وأُخر متشابهات

وأُخر متشابهات – الحلقة 46

اسلاميات

الحلقة 46

د. نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد. ما زلنا في الحديث الذي تفضل به فضيلة الشيخ في الحلقة الماضية حول كلمة (نِعْمَ) واستخداماتها في القرآن الكريم.

د. الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. فعلاً لا نزال مع كلمة (نعم) وما يلحقها من حروف وهذا الرسم القرآني الهائل الذي يبين بهذا الرسم الحرفي تغيير المعاني والإضافات البلاغية المقصودة أو المطلوبة.

(فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) النحل) – (وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) النحل)

لا نزال في سورة النحل يقول سبحانه وتعالى (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)) بكل جرأة وبكل غباء ماذا أنزل ربكم؟ قالوا أساطير الأولين! (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)) إلى أن قال (فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)) الفاء واللام ومثوى وبئس. أما الذين آمنوا فيقول عنهم (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا (30)) خيراً، كلمة واحدة فقط، أما هناك قالوا أساطير الأولين. ثم قال (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)). أولاً نبدأ نقارن بين (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) و (وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ). (فلبئس) فاء وواو فإما أن يقال فلبئس مثوى وفلنعم مأوى أو ولبئس دار وولنعم دار، كلاهما على نسق واحد، لكن لماذا جاءت على البائسين في النار بالفاء (فلبئس مثوى المتكبرين) وعلى أهل الجنة (ولنعم دار المتقين)؟ ثانياً لماذا النار مثوى والجنة دار؟ قلنا سابقاً وهذا واضح في كل الديانات أن القضية المركزية يوم القيامة من هو ربك؟ هذه القضية المركزية التي تدور عليها كل الديانات (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) الأنبياء) إذا صحّت منك هذه القضية المركزية التي يدور حولها المرسلون والرسالات تكون أنت في جانب النجاة وتُساءل عن فرعيات. باختصار شديد واحد دخل البلاد هنا بشكل غير شرعي تهريب ليس له حقوق مطلقاً لا تقل أنا إنسان وحقوق الإنسان، أنت داخل لصّ! الآخر دخل بجواز سفر هذا له حقوق ويحاسب حساباً يسيراً إذا أخطأ وتنطبق عليه القوانين بعكس الأول لا تنطبق عليه القوانين جاء إلى البلاد بشكل غير شرعي. جواز السفر يوم القيامة لا إله إلا الله. هل أنت ممن يؤمن بالله الواحد الأحد؟ إذا كنت كذلك إنتهت المسألة. هذا الذي جرى بالحوار بين الاثنين، فريقين فريق لا يؤمن بالله (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)) هذا كلام جاء به الرسول جاء به موسى أو عيسى أو محمد أو إبراهيم أو نوح هذه خرافات! وناس قالوا لا، خير وبالتالي حسابك يكون بالقوانين محتمل العفو محتمل التبرير محتمل التعويض ويحتمل أن تتقدم أنت بطلب المرحمة تقول أنا أخطأت أو خالفت المرور يمكن أن يتعامل معك الدولة تتعامل معك بشكل كامل في كل الحقوق وكونك ضيف على الدولة وداخل بجواز سفر لك صلاحيات وتسهيلات كثيرة لأنك أنت ضيف. رب العالمين لما قال على هؤلاء الذين قالوا أنتم كلكم كاذبون ومدّعون (إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ (54) هود) قال (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) النحل) الفاء فاء ترتيب نتيجة على مقدمات. أنت سارق وأنت لص وأنت جاسوس وأنت مجرم وأنت قاتل فالعقوبة عليك حق، طبعاً مع كل هذه المقدمات القضية لا تقبل النقاش ولا تقبل الرحمة، ليس هناك مجال إطلاقاً للإستئناف. الاستئناف لمن يرتكب جريمة أو يرتكب مخالفة وهو بوضع شرعي، هو مواطن، أو داخل بجواز سفر، هذا الذي يمكن أن نتعامل معه فقال هنا الفاء (فلبئس). أولاً فاء يعني أن النتيجة حتمية مائة في المائة وليس هناك أي مجال للتعامل، هذا واحد. اللام للتأكيد (فلبئس) قد ترد (فبئس) أما هنا جاءت (فلبئس) باللام تأكيد كامل بحيث هذا الحكم لا يقبل لا النقض ولا الاستئناف ولا المراجعة نهائياً، أنت لا تملك القضية المركزية. ثم قال (مثوى) لماذا قال في النار مثوى وفي الجنة دار؟ المثوى مكان تحديد الإقامة

