الحلقة 160
د. نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد. مع شيخنا الجليل الأستاذ العلامة الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله وفي سورة مريم عليها وعلى أنبياء الله تعالى وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أزكى التحية والسلام.
د. الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. وكنا قد انتيهنا في الحلقة الماضية عند التفريق بين (سلام) (والسلام) بين سيدنا يحيى وسيدنا عيسى عليهما السلام. سيدنا يحيى قال له رب العالمين (وسلام عليه) منكرة ليس فيها أل التعريف وسيدنا عيسى قال عن نفسه (والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت) وذكرنا بعض التفاصيل وبعض ما قاله المفسرون في ذلك وكما قلنا أن المتشابه وهو موضوع البرنامج له أول في المعنى وليس له آخر في كل زمان ربما ينقدح في ذهن أحد الناس معنى جديداً يضاف إلى المعاني المتقدمة لأنه لا تنقضي عجائبه. وعندما قالوا عن القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه عن المتشابه، كل يوم نكتشف في الآية الواحدة معنى جديداً الزمن هو الذي يؤوله ابتكارات الناس عندما قال (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) ما كنا نعرف هذا والآن تبين أن هذا ممكناً قد يكون الزمن صفر والموجود الآن النقل الضوئي توصل إليه العلماء وإن لم يستعملوه حتى الآن أنك تدخل في غرفة فينقلوك من مكان لمكان بأقل من لمح البصر هذا عِلْم، إذن القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه.
د. نجيب: بدليل أن آيات العقائد كلها من الثوابت
د. الكبيسي: هذا من المُحكَم الذي نحاسب عليه يوم القيامة
د. نجيب: لا تتبدل ولا تتغير
د. الكبيسي: صلّوا كما رأيتموني أصلي
د. نجيب: توقيفية
د. الكبيسي: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (وأطيعوا الله ورسوله). وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول بما يفسره لكم ويؤوّله تقفون عنه وما سكت عنه هو المتشابه. قبل أن نوغل في الموضوع عن قصة سيدنا عيسى وسيدنا يحيى في سورة مريم، نفس القصة وردت في آل عمران هناك اختلاف في الكلمات وهذا هو المتشابه موضوع هذه الحلقات. أولاً ما الذي يستفاد من قصة سيدنا يحيى (لقد كان في قصصهم عبرة)؟ أولاً ما الذي يستفاد من هذه القصة في سورة مريم سيدنا يحيى؟
أولاً تعليم آداب الدعاء وتعرفون أن الأمة هذه تقوم على الدعاء والدعاء مخ العبادة وقد أمرنا الله عز وجل (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) غافر) عن عبادتي يعني عن دعائي ووالله لن يدخل أحدنا الجنة بعمله إلا أن يسأل الله يا رب أسألك الجنة والحديث الصحيح من سأل الله الجنة سبع مرات صباحاً بعد صلاة الصبح إلا استجاب الله دعاءه. إذاً هذه الآيات آيات سيدنا يحيى وسيدنا عيسى عليهم السلام تعلمنا آداب بعض آداب الدعاء مثلاً: أولاً قال (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) مريم) وأنتم تعرفون خير الدعاء الخفيّ وخير الذكر الخفيّ هذا معروف، أفضل الدعاء الخفي (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) الأعراف) فالذي يجهر بالدعاء يا رب أعطنا فلان شيء هذا اعتداء على رب العالمين، فعليك أن تدعو الله كما دعا سيدنا زكريا دعا ربه دعاء خفياً بخضوع وانكسار
د. نجيب: وخفاء
د. الكبيسي: والخفاء علامة الانكسار. لأن رفع الصوت يدل على القوة وأنت واثق من نفسك فأنت لما تتكلم تكلم واحد مثلك تقول أنا فلان الفلاني تعال لكن عندما تكلم الملك تكلمه بخضوع وصوت منخفض تقول له يا صاحب الجلالة والله أنا عندي مشكلة وهذا عبد مثلك فكيف أنت مع رب العالمين؟!! نداء خفياً، تذلل إليه ورب العالمين يحب أن يسمع تضرعك إذا كنت ممن يحبهم الله ويحب طريقة دعائك رب العالمين يقول لجبريل أخِّره لا تجاوبه بسرعة فإني أحب أن اسمع تضرعه وإذا كان لا يحبه يقول له أجبه. إذاً نداء خفياً كما قال سيدنا زكريا وهذا من آداب الدعاء لأن فيه انكسار وفيه التبرؤ من حوله وقوته، يا ربي أنا كذا أنت تتبرأ لا حول لك ولا قوة أبرأ من حولي وقوتي إلى حولك وقوتك ما أنا إلا عبد ضعيف قال (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا (43) الأنعام) هكذا.
