مقاصد السور
د. محمد عبد العزيز الخضيري
تفريغ موقع إسلاميات حصريًا
من سورة الروم إلى سورة الأحزاب
سورة الروم
سورة الروم مناسبة تمام المناسبة لختام سورة العنكبوت، فإنه في سورة العنكبوت ختمت بقوله جلّ وعلا (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٦٩﴾) فالله سبحانه وتعالى يهدي من جاهد في سبيله وحرص على إقامة الحق. وفي أول هذه السورة بين الله جلّ وعلا أن الروم ستُغلب ثم من بعد ذلك ستغلِب وكان المؤمنون يتمنون أن تغلب الروم الفرس لأن الروم أهل كتاب والفرس وثنيون ليس عندهم كتاب وأهل الإيمان يفرّقون بين الناس ولو كانوا كفارا لأن من كان عنده بعض الحق خير ممن ليس عنده شيء من الحق، ولذلك قال الله عز وجلّ (الم ﴿١﴾ غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿٢﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿٣﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ) البضع يكون من الثلاث إلى التسع (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿٤﴾ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿٥﴾) لما غلب الفرس الروم فرح المشركون بمكة وأظهروا العلو على المؤمنين فأنزل الله هذه الآيات وكان المشركون يستغربون كيف أن القرآن يتنبأ بنصر الروم، فنصر الله عز وجلّ الروم وكان في ذلك دلالة على مصداقية هذا الكتاب. والسورة كلها تتحدث عما تتحدث به السور المكية من الدعوة إلى التوحيد والإيمان بالبعث وأن من استمسك بالله عز وجلّ نصره الله جلّ وعلا، هذا حديث هذه السورة العظيمة من أولها إلى آخرها.
سورة لقمان
ثم بعد ذلك تأتي سورة لقمان وهذه السورة هي سورة مكية وهي أيضًا مفتتحة بـ(الم) والسور المفتتحة بـ (الم) ست سور هي سورة البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة وتسمى عند العلماء باللواميم. وهذه السورة ظاهر فيها أنها تؤكد على أمر الحكمة فقد جاءت بالحكمة وافتتحت بقول الله عز وجلّ (الم ﴿١﴾ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴿٢﴾) وذكرت بعد ذلك أفعال الحكيم كونه يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة وأنه لا يشتري لهو الحديث ليُضلّ عن سبيل الله بير علم ولا يولي عن آيات الله مستكبرا كأن لم يسمعها. ثم ذكرت نموذجا للحكمة في لقمان هذا الرجل الصالح الذي لم يكن نبيا وكان رجلا نوبيا في عهد داوود عليه السلام آتاه الله الحكمة فكان ينطق بها ويفعلها. والحكيم كما يقول العلماء هو الرجل الذي يصيب في القول والفعل فهو الحكيم وليست الحكمة مقصورة على الإتيان بالشيء المناسب في الوقت المناسب أو وضع الشيء موضعه بل حتى في عمل الإنسان وفي اعتقاده وفي كلامه كل ذلك داخل في ميدان الحكمة. ذكر الله تعالى نموذجًا عظيمًا للحكمة في لقمان قال (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ) وهذا يدل على أن الحكمة من الله يؤتيها من يشاء من عباده وعلى الإنسان أن يسأل الله عز وجلّ أن يؤتيه الحكمة. ثم بيّن اقتران الحكمة بأمر وهو الشكر فالشاكر هو الذي يرزق الحكمة قال الل عز وجلّ (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿١٢﴾) وذكر الله عز وجلّ أن لقمان من حكمته وعظ ابنه (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ) أول ما يبدأ به وتعرف به حكمة الإنسان أن يكون إنسانًا موحدًا لله جلّ وعلا وأن لا يضع عبادته وعبوديته لغير الله جلّ وعلا. ثم ذكر الله تعالى بعد ذلك الوصية بالوالدين (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴿١٤﴾). ثم قال لقمان (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴿١٦﴾) هذا