الحلقة 45
د. نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد. مع آيات قرآنية جديرة بأن نتأملها ونتدبرها مع شيخنا الجليل الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله حيث أنه التمس واهتدى إلى فروق قرآنية دقيقة بين آيات تبدو أنها متشابهة فليتفضل مفرقاً بينها وما تحتويها من أسرار وأنوار.
د. الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. آيتنا لهذا اليوم قوله تعالى (ونعم أجر العاملين) تكررت ثلاث مرات في القرآن الكريم. (نعم أجر العاملين) آية جاءت في القرآن في ثلاثة مواطن.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) العنكبوت) – (أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران) – (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر)
الموطن الأول (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) العنكبوت) بدون واو. الآية الثانية فيها واو (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران) فيها واو. الأولى يتكلم عن الجنة ونعيمها للذين آمنوا وعملوا الصالحات، قال (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) العنكبوت)، في الآية الثانية نفس الشيء هؤلاء عملوا الصالحات قال (ونعم أجر العاملين) هذا في آل عمران. في الزمر قال (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر) بالفاء. إذن عندنا (نِعْمَ) مدح لجماعة من المؤمنين الذين عملوا الصالحات وجماعة آمنوا وهملوا الصالحات قال (ونعم أجر العاملين) وجماعة ثالثة أيضاً آمنوا وعملوا الصالحات قال (فنعم أجر العاملين). تبدو في الظاهر كأنها نتيجة واحدة وموضوع واحد والحقيقة غير هذا، القرآن الكريم يحدثنا بأن الجنة درجات (فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) طه) (وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21) الإسراء) (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) الأحقاف) والسُنة المشرفة تحجثنا عن الجنة عجباً، من حيث المبدأ لا تتعب نفسك لأن هذه الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر مهما كان عاقلاً وجوّالاً وخيالياً إلى حد بعيد كعقول الشعراء والرسامين والفنانين هؤلاء يقال عنهم أكمل العقول لأن عقولهم تتخيل أشياء غير موجودة فتوجدها. لن يصل عقل بشري في هذه الدنيا لكي يتصور ولو تصوراً صغيراً بدائياً ومبدئياً شيء عن الجنة. قال فيها رمان لا يمكن لعقلك أن يتخيل كفي ستكون هذه الرمانة هل هي كبيرة، صغيرة، حمراء، صفراء، فيها عسل؟ مهما تخيلت الواقع غير هذا عندما ترى الرمان يوم القيامة ستقول هذا ولا خطر لنا على بال!. كل شيء في الجنة عجب. ومن أعاجبها أنها مائة كوكب، نحن الآن في كوكب واحد، هذه الكرة الأرضية وهي كوكب واحد وهي أتفه الكواكب في المجموعة كلها كما هو معروف علمياً الآن ولا تساوي عند الله جناح بعوضة. والتي قال عنها أرمسترونغ أن الكرة الأرضية في مكان ما من الفضاء الموازي للقمر بنسبة الزيتونة بالنسبة للفضاء الذي كنت فيه، قال وكنت أقول في نفسي هذه البحار والجبال والمحيطات كلها بنسبة الزيتونة! ولهذا قال دنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة. فعلاً المُلك الذي يملكه الله في هذه الدنيا من مجرّات وسماوات الكرة الأرضية أصغر من جناح بعوضة لأنه من مكان ما في الفضاء في هذا الكون كله قبل الثقب الأسود لا تُرى إلا بالمجهر كأنها ميكروب ونحن نفاخر فيها كل الحضارات والامبرطوريات والقوى وهذا العلم الذي وصل إليه سكانها وصلنا إلى مرحلة من العلم عجب (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ (24) يونس) نحن الآن وصلنا إلى حد