الحلقة الخامسة: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)- (إِحْسَانًا)
حلقتنا لهذه الليلة عدة كلمات متشابهات ولكن نبدأ بقوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴿8﴾ العنكبوت) هذه كلمة (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴿15﴾ الأحقاف) هذه اثنتان ثم (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ ﴿14﴾ لقمان) بدون لا حسن ولا إحسان. وقبل أن نبدأ في الفرق بين هذه الكلمات نشكر جميع الذين أغرقونا من فضل الله بنعم الله من حيث انهيال الفاكسات على هذا البرنامج الذي اكتشفنا منها أن الأمة حية قوية إن شاء الله فقد جاءتنا فاكسات في غاية العلم وفي غاية الغزارة وكأن الناس كلهم يشتغلون في هذا العلم الآن كما اشتغلوا قبله بالكلمة وأخواتها. وجاءتنا من بعض الأخوة ويبدو أنه من أهل العلم وإن لم يعرِّفون على شخصياتهم الكريمة إلا أن ما بعثوه لنا من عدة أوراق عشرة أوراق خمسة عشر ورقة فيها عدة آيات متشابهات وقد وجهوها توجيهاً في غاية الروعة منهم: رويدا نوري أحمد من الدنمارك وأحد الناس يلقِّب نفسه بالعبد الصالح من أمريكا ويقول بأنني أنا رفيقك كما كان العبد الصالح رفيق سيدنا موسى، ووصلنا بحثٌ عن المتشابهات في السمع والبصر الأبصار والسمع من الدكتور محمد جميل الحبّال من المملكة وجاءنا أيضاً مجموعة آيات متشابهات في غاية الروعة من السيدة أو الآنسة سهاد عبد الرزاق لم تذكر من أي مكان هي ومن الأشياء المتميزة جداً جداً جداً أوراق عديدة وصلتنا من الشيخ محمد أحمد خطاب من ليبيا أنا لا أعرفه ولكن أقول الشيخ لأن أوراقه تدل على علمٍ غزير وأسأل الله تعالى أن يوفقه وأن يعرفنا بشخصيته لنتشرف فيه. وجاءتنا مداخلة جميلة أبدأ بها من السيدة أو الأخت آمال عبد الفتاح من جدة تفريعاً على حلقتنا الفرق بين المؤمنين والمسلمين والمتقين قلنا وقتها بأن الإسلام اللفظي لا إله إلا الله ثم الإيمان العام ثم الإيمان الخاص (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ﴿4﴾ الأنفال) ثم المتقون (الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿63﴾ يونس) ثم الإسلام المطلق النهائي الذي هو صفة الأنبياء والرسل والصديقين كل الأنبياء قالوا (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿133﴾ البقرة) (أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ ﴿20﴾ آل عمران) فلما أدركت هذه السيدة أو الآنسة لا أدري هذا الفرق نبهتنا إلى آية لم أكن قد انتبهت إليها وهي قوله تعالى عن قوم لوط (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿35﴾ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿36﴾الذاريات) يعني أي واحد يقرأ الآية يقول كيف استعمل المؤمنين أولاً ثم يرجع رجوع على المسلمين كأن قوم لوط لم يكن فيها مؤمنين كان فيها مسلمون فما الفرق؟ الآن تقول عرفت وهو أن المؤمنين الذين هم آمنوا إيمان عام لكن (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي لوط لأن لوط نبي وهو من المسلمين ذلك الإسلام المطلق فكانت مداخلة جميلة.
نشرح موضوع الحلقة ثم نعرِّج على بعض ما أتحفنا به هؤلاء الأخوة من كل واحد منهم كلمة أو كلمتين لأنها أكداس إلى حد أنني اقتنعت الآن أننا لن نطيل الأمر في هذا البرنامج وإنما أردنا أن نثير هذا العلم لشدة غزارة ما وردنا من اهتمام المسلمين بهذا العلم وقدرتهم على الوصول إلى التفريق بين المتشابه وحل رموزه. ويوم بعد يوم ولو بقينا شهرين أو ثلاث إن شاء الله حينئذٍ سيكون هناك فتح بين الناس وقد وجهنا الناس إلى ما ينبغي أن يتوجهوا إليه وأنا واثق أن الله سبحانه وتعالى سيوفقهم جميعاً حتى يُثروا هذا العلم بجميع الآيات المتشابهات في القرآن الكريم. وهذا من إعجاز هذا العصر وقلنا سابقاً عن إعجاز القرآن أن القرآن ثابت النص ومتحرك المعنى إلى يوم القيامة ولهذا معجزة هذا العصر وميزته على العصور السابقة أن الناس انتبهوا إلى الفرق بين الكلمات والفرق بين الآيات المتشابهات.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا)