من الحكمة وهو أن تعرف الله عز وجلّ حق المعرفة وتعلم أنه مطلع عليك، عالم بك لا تخفى عليه من شؤونك خافية ومن امتلأ قلبه بهذا صار أكثر الناس استقامة على الطريق إذا راقب الله في كل تصرفاته وأعماله. بعد ما انتهى من تأسيس الاعتقاد في النهي عن الشرك والذكير بما يجب لله من الحق بدأ بالأوامر والنواهي (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) لاحظ الحكمة في ترتيبها: أمره بالصلاة ثم أمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم أمره بالصبر على ما أصابه أنه قلّ أن يأمر إنسان بالمعروف أو ينهى عن المنكر إلا ولا بد أن يصيبه شيء من الأذى الذي يكون من الناس (إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي من الأمور التي يعزم عليه لأنها عظيمة القدر عند الله عز وجلّ. وبعدما انتهى من الواجبات انتقل للآداب والأخلاق (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿١٨﴾) لا تصعر خدكـ تصعير الخد هي إمالته على وجه الكبر (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا) تمشي مشية الفرح البطر الذي لا يتذكر الآخرة ولا يخاف من الله عز وجلّ لا يتواضع لعباد الله (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) امشِ مشيا قصدا لا السريع الذي يعاب على الإنسان ويخل بوقاره ولا البطيء الذي يدل على تماوته (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) لا ترفع صوتك فوق الحاجة (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) هذه هي خلاصة ما جاء في هذه القصة قصة لقمان الحكيم وما أوصى به ابنه فهي نموذج من نماذج الحكمة التي تُحتذى. وسارت السورة في بقيتها في الدلالة على الله عز وجلّ وتوحيده وبيان حقه جلّ وعلا الذي يعتبر هو أساس الحكمة وأصلها. وختمت بقوله جلّ وعلا (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿٣٤﴾) هذه الخمسة هي مفاتح الغيب المذكورة في سورة الأنعام (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59)) قال النبي صلى الله عليه وسلم مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ثم تلا هذه الاية في سورة لقمان.
سورة السجدة
بعد ذلك سورة السجدة وتسمى سورة السجدة لأن فيها سجدة وتسمى الم السجدة لتكون مخالفة لسورة فصلت التي تسمى حم السجدة، وتسمى الم تنزيل لأنه لا يوجد في القرآن (الم تنزيل) إلا هي وتسمى أيضًا سورة المضاجع لقول الله عز وجلّ (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿١٦﴾) وأيضًا يسميها بعض العلماء السورة المنجية لحديث ورد في كونها من أسباب نجاة الإنسان من عذاب الله عز وجلّ
وهذه السورة تتميز في أنها تُقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة يقرأها الإمام مع سورة الإنسان. والحكمة في قرآءتها يوم الجمعة أن فيها تذكير ببداية خلق الإنسان وببعثه، وكلامهما مما حدث في يوم الجمعة، آدم خلق يوم الجمعة نفخت فيه الروح يوم الجمعة والبعث أو يوم الساعة سيكون يوم الجمعة ولذلك تُقرأ هاتان السورتان لأن فيهما تذكير ببداية خلق الإنسان وبداية بعثه ففي سورة الإنسان (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴿١﴾ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ) هذه بداية خلق الإنسان (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴿٢﴾ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴿٣﴾ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا ﴿٤﴾ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ﴿٥﴾) وهذه فيها ذكر الآخرة أو البعث بعد الموت.
