التعريف بسور القرآن الكريم

التعريف بسور المصحف الشريف – سورة آل عمران – الشيخ محمد نصيف

سورة آل عمران

http://www.youtube.com/watch?v=zbglybDBquA

سورة آل عمران هذا السورة العظيمة ينبغي الحرص عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم حثّ على ذلك فقد ثبت في صحيح مسلم وهذا من فضائل هذه السورة حثّ على قرآءتها. في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اقْرَؤوا القرآنَ . فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه (هذا حثّ على قرآءة القرآن كله) اقرَؤوا الزَّهرَاوَين (مفرده الزهراء والزهراء يعني المنيرة): البقرةَ وسورةَ آلِ عمرانَ فإنهما تأتِيان يومَ القيامةِ كأنهما غَمامتانِ أو كأنهما غَيايتانِ (كأنهما سحاب تغطي) أو كأنهما فِرْقانِ من طيرٍ صوافَّ تُحاجّان عن أصحابهما (تدافع عن أصحابهما، البقرة وآل عمران). وما من سورة في القرآن تقريباً إلا وتجد لها في كتب التفسير فضلاً لكن أكثر هذه الفضائل موضوعة مكذوبة أو ضعيفة ونحن نكتفي بالأحاديث الصحيحة ولذلك لا يوجد بحسب اطلاعي فضل خاص لسورة آل عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما فضائلها مقرونة مع البقرة (اقرَؤوا الزَّهرَاوَين) هذا فضل لها مع البقرة. من فضائلها مع البقرة ما ثبت عن أنس رضي الله عنه كما في مسند الإمام أحمد أنه قال: وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران يُعدّ فينا عظيماً. والتعظيمات تختلف بحسب البيئات بين البشر ففي بعض البيئات الذي يحصل على مليون أو يكون عنده أراضي وفي بعض البيئات الأخرى الذي يكون عنده شهادات وتختلف تعظيمات البشر للبشر لكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران يعد فيهم عظيماً. وقرأ هنا ليست بمعنى القرآءة لأن الصحابة كما أخبر أبو عبد الرحمن السُلمي وهو من أشهر التابعين الذين تلقوا القرآن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الصحابة تلقوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم تلقاه من جبريل والتابعون كُثُر من أشهرهم في أخذ القرآن من الصحابة وتعليمه لمن بعده أبو عبد الرحمن السُلمي. وأبو عبد الرحمن يقول أخبرنا الذين علمونا القرآن أن الرجل كان لا يتاوز عشر آيات حتى يتعلم ما فيهن من العلم والعمل. ما كانوا فقط يقرأونه قرآءة وإنما يتعلمون ما فيه من علم وعم ومرّ معنا أن ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه كان قد تعلم البقرة في أربع سنوات. فكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران يعدّ فيهم عظيماً وهذا يدل على فضل هذه السورة. ومما جاء في فضلها وهو ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما عن أحد كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في تعلم القرآن بالذات وهو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. يقول عبد الله بن مسعود: من قرأ آل عمران فهو غني. وليس المقصود بالغنى غنى المال. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الغنى عن كثرة العَرَض (أي أن الإنسان عنده أموال كثيرة) وإنما الغنى غنى النفس. والنبي صلى الله عليه وسلم جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، من الظلمات التي كان يعيش فيها الناس قبل النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يعتقدون أن الغنى عن كثرة العَرَض فالنبي صلى الله عليه وسلم يأتي ليصحح لهم حتى يتنور الإنسان ويعرف الحقيقة “ليس الغنى عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس” لذلك قد تجد رجلاً عنده مال كثير لكنه يطمع فيما عند غيره ويظلم غيره ويتقاتل مع أخيه من أجل ميراث لأنه ما عنده غنى النفس ولا يمنع أن يكون عنده مال كثير وعنده غنى النفس لكن العبرة في غنى النفس. وابن مسعود يقول: من قرأ آل عمران فهو غني. يحاول الإنسان وهو يقرأ هذه السورة أن يبحث عن ما يزيده من غنى النفس والآيات في هذه السورة التي تتعلق بغنى النفس كثيرة منها قوله تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)) الذي يؤمن بهذه يرزق غنى النفس. ومما جاء فيها أيضاً مما يتعلق بهذا المعنى (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)) هذا خير من الدنيا، وهذا المعنى في السورة يتكرر كثيراً.