آيات اليوم (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) لاحظ قبل كل شيء الله ما قال وصينا المؤمنين بل وصينا الإنسان عموماً. يريد الله عز وجل أن يقول أن هذا علاقة الأبناء بالآباء وعلاقة الآباء بالأبناء هي من خصائص هذا الإنسان لا تجد هذه العلاقة بين كل الأحياء الأخرى، الحيوانات نعم هناك أمٌ تعرف أطفالها ولكن الأب لا يهتم من هو ابنه والابن لا يهتم من هو أبوه بل أن الابن لا يهتم من هي أمه وحينئذٍ الأم فقط في المخلوقات الحية هي التي تهتم بأطفالها إلى حين. من أجل هذا هذا من خصائص الإنسان إحترام الأبوين وتقديرهما وتقديسهما وحسن التعامل معهما هذا من خصائص الإنسان لأن الله تعالى وصاه بذلك، رب العالمين هو الذي غرس في هذا الإنسان من جملة عناصر أنسنته عندما خرج من المملكة الحيوانية فوهبه الله سبحانه وتعالى العلم (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴿31﴾ البقرة) (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ﴿12﴾ التحريم) وحينئذٍ تأنسن الحيوان وحينئذٍ من عناصر أنسنة هذا المخلوق هو أن يكون باراً بوالديه (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ ﴿14﴾ المؤمنون). (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) أي العطاء أن تطعمه وأن تسقيه وأن تقدم حاجاته أن تقدم له حاجاته ما يحتاجه من مأكلٍ ومطعمٍ وملبس هذا الإحسان. وفي الآية (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) هذا لا يكون بالعطاء وإنما بحسن التعامل، كيف تحترمه؟ أنت قد تعطي أباك لكنك تشتمه ولا تحترمه أو تتكلم معه بدون احترام هذا أنت أعطيته أنت بريّت به وهذا الفرق بين الحسن والبر. البِرّ أن تعطيها ما تحتاجه وأن تعطي أباك ما يحتاجه، الإحسان أن تعطيه بشكلٍ جيد هذا الفرق بين البر والإحسان. البِرّ أن توفر له حاجاته لكن قد تقدمها بشكل غير لائق فيها شيء من الغلظة أو الخشونة وقد تشتم أباك وقد تزدريه من كِبَره أو تزدري أمك لكن الإحسان أن تعطي هذين الأبوين هذا البر بشكل في غاية الدقة والأناقة والجمال من حيث أنك تكون خادماً لهما وتقريباً وبلا مبالغة ولا مباهاة 99% من هذه الأمة يتعاملون مع آبائهم وأمهاتهم عند العطاء بهذا الخضوع والذل. وهذا الذل من أعظم أنواع العز (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ ﴿24﴾ الإسراء) هذا الذل هو من أعظم أنواع العز في الأرض. ولهذا ملوك الأرض والذين فتحوا البلدان والذين قاموا بأنواع من الحضارات والتحضّر أمام والديه كالعبد هذا الذل العبقري الذي هو أعلى قيمة الإنسان العظيم العزيز. هذا الإحسان، فحينئذٍ كلمة الإحسان ما يتعلق بالعطاء توفر له حاجاته لكن ليس فقط مجرد بِرّ وإنما تقدم هذا العطاء لهما بشكل لائق يدل على احترامك لهما وعلى عدم المِنّة أن لا تمنّ عليهما كأن تقول أنا أعطيتك وجئت لك الخ لا إطلاقاً وحينئذٍ وصاك الله بهما حسناً أي كيف تتكلم معهما؟ إذا جاء أبوك أو جاءت أمك تقوم بوجههما وإذا تكلمت معهما تكون في غاية الخضوع يعني إنتبه إلى الحديث المتفق على صحته عن الثلاثة الذين أغلق عليهم الغار مسافرون ثلاثة ودخلوا غاراً عندما جاءت عاصفة فالعاصفة جاءت بحجر ثقيل فأغلقت باب الغار ولم يستطع أحدٌ منهم أن يزحزح هذا الحجر ونفذ ما معهم من ماءٍ وطعام وأوشكوا على الهلاك فتح لله على أحدهم وقال يا جماعة تعالوا نتوسل إلى الله عز وجل بأحسن عملٍ عملناه في حياتنا وكل واحد جاء بعمل الثالث قال يا ربي أنت تعرف أن لي أم وأب وصارا كبيرين وأنا عندما أعود من العمل والعمل كان بين الإبل وبين الغنم يعني كان صاحب إبلٍ وغنم كنت آتي لهما باللبن لكي يتعشيا لكي يناما وكنت لا أعشي أطفالي إلا بعد أن أعشي والدي-وطبعاً نحن نتكلم بالمعنى وليس بلغة الحديث- لا يعشي أولاده إلا بعد أن تشرب الأم والأب هذا اللبن ثم يناما ثم يذهب ويوقظ أطفاله حتى يعشيهم، يوم من الأيام جاء وقد وجد أبويه نائمين وهو يحمل لهم غبوقهما يعني كأسين من اللبن فلما وجد الأبوين نائمين بقي يحمل هذين القدحين إلى أن استيقظا عند الفجر وهو يحمل هذين القدحين وهو واقف أمام رأسيهما وأولاده جائعون ولم يعشهم إلا بعد أن استيقظ الأبوان فقدم لهما هذا العشاء البسيط وهذا هو عشاؤهما كل يوم لا يشربان غيره وبكل أدب بكل خدمة سقاهما كما تسقي الأم المرضعة طفلها ثم عاد بعد أن صليا وعادا وذهب وأيقظ أطفاله لكي يعشيهم، هذا (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) كيف تتعامل (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ﴿23﴾ الإسراء) ولا أفّ هذا من الحسن وليس من الإحسان. فالإحسان هو العطاء عشاء وغداء ولباس الخ هذا من الحسن (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴿15﴾ لقمان) حينئذٍ كل تصرفاتك أبداً أنت عبدٌ عندهما وكلما ازدادت عبوديتك لهما ازدادت عبوديتك لله عز وجل وكنت عبداً صالحاً عند الله سبحانه وتعالى. لأن رضى الله عز وجل من رضاهما لا يرضى الله عنك إلا إذا رضي عنك أبواك. فكلما أمعنت في الخدمة والذل لهما وخفضت لهما جناح الذل إذاً هذا هو الفرق بين الإحسان العطاء سواء كان إذا كان مجرد عطاء يسمى بِرّاً إذا كان عطاء مع هذا الاحترام والإجلال والتقديس والتكريم يسمى إحساناً إذا كان بكل يومك يعني عندما تتحدث معه بأدب تجلس بين يديه بأدب عندما يقوم تقوم عندما تستقبله تنهض للقائه إذا ناداك تقول له لبيك، بهذه العبودية التي جعلها الله جائزة للأبوين أنت قدمت لهما حُسناً هذا الفرق بين (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) وهو طعام وشراب وبين (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) وهو تعامل رقيق وأنيق في غاية الذل لهما. الآية التي تقول (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) وسكتت هذا يعني الاثنين، رب العالمين أجمل هذه الحالة وهذه الحالة أجملها بآية واحدة وقال (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) لماذا؟ قال (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴿14﴾ لقمان) لم يذكر فضائل الأب لأن فضائل الأب أنت تدركها وأنت كبير أبوك يبدأ دوره معك عندما تميّز قبل هذا أنت عند أمك شقاؤها وسهرها وتعبها وحملها أنت لا تدركه لم تره ولهذا ربما تذهل عن أفضال أمك عليك وأنت لا تذهل عن أفضال أبيك ولهذا رب العالمين يقتصر على فضائل الأم على أولادها. إذاً هكذا هو الحسن والفرق بين الحُسن والجمال أن الجمال شيءٌ متميز عن غيره من حيث قيمته الجمالية، الحُسن هو الجمال إذا كثر واشتد وتعمق حتى صار مبهجاً. إذاً الإحسان جمالٌ مبهج أحياناً جمال عادي هذا كأس جميل هذا بيت جميل لكن هناك جمال عندما تراه تقف وتقول سبحان الخلاق العظيم! ما هذا الجمال! إذا انبهرت بذلك وابتهجت نفسك به يسمى حسناً. من أجل هذا التاريخ ينقل لنا عن بعض الذين عاملوا أبويهم بحسنٍ مبهج عجائب. ولهذا اقصر طريقٍ إلى الجنة هو التعامل مع الوالدين بحُسن هو البِرّ ومن رحمة الله رب العالمين قال (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴿78﴾ الحج ) رب العالمين تكلم عن بر الوالدين حتى لا ييأس أحد أنت ما دمت تكفي والديك أنت بخير لكن هذا الخير يتفاوت الجنة يا جماعة مائة درجة كل درجة بينها وبين الأخرى كما بين السموات والأرض وكل درجة عن درجة في النعيم كما بين الكوخ والقصر من أجل هذا قال (فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا ﴿75﴾ طه) (وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴿21﴾ الإسراء) إذا أردت أن تدخل الجنة فبالبِرّ، وإذا أحببت أن تترقى في الدرجات العلى التي هي منازل الأنبياء والصديقين والشهداء فعليك بالإحسان أولاً ثم تنتقل إلى الحُسن، تكون في غاية الذل وأن تقدم لهم ثم في غاية الجمال والحسن المبهج لنفس الأبوين. فالأبوان عندما يرونك كيف تقبل يده كيف تقوم كيف تحترمهم يشعرون ببهجة. من أجل هذا أنت أعظم أنواع الإنسان يوم القيامة إذا جئت وأبواك راضيان عنك من حيث أنك بلغت القمة في التعامل معهما لأنك قدمت لهما ما قدمت بحسنٍ وليس بمجرد إحسان بل ترقيت من البِرّ إلى الإحسان إلى الحُسن أصبحت أنت مبهجاً لهما إلى أن ماتا بين يديك وهما في غاية البهجة حينئذٍ لا عليك ما فعلت. “ثلاثةً لا ينفع معهنّ عمل عقوق الوالدين وثلاثة لا يضرّ معهن ذنب ومنها بر الوالدين” فكيف الحسن إلى الوالدين؟! هذا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. هذه القمم يوم القيامة معدودات، عندك أصحاب الذكر، أصحاب العلم، طبعاً دعك من الأنبياء والصديقين والشهداء هؤلاء قضية أخرى أيضاً، السخاء، الحاكم العادل، قمم يوم القيامة من ضمنهم إذا لم تكن أنت بمالٍ تنفق ولا بحاكم تحكم بالعدل ولا ولا الخ فلتكن مع أبويك مبهجاً لهما بأن تتعامل معهما بحسن.