والسورة تتحدث عما تتحدث عنه السور المكية من التعريف بالله جلّ وعلا وبيان توحيده والإيمان باليوم الآخر والفرق بين العاملين والمستنكفين عن طاعة الله جلّ وعلا يقول الله عز وجلّ في حق أولئك (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿١٤﴾) ثم يذكر الصنف الآخر وهو الذين استجابوا وآمنوا (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴿١٥﴾) ثم وصفهم بقوله (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) مع شدة حاجتها للمضاجع فإنها تتجافى عنها أي تتباعد طلبًا لما عند الله جلّ وعلا (خَوْفًا وَطَمَعًا) يخافون شيئا ويطمعون في شيء آخر، الذي يخافون منه هو النار والذي يطمعون فيه هو الجنة، ما أقامهم في ظلمة الليل وجعلهم يبتعدون عن فرشهم ومحل شهواتهم إلا هذا الأمر، نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون من أولئك الذين قال الله فيهم (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿١٦﴾). ماذا لهم يا ربنا؟ جزاء مفرح جدا قال (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) كما أنهم تركوا قرة العين بالنوم والتلذذ بما في الفراش فإن الله سبحانه وتعالى يجعل لهم قرة العين يوم القيامة. فقرّة العين ستكون لأولئك الذين تركوا قرّة العين لمن أجل الله جزاء من جنس العمل، (مَا أُخْفِيَ لَهُمْ) ما أحد يعلم وما أحد يستطيع أن يتصور ماذا أعد الله لهؤلاء الذين تركوا شهواتهم وملذاتهم وراحة أبدانهم من أجل ربهم يدعونه خوفا وطمعا أسال الله أن يجعلنا كذلك.
(جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) كما تركوا قرة العين نعطيهم قرة العين تقر عيونهم بشيء لا يتصورونه ولا يتوقعونه ولا يدور في خلد أحد مهما بلغ من سعة الخيال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. لو تجلس أنت ومائة من أصحابك المفكرين لتحاولوا أن تتخيلوا كيف سيكون النعيم في الجنة فإن كل خيال لو جُمع لا يمكن أن يبلغ شيئا مما فيها لأن الذي في الجنة فوق الخيال، الأمر في الجزاء أعظم بكثير مما يتوقعه الإنسان ولذلك عبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا التعبير البليغ الذي يرويه عن ربه جلّ وعلا: أعددت لعبادي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
قال الله عز وجلّ (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ﴿١٨﴾ أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى) المآل والمقام والمقر (نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) بسبب أعمالهم التي أسلفوها في الدنيا (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴿٢٠﴾ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ) قال العلماء العذاب الأدنى يراد به عذاب القبر (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٢١﴾) أو العذاب الذي سيكون لهم في الدنيا من الجوع والضر والبلاء.
سورة الأحزاب
ثم بعد ذلك تأتي سورة الأحزاب وقدد افتتحت بقول الله عز وجلّ (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) هذه السورة كانت طويلة جدا حتى قال أبي بن كعب: كانت لتعدل سورة البقرة بينما هي الآن في ثلاث وسبعين آية وتسمى سورة الأحزاب وهذا اسمها المشهور والسبب أن الله عز وجلّ ذكر فيها قصة الأحزاب لما قال الله عز وجلّ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴿٩﴾) وقال الله عز وجلّ (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴿٢٢﴾).
هذه السورة افتتحت بقوله (يا أيها النبي) والسور التي افتتحت بقوله (يا أيها النبي) الأحزاب والطلاق والتحريم، ثلاث سور ولذلك بعض الناس يسمي هذه السورة سورة النبي لأن هذه السورة اختصت بذكر حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يذكر في سورة أخرى في القرآن. يقول الله عز وجلّ له (يا أيها النبي) افتتح السورة بخطابه عليه الصلاة والسلام (يا أيها النبي) ثم يقول (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ) وهذه نزلت في حق النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان مدّعيا لزيد أو متبنيًا لزيد ابنًأ له على عادة العرب في الجاهلية. ثم قال سبحانه وتعالى (النبي أولى بالمؤمنين وأزواجه( حق أزواجه (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا). ثم ذكر الله عز وجلّ بعد ذلك أولي العزم من الرسل وهم نوح وابراهيم وموسى وعيسى قال (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴿٧﴾) وما جمع أولي العزم من الرسل إلا في هذه السورة وفي سورة الشورى. قال (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿٨﴾) هذه الآية مما يخيف، في يوم القيامة سيُسأل الصادق عن صدقه، لن يسأل المكذب أو الكافر أو المشرك حتى الصادق يُسأل عن صدقه والمظلوم يُسأل عن مظلمته، (وإذا المؤؤدة سئلت بأي ذنب قتلت) يؤتى بالمؤودة هذه الطفلة الصغيرة التي دفنت وهي حية فتُسأل حتى المؤودة تُسأل لماذا وئدت؟ فتقول سل من وأدني، فإذا كان الصادق والمظلوم سيُسأل فما بالك بالظالم والمعتدي والأفّاك والأثيم والكافر من باب أولى، حتى النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل: هل بلّغت؟ يقول نعم يا رب قد بلغت، يقول من يشهد له؟ فتشهد له أمته نشهد يا ربنا أن هذا النبي قد بلّغنا ويشهد له إخوانه الأنبياء، لن يسلم أحد من السؤال.