النقطة الثانية التي نتكلم فيها هي أن هذه السورة نزلت لسبب، سورة البقرة استمرت عشر سنين تنزل من أول سُكنى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة إلى آخر آية نزلت (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ (281) البقرة)، سورة آل عمران تعلقت بحدثين من أحداث السيرة النبوية غزوة أُحد وقدوم وفد نصارى نجران على النبي صلى الله عليه وسلم. غزوة أحد معروفة لكل المسلمين وأهل المدينة ألصق بها لأن الجبل أمامهم يذكّرهم بهذه الحادثة العظيمة التي كانت في السنة الثالثة للهجرة في شهر شوال وكان النصر في بداية المعركة للمسلمين ثم حدث ما حدث يقول الله سبحانه وتعالى (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ (152)) هذا في وصف معركة أُحد (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ) ما العلاج؟ العلاج في سورة آل عمران، من قرأ سورة آل عمران فهو غني يقل عنده إرادة الدنيا وتزيد عنده إرادة الآخرة فيحصل النصر للمؤمنين. لأن كثيراً من السور نزلت بعد المعارك تربية للمسلمين بعد المعركة: غزوة بدر غزوة انتصار نزلت بعدها سورة الأنفال، غزوة أحد حدث فيها ما حدث فنزل جزء كبير من سورة آل عمران وهكذا تأتي المعارك وتأتي معها السور تربي الصحابة بحسب ما حصل في تلك المعركة فجاءت هذه السورة تزهّد في الدنيا وقد حدث في المعركة ما حدث حين نزل بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الجبل لأجل الغنائم. غزوة أحد فيها درس كبير للمؤمنين ولذلك طال الحديث في سورة آل عمران عن هذه المعركة وعن مقارنتها بغزوة بدر والمسلمون كانوا في بدر أذلة لكن الله نصرهم سبحانه وتعالى وفي غزوة أُحد حصلت أخطاء سببت ما حدث فجاءت هذه السورة تعالج في القسم الثاني منها لأن السورة طويلة.

القسم الأول يتكلم كثيراً عن أهل الكتاب ويتكلم خصوصاً عن العقيدة الصحيحة في عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لأن نصارى نجران وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم اليهود كانوا يسكنون في المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم أو حولها لكن النصارى عند العرب بعضهم كان يسكن في نجران فجاؤوا للنقاش مع النبي صلى الله عليه وسلم فمطلع السورة تقريباً إلى نصفها يتكلم معهم وعنهم وعن أمور تتعلق بدعوة أهل الكتاب ولذلك لا يخلو الحديث مع اليهود. غزوة أحد كانت بعد غزوة بدر وهذا معروف والعام الذي وفد فيه العرب من أنحاء شتى على النبي صلى الله عليه وسلم متأخر عن غزوة أحد كثيراً ولذلك رجح بعض العلماء أن قصة وفد نصارى نجران كانت مبكرة في غير عام الوفود يعني الوفود جاءت في وقت وجاء وفد نصارى نجران مبكراً بين غزوة بدر وبين غزوة أُحد وكان مما حدث بعد غزوة بدر أن المسلمين فرحوا بهذا النصر ولا شك وجاء عن ابن عباس رضي الله عنه بسند حسّنه بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر جاء إلى اليهود إلى بني قينقاع وتكلم معهم وقال قد رأيتم ما صنع الله بقريش فآمنوا خيراً لكم أو كما قال صلى الله عليه وسلم فقال اليهود أخزاهم الله: إنك قاتلت قوماً لا يعرفون القتال ولو قاتلتنا لرأيت كيف يكون القتال فنزل قول الله سبحانه وتعالى في أول هذه السورة (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ (13)) (فئتين التقتا) في غزوة بدر، هذه الآيات في النصف الأول من السورة تتكلم عن النصارى وعن عقيدة الحق في عيسى عليه السلام وأنه ليس ولداً لله سبحان الله وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً وأنه عبد ضعيف وإن كان نبياً مرسلاً إلا أنه محتاج إلى الله. والقسم الثاني يتحدث عن غزوة أحد وما حديث فيها وكيف ينبغي أن ينظر المسلمون لما حدث وكيف يحللون الأحداث وهذا يتكرر في كل عصر، كلما وجدت هزيمة للمسلمين فاقرأ سورة آل عمران لتعرف ما السبب الحقيقي لهزيمة المسلمين. فالله سبحانه وتعالى في هذه الغزوة لم يعزو سبب الهزيمة إلى قوة الكفار ومكرهم وإنما (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ (165)) إلى غير ذلك مما جاء في السورة.