آذنتنا ببينها أسماءُ         رب ثاوٍ يملّ منه الثواء

الثاوي المعتقل، الموقوف، ذو الإقامة الإجبارية، المريض الذي لا يقوم، مقعد، معوق جداً كالصخرة فالثواء إما عقوبة أو عجز وهذه النار أنت ملقى عليك القبض. أما الدار في الجنة، الدار تعني الخير تعني الراحة وتعني السكن وأنت في ذلك ملِك ولهذا الدار سكن هائل ولها قدسية كبيرة في هذا الدين وفي كل الديانات. أنت إذا دخلت دارك فأنت ينبغي أن تكون آمناً بالمائة مائة والنبي عليه الصلاة والسلام قال من دخل داره فهو آمن. وهكذا قال تعالى (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا (80) النحل) أنت في بيتك في غاية السعادة ومصون ولا يمكن أن يعتدي عليك أحد، وإذا أحدهم مد يده إليك وأنت في هذا البيت تلعب به لعباً، إذا رايت لصاً يتجسس عليك من فتحة الباب أو من مكان المفتاح وفي يدك سيخ حديد اخرق عينينه ولا شيء عليك لا تُعاقَب. الذي يقتحم عليك سكونك وأمنك وأمانك وطمأنينتك في هذه الدار والدار هكذا دائماً (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) الرعد) نتحدث عنها في الحلقة القادمة (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) ماذا يعني هذا التعبير العظيم؟ (فنعم) لم يقل (ونعم) في حالة معينة تأتي الملائكة تزور أهل الجنة تقول لهم (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) تعدد لهم ماذا فعلوا من خير كما أن القرآن يعدد لأهل النار ما فعلوه من شر قال (فلبئس مثوى) أما في الجنة فتعدد لهم أصناف الخير قال (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) هذه الدار. إذن النار مثوى بائس معتقل تصير فحمة خمسين مرة وكلما ينضج جلدك يبدلونه جلداً آخر، مأساة! ما الفرق بين الاثنين؟ كما قلنا القضية المركزية الأساسية من آدم إلى أن تقوم الساعة، من إلهك؟ هذا أول سؤال تُسأله. من حين تغرغر إلى أن تُبعَث تُسأل من ربك؟ ناس يقولون فرعون، ناس يقولون النجم، ناس يقولون الصنم وأنت تقول ربي الله لا إله إلا هو، نجوت. أنت الوحيد الناجي. حينئذ رب العالمين عز وجل يفرق بين هذه الدار الملئية بالخير (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا) قالوها بعفوية لأن هؤلاء مؤمنين إيماناً كاملاً بدون أي شكوك وبدون أي قلق، مؤمن بأن القيامة فيها خير ونعم دار المتقين وهذه الدار فيها خير وسنتكلم أيضاً الحلقة القادمة عن (فلنعم دار المتقين) و (ولدار الآخرة خير) مضاف ومضاف إليه وعندنا (وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ (32) الأنعام) مبتدأ وخبر. ما هذا الاختلاف في العبارة؟! هذا القرآن أعجوبة ولهذا الوثيقة الوحيدة التي لا تحتمل التزوير ولا التغيير في الكون كله هو القرآن الكريم. من أجل هذا عليك أن تعلم بأن الأمر يسير يعني واضح “تركتكم على السمحاء ليلها كنهارها” ليس فيه لبس إخلع من دماغك كل ما حشوته به من فلسفات وبدع وضلالات وطوائف وفِرق، تكلّم مع الله فقط لا إله إلا الله. ودعك من هذه الأفكار التي جاء بها علماء الدين والفقهاء والأحبار والرهبان كما سنتكلم بعد قليل، كُن مع الله لا إله إلا الله.

د. نجيب: هناك مقابلة بين الآيتين (فلبئس مثوى المتكبرين) و (ولنعم دار المتقين) للحديث بقية بعد الفاصل.