نحن الآن متمكنون من هذه الدنيا بفضل ما وصل إليه البشر المجتهدون والجاهدون وهم الغربيون طبعاً هناك أمم أخرى سبقت في التاريخ لكن في العصر الذي نعيش فيه الآن الغربيون سبقوا الأوروبيون والأمريكان وصلوا إلى هذا الذي نحن فيه الآن من هذا التقدم العلمي الهائل بحيث أصبح هؤلاء القوم متمكنين من الأرض يستطيعون أن يصفوها بدقيقة. أوروبا وأميركا وبعد ذلك روسيا والصين الآن ودول أخرى تملك من القنابل الذرية ما يدمر الأرض بثواني. إضافة إلى أنهم تمكنوا من إعمارها أيضاً بالطائرات وأزالوا المسافات بالكهرباء بكل ما وصلوا إليه من هذه الاكتشافات الهائلة والتي لا تزال كما يقولون هم، نحن في هذا المجال ننقل عنهم وليس عندنا نحن مبادرات، نسمع ونردد ما يقولون. يقولون بأن كل الذي وصلت إليه البشرية من معلومات عن الفضاء لا يوازي إلا خمسة بالمائة من الفضاء الذي يمكن تخيله عقلاً أما الفضاء الذي لا يمكن تخيله فهذا شيء لا حدود له. إذن هذه الأرض التي نحن فيها على هذه الحالة. هناك يوم القيامة (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ (48) إبراهيم) قواني أخرى! أنت نفسك تعرف نفسك الآن مخلوق بشري من طين ومن شهوة وشهية وتمرض وتبلغ ستين أو سبعين سنة وتموت، تنسى وتضحك وتبكي يوم القيامة أنت سوبرمان طولك ثمانون متراً وهذا الإنسان لايبول ولا يمرض ولا يحزن ولا يجوع ولا يعطش عليهم أن يخترعوا كلمة أخرى أكثر من السوبر. فإذا كنت أنت سوف تكون هكذا فكيف سيكون مُلك الله يوم القيامة؟! (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) الإنسان) من هوان هذه الأرض أن أقل عبد من عباد الله، آخر واحد يخرج من النار في ثانية من ثواني حياته قال أعتقد أن الله لا إله إلا هو، هذا الكون غير معقول أنه خُلِق وحده، هذا الذي خلق الكون بهذا التناسق العجيب لا بد أن يكون إلهاً واحداً، قالها مرة واحدة وما عمل غيرها، هذا الذي يخرج من النار آخر واحد له بقدر الدنيا عشر مرات، أصغر مُلك لأقلّ إنسان في الجنة! تخيّل! عقلك وقوانينه لا يمكن أن يتخيله. جدّك لو قبل مائة سنة تكلمت معه عن الانترنت والموبايل والطائرات والكهرباء والتلفاز كان ليتهمك بالجنون فما بالك بهذا الذي نحن فيه الآن وماذا سيكون بعد مائة سنة! (وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ) هم قادرون عليها، ما في دولة تصعب عليهم، كان هناك دول تركب الخيل والحمير بقوا خمس سنوات حتى وصلوا إلى بغداد لأنهم جاؤوا على الخيل والخيل بطيء، الجاذبية الأرضية كانت عائقاً. هذا البشر لما اكتشف العجلة قضى على جاذبية الأرض وانطلق في هذا الكون. وأنتم تعلمون الآن فعلاً أنه في العالم أي دولة يمكن أن يأخذوها بثواني والصراع صار عنيفاً والصراع صار مبيداً، في السابق يمون عشرة عشرون ألفاً أما الآن ملايين قد يموتون في ساعة. كل هذا الذي نحن فيه لا يساوي جناح بعوضة في مُلك الله، لا يساوي، لو قلنا يساوي جناح بعوضة إذن هو موجود، جناح بعوضة موجود لكن لما يقول لا تساوي جناح بعوضة فهي عدم، يعني ليس موجوداً في ملك الله لأنه أقلّ من جناح بعوضة. فما بالك إذا كان كل هذا الملك الذي نحن فيه ممالك ودول وأمم متحدة وجامعة عربية ومنظمة مؤتمر إسلامي وطائرات وسيارات، الدنيا احلوّت جداً ومع هذه الحلاوة كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، إذن ما هو مُلك الجنّة؟
ما زلنا بهذا الكون الذي نحن فيه ويبهرنا تماماً لكنه لا يزال أقل من جناح بعوضة. وكما ذكر لنا أحد الإخوان ونحن في الفاصل يقول هذا الكون العظيم يمكنأن يزول بكارثة. وفعلاً بكارثة زالت أمم وشعوب وممالك، عاد زالت بريح صرصر عاتية. هذه الدنيا فما بالك بالجنّة؟!