د.نجيب: اقتران العبادة بالتوحيد (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴿36﴾ النساء) التوحيد والوالدين
د. الكبيسي: هذا الإقتران المخيف يعني جعلهم الله عز وجل كتوحيده الشرك وعقوق الوالدين (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴿23﴾ الإسراء) ما قضى إلا هذا رب العالمين (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ومن كرمه رب العالمين لم يقل حسنا قال إحساناً وهذا تقوم به بسهولة. أما الحُسن هذا درجة عالية لمن يسّره الله له ولهذا في الفقه الإسلامي لا يجوز أن تعطي أبوك زكاة لما رب العالمين قال الزكاة لمن؟ قال الصدقات (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ ﴿60﴾ التوبة) لم يقل والأبوين، الأبوان (أنت ومالك لأبيك) ما لم تقتنع بأنك عبدٌ عند أبيك وكل ما تملكه إنما هو ملكٌ لأبيك فأنت لا تصل إلى مرتبة الحُسن ونحن نتكلم الآن عن مرحلة الحسن. ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قيل له يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال “الصلاة على وقتها قالوا: ثم أيّ؟ قال: بر الوالدين” البر مجرد بر الوالدين يعني العمل الثاني بعد الصلاة لأن الصلاة ليس لها بديل وإذا كان البر هكذا فما بالك بالحُسن؟! والحسن لا يعمله إلا القليل لأن هذا يحتاج إلى ثقافة، إلى معرفة بالله عز وجل، إلى أن يُعلَّم هذا الإنسان هذا الأب المسلم ما معنى أن تكون مع أبيك حسناً؟ وهكذا أما البر ما دمت إنساناً أنت بك غريزة وميل طبيعي إلى أن تبر بأبويك ولهذا الله قال (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ) لمجرد كونك إنساناً من عناصر أنسنتك بعد أن أخرجك الله من المملكة الحيوانية وأطلق يديك من الأرض فسوّاك فخلقك فعدلك أطلق يديك حينئذٍ جعل من عناصر هذه الأنسنة أن تكون باراً بوالديك تميل إليهما، تنتسب إليهما، لهما حظوة واحترامٌ عليك وإلى كل المنظومة التي هي حسنٌ أو إحسانٌ أو برٌ ولكلٍ شرحها الذي يطول.
د. نجيب: وهذا الذي يجري الآن في العالم المادي من عقوق للوالدين وانقطاعٍ لهذه الصلة يعتبر خروج عن الإنسانية؟
د. الكبيسي: بالتأكيد، وثق كل من يغلظ القول لأبويه أو يعقهما ليس إنساناً قطعاً ناهيك عن كونه ليس مسلماً ويقول النبي صلى الله عليه وسلم العقوق يدخله النار وإن صلّى وإن صام لا ينفع “ثلاثة لا ينفع معهن عمل الشرك بالله” المشرك ماذا ينفعه إذا صام وصلى؟ فهو يعبد الله والقبر أو الله وحسين الله وعبد القادر أو الله والصنم أو الله والوثن فهذا مهما عمل لا قيمة له “والتولي يوم الزحف وعقوق الوالدين” إذا كان عقوق فقط ما قدم لهم الطعام فقط ناهيك عن كونه إحساناً أو حسناً. فالقضية خطيرة هما جنتك ونارك أقصر طريق إلى الجنة الأبوان وأقصر طريق إلى النار الأبوان. من الأحاديث العجيبة يقول النبي صلى الله عليه وسلم (أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين) (ثلاثة حرّم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاقّ لوالديه والديوث) فتلاحظ أنت شخص يصوم ويصلي ومتدين ولكنه عاق لوالديه حسابه كحساب الديوث الذي يرى امرأته تزني وهو فرحان أو ساكت نعوذ بالله أو ابنته تزني وهو راضٍ هذا ديوث فهذا ما هي قيمته كإنسان؟ والمدمن الخمر من بلغ إلى أن مات وهو سكران والعاق لوالديه. “قال: يا رسول الله شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الخمس وصمت رمضان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ما لم يعق والديه” يعني يسقط من كونه مع النبيين هو يصلي خمس أوقات الخ قال له أنت مع النبيين والصديقين والشهداء ما لم تعقّ والديك إذا عققت والديك كل هذا لا قيمة له، ينتهي يعني كأنك لم تفعل (ملعونٌ من عقّ والديه) ملعون ونحن نتكلم في العقوق والبر يعني الحد الأدنى. وبالتالي ملعون أي لا يُرحم وفي القول (ليرحمنّ الله الناس رحمة يوم القيامة يتطاول لها إبليس) هذا يصلي ويصوم لكنه لا يرحم ولا رحمة فرب العالمين يرحم السكارى الخ إلا القتلة