السورة بدأت كما بدأ سورة البقرة بقوله تعالى (الم (1) اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)) هذا الاسم الحيّ والاسم الذي قُرن به القيوم جاء في مطلع السورة كما يرى ليثبت العقيدة الصحيحة ويرد على العقيدة الباطلة التي عند النصارى وقلنا أن القسم الأول في السورة يتكلم عن النصارى بكثير من آياته، فلماذا ذكر الحي القيوم؟ الحيّ القيّوم من فهم معناها أيقن أنه لا يمكن أن يكون له ولد سبحانه وتعالى، لماذا؟ لأنك كل موجود من الكائنات الحيّة عنده حياة لكنها حياة ناقصة، حياة يعتريها الضعف، تمرض مرضاً شديداً فلا تعود قادراً على التصرف بأمور كانت سهلة عليك، ينام الإنسان وهنا تضعف حياته كثيرا (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا (42) الزمر) من يدافع عنه وهو نائم؟! لولا أن الله رزقه بيتاً بباب يُغلق عليه من يدافع عنه؟ فالحيّ الحياة الكاملة هو الله، عيسى وكل مخلوق حياته ناقصة والحياة زائلة قال الله تعالى في السورة (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ (158)) إذن الحيّ هو الله. والاسم الثاني وهو أوضح في قضية نفي الولد اسم القيّوم لأن القيوم قد يغيب عن كثير من المسلمين معناه، القيوم معناه الذي قام مستغنياً عن كل شيء، عندما أتكلم أتكلم بمدد من الله لا بقوتي المستقلة، إذن أنا لست قائماً بنفسي وأنا أتكلم! وأنت تسمع بأذنك تسمع بعون الله ومدد الله إذن أذني ليست قائمة بنفسي وقد تضعف أذني وقد يضعف لساني، وتضعف عيني والبصر يضعف فالذي يقوم دون حاجة إلى اي شيء هو الله. كل شيء حتى الشمس التي تدور لا تدور وحدها بقيومية خاصة بها كل شيء يقوم بالله فالقيوم هو القائم بنفسه مستغنياً عن كل شيء ثم له معنى آخر وهو الذي لا يقوم شيء إلا به أنت قائم بغيرك ثم غيرك قد يقوم بك نسبياً تساعد ولدك، تساعد أخاك، تسند إنساناً لكن من الذي يقوم به كل شيء؟ السموات والأرض من الذي يمسكها؟ الله قال في سورة فاطر (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) فاطر) تطور البشر وظنوا بتطورهم أنهم صاروا أقوياء وأعزّاء لكن هل يمكنهم أن يمسكوا السموات والأرض؟ هل يمكنهم أن يغيّروا في الليل والنهار نصف دقيقة؟ لا يمكن. الحي القيوم هو الله  وإذا كان قائماً مستغنياً عن كل شيء فهل يحتاج إلى ولد؟! سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً فجاء هذان الإسمان في مطلع السورة رداً على النصارة الذي نسبوا الولد إلى الله سبحانه وتعالى.

هذه السورة يمكن أن نتكلم على أقسامها كما ذكرنا في سورة البقرة أنها خمسة أقسام مقدمة وخاتمة وثلاثة أقسام، سورة آل عمران قسمها بعض العلماء إلى خمسة أقسام:

القسم الأول خلاصته في قوله تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19)) وهذا مهم في هذا السياق لأن النصارى كانوا يدّعون أن إبراهيم كان نصرانياً واليهود كانوا يدّعون أن إبراهيم كان يهودياً وجاءت الآيات ترد عليهم في القسم الثالث من السورة ومن لطف الله ومن حكمته أنه لا يبدأ الموضوع مباشرة فأحياناً تتكلم مع شخص وتدخل معه في صلب الموضوع مباشرة فلا يفهمك ولا يستوعبد ويرفض لكن الحكيم الخبير سبحانه وتعالى الذي خلق العباد لو قال لكل العباد افعلوا ولا تفعلوا وانتهى الموضوع فإنه لا يُسأل عما يفعل لكنه الحكيم سبحانه وتعالى. السورة فيها تمهيد جاء بيان عزة الله وحكمته وحياته وقيوميته (الم ﴿١﴾ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴿٢﴾ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴿٣﴾ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴿٤﴾ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ ﴿٥﴾ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٦﴾) هذه الأسماء الأربعة: الحيّ، القيوم، العزيز، الحكيم قام عليها القسم الأول فلأنه الحيّ القيوم فهو المستحق للعبادة سبحانه وتعالى ولأنه العزيز سيعزّ الطائعين وسيذلّ العاصين (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)) لأنه العزيز سبحانه وتعالى وهو الحكيم في كل تدبيره لخلقه.

