الحلقة 47
د. نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد. ها نحن مع شيخنا الجليل الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله في تجلياته واستنباطاته القرآنية في الآية وأخواتها.
د. الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. ولا نزال في نطاق (نِعْمَ) (ولنعم دار المتقين) نتكلم عن الدار وعن العاقبة وهذا موضوع يستغرق عدة حلقات لو أردنا أن نستفيض فيه ولكننا سنكتفي فعلاً بتوضيح بعض الفروق فيما يتعلق بهذه المسألة.
(وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ (30) النحل) – (وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ (169) الأعراف) – (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) الرعد)
يعني مثلاً (والدار الآخرة خير) صفة وموصوف، الدار مبتدأ والآخرة صفة، خيرٌ خبر. عندنا (ولدار الآخرة خير) يعني إضافة الموصوف إلى الصفة، فرق بين هذه الدار الآخرة وأن نقول هذه دار الآخرة وأصحاب اللغة يعرفون الفرق بين ذلك. رب العالمين مرة يقول (وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ (169) الأعراف) ومرة يقول (وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ (30) النحل). لو تتبعنا القرآن الكريم مثلاً في يوسف (وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (109) يوسف) في الأنعام (وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (32) الأنعام) عندنا اتقوا وعندنا يتقون، عندنا ولدار وعندنا وللدار وعندا دار الآخرةِ والدار الآخرةُ ما الفرق بين ذلك؟ الدارُ الآخرةُ، الآخرة هي يوم القيامة بما فيها الجنة والنار، الجنة والنار كلها من يوم القيامة (الدار الآخرة) هي الكوكب الذي سوف نعيش فيه بعد تدمير هذا الكوكب الذي نحن فيه (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ (48) إبراهيم) هذه (الدار الآخرة) عندما تأتي صفة موصوف يعني يوم القيامة والكلام عن جميع أهلها من أهل النار وأهل الجنة (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ). لكن (ولدار الآخرةِ) أنت عندك دار الدنيا هنا، أنت لك دارتك (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا (80) النحل) أنت سعيد في البيت وأهلك وزوجتك وربما هذه الدار موروثة عن أبيك وجدّك وفيها ذكريات عائلتك كلها يعني أُنسك “جنة المؤمن داره” وهذه حقيقة نلمسها جميعاً. فرق بين من يسكن بالإيجار حتى لو كان قصراً منيفاً وبين من يملك سقفاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “بحسب ابن آدم لقمة تسد جوعته وخِرقة تستر عورته فإن كان له سقف يظله فبخٍ بخٍ” السقف هذا مجد، سكن، هذا بيتي حتى لو كان كوخاً، هذا بيتي ولهذا حرمة البيوت كما تعرفون حرمة عجيبة. وكلمة الدار تعني الوطن الذي لك فيه سكن (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ (9) الحشر) أهل المدينة كلهم أصلاء كلٌ له بيته في المدينة وبستانه، هذه دارهم.
د. نجيب: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ (40) الحج)
د. الكبيسي: أحسنت. حينئذ أنت عندك دار الدنيا فيقول لك لا ولدار الآخرة التي سوف تملكها أنت خير من هذه الدار قطعاً. إذن لما نقول (ولدار الآخرةِ) يلفت نظرك رب العالمين إلى كم هذه الدار التي أنت معجب بها في الدنيا وورثتها عن أبيك أو اشتريتها أو بنيتها وفيها ذكريات أهلك وكثير من الشعراء يتغنى بداره وببيت أبيه وأجداده. حينئذ (ولدار الآخرةِ) بيتك أنت الخاص، قصرك الذي ستسكن فيه يوم القيامة بقدر الكرة الأرضية عشر مرات، أعجوبة، قوانين طبعاً لا نعرفها وتراها كلها أمامك كما ترى شقتك الصغيرة وترى كل غرفها أمامك سوف ترى دارك التي بقدر الأرض عشر مرات، آخر واحد يخرج من النار الذي خطر في باله في يوم من الأيام أن الله واحد كما هو في حديث البطاقة المشهور، هذا مرة واحدة في حياته قال لا إله إلا الله، يُخرج من النار آخراً، هذا له بقدر الدنيا عشر مرات فما بالك بأصحاب التقوى والصلاح والمهاجرين والأنصار والأنبياء والرسل؟! إذن مهما كنت ما دمت تقول أن الله واحد فلدار الآخرة التي سوف تمتلكها وفيها أولادك وزوجاتك وناسك، وفيها شيء آخر. سنتكلم بعد قليل عن عاقبة الدار وعقبة الدار. إذن باختصار (والدار الآخرة) يوم القيامة كلها كل الكواكب التي سنعيش عليها بعد أن نُبعث من الموت وتفنى الكرة الأرضية بالكامل تدمير كامل (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ (48) إبراهيم) هناك هذه دار الجميع أهل الجنة وأهل النار كل هؤلاء في الدار الآخرة لكن لما نقول (ولدار الآخرة) نضيف الموصوف في الزصف تكون هذه دارتك أنت، هذا واحد.
(عاقبة الدار) – (عقبى الدار)
هذه توطئة للتي بعدها. عندنا عقبى وعاقبة. القرآن الكريم مرة يقول (عاقبة الدار) ومرة يقول (عقبى الدار). رب العالمين يقول (فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ (137) آل عمران) وفي آية أخرى (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) الرعد). عقبى الدار وعاقبة الدار. حتى لا أطيل عليكم بالتفصيلات اللغوية لا يفقهها ولا يتلذذ بها إلا أهل اللغة، اللغويون. نحن نتكلم من الآخر، عندك امتحان نهائي إما بكالوريا نهاية الثانوية أو بكالوريوس نهاية التخصص أو دكتوراة نهاية المناقشة والرسالة، هذه الامتحان نفسه هذا حسن الخاتمة. لما قال صلى الله عليه وسلم: “سلوا الله حسن الخاتمة” أن تحسن آخر أيامك التي بعدها مباشرة أنت تحاسب، هذه الخاتمة، هذه عاقبة الدار. أنت امتحنت ولما امتحنت نجحت، هذه عاقبة الدار، عاقبة الامتحانك أنك نجحت. إنتهى الأمر، قال لا، لم ينته، لما تكون العاقبة حسنة وقد نجحت بامتياز أو بدرجة عالية يعطوك جائزة عظيمة عقلك لا يستوعبها، تلك عقبى. عقبى الدار الجائزة التي تترتب على حسن عاقبة الدار. حسن الخاتمة الامتحان، النجاح عاقبة الدار، الدائزة أو الوظيفة أو المنصب تلك عقبى الدار.
نعود لنتلكم عن كلمة (عاقبة) في القرآن الكريم تأتي مرة مضافة للشرّ ومرة مضافة للخير (كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) النحل) كلما تأتي كلمة عاقبة مضافة فهي بحسب المضاف إليه. عاقبة المكذبين وعاقبة الصالحين وعاقبة المجرمين. ليس عندنا إشكال فيها. أما إذا أُطلقت العاقبة ولم تكن مضافة إطلاقاً فهي للخير كما يقول تعالى (نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) طه) لم يقل عاقبة ماذا؟ لما نقول والعاقبة بدون إضافة فهي للخير، للمتقين.
العقبى الجزاء الوفير الذي لا يدركه عقلك. تخيل ماذا لو كان هناك امتحان ليعيّنك الملك وزيراً سيتقدم ملايين الناس والباب مفتوح للجميع بأن يشتركوا في الامتحان والذي سينجح يصبح وزيراً. عندما تنجح سوف تأخذ جائزة خيالية، هذه عقبى الامتحان أي الجزاء على هذا الامتحان أن أنت أخذت هذه الجائزة الهائلة. لما رب العالمين يقول “عقبى الدار” يعني الجائزة وسنذكرها بعد قليل.
كلمة (عقب) عقب المصير، عقب الولد الصالح (في عقبه) العقب لما تموت وأنت ذو شأن ثم لك ولد يشيرون إليه ويقولون هذا إبن فلان، فيذكرونك لأنه أمامهم يسمى هذا عقِب. فالعقب والعاقبة تطلق على الخير ولو كان عندك ولد سيء لا يقال له عقب. العقب يُطلق على الولد الذي يحمل ذكرك بشكل إيجابي.
للعلم وهذا شيء يلفت النظر لا أدري لماذا؟ كلمة عقب جاءت ست مرات في القرآن الكريم (عقبى الدار) جاءت ست مرات في القرآن الكريم حصراً وكلها جاءت في سورة الرعد فقط، سبحان الله! لما تقرأ سورة الرعد تراها سورة بشائر وعطاءات ومحفزاتن أعجوبة العجائب، تأمل في سورة الرعد آية آية ستشعر أنك أنت في الجنة لا محالة. تبعث في نفسك الأمل والسرور والسعادة والعطاء ورحمة رب العالمين، فعلاً سورة من أعاجيب القرآن وكله عجائب ولا تنقضي عجائبه. فكلمة (عقبى) التي هي أعظم ما يصيبك يوم القيامة (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) الرعد) انظر كيف جعل رب العالمين هذه العقبى ولِمن؟ سلعة الله غالية سلعة الله الجنة. حينئذ لا بد أن تدفع الثمن وإلا الجنة والله العظيم كل من خطر في باله يوماً أن الله إله واحد لا شريك له ولم يصلي ولا ركعة ولم يصم ولم يبق ذنب إلا ارتكبه سيدخل في النهاية الجنة ولهذا ما عندنا مشكلة في دخول الجنة. أنا لا يشغلني كما لا يشغلك إذا كنا سندخل الجنة أم لا، أنت إذا قلت لن أدخل الجنة فأنت كافر ” من قال لا إله إلا الله مصدقاً بها قلبه دخل الجنة” فلا تقل لن ندخل الجنة. الجنة سندخلها، إذا كانت امرأة بغيّ سقت كلباً فغفر الله ذنبها. الجنة يدخلها كل من قال أنت ربي ولو مرة في حياته وحديث البطاقة وأحاديث كثيرة على غراره أن واحد ليس له أي عمل بحثول فلم يجدوا له عملاً إطلاقاً ووجدوا بطاقة صغيرة معلقة بالعرش فأتوا بها، وضعوا سجلاته في الميزان وجدوها كالجبال فما وجدوا إلا هذه البطاقة قالوا يا رب وجدنا هذه الحسن فقال تعالى ضعوها في الكفّة الأخرى فلا يظلم عندي أحد فوضعوها فرجحت على كل تلك الذنوب.
د. نجيب: لا إله إلا الله. نكمل بعد الفاصل.
————فاصل———–
د. نجيب: نكمل الحديث عن عقبى وعاقبة وفُعلة.
د. الكبيسي: فُعلة مثل عقبى حسنى فضلى على هذا النسق. رب العالمين عز وجل يحدثنا عن أصناف من عباد الله عجائب. كنا تحدثنا في عدة حلقات عن الزمر (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا (73) الزمر) وقلنا أن الزمرة هي الجماعة المتخصصة الدقيقة مثل في هذا الاستوديو يوجد زمرة الكهربائيين وزمرة البلاطين وزمرة المصورين ورب العالمين هو المُخرِج الوحيد. حينئذ نقول زمر من هذه الزمر العظيمة رب العالمين قال هؤلاء لهم عقبى الدار وليس عاقبة الدار.
د. نجيب: مخرجونا نحن يخرجون من النار إلى الجنة.
د. الكبيسي: إن شاء الله. رب العالمين لما قال (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران) وجاء بزمرة تتسم بقوة إرادة وقهر للنفوس يعني ميزتها أنها تقهر النفوس (الذين ينفقون في السراء والضراء) لو كان سيكون من الجوع يعطي اللقمة لغيره، (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ (134) آل عمران) من يكظم غيظه في هذا الزمان؟!، (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) هذه زمرة.
ما هي هذه الزمرة التي أطلق عليها رب العالمين “أولو الألباب”؟ وأنتم تعرفون أن اللب هو العقل والعقل عقل متدبر وعقل مفكّر وعقل وازع وأعظمها وأكملها العقل الرشيد (أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78) هود) (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ (51) الأنبياء) لماذا؟ هذا عقله منهجي مقدمات ونتائج، إبراهيم قال هذا ربي، هذا أصغر، هذا أكبر إلى أن وصل إلى النتيجة. عندنا إذن اللب وهذا اللب هو نهاية العقل الذي لا يمكن أن يؤتى من نقص، العقل الكامل مثل عقول الأنبياء والصدّيقين وكبار العلماء الذين قال رب العالمين “أودعت فيهم خزائن رحمتي؟ أولو الألباب. أصحاب اللب هؤلاء يبلغ بهم هذا اللب إلى أن يعبدوا الله بالطريقة التالية (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (19) الرعد) من هم؟ جاء لنا بتسع مواصفات إذا فعلتها كاملة فأنت من أولي الألباب الكبار وإذا فعلت بعضها فأنت منهم بصورة نسبية.
من هم أولو الألباب؟ ذكر الله تعالى تسعة شروط في كتباه العزيز في سورة الرعد (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ {19} الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ {20} وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ {21} وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ {22} جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ {23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ {24} سورة الرعد
أولاً الذين يوفون بعهد الله عندما رب العالمين أخذ علينا العهد (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الاعراف) هذا العهد الأول فإذا قلتم هذا فأنا أوفي لكم بعهدي أُدخلكم الجنة (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ (111) التوبة) قلنا قبل قليل من قال لا إله إلا الله مصدقاً بها قلبه دخل الجنة. ولا إله إلا الله كل الناس تقولها لكن هناك ناس قوم أصحاب اللب العظيم لما يقول لا إله إلا الله يكون في ذهنه صور هائلة لهذه الألوهية الواحدة ولهذا تراه يتلذذ بطاعتها وعبادتها. والنبي صلى الله عليه وسلم في الليل في صلاة الليل يقرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة واحدة! ساعتان على الأقل وهو واقف ثم يركع بقدر ما قرأ يسبح الله ثم يسجد بقدر ما ركع، هذا تلذذ هائل. سيدنا عثمان الذي يختم القرآن الكريم في الليل هذا صحيح يقول لا إله إلا الله مثلما أقولها أنا لكن هو يدركها بعينه يرى الله أمامه.”اعبد الله كأنك تراه”. (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ) لا صنم ولا شجر ولا واحد صالح (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ (31) التوبة) لا شيخ ولا ولي ولا الإمام عبد القادر ولا الحسين. إنما الله وحده الضار النافع وكلنا عباد الله وعبيده. ليس فيهم اية ذرة إسناد لأي أحد من خلق الله دون الله عز وجل هذا توحيد تمحيص (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ (141) آل عمران) والتمحيص عدة عمليات تصفية حتى يمحص، هذا الذهب حتى يكون ذهباً خالصاً يمر بعدة عمليات تنقية. إذن يوفون بعهد الله هذا أولاً وليس هناك كثير من الناس الذين يوفون بعهد الله كاملاً بلا إله إلا الله في تعاملهم مع الناس ومع الأقوياء ومع الملوك.
ثانياً (وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ) قال لك يا عبدي كل الأنبياء الذين جاؤكم رسل فإياك أن تؤمن ببعض وتكفر ببعض (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (81) آل عمران) الميثاق هو الإصر القوي، (قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ). ولهذا من فضل الله الأمة الوحيدة التي وفّت بهذا الميثاق ولم تنقضه هي هذه الأمة (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ (285) البقرة)
د. نجيب: العهد لله بالتوحيد
د. الكبيسي: وأن تؤمن بجميع الرسل. (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) البقرة) قلباً وقالباً، أسماؤنا كلها إبراهيم وموسى وعيسى ونوح واسحق ومحمدز نحن الأمة الوحيد على وجه الأرض التي وفّت بهذا الميثاق ولم تنقضه.
ثالثاً (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ) ثلاثة أشياء أمرنا الله تعالى أن نصِلها وهي: الرحِم فلا تُقطع والنعمة فلا تُكفر والأمانة فلا تُجحد.
إتصال من الدكتور صالح الأصيل من سوريا: في سورة النساء الآية 24 قال سبحانه وتعالى (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) والآية 5 من سورة المائدة (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) أضاف (ولا متخذي أخدان) عن آية النساء والفيروز أبادي يقول اقتصر على لفظ غير مسافحين لأن متخذي أخدان وردت في المائدة وهي في الكتابيات فزاد (ولا متخذي أخدان) حُرمةً للحرائر المسلمات وأنهن إلى الصيانة أقرب ومن الخيانة أبعد لأنهن لا يتعاطين ما يتعاطاه الكتابيات من اتخاذ الأخدان. هذا الكلام كأنه غير مقنع فأنا أحببت أن اثير الموضوع
د. الكبيسي: يا أستاذ صالح أنت ختمت الموضوع بالكلمة الأخيرة “هذا الكلام غير مقنع” وأنا هذه مررت بها من أول البرنامج ولهذا أخّرتها مع بعض الآيات المتشابهة التي فيها إشكال بالنسبة لعقلي أنا أمور أحاول حقيقة أن أقلبها مثل (عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ (133) آل عمران) (كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ (21) الحديد) هناك أمور تحتاج إلى علم، وهذه الآية التي ذكرتها كل أسبوع أقول سأقدمها ولكني غير مقتنع وأنت قلت الكلام غير مقنع وهو فعلاً غير مقنع، لذا نتعاون أنا وغياك وكل من يسمعنا لكي نجلّي هذه العقدة في هذا الموضوع.
إتصال من الأخت مريم من دبي: نحن كلنا نؤمن أن الله سبحانه وتعالى موجود لكن هناك ناس تعبد أصنام لو نحن قلنا أن هذه الأصنام آلهة فهل هذا شرك؟
د. الكبيسي: طبعاً، ما هو الشرك؟ أن يتخذ مع الله آلهة أخرى. أي مخلوق تقولي عنه هذا إله إذن أنت أشركت.
(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ) كما قال صلى الله عليه وسلم: “ثلاث متعلقات بالعرش الرحم تقول اللهم إني بك فلا أُقطع والأمانة تقول اللهم اني بك فلا أُجحد والنعمة تقول اللهم إني بك فلا اُكفر. فالذي هم أولو الألباب يصلون الأرحام ويصلون النعمة ويصلون الأمانة.
رابعاً (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) في حالة الطاعة. الخشية احترام الملوك وكلنا عندما ندخل عند الشيوخ الكبار أو الملوك مهما كنت متعوداً عليهم ويجاملونك تبقى أنت متحفظاً بأدبك بابتسامتك، حتى عندما تأكل أنت دائماً في احترام شديد، هذه الخشية ولا مناقشة في الأمثال. أنت تصلي ولكنك في غاية التحجّم والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى لا يعرف أحداً وكان جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه كان مزّاحاً وكل آل البيت فيهم دعابة حتى سيدنا علي كان فيه دعابة وهذا من سماتهم الطيبة حتى النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً، بيت طاهر كريم، فسيدنا جعفر الصادق كان مزّاحاً ومع هذا عندما يصلي يصفرّ ويرتعب وهو جعفر الصادق فكانوا يسألونه ماذا بك؟ وكان يقول لهم أتعلمون أني أُكلّم من؟ ماذا لو كنت أمام ملك من ملوك الكرة الأرضية لا بد أن أكون متحجّماً فما بالك بملك الملوك؟! هذه (يخشون ربهم) في حالة الطاعة.
خامساً (وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ) هذه في المعصية.
سادساً: (وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ) صبر على الطاعات، صيام في الحر، قيام بالليل، خشوع في الصلاة، يدفع الزكاة حتى لو ما بقي من ماله شيء، هذا صبر على الطاعات. وصبر عن المعاصي. سيدنا يوسف لا تتصور أنه يمكن لك أن تصير مثله. واحدة ملكة جميلة تراود بك 15 سنة وأنت تقول إني أخاف الله رب العالمين؟! هذا ليس شغل بشر وإنما هذا شغل الله تعالى (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) يوسف). لكن هناك من عباد الله رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين، هؤلاء قلّة نادرة جداً. حينئذ هذا من أولي الألباب. وصبر على البلاء، عروة بن الزبير لما قُطعت يده ورجله وعينه، كل يوم مصيبة قال له يا رب وعزتك وجلالك لو قطّعتني إرباً إرباً ما شكوت منك. قلنا صبر على البلاء وصبر على الطاعات وصبر عن المعاصي.
سابعاً: (وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ) إقامة الصلاة عند أولي الألباب صلاة صلاة كما قلنا الآن كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وكيف كان الصحابة. عثمان الذي يقرأ القرآن في ركعة هذا خارق من الخوارق! نحن عندنا أولياء عندهم خوارق فما بالك بالصحابة!
ثامناً (وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً) يعني أنفقوا كل شيء بالسر وبالعلانية، بالعلانية الزكاة حتى يصيروا قدوة للناس وبالسِرّ صدقات وتفريج كروب وإقالة عثرات وغيرها.
تاسعاً (وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) كلما عمل سيئة درأها وأبعدها وقضى عليها بالحسنة، استغفر الله. الرسول لما قيل له يا رسول الله لا إله إلا الله؟ قال هي خير الحسنات. إذا أذنب توضأ وصلى ركعتين هؤلاء الذين (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران)، ولهذا الاستغفار أعجوبة العجائب. تعجب من أمة شرع الله لهم الاستغفار ثم يدخل واحد منهم النار!! الاستغفار يطفئ الخطايا كما تطفئ الماء النار. يُذهب الهمّ والغمّ ويزيد الرزق “من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب وغفر الله له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر وجاء يوم القيامة صفحته بيضاء “من سرّه أن يرى صحيفته يوم القيامة فليُكثر من الاستغفار. الطرق الآن بعيدة وفيها زحمة وأنت تقود السيارة ممكن أن تستغفر الله خلال ذلك أكثر من ألف مرة، إعتبرها فرصة، تريد رزقاً إستغفر، تريد صحة إستغفر، تريد أن يزوا همّك استغفر، حينئذ ما عذرك؟ قال (وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) هذه الصفة التاسعة والأخيرة.
د. نجيب: نُكمل بعد الفاصل.
———-فاصل———–
د. الكبيسي: كما قال الله تعالى في الحديث القدسي “إن عبداً أذنب ذنباً فقال يا رب إني أذنبت ذنباً فاغفره لي فقال الرب علِم عبدي أن له رباً يغفر الذنوب قد غفرت لعبدي” ثم أذنب الثانية وأذنب الثالثة قال الرب علِمَ عبدي أن له رباً يغفر الذنوب قد غفرت لعبدي فليفعل عبدي ما يشاء. كان كلما أذنب استغفر وهذه هي الطريقة الصحيحة وحينئذ رب العالمين عز وجل عندما يُلهمك الاستغفار فقد نجوت وعندما تذهل عن الاستغفار حتى يموت العبد بذنوبه إذن لا يلومنّ إلا نفسه.
هذا معنى (وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) قُل أستغفر الله. والحديث الصحيح أنه إذا اذنب العبد يقول المولى أمهلوه ساعة لعله يستغفر لا تسجل الملائكة الذنب إلا بعد ساعة فإذا استغفر العبد لا تكتب الذنب وإذا لم يستغفر تكتبه. هؤلاء هذه المجموعة من أولي الألباب المتصفين بتسع صفات هؤلاء يقول لهم (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) يعني أعظم جائزة ليس عاقبة وإنما عقبى. فرق بين حسنة وحُسنى (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ (89) النمل) وبالتالي هناك فرق بين الحسنة والحُسنى، الحُسنى هي قمة الحُسن لا يختلف فيها اثنان تسمى بها الجنة وتسمى بها أسماء الله الحسنى. يقول تعالى (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) ماذا يعني عقبى الدار؟ ما هذه الميزة؟ كلنا سندخل الجنة أقل جنة لا يدركها عقلك حتى لو كنت أدنى المقامات في الجنة فأنت في نعيم لا يمكن لعقلك أن يستوعبه. ما ميزة (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ)؟ ميزة لا تجدها إلا في عقبى الدار (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ (23)) عَدَن العاصمة وفي الحديث: لما خلق الله الجنة وخلق قصبتها عَدَن (التي هي العاصمة) قال لها تحدّثي، قالت يا رب هنيئاً لعبادك المؤمنين بي قال وعزّتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل ولا قاطع رحِم. قال (وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً) وقال (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ) يصِل الرحِم ويشكر النعمة ويؤدي الأمانة هذه ثلاثة، (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا (23)) إلى هنا ممتاز ثم هناك ميزة خيالية قال (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ) كل واحد من أهله إلى حدّ الفصيل – نحن عندنا عائلة زوج وزوجة وأولاد لما يتزوج الأولاد كل واحد عنده عائلة صرنا أُسرة، لما الأحفاد يتزوجزا وصار عندهم أولاد صاروا فصيل، هؤلاء كلهم أهلي، يعني أولادي وزوجاتهم وأحفادي وزوجاتهم كلهم فصيل واحد ولهذا قال تعالى (وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً (72) النحل) إبنك يتزوج وابنه يتزوج، كل أبناءك المتزوجون وكل أحفادك المتزوجون أنتم قصيل، هؤلاء قد يكونون بالمئات وفيهم الطيب والخبيث وفيهم المصلي وفيهم من لا يصلي، كلهم صالحون للجنة من حيث أنهم موحّدون ومفتاح الجنة لا إله إلا الله، كل هؤلاء ليس بينهم مشرك فإكراماً لك وأنت من أولي الألباب وكنت بهذه الصفات التسعة (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ) قصور خيالية، مملكة ومُلك (سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ).
د. نجيب: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ (21) الطور)
د. الكبيسي: هذه عقبى الدار. بالله عليك فرق بين واحد يوم القيامة في الجنة أو في الفردوس الأعلى لكن أخوه في مكان وأبوه في مكان وبين أن يجمعوا له كل أهله متقابلين متجاورين فأنت سعيد بسعادتك وسعيد برؤيتك لسعادة أهلك.
د. نجيب: كأنما هو شافعٌ لهم
د. الكبيسي: قطعاً، ليس فقط شافع. واحد عُيّن سفيراً عنده جواز سفر دبلوماسي عليه حصانة وغيره لكن عنده أم بسيطة وأب أميّ وأبناء فاشلون لكنهم كلهم ذهبوا معه في الطائرة وكان لهم نفس الحصانة لأجله هو.
د. نجيب: (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) يوسف)
د. الكبيسي: فتح الله عليك يا شيخ نجيب. يوم القيامة هذا الرجل الذي وهبه الله القدرة على أن يكون من أولي الألباب وطبق هذه العبادات التسعة بشكل جيد وبنسبة مقبولة جداً له عقبى الدار من حيث يتكامل أُنسه بها وتتكامل منّة الله عليه بأن لا يدخل الجنة وحده بل كل أهله يدخلون معه، كل الفصيل الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد هم وعوائلهم وأولادهم وأنسباءهم
د. نجيب: هذا شان الملوك في الدنيا أيضاً
د. الكبيسي: إذن عقبى الدار وليس عاقبة الدار، هذا بلغت به النعمة حدّها حتى أعطاه الله عقبى الدار بحيث أعطاه نعمة لا تتوفر لغيره وأنه (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)) تصور كم هذه القصور ضخمة! الملائكة بها مجالس وفيها دواوين وفيها دوائر والملائكة يدخلون بمئات الآلآف من الأبواب في هذه القصور معناها هذه قصور خيالية، كل هذا لأنه قام بهذه العبادات التسع الموجودة في سورة الرعد وعلى كل مسلم أن يتمعن في سورة الرعد. وأنا احترت لماذا جاءت (عقبى الدار) حصراً في سورة الرعد إلا مرة واحدة (ولا يخاف عقباها) هذه في سورة الشمس وهذه في موضوع آخر. أما (عقبى الدار) فجاءت ست مرات حصراً في سورة الرعد وهذا يدفعنا لأن نلتفت جيداً لأن نعرف فلسفة هذه السورة العجيبة. وفيها وصف لكل ما نحن فيه مثل (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ (17)) هذه تلخص حال الأمة من جاءت الرسل إلى يوم القيامة كيف يأتي الدين وكيف تتفرع الأمة، أعطاك صورة كاملة وتستطيع من خلال هذه الآية أن تقرأ ما يجري في العالم الآن بالمائة مائة (لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) ق). إذن هكذا هو (عقبى الدار) و(عاقبة الدار) و(لدار الآخرةِ) (وللدار الآخرةُ) وهذا القرآن الكريم الذي لا تنقضي عجائبه كل كلمة وكل حرف فيه آية. (ألم) قال ألف حرف ولام حرف وميم حرف وبكل حرف تقرأه لك من الدرجات ما لا يُحصى، من أجل هذا يأتي القرآن يوم القيامة شافعاً لأصحابه ولذلك نعود ونقول إن هذا القرآن العظيم من حقه علينا أن نتأمله عندما نقرأ ويتفاوت الناس في التعامل معه على هذا الأساس “إن لله أهلين من الناس” قالوا من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن أولئك أهل الله وخاصته. هناك قارئ قرآن وهناك يتول قرآن وهناك تدبر القرآن وهناك أهل القرآن وهذا في التاريخ الإسلامي كله عدد قليل ممن هم أهل القرآن لأنه رُبّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه. هذا الذي هو من أهل الله صار خُلُقه القرآن كما كان النبي صلى الله عليه وسلم.
د. نجيب: استوقفتني أمور كثيرة في تناولك لهذه الصفات ولكن من الأمور العجيبة والغريبة التي ذكرتها أن هذا الاستغفار في الصفات الأولى لهؤلاء أولي الألباب ليس أعقاب المعاصي وإنما أعقاب الطاعات وأثناءها فإذا انتهوا من الصلاة قالوا استغفر الله،
د. الكبيسي: والآية تقول (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199) البقرة) في عرفة غفر الله لهم كل ذنب لكنه قال استغفروا الله إذا أفضتم من عرفات معناه أنه كما تفضلت. والنبي صلى الله عليه وسلم كان في كل مجلس يستغفر الله أكثر من سبعين مرة.
د. نجيب: إذا كانوا في قمة الطاعة وهم يستغفرون الله تعالى فكيف بأعقاب المعاصي؟ّ!
د. الكبيسي: هذا شيء آخر.
د. نجيب: لكن ما هو سر ملازمة الاستغفار للطاعات؟ ملازمة الاستغفار للمعاصي أمر لا بد منه لكن ملازمة الاستغفار للطاعة؟
د. الكبيسي: رب العالمين يجب الذين يعبدونه وهم متذللون (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ (43) الأنعام) تضرع المذنبين أحبّ إلى الله من زجل المسبّحين. فالتضرع عند الله أعجوبة. إياك أن تمنّ على الله أنك جيد وأنك وأنك وإلا تهلك. حينئذ إذا عبدت الله بهذا التذلل، نحن في أرض الواقع يقولون أعظم الذُلّ ذُل المحبوب. فكيف التذلل لله عز وجل؟
د. نجيب: إذن هم يعبدون الله محبة
د. الكبيسي: أنت عندما تكون خادم الملك وتتفانى فيه لا تقول له أنا صاحب فضل عليك وإلا لن يشتريك بفلس، إنما قُل أنا مقصر ولم أوفيك حقك. الله تعالى قال (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) المؤمنون)
د. نجيب: عندما فتح الله تعالى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالنعمة في فتح مكة (وفتحنا لك فتحاً مبينا) أيضاً أمره بالاستغفار.
د. الكبيسي: نعم، لأن الاستغفار عبادة بذاتها والعبادة التي يحبها الله عز وجل عبادة الاستغفار وأعطى عليها ما لم يعط لغيرها. ليس هناك عبادة تغفر الذنوب وتفرج الكروب وترفع الدرجات مثل الاستغفار. ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في كل مجلس يستغفر الله أكثر من سبعين مرة أو مائة. وبالتالي هذه الأمة الآن في هذه النكبات لو ثقفناهم لكي يتعلموا عبادة الاستغفار من هذا الجانب لو قلنا لهم إذا كان عاجزين عن الدفاع عن أنفسنا أكثروا من الاستغفار بنية التفريج عن هذه الأمة لفرّج الله عنهم وجعل لهم من كل همّ فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً. حينئذ علينا أن نعمم ثقافة الاستغفار ليس فقط لأنك تذنب لكن استغفر إجلالاً لله عز وجل وذكراً له وتضرعاً إليه وتذللاً إلى ذاته واستهانة بعملك تجاه رحمة الله.
د. نجيب: لفت انتباهي إلى ابن كثير عندما سُئل في هذه المسألة أشار إلى سيدنا يعقوب عندما طلب منه أولاده أن يستغفر لهم قال (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ (98) يوسف) قال لماذا؟ قال إنما أجّل الاستغفار إلى وقت السحر لأن هذا الوقت وقت خاص بالاستغفار
د. الكبيسي: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17) آل عمران) إن الله تعالى ينزل. أنت لما ترى ملكاً من ملوك الدنيا تحييه بقصيدة وأنت تحيي رب العالمين بالاستغفار، عندما ينزل رب العالمين إلى السماء الدنيا فإن أعظم عباداتك الاستغفار (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ).
د. نجيب: تذكرت في الدقيقة الأخيرة أن الاستغفار أمان لقول أبي بردة عن أبي موسى: ترك الله فيكم أمانين أما الأول فهو الرسول صلى الله عليه وسلم وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى أما الثاني فهو الاستغفار (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) الأنفال). ما تفضلت به من هذه المعاني الجليلة الجميلة الجديدة والفروق الدقيقة وكنت أتمنى أيضاً أن تقارنها بـ (لبئس مثوى الكافرين) في الحلقة القادمة ولعل للحديث هذا بقية إن شاء الله في الحلقات القادمة. داعينكم أيضاً للتعاون معنا وللأساتذة الكرام للمزيد ونشكر الشيخ صالح من سوريا ونرجو أن تبعث لنا بكتاباتك الراقية ومداخلاتك العظيمة وقصائدك الجليلة والسلام عليكم ورحمة الله
بُثّت الحلقة بتاريخ 8/5/2009م