والمرابين والعاقين لوالديهم لا يرحمون أبداً يوم القيامة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله من غيّر تخوم الأرض ولعن الله من سبّ والديه) ويكون إما سبهما أو سبّ أحداً فيسب ذلك الإنسان والديه أيضاً. حديث آخر (كل الذنوب يؤخر الله فيها ما يشاء إلى يوم القيامة) فعلاً تلاحظ في بعض الذنوب ترى أثرها في الدنيا قبل الآخرة. القاتل لابد أن ينال شراً (لن يزال المؤمن بخير ما لم يصب دماً حراماً) ولهذا وخاصة إذا كان الدم على عقيدة تتهمه بأنه مشرك كما يحصل الآن في العراق ناس تقتل ناس على أساس أنهم كفار أنت شيعي كافر وأنت سني كافر وأنت صوفي كافر وأنت سلفي كافر وأعملوا السيف فيما بينهم حتى سالت دمائهم هذا خالد في النار (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا (93) النساء) على إيمانه وتصور شخص كافر وخاف منه قال لا إله إلا الله وقتله قال له الرسول صلى الله عليه وسلم (أقتلته وقد قالها؟! فقال له: يا رسول الله قالها فرقاً من السيف) فقال له كلام طويل بما معناه أنك أنت خلاص يئست من رحمة الله وليس هو فقط ييئس إذا واحد رضي بهذا يبعث يوم القيامة مكتوب على جبهته آيس من رحمة الله لأنه رضي على هذا القتل. أما نحن نتكلم عن القتل العادي اعتداء والخ. من أجل هذا موضوع مسألة التلاعب بالأبوين يعني أبداً هما جنتك ونارك ولهذا بعض الذنوب تؤخَّر فمهما كان ذنبك الله سيحاسبك وممكن يغفر لك لكن هناك ذنوب يعجل الله جزاءها في الدنيا كنموذج (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ﴿21﴾ السجدة) ومن ضمنها عقوق الوالدين وربما كان من جنس العمل وفي هذا حديث (برّوا آباءكم تبرّكم أبناؤكم، عفّوا تعفّ نساؤكم). على كل حال الأحاديث في هذا معروفة ولكن ليس هذا موضوع الباب ولهذا نقف عند هذا الحد. ومن حسن التعامل أن يعين أباه وأمه على أداء الصلوات وعلى أداء الفرائض ويحادثهم أوقات الفراغ لكي لا يسأموا وأن يبرّ أصدقاءهم وأن يكرم ضيوفهم إذا جاءوا ومن الحُسن الشديد للأبوين إذا مات أحدهما أو كلاهما أن تبرّ أصدقائهما، من كان أبوك وأمك يبروهم؟ بِرَّهم أنت بعد موتهم وهذه فيها نماذج في غاية الروعة في التاريخ.
اتصال من الأخ أبو صالح من السعودية: يا شيخ سؤالي ما هي أسباب عقوق الوالدين؟ وليس من الناحية الدينية بل في المجتمع كامل سواء كان من المسلم أو غير المسلم؟
الإجابة: إذا كان من غير الناحية الدينية فهي مسألة تربية. أولاً أولادك إذا رأوا أنك أنت أبوهم تتعامل مع أبويك بخشونة سوف يعاملونك بالمِثل فإذا أردت أن يبرك أبناؤك فعليك أن تبر أنت أباك وأمك أمام أولادك لكي يتعلموا هذا. ثانياً من العقوق المشروع وهذه أيضاً لا بد أن تُذكر من العقوق المشروع أن يعقّ الأب أبنائه قبل أن يعقّه أبناؤه يعين لكي يكون بر أبنائك لك مقطوع الحكم ليس فيه أي نقاش عليك أن لا تعقهم أنت قبل أن يعقوك وعقوقك لأبنائك في ثلاثة (يسأل العبد أباه يوم القيامة عن ثلاث عن اسمه وعلمه وأمه) إذا اخترت أماً سيئة وفرضت هذه الأم على أبنائك إن عقوك فلا شيء عليهم لأنك أنت عققتهم ثانياً إذا لم تعلمهم العلم أي علم من العلوم ولكن ما أن شبوا حتى جعلتهم يعملون بالأعمال الخ. ثالثاً عن أسمائهم لا بد أن تحسن أسمائهم ولهذا جاء رجل إلى سيدنا عمر رضي الله عنه قال (يا أمير المؤمنين إن ابني يعقني قال: كيف هذا؟ قال: والله إنه يعقني ويفعل بي كذا والخ فسيدنا عمر أرسل إليه فجاء فقال له: أصحيح ما بلغني أنك تعق أباك؟ قال: قبل أن تسألني هذا اسأله لم عقّني؟ قال: كيف عقّك؟ قال: اختار لي أماً سوداء وها أنت تراني أسود وأبي أبيض وحيثما ذهبت يظنونني عبداً ويسيئون إلي ثانياً سماني جُعَل) والجعل كما تعرفون الخنفساء ذكر الخنفساء الذي يلعب بالغائط (كلما نودي عليّ الناس تضحك، ثالثاً لم يعلمني شيئاً من القرآن ولا من العلم، فسيدنا عمر قال له: قم لقد عققته قبل أن يعقك). وبالتالي مسؤولية الآباء عن أبنائهم من حيث المسؤولية أعظم من مسؤولية الأبناء عن أبيهم لماذا؟ لأن مسؤولية الأبناء تسقط فقط بالإحسان إذا أحسنت إلى أبيك أطعمته وهو جائع، ألبسته وهو عارٍ أسكنته في مكان خلاص أنت خرجت من دائرة العقاب والعذاب، نحن نتكلم عن التقدم فأنت إذا صليت ركعتين الصبح بالفاتحة فقط وأربع الظهر وأربع العصر خلاص أنت الحمد لله ناجي لكن أنت ناجي وين؟ أي كلام في الجنة؟! أصحاب الدرجات العلى خمس الركعات مع الآذان مع الإقامة مع سورة الفاتحة مع التسبيحات مع الجماعة إذاً (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴿132﴾ الأنعام) لكنه ناجي، لكن مسؤولية الآباء أعظم من أجل هذا إذا أردت أن لا يعقك أبناؤك فعليك أن تحسن اختيار أمهاتهم واختيار أسمائهم وأن توجههم إلى العلم الضروري الذي يُخرجهم من حظيرة الجُهّال.
اتصال من الأخت أم محمد من أبو ظبي: إذا الوالدين عاقين في أبنائهم وظالميهم ويحرمونهم حتى التعامل يكون بالضرب وبالحرمان وفي النهاية ما هي النتيجة كيف نتعامل معهم؟
الإجابة: تعرفين يا ابنتي صح من حقك حينئذٍ ربما لا تحاسبين على عدم البِرّ بهما ربما، ولكن ثقي إذا كان الأبوان بهذه القسوة ونحن في هذه الأمة أعداد محدودة جداً جداً لا تكاد تذكر من وجود أم قاسية على أولادها قسوة شنيعة إلى حد التعويق أو أب قاسي على أولاده قسوة إلى حد إعدام الشخصية موجود ولكن بِنُدرة ومع ذلك إذا كان لك أب أو أم مثل هذا وبالرغم من كل جرائمه معكم وأكرمتموه واحترمتموه والله هذه يوم القيامة تأتي من صفات الأنبياء أنت مع الأنبياء ولهذا قيل يا رسول الله أيّ الصدقة أفضل؟ قال (على ذي الرحم الكاشح) عندك أخ أو عم أو خال أساء إليك إساءات عجيبة ومع هذا أنت تصله، يا الله! يوم القيامة أنت مع (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴿134﴾ آل عمران) هذه القمة العالية بالجنة أولئك أصحاب الدرجات العلى فإذا أشفقت على هذا الأب المسكين الذي هو من أهل النار أو على هذه الأم المسكينة القاسية وقلت يا ربي أسامحهم لوجهك الكريم وأكرمتيهم اعلمي أنك يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين هذا من أعظم أسباب الصلاح ما من سببٍ يجعلك مع الصالحين إلا أن هذا الأب القاسي، هذا الأب العاق، هذا الأب المجرم وهم موجودون ولو قلة أفراد فلان وفلان وفلان لأننا نحن أمة مباركة في هذا الباب، أمة أسرية لكن موجود هذا النوع، حالة حالتين في كل مدينة وقد يكون في الجيل أربع خمس حالات وصبر عليهم الأبناء وعوضوهم بالبر يا اللهّ إن هؤلاء الأبناء يوم القيامة من ملوك الجنة. فإذا أردت أن تكوني ملكة في الجنة من الآن اغسلي هذه الكراهية الموجودة وقولي يا ربي مسامحين لوجه الله وأكرميهم وسوف ترين ما ترين يوم القيامة إن شاء الله.
طبعاً الأحاديث كثيرة في هذا الموضوع فنحن قبل أن ننتهي نلقي عليكم بعض إنتاج السامعين في هذا البرنامج وطبعاً هم كثير ويخيّل لي أنا الآن لن أحضر حلقة فقط أجلب من هذه الأوراق وأقدمكم إياها جاهزة كاملة. البنت ابنتنا سهاد عبد الرزاق نحن قلنا يمكن من المملكة الله أعلم أرسلت صفحتين في غاية الروعة وكم من آية سأقرأ لكم واحدة وطبعاً هذا من إنتاجها هي:
أولم يعلموا وأولم يروا:
في سورة الزمر آية 52 (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿52﴾ الزمر) (أولم يعلموا) وفي سورة الروم (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿37﴾ الروم) نفس الآية فقط غيّر (أولم) يروا آيتين الأولى (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا) والثانية (أَوَلَمْ يَرَوْا) نحن عندنا في القرآن الكريم كما تقول هي وطبعاً في غاية الروعة الله يحفظها في غاية الروعة (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا) هناك الله علمنا علم قال (أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ﴿26﴾ آل عمران) هذا علم ما قرؤوا هذا، ما علمتم؟ ما علموا. ثانياً نترك العلم ما رأيتم؟ على صعيد الواقع ماذا نفعل هناك أغنياء فقروا وفقراء اغتنوا وهكذا فالفرق بين النظرية وبين التطبيق وكثيرٌ من هذا الجمال.