ثم ذكر غزوة الأحزاب وكيف أن الله عز وجلّ نصر نبيه نصرا عجيبا عندما تكالب عليه الأحزاب وأطافوا به وكادوا أن يهلكوه هو وأصحابه طافوا به من كل جانب فنصره الله عز وجلّ بجند واحد من جنده وهو الريح ولذلك قال مذكّرًا بهذه النعمة على رسوله ومبينًا عظمة هذا الرسول عنده (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴿٩﴾ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ﴿١٠﴾) تدور الأبصار في محاجرها من شدة الخوف وارتفعت القلوب حتى وصلت إلى حناجركم من شدة ما أصابها من الهلع (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴿١١﴾) واستمرت السورة تذكر هذه القصة العظيمة وهي غزوة الأحزاب إلى أن ذكر الله عز وجلّ قوله (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴿٢١﴾ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴿٢٢﴾)
ثم قال الله عز وجلّ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿٢٣﴾) من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه يعني أبانوا لله عن صدق إيمانهم كانوا عاهدوا الله على السمع والطاعة والبذل وعلى نصرة نبيهم صلى الله عليه وسلم في السراء والضراء فصدقوا ومنهم طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه الذي بايع وأسلم إسلامًا حسنًا ولما جاءت غزوة أحد وقف كالدرع لرسول الله صلى الله عليه وسلم يحميه بجسده وهذا شيء لا يكاد يصبر عليه أحد حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم من سرّه أن ينظر إلى رجل قد صدق ما عاهد الله عليه فقضى نحبه فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله، لأنه وقف موقفا لا يستطيع أن يصبر عليه، أن تقف فتُقتل أفضل من أن تقف بصدرك عاريًا ليكون درعًا للنبي صلى الله عليه وسلم والسهام تنغرس فيه من يمين ويسار وهو ثابت لا يتحرك ولا يتزلزل. (وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) ما غيروا شيئا مما عاهدوا الله عليه.
بعد ما انتهى من هذا جاء إلى حق النبي صلى الله عليه وسلم على أزواجه، ما هو حقه على أزواجه؟ قال (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴿٢٨﴾) من كانت منكن تريد السعة في الرزق وبيت حسن وأشياء جميلة فهذه لا يمكن أن تبقى معي لأني أنا ما جئت لعمارة الدنيا أنا أمتعها متاعا حسنا وأسرحها سراحًا جميلا (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿٢٩﴾)
ثم لما انتهى من هذا جاء إلى قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴿٣٦﴾) حقه في السمع والطاعة ثم جاء إلى أمر الله للنبي صلى الله عليه وسلم أن ينتفي من متبناه انتفاء عمليًا ليس فقط أن يقول للناس هذا زيد ابن حارثة وليس ابن محمد، هذه المرأة التي طلقها زيد تزوجها يا محمد حتى يبطل التبني ولا يقال أن هذا كان والدًا لفلان، انتهى وكأنه أجنبي عنه تمامًأ وهذا كان شديدًا على الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك سمع وأطاع (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) أخفى في نفسه أن الله تعالى أخبره أنه ستكون زوجا لها فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يريد أن يخبر أحدا بذلك ويتمنى أن ينسخ الله هذا الأمر (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا) الزواج تم في السماء لذلك دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم من غير عقد ولا وليّ وما على النبي إلا أن يسمع ويطيع.