————-فاصل—————

د. نجيب: التركيز فضيلة الشيخ في مثل هذه الحالة على نوعية معينة من الكافرين ليس على وجه العموم بمعنى أنها دركات وفي غالب الأحيان أن ما يستدعي العقاب قمّته يكون على المتكبرين.

د. الكبيسي: قطعاً فكما أن الجنة درجات فإن الجحيم دركات. هناك كافر وكافر، هناك واحد لا يؤمن بالله لكنه ما آذى أحداً ويمكن أنه اخترع دواء أو اختراعاً عظيماً لكن يقول ما في إله أنا رجل شيوعي أو ملحد أو أعبد الصنم وبين واحد ملحد ومجرم ويقتل الناس مثل فرعون يقتل أبناءهم ويستحي نساءهم. فكما تفضلت يا دكتور الجنة درجات.والنار دركات.

د. نجيب: وهذه خاصة بالمتكبرين على وجه الخصوص

د. الكبيسي: طبعاً قال (فلبئس مثى المتكبرين) الكافر متكبر طاغية قاتل دكتاتور كما هو الحال في كل الديانات عند المسلمين والمسيحيين واليهود والوثنيين. إذن نخلص من هذا الذي قلناه (فلبئس مثوى) الفاء لترتيب النتيجة لشدة العذاب الذي يلاقونه. والواو واو القسم، هناك فاء لتثبيت العذاب وهنا واو القسم (ولنعم دار المتقين) الواو للقسم، رب العالمين يقسم واللام للتأكيد. هناك الفاء للترتيب واللام للتوكيد. (فلبئس مثوى) المثوى كما قلنا المكان المعزول الذي تجبر للباقء عليه لعجز أو كسل أو حبس أو إيقاف أو عَوَق أو ما شاكل ذلك ولذلك يقال على الميت فلان ذهبوا به إلى مثواه الأخير الذي هو ثاوي به لا يذهب. الثواء نوع من الشقاء في المكان بينما الدار مكان للسعادة والحياة المنطلقة.

د. نجيب: هل بين المتكبرين والمتقين دلالة؟

د. الكبيسي: قطعاً هذه تكلمنا عنها مرة المتقون والذين اتقوا والمتقي، لا شك قلنا فرق بين المتقي والمتكبر. والمتكبر قد يكون متكبر عقيدة وقد يكون متكبر سلوك.  

د. نجيب: كما أن المتكبر في الدرجات الدانية كفراً المتقين من أعلى الدرجات إيماناً.

د. الكبيسي: للبحث بقية. (نعم) و(بئس) في القرآن الكريم

د. نجيب: تحتاج إلى كتاب مستقل ونرجو من إخواننا الباحثين في الماجستير والدكتوراة أن يخصوا مثل هذه الكلمات بالدراسات المستقلة إن شاء الله.

(وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) المائدة) – (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) المائدة) – (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) المائدة)