ثانياً: أن تقدم للدعاء بضعفك كما قال سيدنا زكريا أول ما قال (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) مريم) أول ما بدأ بدأ بالكلام عن ضعفه وانكساره وأنه قليل الحيلة
د. نجيب: وكذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (أشكو إليك ضعف قوتي وقلتي حيلتي وهواني على الناس)
د. الكبيسي: ولهذا رفعه على الدنيا كلها. بعدها بعد ما ذكر ضعفه وكونه هكذا وذلّه بدأ يذكر قوة رب العالمين وقال (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)
د. نجيب: (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) القصص)
د. الكبيسي: هذا تذلل. ثم تذكر نِعَم الله عليك تقول يا ربي أنا لا أذكر أني طلبت منك شيئاً ولم تعطني تذكر نعم الله عليك (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) ما يوم من الأيام دعوت الله إلا واستجاب لي
د. نجيب: وهذا معنى قوله تعالى (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يوسف) فهو الملجأ وهو الذي يعطيني.
د. الكبيسي: هذا بيان الضعف.
ثالثاً: أن يكون دائماً دعاؤك حتى لو كان مال الدنيا اربطها بالآخرة قل يا رب أعطني ولداً لكن قل كما قال سيدنا زكريا يا رب أعطيني ولد ولا تقول يا رب أعطيني ولد فقط بل قل أعطيني ولد لعله يعبدك أو يذكرك أو يستغفرك يعني اربط نعم الدنيا بنعم الآخرة هذه من آداب الدعاء أيضاً كما قال (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي (5) مريم) هؤلاء قد يخربون بالدين ويخربون الوصايا والشرع على الأقل ابعث لي ولداً يحفظ ما أوحيت به إليّ.
رابعاً: أن يكون الدعاء بلفظ الرب فالرب صاحب القدرة والقوة، الإله رحيم، الرب جبروت قوة وأنت تنادي القوي الذي لا يضيق بدعائك مهما طلبته هو الغني الكريم.
نقارن بين ما جاء هنا في القصة في سورة مريم وبين ما جاء في آل عمران ماذا يقول؟ في مريم ما ذكر متى وقت دعاء سيدنا زكريا بينما في سورة آل عمران بيّنها (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) آل عمران) إذاً دعاء سيدنا زكريا في آل عمران حدده بالوقت الذي كان مخصصاً بأن يزور السيدة مريم في ساعة وفي يوم معينين لا يختلف عنه ذلك مطلقاً. في آل عمران قال أنك عندما ترى الخوارق هناك الدعاء مستجاب وهذا فيه حديث لما ترى الخوارق الخسوف، الكسوف، زلازل، آية من آيات الله، تدعو الله في تلك الساعة فالدعاء مستجاب (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) في أوقات الفتوحات لأن الله سبحانه وتعالى لما يفتح يفتح للجميع. هنا في سورة مريم لا نعرف من الذي نادى زكريا، هناك في آل عمران قال (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) آل عمران) نادته الملائكة وهو قائم يصلي بالمحراب أن الله يبشرك، في سورة مريم (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى (7)) ما قال من؟ في آل عمران قال(قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) آل عمران) الكبر هو الذي بلغني وفي مريم قال (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) مريم) أنا بلغت الكبر. ما الفرق بين الكبر هو الذي بلغني وبين أنا الذي بلغت الكبر؟ قطعاً قد يبلغك الكبر وأنت لا تزال بقوتك أنا عمري الآن 80 سنة- لا أحد يحسدني- أنا لا أشكو من شيء ولا فرق الآن عن ما كنت وأنا شاباً لكن الكبر بلغني وربما بعد عشر سنوات أو أكثر سيبين علي عندها بلغني الكبر أنا الآن بلغني ولم أبلغه. هكذا فسيدنا زكريا مرة قال بلغني ومرة قال بلغته،
د. نجيب: ولما يقول بلغت الكبر أقوى وأدعى في الاعجاز
د. الكبيسي: وفي التوسّل.