اتصال من الأخ أبو زهير من العراق: هل أستطيع أن أقدم حج والدتي على حجي؟ هذا الشق الأول من السؤال والشق الثاني من السؤال أن والدي توفى ولم يحج أنا مفروض حاج ووالدتي مفروضة حاجة فهي كبيرة في العمر الآن ووالدي توفاه الله ولم يحج إلى الآن فكيف أبر والدي وأبر والدتي؟
الإجابة: تأخذ أمك للحج وتحج عن نفسك وتكلف هناك من يحج عن أبيك وفي مرة واحدة تذهب تحجج أمك وتحج أنت أيضا ًوتحج عن أبيك إن شاء الله.
الشيخ أحمد خطاب بعث لنا كتاباً فكل يوم سبع ثماني ورقات يتكلم عن (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ﴿96﴾ الأنعام) عن (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴿5﴾ الرحمن) ويقول الشمس والقمر حسباناً أي وسيلة لحساب الزمن، الله قال فعلاً (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ﴿5﴾ يونس) يدل على أن الشمس لها حسابٌ والقمر له حساب. أما الآية الثانية (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) أي يجريان بحسابٍ دقيق مقرر معلوم من الحق سبحانه وتعالى. وتكلمنا قلنا (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ ﴿12﴾ فاطر) (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ﴿14﴾ النحل) فيه مواخر يلفت نظرك إلى قوانين البحر ومواخر فيه يلفت نظرك إلى قوانين الملاحة وهكذا بالتقديم والتأخير وهكذا تقريباً يعني مثلاً تفسير في غاية الروعة قوله تعالى (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ﴿5﴾ الحج) هذه آية، الآية الأخرى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ﴿39﴾ فصلت) ما الفرق بين هامدة وخاشعة؟ كلام في غاية العلم. الهامدة الأرض الميتة بالكامل فرب العالمين أحياها بالأنهار كما ذكرنا في حلقة الأنهار أرض هامدة لا شيء فيها فهي كانت هامدة موت كامل أما الخاشعة لا تكون ميتة بل معبأة ببذور ومهيأة بالكامل عندما ينزل مطر كل هذه الحياة تمشي كالقلب الخاشع إذا نزل عليه ماء الذكر هذا الفرق بين القلب الميت (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ ﴿46﴾ الحج) وبين أن يكون غافلاً لكن قلبه مستعد ما أن تأتي بضعة إيمانيات حتى كل ما في قلبه من خير يخرج من أجل هذا وطبعاً كلام كثير من آياته التي أعجبتنا. والله لا أدري والآن ربما يسمعنا نرجو من الأخ الشيخ هذا الكريم أخ أحمد محمد خطاب من ليبيا أن يرسل لنا تلفونه حتى نتواصل معه وقد نسأله عن مشاكلنا إذا أشكل علينا شيء ويبدو أنه ما شاء الله من أهل العلم.
كذلك يعلمنا الشيخ أحمد خطاب عن قوله تعالى (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴿53﴾ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴿54﴾ لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿55﴾ النحل) في آية أخرى (لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴿66﴾ العنكبوت) فلدينا (فَتَمَتَّعُوا) و (وَلِيَتَمَتَّعُوا) الفرق بينهما أن هذا مع الكافرين وهذا مع المنافقين ويفسر لك لماذا فعل هذا وذاك؟. كما قلت طبعاً الأخ الدكتور عامر يتكلم لنا عن السمع والبصر يعني شيء في غاية الجمال وكذلك البحث الذي أرسلنا إياه الدكتور الحبال في نفس الموضوع لكن كل واحد عن إعجازه ومن حيث التقديم والتأخير على كل حال هذا العلم يبدو أن الله سبحانه وتعالى ساقه إلى الناس في وقته ولهذا هذا الإقبال من الجمهور والسامعين إقبال جاد ومفيد وجدي ومثمر وهناك أناس يسألون أسئلة لا يعرفون أجوبتها ونجيبهم على قدرنا علمنا وهذا يعني أن الناس الذي يعرف سوف يساعدنا ويساعد الجمهور بأن يرسل لنا إنتاجه لكي نستعين بالله وبه على هذا الموضوع والذي عنده سؤال يسأله إن شاء الله.