كلمة (نِعْمَ) فعل ماضي لمدح شيء لا عيب فيه. المدح له أساليبه لكنك إذا كنت ترى أن هذا الشيء ليس فيه عيب تقول (نِعْمَ). رب العالمين قال (وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) النحل) هل في الجنة عيب؟ ولكن أيضاً (نِعْمَ) تُطلق على متفاوت، تدخل على بيت بسيط وراقي ومرتب وذوق رفيع تقول نِعمَ الدار داركم، داركم ليس فيها عيب ثم ذهبت إلى قصر رجل غني جداً فيه فقلت نِعمَ القصر قصركم، ثم ذهبت إلى قصر الملك ورأيته فقلت نِعمَ القصر قصرك. إذن يمكن أن أقول نِعمَ الطفل هذا ونِعمَ الطالب هذا ونِعمَ المُدرِّس هذا ونعم العميد هذا ونعم وزير التعليم هذا، هذا متدرج لكن ما الفرق؟ الفرق أنك من البداية إذا كان شيئاً عاماً تقول نِعمَ الرجل هذا، مثلك ملايين (نعم العبد صهيب) ليس فيه عيب ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن عمر (نعم العبد عبد الله لو كان يقيم الليل) كونه لا يقيم الليل ما استحق (نِعمَ) ثم قام الليل فصار (نِعمَ). إذن كلمة (نِعمَ) تطلق على كل شيء تمدحه وليس فيها عيب. فمراتب الجنة كلها لا يب فيها ولكنها مراتب كل النِعم متفاوتة.
إتصال من الأخ محمد من السعودية: بعض أعداء الإسلام يثير شبهة حول لغة القرآن الكريم حينما يتكلم المولى عن ذاته في القرآن فأحياناً يقول (هو الذي خلق لكم) بصيغة الغائب (اعبدوا ربكم) يستخدم كلمة ربكم (إنني أنا الله) بصيغة المتكلم. السؤال الذي يثيرونه لو القرآن كلام من عند المولى سبحانه وتعالى فلماذا تتعدد الصيغ بهذه الطريقة؟ فكيف نرد على هذه الشبهة؟
الإجابة: هذا الموضوع تحدثنا عنه كثيراً وقلنا بأن هذا القرآن (قُرْآنًا عَرَبِيًّا) لغة أدبية عالية تعجز الناس ولا يمكن لأحد أن يجاريها. وهذا الذي ذكرته من تعدد الصيغ هذا إعجاز القرآن. وبرنامجنا يتكلم عن هذا لماذا مرة قال (نعم أجر العاملين) ومرة (ونعم أجر العاملين) ومرة (فنعم أجر العاملين)؟ الإعجاز الذي لا يمكن لبشر أن يفعله بهذا التناسق على مدى 23 سنة لأن فيه إعجاز هائل وإلى يوم القيامة سوف نكتشف في كل جيل أن هنالك إعجازاً لم نتوصل إليه. هذا الذي ذكرته، ذكرنا في الحلقة الماضية لو أنك تعمل جيداً أحبك الله يقول (ربكم) (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ (2) المائدة) أما لو كنت طماعاً يقول (فضل من الله) صاحب الجلالة. هذه اللغة أعجوبة. وحديثنا عن الإعجاز اللغوي لا نعرف غيره وهناك علماء كبار تكلموا عن الإعجاز العلمي، الإعجاز الطبي، الإعجاز الدوائي. إذن هذا الذي قلته يثيروه أناس أميّون في اللغة ولا يعرفون شيئاً عن اللغة ولا ينبغي أن تلتفت إليهم، هؤلاء لو يعرفون الفرق بين الله والرب وبين الخالق والرؤوف والرحيم ولماذا تأتي هذه هنا وهذه هنا لقالوا والله هذا لا يقوله إلا رب العالمين.