د. الكبيسي: نعود إلى المائدة رب العالمين عز وجل يقول عن التوراة والانجيل (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ) ويقول (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ (46)) ما الفرق بين هذا وهذا؟ وما الفرق في النتائج؟ نقرأ الآيات كاملة (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً (44) المائدة) إلى أن قال (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)) ومن لم يحكم من اليهود بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. ويتكلم عن سلوكيات اليهود في التوراة قال (وكتبنا عليهم فيها) من قوانين التوراة أن العقوبات البدنية فيها قصاص واحد قتل واحد، واحد فقأ عين واحد، واحد قطع يد واحد فيها قصاص (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) المائدة). الأولى (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)) ووراءها (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) المائدة). (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46)) ثم قال (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) المائدة). ثلاث آيات تذم كل من له كتاب سماوي وله رسول من الله عز وجل وجاءهم بهذا الشرع وهذا الفقه في هذا الكتاب ثم يحكمون بغيره يذم هذا الذي يحكم بغير ما أنزل الله، لكن بعضهم قال عليهم (فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) وبعضهم قال (فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ما هذا الذي جعل واحد ممن لم يحكم بما أنزل الله كافراً والآخر ظالماً والثالث فاسقاً؟ لماذا لم يقل عنهم جميعاً فاسقون أو كافرون أو ظالمون؟ ما داموا كلهم لم يحكموا بما أنزل الله؟ رب العالمين عز وجل نص في الآية الأولى التي يخاطب بها اليهود (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ) كل الكتب السماوية المفروض أن يأتي بها رسول يسلمها للربانيين والربانيون هم العلماء (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) آل عمران) الأحبار هم الفقهاء الذين يحسنون هذا، التحبير التحسين، تقول حبّرت هذا المكان أي زيّنته وحسّنته، المُحَبّر الشيء الجميل الذي أضيف عليه نوع من أنواع الأصباغ والألوان. فالأحبار هم الذين يُحسّنون فهم الناس للكتاب المنزّل سواء كان توراة أو إنجيل. رب العالمين قال أوصى الربانيين والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله يحفظونه في صدورهم لكيلا يضيع ويحفظوه في الفهم لكيلا يفني. من أجل ذلك رب العالمين عز وجل تكلم عن الأحبار والربانيين والرهبان الذين جاءهم نبيان كريمان سيدنا موسى وسيدنا عيسى بهذين الكتابين. هذان الكتابان أول تجربة أو أول بداية لأسلوب الوحي المجرد. قبل سيدنا موسى عليه السلام وقبل سيدنا عيسى عليه السلام كان الوحي مشخّصاً، يأتي رجل ونحن نعرف أن الملائكة تتشكل، الملائكة والجن مخلوقات تختلف عن طبيعة البشر ومن طبائع الجن والملائكة أنها تتشكل، تتشكل في صورة إنسان في صورة طائر هذا كلام معروف ومتفق عليه عند جميع الديانات. ولهذا لما كان يأتي جبريل أو الملائكة لم يكن يأتي بصورته الرئيسية ولا بالوحي وإنما يأتي على صورة رجل (وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) هود) سيدنا سليمان لما كان في المحراب (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) ص) هؤلاء كانوا ملكين تشكلا بشكل إنسان. حينئذ رب العالمين عز وجل بدأ الوحي الذي يأتي سيدنا جبريل يوحي للنبي المرسل النبي الرسول وحياً مجرّداً من الله سبحانه وتعالى ويعطيه رسالة بنصوص كاملة ثابتة الأولى سماها والثانية سماها الإنجيل والثالثة سماها القرآن وكلها من مصدر واحد. والفجيعة التي وقعت بتحريف التوراة والانجيل فجيعة للبشرية جميعاً وأعظم من فُجِع بها المسلمون. لأن الله سبحانه وتعالى جعل التوراة والانجيل من مصادر المعرفة للإسلام. ومن مصارد المعرفة لمن يفهموا القرآن أن عليهم أن يعودوا أن يعودوا للتوراة والإنجيل ورب العالمين قال (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)) ورشع ما قبلنا شرعٌ لنا ما لم يأت ما ينسخه. سيدنا عيسى عليه السلام قال (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6) الصف) هذا التسلسل في هذه الرسالات السماوية الثلاثة الذي فرط بينها العقد التحريف كما تحدثنا في حلقة سابقة عن الفرق بين آيتين في القرآن (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ (46) النساء) وفي سورة أخرى (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ (41) المائدة) في الأولى حرفوا في التوراة والإنجيل في عصر الرسالة رفعوا كلمة ووضعوا كلمة، رفعوا معنى ووضعوا معنى، هذا يحرفون الكلم عن مواضعه. في سورة أخرى (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ (41) المائدة) من بعد ما استقر التوراة والانجيل جاء من يحرّفها المعنى وكما هو في القرآن الكريم، كيف صارت عندنا طوائف وفئات وناس تكفّر ناس وناس تقتل ناس؟ هذه الآية التي جاءت في بني إسرائيل على سيدنا موسى (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) ظهر عندنا ناس سموهم الخوارج في أول الإسلام طبقوها علينا وقتلوا مئات الآلآف من الناس قالوا أنتم حكمتم بغير ما أنزل الله فقتلوهم كفاراً وهم مسلمون والكلام في الآية ليس لهم وإنما الكلام لبني إسرائيل حتى لو قلنا على طريقة العِبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، يقولون لك هؤلاء ناس محرِّفين إشترتهم قوى أخرى في زمانهم إما ملوك أو سلاطين فغيّروا أحكام ثابتة في التوراة والانجيل فيما يتعلق بالعقوبات رب العالمين قال (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) ونحن عندنا في القرآن الكريم منقولة نصّاً من التوراة والإنجيل. وعندنا آيات كثيرة مشتركة بين الكتب الثلاثة مصدرها التوراة والإنجيل. حينئذ رب العالمين سبحانه وتعالى تكلم عن هذه الكتب الثلاثة بالتسلسل قال (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) المائدة) ثم تكلم عن النصارى وسيدنا عيسى والإنجيل (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46)) إلى أن قال (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)) والثالثة ثال (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا (48)) حينئذ نقول بهذا التناسق التاريخي السماوي بهذا الوضوح الكامل نرى في المسيحية طوائف يكفِّر بعضها بعضاً ويقتل بعضها بعضاً بروتستانت وكاثوليك وغيرها وفي اليهود مثل هذا وفي المسلمين مثل هذا وإلى هذا اليوم الديانات الثلاثة التي تمتلك الوثائق التي توحدهم جميعاً وبالتالي جاء هذا الدين الأخير الذي وحد الديانات الثلاثة بالكامل، فالمسلم هو الوحيد في هذا الكون الذي ليس له مشكلة مع الآخر. هو يؤمن بسيدنا موسى وسيدنا عيسى إيماناً كاملاً لا يقل شعرة واحدة عن إيمان اليهودي بموسى وإيمان المسيحي بعيسى بل إن هذا القرآن الكريم قال (ومهيمناً عليه) هو الذي أزاح عن سيدنا موسى وعن سيدنا عيسى ما لحق بهما من تزوير وتحريف وإلصاق التُهم التي لا تليق بهما. رب العالمين قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) الأحزاب) وسيدنا عيسى قال (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ (157) النساء) إذن مصيبة الديانات التحريف الذي هو من قواني هذا الكون لكي نكون واقعيين، هل يمكن أن تأتي فكرة أو شريعة على مدى خمسة آلآف سنة تبقى على حالها بالضبط لا يدخلها لا تزوير ولا تحريف ولا أعداء ولا اختراقات ولا ناس ملحدين طبعاً هذا غير ممكن والنبي أخبر بهذا وقال فيهم محرّفين وفيكم سماعون لهم وهذه الآية تتكلم عن حقيقة واقعة في كل أجزاء هذا الكون سواء كان دولة أو عسيرة أو جمعية أو حزب أو طائفة يخرج عليهم واحد يبيعهم بالمال يخون بلده ويخون أمته ويصبح عميلاً ويقتل ويذبح. سيدنا عيسى خانه بعض أصحابه وسيدنا موسى خانه قارون وهو ابن عمه (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ (76) القصص) والمسلمون (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) المسد) أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم والخوارج ما إن مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى أعملوا سيوفهم بالمسلمين وقالوا عنهم كفار والحالة الآن هناك من يقول الآن أنتم كلكم كفار ونحن وحدنا مؤمنون وقتلوا بالآلآف بهذه الدعوة. إذن هذا من قوانين الكون (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت). ولذلك من عوفي فليحمد الله ولذلك (قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17) الحجرات) كيف واحد عبد مثل بلال يفهمها ويعبد الله عز وجل ويترك الأصنام وواحد عقلية جبارة مثل أبو لهب والوليد بن المغيرة وغيرهما منعهم الكِبر من الإسلام.