د. نجيب: ذكر جانب ضعفه وجانب عظمة الله وقدرته
د. الكبيسي: كما قلنا سابقاً الفرق بين (لكيلا يعلم من بعد علم) (لكي لا يعلم بعد علم)
د. نجيب: وهذا يدل على تكرار الدعاء، هنا قاله في مشهد وهنا قاله في مشهد
د. الكبيسي: أكيد. ما تنقضي عجائبه! في مريم قال (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا) وفي آل عمران قدّم نفسه (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) يعني لا ينبغي عليك عندما تشكو من شيئاً أن تقدمه بزوجتك ومرة قال أنا في الحقيقة كبرت يعني عيب على نفسه ثم عيب على زوجته فعليك أن تكون بزوجتك رفيقاً إذا كانت تستحق الرفق. في الحقيقة أنت إذا أدركك الشيب فقد أدركته وإذا أدركته فقد أدركك لكن التقديم والتأخير له هذا المعنى الدقيق جداً. في آل عمران قال (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41) آل عمران) ثلاثة أيام وفي مريم قال (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) مريم) ثلاثة ليال وهذا يعني ليل ونهار يعني ثلاثة أيام بلياليهم لا تكلم هذا وهذا. وقصة سيدنا يحيى هي مقدمة لقصة سيدنا عيسى عليه السلام كما أن سيدنا يحيى فيه معجزة أن واحد عمره 120 سنة رزقه الله ولداً قصة سيدنا عيسى أشد إعجازاً لأنه جاء من غير أب.
نرجع لقصة سيدنا عيسى تكلمنا عن الفروق بينهما. سيدنا عيسى كما تكلمنا في الحلقة الماضية موجزاً وصف نفسه بتسع صفات أولها أنه عبد الله وهو طفل رضيع خلقه الله كاملاً من أول يوم كما خلق سيدنا آدم من أول يوم (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) آل عمران) من ساعة ما نفخ فيه الروح كامل ولهذا كلام سيدنا عيسى وهو في المهد (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) مريم) وهذا مكتوب في التوراة.
د. نجيب: هذه نقاط تحتاج إلى استكمال ومزيد من الإيضاح سنكمله ونتمه بعد هذا الفاصل إن شاء الله
——فاصل———-
د. الكبيسي: كما قلنا سيدنا عيسى عليه السلام وصف نفسه بتسع صفات وكل صفة لها مدلول إعجازي.