نعود إلى موضوعنا، إذن الجنة كلها لا عيب فيها قطعاً. رب العالمين وعدنا بالجنة ومدحها بهذه الصيغة (نِعمَ) لأنه لا عيب فيها، سماها الحسنى. ما الفرق بين الحُسن والجمال؟ الجمال نسبي فما أراه أنا جميلاً قد لا تراه أنت جميلاً، أنت تحب المرأة السمينة وأنا أحبها الرشيقة، أنت تحبها شقراء وأنا أحبها سمراء، البيوت والسيارات كل واحد له ذوق فالجمال نسبي أما الحسن مطلق، لا أحد يقول على القمر أنه غير حسن وبالتالي هو من الحُسن، (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى (180) الأعراف) ما قال الأسماء الجميلة، لا يختلف في جمالها أحد، (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى (26) يونس) الحسنى الجنة لا يختلف في جمالها أحد. إذن رب العالمين قال على مواقع الجنة كلها (نعم أجر العاملين) كل مواقع الجنة ليس فيها خلاف أنه رائعة لكنها متفاوتة لأنه فرق بين أن تقول نِعمَ بيتك الصغير ونِعمَ قصرك هذا، أنت تستعمل (نِعمَ) في الكل لكن فيها فرق كله لا عيب فيه لكنه متفاوت. هكذا نعيم الجنة ومدحها على حسب عملك أنت. لما قال تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) العنكبوت) هذا مطلق، كلنا آمنا وعملنا الصالحات قاسم مشترك أعظم بين كل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله بل بين كل من يقول لا إله إلا الله على اختلاف دينه وآمن وعمل الصالحات على حسب شريعته فهذا سيدخل الجنة قطعاً. أقل مستوى في الجنة (نعم أجر العاملين) أقل مستوى لا يتخيله عقلك. إذن كلمة (نِعمَ أجر العاملين) لكل من يشهد بالألوهية الواحدة وبنبوة الأنبياء جميعاً ويعمل صالحاً لا نفرِّق بين أحد من رسله، وهذا قاسم مشترك بين البشرية جميعاً من آدم إلى أن تقوم الساعة (نعم أجر العاملين) أنت سترى عجباً..
إتصال من الأخت آمنة: بنيت مسجداً في العراق قبل ست سنوات ووكلت زوجي الذي هو الآن طليقي وجعلته صدقة لوجه الله تعالى وأعلم أن زوجي عمله وقف وحصلت مشاكل وطلقت منه وقد وضعت عائلة فقيرة فوق المسجد حتى يخدموه واكتشفت اليوم أن زوجي باع المسجد فما هو موقفي في هذه الحالة؟
الإجابة: من الذي إشتراه؟! أنت بنيته ما عليك شيء وزوجك هو المسؤول.
إتصال من الأخ أحمد : (إنني أنا الله) (بورك من في النار) ما معنى بورك من في النار؟
الإجابة: تحدثنا عنها في أحسن القصص، هو رأى ناراً وهي ليست ناراً وإنما كان نوراً.
بعدما رأينا الوصف العام القاسم المشترك بين كل من يقول لا إله إلا الله ويعمل صالحاً من تلك الأعمال التي تفرضها لا إله إلا الله قال (لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) العنكبوت) (نعم) بدون واو ولا فاء، هذا أقل النعيم الذي هو نعيم عظيم لا يدركه عقلك ليس فيه تمييز عن بقية النعيم الآخر وإنما نعيم عام. عامة أهل الجنة ناس خطائين من أمثالنا وربنا عفا عنهم ليس فينا ميزة، لكن هناك كثيرون فيهم ميزة، نحن درجة مقبول ونجحنا والسلام لكن الكلام على الامتياز والامتياز العالي، هذا ليش شغلنا المهم أني ناجح، لما تنجح وتتعين تقول نِعمَ النتيجة والذي أخذ 85 وتعب تقول له ونعم النتيجة لأن عطاؤها أكثر والذي أخذ أكثر تقول له فنعم النتيجة لأنه هذه النهاية، هكذا نعيم الجنة، فرق بين أصحاب (نعم أجر العاملين) وبين (ونعم أجر العاملين) وبين (فنعم أجر العاملين).