ثم قال الله عز وجلّ (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴿٤٠﴾) ثم قال الله عز وجلّ بعد ذلك مبينًا ماذا له من الزوجات (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿٥٠﴾) وما له على زوجاته حتى القسم ليس واجبًا عليه صلى الله عليه وسلم من حقه على زوجاته أنه لا يجب عليه لهن حق بالقسم لذلك قال الله تعالى له (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ) يعني إن شئت أن تضم هذه إليك فتجعل لهذه ليلة وهذه ما تجعل لها ليلة من حقك حتى لا يضيق صدرك بالعدل بينهن ولكن النبي صلى الله عليه وسلم مع أن الله عز وجلّ خيره وأباح له ما يشاء كان يقسم بينهن بالسوية.
ثم ذكر الله من حقوقه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) غير ناظرين نضجه، لا تدخلوا مبكرين ادخلوا عندما يقال لكم تفضلوا، بيت النبي صلى الله عليه وسلم كله مترين في ثلاثة والصحابة يرغبون في الجلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا دخلوا ضاق عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أهله البيت فنهاهم الله تعالى أن يدخلوا إلا أن يؤذن لهم إلى طعام غير ناظرين نضحه (وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) لا يستطيع أن يقول لكم قوموا (وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ)
ثم جاء إلى زوجاته ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ) كل السورة تدور حول حق النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن أذاه. قال (وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا) قال رجل من الصحابة: لئن مات النبي صلى الله عليه وسلم لأنكحن عائشة فأنزل الله قوله (وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا) لا يليق بكم أن تخلفوه على زوجاته (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا)
ثم انتقلت إلى بيان مقام عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أن الله ربكم يصلي ويسلّم عليه (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) وبعدما ذكر أنه يصلي عليه قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) لكم أن تأتسوا بربكم فما أمرنا بذلك قبل أن يفعله ربنا سبحانه وتعالى قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). ثم قال (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ﴿٥٧﴾) ولما ذكر أذى النبي ذكر أذى المؤمنين فقال (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴿٥٨﴾) وهذه الآية فيها تحريم الأذى بكل صوره وأنواعه حتى الذي يؤذي الناس برائحة جسده في المسجد داخل في هذه الآية لا يجوز أن تؤذي المؤمنين بأية صورة من الأذى.
ثم قال الله عز وجلّ له بعد ذلك، جاءت الآية وهي قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴿٦٩﴾) نهاهم الله جميعا عن أذى نبيه كما فعل بنو إسرائيل عندما آذوا موسى، كانوا يقولون إن موسى آذر يعني عظيم الخصية بسبب مرض يصيب الرجال فأراد الله عز وجلّ أن يبين لهم، لماذا كانوا يقولون له ذلك؟ كان بنو إسرائيل يغتسلون وإذا سبحوا يسبحون سويا عراة أما موسى فلم يكن يفعل ذلك بل إذا أراد أن يقضي الحاجة أبعد، فكانوا يقولون ما ان يحمله على ذلك إلا أنه آذر أي عظيم الخصية، فأراد الله أن يبين لهم أن الأمر ليس كذلك، ذهب موسى ليقضي الحاجة فوضع ثيابه فأخذ حجر ثوبه فيقول ثوبي يا حجر ثوبي يا حجر حتى أقبل على بني إسرائيل وهو يلحق الثوب فرأوه وإذا به مثلهم فبين الله لهم أنه لم يفعل هذا الفعل من أجل عيب في خلقته ولكن لأنه كان يريد أن يستتر لأن هذا هو الأكمل وهذه هي الفطرة فالله تعالى ينهى المؤمنين ويقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴿٦٩﴾)
ثم ختتمت السورة بمثل ما افتتحت به لكن افتتحت بقوله (يا ايها النبي ) وختمت بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿٧٠﴾) لا تتكلموا بكلمة إلا وهي موافقة للحق (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴿٧١﴾).
ثم قال الله عز وجلّ الآية الشديدة على أهل الإيمان (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ)الأمانة هي الدين (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴿٧٢﴾ لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿٧٣﴾).
https://soundcloud.com/nasser-alusfoor/a2cdb3qkuffb