تفسير القرآن للشعراوي, كتب الشيخ الشعراوي

من كتاب بين الفضيلة والرذيلة – الصدق

اسلاميات

الصدق

 

  يقول الحق سبحانه وتعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} التوبة 119.

 

 أي يا من أمنتم بالله اتقوا الله أي اجعلوا بينكم وبين الله وقاية،  ولكن من المفروض أن المؤمن يكون في معية الله

فكيف يطلب الحق سبحانه وتعالى منا أن نجعل بيننا وبينه وقاية؟

 نقول، أي اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال في الله وقاية، وهنا  يأتي من يتساءل بأن الله سبحانه وتعالى يقول:{ اتقوا الله} ويقول سبحانه:{ اتقوا النار} فكيف ينسجم المعنى؟

نقول: ان المعنى منسجم، لأن النار جند من جنود الله تعالى، فكأن الحق سبحانه وتعالى يقول: اجعلوا بينكم وبين النار التي هي من جنودي صفات  الجلال وقاية.

 وقول الحق سبحانه وتعالى:{ وكونوا مع الصادقين} أي التحموا بهم فتكونوا في معية الله، فاذا جاء من بعدكم وجدوكم من الصادقين. اذن فـ { مع الصادقين} سابقة { لمن الصادقين} يوسف 51.

 ولكن من هم الصادقون؟

 مادة هذه الكلمة الصاد، والدال، والواو تدل على أن هناك نسبا يجب أن تتوافق مع بعضها البعض فما معنى هذه النسب؟

ان انسان حين يتكلم فانه قبل أن ينطق بالكلمة تمر على ذهنه نسبة ذهنية قبل أن تكون نسبة كلامية مثل اذا أردت أن أقول:” محمد زارني” قبل أن تسمع لساني ينطق بهذه العبارة فانها تمر على ذهني أولا، والمستمع لا يدري شيئا عنها، فاذا قلت لي كلاما أعلم أن النسبة الذهنية جاءت الى عقلك فتردد بها لسانك الى نسبة كلامية فنطق بها فلما سمعها السامع عرف أولا النسبتين، وقد تكون هذه النسبة صحيحة وواقعة، حينئذ يكون الصدق، وقد تكون غير صحيحة ويكون الكذب.

اذن فالصدق هو أن تطابق النسبة الكلامية الواقع، واذا لم تتوافق فهو من الكذب، فكل كلام يقال محتمل الصدق أو الكذب، والصدق هو الذي يجمع كل خصال الايمان،  وجاء في الأثر حديث البدوي الذي جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له:

في ثلاث خصال لا أقدر عليها:”  الأولى النساء، والثانية الخمر، والثالثة الكذب، وقد جئتك بخصلة من الخصال الثلاثة أتوب منها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن صادقا وما عليك” فلما ألحت عليه خصلة شرب الخمر قال: وان سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم:” أشربت الخمر” فماذا أقول له؟ لا بدّ ان أقول له الصدق فأمتنع عن شرب الخمر، وعندما نظر الى امرأة واشتهاها قال: ان سألني رسول الله:” ماذا فعلت مع النساء؟ فماذا أقول له؟ لا بد أن أقول له الصدق فامتنع عن النساء،

 وهكذا منعه الصدق من المعاصي،

 ولذلك عندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أيسرق المؤمن؟

 قال نعم.

أيزني المؤمن؟

 قال نعم،

 أيكذب المؤمن؟

 قال: لا.

والله سبحانه وتعالى ينبه الى أنه لا بدّ أن يكون كلامك مطابقا لواقع فعلك،  واياك أن تقول كلامك وفعلك غيره، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:

{

يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} الصف 2، 3.

 

**************************

من الكتاب القيم بين الفضيلة والرذيلة

للشيخ الجليل / محمد متولى الشعراوى