د. نجيب: تقصد هذه مثل (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) فاطر)؟
د. الكبيسي: لكي نعرف كيف هو التدرج في الجنة ونعرف كم هي انقسامات وتقسيمات سكان الجنة. نحن في هذه الدنيا أنت مسلم عام بلا إله إلا الله “إن قالوها عصموا مني دماءهم” “من قال لا إله إلا الله مصدقاً بها قلبه دخل الجنة” هذا أنت مسلم فقط. بهذه الخطوة أصبحت مسلماً وخرجت من دائرة الشرك، لا إله إلا الله محمد رسول الله، هذا الإسلام العام. وبالتالي كما قال دخل الجنة وإن زنى وإن سرق. قال لا إله إلا الله ويصلي ويقوم بالمقبول من العبادات وقد يكون أقل من مقبول ولكنه ونجح بقرار بشفاعة برحمة رب العالمين هذا دخل الجنة قطعاً هذا النعيم الذي يراه عقله لا يدركه لعظمته لكن هذا قاسم مشترك بين 99% من أهل الجنة. يقول الحديث: أكثر أهل الجنة وعليّون لأولي الألباب وقليل من عبادي الشكور. حينئذ الشعب العام في الجنة برحمة الله عز وجل قال يا رب أنت ربي لا إله إلا أنت وقد يكون تعذب قليلاً من الكبائر ثم يدخل الجنة بعد أن طهّره الله من ذنوبه. هذا (نعم أجر العاملين) لما ترى ملكه يوم القيامة تنبهر (وإذا رأيت ثم رأيت) لكل واحد. هناك درجة أعلى. قبل كل شيء عندنا إيمان عام وإيمان خاص، الإيمان العام قلت لا إله إلا الله مصدقاً بها قلبي وأصلي واصوم، هذا إيمان عام. الإيمان الخاص أعمال متميزة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) المؤمنون) أعمال عبادية لرب العالمين هائلة هذا مؤمن خاص ولهذا قال رب العالمين (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) الأنفال) إيمان هائل لم نصل بعد نحن إليه، لكن يبقى في مرحلة الإيمان. هذا قال رب العالمين عنه إذا أتقن عمله بهذا الشكل سماه المتقي الذي يُتقن عمله. كلمة التقوى لاتقان كل عبادة. كل عبادة يعملها فيها تعامل مع الآخر قال (اتقوا الله) قال تعالى (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ (194) البقرة) إياك أن تزيد على هذا، في القرآن الكريم كل عبادة كل تصرف مع الآخر يقول (إتقوا الله) لا تزيد عن النص عليك أن تفهم المطلوب وتفهم شرعية العبادة. هذه عبادة شرعية منصوص عليها تفهم حدودها وتطبقها كما أراد الله عز وجل. حينئذ هؤلاء نسبة تقريباً 50% من هذه الأمة يطبقون (لفروجهم حافظون، لأماناتهم وعهدهم راعون، على صلواتهم يحافظون) هذا (ونعم أجر العاملين). هؤلاء فيهم زمرة هائلة. الزمرة هي الجماعة المتخصصة تخصصاً دقيقاً بشيء معين. الآن هذا الاستديو بناه عمال بناء هؤلاء زمرة البناء، هناك زمرة الكهربائيين، هناك زمرة المصورين، والمخرج واحد، رب العالمين هو الذي يُخرج هذا الكون، المُخرِج واحد. إذن الزمرة الجماعة المتخصصة بشيء واحد تتقنه إتقاناً هائلاً. هؤلاء (فنعم أجر العاملين) رب العالمين يقول (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) الزمر) للعلم كلمة الإسلام هي أول الطريق بلا إله إلا الله وآخر الطريق الذي هو الاستسلام الكامل لله تعالى الذي هو دأب الأنبياء. رب العالمين قال (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) البقرة) إسلام إبراهيم تسليم كامل كلمة مسلم ليس على أمة محمد فقط. بعض الناس يفهمون كلمة مسلم خطأ، فاليهودي قد