أولاً سيدنا عيسى علم لأنه خُلق كاملاً فأعلمه الله منذ طفولته أنهه سوف يألهونه يجعلونه الله أو ابن الله فقال (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ) انتهى الأمر أول شيء قاله
ثم قال (آَتَانِيَ الْكِتَابَ) التوراة والإنجيل ليس فقط التوراة ولا الانجيل وحدهما بل التوراة والإنجيل وأن واسطة العقد بين الثلاثة الذين أنزل إليهم الوحي المجرد. قبل سيدنا موسى عليه السلام كانت تأتي الملائكة كأشخاص يدخلون على النبي الخ فلم يكن يأتي الوحي عن طريق جبريل بينما أول وحي مجرّد على سيدنا موسى بالتوراة. (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) الصف) وحينئذٍ التوراة والإنجيل والقرآن كتاب واحد إذا أُطلق الكتاب فهو هؤلاء الثلاثة (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة) مهيمناً من حيث أنه غير قابل للتحريف هيمنة القرآن الكريم على الكتابين السابقين أن القرآن غير قابل للتحريف لو قامت السموات والأرض لو انقلب الكون كله لكي يحرّف هذا القرآن ما استطاع أحد أن يفعل به ولا حرف لماذا؟ لأن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم كتابه بينما معجزة سيدنا عيسى وسدنا موسى من خارج الكتاب فالكتاب ليس معجزاً سيدنا موسى اليد والعصا وسيدنا عيسى تعرفونها أنه يحيي الموتى والخ فمعجزة سيدنا موسى وعيسى خارج الكتاب بينما معجزة النبي عليه الصلاة والسلام كتابه (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) فصلت) (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر) وهذا ثبت على كثرة المحاولات منذ يوم أن نزل القرآن وإلى هذا اليوم وإلى يوم القيامة محاولات جادة وجاهدة وقوية ونافذة لكي يحرّفوا فيه ولو كلمة واحدة ما استطاع أحد أن يفعل ذلك والأناجيل سبعة أناجيل لا تدري أيها الذي أنزل على سيدنا عيسى عليه السلام ولولا أن القرآن الكريم هو الذي برّأص السيدة العذراء وأعاد علينا النصوص الصحيحة في التوراة والإنجيل لضاعت ولكن القرآن الكريم بهيمنته عليهما هو الذي أعاد الآيات الأساسية في التوراة والإنجيل كما أنزلها الله على سيدنا موسى وعلى سيدنا عيسى (مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ) هذه القلّة القليلة تتحكم في العالم من يوم ما جاء يعقوب إلى الآن وإلى يوم القيامة العالم كله خمس ملايين العالم كله يحني رأسه لهؤلاء اليهود وسيطرتهم من سيدنا يعقوب وهو إسرائيل إلى يوم القيامة لا أحد يستطيع أن يفعل بهم شيئاً (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) الأعراف) يعني أنا رب العالمين وحدي الذي أستطيع أن أقهرهم عندما في كل قرن أبعث عليهم من يقتلهم ويسومهم سوء العذاب وهذا في التاريخ كله كل تاريخ بني إسرائيل يمرون بأزمة ماحقة ويستقبلون ببطولة لا يصدقها العقل لماذا؟ لاعتقادهم بأنهم يموتون أو يُقتلون شهداء كما يفعل المسلمون في الحرب والجهاد هم شهداء. ولهذا تعرفون لما قُتلوا في بني قريظة وغيرها كانوا يضحكون فرحانين والتاريخ يحكي لنا عن محرقة هتلر كانوا يتقبلونها بفرح غامر وأنا سمعت حواراً لريغن يقول أنا أمنيتي أن أموت في هارجدلون حسب ما عندهم من عقائد وعندنا نحن المسلمين أن المعركة الأخيرة بين المسلمين والعرب وهم يعرفون هذا سينتصر العرب أو المسلمين وهم ينتظرونها كي يقتلوا فيها شهداء كشهداء أُحد وبدر الخ هكذا هم. فعندما تعرف ماذا فعلوا بسيدنا عيسى وسيدنا موسى والله تعجب! يعني أنا رأيت فيلماً عن كيفية صلب اليهود سيدنا عيسى وهذا من عقائدهم ونحن لا نؤمن بهذا فسيدنا عيسى حيّ (ويوم يبعث حياً) لكن هم يعتقدون بأنه صُلِب أما طريقة الصلب وأنا أعرف أنها كذب أنا بكيت من طريقة الصلب الرهيبة ومع هذا يحبون اليهود ويناصرونهم ونحن الذين لم نتبرأ من سيدنا عيسى وموسى ونمدحهم هذا المدح الهائل يفعلون بنا ما يفعلون! وهذا أمر واقع أن الله لا يريد لأمة أخرى أن يكون لها فضل على هذه الأمة.
