
د. الشهري: أستأذنك نأخذ الفاصل الأخير. فاصل أيها الإخوة ثم نعود لمواصلة حديثنا مع شيخنا الدكتور مصطفى.
—————-
فاصل – تعريف بمركز تفسير للدراسات القرآنية – مطبوعات مركز تفسير
——————–
د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى. ما زال حديثنا متصلاً مع ضيفنا الدكتور مصطفى مسلم عن سورة الزلزلة والقارعة ولعلنا ندخل إن شاء الله الآن في سورة التكاثر قبل ذلك نشاهد الفائز أو الفائزة في حلقة الأمس ونسأل الله للجميع الفوز في الدنيا والآخرة.
الفائز في سؤال الأمس: قاسمية عبد القادر من الجزائر
سورة التكاثر
د. الشهري: نعود إلى سورة التكاثر نختم بها حديثنا في هذه الحلقة المباركة وهي سور على قِصَرها إلا أنها سور مخيفة وتزلزل القلب
د. مسلم: حكمة الله سبحانه وتعالى السور القصيرة مثل الشعارات تُضمّن معاني كبيرة جداً وبآيات وألفاظ مختصرة حتى يستطيع الإنسان أن يرددها دائماً يترنّم بها يرددها فترسخ هذه في أعماق قلبه في اللاشعور عنده. ولذلك السور القصيرة هذه في غاية الأهمية تلقينها للصغار وهذه عادة المسلمين قد يبدأون بالسور القصيرة ثم بعد ذلك حتى تتسع دائرة الثقافة
د. الشهري: سورة التكاثر يا دكتور، اسم السورة هل هذا هو الاسم الوحيد لها؟
د. مسلم: لا، هناك عدة أسماء تسمى سورة التكاثر وسورة “ألهاكم التكاثر” وبعض المفسرين سماها سورة المقبرة، المقابر ما ذُكرت في القرآن الكريم إلا في هذه السورة ولذلك إذا سميت بشيء يميزها عن غيرها من السور، سورة المقابر
د. الشهري: باعتبار هذه اللفظة “المقابر” وإلا قد ورد (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) عبس) في سورة أخرى لكن المقابر بالذات
د. مسلم: ما جاء بهذا اللفظ إلا في هذه السورة. سورة مكية بالاتفاق وطبعاً نحن نعرف أنه ما جاءت كلمة (كلا) في سورة مدنية
د. الشهري: إلا في هذه السورة
د. مسلم: لا، في سور كثيرة فيها (كلا) لكن كلها سور مكية
د. الشهري: إلا في هذه السورة
د. مسلم: لا، التكاثر مكية أيضاً
د. الشهري: أكمل وسأذكر لك الاعتراض الذي عندي. أنا كنت أعرف هذه المعلومة وربما أنت الذي درستنا إياها في الماجستير أن التكاثر هي سورة مكية حتى وقعتُ من قريب على كنت ذكرت بيتاً من الشعر وهو قول الديريني
وما نزلت كلا يثرب فاعلمن وما وردت في الذكر في نصفه الأعلى
فجاء أحد الطلاب وقال يا شيخ الحديث حديث صحيح أنه يقول عبد الله بن مسعود: ما كنا نظن أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كان لابن آدم وادياً من ذهب لابتغى إليه ثانياً ولو كان له واديان لابتغى إليهما ثالثاً، فيقول كنا نظنها من القرآن، هذا الحديث حتى نزلت سورة التكاثر في المدينة، فقال السيوطي رحمه الله وكثير من المفسرين يظنون أن هذه السورة مكية وهي في الحقيقة مدنية والحمد لله الذي هداني لهذا، فهذه معلومة ما أدري ما رأيك فيها؟
د. مسلم: والله لا أدري أنا ما اطلعت على قول من يقول بمدنيتها ولكن من جملة العلامات التي يميزون بها السور المكية عن المدنية ورود كلمة (كلا) فهذه من الأمور العامة. فما أدري قول ابن مسعود قد يكون مثلاً حتى ورد عن سيدنا علي أنهم كانوا يشكّون في عذاب القبر هل هو موجود حتى نزلت سورة التكاثر، هل هذا يمنع أن تكون مكية عندما نزلت حتى عرفوا وجود عذاب القبر أو أن التكاثر من كان له ودايان من ذهب
د. الشهري: لعل هذه قرينة وهي مسألة للبحث
د. مسلم: أنا إذا قال الجمهور بشيء أحب أن أتبع رأي الجمهور وأنا مطمئن إلا إذا وجد دليل كبير جداً وحجة شبه قاطعة آخذ بالدليل أما الأصل الجمهور فيهم الكبير والصغير أئمة كبار عندما يُجمعون على قول فنقول بضعفه ونخالف الرأي!
د. الشهري: إذن هذا بالنسبة لنزولها وبالنسبة لاسمها، بالنسبة لموضوع السورة يا دكتور؟
د. مسلم: محورها ذمّ الاشتغال بالدنيا والتذكير بالمصير في الآخرة. الواحد إذا اشتغل بالدنيا وما نسي آخرته لا بأس أما إذا اشتغل بالدنيا فنسي الآخرة فهذه الطامة الكبرى عليه ولذلك (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) التكاثر ما قُيد بشيء، التكاثر تستكثر من كل شيء، لو قُيّد بالمال انصرف إلى المال وهذه عظمة الأساليب القرآنية عندما يأتي بكلمات ويحذف الجار والمجرور منها ويحذف المفعول ويحذف الظرف حتى يتوجه العقل أو الفكر إلى كل محتمل، كل ما يحتمله التكاثر أنتم حريصون عليه تلتهون به، تكاثر في المال هذا المتبادر إلى الذهن، التكاثر في الأولاد، التكاثر في الرجال والقوة، التكاثر في الجاه،
د. الشهري: في الشهادات،
د. مسلم: في المناصب، في الوجاهات هناك صورة كثيرة جداً للتكاثر لا تستطيع أن تحصيها وكل واحد له رواية في التكاثر قد يكون مجموعة هناك ناس يريدون التكاثر من المعجبين كلمة الإعجاب تأتيهم! هذا نوع من التكاثر! كما تفضلت التكاثر في الشهادات بعض الناس يقول الدكاترة فلان! من كثرة شهادات الدكتوراة التي يحملها!
د. الشهري: ألا يمكن أيضاً في قوله (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ (20) الحديد) أن هذه من أبرز صور التكاثر؟
د. مسلم: الأموال والأولاد هذه طبيعة في كل إنسان لكن هناك تكاثرات محددة وهناك بعض أمور يتكاثر بها لكن أُطلق حتى يشمل كل التكاثر
د. الشهري: ما يُشغل عن الآخرة من أنواع التكاثر في الدنيا
د. مسلم: (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) جاءكم الموت وإذ بالأمور المتكاثرة، الأموال، أنا عندما أجد المليونير أو المليادير الفلاني مات وترك كل هذه الأمور خلف ظهره! الجاه والسلطة والقوة عندما كان يتكلم كان يهتز الناس من خوف جبروته وكلامه وقوته وبطشه وإذا به صار جثة هامدة ألقي به في حفرة من هذه الحفر! الإنسان لو تذكر قضية المقابر وزيارة القبور ولذلك الرسول أمر بزيارة القبور، كان نهى عنها خوفاً من قضية الشركيات ولكن في الأخير اطمأن لهم وسمح لهم
د. الشهري: ألا إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة
د. مسلم: الإنسان عندما يقف على هذا القبر ويجد هذا الإنسان الذي كان مكانته أو علمه – أنا ما أتأسف إلا على العلماء عندما يتوفّون، العالِم أخذ معه هذا العلم وانقطع طريق إيصاله حتى لو كان عنده مؤلفات ليس كالتلقي، العلم والمشافهة والتأثير على طلبة العلم وتربيتهم الحقيقة موت العالم فقدٌ كبير جداً لطلبة العلم
د. الشهري: والنبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه وإنما يقبض العلم بموت العلماء. انتهى وقتنا يا شيخنا فهل تعطينا في نصف دقيقة لفتة أخيرة؟
د. مسلم: الموضوعات الأساسية في سورة التكاثر انشغال الناس بمغريات الدنيا وذمّ هذا الانشغال لأنه صرفهم عن الآخرة، سؤال الناس جميعاً عن أعمالهم الدنيوية يعني هذه الأمور التي تتكاثر فيها كلها ستحاسب عليها من أين لك؟ وفيم أنفقت؟ وماذا عملت؟ وهل شكرت الله سبحانه وتعالى عليها؟ هذه كلها أمور أساسية. التهديد برؤية الجحيم والسؤال عن النعيم الدنيوي عندما يرى الجحيم وإذ به تتغير حاله بالكلية!
د. الشهري: (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴿٦﴾ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴿٧﴾ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴿٨﴾). أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياك شيخنا النعيم في الدنيا والآخرة وأسأل الله يا دكتور مصطفى أن يجعل ما قدّمت في موازين حسناتك وأن يتقبل منك. شرفنا بك في هذا الرمضان أكثر من مرة واستفدنا كثيراً. أيها الإخوة المشاهدون الكرام باسمكم جميعاً أشكر أستاذي وشيخي الدكتور مصطفى على ما تفضل به كما أشكركم أنتم أيضاً على متابعتكم وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من عباده المخلصين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وأراكم غداً إن شاء الله وأنتم على خير. في أمان الله.