في القسم الثاني من السورة جاء الحديث عن عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وأيضاً جاء بتمهيد فقال (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)) الأصح أن آل عمران هم عمران (موسى عليه السلام أبوه اسمه عمران) وعمران المذكور هنا قال الله فيه (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٣٥﴾) هذه أم مريم، مريم وأمها وعيسى في زمن بعد موسى فقالوا إذن تكرر اسم عمران وهناك أكثر من شخص اسمه عمران لكن المقصود هنا عمران والد مريم. قال الله (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)) وسيقت القصة في سورة آل عمران مفصلة تبين أن عيسى كل ما ظهر على يديه من إبراء للأكمه والأبرص وإحياء للموتى كان بإذن الله سبحانه وتعالى وأنه كما قال في نفس القصة (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴿٥٩﴾ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴿٦٠﴾ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴿٦١﴾) فجاءت الدعوة بعد القصة لأهل الكتاب للاعتراف بأن الواحد الأحد هو الله سبحانه وتعالى ليس له ولد وأن إبراهيم ما كان يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وكان من المشركين.

في القسم الثالث من السورة جاءت الدعوة واضحة لأهل الكتاب (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) الحوار مطلوب جداً مع الكفار ومه أهل الكتاب بالذات لكن ندعوهم إلى ماذا؟ (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴿٦٤﴾) هذا القسم طال وكانت فيه الدعوة لأهل الكتاب إلى الحق وبيان أن إبراهيم كان على ملة التوحيد.

أما القسم الرابع والخامس فقد تكلم عن العلاقة مع اليهود ومع النصارى ابتداء ثم القسم الذي بعده العلاقة مع الكفار وهذا كان مهماً في هذه المرحلة، المسلمون انتصروا في بدر وحصل ما حصل في أُحد وكان من أسباب الهزيمة في أحد أن بعض المنافقين كانوا مع المسلمين ثم ارتدوا قبل المعركة، عبد الله بن أبيّ راس النفاق ومن معه ولذلك جاء التحذير في هذه السورة كثيراً من وجود خلل في الصف أو مولاة للكفار وهذه مشكلة خطيرة لأنه إذا كان بعضل الكفار يطلعون على أسرار الدولة الإسلامية فكيف لها أن تنتصر؟! قال الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)) وقال في نفس السورة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ) لا يكن هناك أحد قريب منك مطّلع على سرّك إن كان من غير المسلمين (لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا) لا يقصّرون في الفساد يصل إليكم (وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) تخرج فلتات من أفواههم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴿١١٨﴾ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿١١٩﴾ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴿١٢٠﴾). بعد هذه الآيات جاء ذكر بدر وأُحد وأن المسلمين انتصروا في بدر رغم مع عدم وجود الكفار يساعدونهم لم يستعينوا باليهود وفي المقابل ذكر ما حدث في أحد مما حدث ومما كان من خروج بعض من الجيش وهذا يسبب زعزعة في الجيش فضلاً عن أن اطلاع الأعداء الكفار على الأسرار لا شك أنه سبب في الهزيمة كبير.

وفي القسم الأخير من السورة يقول الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ (149)) ما الفرق بين هذه الآية والقسم الذي قبله؟ الذي قبله يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)) وهنا يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ) فهنا النهي أعمّ، أهل الكتاب قد يتساهل معهم الإنسان لأنهم أهون من الكفار لكن الله نهى عن ذلك وكذلك نهى عن طاعة الكفار من باب أولى، إذا كان أهل الكتاب لا يطاعون فالكفار من غيرهم لا شك أنهم أبعد عن أن يطاعوا وعن أن يُتخذوا بطانة وأن يوالوا فكل هذا يسبب هزيمة ولا شك. نسأل الله أن ينصر الإسلام والمسلمين.