ويقول عيسى عليه الصلاة والسلام (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) مريم) (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا) فعلاً سيدنا عيسى عليه السلام حيث ما ذهب تمشي البركة معه وهذا أعجوبة العجائب كان ينصح الناس ويعلمهم الدين وحيث ما ذهب يكون الخصب والخير من البركة أيضاً أنه كان يحيي الموتى ويشفي الأكمه والأبرص وهذا من بركته قضى على كل الأمراض المستعصية في زمنه وهذا من بركته. وعندما رأته امرأة كلما مسح على رأس الأبرص يطيب أو الأكمه يطيب قالت له: طوبى لبطن حملتك وثدي أرضعت به فقال سيدنا عيسى طوبى لمن تلا كتاب الله واتبع ما فيه ولم يكن جباراً شقياً وقال (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) والزكاة هنا التزكية عندنا طهارة والزكاة الطهارة من النجاسة وحاشا للأنبياء أن يكونوا كذلك التزكية الرائحة الطيبة الجميلة النظيفة الممتعة إذا رأيته انشرح صدرك وإذا تكلمت معه شعرت بالسعادة فهي تزكية النفس.
(وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) هذا سيدنا عيسى وهو طفل رضيع يتحدث عن عالم الأمر تذكرون تحدثنا عن عالم الأمر (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) الأعراف) عالم الأمر كلنا كنا فيه بينما كنا في ظهر آدم (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) وسيدنا عيسى كان في ظهر آدم وهو نبي ولهذا قال (مَا دُمْتُ حَيًّا) هذا التكليف متوجب عليه في جميع زمانه وحياته سواء كان في الأرض أو في السماء (حيثما كنت) وكل هذه إشارات يفهمها أهل البلاغة وأهل الفتوحات وأهل البصيرة في كلمات القرآن الكريم كما تعلمنا منهم ونقلناها عنهم قالوا هذه إشارة إلى أنه سيرفع إلى السماء وهذا الذي جرى وقال أينما كنت.
إذاً هكذا هو الفرق في هذه القصص وكما تحدثنا عن قصص الأنبياء قبل سنوات (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) يوسف) (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) مريم) (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) مريم) نتحدث في هذا في حلقتين عن فضل السلام سلام على نوح سلام على إبراهيم سلام على أل ياسين وأنتم تعرفون أن في هذا الدين الذي يقوم على قلة التكاليف هذا الدين اختاره الله عز وجل فيه تدرج التشريع وفيه قلة التكاليف وقال (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (185) البقرة) جعل كما جعل أعظم أنواع الغذاء في أرخص المأكولات كالعدس مثلاً فول الخ فرب العالمين جعل أعظم أنواع الأجر في أسهل العبادات وهي للأسف الشديد وهذا أيضاً من مكر الله عز وجل على سهولتها أكثر الناس تركوها من ضمنها السلام. لو تعرفون ماذا يعني أن تسلم على صاحبك؟ (إذا التقى المسلمان فسلّم أحدهما على الآخر وابتسم أحدهما بوجه الآخر لا يفترقان إلا وقد تحاتت ذنوبهما) تساقطت (كما تتحات الأوراق عن الغصن اليابس) تصور غصن يابس عندما تنفضه تقع كل الأوراق بالسلام عليكم، عبادة من أجلّ العبادات ولهذا كما قال عليه الصلاة والسلام (لا تقوم الساعة حتى يكون السلام على المعرفة) تصدقون كما ترون الآن أن اثنين يصلون في المسجد واحد ما يسلم على الثاني هذا من فلان جماعة وهذا من فلان جماعة يصلون في مسجد واحد وخلف إمام واحد وقد يكونا متجاورين في الصف وكل منهما يعتقد أن الآخر مشرك وأن الآخر في النار ولو صاح بيده لقتله وذبحه كما في الصومال والعراق وليبيا ومصر سيذبحون قريباً! ولذلك إذا سلمت على الجماعة أو سلم عليك أحد لا يبقى عليك ذنب بالسلام عليكم وواحد من التابعين سأل (أبسلام يُغفر لهما؟ قال: أرأيت لو كان عدوين؟!). ولذلك قصة سيدنا زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام هذا التركيز وسلام والسلام لها معنى عظيم جداً وهي أن هذه عبادة لا ينساها الأنبياء ولا يغفلون عنها والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسلّم على الناس ذاهباً وآيباً وحينئذٍ إذا سلم عليك أحد الناس فلم ترد عليه السلام فقد حبط من أعمالك شيء عظيم وكبير وإذا بدأت السلام (إذا التقى المسلمان تقسط لهما سبعون رحمة تسع وستين للذي يبدأ)