————–فاصل——————–

د. نجيب: أهم ما في هذا الموضوع يا سيدي الشيخ أنك وضّحت أن هذه الآيات الثلاثة ليس لنا منها شيء والحمد لله رب العالمين. لكن على مر التاريخ وفي فترات متأخرة ولا سيما في هذا العصر قد عُمِّمت هذه الآيات الثلاثة التي قيلت عن الأمم السابقة على المسلمين واتخذت وسيلة للتكفير والتفسيق والتضليل فأبيدت أمم وشعوب وعلماء وحكام.

د. الكبيسي: وإلى هذا اليوم. يقول المفسرون من كبار هذه الآمة يقولون لماذا قال (أنزلنا التوراة فيها هدى ونور) توحيد الربوبية لا إله إلا الله ونور فيها أحطام رشعية كيف تصلي كيف تتعامل؟ الزنا حرام والربا حرام. الإنجيل (وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور) توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وقوانين. ما الذي حصل إذن؟ كل هذه الديانات الثلاثة جاءت فيها هدى ونور، والذي لخبط الناس وهذا قانون لا يمكن أن يحدث هذا إطلاقاً من طبيعة هذا الكون الثاني ككل المخلوقات، انظر إلى الأشجار وكل الأحياء المائية والنباتية هل يمكن أن تبقى السلالة على حالها لا تتغير؟ لا يمكن أبداً. إذن رب العالمين جعل هذه الكرة الأرضية قاعة امتحان كبيرة (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) الملك) (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف). من أجل ذلك يقول العلماء عندنا رأيان: الأول أن هذه الآية ليست شغلنا نحن وإنما يتكلم الله تعالى عن اليهود (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)) لماذا قال تعالى كافرون وظالمون وفاسقون؟ قال كافر هذا يُنكر التوحيد يقول الله ليس واحداً، هذه الأولى. الثاني ظلم بمحاكمة محاكمة كان هذا قتل هذا فيجب أن يُقتل فيقول لا لماذا يقتل؟ قال (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)) لأن هذا ما حكم بما أنزل الله بالحكم الذي يأخذ الحقوق بين اثنين يعني في المحكمة (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). بالنسبة للإنجيل حالة عدم تطابق مع النفس. في (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) واحد اعتدى على واحد، في الإنجيل واحد اعتدى على نفسه، واحد ظلم نفسه لم يطبق هذا النص الواضح في الإمجيل تطبيقاً يرضي الله عز وجل فحرّفه وكتبه (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ (79) البقرة) هذا مشكلته مع نفسه فهو فاسق. مع التوراة حكم بالمحكمة، برّأ قاتلاً، برّأ زانياً من الإعدام وحينئذ يقول تعالى (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) والآخر أنكر الإله الربوبية وأنكر موسى كما فعل قارون وغيره (فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)) هؤلاء إذن على هذا النسق مع كل نزول. البعض يقولون عندنا قاعدة يقولون العِبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

إتصال من الأخت مروة من السودان: الإسلام هو دين الوسط. في أول سورة البقرة (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (3)) فهل يؤدي الإيمان بالغيب أو التسليم بالإيمان بالغيب إلى أن يكون الشخص وسطاً؟

الإجابة: الإيمان بالله معروف، الإيمان بالنبي آمنت بموسى آمنت بعيسى آمنتم بمحمد، ما معنى آمنت به؟ أنه فعلاً مرسل من رب العالمين ولم يكذب على الله تعالى وهذا هو الإيمان. هذا الرجل أرسله الله عز وجل فهو رسول، هذا الرجل لا يكذب على الله لأن الأنبياء معصومون هذا الإيمان بالأنبياء. هذا الرسول يقول يا عباد الله سنموت ووراء الموت حساب وهناك جنة ونار أنت لم تري هذا لكن تقولين آمنت بكل ما جاء به هذا الرجل، إذن أنت آمنت بالغيب. حينئذ يوم القيامة الكل سيؤمن (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) الأنعام) نحن الآن الامتحان أن تؤمني بالغيب الذي أخبرك به الرسول الذي لا يكذب لأنه معصوم وأنت آمنت به، هذا الفرق.

