الحلقة 18
لا نزال نستلم بعض المحاولات في الوصول إلى أسرار الآية الكريمة في سورة البقرة (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (213) البقرة) واستلمنا سبعة أو ثمانية مشاركات وفيها خير ولانزال نستلم وإن شاء الله تعالى في الحلقة القادمة شنضع هذه الآية موضع البحث.
(ليس البرَّ) – (وليس البرُّ)
نعود إلى سورة البقرة حيث استدرك علينا بعض الأخوة وقالوا لماذا لم تشرحوا لنا الفرق بين آيتين في سورة البقرة (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ (177)) و (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا (189)) ليس فعل ماضي ناقص من أخوات كان والمفروض أن يقال ليس البرُّ إسم ليس مرفوع وإنما قال (ليس البرَّ) فلماذا قال مرة (ليس البرَّ) ومرة قال (ليس البرُّ)؟ ونحن نعلم أن ليس ترفع الأول وتنصب الثاني هذه قاعدة نحوية معروفة فلماذا رفع إسم ليس وقدّمه في آية وفي آية أخرى أخّر الإسم وقدم الخبر المنصوب وقال (ليس البرَّ بأن تولوا)؟ ما هو السر في هذا التعبير البلاغي الذي اختلف من آية إلى آية وكان يمكن أن تأتي الآيتان (ليس البرَّ) أو (ليس البرُّ) فلماذا جاءت مرة على طبيعتها (ليس البرُّ) قدّم إسم ليس وهو مرفوع ومرة أخّر إسم ليس وقدّم خبرها وهو منصوب (وليس البرَّ) فلا بد أن يكون لهذا حكمة. عندما يقدم المولى سبحانه وتعالى فلا بد أن يكون لهذا حكمة وقد تحدثنا عدة مرات في هذا الموضوع مثل قوله تعالى (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ (14) النحل) و(وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ (12) فاطر)، (فيه مواخر) يلفت نظرنا إلى أسرار البحار وقدرة الله في البحار أما (مواخر فيه) يلفت نظرنا إلى قدرة الله في علم الملاحة.
(لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة) باختصار شديد كان همّ اليهود والنصارى وفرحهم الشديد واغتباطهم العظيم وقضيتهم الكبرى أن يتوجهوا بالصلاة إلأى بيت المقدس وكأن هذا هو كل دينهم وما هو إلا شعيرة من الشعائر (الدين المعاملة) والمسلمون كان كل همّهم أن يغيّر الله تعالى القِبلة إلى المسجد الحرام (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا (144) البقرة) فلما رب العالمين قال (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ) فرح المسلمون واغتبطوا وكأن هذه هي قضية الإسلام والدين، رب العالمين يخاطب الجميع المسلمين واليهود والنصارى أن ليس هذا هو البر. البر طبعاً يطلق على كل عمل فيه أجر وكل الأعمال التي تؤجر عليها تسمى بِرّاً وهناك أبرار وهناك مجرمون (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) الإنفطار) مقابل الأبرار الفجار الذين كل عملهم سيء. البر هو العمل الصالح، أما أن توجه نفسك أين تصلي فرب العالمين في كل مكان (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (115) البقرة)، هذه شعيرة أنت تصلي لبيت المقدس وأنت تصلي للكعبة، أنتم فرحون جداً كأن هذه هي قضية البر من توجه إلى بيت المقدس فكأن الله سيغفر له كل زلل لأنها هذه العبادة العظمى، أبداً وإنما هي شعيرة من الشعائر وأي عبادة من العبادات الأخرى من أنواع البر الأخرى أكثر أجراً وأنتم يا مسلمين تتوجهون إلى الكعبة ليس هذا هو البر وإنما البر (وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) هذه عقيدة ثم (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ) على حبّه مثل قوله تعالى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) الإنسان) على حبه لا يعني أنك تعطي ما بقي من طعامك للفقراء أو المحتاجين فمن يطعم الناس بعد أن يشبع كمن يطعم الناس قبل الموت بدقائق وهو يحتضر قال أنفقوا أموالي، لا قال (على حبه) أنت تعطي من المال لا تعطي الناس بعد أن تشبع أنت. (وَأَقَامَ الصَّلاةَ) أقام الصلاة ليس صلّى يعني من أتم ركوعها وسجودها وخشوعها (وَآتَى الزَّكَاةَ) تلك أتى المال ليس زكاة ولك أتى المال في المناسبات تبرعات وإنفاق وذكر الأصناف التي لا ينبغي أن تغفل عنهم لأن كل إنسان في ظل صدقته يوم القيامة فالصدقة تطفئ غضب الرب وتشفي المريض وتأتي بالرزق والصدقات لها نتائج كبيرة يوم القيامة، (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ) الوفاء بالعهد، (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ) في الفقر في الجوع في الحرب فيك صبر لأنك متوكل على الله، البر التعامل والدين المعاملة. أنتم فرحون أنكم تصلون إلى بيت المقدس وغيركم يصلون إلى البيت الحرام ليس هنالك ضرورة لأن تصلي لبيت المقدس ولكن لا بد لك من جهة ولو شاء رب العالمين أن يغيّر لكنه لا يغيّر ويقول الزنا حلال أو البخل جيد. البر هو العبادات التي يكون لها القدح المعلّا يوم القيامة ولذلك يتكلم الله تعالى عن الأبرار الذين كان عملهم كله من البر، أعمالهه أخلاقهه صفاتهه كظم غيظ هذا الذي هو البر لا يتعلق بأن تولي وجهك نحو المشرق والمغرب (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) إعرابها: البرَّ إسم ليس مقدّم، (أن) ناصبة مصدرية وتولوا فعل مضارع منصوب بأن والمصدر (أن تولوا) إسم ليس. في اللغة العربية المصدر المؤول أقوى معرفة من المعرّف باللام إذن كلمة البرّ معرفة لكن تعريفها أقل من تعريف المصدر (التولية) ليس البرّ توليتُكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب، فجعل التولية هي الأساس المشكلة في هذه الآية العقدة المطروحة توليتكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب فرحين بها كأنها هي الدين كله، ليس هذا البر، تولية وجوهكم إلى الكعبة أو بيت المقدس ما هي إلا شعيرة من الشعائر وأنت تتساوى عندك إذا قلنا لك صلِّ يميناً أو شمالاً أو إلى الأمام أو إلى الخلف يتساوى عندك هذا لكن الذي لا يتساوى بين الناس هو الإيمان بالله واليوم الآخر وملائكته ورسله وكتبه هذه عقيدة، تلفّت حولك الآن في هذا اليوم بعد 15 قرناً من الإسلام وبعد سبعين قرناً من المسيحية واليهودية كم واحد يؤمن بالله واحداً وباليوم الآخر يقيناً والكتاب والنبيين؟ قلة من امسلمين هم الوحيدون على وجه الأرض الذين يؤمنون (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ (285) البقرة) وليس هناك أحد غير هذه الأمة يؤمنون بالنبيين كل واحد يؤمن بنبيّه وهذا مقتل من مقاتل العقيدة في كل دين. أخذ الله الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمن بعضهم ببعض (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) آل عمران) أنت تولّيت عن هذا العهد الذي بينك وبين الله فرحان بالقبلة هذا يصلي لبيت المقدس وهذا يصلي إلى الكعبة ليس هذا هو البر وإنما البر أن تؤمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين جميعاً، من الذي يتبع اليوم هذا البر حتى من المسلمين؟ نارد جداً. ثم آتى المال على حبه وهذا إنفاق عام وأقام الصلاة بركوعها وخشوعها والمواظبة عليها (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) المعارج) (وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) الأنعام) دائم في المسجد مكان الدوام الرسمي الموظف يداوم في الدائرة ودوام الصلاة في المساجد ثم يحافظون عليها من الإحباط والإخلال وفساد شروطها أو أركانها. إذن هذه الآية تتكلم عن قضية فرح الناس وعقدهم الآمال على التوجه للجهة التي يصلون إليها ليس هذا هو البر وإنما البر هو هذا التعامل وفعلاً الآن 99% من المسلمين للأسف الشديد عنده الصلاة أو الدين أنه فقط يصلي ويصوم مع أن هذه ما أسرع ما تُحبط فكم من مصلٍّ ليس له من صلاته إلا القيام والقعود. الذي لا يُحبط العمل الإنفاق العطاء حسن الخلق العفو عمن ظلمك، هذا التعامل مع الآخر (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا (73) الزمر) والزمرة هي الجماعة المتخصصة. التولية جعلها إسم ليس لأنها أهم من الخبر (ليس البر أن تولوا وجوهكم) رب العالمين يعالج في هذه الآية مسألة توليكم إلى المشرق والمغرب الذي اعتبرتوه كل شيء فإذن صار (أن تولوا) المصدر المؤول هو إسم ليس والبرَّ هو الخبر. إذن البرَّ خبر ليس منصوب و(أن تولوا) في محل رفع إسم ليس وصار إسم ليس لأهميته يعني ليست التوليةُ البرَّ، ليست توليتُكم وجوهكم قِبل المشرق والمغرب البرَّ إنما البر أن تؤمن بالله واليوم الآخر وملائكته والكتاب والنبيين.
الآية الثانية (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) البقرة) كان من عادة العرب أنه إذا سافر يخرج من خلف البيت عندهم تقاليد بعض الخرافات فقال رب العالمين (ليس البرُّ) هنا البرّ وليست التولية قبل المشرق والمغرب أنت مشكلتكم أن البر ما عنكم أصلاً لا هذا ولا هذا، أنتم هنا ليس عندكم بر نهائياً، هناك البر موجود ولكنهم كانوا يظنون أن هذا كون هذا، في الآية الأولى هناك نوعان من البر بر عظيم وبر أقل، البر الععظيم هو التعامل مع الآخر والبر الأقل هو التوجه نحو الكعبة أو بيت المقدس أما في الآية الثانية فليس عندهم بر أصلاً، ما معنى أن تدخل من خلف الكعبة أو تطوف عرياناً أو غيره من الخرافات والتطير أفكار كانوا يتصوروها من الدين. إذن (ليس البرُّ) المشكلة في البر وليس في تولية الوجوه، البر نفسه فيه مشكلة وأدخل الباء على الخبر (بأن تأتوا) لما دلخت الباء على الجواب تعين أن يكون هذا خبر ليس هذه قضية نحوية معروفة.
(قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) آل عمران) – (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) الحديد)
(إن كنتم تعقلون) في آية آل عمران و (لعلكم تعقلون) في آية سورة الحديد. لنفهم الآيات مثلاً أنت مدرّس دخلت على فصل أغبياء وعابثين تقول لهم سأشرح لكم الدرس إن كنتم تفهمون وكأنك تغمزهم من طرف خفي أنكم لن تفهموا بينما لو دخلت على فصل آخر أذكياء ومهذبين ومؤذبين تقول لهم سأشرح لكم الدرس لعلكم تفهمون يعني ستفهموا. هذا التجري من الله عز وجل تحقيق (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) الطلاق) أي سيحدث بعد ذلك أمراً. في آية آل عمران قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118)) كيف تستعينون بأعدائكم؟ كان قسم من المسلمين يستعينون ببعض يهود المدينة وكانوا يستشيرونهم ويتعاملون معهم وهم من المستحيل أن ينصحوهم (لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) يعني لن تعقلوا يا مسلمين وستبقون من الآن إلى أن تقوم الساعة وكثير منكم من يتعامل مع عدوه والله تعالى قال (هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ (119) آل عمران) هذا طبع المسلمين في كل مكان ليس في قلب مسلم غلٌ لأحد لا مسلم ولا غير مسلم والله ما وجد اليهود ولا النصارى ولا الصابئين ولا الوثنيين ولا أي مِلّة أخرى أمناً وأماناً واحتراماً واختلاطاً كما وجدوا في بلاد المسلمين نحن الآن في العالم الإسلامي وقد فعل بنا الغرب ما فعل ومزقونا مزقاً وليس في قلب واحد منا غلٌ على أحد والجميع يعيشون معاً وبالعكس بيننا وبين إخواننا من المسلمين مشاكل وقتل وقتول وليس بيننا وبين الآخرين شيء كما شهد الله تعالى قال صحيح أنتم طيبون أمرتكم أن تؤمنوا بكل الأنبياء وبكل الرسالات والكتب لكن هذا لا يعني أن تسلموهم أمركم وتسمعوا كلامهم في كل شيء فهم لا يحبونكم (هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ (119) آل عمران) (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ (119) آل عمران) فأنتم تعايشوا معهم ولكن لا تعطوهم أسراركم تأخذوا نصائحهم ولا توكلوا أمركم إليهم وتجعلهم يقودونكم وتفعلوا ما يأمروكم به فأنتم حينها ستضيعون لأنهم لن يخلصوا لكم فالله تعالى سبق في علمه أن المسلمين لن يطبقوا هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) آل عمران) يفرحون بمعاناتكم، لن تعقلوها وستبقون إلى يوم القيامة بهذه البساطة وبهذه النفوس الطيبة مع العدو وهو ينخر بكم نخراً يمزقكم ويذهب باقتصادكم وسلامتكم ووحدتكم كما فعلوا من قرنين أو ثلاثة بل منذ أن جاء النبي r وإلى يوم القيامة فقال (إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) فيها غمز.
في الآية الثانية شيء آخر (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) الحديد) وفعلاً البشرية كلها تقريباً أن لهذا الكون رباً وهذا من آيات الكون ولا بد أن يكون لهذا الكون صانع لا يوجد من ينكر الله تعالى إلا أحمق (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا (14) النمل). يوري غاغارين لما صعد إلى القمر في زمن خروتشوف قال له أنا أعلم أنك رأيت الله ولكن إياك أن تتكلم بهذا لأنك شيوعي عليك أن تبقى شيوعياً ملحداً. ما من ملحد إلا ويعلم بينه وبين نفسه أن للكون رباً. قال هنا (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) لأن 99% من البشرية تؤمن بأن لهذا الكون خالقاً هو رب العالمين، من هو؟ نختلف لكن لا بد أن يكون لهذا الكون رباً (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وفعلاً كلمة (لعلكم) بشارة من رب العالمين أن الغالبية العظمى من البشرية كلها وخاصة المسلمين بالإجماع يعلمون أن لهذا الكون رباً.
(إن) تستعمل في الأشياء المستحيلة الحدوث أما (إذا) فالبعكس.
(قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ) – (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) – (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ) – (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) النور)
(قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) آل عمران) طاعة واحدة– (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) آل عمران) – (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (1) الأنفال) – (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) النساء) طاعتان لله طاعة للرسول طاعة. (قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ) طاعة واحد وطاعة الرسول من طاعة الله تعالى (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ (80) النساء). ما الفرق بين (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) طاعتان وبين (أطيعوا الله ورسوله) طاعة واحدة و(أطيعوا الرسول)؟ (قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) آل عمران) طاعة واحدة، في النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ (59)) وفي النور (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)). (أطيعوا الله ورسوله) طاعة واحدة أن الرسول r مبلِّغ عن الله ليس له دور إلا هذا، فهو مبلِّغ عن الله عز وجل، هذه لما تكون طاعة واحدة لله والرسول (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ (80) النساء) فيما فرض الله عز وجل فيما مأمور أن يبلغ الحكم لعباده بدون تدخل هذا (أطيعوا الله ورسوله) (أطيعوا الله والرسول) طاعة واحدة.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ (59) النساء) طاعتان أطيعوا الله فيما أمركم في كتابه وأطيعوا الرسول فيما شرح لكم من هذا الكتاب وبينه لكم وهناك وحي ليس من القرآن الكريم (آتيناه القرآن ومثله معه) وهناك وحي بالمعنى فقط وليس باللفظ. إذن هناك طاعة لله (أقيموا الصلاة) وطاعة الرسول خاصة بالسُنن والشروح والبيانات وما إلى هذا التي هي السُنّة كونها مصدراً مستقلاً.
(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) النور) أطيعوا الرسول وحده هذا باعتباره حاكماً ورئيس دولة فأمره في الأمور المعاشية كرئيس دولة أمرنا أن نطيعه، كل حاكم أمرنا أن نطيعه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ (59) النساء) نحن مأمورون بالطاعة ما لم نؤمر بمعصية وهذا لا يكون عند المسلمين إن شاء الله في يوم من الأيام. نحن في حياتنا اليومية مخالفات المرور ومخالفات السرعة ومخالفة الأنظمة هذه كلها مخالفات ومعصية كما لو كنت تخالف الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) كونه ولي أمر المسلمين لأوامره قدسية ونفاذ وقد قلت يابقاً لو أحدهم قاد سيارته في الشارع فوق السرعة التي سمحت بها السلطة فدهمت رجلاً فأنت هنا قاتل عند لأنك ارتكبت القتل العمد بمخالفتك التعليمات والأمر لولي الأمر لكن لو كنت تقود سيارتك حسب التعليمات وبالرسعة المسموح بها ودهمت رجلاً هذا يعتبر قتل خطأ. إذن إذا كانت هذه طاعة ولي الأمر العادي فما بالك بطاعة الرسول؟! قال (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ). مشكلة بعض المسلمين لما خالفوا النبي في بعض القضايا نزل القرآن لما خالفوا في أحد لأننا نبقى بشر (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) النور) هذا باعتباره رئيس دولة.
(وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ) – (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ)
(وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران) – (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) الحديد)
السرعة ليست واحد هناك سرعة كسرعة الهواء، سرعة الغيم، سرعة الفرس، سرعة الريح، سرعة العاديات ضبحاً أقسم بها الله تعالى لأنها متميزة ومدربة وهدفها واحد. المفروض الفارس يبدأ بالسير ثم يسرع شيئاً فشيئاً يسابق الريح هذا نظام الفروسية لكن في بعض الحالات الفرس من أول ما ينطلق ينطلق كالهواء لذا قال (والعاديات ضبحاً) الفارس الذي يمكل زمام فرسه له تأثير خيالي على الفرس. لهذا امتدح الله تعالى الفرسان الذين من أول ما قال لهم انطلقوا انطلقوا من ساعتهم لأن الأمر جد خطير جاءهم احتلال تهديد فهؤلاء الفرسان من ساعة ما قال لهم انطلقوا بدأت الخيل تضبح. حينئذ قال تعالى (وسارعوا) على أين أنواع السرعة؟ سرعة الريح أو الحيوان أو السيارة؟ قال (سابقوا) يعني كسرعة المتسابقين فإذا كنت متسابقاً عليك أن تسرع فالمسابقات أنواع ليست كلها ركضاً ولكل مسابقة سرعتها المعروفة. المهم أنك أنت إلى الخيرات أن تارع مسارعة أيّ سباق كان هذا (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) المطففين) (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) الواقعة) كلاكما صليتما الجمعة خرجتما من البيت متوضئين لكن واحد ذهب إلى الصلاة بساعة والآخر ذهب قبل الصلاة بخمس دقائق لكن الأول سبق وكأنه قدّم بدنة والآخر قدم تمرة. في كل عمل من العبادات إذا سبقت غيرك فأنت قد سبقته. يبقى هذا السباق تختلف سرعته من عمل إلى عمل إذا قال حي على الفلاح فأنت في المسجد، كلما قيل للناس حي على الفلاح، أدركونا السابقون الأولون لهم القدح المعلّا عند كل الأمم. رب العالمين يعلمنا أن تكون سابقاً إلى الخيرات بسرعتك وكل عمل له سرعته المعروفة.
(نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) – (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) – (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) العنكبوت) – (أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران) – (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر)
لماذا مرة (نعم أجر العاملين) ومرة بالواو (ونعم أجر العاملين) ومرة بالفاء (فنعم أجر العاملين)؟ عندما تكرّم الأول في الجامعة هناك أول مكرر هناك أكثر من أول فأعطيت كل واحد سيارة هذا نعم أجر العاملين، لكن أول الأوائل الذي هو أولهم أخذ سيارتين هذا ونعم أجر العاملين هذه أقوى من الأولى، أما فنعم أجر العاملين هذه عندما يستلمون الجائزة.
قال تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) العنكبوت) غُرَف غرفات هذه كأنها درر وياقوت أعجوبة العجائب، نعم أجر العاملين على العمل الصالح يصوم ويصلي كما جميع المسلمين المؤمنين بالله إذا داوموا عليه لهم أجرهم العظيم التي هي الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علة قلب بشر هذا نِعم أجر العاملين. كل مؤمن بدينه ويطبقه بالشكل الذي أمر الله عز وجل عباده والرسل على أي وجه هذا نعم أجر العاملين. لكن هناك أناس عندهم دقة (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران) شهوات قوية صبروا عليها ويندمون ويعودون قال (ونعم أجر العاملين) هذه مرتبة أعلى. عندما تأتي يوم القيامة تحاسَب أو لا تحساب، تدخل الجنة وترى النعيم (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر) بالفاء أي استلمنا. (فنعم) لا تقولها إلا عندما تستلم جائزتك وأجرك. فالأجر إن وُعِدت به فهم (نعم أجر العاملين) إذا كان شيئاً متميزاً لأنك أنت متميز هذه (ونعم أجر العاملين) وإذا استلمته (فنعم أجر العاملين)، هذا هو الفرق.
(وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) آل عمران) – (وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) آل عمران)
في الغالب يتكلم عن كرم الله (ذو الفضل) الفضل معرفة بالأف واللام ومرة واحدة قال (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) آل عمران) نكِرة. هناك (وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ما هو مأخوذ من فضل الله تعالى على عباده، الجنة وكل ما ذكر الله من نعمه (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا (34) إبراهيم) كل نعم الله التي نعرفها قال (وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) جميع ما تفضل الله تعالى به على عباده، كلنا قد قرأنا عن فضل الله علينا في الدنيا والآخرة. لكن لله فضلاً لا تعرفونه يأتيك به فجأة هذا المزيد يوم القيامة (لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) ق) هذا من فضل الله الذي لا نعرفه. نحن نعلم أن في الجنة قصور وأنهار وحور عين لكن هناك نوع من النعيم نحن لا نعرفه. هذا في الدنيا رب العالمين أنعم عليك بالصحة والعافية والأمن والأمان ونعم لا تحصى لكن في ساعات كثيرة رب العالمين يسهل لك تسهيلات ويفتح لك فتوحات في علمك وفي مالك. هذا رئيس دولة وهذا رئيس دولة، هذا يعمل ولكنه غير موفق بلده خرِب وذاك أينما يعمل يأتي الخير والبركة والإعمار والأمان والناس سعداء أدخل على قلب كل من يدخل أرضه السعادة. الأول ليس موفقاً زراعته تخرب الناس لا تحبه لا يوجد توفيق أما الثاني فموفق وهذا من فضل الله العظيم الذي لا نعرفه. أنت في صحراء وتتوه ثم تصرخ يا رب فلا تدري من أين يأتيك الفرج تمر بك قافلة أو يأتيك فرج من السماء (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) الطلاق) هذا (وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) لذلك عليك أن تستمطر هذا الفضل الذي لا تعرفه هذا هو اللطف والسداد والتوفيق والبركة يعني أنت عندك ملايين لكن ليس فيها بركة وغيرك عنده دريهمات فيها بركة. واحد يعمل لك مائدة عظيمة لكن لا تشتهي أن تأكل وآخر يضع لك لقيمات لا تشبع منها من لذتها، هذا (وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) ولذلك عليك أن تستمطر هذا الفضل الذي لا تعرفه والتاريخ مليء. مثلاً بعد معركة أحد بعد أن خسر المسلمون قال أبو سفيان متهدداً موعدنا العام المقبل في بدر فقال الرسول r لعمر قل له ستجدنا هناك وفعلاً جاء العام القادم خاف أبو سفيان من المسليمن وألقى الله تعالى في قلبه الرعب ثم أرسل واحداً من جماعته نعيم ابن مسعود الأشجعي فقل لهم ألا يفضحونا أمام العرب بأن يأتوا هم ولا نأتي نحن فعمل نعيم نفسه مسلماً وقال لهم إن أبا سفيان جمع الجيوش والعرب كلها وراءه فلا تخرجوا إليه لأنكم لو خرجتم ستنهزمون فالنبي r قال والله لأخرجنّ حتى لو خرجت وحدي فخرج المسلمون إلى حمراء الأسد ولم يخرج أبو سفيان وشاء الله أنه كان هناك سوق من أسواق العرب فباعوا واشتروا وربحوا وكسبوا ونشروا الدين وعادوا منصورين وعاد أبو سفيان بخزيه فقال تعالى (فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) آل عمران) هذا من فضل الله، أبو سفيان المنتصر في أحد خاف وجبن مع أنه تحدى المسلمين بالجيوش التي وراءه وذهب المسلمون بعزيمة وقوة وأسلم كثيرون لما رأوا همّة المسلمين ورجعوا منصورين (فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) آل عمران) فضل خصوصي وكل عبد من عباد الله ينتظر أن يمن الله عليه بفضل خصوصي، كل واحد منا لو عاد إلى الوراء لوجد أن الله تعالى في يوم من الأيام أعطاك فضلاً لم يعطه غيرك في وقت لم تكن تتوقعه من حيث لا تحتسب هذا (وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) ولهذا قال الفقهاء لأن هذا الفضل رتبه الله تعالى على قولهم (وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) لذا قالوا من قال حسنبا الله ونعم الوكيل مائة مرة فتح الله عليه فضلاً لم يكن يالفه ولم يكن يدور في خلده. فحسبنا الله ونعم الوكيل من أعظم الأذكار المأثورة التي إذا داومت عليها فإن الله تعالى يعطيك فضلاً لم تعهده (وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) آل عمران) وقال لنبيه r (وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) النساء) مِنّة على النبي r ومنة على الأمة.
(وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ (179) آل عمران) – (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) الجن)
لماذا يطلع ويظهر، لماذا مرة يقول أطلع فلان على غيبه ومرة أظهر فلان على غيبه؟ هي آيتان (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ (179) آل عمران) (أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) مريم) وفي آية أخرى (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) الجن). الله تعالى إما يطلعك على غيبه أو يظهرك على غيبه، يطلعك على غيبه هذه مرة، سيدنا عمر وهو في المدينة قال يا سارية الجبل رب العالمين أراه الغيب رأى ساري أنه يقاتل خطأ وفعلاً سارية سمع الصوت واتبع النصيحة، أطلعه مرة. هناك من أحباب الله ممن اصطفاهم الله تعالى من الرسل من يفوضه سأظهرك على غيبي، الإظهار هو القهر والغلبة كما قال تعالى (إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ (20) الكهف) (وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) التحريم) يقول (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) الجن) النبي r أخبر أمته بما هو كائن إلى يوم القيامة كل الذي جرى من تلك الساعة التي صلى النبي r فيهم العصر وهو يخبرهم بما هو كائن إلى يوم القيامة أخبرهم بكل الأحداث بغزو المغول والتتار والانجليز واحتلال العراق وإسلام فارس وكل الذي يجري الآن النبي r أخبرنا به، من أين عرفه؟ عرفه مما أظهره الله تعالى عليه من غيبه. هذا ما يسمونه تنبؤات أو يسمونه عند الصالحين الكشف، هذا من الله تعالى وكل واحد منا انقدح في ذهنه شيء من هذا، أحدهم دخل على عثمان فقال له إني أرى في وجهك الزنا فقيل له أوحيٌ بعد رسول الله؟ قال لا وإنما هو التوسم (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ (75) الحجر) لكن الإظهار أمر آخر، الإظهار للرسول يعطيه صلاحية. فرق بين أن يقول الملك لوزيره أفعل هذا مرة هذا فوضه مرة واحدة وآخر يقول له تصرف في صلاحياتي كما تشاء هذا إظهار. لو تتبعنا الأحاديث النبوية عما أخبر النبي r من غيبيات تقول فعلاً إن الله تعالى أظهر محمداً r على غيبه (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) الجن) هذا هو الفرق بين اطلع الغيب مرة وبين أظهره (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) الجن) كلهم رسل. النبي r كان له النصيب الأوفى ممن أظهرهم الله تعالى على غيبه.
بُثّت الحلقة بتاريخ 11/7/2008م