د. نجيب: التحيات كلها السلام على النبي وعلى عباد الله الصالحين كل صلاتنا سلام
د. الكبيسي: والله تعالى اختار لنفسه اسم السلام (السلام المؤمن المهيمن)
د. نجيب: وسلام الملائكة على العباد المؤمنين
د. الكبيسي: وحتى في الجنة (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) الرعد) إذاً هذه القصة علينا كما تحدثنا عنها باسهاب في برنامج أحسن القصص علينا أن نغتنم في هذا العصر الذي قلت فيه العبادات أي تشابكت ودخل فينا البغضاء اِغسلوا كل هذا على أن تفشي السلام على من عرفت ومن لم تعرف وأن تسلم على من عرفت ومن لم تعرف.
د. نجيب: وفي هاتين القصتين بحكم أنهما متجاورتين وفي أكثر من موضع يرد في كتاب الله تعالى عندما يذكر قصة زكريا ويحيى يردفها بقصة عيسى ومريم وكذلك في سورة مريم لعل في ذلك نوع من الأسرار والأنوار. نعود إلى شيخنا بعد الفاصل إن شاء الله.
——-فاصل————
د. الكبيسي: علينا عندما نقرأ هاتين القصتين العظيمتين لسيدنا زكريا ويحيى وسيدنا عيسى عليهم السلام في آل عمران وفي مريم أن نتأمل فيهما فإن ما قلناه الآن جزء يسير مما في هاتين القصتين من عبر وأحكام.
نستمر مع سورة مريم (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) مريم)، في الفرقان (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان) زاد كلمة عمل والنص يقول (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان) في مريم (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) وفي الفرقان (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) لماذا زاد كلمة عمل في آية سورة الفرقان؟ في مريم القضية كانت براً بوالدتي ولا شك أن عقوق الوالدين صعب جداً وعملية عظيمة وتحتاج إلى توبة لكنها ما هي صعبة يعني واحد بين ثانية وأخرى ينقلب من عاق لوالديه إلى بار لوالديه بدقيقة يعني واحد لو أمه زعلانة عليه قال لها يا أمي سامحيني وحبّ على رأسها وكلنا نفعل هذا وتسامحه انتهى الأمر هذا (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا). لكن واحد مشرك أشرك بالله وقتل نفساً بغير حق (ولم يزال المؤمن بخير ما لم يصب دماً حراماً) ويزني وهو متزوج ما هذا؟ هذا يستحق الاعدام، قال (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا)عمل صالح ليس تسبيحة أو السلام لا هذا بحاجة إلى عمل موجع
د. نجيب: أحسن الذي عملوه يقابل أسوأ الذي عملوه. الحسنة تدرأ السيئة فأسوأ الذي عملت لا بد أن أقابله بأحسن الذي عملت
د. الكبيسي: وهذا عمل عظيم. نحن في لغتنا الدارجة نقول: فلان رجل يعني به كمال الرجولة
د. نجيب: لندخلنهم في الصالحين
د. الكبيسي: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) العنكبوت) جعلهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أعلن الله رضاه عنهم في الدنيا
د. نجيب: ما ضرّ عثمان بعد اليوم، وقال لأهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفر الله لكم. ولهم حصانة وهذا يرد عند الملوك والأمراء والعظماء عندما يقوم أحد من الرعية بموقف عظيم وإن ورد منه بعد ذلك شيء من التقصير لا يحاسبونه فذلك الموقف يشهد له ويكفر عنه ويستر عليه كثيراً من الزلات والهفوات فهذه من دعائم الملك والدولة فما بالك برب العالمين؟!
د. الكبيسي: ليجزيهم ربي أحسن ما كانوا يعملون. هذا أولاً مشرك وقتل وزنا وهو محصن فكل هذه تستحق الاعدام
د. نجيب: ولذلك وحشي عندما قتل حمزة والعياذ بالله وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يوجه وجهه تلقاءه لشيء في نفسه فأراد أن يكفِّر ما فعل فلم يرد أن يقاتل عموم الناس إلا أن يأتي برأس مسيلمة الكذاب وحاشا أن يُعدل أحدٌ بحمزة.
د. الكبيسي: إذاً هؤلاء الثلاثة يساقون إلى الإعدام مشرك وقاتل وزاني محصُن يستحقون الإعدام فوراً
د. نجيب: ومن رحمة الله أنه لم يقبض أرواحهم قبل أن يتوبوا
د. الكبيسي: فتح باب التوبة ولهذا (لا يدخل النار إلا شقي) فباب التوبة مفتوح إلى أن تغرغر إلى أن تطلع الشمس من مغربها ماذا تنتظر؟ لو تبت قبل الموت بساعة غفر لك كل هذا. إذاً المهم أنت عليك أن تتلافى هذه الجرائم العظيمة بعمل (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) عمل الذي هو. ما هي الأعمال الموجعة؟ مثلاً كثرة الصيام كثرة صلاة الليل توجع، الإنفاق كظم الغيظ أنك أنت حليم ما يهزك جبل وأنت تغلي من داخلك لكن عمرك ما آذيت إنساناً لا بحق ولا بباطل وقس على هذا بر الوالدين المطلق الذي تكون فيه أنت كأنك عبد بل أنت عبد فعلاً ثم شيخي العفة وفي الجاهلية كانوا يسمونه عفيف وعفّان لأنه ما قرب النساء ولا سرق ولا تكلم على أحد عفيف اللسان عفيف اليد عفيف الفرج هذه من يقدر عليها!! هذه موجعة إذا أردت أن تُكفِّر وقد تبت إلى الله عز وجل من هذه الذنوب الثلاثة تبت من الشرك وتبت من القتل وتبت من الزنا فعليك أن تكون عفيف اليد والفرج واللسان وهذه واحدة منها عليك أن تجهد (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) وطبعاً أن تموت شهيداً هذه تحسم الموقف. لكن هذا رزق من رب العالمين وقد أنت لا يصيبك هذا ولهذا الذين يموتون شهداء وشهداء الدنيا والذي يموت بحادث سيارة وبمرض سرطان فعلاً غفر الله لهم كل ذنوبهم صح واحد ما يتمناها لكنه رزق أن واحد كما يقول المصريين مقطع السمكة وذيلها ثم يروح بحادث سيارة ويومياً آلاف الناس تموت في العالم من حوادث السيارات ويعتبر شهيد يا لكرم الله! إذاً رب العالمين لما جاء بهذه الكلمة هنا (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) هذا لمن تاب عن هذه الجرائم الكبيرة الثلاث والتي كلها تستحق الإعدام وأيّ إعدام! ولهذا عليك أن تستغفر الله عز وجل وأن تؤدي ثمن هذه الذنوب بهذه الطاعات الثقيلة والنبي صلى الله عليه وسلم وهو رسول الله تورمت قدماه من صلاة الليل فما بالك أنت القاتل الزاني المشرك وقد تبت من ذلك؟! ولهذا الاستغفار كما تحدثنا عنه في حلقة سابقة الاستغفار هذا من نعم الله العظيمة إذا أكثرت منه ليل نهار (من سرّه أن يرى صحيفته يوم القيامة فليكثر من الاستغفار) ولهذا تحدثنا في حلقة سابقة قبل يومين الذين تحدثوا بعد الموت ناس ذُكِروا في التاريخ وحتى في هذا العصر يموت ثم يُبعث كالذي أماته الله مائة عام ثم بعثه أحدهم يقول كل ذنب ارتكبته قبل أن أموت وقد استغفرت منه لم أجده في صحيفتي وكل ذنب لم أستغفر منه وجدته ثم مات قال هاتين الكلمتين ومات، ولهذا الاستغفار ما عذر من يدخل النار وقد شرع الله له الاستغفار؟!
الدكتور نجيب: وكما ذكرت أن الاستغفار أول ما شُرِع للصالحين أن يعقبوها أعقاب الطاعات فمن باب أولى بعد الذنوب
الدكتور الكبيسي: النبي صلى الله عليه وسلم في الجلسة الواحدة كان يستغفر سبعين مرة يقول يا رسول الله أنت تستغفر كثيراً وقد غفر الله لك ما تقدم منذ نبك وما تأخر؟ قال (أفلا أكون عبداً شكوراً) الاستغفار للرزق الاستغفار للذنوب الاستغفار للعافية، (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍ فرجاً) بعض الهموم تجعلك أسابيع لا تنام (ومن كل ضيق مخرجاً) ومآسي كالظروف السياسية التي تمر بها الدول الإسلامية الآن (ورزقه من حيث لا يحتسب) ومن استغفر للمؤمنين في اليوم 25 مرة وفي رواية 27 مرة ربي اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا مستجاب الدعوة، اثنين تغفر ذنوبه، ثالثاً يرزق به الخلق فقط بسبب الاستغفار فالاستغفار كالبندول أو الأسبرين الذي يعالج كل الأمراض فالاستغفار لكل مرض للذنوب للهمّ للغمّ للفقر للحاجة
الدكتور نجيب: لكن لماذا شيخي المؤمن إذا قصّر أو ارتكب صغيرة أو قصر في سنة أو في أمر من الأمور سرعان ما وجد تنبيهاً لا أقول عقوبة بينما المنافق والكافر لا يلاقي هذا وهو مستمر في المعاصي؟
الدكتور الكبيسي: هذا الفرق بين ما يلاحظه الله فهذه العناية عناية الله فلله عبيد وعباد. العبيد كلنا زين وشين كافر ومؤمن، العباد الخُلاصة (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) الفرقان) تعال انظر عباد الرحمن، فهذا تنبيه رأساً ككامل الصحة أدنى شيء يؤثر فيه أما إذا واحد فيه خمسين عيب وخمسين مرض ما يحس ببقية الأمراض!
د. نجيب: يقول الشاعر:
ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيّرت أحمد لي نبيا
د. الكبيسي: والآخر يقول: فما لجرح بميتٍ إيلام، فإذا حلت العناية
د. نجيب:
وإذا العناية رافقتك عيونها نمْ فالكائنات جميعهن أمان
وما أحوجنا إليها في هذا العصر
د. الكبيسي: وقد تحصل عليها بانكسار بأن تعفو عن من ظلمك يوماً بأن تذكر الله بالليل ولو بنصف ساعة تأتيك العناية الكاملة
د. نجيب: الفتن والخوف يعمّ بنا ونحن أحوج ما نحتاج إلى الأمان
د. الكبيسي: كما قال صلى الله عليه وسلم (أنتم اليوم في زمن لو ترك أحدكم عشر ما أنزل الله لهلك وسيأتي على الناس زمن لو عمل فيه أحدهم بعشر ما أنزل لنجى) هذا الذي نحن فيه
د. نجيب: فالنجاة بالدعاء والاستغفار، اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واكنفنا بكنفك الذي لا يرام واجعلنا في جوارك الذي لا يضام ولا تهلكنا وأنت ثقتنا ورجاؤنا يالله يالله يالله. باسمكم جميعاً أتقدم بالشكر الجزيل إلى شيخنا الأستاذ العلامة الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله على هذه الروائع والفوائد القرآنية الدقيقة التي فتحها الله تعالى عليه آملاً أن نواصل معكم الحلقات القادمة في ظلال هذه الآيات القرآنية وأخواتها في القرآن الكريم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 1/6/2012م وطبعتها الأخت الفاضلة نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها
—————–
الحلقة 160 (1-6-2012)