يكون مسلماً والنصراني قد يكون مسلماً والأنبياء جميعاً قالوا ونحن له مسلمون. يعني أنت تسلّم الأمر لله بالكامل (وعلى ربهم يتوكلون)، هذا مسلم لكن هناك مسلم من حيث العبادة وهذا كل واحد من عباد الله أسلم وجهه لله يعني تسليم كامل لله فهو مسلم. وهناك ناس عمله مسلم وهو أيضاً مسلم، هذا الدين سمى نفسه مسلم. يعني هذا كريم وسخي جداً ولكن إسمه عبد الرحمن وهذا سخي جداً وإسمه عبد الله وهذا سخي جداً واسمه حسين وهذا كريم جداً وإسمه أيضاً كريم. نحن هذه الأمة سمانا الله تعالى مسلمين (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ (78) الحج) إسمنا مسلمين وبعضنا في عمله مسلم. أحياناً واحد من المسلمين من أمة محمد أقل إسلاماً من واحد مسيحي أو يهودي في دينه. قد يكون واحد مسيحي أو يهودي في دينه أسلم وجهه لله وحّد ربه مؤمن به عمل صالحاً أسلم وجهه، كلمة مسلم أول الطريق وآخره أول الطريق لا إله إلا الله أنت مسلم، وعندما تترقى من الإسلام إلى الإيمان العام ثم الإيمان الخاص ثم التقوى ثم الإسلام الكامل يعني أصبحت كسيدنا إبراهيم (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) البقرة).
إتصال من الشيخ عد العزيز من أبو ظبي: هناك ملاحظة أن من يقرأ القرآن ولديه شك أو ريب لا ينتفع ولا يُفتح عليه والذي يقرأ القرآن وهو مطمئن إلى أنه كلام الله سيجد في كل حرف فتحاً له من الله تعالى ويفهم من القرآن ما لا يفهمه غيره لأن هذا القرآن له نورانية خاصة لا سيدنا محمد ولا أحد من البشر قادر على أن يأتي بآية من عنده والرسول صلى الله عليه وسلم ما هو إلا مبلِّغ فهذا قرآن الله وعظمة اللغة فيه إنما هي شيء لا يدرك باللغة وإنما يُدرك بالقلب.
أسأل سؤالاً بالنسبة لـ(نعم) هل هي متعلقة بالإجابة نعم يعني هم أهل الإجابة حتى كانوا منعّمين؟ ما الارتباط بين نِعمَ ونَعَم؟ وسؤال آخر هل الضمير (هو) من أسماء الله الحسنى؟
الإجابة: بالنسبة للضمير (هو) هكذا يقول بعض الصوفية أنها من أسماء الله الحسنى ولهم فيها فلسفة. أما الفرق بين بين النعمة والنعيم قطعاً هناك مناسبة فاللغة العربية كما نعلم عوائل. على كل حال هذا كلام الله وفيه صفة من صفات الله ورب العالمين إذا اقتربت منه شبراً اقترب منك باعاً وإذا اقتربت منه باعاً اقترب منك ذراعاً وإذا أتيته تمشي جاءك يهرول. هكذا كتاب الله عز وجل إذا أخلصت فيه وأحببته وعشقته وتذوقته أعطاك الله نعمة التذوق فأنت عندما تتذوق جمال هذا القرآن يفتح لك نفسه (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ (32) فاطر)
إذن هكذا هو الأمر، هكاذ الجنة تنقسم إلى هذه التقسيمات على وفق العمل. تعرفون أن أعظم الأعمال وأعظم العبادات هي التعامل مع الآخر، الصوم والصلاة والحج والذكر هذه عبادات عظيمة لا تحتاج إلى شرح لكنها عبادات سريعة النسخ سريعة البطلان (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش) (رُب مصلٍ ليس له من صلاته إلا القيام والقعود) (رُبّ رجل يقرأ القرآن والقرآن يلعنه) (إن العبد ليأتي يوم القيامة بأعمال كالجبال وقد أخذ قسطاً من الليل ثم لا يجد عند الله منها شيئ قال بمَ؟ قال بالغيبة، أو باللقمة الحرام). العمل العبادي التعمل مع الآخر، ما هو تعاملك مع الآخر؟ هذه (ونعم).
(الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء) ما قال يصلون بالليل أو بالنهار، ينفقون بالسراء والضراء سواء عنده أو ليس عنه، مريض أو غير مريض، هؤلاء كم واحد؟ أبو بكر وفلان وفلان يعني كم واحد. هذا العطاء للآخر يعطي الجار والضيف والمحتاج والرحم والمساكين، التعامل مع الآخر. (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) هذه عبادات أهل الجنة التي قال عليها تعالى (ونعم) ليس (نعم) فقط هؤلاء أصحاب العبادات التي تشق على النفس، بالله عليكم كم واحد منكم كظم غيظه وهو قادر على إنفاذه لوجه الله؟ في يوم من الأيام واحد أهانك أو اعتدى عليك أو اثار غيظك وأنت قادر على أن تمسح به الأرض فقلت لا، سوف أكظم غيظي؟ والله أنا واحد من الناس ما قدرت عليها. والله تعالى قال عنها (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) فصلت) هؤلاء وأمثالهم الذين يعطون كل شيء، يعطي عشاء أولاده ليس عنده غيره، ملابس العيد اشتراها لأولاده ثم أعطاها لجاره المحتاج (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (9) الحشر) باللقمة الواحدة التي لا يملك غيرها، هذه كم واحد يفعلها؟ هذا التعامل مع الآخر هو هذه التقوى لا تُمسح. صلاتك تنسخ وصيامك تنسخ لكن يؤتى بالعبد وليس له حسنة فيقول الرب خذوا عبدي إلى الجنة فتقول الملائكة بِمَ يا رب وليس له حسنة؟ قال إنه كان يرحم أهله، وآخر كان يسامح في البيع، وأخرى كانت تسقي كلباً، واحد رفع شوكة من الطريق ما قال يصلون ويصومون صحيح الصلاة والصوم ركن وأعجوبة العجائب (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) المدثر) صحيح لكن هذا شيء والذي فيه النجاة يوم القيامة وتغفر به الذنوب هو التعامل مع الآخر. ضيف ورحم وأم وأب وضابط وشطري ومعلّم وإنسان وحيوان، عندك حيوان ما تؤذيه، بغيٌّ سقت كلباً فغفر الله لها وواحدة تصم النهار وتقوم الليل طوال عمرها وتؤذي جيرانها بلسانها قال صلى الله عليه وسلم هي في النار، وأنت فيك عيوب كثيرة ولكن شهد لك سبعة من جيرانك قالوا كان طيباً ومهذباً وما أذى واحد منا نِعمَ الجار وفي رواية ثلاثة وفي رواية اثنان غفر الله لك، هذه هي التقوى قال تعالى فيها (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران) لا يعفون فقط وإنما يكرمونهم بهدية (ونعم أجر العاملين) بالواو، هذه مرتبة أعلى من الأولى بألف مرة.
أما الثالثة في سورة الزمر، هؤلاء جماعة (ونعم أجر العاملين) جماعة المنفقين، الحاكم العادل والموظف الأمين كل واحد في مجاله. أنت إن تخصصت بشيء واحد، رجل تخصص بواحدة، كل هذا يؤدي إلى حسن الخلق وهو خير من الصوم والصلاة والحج والزكاة من حيث أجره ولذلك يصل العبد بحسن خلقه ما لا يصل له بصومه ولا صلاته. (فنعم أجر العاملين) هؤلاء تخصص مثل أبو بكر في الإنفاق، عمر بالعدل، عثمان بالوفاء، عليّ بالعلم، هؤلاء قمة. إذن نعم أجر العالمين ونعم أجر العاملين، فنعم أجر العاملين كل واحدة ترسم مرحلة في الجنة لا ترسمها الصيغة التي قبلها.
د. نجيب: وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. نشكرك سيدي الشيخ على هذه الإيضاحات الجميلة الجديدة ونشكر إخواننا الذين شاركوا معنا على الهواء داعين المولى لكم بكل خير وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله.
بُثّت الحلقة بتاريخ 24/4/2009م