إتصال من الأخت أم محمد من الشارقة: أريد أن أسألك بخصوص عقوق الوالدين أنا عندي والدتي كانت منذ الصغر لا أذكر لها إلا المعاملة السيئة والضرب والإهانة إلى أن كبرت وأنا أكبر أخواني وحتى السبب لا أعرفه حتى بقية أخواني لا تعاملهم مثلي لكن الآن عندما كبرت أصبحت أنا أكثر واحدة مطيعة من أخواني لها ولا استطيع أن أرفض لها طلبولا أدري إن كان هذا ضعف بي وهذا الشيء مؤثر في نفسياً حتى دراستي لم أستطيع أن أكملها يعني ما أذكر لها إلا الإهانة والكلام القبيح فحتى صرت أقارن معاملتها لي وبين معاملتها لأخواني وأقارن نفسي بصديقاتي والناس الذين أراهم فهذا الشيء أثر بي فأنا لدي الآن ابنة صغيرة فأنا أقسو عليها وأضربها بلا سبب حتى أتذكر المعاملة لكن الشيء الوحيد أنني أنا عندما أكون معها لا استطيع أن أرد لها كلمة حتى لو طلبت مني أن أقتل نفسي ممكن أن أفعل هذا فقط لكي ألبي طلبها ولم أعصها ولا يوم لكن أنا نفسياً الأشياء المؤثرة بي هي المعاملة السيئة ولا أذكر السبب ما هو بالضبط؟ أنا لا أدري حتى لدرجة أنني كنت متعلقة بجدتي أكثر منها الله يرحمها. إلى الآن أنا سيدة متزوجة وكلامها وتعليقها ليس فيه كلمة طيبة لكنني أنا ضعيفة جداً أمامها ولا أقدر حتى أنا من نفسي عن طيب خاطر لست مجبرة إني أعاملها معاملة سيئة لا وأتمنى وأدعيلها في صلاتي والله يعلم ربنا يطول عمرها ويخليها لكن الشيء الوحيد أني نفسياً أنا هذه عقدتي في الحياة كلها المعاملة السيئة أنا لا أذكر شيئاً غير الأشياء السيئة وأريد أن أتخلص من هذه الذكرى؟
الإجابة: هذا موجود في المجتمعات حالة حالتين ثلاث أربعة يا بنتي إذا أحب الله عبداً اجتباه والله قال اعملوا ما شئتم ووراءكم حساب لكن بعض العباد رب العالمين ييسر لهم عملاً صالحاً لحبه لهم (إذا أحب الله عبداً اجتباه) حينئذٍ كان ممكن مثلك وما عليها شيء لو أساءت لأمها وقطعتها وو الخ لأنه بهذا كما ورد في قصة سيدنا عمر. لكن رب العالمين لما يريد واحدة مثلك يرفعها مع النبيين والصديقين زرع في قلبك هذا الجمال وهذا الصبر عليها بالرغم من كل شيء وسوف تعلمين يوم القيامة تقولين يا ربي يا ريت زادتني أمي قسوة وضرباً وإهانة عندما ترين ما أعد الله لك من هذا العمل. ومن حسن الطالع أن قضيتك هذه الآن تنطبق على هذا الذي جاءنا من سهاد عبد الرزاق تقول في سورة النحل واسمعي يا أم محمد هذه لك (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿96﴾ النحل) وفي سورة العنكبوت (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿7﴾ العنكبوت) وفي الزمر (وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿35﴾ الزمر) هذه الآيات أولاً الصابرون كما تعرفين الصابرين يوم القيامة والله قال (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿155﴾ البقرة) ما من كلمة جاءت في القرآن أكثر من كلمة الصبر، لا صلاة لا صوم لا حج لا زكاة كله الصبر والله قال (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿10﴾الزمر) فأنت من أشد الصابرين. لاحظ الفرق أين؟ هناك شخص صابر على ألم جسماني وصبر ما الذي بيده غير أن يصبر؟ ليس هناك مجال يجب أن يصبر هذا الله قال هذا سنجزيه أجره نعطيه أجره على صبره على ألمه الذي لا بد أن يصبر عليه لكن أنت كان ممكن أنت كان بإمكانك أن تتخلي عنها هذا الذي يجزيك أجرك (بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) من حيث كل أعمالك الأخرى مهما كانت جهاد، صلاة، صوم، حج، حجيت مليون مرة وتصلين التهجد وتصومين الاثنين والخميس لن يصل إلى صبرك على هذه الأم السيئة بقدر ما هي ملعونة الأم والأب الذي يقسو على أولاده بهذه الدرجة ملعونان.
د. نجيب: نعوذ بالله من ذلك ويكفي أن الله سبحانه وتعالى كما تفضل الشيخ لم يذكر الشكر إلا لله سبحانه وتعالى وللوالدين (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴿14﴾ لقمان) جعلنا الله سبحانه وتعالى ممن يحسنون إلى والديهم حسناً وإحساناً ثم شكراً ثم شكراً لفضيلة شيخنا الجليل وللأستاذ أحمد محمد خطاب والأخت سهاد وبقية الأخوة والأخوات نرجو أن نحصل على هواتفهم لكي نستضيفهم على الهواء في المرات القادمة والسلام عليكم ورحمة الله.
بُثّت الحلقة بتاريخ 4/4/2008م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها