برنامج أضواء القرآن

أضواء القرآن – الحلقة 6 – جمع القرآن وترتيبه

اسلاميات

الحلقة (6)

عنوان الحلقة: جمع القرآن الكريم وترتيبه .

 

ضيوف الحلقة :

– أ.د. زيد عمر عبدالله العيص، أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود .

– د. مساعد بن سليمان الطيار، الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود .

ويدير اللقاء د. عبدالرحمن بن معاضة الشهري ، الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود .

——————————-

د. عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا وسهلًا بكم في برنامجكم “أضواء القرآن”. اليوم، بإذن الله تعالى سوف يكون حديثنا عن موضوع “جمع القرآن الكريم”، سوف نتحدث عن تاريخ جمع القرآن الكريم منذ نزوله حتى وصل إلينا اليوم محفوظاً من اليادة والنقصان. سوف نتحدث عن مراحل هذا الجمع وعن ظروف هذا الجمع وكيفياته وما يتعلق به من مسائل بإذن الله تعالى. ويسعدنا أن نستقبل أسئلتكم واستفساراتكم على هواتف البرنامج ووسائل التواصل التي تظهر تباعاً على شاشة التلفزيون. باسمكم جميعًا أيها الإخوة المشاهدون يسعدني أن أرحب في هذا اللقاء بضيفيّ الكريمين في هذا اللقاء فضيلة الأستاذ الدكتور زيد عمر عبدالله العيص، أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود وفضيلة الشيخ الدكتور مساعد بن سليمان الطيار رئيس المجلس العلمي بمركز تفسير للدراسات القرآنية والأستاذ المشارك بالدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود الإسلامية، فحياكم الله وبيّاكم وأهلاً وسهلاً بكم. وقبل أن ندخل في الحوار نشاهد هذا الاستطلاع الذي أجريناه على عيّنات عشوائية من طلاب الجامعة ثم نعلق على هذا الاستطلاع وندخل في حوارنا بإذن الله تعالى.

*.*.*.*.* استطلاع *.*.*.*.*.*

أسئلة الاستطلاع:

متى جُمِع القرآن الكريم؟

هل رتّب الرسول صلى الله عليه وسلم سور القرآن أم كان ذلك من اجتهاد الصحابة؟

*.*.*.*.*.*.*.*

الدكتور عبد الرحمن الشهري: حيّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون بعد هذا الاستطلاع الذي أجريناه على عينة عشوائية من طلاب الجامعة حول معرفتهم بالمقصود بجمع القرآن وترتيب سور القرآن الكريم هل كان باجتهاد من الصحابة أم كان بتوقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم؟ نستمع لتعليقكم دكتور زيد ونرحب بك دكتور زيد، تعليقك على هذا الاستطلاع أولاً ثم ندخل في حديثنا إن شاء الله.

الدكتور زيد العيص: بسم الله، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى والسلام عليكم وعلى المشاهدين والمشاهدات جميعاً. هذه العينات أولاً تبعث الفرح لأن طلابنا متابعون لهذه القضية لكنها في الوقت نفسه تثير شيئاً من الإشكالات مما يدل على أن لدى بعض طلابنا ثغرات وعثرات حين يطرحون هذا الموضوع

الدكتور عبد الرحمن الشهري: يعني المسألة غير واضحة عندهم

الدكتور زيد العيص: وهذه العينات أعجبتني لأنها تشهد لهذا البرنامج وأن الدواعي قائمة لطرح هذا الموضوع بعد الذي استمعنا إليه من الطلاب جزاهم الله خيراً.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: نبدأ بالحديث عن جمع القرآن، دعنا نبدأ من أول القصة، أول قصة جمع القرآن الكريم.

الدكتور زيد العيص: بسم الله الرحمن الرحيم. أنا أودّ أن نطرح قبل أن نخوض في التفصيلات التي ينتظرها المشاهد والذي يتوقع المشاهد أن نبدأ بها أود أن أقدم بمقدمات تدعو الحاجة إليها لأننا نتحدث عن القرآن لفا بد أن نستحضر في حديثنا عن الجكع أننا نتحدث عن جمع القرآن الكريم. أولاً: هذا القرآن هو النداء الأخير من الله للبشرية وهو الفرصة الأخيرة التي منحها الله للبشرية لا كتاب بعده، ومن هنا تقتضي رحمة الله ويقتضي عدله لخلقه أن يبقى هذا النداء محفوظاً ومتميزاً عن باقي الكتب، هذه مقدمة لا بد منها، يشهد لها أن القرآن من السماء كان بيد أمين وهو جبريل عليه السلام وهو نازل من السماء طهّر الله له الطريق ومهدها حين أزاح منها الجنّ (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9) الجن) ولهذا الجنّ قالوا (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) الجن) فقد أراد بهم الخير والرَشَد. فلما نزل إلى الأرض أودعه بيد أمينٍ أيضاً ورعاه الله تعالى ولهذا لما نزلت هذه الآية المشهورة جداً والتي لا بد من استحضارها في كل مرحلة حين كان جبريل عليه السلام يلقّن الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآيات جاءت في سورة القيامة فإذا قلنا أن هذه الآيات هذا محلها في السورة وهذا ما نميل إليه في كل المواطن أن كل آية هذا محلها ما لم يرد دليل قوي يُخرجها، هذه السورة ترتيبها تقريباً الثلاثين بين السور، معنى ذلك لما بدأت السور على النبي صلى الله عليه وسلم بحسّه البشري عليه الصلاة والسلام أراد أن يبذل مزيداً من الجهد ليحفظ القرآن حتى لا يتفلت منه شيء فلفت الله سبحانه وتعالى انتباهه إلى أنك تتعامل مع نص مختلف له ميزة، الرسول صلى الله عليه وسلم بشر يرى الناس حوله يبذلون جهداً لحفظ الشعر ونصوص البشر فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبذل هذا الجهد وهذا جهد منه عليه الصلاة والسلام مشكور عليه ومأجور، فقال له لا، هذه أولى ميزات هذا النص أن الحفظ لنا وليس لك قال (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)) لماذا؟ (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)) نحن الذي نجمعه ونحن الذي نقرأه ونقرئك إياه (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)) البيان هنا ليس بيان الشرح والتوضيح، لا، بيان النص، بيانه للناس علينا من خلال لسانك وجمعه علينا وقرآءته علينا، إذن من البداية الجمع والبيان بمعنى التلاوة والقرآءة كلها أُسندت لله سبحانه وتعالى والاتّباع للرسول صلى الله عليه وسلم، من البداية ليست للرسول عليه الصلاة والسلام ولهذا الحديث في البخاري ومسلم كما تعلمون، بعد ذلك كان إذا جاءه جبريل بالوحي أطرق النبي فإذا ذهب جبريل حفظه عن ظهر قلب، هذا النص له خصوصية، خصوصية الحفظ مباشرة.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: إذن نحن يمكن أن نقول أن الآية التي في سورة القيامة تعتبر هي أصل الجمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

الدكتور زيد العيص: نعم، وبعده، لأن هذا العهد الذي قطعه الله تعالى على نفسه بصيغة (علينا) هذا مستمر ويلحقها قوله تعالى (سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى (6) الأعلى) والنفي هنا للنفي وليس للنهي يعني سنقرئك ولن تنسى شيئاً إلا ما شاء الله، موضوع النسخ إذا نسخ منه شيء.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: أضف إلى ذلك الآية التي في سورة الحجر (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)) تدل أيضاً على المعنى الذي ذكرته

الدكتور مساعد الطيار: وكلها مكية

الدكتور زيد العيص: وكلها مكية ابتداء وهذه قضية تحقق من البداية بمعنى أن جمع القرآن بمعنى الحفظ في الصدر هو مما تعهد الله تعالى به وبالتالي كل كلام بعد ذلك هو نوع من التوضيح والبيان لهذه الحقيقة الكبرى.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: هذا يصحح المعلومة التي ذكرها الشباب عندما قيل متى جمع القرآن؟ قالوا في عهد أبي بكر

الدكتور زيد العيص: هم معذورون لأننا حين يُدَرّسون أحياناً لا يوضّح لهم قضية في غاية الأهمية وهي أن للجمع دلالات ومراحل، حين نقول أركان الإسلام يتبادر إلى الذهن مباشرة أنها خمسة ولكل منها توصيفه الخاص به، وحين نقول جمع القرآن يجب وجوباً أن يتبادر إلى ذهني – من يريد أن يصل إلى حقيقة هذه القضية- أن يتبادر إلى ذهني مباشرة أربع مراحل وكل مرحلة للجمع فيها معنى وللجمع فيها دواعي وللجمع فيها خصوصية، لا بد من هذا. ولهذا لما نسأل الطلاب، لو سألني أحد متى جُمِع القرآن؟ لا أجيبه أقول له ماذا تريد بالجمع؟ وأيّ مرحلة تريد؟ وأيّ معنى تريد؟ أتريد الجمع في الصدر الذي أسنده الله لنفسه العليّة؟ أم تريد الجمع في السطر الذي أُسند إلى ثلاثة أولهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عثمان بعد ذلك، فلا بد من التفصيل، السؤال الذي طُرح للإخوان هم معذورون في هذا الجواب ونحن نوضّح لهم هذه المسألة

الدكتور عبد الرحمن الشهري: إذن نخلص من هذه النقطة إلى أن بدء الجمع كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأن الجمع يُطلق على الجمع في الصدر وعلى الجمع في الكتابة في السطر

الدكتور زيد العيص: نحن ما تكلمنا عن الجمع في الكتابة، نحن تكلمنا عن تمهيد لمعنى الجمع وأصله في كتاب الله. تأذن لي أُكمِل في دقيقة واحدة: هذه الحقيقة الكبرى حقيقة أن الله تعالى تكفّل بالحفظ هيأ لها أسباباً: أنزله في أمة عربية، هذه الأمة أمة حافظة واستوقفني وأعجبني قول لجرجي زيدان الأديب النصراني المشهور قال: هذه الأمة أمة حافظة اتّسعت ذاكرتها لتراثها وتراث الأمم الأخرى ولم نعرف أمة نقلت لنا تراث غيرها مع تراثها إلا الأمة العربية. كلام جميل! فأمّة ذاكرتها تتسع لهذا الكمّ الهائل من الطبيعي أن تتسع للقرآن بخاصة أنه أول كتاب للعربية، هذه نقطة مهمة، كل الماس تفرح بالكتب، أول كتاب عند العرب فسُرّوا به كثيراً،

الدكتور عبد الرحمن الشهري: كتاب سماوي

الدكتور زيد العيص: وحتى كتاب غير سماوي، بمعنى كتاب العرب لم تعرف إلا هذا الكتاب ولهذا يقال (ذلك الكتاب) لا يتبادر إلى الذهن غيره.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: فتح الله عليك! إذن هذا الجمع د. مساعد (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) يمكن أن نفصّل في مسألة الجمع بمعنى الحفظ في الصدر والجمع في الكتابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كيف كانت؟

الدكتور مساعد الطيار: تتمة لكلام أستاذنا الدكتور زيد في قضية الدواعي والأسباب وهذه الحقيقة تُغفَل عند كثير ممن يتكلم عن الحفظ في الصدور وأنا أرى أن الأصل هو الحفظ في الصدور وهو الذي تناقلته الأجيال جيلاً بعد جيل إلى اليوم ولهذا ورد عند من يكتبون في التصحيف قال: لا تأخذوا القرآن من مُصحفيّ يعني ممن يقرأ من المصحف لم يسمعه، وأنت تجلس يوم الجمعة ويجلس بجوارك وجيه كبير يقرأ سورة الكهف يقع في أخطاء كثيرة  لأنه يقرأ من المصحف لم يتلقّى، فهذه خاصية في القرآن مهمة جداً خاصية التلقي وأنه لا يمكن للقرآن إلا أن يُتلقى بهذه الطريقة. فهذه مسألة أرى أنها مهمة جداً ويُغفل عنها في حال الحديث عن القرآن وهي خصائص هذه الأمة التي نزل فيها هذا القرآن وصارت وعاء له فهذه يؤكد عليها. في مرحلة الجمع التي ذرها شيخنا الدكتور زيد في قضية الحفظ في الصدور أيضاً هناك قضية مهمة أخرى وهي مع عناية الله تعالى في الضمائر كما ذكر شيخنا (سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى) (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) مع كل هذه الضمائر أيضاً الرسول صلى الله عليه وسلم كان له دور آخر وهو ذكر فضائل السور وفضائل قرآءة القرآن فجعلت هؤلاء الصحب الكرام يعنون كثيراً بحفظه

الدكتور زيد العيص: ما من موضوع حظِي بترغيب وترهيب كما حظي به القرآن الكريم، عشرات الأحاديث في الترهيب من نسيانه والترغيب في حفظه بل كان ميزاناً لدرجة أنه جعل الأكثر حفظاً يقدّم في القبر

الدكتور مساعد الطيار: هذه قضية أيضاً مهم جداً التركيز عليها أو ابرازها بحال الحديث عن جمع القرآن. وكما ذكر شيخنا قبل قليل مسألة نزول القرآن هذا ليس أمراً عادياً وليس كتاباً عادياً وإنما هو كلام الله سبحانه وتعالى فهيّأ الله سبحانه وتعالى له جملة من أسباب حفظه خاصة فيما يتعلق بالصدور مثل ما ذكرنا أولاً كزنه كلام الله سبحانه وتعالى وعناية الرسول صلى الله عليه وسلم به، أن الله سبحانه وتعالى تكفّل بحفظه بذاته، وكذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم رتّب أجوراً على حِفظه وأيضاً أن هذه الأمة أمة حفظ في الأصل فإذا سمعت هذا الكلام وما يحفّه من هذه الأمور فإنها تتلقاه وتحفظه ولذا نسمع سريّة القراء سبعين من القرآء قُتلوا، كثير من الصحابة كانوا يوصفون بأنهم من القُرّاء وهذا دليل على شيوع حفظ القرآن بين الصحابة كما سيأتي في حال جمعه في عهد أبي بكر.

الدكتور زيد العيص: لا يحسُن بنا أن نُجرّ إلى ساحات بحث تسيء إلى هذا الموضوع بمعنى حين الحديث عن جمع القرآن وما يسميه بعض المعاصرين بالتوثيق يسلطون الضوء دائماً على موضوع الكتابة فيجدون ثغرات، الكاتب واحد، والكتابة كانت على قطع من الجلد، على قطعة كذا،فتجد ثرات! هذه القضية بالنسبة لنا في محيط دراساتنا مسألة تكميلية لو لم تكن الرسول فالأمر عادي جداً، إنما الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكتب ليس للتوثيق وليس للحفظ وإنما يكتب لبيان جواز كتابة هذا المصحف لمن بعده فقط وإلا فهو محفوظ في الصدور، هذه مسألة ثانوية كانت.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: دعونا نتحدث د. مساعد في مسألة كتابة القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، الرسول صلى الله عليه وسلم كانت يستمع إلى القرآن من جبريل ثم يدعو كُتّاب الوحي فيكتبونه فهو أيضاً بالإضافة أنه كان يحفظه في صدره كان يأمر بكتابته وتوثيقه في الكتابة، كيف كانت هذه المرحلة؟ وكيف كانت الأدوات التي يُكتب بها؟

الدكتور مساعد الطيار: القضية الأولى التي نؤكد عليها أن الأصل هو المقروء والمرسوم هو تبعٌ لهذا المقروء، هي قاعدة كلية ومثل ما ذكرنا في قضية المقروء لم ينتقل المصحف إلا بهذه الطريقة بطريقة القرآءة

الدكتور عبد الرحمن الشهري: واحد يأخذ عن واحد

الدكتور مساعد الطيار: نعم، والتدوين أو الكتابة تأتي تبعاً. الرسول صلى الله عليه وسلم عُني بعد ضبطه في الصدور عُني بجفظه في السطور وهذا قد دلّ عليه القرآن في آيات مثل بداية سورة البقرة (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ (2)) ما دام وصف بالكتاب إذن سيكون مكتوباً وفي قوله في سورة البيّنة (رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)) وقال (فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ (13) عبس) إذن عندنا مجموعة من الآيات التي أشارت إلى أن هذا المقروء سيكون مكتوباً يوماً ما. فإذن بادر النبي صلى الله عليه وسلم ببداية الكتابة واتخذ له مجموعة من كتّاب الصحابة علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان من كُتّابه وكذلك معاوية وإن كان متأخراً كان من كُتّابه لكن أخصّ هؤلاء الكُتّاب كلهم زيد بن ثابت

الدكتور زيد العيص: وصل عددهم إلى أربعين كاتباً

الدكتور مساعد الطيار: وهناك كتاب في كُتّاب الوحي، وكتاب آخر “كُتّاب النبي صلى الله عليه وسلم”. وزيد بن ثابت يمثّل لنا فكرة جميلة لو نطرحها للمشاهدين بعض الدورات العلمية الآن أنك تُهيئ باحثاً علمياً خاصاً بقضية معينة والرسول صلى الله عليه وسلم كأنه هيّأ هذا الغلام أن يكون مختصاً بالوحي ولذا كان يقول: ادعوا لي زيداً، فكلما نزلت آية أو مجموعة من الآيات دُعيَ لها زيد بن ثابت يأتي ويكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم وله في ذلك قصصاً معروفة. وبدأ يدوّن المصحف وعليه اعتُمِد في الكتابة. ولكن أيضاً كما قلنا قبل قليل أن الكتابة هي تبعٌ للمقروء فزيد بن ثابت جمع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم المصحف، الآثار الواردة عندنا

الدكتور عبد الرحمن الشهري: عفواً دكتور زيد بن ثابت هو أنصاري وحديثه بعد الهجرة فكيف كان الحال قبل الهجرة؟ ألم يكن أيضاً يُكتَب؟

الدكتور مساعد الطيار: أنا تركتها قصداً لأن حصل فيها وأنا كنت كتبت في كتابي “المحرر” أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعنى بكتابة الآيات في مكة لأنه لم يكن ذا سيادة صلى الله عليه وسلم بخلاف المدينة وبعض الناس قالوا لا، كتب، وأثار زوبعة أنه كتب وكل الأدلة التي ذُكِرت آثارها ضعيفة جداً أو قد يكون في درجة الموضوع لكن في العهد المدني

الدكتور زيد العيص: لكن هذا لا ينفي أنه كتب،

الدكتور مساعد الطيار: لا ينفي وجود الكتابة لكن لم يُعنى

الدكتور زيد العيص: دواعي الكتابة في المدينة الأصل أنها موجودة في مكة ولعل صحيفة فاطمة فيها إشارة

الدكتور مساعد الطيار: فيها إشارة مع ضعفها

الدكتور زيد العيص: بالمناسبة مثل كثير من هذه الأخبار نأخذها بالشُهرة

الدكتور مساعد الطيار: لا شك، لكن المقصود لفظة “العناية”

الدكتور عبد الرحمن الشهري: أيضاً يمكن أن يضاف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن كتابة غير القرآن في البداية “لا تكتبوا عني غير القرآن ومن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحُه” وهذه يبدو أنها كانت أظهر في مكة