إذن نعود مرة أخرى إلى قوله تعالى في كل هؤلاء (فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ (44) المائدة) قضية مركزية أساسية.  كل من يظلم ويقتل ويغتصب ويُنكر هو كان يخاف من الناس إما طمعاً فيهم أو طمعاً فيما عندهم (وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً (41) البقرة) يعني أنت تبيع رب العالمين وتبيع الآخرة وتبيع دينك على مطمع أن يجعلوك أميراً أو رئيساً أو يعطوك مالاً أو منصباً وهذا يحصل كل يوم في كل الدنيا. كل الكون هناك محرفين وجواسيس ومزورين وعملاء ومن يفسد قومه ومن يطعن في أهله لقاء مكسب دنيوي، منصب متل مقام، قال (وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً (44) المائدة) وراءك موت وحساب ولو تعلم ما عند الله من الملك لاحتقرت هذا. الشيء الثاني كل ما يمكن أن تستفيد من هؤلاء الناس الذين جعلوك تحكم بغير ما أنزل الله، كم ستعيش؟ عشرين سنة، مائة، إذن العمر قصير وتافه ولا يساوي أن تبيع دينك وعرضك ومصالح الناس بمغنم دنيوي أنت زائل عنه لا محالة حتى لو عشت ألف سنة. فرب العالمين عز وجل يهيب بكل عباده الذين أرسل لهم الرسل أولاً أن لا تحرّف وأن لا تكذّب وكما قالت ابنتنا مرة وأن تصدق ما جاء به الرسول (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ (35) الأحقاف) يوم القيامة لن تجد لك عذر ولو واحد بالمليون وستقول رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا (100) المؤمنون). هذا الذي كفرونا به وقتلوا الناس الإمام الرازي وغيره يقول مفرقاً بين الكافرين والظالمين والفاسقين، يقول الذي لا يحكم بما أنزل الله وهو مؤمن بما أنزل الله هو حاكم بما أنزل الله، يعني أنا لا أصلي وأنا مؤمن بأن الصلاة ركن وأن رب العالمين سيحاسبني على الصلاة وأنا أعترف أنني مخطئ والحقيقة أنا لست كافراً وإنما مقصر وسأحاسب على تقصيري. الكافر يقول ليس هناك صلاة وهذه الصلاة من عندكم والله لم يأمر بها وإنما كذب علينا النبي! الذين لا يحكمون بما أنزل الله إنكاراً وتمرداً وعدم تصديق بالغيب أما يقول هذا رسول الله هذا موسى وهذا عيسى وهذا الإنجيل والتوراة وأنا مقصّر ومن الذي لم يقصّر؟ هل بنا من لم يترك صلاة يوماً؟ هل بنا من لم يظلِم؟! هل بنا من لم يرتكب جريمة سرقة، غيبة، نميمة، جريمة سياسية؟! إذن كلنا خطاء لكن أنا معترف بأني خطاء. هذا الذي لم يحكم بما أنزل الله أنكر الحكم أصلاً. مشكلة إبليس، آدم أخطأ وإبليس أخطأ، آدم اعترف بخطئه وقال يا رب أنا مقصّر واعترف بغلطته (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ (37) البقرة) أما إبليس فلم يقل أنا مخطئ وإنما قال كلامك خطأ، حينما قيل له اسجد قال كيف أسجد؟ كلامك خطأ (قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) الإسراء) رد الأمر. واحد ضابط في المعركة أمر الجندي أمراً والآخر يقول هذا الأمر خطأ يقول له أنا قائد المعركة فيقول له هذا خطأ، هذا خائن يقتل لأنه دمر الناس. لو قال إبليس حاضر يا رب هذا يستحق السجود لكني تعبان ومريض ما كان طرده وإنما قال يا رب العالمين كلامك خطأ خلقتني من نار وخلقته من طين وقام يجادل، هذا الفرق بين الخطاء والكافر، آدم خطاء أخطأ ولكنه مؤمن بالله وأن الأمر كان حكيماً وما كان عليه أن يأكل من الشجرة، لكن إبليس رد الأمر وقال رب العالمين مخطئ وهذا فرق كبير.

د. نجيب: فتاب عليه

د. الكبيسي: فتاب عليه. هذا ليس له توبة. إذن الكافر هو الذي ينكر ما في التوراة والانجيل. الظالم الذي يحكم بالتوراة والانجيل باطلاً بين خصمين، الفاسق الذي يخالف الإنجيل ويظلم نفسه هو. إذا سرب خمراً هذا ظالم فاسق لكن ما ظلم أحداً.

إتصال من الأخت مها من بريطانيا: أود أن أسأل الشيخ التوراة والإنجيل أو حيتا إلى الأنبياء كتابة والقرآن الكريم نزل عبر جبريل بقوله إقرأ اي أن النص لم يكن مكتوباً فهل من حكمة من وراء ذلك؟ ثانياً هل نعتبر أن التوراة والإنجيل القديمين قد نسختا بالكامل الآن ولا نجد نسختهما الأصلية الآن وبالتالي القرآن الآن هو التوراة والانجيل وهو القرآن في كتاب واحد؟ أيضاً اللغة العربية هي التي تحدى الله تعالى بها البشر في أن يستطيعوا أن يحرّفوا القرآن بسورة من مثله فهل اللغات القديمة التي أوحيت بها التوراة والانجيل كالآرامية هل لا ترتقي إلى مستوى؟

الإجابة: الفرق بين التوراة والإنجيل والتوراة أن سيدنا عيسى ليس الإنجيل هو المعجزة وإنما معجزته أنه يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص إذن سيدنا عيسى كتابه شيء ومعجزته شيء آخر والإنجيل ليس معجزاً ولهذا قال تعالى (بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ (44) المائدة) يا أحبار يا رهبان انتبهوا للإنجيل ولا تدعوه يُحرّف لكنه حُرّف؟ ونفس الأمر سيدنا موسى معجزته شيء والتوراة شيء آخر، معجزته العصا والبحر شق له وغيرها، التوراة ليس معجزاً ولهذا حُرِّف، قال للأحبار (بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ) يا أحبار انتبهوا للتوراة ومع هذا حرّفوه. النبي صلى الله عليه وسلم معجزته القرآن عنده خوارق كثيرة لكن المعجزة التي تحدى بها العالم كله قال (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (23) البقرة) ويوم بعد يوم وفي كل يوم نحن والعالم جميعاً يكتشفون أن فيه كلاماً لا يمكن أن يصدر من بشر مطلقاً وكل جيل يجد فيها – لو قرأت ما قاله موريس بوكاي وغيره كثيرين من المستشرقين قسم بقوا نصارى وقس أسلموا، قالوا هذا الكلام مستحيل أن يصدر من بشر. إذن كل جيل نجد في هذا القرآن الكريم حالة من الخوارق لا يمكن أن يأتي بها إلا رب العالمين. إعجاز في القرآن ولغته وما فيه معلومات وكما قلنا هوالوثيقة الوحيدة في الكون التي قال عنها (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9))   وفعلاً لا يمكن تزويره ولو اجتمعت الدنيا كلها لأنه هو المعجزة. هل يمكن تزوير سيدنا عيسى في إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص؟! وهو يتكلم وهو طفل في المهد؟! لا يمكن. سيدنا موسى نفس الشيء. ثانياً البشرية مرت بتدرجات هائلة، هل من آدم إلى سيدنا موسى كان نفس الناس؟ ناس كانوا بسطاء في لغتهم وفي فهمههم كان يأتيهم نبي ببعض الكلمات، عنده صحيفة واحدة، سيدنا إبراهيم كان عنده مواعظ وعندما بلغت البشرية أوج عظمتها جاء الوحي بشكل كتاب الذي هو التوراة أولاً ثم االإنجيل ثانياً والقرآن ثالثاً. ومن فضل الله تعالى على المسلمين أنه جاء متدرجاً على مدى ثلاث وعشرين سنة وهذا أمر معروف عند الجميع.

د. نجيب: الحديث شيق وعظيم وجديد في هذه التفريقات الدقيقة وأرجو أن تكمل الحديث المتعلق بنعم وبئس ومتعلقاتها في القرآن الكريم خاصة أن كثيراً من المشاهدين الذين يتابعون معنا عندما يصادفون مثل هذه الأمور أثناء تلاوتهم خلال هذا الأسبوع يتراود على أذهانهم ويكتشفون مواقع أخرى   

د. الكبيسي: نحن نقول للنسا لو جلست مع أمير وقال بئس الرجل فلان هذا كلام خطير، عليك أن تتبع أي ودرتى (نعم) وأين وردت (بئس)؟

د. نجيب: أن نكون من أهل (نِعْمَ) وأن لا نكون من أهل (بِئْسَ) داعين المولى سبحانه وتعالى أن يتمم نعمته علينا وعلى شيخنا الجليل خصوصاً في الدارين وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله.

بُثّت الحلقة بتاريخ 1/5/2009م