الدكتور مساعد الطيار: لا أعرف لكن عموماً أيّاً ما كان المقصود فالكتابة في العهد المدني كانت أظهر وهي التي برزت فيها كتابة المصحف. الصحابة رضي الله عنهم في العهد المدني وهذه أيضاً من القضايا المهم النظر إليها في ما يتعلق بواقع المجتمع، كم كان عدد هذا المجتمع؟ ما هي الأدات التي كانت بين يديهم؟ وكيف كتبوا القرآن بهذه الأدوات؟

الدكتور عبد الرحمن الشهري: ما هي الأدوات التي كتبوا بها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟

الدكتور زيد العيص: كما ذكرنا قبل قليل نؤكد أن هذه الكتابة مسألة تكميلية كتبوا بما تيسر بين أيديهم كتبوا على الحجارة كتبوا على الأقتاب كتبوا على العُسُب كتبوا على العظام، الألواح، ما تيسر وكان كل واحد يكنب لنفسه من أراد وكان زيد يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يستفيد الآخرون مما يكتب ثم يضع بعد ذلك فالجمع بهذا المعنى هو مجرد الكتابة. هنا بدأنا بشيء من التفصيل لو قلنا الجمع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أردنا جمع الكتابة فهو كان مجرد كتابة ما ينزل بدون أية إضافة أخرى، تنزل الايات مفرّقة فيكتبه ثم تنزل آيات أخرى فيكتبها وهكذا إلى أن جاءت بعد ذلك المرحلة التي تليها

الدكتور عبد الرحمن الشهري: إذن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم نقول أن الحفظ كان هو المقدَّم وهو الأصل والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحفظه وكان يحفظه الصحابة أيضاً. ومن الأدلة التي يمكن أن نستدل بها على أن الصحابة كانوا يحفظون القرآن بشكل ظاهر ومنتشر لأن بعض الروايات تقول أنه لم يجمع القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أربعة ثم بدأوا يحاولون توجيه هذه الرواية كيف لم يجمعه إلا أربعة ألم يجمعونه جمعاً كاملاً؟ ألم يجمعونه في الصدور؟ في حين حفظ القرآن الكريم كان شائعاً بين الصحابة رضي الله عنهم بدليل أن هشام بن حكيم وهو أسلم في عام الفتح سمعه عمر بن الخطاب يقرأ بسورة الفرقان وهي مكية فدليل على أنه كان وهو حديث عهد بالإسلام كان يحفظ. نلخّص المرحلة الأولى وهي مرحلة جمع القرآن في الصدور وجمعه أيضاً في الكتابة فيمكن أن نقول أن القرآن الكريم جُمِع كاملاً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كتابة

الدكتور زيد العيص: حُفِظ كله في الصدور وجُمِع كله كذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكن السؤال الذي لا نود أن نخوض فيه، من الذي حفظ؟ من الذي كتب؟ نحن نجزم بالأدلة التي بين أيدينا أن جميع الصحابة كتبوا جميع القرآن وجميع الصحابة حفظوا جميع القرآن بدون الخوض في تفصيلات لأنه ربما نجد أحدهم يحفظ النصف وآخر يحفظ النصف الآخر وهذا يحفظ عشرة أجزاء وهذا خمسة أجزاء لكن قطعاً مجموعهم حفظ مجموعه ومجموعهم كتب مجموعه، هذه القضية الكلية التي إذا استقرت في الذهن تجعلنا لا نقف إطلاقاً مع ما يسمى شبهات من حديث أنس “لم يحفظه إلا أربعة”، هذا الحديث لا يلتفت إليه وإن كان في البخاري لا يلتفت إليه من حث معناه أن أنس أخبر بما يعلم أخبر بحدود علمه كما أن عائشة رضي الله عنها كانت تقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة صلاته بحدود علمها، فأخبر بحدود علمه فلا نأخذه

الدكتور عبد الرحمن الشهري: نحن معنيون في هذا البرنامج أيضاً أن نوضح هذه الأشياء كثير من المشاهدين أو بعضهم قد يقرا مثل هذا الحديث فيقع في نفسه كيف تقولون أن الصحابة حفظوا؟

الدكتور زيد العيص: إذا استقر في وجدانه أن جميع الصحابة حفظوا جميع القرآن وجميع الصحابة كتبوا جميع القرآن تبقى هذه مسائل جزئية للعلماء فيها كلام يخصّهم لكن لا تؤثر على مسار جمع القرآن من حيث هو

الدكتور مساعد الطيار: هناك قضية أيضاً هناك سؤال لمن أراد أن يبحث عن هذه القضية، نتكلم عن باحث يبحث عن الحق ممن يخالفنا إذا نحن نظرنا إلى معطيات ذلك العصر وذلك التاريخ هذه البيوتات القليلة وهذا العدد القليل من الناس وهذه الأدوات البسيطة التي كانت بين يديهم هل تستطيع أنت لو كنت في ظروفهم أن تجد ما هو أفضل وأحسن من طريقتهم في الجمع؟ الجواب لا، فإذن هذه أيضاً لا بد من اعتبارها لأن بعض من يسمي نفسه أنه يبحث في المنهج العلمي يغفل قضايا مهمة جداً وهي الأحوال التي احتفّت بكتابة هذا النص لو كان عندهم لما فتحت عليهم البلدان وجاءتهم الرقاع بدأوا يكتبون بالرقاع ولكن قبل ذلك؟ ما كان عندهم

الدكتور زيد العيص: لكن يأذن لي الدكتور بملحوظة يتسع صدره لها: هذا الكلام الصحيح أرجو أن لا يُفهم خطأ بمعنى أن يقال ما دام أن الظروف التي أحاطت بالصحابة كانت لا تحتمل أكثر من ذلك ولا تجود عليهم بأكثر في هذا إذن في حدود إمكاناتهم وحدود الأدوات المتوفرة بين أيديهم كتبوا ما كتبوا ولربما هذا أدّى ذلك إلى شيء من الخلل!، لا، نرجع إلى البداية ونقول نحن نتكلم عن القرآن الذي مهدنا قبل قليل، يعني هذه لا تنعكس سلباً لو تكلمنا عن أي كتاب آخر من شعر العرب وقلنا كتبوا على كذا وكذا فاعذروهم يا إخوان إن حصل خلل ما، هذا في القرآن لا يقال أبداً ولهذا نحن مهّدنا له ليس هناك آثار سلبية لهذه الإمكانات المحدودة، هذه قضية مهمة.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: انتهينا من المرحلة الأولى من مراحل جمع القرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.  توفي النبي صلى الله عليه وسلم في بداية السنة الحادية عشرة للهجرة وجاء عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه والقرآن الكريم محفوظ في الصدور ومحفوظ أيضاً في تلك الوسائل التي كتب فيها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بخطوط مختلفة خطوط كتّاب الوحي زيد بن ثابت وغيره

الدكتور زيد العيص: إضافة إلى النسخ الموجودة عند كل صحابي من الصحابة كل واحد عنده كتابة خاصة به، هذه لا ننساها

الدكتور عبد الرحمن الشهري: هذه المرحلة الأولى. إذن نقول أنه لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم إلا والقرآن الكريم مكتوب ومحفوظ لكن هل كان مجموعاً في كتاب واحد أم لا؟

الدكتور زيد العيص: الجواب لا

الدكتور عبد الرحمن الشهري: متى كان الجمع؟

الدكتور زيد العيص: وبالمناسبة لو تتبعت – وهذا سيظهر فيما بعد – ستجدد سورة البقرة مكتوبة مئات المرات مثلاً وسورة الكهف مكتوبة عشرات المرات لأن زيد كتب وأبيّ كتب وأبو موسى كتب كتابات خاصة بهم فهو مكتوب بنُسخ متعددة جداً لكن كل واحد عنده ما كتب.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: ننتقل للجمع في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ما هي ظروف هذا الجمع؟ خاصة أنه كُلّف بها زيد بن ثابت

الدكتور زيد العيص: القصة معروفة جداً لكن أحياناً تُحمّل فوق ما تحتمل، في حروب الردّة لاحظ عمر رضي الله عنه -الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه- لاحظ أن بعض الحفاظ قد قُتل في حدود سبعين أو أقل والذين قال خمسمائة هذا قطعاً غير صحيح إنما القتلى بحدود سبعين. بالمناسبة الذي يقول قُتل سبعين، هذا كثير! ومعناه هناك خوف على القرآن، لا، ما دام قتل في معركة سبعين إذن خلّفوا في المدينة سبعة آلآف يحفظون، أليست هي نِسَب؟

الدكتور مساعد الطيار: مثل ما حصل في بئر معونة

الدكتور زيد العيص: نِسَب، عندما تجد سبعين من بين ألف خمسة آلآف مقاتلين، سبعين قُتلوا من بين كذا، إذن معنى ذلك يدل على كثرة الحَفَظة وليس على قلّتهم، هذه نقطة مهمة، بعض الناس يظن أن السبعين ليس هناك غيرهم ولهذا جاء عمر وقال نستدرك الأمر إجمعوا ما تبقى، لا،

الدكتور عبد الرحمن الشهري: وإن كان قتل مثل هذا العدد يعتبر كارثة

الدكتور زيد العيص: ولذلك استرعى انتباه عمر أن هذه أول معركة وهناك معارك قادمة وهناك روم وفرس فهنا سبعين وهنا سبعين وهنا مئة وهنا أربعين، قال لا، نحتاط للأمر، ما المطلوب يا عمر رضي الله عنك؟ قال المطلوب نسخة توثيقية للإحتياط إذا احتجناها فقط وهم لم يحتاجوها إلا في عهد عثمان

الدكتور مساعد الطيار: في عهد عمر ما احتاجوها وما احتيجت إلا في عهد عثمان

الدكتور زيد العيص: ولم تُذكر حتى في السير، نسخة احتياط سجِّلها وضعها في مكان. يكون لك دين دكتور عبد الرحمن مئة ألف على واحد تكتب ورقة وتضعها على جنب لكن الرقم مئة ألف لا يغيب عن بالك في الصلاة ياتيك أن لك ديناً على فلان! لماذا كتبت؟ تقول للاحتياط للمستقبل لا قدّر الله بعد عمر طويل أولادي يجدوه، إذن للتوثيق فقط، هذه النسخة لهذا الغرض. ولهذا لما عرضت الفكرة على أبي بكر رضي الله عنه ما تحمس لها في البداية ليس لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فقط لم يفعله ولكن كأنه رأى أن لا داعي لها لأن الأمر مطمئِن وتحت السيطرة كما يقولون بالتعبيرات المعاصرة، القرآن مكتوب عندنا وكلنا يحفظه فرغّبه في كذا وكذا فشرح الله صدره فلما جاء زيد نفس الشيء قيل له فاستحضر نفس المعنى الذي استحضره أبو بكر ليس هناك داعي، القرآن مكتوب عند الجميع، والكل يحفظ لماذا هذه النسخة الزائدة؟ قالوا احتياط نحفظها عندنا فشرح الله صدره وبدأ -هنا الفرق- بدأ يجمع نسخة متناسبة توضع في مكان واحد وهو الذي لم يكن موجوداً

الدكتور عبد الرحمن الشهري: في كتاب واحد

الدكتور زيد العيص: لا، دعنا نقول في مكان واحد

الدكتور عبد الرحمن الشهري: لماذا لا نقول في كتاب واحد؟

الدكتور مساعد الطيار: هذه سموها صحف

الدكتور زيد العيص: سموها صحف لأنه سيأتي الكتاب بعد قليل حتى لا يحصل تداخل لأنه إذا قلنا في كتاب إذن عثمان رضي الله عنه لم يفعل شيئاً، هذه قضية مهمة أحياناً الخطأ في توصيف مرحلة ما ينعكس سلباً على المرحلة التي بعدها فيبدأ التكلّف في البحث عن ميزات للمرحلة التي بعدها فندخل في الخطأ. الذي حصل باختصار شدبد أنهم اتفقوا على أن تكون هناك نسخة معتمدة للدولة للاحتياط توضع في خزينة الدولة، ومن يقوم بهذا الأمر؟

الدكتور مساعد الطيار: ولهذا صارت عند الخلفاء كانت عند أبي بكر ثم انتقلت إلى عمر

الدكتور عبد الرحمن الشهري: قام بها زيد بن ثابت

الدكتور زيد العيص: ليس هناك غيره ليس باعتباره هو الوحيد، لا، هو صار متخصصاً هو المسؤول عن الكتابة والجمع فجاء وكتب. ولهذا استثقل الأمر في البداية، أنا أقول استثقله لأنه في ما مضى كان تحت رقابة الوحي يوجهه الرسول صلى الله عليه وسلم فبدأ يجمعها قال: جمعتها من الأقتاب والألواح والعظام والعسب وصدور الرجال. صدور الرجال لتوثيق ما كان في هذه الأمور

الدكتور مساعد الطيار: لأنه هو الأصل

الدكتور زيد العيص: لأن نحن اتفقنا أنه كُتِب كله وحُف~ظ كله فزاوج بين هذه وبين هذه وكتبه. وطبعاً لو تتبعنا الروايات بالمناسبة نحن أحياناً لما نقول زيد كتبه الحقيقة لم ينفرد بالكتابة ولا بالعمل لكن كما نقول الآن مثلاً الملك بنى المدينة الجامعية هو أمر ببنائها وكان له دور فزيد كان الأساس ولا شك وهو الذي اشتغل وكتب ولكن أنا أجزم أنه استعان بعدد لا يعلمه إلا الله من الصحابة والتابعين لأنهم كلهم ينهضون لهذا الغرض العظيم، هم يعرفون السبب، هذا ليس أمراً سرياً. وبالمناسبة قضية في غاية الأهمية أن الجمع تمّ على مرأى من الناس ومسمعهم وكانوا يجلسون له في المسجد، عمل جماعي، وهذا يرد على المفترين الذين يزعمون أن أبا بكر وعمر وزيد انفردوا بجمعه وحدهم، بل اقعدا على باب المسجد، هل هناك أكثر من هذا الوضوح؟ فمن يأتيكم، إذن الأمة في ذلك الوقت شاركت بالجمع لكن تحت مظلة لجنة واللجنة تحت رقابة أبو بكر كلّف عمراً وزيداً فاشتغلوا بهذا الأمر

الدكتور مساعد الطيار: أنا أحب أن أؤكد على قضية من باب التأكيد فقط أن هذه النسخة لم يُحتَج إليها في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر ولا في صدر عهد عثمان، لم يرد لها أي ذكرن لم يُحتَج إليها مما يدل على أن قضية حفظ الصدور كان هو الأصل والأساس فحُفِظ هذا المصحف، كيف حُفظ؟ كيف جُمع؟ هنا بعض الماس يدخل في التشكيك بالأمور لكن نقول كيف تتصور أنت حينما تعرف هذه المعطيات كلها وتنظر لها بنظر الباحث المدقق هل تتصور أنهم سيُدخلون في هذا المصحف ما ليس منه أو يُخرِجون منه ما هو منه؟ لا يمكن، لأنه من عرف حال الصحابة مع القرآن وضبطهم لهذا الكتاب لا يظن أنهم أدخلوا إلا ما ثبتت قرآءته من النبي صلى الله عليه وسلم دون ما نُسخ

الدكتور عبد الرحمن الشهري: خاصة أن زيد بن ثابت شهد العَرضة الأخيرة فهو على علم بما سيبقى وما نُسخ

الدكتور مساعد الطيار: صحيح وستأتينا عبارة مهمة جداً أنه لما أرسل عثمان كما سيأتي قال ننسخ قال فنسخنا، إذن العملية مجرد نقل من هذا المصحف

الدكتور عبد الرحمن الشهري: لم يكن فيها جمع وترتيب

الدكتور مساعد الطيار: لم يكن فيها ما يُدّعى أن فيها شيء من الإضافات وشيء من المنسوخ أو غيره.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: يأتي سؤال فيما يتعلق بترتيب الآيات والسور في هذه النسخة التي جُمعت في عهد أبي بكر الصديق يا دكتور زيد، من الفاتحة إلى الناس هل كانت مرتبة بهذا الترتيب يا تُرى؟

الدكتور زيد العيص: أود أن أشير إلى مسألة جزئية: كما تفضل الدكتور النسخة التي حُفِظت باعتبارها نسخة وثيقة رسمية قد يحتاج إليها هي قطعاً تخلو من أي خلل إطلاقاً وإلا لما صح أن تكون وثيقة يُلجأ إليها عند الحاجة، كتبت كما تفضل الدكتور العرضة الأخيرة المعروفة لنا جميعاً. وأشير إلى جزئية أخرى ما كان عندنا خوف من أن يدخل القرآن شيء ليس منه أو يخرج شيء منه لسببين: أما أن يخرج منه شيء وهو منه فهذا ثبت لنا أنه محال لأن الله تكفّل به وأن يدخل فيه ما ليس منه فهذا محال لتميّز النص،

الدكتور عبد الرحمن الشهري: واضح الفرق بين القرآن وغيره من النصوص

الدكتور زيد العيص: ولهذا لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم “لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن” قال العلماء حتى لا يختلط بغيره، أنا أعتقد أن هذا التعليل غير صحيح، هناك تعليل آخر: حتى لا يشغل الناس بمصدر تلقي آخر غير القرآن في بداية تأسيسه أما مسألة الاختلاط واضح أنه مختلف قطعاً

الدكتور مساعد الطيار: حتى الكفار يعرفونه

الدكتور زيد العيص: ولهذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم غير معجز ولهذا أعجبني أحد المفسرين نسيت اسمه الآن لما كتب تفسيره لم يكن يضع الآيات بين قوسين فصار جزءاً من كلامه فعتب عليه بعض الناس فقال أنا لا أكتب للحمقى الذين لا يميزون بين كلامي وكلام الله أما العقلاء فبمجرد أن يقرأوا السطر يعرفون أين كلامي وأين كلام الله!

الدكتور مساعد الطيار: وهذا ملحظ مهم تميّز كلام الله سبحانع وتعالى كان واضحاً عندهم، يعني إذا وقع واحد أو اثنان فإنه لا يعتدّ بهم

الدكتور زيد العيص: الآن خذ أيّ سورة وأدخل فيها عبارة أو عبارتين وأعطها لأي واحد سيكتشفها، وهذه نقطة مهمة، لذلك لما تحدّى الله سبحانه وتعالى كفار قريش أن يأتوا بمثله هذا التحدي كان له وجه آخر استوعبه الصحابة وهو تميّز النص، قضية مهمة. الآن لما يتكلم علماؤنا عن أوجه الإعجاز كلاماً طويلاً، أوجه الإعجاز تختصر بكلمه: هذا كلام خالق وهذا كلام مخلوق فقط! كما تميز الخالق في ذاته تميّز كلامه الذي هو صفة من صفاته ولذلك قضية الخلط مستحيلة لا يدخل فيه شيء ولا يضيع منه شيء. أما قضية ترتيب السور هذه قضية لا نقف عندها كثيراً ونحن نتكلم عن الجمع. لا نقف عندها. أقول كلمة: الرسول صلى الله عليه وسلم بقرآءته خلال ثلاث وعشرين سنة رتب السور كما رتب الآيات وحديث حذيفة المعروف أنه قدّم النساء على آل عمران هذا لبيان الجواز فقط ولم يصنع هذا في الآيات ليبين أن هذا معفو عنه في السور وغير معفو عنه في الآيات، رتّبها بالقرآءة وأنت تعرف هذا لما كان يقرأ سورة كذا وسورة كذا كانت مرتبة كلها، ثلاث وعشرون سنة ليست يوماً أو يومين! أو سنة وسنتين! هي مرتبة كلها.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: دعونا نعود إلى جمع أبي بكر الصديق يا دكتور مساعد عندما قلنا جاء أبو بكر ونادى يد بن ثابت وكلّفه أن يتتبع القرآن الكريم فيجمعه فجمعه في هذه النسخة. والدافع الذي دفعه إلى هذا الجمع هو قصة قتل القرّاء في حروب الردّة وكانت هذه النسخة محفوظة في دار الخلافة ولم توزّع، هذا الجمع في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. تأتي مسألة قد يسأل سائل ويقول: هل جمع أبي بكر الصديق كان مشتملاً على الأحرف السبعة؟ ومسألة الأحرف السبعة كنا ولا زلنا نريد أن نفرد لها حلقة نتحدث فيها عن المقصود الأحرف السبعة وما يتعلق بها، لكن باختصار هل هذه الختمة أو هذا المصحف الذي جُمع في عهد أبي بكر الصديق كان مشتملاً على هذه الأحرف السبعة

الدكتور مساعد الطيار: هذا نحيله على حلقة الأحرف السبعة. لأن المشكلة في نظري لو كان الحديث عن الأحرف السبعة لأمكن الحديث عن جمع القرآن، لا يمكن أن نقول مشتمل أو غير مشتمل إلا إذا عرفنا ما هي الأحرف السبعة فسندخل في متاهة الأحرف السبعة لكن أنا أقول إن هذا المصحف قد جمع النص القرآني لكن قضية الأحرف السبعة أرى أن لا ندخل فيها لأنها تحتاج لوقت أطول فنرجئها لحلقة الأحرف السبعة سيتبين إن شاء الله من خلال ذلك ما علاقة جمع أبي بكر لجمع الأحرف السبعة لأننا الآن لن نستطيع أن نعطيها حقها.

الدكتور زيد العيص: بل أنا لفت انتباهي إلى قضية، هذا السؤال -تأذن لي- هذا السؤال خطأ، هذا السؤال احتيج إليه لابتداع فرق بين جمع عثمان وجمع أبي بكر، فقالوا ما الفرق؟ قالوا عثمان اقتصر على حرف معنى ذلك أن أبا بكر جمعه على سبعة، نحن نتكلم هنا عن النص المكتوب، الكلام قد يكون موضع شبهة أو موضع إشكال لو زال منه شيء أما القرآءة فموضوع آخر لا يدخل فيه كل حديثنا وكما قال الدكتور دعها لحلقة مخصصة.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: نعود إلى مسألة وهي مسألة تاريخ جمع القرآن الكريم عندما ننتقل إلى عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، يعني أنتم قلتم أنه في عهد أبي بكر الصديق وفي عهد عمر بن الخطاب لم يُحتَج إلى هذه النسخة.

الدكتور مساعد الطيار: لكن في عهد عمر كان فيه قضية المهم إبرازاها.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: هل هناك أحد ذكر يا دكتور أنه كان هناك جمع في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟

الدكتور مساعد الطيار: هناك روايات لكنها ضعيفة جداً نسب إلى عمر جمع لكنها ليست صحيحة، وأيضاً نسب إلى علي بن أبي طالب وليس بصحيح، لكن هناك قضية أرى أنها مهمة جداً عندما كان عمر خليفة للمسلمين كما في صحيح البخاري قال: إن أُبَيّ أفقهنا وأقرؤنا، وإنا لندع من قراءة أُبَيّ، يقول: “لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم” والله يقول (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا) الآية. يوضح هذا أن عمر بن الخطاب مع أنه كان أمير المؤمنين إلى الآن إلى وقته لم يُلزِم الصحابة بنوع من القراءة وإنما كانوا يقرؤون بما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يؤكد أن هذا المصحف أو هذه الصحف التي جُمعت في عهد أبي بكر لم يكن لها تأثير على القراءة بل كانوا يقرؤون بما سمعوا وهي التي ستأتينا إن شاء الله في مرحلة عثمان بن عفان المرحلة الجديدة التي بدأ فيها مشروع آخر مهم جداً في قضية جمع القرآن.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: إذاً نقول المرحلة الأولى كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يا دكتور زيد والمرحلة الثانية في عهد أبي بكر الصديق ثم المرحلة الثالثة كانت في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه.

الدكتور زيد العيص: مع التأكيد على المعاني المتميزة.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: لكل جمع.

الدكتور زيد العيص: في عهد النبي صلى الله عليه وسلم الجمع كان يعني الحفظ ومجرد الكتابة، وفي عهد أبي بكر كان يعني الكتابة والجمع بمعنى الضمّ.

الدكتور مساعد الطيار: جمع متفرق.

الدكتور زيد العيص: ضم المجموع، يعني كلمة “جمع” واسعة تعني الكتابة وتعني الحفظ وتعني الترتيب وتعني الضم يعني هنا صار عندنا خطوة جديدة خطوة الضمّ. في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مضموماً الآن هنا ضُمّ ولهذا قيل فيما بعد وحتى بقي في بيت حفصة رضي الله عنها قوله: في بيت حفصة معنى ذلك أنه أمكن ضمّه وجمعه في إطار واحد أو في حيّز واحد، كلمة حيز هذه جيدة، في حيز واحد كلمة أخيرة.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: قبل أن ننتقل.

الدكتور زيد العيص: قبل أن ننتقل، للأسف أن بعض القضايا الخلافية التي قد تكون سياسية أو ربما تكون عقدية انعكست على هذا الموضوع سلباً فقالوا أول من جمع القرآن علي رضي الله عنه قيل: لا، بل عمر، قيل: لا، بل عثمان، قيل: بل أبو بكر، فصار الجمع فضيلة تنسب إليهم ونحن هنا نريد أن نؤكد على حقيقة: الصحابة كان بعضهم يجمع لنفسه فربما يكون علي رضي الله عنه جمع لنفسه نسخة كما جمع لنفسه الآخرون، أُبَيّ كان عنده نسخة جمعها لنفسه، عبد الله بن مسعود جمع لنفسه.

الدكتور مساعد الطيار: وعائشة.

الدكتور زيد العيص: وعائشة جمعت لنفسها وسالم مولى أبي حذيفة جمع لنفسه. فما تكون عندهم تلك الحساسية علي ما جمع، كلهم حيّاهم الله جزاهم الله خيراً كلهم جمعوا، حديثنا عن النسخة الرسمية نسخة الدولة، نسخة الخليفة، أما الآخرين جزاهم الله خيراً يجمعون.

الدكتور مساعد الطيار: نقول نسخة الإجماع.

الدكتور زيد العيص: نعم نسخة الإجماع ولهذا لما يطرح هذا الموضوع نخرجه من بحثنا.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: ننتقل إلى المرحلة الثالثة في مراحل جمع القرآن الكريم وهي مرحلة عثمان بن عفان رضي الله عنه نبدأ معك يا دكتور مساعد ما هو الباعث على الجمع في عهد عثمان رضي الله عنه؟ وما معنى الجمع في عهد عثمان؟

الدكتور مساعد الطيار: كما ذكر حذيفة بن اليمان لما كان يغازي في أذربيجان كان يستمع للقراء من التابعين يختلفون وكما قلت لك قبل قليل في عهد عمر رضي الله عنه لم يأتي أيّ إلزام بقراءة معينة، فكان التابعون إذا خرجوا إلى الغزو كل واحد منهم قرأ على أستاذه من الصحابة وصاروا في الإمامة أو يسمع بعضهم بعضاً اختلفت القراءة مثل ما كان حاصلاً في مثل هشام ومثل عمر وتصوروا أن قارئاً يقرأ في مثلاً قول الله سبحانه وتعالى (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ) وفي قراءة (وَأَوْصَى) فيه خلاف، (تَجْرِي تَحْتَهَا) (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) فهذا الخلاف لا شك أنه يثير شيئاً من الجدل بينهم

الدكتور زيد العيص: في تلك البيئة.

الدكتور مساعد الطيار: في تلك البيئة نعم.

الدكتور زيد العيص: مهم في تلك البيئة.

الدكتور مساعد الطيار: يعني عند هؤلاء التابعين، أما الصحابة ما كان عندهم مشكلة في هذا، لأنهم كانوا يعرفون خصوصاً مثل ما حصل من مجموعة منهم عرفوا بعد ذلك أن كل هذه القراءات المتنوعة كلها صادرة من الحضرة النبوية فبدأ عندهم نزاع حتى وصل إلى أن بعضهم يقول قراءتي أفضل من قراءتك، فحذيفة حدث إن هذا إن بقي فإنه.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: سيثير مشكلة.

الدكتور مساعد الطيار: إيه نعم فإنه سيثير مشكلة وسيجعل المسلمين يختلفون كما اختلف اليهود والنصارى. ومثل ما ذكر شيخنا زيد قبل أن هذا من أسباب حفظ الله للقرآن. يعني هذه المرحلة ننظر كيف جعل الله سبحانه وتعالى هؤلاء من الصحابة الكرام سبباً من أسباب الحفظ وإلا الحفظ ثابت (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)). فلما جاء حذيفة وعرض على عثمان أن يدرك هذه الأمة بدأ في تثبيت القراءات التي ثبتت في العَرْضة الأخيرة وترك ما عداها. إذاً جاءت هذه المرحلة مرحلة التمييز وأما قبل هذه المرحلة كما ذكرت لك قبل قليل حتى في عهد عمر كان أُبَيّ يقرأ بما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وعمر يجزم يقيناً أن الذي يقرأه الآن أُبَيّ هو من المنسوخ وأُبَيّ يعلم أنه منسوخ لكنه يقول: لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني قرأته على النبي صلى الله عليه وسلم، سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم لا أدعه، مذهب له. فإذن لما جاء عثمان أيضاً بإجماع من الصحابة اتفقوا على أن ما كان منسوخاً يُترك وكان أيضاً من دواعي أن يُبعد هذا المنسوخ هو أن تحرق تلك الصحف لأنه قد يكون فيها شيء من المنسوخ فلو اطلع عليها فيما بعد فقد يظن أن هذا مما سقط كما يحصل الآن عند بعض من يريد أن يثير شُبَهاً.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: نعم صحيح.

الدكتور مساعد الطيار: نقول لا إنما فعل عثمان هو نسخ ما في مصحف أبي بكر وهناك طرق نسخ لعله يأتينا وقت.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: لعلنا بعد هذا الفاصل نكمل حديثنا حول هذه النقطة، أيها الأخوة المشاهدون فاصل ثم نعود إلى إكمال حديثنا فابقوا معنا.

*.*.*.*.*.*.*.* فاصل *.*.*.*.*.*.*.*

في قوله تعالى (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19))

فائدة ذكرها المفسرون، ومنها أن الله تكفّل لنبيه صلى الله عليه وسلم بثلاث أمور يتوقف عليها الانتفاع بالقرآن.

  • أن الله يجمع له القرآن في صدره فلا ينسى منه شيئاً إلا ما شاء الله.
  • أن يمكِّنه من أدائه على الوجه الذي سمعه به ليعلِّمه التالين.
  • أن يبين له معانيه ويفسره ويوضحه للسائلين.

وهذه الموعودات الثلاث يستحيل معها الشكّ أو التحريف أو الغموض في القرآن الكريم.

*.*.*.*.*.*.*.* فـاصــل *.*.*.*.*.*.*.*

الدكتور عبد الرحمن الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون ولا زال حديثنا متصلاً حول موضوع جمع القرآن الكريم مع ضيفنا الأستاذ الدكتور زيد عمر العيص أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود وفضيلة الدكتور مساعد بن سليمان الطيار أستاذ الدراسات القرآنية المشارك بجامعة الملك سعود أيضاً. توقفنا في الحديث عند الجمع في عهد عثمان رضي الله عنه وكنت سألتك يا دكتور مساعد عن الدافع الذي دفع إلى جمع القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان وذكرت لنا حديث حذيفة، أكمِل حديثك حول هذه النقطة يا دكتور.

الدكتور مساعد الطيار: أقول الآن عندنا سبب الجمع هو إختلاف القرّاء من التابعين فلما حصل ذلك طلب عثمان النسخ أو النسخة الرسمية التي كانت بدأت في عهد أبي بكر طلبها من حفصة لكي ينسخوا منها مصاحف.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: لماذا كانت عند حفصة بالذات؟

الدكتور مساعد الطيار: طبعاً لأنها أم المؤمنين فلما توفي عمر بن الخطاب تركه عند حفصة تيمناً بأنها أم المؤمنين.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: ولم ينسخ غيره.

الدكتور مساعد الطيار: نعم وإلا كان المتصور أن ينتقل إليه إلى بيت الخليفة. فلما جاءت هذه النسخة عثمان زيادة في التوثيق إختار مع زيد لجنة وهم ثلاثة من قريش ونبّه على مسألة مهمة جداً وهي التي وقع فيها بعض من قرأها في إشكال فقال لو أنتم إختلفتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش فإنه بلسانهم نزل وليس المراد الآن إختلافهم في ماذا؟.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: في النطق.

الدكتور مساعد الطيار: هو إختلاف في النطق ولكن المرسوم يتوافق مع منطوق قريش، هذا هو المقصود وليس أنه يكتب على حرف واحد كما فهم بعضهم. وإنما قصد عثمان أنه لو وقع بينكم خلاف في كلمة فانظروا ما هو لسان قريش فاكتبوه وعلل ذلك أنه نزل بلسانهم. وهنا يقع سؤال لو إفترضنا أنه كُتب بلسان قريش هل يمنع أن يُقرأ بغير لسان قريش لو ثبتت قراءته عن النبي صلى الله عليه وسلم؟

الدكتور عبد الرحمن الشهري: لا يمنع.

الدكتور مساعد الطيار: الجواب لا يمنع. والدليل على ذلك أننا نجد -وهذه أحب أن أشير إليها- أننا نجد بعض الصحابة رسموا بعض الكلمات بوجه واحد في الكتابة ولكن القراءة لها أكثر من وجه مثل (لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) مريم) في جميع المصاحف بالهمز وقراءة ورش ورواية عن أبي عمرو (ليهب).

الدكتور عبد الرحمن الشهري: لكن حتى مع قول عثمان (إذا إختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش) مع هذه الكلمة لم يثبت إلا في حرف واحد في كلمة (التابوت)، هل ثبت في غيرها؟

الدكتور زيد العيص: و (يَتَسَنَّهْ(259) البقرة)

الدكتور مساعد الطيار: كيف أرسلها إلى أُبَيّ ــــــــ إذا ثبتت هذه الأثار فإنها قليلة في النهاية فإنها قليلة جداً لا تمثل شيئاً لكن أيضاً هو كان رسم لهم هذه الخطة من العمل. لكن مهم جداً أن نفهم طبيعة العلاقة بين المقروء والمكتوب وهي الآن لو تأملنا الصحابة كتبوا بعض الكلمات المختلف في قراءتها على وجه واحد وتعددت قراءتها مثل (لأهب – بضنين – الصراط) هذه تعددت القراءة وإتفق الرسم على وجه واحد في جميع المصاحف. وقد يوزّعون الخلاف بين المرسوم فمرة يكتبون في مصحف يكتبون (وصَّى) وفي مصحف يكتبون (أوصى) هذا نموذج آخر من نماذج الإختلاف إذا إختلفت القراءة كيف يفعلون. إذاً هناك أكثر من طريقة تعامل بها الصحابة مع المختلَف فيه من جهة القراءة والمرسوم. لكن في النهاية مهم جداً أن نعلم أن كل ما كتبوه المرجع فيه في النهاية إلى المقروء ولهذا قيل أن عثمان أرسل مع المصاحف قرَّاء يُقرئون بتلك القراءة فثبتت القراءات المتوافقة مع ذلك المرسوم في كل منطقة. ونجد أهل الكوفة قراءتهم متقاربة يتوارثوا هذه القراءة بطريقة معينة مما يدل على أنها هكذا كانت مرسومة عندهم وأهل الشام يخالفونهم في بعض الكلمات كلمات معدودة ومعروفة لأن المصحف الذي كان عندهم بهذه الطريقة. ولهذا نقول إن الخلاف في المرسوم قليل جداً لا يمثل المواضع، مواضع قليلة جداً يعني لا يمكن أن يمثل قرابة ثمانين كلمة لما رسم بوجه واحد واختلفت في قراءته.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: جميل، هل لديك تعليق يا دكتور إضافة في هذه النقطة جمع عثمان؟

الدكتور زيد العيص: والله أستأذنكم أن أعود للخلف قليلاً.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: إفعل ولا حرج.

الدكتور زيد العيص: هذه العودة في غاية الأهمية فيما يبدو لي، حذيفة وقف على إختلاف بين الصحابة بين التابعين .

الدكتور عبد الرحمن الشهري: أبناء الصحابة.

الدكتور زيد العيص: التابعين. وهذا الإختلاف إستنكره ومعنى ذلك أنه لم يكن في القراءات ولا في الأحرف وإلا لم يستنكره، وإنما كان في النص كيف؟ في بعض الروايات تقول أن أحدهم كان يقرأ (وأتموا الحج والعمرة للبيت) وآخر قال (وأتموا الحج والعمرة لله) فاختلفوا وكادوا يقتتلون ويحصل بينهم قتال، فمن هنا قال أدرِك الناس وربما تدخل فيها أوصى ووصَّى، تحتها ومن تحتها، هذا الخلاف وكان جزء منه أيضاً قراءات -أنا لا أنكر هذا- لكن هو لم يسترعي إنتباهه موضوع الخلاف في القراءات وإن كان التابعون قد إختلفوا وأنكر بعضهم على بعض في موضوع القراءات. إذاً مجموع ما إسترعى إنتباه حذيفة رضي الله تعالى عنه أن هناك إختلافاً إما في المقروء من حيث إختلاف القراءات في المنطوق وإما في المقروء التابع للمكتوب وهو (البيت ولله، وتحتها، ومن تحتها) فجاء إلى عثمان وقال له أدرك الناس قبل أن يختلفوا كما اختلف اليهود والنصارى، واليهود والنصارى إنما إختلفوا على النصّ على أصل النص. لاحظوا هذه قضية مهمة التركيز إلى حد الآن من حذيفة ومن حديثه مع عثمان رضي الله عنهما أنه نريد أن نحول دون أن يحدث خلاف في النص المكتوب. فوراً عثمان طلب النسخة لينسخها، الحديث لا صلة له بالقراءات من حيث هي نطق لا صلة له، كأنه يريد أن يقول هكذا أنا أشرح كلام حذيفة وفهم عثمان: الناس الآن مختلفون في أمرين يا حذيفة لماذا؟ قال والله إختلفوا في النطق وفي القراءة واختلفوا أيضاً في الكتابة، فكأن عثمان يقول له أنظر نحن بإمكاننا أن نعالج نوعاً واحداً من الخلاف الذي هو غير مسموح به إطلاقاً وهو النص المكتوب بكلماته وترتيبه وكماله أما الإختلاف بينهم التابع لنطق الكلمة فهذا أمر مشروع لا صلة لنا به وسيبقى على مشروعيته كيف نوضحه للناس؟ قال نزيل الإختلاف في أصل المكتوب وندع المنطوق والمقروء على ما سمعوه يبقى عليه، كأنه يقول له أنا ليس عندي إشكالية إطلاقاً يختلفوا في نُطق الكلمة وفي لفظها، الإشكالية أن يختلفوا فيها هي هل هي موجودة أم لا أو يختلفوا في تغييرها.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: وهذا لم يحدث.

الدكتور زيد العيص: حدث، لأنه لا يخفى عليكم نحن لا زلنا نتكلم عن نسخة الدولة الرسمية الثابتة ولا نضمن النسخ التي بين أيدي الناس يكون فيها منسوخ، هذه لا نضمنها، كل واحد له نسخته.

الدكتور مساعد الطيار: بل هو موجود.

الدكتور زيد العيص: موجود نعم والدليل على ذلك أنه أمر كما قال الدكتور بحرقها، إذاً كان هناك نسخة فيها (وأتموا الحج والعمرة للبيت) وفي نسخة (لله) هذا الخلاف غير مسموح به إطلاقاً.

الدكتور مساعد الطيار: وفي نسخة (والذكر والأنثى)

الدكتور زيد العيص: نعم (الذكر والأنثى) قراءة بن مسعود.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: أستأذنكم معي على الهاتف الدكتورة حليمة المصري أستاذة الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود، حياك الله يا دكتورة حليمة.

د. حليمة المصري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: نحن نتحدث يا دكتورة عن جمع القرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد عثمان وفي عهد أبي بكر قبل ذلك نريد أن نتحدث معك في هذه الدقائق حول الفرق بين جمع القرآن في عهد أبي بكر والجمع في عهد عثمان.

د. حليمة المصري: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأحب أن أعلّق قليلاً على ما سمعت من الدكتور زيد العيص منذ قليل أنا كنت متابعة فهو عندما قال ليس كالنطق والكتابة ولكن هو إختلاف فنحن نستشهد بقول عثمان رضي الله عنه وأرضاه عندما خطب في الناس وقال أنتم عندي تختلفون فتُلحنون، تلحنون معناه أن هناك إختلاف نطق يعني أو قد يكون في اللسان وقد يكون في غيره من أجل ذلك عندما تكلموا كفّر بعضهم البعض وهذا التكفير أدى إلى أن حذيفة بن اليمان يفزع من هذا ويذهب إلى عثمان وعثمان يقول إجتمعوا يا أصحاب محمد وأنتم عندي تختلفون وتلحنون ومن نأى من الأنصار أكثر إختلاف، شيخنا الفاضل الشيخ الطيار قال لا نرجع إلى الأحرف السبعة ولكن يمكن أن نقول أن هذا قد يكون إختلاف ألسن والله أعلم هذا بالنسبة إلى هذه النقطة.أاما بالنسبة إلى الموضوع الآخر ممكن أرجع قليلاً وأستأذن أساتذتي الكرام بالنسبة للتوثيق الذي كان في عهد أبي بكر الصديق وقام به زيد بن ثابت هذا كما قال عنه ابن حجر التتبع وفائدة هذا التتبع المبالغة في الاستظهار والوقوف عند ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فالأمر كان فيه توثيق وتثبيت وغيره وكما قال الزركشي أيضاً رحمه الله هذا بالنسبة لهذه النقطة أما بالنسبة إلى الجمع في النقطة التي ذُكِرت.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان النقطة التي نريد أن تحدثينا عنها لو سمحت.

د. حليمة المصري: طبعاً يعني كلمة جمع هي ظاهرة في عهد أبي بكر أن القرآن كان مفرّقاً وأمر أن يُجمع، في عهد عثمان جمعوا على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهنالك فروق بين هذا الأمر، أهم الفروق أنه عندما عثمان وهذا الكلام الذي وقف فيه شيخنا الشيخ زيد عمر وهو أستاذنا وقد يعلّق في هذه الناحية يعني هنا بالنسبة للفرق الذي قاله في الأول خشية أن يذهب القُراء بالنسبة لأبي بكر ويضيع القرآن، وأما بالنسبة لجمعه في عصر عثمان لإختلاف وجوه القراءات وهذا الأمر. أما الجمع في عصر أبي بكر كما قال على الأحرف السبعة ولا نريد أن نقف عليها، أما الجمع في عصر عثمان هذا كان على حرف واحد وسمعت تعليق أستاذنا على هذه النقطة، جمع أبي بكر كان مرتِّباً للآيات أما جمع عثمان فكان مرتّباً للآيات والسور حسب العرض الأخير

الدكتور عبد الرحمن الشهري: بارك الله فيك دكتور حليمة، الدكتورة حليمة المصري أستاذة الدراسات القرآنية في جامعة الملك سعود شكراً لك. نعود دكتور إلى موضوعنا إكمالاً لحديث الدكتورة حليمة الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان باختصار للإخوة المشاهدين

الدكتور زيد العيص: بداية أشكر الأزميلة الأستاذة الدكتورة حليمة جزاها الله خيراً على ما تفضلت به. أنا الذي أراه أن عثمان رضي الله عنه نسخ النسخة الموجودة عند حفصة دون أن يغيّر فيها إطلاقاً والفروق والميزات الموجودة في كتب علوم القرآن للتفريق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان هذه فروق مصطنعة لتسويغ جمع عثمان لأنهم لم يفهموا معنى الجمع ففي هذه المرحلة وهو يطلق على النسخ، عثمان جمع بمعنى نسخ وأصدر أمراً باعتباره خليفة بتعميم هذه النسخة المعتمدة، المعتمدة بأصل نصها، معتمدة (وأتموا الحج والعمرة لله) الذي عنده (للبيت) تُحذَف

الدكتور عبد الرحمن الشهري: لماذا الخلاف إذن في رسم بعض الكلمات في هذه المرحلة إذا كامن عملهم مقتصراً على النسخ؟

الدكتور زيد العيص: أكمل هذه الجزئية حتى أوضحها، بؤكد ما ذهبنا إليه أمران الأمر الأول أن عثمان باعتباره خليفة أصدر أمراً بحرق جميع النُسخ، أمر بالحرق ولم يأمر بمنع النطق، ما سمعناه أصدر أمراً بعدم القرآءة بكذا لأنه ليس هناك إشكالية في القرآءة إنما هناك إشكالية في المكتوب إن كان هناك فرق فأصدر أمراً بحرق كل النُسَخ ولم يحرق مصحف حفصة بل ردها إليها، الذين أشكل عليهم ذلك لما قلنا لهم لماذا ردّ نسخة حفصة إذا كانت على القرآءات السبعة وما صنع ولا حرف واحد؟! قالوا لأنه وعدها، والله ما كان لعثمان أن ينحاز لوعد وعد به حفصة ويترك انحيازه للقرآن الكريم، ردّها لأنه لا فرق بينها وبين التي كتبها ووزعها

الدكتور مساعد الطيار: بل عبارة نسخ، ننسخ

الدكتور زيد العيص: ننسخ فقط، أثناء النسخ يحصل هنا ما أشرنا إليه من بعض الأمثلة القليلة جداً والتي هي محل نظر مثل: يتسنّه، أو التابوه

الدكتور عبد الرحمن الشهري: بقي معنا أقل من خمس دقائق وكنت أريد أن تحدثونا عن مراحل الجمع الأخرى مثل الجمع الصوتي

الدكتور مساعد الطيار: هذا أمره بسيط سهل لكن لو تكرم علينا شيخنا زيد هناك قضية مهمة أرى أنه في قضية الكتابة هو أن نُدخل -وأشار إليها الداني في أجد كتبه_ ويمكن أن نسميه اختلاف التنوع في المرسوم فمثلاً التابوت والتابوه هو في الحقيقة صورة من صور اختلاف التنوع التي كانت عند هؤلاء والدليل على ذلك أن بعض الآثار التي وردت مع ما فيها من الضعف أن في القرآن لحناً أو أخطأ الكاتب هي تمثّل هذا النوع فمن قال أخطأ الكاتب لأنه لا يعرف إلا هذا الرسم أما غيره فيعرف الرسم الآخر وأنا دائماً أنبّه بمثال: لو طلبت من أحد المغاربة أن يكتب “الرحمن” سيثبت الألف والمشارقة لو قلت له اكتب الرحمن لا يُثبت الألف

الدكتور زيد العيص: لكن ينطقونها كلهم نطقاً واحداً

الدكتور مساعد الطيار: كلهم نطق واحد، فهذه تقريب لهذه الفكرة في أن هذ الخلاف الوارد في هذا المكتوب من باب اختلاف التنوع ولا يؤثر على المنطوق

الدكتور عبد الرحمن الشهري: أستأذنكم نأخذ فقرتنا الثابتة الأخ فهد الجريوي السلام عليكم ورحمة الله، حياكم الله شيخ فهد، نستمع إليكم في جديد الدراسات القرآنية هذا الأسبوع

الشيخ فهد الجريوي: الكتاب الأول هو للدكتور مساعد الطيار بعنوان “وقوف القرآن وأثرها في التفسير، دراسة نظرية مع تطبيق على الوقف اللازم والمتعانق والممنوع” لكن قبل أن اشعر في بيان مباحث الكتاب أريد وعداً من الدكتور مساعد أن يهدينا نسخة من الكتاب فالكتاب إلى الآن لا زال في مجمع الملك فهد

الدكتور عبد الرحمن الشهري: المُجمّع صعب في التوزيع

الدكتور مساعد الطيار: يبدو يا شيخ فهد أني سأضطر أن اشتريه بمالي حتى أوزع على الأحباب، ما أكثر ما طُلب

الشيخ فهد الجريوي: وهي رسالة فضيلته للماجستير نوقشت عام 1414 هـ وطلب مجمع الملك فهد طباعتها من كلية أصول الدين بالرياض عام 1420, وتم تحكيمها في المجمع عام 1423, ثم صححها الدكتور مساعد بعد التحكيم عام 1424, وقسم الكتاب أو الرسالة إلى ثلاثة أبواب الباب الأول علم الوقف والابتداء نشأته والمؤلفات فيه، والباب الثاني مصطلحات العلماء في الوقف والابتداء الباب الثالث دراسة تطبيقية للوقف اللازم والمتعانق والممنوع من خلال المصحف ثم ذكر الشيخ وفقه الله عن أهمية هذا الموضوع فقال: إن من وإن مما يبرز أهمية موضوع الوقف: تعلُّقُه بفهم مراد الله سبحانه؛ لأن الوقف يبين مراد المتكلم بكلامه، ويفصل بين المعاني المساقة في الكلام، إذ الوقف على كلمة قد يُدخلها في حكم ما قبلها؛ كالوقف على لفظ (الموتى) في قوله تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَىٰ (36) الأنعام) وقد يقف القارئ على بعض الجملة قبل أن تتمَّ، فلا يفهم المعنى إلا بإتمامها؛ كالوقف على لفظ (الحديث) من قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) لقمان) يقول: ولما لم أجد من خلال بحثي من درس وقوف المصحف، وعرضها على أقوال المفسرين وعلماء الوقف، رأيت أن أدخل غمار هذا الموضوع ، وأكتب فيه من خلال ثلاثة وقوف من وقوف المصحف، وهي: الوقف اللازم، والوقف المتعانق، والوقف الممنوع

الكتاب الثاني “المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار” مع كتاب النص لأبي بكر الداني تحقيق الدكتور حاتم صالح الضامن من دار البشائر. وكان مما دفع الدكتور حاتم على تحقيق الكتاب أنه حقق عشرة مؤلفات لأبي عمرو الداني فخبر منهج الداني وذكر في مقدمة الكتاب نقد موجز للطبعات السابقة واعتمد في التحقيق على ستة عشر مخطوطة والكتاب بالمناسبة قد حققته الباحثة نورة الحميّد في رسالتها للماجستير وصدر في عام 1430 هـ عن دار التدمرية وقد انتقد الكتاب في وقته لأنها حذفت باب النقد وهناك أحد الباحثين حققه كذلك في رسالة دكتوراة  فالكتاب معتنى به لكن الدكتور حاتم وفقه الله ذكر في مقدمة كتابه انتقاداً لجميع الطبعات السابقة للكتاب

هناك كتابان لم نتطرق لهما الأسبوع الماضي إلا بإيجاز ومن حقهما أن نذكرهما بشيء من البسط القليل وأختم بهما:

الأول “أحكام التجويد في كلمات العزيز الحميد” للشيخ أحمد الطويل مراقب القرآءات والمصاحف في إذاعة القرآن كتب في مقدمته: وقد تتبعت فيها كلمات القرآن ، فذكرت منها بين قوسين ما يحتاج إلى التنبيه على حكمه التجويدي البارز ، مما يتكرر كثيراً: كالغنة، والإدغام والإخفاء والإقلاب والمد والقصر، وبعض أحكام الوقف والابتداء، وما يتعلق برسم المصحف من الحذف والإثبات ، والفصل والوصل وهاءات التأنيث، يقول: ولعل هذا هو أول مصحف يتتبع كلمات القرآن على هذا النحو. ثم ذكر الكاتب الفائدة من هذا الكتاب فقال: وكتابة أحكام التجويد مقابل الكلمات القرآنية في حاشية المصحف تعين القارئ على تطبيق الحكم التجويدي وتسعفه عن التفكير أو البحث في كتب التجويد لمعرفة الحكم حال إمساكه المصحف وتلاوة كتاب الله عز وجل، وكل هذا مما يسهم في تلاوة القرآن الكريم، ولكنه لا يغني عن التلقي والمشافهة. وبالمناسبة الشيخ أحمد الطويل له عناية في هذا الباب وفي العام الماضي 1432 هـ صدر له كتاب بعنوان “فقه التلاوة” وفيه جملة من المباحث والفصول المفيدة.

آخر كتاب: “فتح السميع العليم في الفوائد المنتقاة من تفسير علاَّمة القصيم” لأحمد العمران، وتفسير السعدي كما هو معلوم تفسير قيّم يفيد عامة الناس وطلاب العلم وبالمناسبة بعض طلاب العلم إذا سمع أن هذا التفسير مفيد لعامة الناس زهد فيه مع أنه يحتوي على فوائد نفيسة واستنباطات فريدة حتى أن الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله علّق على هذه الاستنباطات التي ساقها العلامة السعدي بقوله: لم أرَ من حام حولها من المفسرين. والشيخ أحمد العمران استخرج من التفسير أكثر من ألف ومئة فائدة، وفي الحقيقة ليس كل ما فيها فوائد وإنما بعضها إنما هو تلخيص لبعض الآيات وعلى كل حال الكتاب مفيد في تقريب الاستفادة من هذا التفسير القيّم. هذا ما تيسر إعداده وإيراده.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: جزاك الله خيراً يا شيخ فهد. الشيخ فهد الجريوي عضو ملتقى أهل التفسير كان معنا في فقرة جديد الدراسات القرآنية شكر الله له. نعود يا مشايخ إلى موضوعنا جمع القرآن الكريم ونحاول أن نلخّص خلال دقيقتين أبرز ما يمكن أن نختم به دكتور زيد.

الدكتور زيد العيص: القضية الأولى: عند الحديث عن جمع القرآن ينبغي أن نستحضر أن هذا الكتاب متميز، كلام الله رب العالمين ولا نُدخل في حديثنا عنه الأحاديث أو الوسائل التي تُستحضر عند الحديث عن كتابة أي كتاب أو أي عمل بشري، هذه قضية مهمة جداً. ثم يجب أن تُبحث هذه القضية في محيط الإسلام. في محيط معتقد أهل السنة أن القرآن محفوظ وثابت. إذا نقلت هذا الموضوع عند المستشرقين أو من سار على نهجهم أو عند الطوائف الضالة قد يجدون من هنا وهناك بعض الشبهات التي قلنا أنها لها قيمة لها. المسألة الأخرى أن الجمع في كل مرحلة له معنى وله دواعي وله خصائض ينبغي أن تستحضر عند الحديث عن القرآن.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: د. مساعد هل عندك ما تختم به؟

الدكتور مساعد الطيار: أنا مستمتع بحديث الشيخ ما دام بدأ يلخِّص

الدكتور زيد العيص: جزاك الله خيراً. المسألة الأخرى هي أن ما صنعه عثمان رضي الله عنه إنما هو مجرد نسخ ولهذا كل ما أثير عند أهل الضلال عن صنيع عثمان إنما هو مفترى عليه وسببه عدم استيعابهم لما صنعه عثمان. عثمان رضي الله عنه نفذ أمراً باعتباره خليفة ألزم الناس بالنسخة المعتمدة جاءت الحاجة لها لكن لا يمكن أن يلزمهم بها ما لم تكن بين أيديهم فنسخها وهنا القضية المهمة، فالذي اشتغل وجمع أبو بكر والذي نفّذ هذا الأمر كما نقول شخص يصدر القرار وشخص يقوم على تنفيذه الذي قام على تنفيذه عثمان لكن بعد أن وزّعه على الناس وكان هذا كله بمرأى ومسمع من الصحابة.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: فتح الله عليك يا دكتور. أستأذنكم نعرض للإخوة المشاهدين سؤال هذه الحلقة نشاهده ثم نعود إليكم.

سؤال الحلقة:

اذكر اثنين من كُتّاب الوحي

لاستقبال أجوبة المسابقة عبر الطرق التالية: أرسل الإجابة برسالة نصية على الرقم: 0533200575

أو على بريد البرنامج  [email protected]

يحصل الفائز على كتاب الزيادة والإحسان في علوم القرآن

*.*.*.*.*.*.*.*

إعلان جوال تفسير

*.*.*.*.*.*.*.*

الدكتور عبد الرحمن الشهري: مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون بعد مشاهدة هذا السؤال ولعلي أشير إلى بعض المؤلفات التي ننصح بها في موضوع هذه الحلقة “جمع القرآن الكريم”. من الكتب التي ننصح بها:

  • “جمع القرآن من العصر النبوي إلى العصر الحديث” للدكتور محمد شرعي أبو زيد وهي رسالة ماجستير وهو مطبوع.
  • “تاريخ القرآن” للدكتور عبد الصبور شاهين من الكتب القيمة في هذا الباب
  • أيضاً كتاب “تاريخ القرآن وعلومه” للدكتور عدنان زرزور
  • كتاب “تاريخ القرآن وغرائب رسمه وحُكْمه” لمحمد طاهر الكردي
  • كتاب “جمع القرآن دراسة تحليلية لمروياته” لأكرم الدليمي، دار الكتب العلمية.

هل بقي معكم أي إضافة دكتور زيد أو دكتور مساعد في أقل من دقيقة؟

الدكتور زيد العيص: أنا أقترح أن تُخصص حلقة لرسم المصحف مكملة لهذا الأمر

الدكتور عبد الرحمن الشهري: بإذن الله. باسمكم أيها الأخوة المشاهدون بعد أن أتينا إلى نهاية هذه الحلقة أشكر ضيفيّ الكريمين فضيلة الأستاذ الدكتور زيد عمر عبدالله العيص، أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود وفضيلة الشيخ الدكتور مساعد بن سليمان الطيار الأستاذ المشارك بالدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود الإسلامية على ما تفضلوا به، كما أشكر الزملاء الذين شاركونا في هذه الحلقة الدكتورة حليمة المصري والأستاذ فهد الجريوي، أشكر الزملاء جميعاً في فريق الإعداد وألقاكم جميعاً الأسبوع القادم وأنتم على خير، حتى ذلك الحين أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.