الحلقة 167
سورة الحج
الدكتور نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد. في الحلقة السابقة وجّه شيخنا الجليل الأستاذ الدكتور العلّامة أحمد الكبيسي حفظه الله إلى وجه مهم من وجوه التشابه اللفظي في القرآن الكريم وهو الإنتقال بصيغة الخطاب من الجمع إلى الإفراد (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ {2} الحج) فكانت الصيغة الأولى جمعت وفي الثانية إفراداً، ولعله في هذه الحلقة يتناول وجهاً آخر من وجوه التشابه اللفظي في القرآن الكريم اتفاقا واختلافاً ألا وهو التعبير بالأدوات فليتفضل مشكوراً.
الدكتور الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. وها قد وصلنا إلى سورة الحج وتحدثنا في الحلقة الماضية عن الساعة وقيام الساعة وبيّنا الفرق بين “ترونها” و “ترى” ولكن الحديث عن الساعة عبادة من أجل العبادات وقد أمرنا بها الكتاب العزيز والسنة النبوية المشرّفة. وما تحدثنا عنه في الحلقة السابقة جزء أو زاوية من الموضوع ولا تزال هناك زوايا أخرى لأن هذا الموضوع والذي ينتظرنا حتماً ولا بد أن نعد له العدة من أجل هذا جاء ذكر الساعة في القرآن الكريم عجباً، ورب العالمين امتدح من أحبهم واصطفاهم بأن جعلهم يذكرون الساعة كثيراً (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) ص) ولذلك إذا أردت أن تستعد وتعد نفسك لذلك اليوم المشهود فعليك أن تُكثر كما قال عليه الصلاة والسلام أن تكثر من ذكر يوم القيامة. أحياناً تفوتنا بعض الحلقات لأن المواضيع في القرآن الكريم لا حصر لها نحن نختار اختيارات فقط لكي نوجّه الأفهام عن طبيعة البحث في القرآن الكريم كيف ينبغي أن يكون لأن هذا القرآن لا تنقضي عجائبه. كل مسلم إذا تأمل فيه مهما كان مستواه العلمي ربما يجد فيه شيئاً لا يجده العلماء وهذا من إعجاز هذا القرآن كما قال أحد الصحتابة “خذوها من غير فقيه” أعرابي خطر في باله معنى من آية سمعها ووقف عندها قال “ما أنجانا منها وهو يريد أن يعيدنا فيها ثانية”. نكرر بين الفينة والفينة إشباع هذا الموضوع وزواياه لا تنتهي. هذا العالم الذي نحن فيه لا يساوي دقيقة واحدة بل لا يساوي شيء، صفر، زمن الدنيا هذه هو صفر في العالم الآخر.
حينئذٍ نكمل الموضوع الذي تكلمنا عنه في سورة الحج وقد فاتنا ما جاء في سورة طه (إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) طه) وهذه لها جانب آخر من جوانب الموضوع الذي لا تنقضي جوانبه لأننا مقبلون عليه بالمائة مائة وهذا هو موضوع هذه الحلقة (إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ) و (إِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59) غافر). لماذا مرة القرآن الكريم يعبّر (إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) طه) وفي سورة آخرى (إِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ) لام التأكيد مع أن الموضوع هو نفسه؟! الفرق بين الحالتين أن الله سبحانه وتعالى عندما كرر ذكر الساعة وأدخل عليها لازم التأكيد قال انتبهوا يا عبادي إياكم أن تغرّكم الدنيا وأن تلهيكم عن ما أنتم بصدده، إنها لآتية. يعني أنت عندك ولد طالب في الثانوية وعنده امتحانات بعد شهر شهرين تقوله يا وليدي الإمتحان اقترب تعال اقرأ ثم بعد اسبوع اسبوعين رأيته غير منتبه تقول له يا وليدي الإمتحان قادم أوشك أنت تحثّه على أن ينتبه. وهكذا رب العالمين بأهمية الموضوع التي لا يقاس بأهمية هذه الدنيا التي نحن فيها ولا يمكن المقارنة بينهما أدخل اللام لكي ينبهنا إلى زوايا أخرى في هذا الحدث العظيم الذي هو حدث الأحداث ذلك الحدث الذي يعقبه خلود إما في الجنة وإما في النار. وتأملوا في نظرية الخلود كم هي مبهجة وسارة وعظيمة، هذه التي دخل إبليس من هذا الباب على أبينا آدم قال له (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) طه) فأراه الشجرة وحصل ما حصل! إذاً الخلد هذا يبدأ من ساعة ما تموت ومن مات فقد قامت قيامته فعليك أن تكون حذراً من أن الموت يأتي بغته وكما قال عليه الصلاة والسلام “ولا يغترنّ أحدكم بحلم الله فإن الموت يأتي بغتة” وإياكم والتسويف. الذي يجعلك تتفادى التسويف وتتذكر دائماً عليك أن تذكر الآخرة كثيراً. وذكر الآخرة جانبان جانب مخيف لمن لم يتهيأ لها وجانب ممتع جداً لمن وفقه الله وهداه (قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) الحجرات) يعني هذا الكون والله فيه أمم وعلماء وفيه مفكرون لا نساوي معهم شيئاً من حيث العقل، هذا الكون الذي أتقنه غيرنا. وللعلم أن يوم القيامة لا يأتي إلا على عالَمٍ مُكتمِل (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) يونس) كل شيء بالريموت. الآن هذا حدث، هذا الذي أخبرنا به الله عز وجل بأن يكون قبل القيامة بأيام من أيام الآخرة حدث فعلاً ازينت الأرض وظن أهلها الذين خلقوها وصنعوها وكبروها كله الآن بالريموت وأنتم تعرفون ماذا يجري في العالم نحن لا نزال إلى جانبهم بدواً! طياراتهم وصواريخهم واتصالاتهم تعرفون كل شيء كل ما حولك مما تراه من صنعهم وما خفي عندهم كان أعظم كما قال تعالى (إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا). أهلها ليس نحن، نحن نعيش فيها عالة عليها نحن عالمنا الآخر، هم أهلها (وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا) في هذا الكمال وهذه القدرة العظيمة للمخلوقات البشرية على تحريك هذه الأرض في هذا الكمال وهذا التمام تقوم القيامة بثانية هذا حديثنا اليوم.
من النصوص الكثيرة نفهم كأننا نحن الذين نقيم القيامة يعني أحداث التي تجري الآن في العالم مع النصوص الإسلامية كيف تبدأ يعني مثلاً هذا الحديث الصحيح عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” تطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل التُرس فلا تزال ترتفع في السماء وتنتشر حتى تملأ السماء وثم تقوم القيامة”. يعني من الذي يمنعني لو تخيلت أن هذه قنبلة ذرية؟! يعني ربما لما تقرأ بعض النصوص كأننا نحن الذين نبدأ بمقدمات القيامة يعني نحن ندمر الدنيا ورب العالمين يستلم هذا الدمار ثم يبدأ العالم الآخر عندما تأتي بالنصوص وتضعها الواحد بجانب الآخر هكذا يبدو. ولذلك هذه الثواني بحيث أنت ترفع يدك باللقمة ولا تصل إلى فمك وإذا أنت في العالم الآخر! هذا يسمى الصعق النووي. ولذلك رب العالمين عز وجل في كل ما جاء في الكتاب والسنة يسرد لنا خطوات أن هناك لهذا الإنسان بعض التأثيرات في قيام الساعة خاصة أشراطها (فقد جاء أشراطها)
د. نجيب: وتقع على أشرارها
د. الكبيسي: ليس هناك حصر، والله لما تكلم عن الساعة قال (أتى أمر الله) وكما ذكرنا في برنامجنا القديم الكلمة وأخواتها أتى لاح من بعيد، ثم قال (فقد جاء أشراطها) أشراطها وقعت جاء يعني حضر. أشراطها بدأت بالنبي صلى عليه وسلم (أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) النازعات) ولكن تلك الصغرى والآن بدأت الكبرى. الآن أنت تعرف بأن هناك قنابل عند بعض الدول تستطيع أن تغير اتجاه دوران الكرة الأرضية يعني الآن هناك كويكبان نازلان أحدهما إذا نزل في المكان الفلاني يجعل الكرة الأرضية تدور بالعكس وحينئذٍ تقوم الساعة. معنى هذا أن البشرية (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) الروم) فهذه الغمائم السوداء تنتشر هذا العصف النووي معروف هذا وقد يتطور إذا كنا الآن وصلنا أن هناك دولاً كالاتحاد السوفياتي سابقاً روسيا وربما الصين ربما أمريكا وهكذا عندهم من الأجهزة ما يدمر الأرض خمسين مرة بثانية، بزرّ. ما الذي يمنعك وهذه النصوص المتشابهة تأوّل ولا تفسر لأنها غير واضحة. وأنت عليك أن تتأمل. لو تقرأ كتب المفسرين ترى عشرات الآراء وليس هناك مانع من أن تُعمل عقلك بما جاء من النصوص وسأحاول أن أقتصر على ما اتفق عليه البخاري ومسلم. ماذا تقول في هذا الذي يجري؟! وفعلاً تقول هذا منه مما يستطيع البشر أن يفعله، هل أن البشر هم الذين يبدأون؟ النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر أشراط الساعة معظمها أفعال بشر حتى الصيحة ولما تقرأ في النصوص الصيحة قد تكون قنبلة فراغية وتخلي الناس كلها تموت في آن واحد، كله ممكن وكله يمكن أن يأوّل وكله يستطيع أن يجد له دليلاً يبقى الحق الذي سوف ينزل يوم القيامة هو الذي يفصل بين هذه الآراء ككل الآراء المتشابهة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم “لتقومنّ الساعة وثوبهما بينهما لا يبايعانه ولا يطويانه” واحد يشتري ثوباً من الثاني وبعد ما دفع فلوس قامت القيامة وانتهينا. ولتقوم الساعة وقد انصرف بلبن لقحته لا يطعمها” حَلَبَ الناقة حتى يشرب وما شرب يعني في ثواني. “ولتقومن الساعة وهو يلوط حوضه لا يسقيه”. “ولتقوم الساعة وقد رفع لقمته إلى فيه لا يطعمها” يعني يأكل ورفع اللقمة إلى فمه وقامت القيامة قبل أن يطعمها انتهى الكون هذا كله. الآن عندنا معلومات أن هذه الحرب الذرية النووية أن مداها الأقصى المعروف عندهم وربما عندهم ما لم يعلن عنه وهذا من طبائع الدول ممكن أن يفعل هكذا في الأرض. ونحن لما نقرأ تفاصيل ما حدث في هيروشيما وهيروشيما القنبلة النووية كانت بدائية وبثانية كل شيء انتهى، بثانية ما أن سقطت القنبلة إلا كل شيء احترق وانتهى. والآن كل شيء متطور ولهذا المخيف الذي ربما يعين هذا الذي أقوله الآن شاع التطور النووي في كل العالم، سابقاً الأبحاث النووية مقتصرة فقط بالإتحاد السوفييتي وأمريكا الآن أوروبا كلها وهناك الصين وهناك العالم كله فالأبحاث النووية الآن انظر ماذا حصل في اليابان، التسريبات، العالم كله الآن عنده أبحاث نووية هذه الأبحاث تعمل بالزراعة والصناعة وكل شيء. إذاً العالم ممكن أن يدمر بثواني
د. نجيب: وهذا عندما لا يراد بالعلم وجه الله سبحانه وتعالى تنتقل هذه الأمور إلى دمار وإلى فساد ولذلك لما قال الله تعالى لسيدنا محمد اقرأ أمره أن يقرأه باسم الله لكن الآن نحن نقرأ والعياذ بالله بأسماء أخرى! نعود لشيخنا الجليل بعد الفاصل.
———فاصل——
الدكتور نجيب: غياب الإيمان باليوم الآخر وجّه العلم للأسف الشديد إلى دمار البشرية
الدكتور الكبيسي: ولعل هذا هو الذي عناه المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال “لا تقوم الساعة حتى يُرفع العلم وينزل الجهل” فالجاهل لا يعني الذي لا يقرأ ولا يكتب، الجهل بالتصرف، باستعمال شيء في غير مكانه، فالذي ألقى القنبلة على هيروشيما وسيلقيها على آخرين هذا كان عالماً في الذرة لكنه جاهل! الذي يفني ملايين بجزء من الثانية بحيث كن فيكون هذا عالم هذا؟!! أيُّ عالم هذا؟!! هذا واحد شرير وبالتالي هذا هو الجهل المطلق، الجهل المركّب.
الدكتور نجيب: وهذا يا شيخ يؤكد قضية ترادونا دائماً عندما نقرأ القرآن الكريم نجد أن ثلث الآيات القرآنية إن لم تكن أكثر تركز على اليوم الآخر. عندما نقرأ الآيات المكية نجد أن كلها تقريباً عن اليوم الآخر، الجزء الأخير في القرآن الكريم عم يتساءلون إلى الآيات الأخيرة كلها تتعلق بالقيامة وأهوالها ومشاهدها ومراحل بعث الإنسان ونشره وقدومه على الله وبقية الآيات القرآنية في بقية السور كلها تركز على أصناف البشرية في يوم القيامة.
الدكتور الكبيسي: إذا جاء أجلنا وسوف يأتي لا محالة ونسأله تعالى أن يجعلنا من الناجين قبل أن نموت لا نزال في الاحتضار سوف نرى الحقائق (فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ق) ستعجب كيف احتملت أنت العيش في هذه الدنيا كأنك في سمّ الخياط، فما قيمة هذا سمّ الخياط بالنسبة لذلك العالم الخالد الذي لا يفنى؟! تصور أن آخر واحد يخرج من النار تصور مليارات من الناس كانوا في النار وطلعوا القاتل والمجرم وغيره، آخر واحد طلع آخر واحد يعني هذا مصيبته سوداء يعني هذا أكثر من الذي قتل لكن في حياته قال لا إله إلا الله، أو فكّر أن الله واحد، هذا آخر واحد له بقدر الدنيا عشر مرات، كم تفاهة هذه الدنيا إذاً!
الدكتور نجيب: نحن نظن أننا نعيش في سعة ولكننا نحن في الحقيقة لا، نحن نعيش في ضيق. يقول ابن القيم”عندما يخرج المؤمن من هذه الدنيا إلى عالم البرزخ كالجنين الذي يخرج من بطن أمه إلى عالم ” يصرخ ويتنفس لأنه كان في ظلمات ونحن في هذه الدنيا في ظلمات “وإذا به يدخل في عالم فسيح وسيع لا تقارن بسعة الدنيا ويدرك أنه كان في دنياه في ضيق”
الدكتور الكبيسي: مع أن رحم أمه كان يدفعه إلى الحياة أما الدنيا فتدفعنا إلى الموت وليس هناك أتفه منها! والله كما قال سيدنا علي “لدنياكم أهون عليّ من ورقة في فم جرادة تقضمها” والنبي صلى الله عليه وسلم قال: لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة يعني لا تساوي حتى جناح البعوضة فهي لا شيء، هي عدم، ولهذا لا بد القرآن الكريم يتكلم عن العالم الخالد عالم الرحمة والإبداع والخلق والتكريم. وحينئذٍ الذي يلفت الأظار نحن نختلف عن كل العصور السابقة نحن أقرب العصور إلى هذا الحدث العظيم وحينئذٍ رب العالمين يأمرنا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) الحج) يعني كلمة زلزلة تخيل سقوط قنبلة ذرية كل شيء يتداعى، نحن رأينا في الحروب وليس في يوم القيامة شوارع بأكملها تقع على بعضها وحرائق في كل مكان! هذا لو عمّت الدنيا كلها بهذا الشكل ولهذا رب العالمين عز وجل يريد منا من هذا العرض لهذا العالم الآخر أن ننتبه، والإسلام حثّنا على أن نذكرها دائماً ما إن تذكرها بتأمل أنت عاقل ومسلم ومؤمن تذكرها وتتأمل التفاصيل، مئات الألقاب لها ومئات الأسماء ومئات الحوادث إلا وتُصلِح شأنك، إن كنت ظالماً تتوقف، إن كنت خائناً أمانة تُرجعها، إذا كنت صاحب معصية تتوب إلى الله. ذِكْرُ الساعة هذه من أعظم الدوافع إلى أن يصلح العبد علاقته مع ربه ولهذا لما سأل أحدهم رسول الله: يا رسول الله متى الساعة؟ قال له: ما أعددت لها؟ – لما تسأل يجب أن تكون أنت مهيء نفسك – قال: والله ما أعددت لها كثير صلاة ولا كثير صيام إلا أني أحبك قال: أنت مع من أحببت. ذكر له أن هذه عبادة عظيمة تتمسك بها. وفعلاً جرّبها شيخي ألقِ محاضرة في أي مجتمع في أي مسجد عن قيام الساعة قطعاً سوف ترى أن هؤلاء الذين استمعوا لك تغيروا ولو جزئياً أو كثيراً. من أجل هذا أُمرنا أن نمعن النظر فيها وأن نطول الكلام فيها وأن نتلمس أسرارها وخفاياها أنت مكان ما تتعب نفسك بإصلاح نفسك تأمل في الآخرين تأمل في الموت “كفى بالموت واعظاً” فما بالك بما بعد الموت أنت وصلت إما إلى جنة وإما إلى نار. ولهذا هذا الحديث “والله إني لرسول الله وما أدري ما يُفعَل بي” يا الله! الأنبياء هناك يجثون على الركب من الهول! إذاً عليك أن تعلم بأن هذا اليوم آتٍ وأن من حسن حظكم أيها المسلمون والله ليس لكم فيه فضل إنما لله عز وجل وهو أنكم أهل لا إله إلا الله. هؤلاء العلماء طول التاريخ كما قال الدكتور نجيب علماء ومفكرون وفلاسفة ما فيهم أمة ولا واحد انتبه أن الله واحد لا شريك له، أنت فقط المسلم لماذا؟ ولهذا يقول رب العالمين (قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ) فما دمت أنت بهذا قد اجتزت العقبة الرئيسية الأولى، ل”ا إله إلا الله” الضمان الأكثر تأكيداً والباقي فروع. تأمل في كل نصوص الإسلام إذا كنت مصلياً واجتنبت الكبائر انتهينا، أنت ضمنت الشفاعة وضمنت المغفرة ولهذا يقول تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) النساء) أنت بـ”لا إله إلا الله” أصبحت مؤهلاً وليس فقط “لا إله إلا الله” أنت الوحيد وهذه الميزة الأخرى لهذه الأمة الوحيد على وجه الأرض الذي لا تفرق بين نبي ونبي، ما هذا التفوق الأخلاقي العقائدي العظيم؟! لماذا أنت؟! هؤلاء الآخرين الذي يعبد الصنم والذي يعبد بوذا أو غيره وليس في باله هذه الأشياء ما معنى أنت تشغلك أربع وعشرين ساعة (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) البقرة) عندك موسى وعيسى وإبراهيم وإسماعيل ومحمد بنفس المعيار ولو قلت أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله لكن عيسى ليس نبياً فلا قيمة لكل هذا، أنت خالد في النار. ما هذه العظمة؟! أنت الوحيد، تعال انظر ماذا فعل بنا هؤلاء الغربيين وليس فقط الغربيين بل كل الأعداء من صور مسيئة قذرة وتطاولات تدل على قلة أدب وقلة ذوق وقلة إنسانية أيضاً، استهزاء، وأنت الوحيد تتكلم قال سيدنا موسى وقال سيدنا عيسى عليه السلام في الحديث “من شهد أنه لا إله إلا الله وإني رسول الله وأن عيسى كلمة الله ألقاها إلى مريم دخل الجنة وإن زنى وإن سرق” لماذا أنت بهذا السمو العقائدي؟؟ تنظر للمسيحي بنظرة إيجابية ولليهودي هذا اليهودي على كل الذي يفعله فيك أنت ما عندك مشكلة معه، أنت أسماؤك كلها أسماء مسيحيين ويهود، اسحاق ويعقوب وإبراهيم وداوود الخ، هذا التفوق الأخلاقي من أين جاءك؟؟ فعلاً (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) آل عمران). إذاً ما عليك إلا أن تنتبه، اِجتنب الكبائر وإذا ارتكبت كبيرة بسرعة تُبْ، تذهب ولا تبقى. وتحدثنا في الحلقة عن الذين بُعِثوا بعد الموت أحدهم قال والله كل كبيرة ارتكبتها وتبت منها وجدتها ممسوحة والله قال (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) الفرقان)
الدكتور نجيب: شيخي أول ما بعثتني الدولة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإستكمال الدراسة وبدأنا بدراسة اللغة وطلب من كل منا أن يتكلم في مجال تخصصه فأنا تكلمت عن نظرية الثواب والعقاب بين الشريعة والقانون وذكرت أن العقاب عندنا غير مقصور على الدنيا لأن إحتمال الإنسان يتهرب من عقاب الدنيا ولذلك هناك مراقبة من الله تعالى ثم من ضميره فيراعي حقوق الناس ولا يعتدي عليهم. فسُئلت ما الدليل على اليوم الآخر؟ فتذكرت أني قرأت لأحد المفكرين يقول لو أن أحدنا إجتاز طريقاً ورأى مائة شخص يلهثون من العطش فسقى كل واحد منهم ونجاهم من الموت فمن الذي يستطيع أن يكافئك على هذا الأمر؟ لا أحد يستطيع أن يكافئك لأنك نجيته من الموت، (من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) كذلك لو أن شخصاً قتل مائة تفس عمداً (من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً) من الذي سيعاقبه؟ ممكن أن يعاقب مرة واحدة ويُعدم، ما الحكم بالنسبة للتسع والتسعين شخصاً الباقين؟! فلا بد أن يكون هناك العقل البشري رب يحاسب الناس ويعاقبهم على قوانين أخرى غير هذه القوانين الموجودة في هذه الدنيا. وبعد المحاضرة مباشرة جاءتني طالبة وقالت أنا اقتنعت بالكلام الذي قلته فهذا كلام مقنع بالفعل لا بد أن يكون هناك عالم آخر وبأن لا يترك الناس سدى بهذه الطريقة.
الدكتور الكبيسي: ولهذا يا سيدي الكريم كلما تمعنت وتأملت في هذه الآيات التي تتكلم عن العالم الآخر تصل إلى حقيقة مفادها أنك أنت لا بد أن تكون على هذا الباب، فعلاً اِعمل لآخرتك كأنك تموت غداً واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، وحينئذٍ هذه الإزدواجية الحكيمة.
نرجع ونقول الذي يحيرنا أن الأحاديث والآيات في هذا الباب وقعت الآن في أيام وشهور وسنوات يعني هذا الهرج القتل، القتل، القتل، هذا شاع الآن بشكل خيالي هذا القتل الشديد سواء كان قتل دول أو أفراد أو ما شاكل ذلك ناس تقتل عقائدياً وناس تقتل حزبياً وناس تقتل فئوياً وناس تقتل تعصباً كل هذا قد حدث لأول مرة بهذا العنف وهذه السعة. كذلك أيضاً انتشار أسلحة الدمار الشامل كما يسمونها سابقاً المعارك بالسيف في السنة تقتل لك مائة واحد أما الآن كل قصف ألف وألفين وستة آلاف هذا كله جديد. ثم كما في الأحاديث الكثيرة الغارات التي تقع على دول مع بعضها أو بدولة واحدة هذه الإنشقاقات الدولية بدأت تنتهي. ثم من علامات الساعة تزول الدول يعني الناس فوضى لاحظ الآن ما يجري في العالم العربي فعلاً تختفي الدولة وتصير عصابات وقتول وكل واحد بدعوى هذا بدعوى دينية وهذا بدعوى قومية وهذا بدعوى أممية وهذا بدعوى عصبية وتحيز لهذا أو لذاك والكل يقتل بدم بارد وكأنه يقتل عدواً أُمرنا بقتله ولا يدري لمَ يقاتل “حتى لا يدري القاتل لمَ قتل ولا المقتول فيمَ قُتِل” هذا لم يحصل إلا في هذه الساعة. ثم هذا الرويبضة الذي يحكم دولاً وهو لا يعرف شيئاً مثل ما قال أميّ، جاهل، مجهول الأصل، غير معروف الأب والله شيخي حكمونا ناس حكماً في غاية القسوة ولا يعرف شعبه من هو أبوه ومن أين جاء! من علامات الساعة فتن وكما قال صلى الله عليه وسلم صبّحتكم مسّتكم فهي فعلاً على الأبواب ولهذا لا بد أن تستعد واستعدادك ما يلي:
أولاً خذ بالك من الصلاة والجنة تراها أحياناً سهلة جداً جداً مثل ما قال سيدنا عمر “لو لم يدخل الجنة إلا واحد لرجوت أن أكون أنا” لأنها سهلة جداً.
الدكتور نجيب: قضية الإستعداد الدائم يحتاج أن توفي هذا الموضوع حقه بعد هذا الفاصل إن شاء الله
———–فاصل——–
د. نجيب: نعود إلى الاستعداد الدائم والمراقبة المستمرة
الدكتور الكبيسي: لأن هذه الأيام ثمينة من حيث ما يلي: أن الجرائم فيها مُهلِكة والعقائد تزيغ والدعاوى كثيرة والفِرَق تسعى في نشاطها الهدّام واستساغ المسلمون دماء المسلمين بحجة تكفير ولهذا عليك أن تعرف بأنك أنت الآن في هذا الخضمّ عليك أن تتبع الطريق الواضح المتأكد منه وهو الحد الأدنى أن توحِّد الله عز وجل وعندك الأركان الخمسة وأن تجتنب الكبائر وما بعدها أَمَلُك بالله وبالدعاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم رب العالمين سبحانه وتعالى يُدخل الناس الجنة بالدعاء. ولذلك علينا أن نعرف بأن هذه المرحلة القادمة تبدأ بنفختين. الإشكال الذي وقع فيه المسلمون إلى هذا اليوم المصطفى يقول صلى الله عليه وسلم “ما بين النفختين أربعون” ولم يقل أربعين يوم أربعين ساعة، أربعين سنة، ما نعرف ولكن هي طبعاً بينهما، هذه النفخة قد لا نشعر بها. تفاصيل يوم القيامة فعلاً مرعبة لأن كلها أشياء من التي ليس في وسع العقل البشري الآن أن يدركها ولذلك الناس عليهم أن يحذروا هذا اليوم الذي سيأتي حتماً وقد يكون بعد ساعة فهي أقرب إليك من شِراك نعلك فعليك أن تنتبه ولا تغرنّك الدنيا لأنه ليس هناك عمل بعد ذلك فعلينا أن نعرف بأننا قادمون. على ساعة المحشر النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا “يحشر الناس حُفاة عُراة غُرلاً” يعني غير مطهرين كأنك أنت مولود الآن، قالت عائشة رضي الله عنها: الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: الأمر أشد من أن يهمهم ذلك. يا الله! ذلك اليوم الفزع الأكبر! من ينظر إلى الآخر؟!! وهذا حديث متفق عليه عند البخاري ومسلم. أنت يوم القيامة من الرعب والفزع في ساعة ما ساعة الصيحة بحيث لا تنظر إلى من هو بجانبك (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) عبس).
د. نجيب: وترى الناس سكارى وما هم بسكارى
د. الكبيسي: نعم، ترى أنت وحدك. وعن تبدل السموات والأرض يوم القيامة يقول عن سهل بن سعد في الحديث المتفق عليه في البخاري ومسلم يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقُرصة نقي ليس فيها عَلَمٌ لأحد – وفي رواية: ليس فيها معلَم لأحد-. يعني الأرض يوم القيامة كهذه الورقة البيضاء لا فيها معلم ولا شاخص، أرض المحشر. وحينئذٍ الناس فيها حفاة عراة غرلاً هناك هذا يوم الفزع الأكبر وعليك حينئذٍ أن تعرف أن ما يؤمنك هناك هذه “لا إله إلا الله محمد رسول الله وتوابعها” ثم إياك من أمرين: أن تقتل إنساناً بغير عذر وخيانة الأمانة وكلاهما مهلِكة. ولذلك على المسلم أن ينتبه لتصرفاته وأن لا تغرّه الدنيا فالدنيا غرارة كما قال سيدنا عليّ: إليك عني غُرّي غيري. غرّارة جداً فإياك أن تتساهل بأمرين أن يكون عندك أمانة وحتى إذا كان عندك أمانة وضيّعتها وأنت معذور، ضيّعتها، سرقها أحد الناس، أو قلت لفلان أوصلها وما أوصلها أنت المسؤول أنت الذي خنت الأمانة فعليك أن تعلم بأنك يوم القيامة محاسب لا تدخل الجنة ولا ينتهي الحشر بالنسبة إليك إلا تروح تؤدي الأمانة (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) المدثر) صعوداً هذا جبل تصعد فوق وتنزل كلما تصعده تطيح مرة ثانية إلى أن تؤدي الأمانة. فإذا رب العالمين جعلك من أهل القبلة ولما تكون من أهل القبلة يعني تصلي وتصوم ثم لم تقتل أحداً ظلماً ثم لم تضيع أمانة أئتُمنت عليها ولهذا غير مستحب واحد أن يؤتَمن. كان أصحاب النبي يتدافعون ثلاثاً الأمانة والفُتيا والوديعة والإمامة كلها والناس يتقاتلون عليها اليوم وما أكثر ما تُجحد! ولهذا إن هذا اليوم آتٍ ووالله إن ما بعده أصعب منه ولكن إذا عبرت الصراط هناك يبدأ عالم جميل، نعيم لا يمكن لعقلك أن يدركه وسوف ترى رحمة الله هناك إذا خلوت من هذه الذنوب الكبيرة القتل ولا تنسى عقوق الوالدين لا ينفع معها عمل عقوق الوالدين والقتل ونكران الأمانة لا ينفع معها عمل صالح. فيما عدا هذا أبشِر برحمة الله عز وجل، أبشِر بالذي يقول “ليرحمن الله الناس رحمة يوم القيامة يتطاول لها إبليس” ما تعرف ماذا تعني “لا إله إلا الله محمد رسول الله” يوم القيامة شيء عجب، تأثيرها خيالي! حينئذٍ أنت من أهلها والحمد لله بسهولة ويسر ورثتها عن أبيك وأنت مصدِّق بها وما عليك إلا هذه القبلة صلِّ ولو بالحدّ الأدنى ثم تجنّب هذا الذي قلناه من خيانة الأمانة وعقوق الوالدين وقتل النفس والباقي رحمة الله تسع كل شيء كما تحدثنا في رحمة الله سبحانه وتعالى (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) النساء). إذاً عليك أن تذكر الآن وتأمل لما تقرأ القرآن طبعاً كمسلم لازم في كل شهر تختم القرآن ولو ختمة حتى في شهرين وحينئذٍ تأمل لما تقوم القيامة يا الله! تأمل “وهم يصطرخون فيها” تأمل تأمل تريليون إنسان في وادي كلهم يصرخون في آنٍ واحد كصراخ من يعذّب تعذيباً شديداً، صراخ يهزّ الدنيا، تصور كل أهل النار وهم بالتريليونات يصرخون صراخ واحد، تأمل هذا المنظر واحد منها! وفي الحديث عن أنس رضي الله تعالى عنه يقول: إن رجلاً قال: يا رسول الله قال الله تعالى (الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم) يُسحبون سحباً، يا رسول الله أيُحشر الكافر على وجهه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس الذي أمشاه على رجلين في الدنيا قادر على أن يمشيه على وجهه؟ وبالتالي تخيل المنظر أمامك ملايين الناس يجرون إلى جهنم من أقدامهم وعلى وجوههم ويدعّون إلى النار في جهنم دعّاً، مأساة! وما عليك إلا أن تنتهج أنك في هذه الدنيا وإياك وهذه النار التي لا ينفع هناك ندم ولا بكاء أولاً حاول أن تبقى من أمة محمد إياك أن تكون مفصولاً، الذي ما يصلي مفصول لماذا؟ ما تصيبك الشفاعة والشفاعة لأهل الكبائر. واحد من الصالحين فلان الفلاني ارتكب كبيرة ونسي أن يتوب منها ما تاب، هذه مصيبة يوم القيامة لكن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع له قال “إن شفاعتي حق لأهل الكبائر من أمتي” أمتي يعني يصلي، ما يخون الأمانة، ما يعقّ الوالدين، لا يعتدي على الناس، حاكم عادل، موظف مستقيم، لسانه نقي، وحينئذٍ هذا مرشح بأن يشفع النبي له صلى الله عليه وسلم ما لم يرتكب قتلاً أو عقوق والدين أو من هذه الذنوب التي قلناها لكم
د. نجيب: “إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك!” والنبي صلى الله عليه وسلم يجرّهم والملائكة تمنعه والعياذ بالله!!
د. الكبيسي: إذاً الأمر صعب جداً وميسّر على من يسّره الله. اِلتفت حولك كم واحد من معارفك قتل إنساناً ظلماً؟ يمكن ما تعرف ولا واحد، والحمد لله رب العالمين أحمد الله على هذا. كم واحد منكم ضرب أبوه أو ترك أباه جوعان ما عنده أكل؟ وما هو برّ الوالدين؟ توفر لهم حاجات اليوم طعام شراب ملابس. هل رأيت أحداً رمى أباه وما أعطاه طعاماً؟ ما في مثل هذا، أمة مباركة. إذاً عليك أن تكفّ اللسان عن الكبيرة عن الغيبة وبالتالي إياك وأعراض النساء وهذه الأشياء التي أصبحت ليس فقط حراماً وإنما عيب أيضاً.
الدكتور نجيب: الآية الأولى وهي من أوائل ما نزل في سورة اقرأ (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) العلق) والآية الثانية من أواخر ما نزل (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) البقرة) ما السبب أن أول الآيات وآخرها تتكلم عن الرجعى؟
الدكتور الكبيسي: لأن هي المبدأ والمنتهى، فأنت من ساعة ما تولد اِعتبر نفسك أنت ميت ولهذا يا سيدي الكريم هذه الدنيا سوف تلغى من عقلك الباطن للأبد. قبل الموت ساعة الإحتضار تنسى أنك كنت في الدنيا لتفاهتها أنا لما أرجع لطفولتي الآن كأنها أسبوع ما لها قيمة، خيال! يقول عليه الصلاة والسلام عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (يوم يقوم الناس لرب العالمين) هذه من أهوال يوم القيامة قال: يقوم أحدهم في رَشَحِهِ إلى أنصاف أذنيه. هذا المحشر فيه مآسي وعليك أن تحرص إذا كنت من أهل الحرص أن تدخل الجنة بدون حساب لأن “من نوقش الحساب هَلَك” إذا تأخرت في ساحة المحشر وصار حساب تتعب أنت مرتكب جريمة بحيث لا بد أن يحاسبوك والحساب في حدّ ذاته هلاك “من نوقش الحساب هَلَك”. من أجل هذا كما في البخاري ومسلم قال علينا أن نعمل بحيث ندخل الجنة بغير حساب. أحاديث أهوال يوم القيامة مرعبة نسأل الله العفو والعافية. “إن الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة يقول يا رب أرحني ولو إلى النار” كم أن هذه ساعة المحشر صعبة يقول خذوني إلى النار، خلّصوني. ولهذا شيخي دخول الجنة من غير حساب أعجوبة وهذا إذا كنت من أهل رمضان ومن أهل القبلة وما ارتكبت كبيرة أو ارتكبت وتبت وليس من بينها قتل ولا عقوق والدين بإذن الله أنت ناجي وهو يسير على من يسّر الله عليه فليس في وسع الإنسان أن يدخلها بنفسه. عن عائشة رضي الله عنها تقول أنها كانت تقول في الحديث المتفق عليه قال صلى الله عليه وسلم “سددوا” يعني أنت الذي عليك الدين صلاة وصوم “وقاربوا” يعني أنت لن تصير صالحاً بالمائة مائة لكن تقترب قليلاً من الصالحين. “وأبشروا فأنه لن يُدْخِلَ أحدٌ الجنة عملُه”. فالجنة ليست بعملك لكن أنت قارب لا ترتكب الكبائر. قالوا: ولا أنت؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته. كيف تدخل إذا لم يكن بالعمل؟ قال بالدعاء. إذاً قل يا رب أسألك الجنة ولهذا في الحديث الصحيح إذا أحدٌ قال صباحاً اللهم إني أسألك الجنة سبع مرات ونحن نقولها الصبح قالت الجنة: اللهم لقد سألك فأجِبه. ولهذا عليك أن تعرف أن هذه العبادات إن الله غني عنها فاستمطر رحمة الله بكثرة الدعاء (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) غافر) الدعاء مخ العبادة ولذلك والله من دخل النار لا يلومنّ إلا نفسه. فهذا الحديث متفق عليه قال: “ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته”. اِستمطر رحمة الله بالحنان، بحسن المعاملة، بالذكر، فالذكر أعجوبة العجائب سواء كان ذِكْرٌ لوحدك أو مع جماعة، هذا الذكر “ذهب الذاكرون بكل خير”. والله رب العالمين أعطانا بدائل بالآلاف تعجب واحد لماذا يدخل النار؟! كل هذا وأنت ما عملت لك ولا واحدة!! إياك فقط أن تعقّ الوالدين أو أن تظلم أحداً، الظلم ظلمات يوم القيامة وإياك والبغضاء فهذه كبائر قد ما تغفر “دبّ إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هي الحالقة” وما أكثر البغضاء اليوم وخاصة بين أهل الدين! في المسجد واحد بجوار آخر لا يسلِّمون على بعض، هذا بلحية طويلة وهذا ثوبه قصير وهذا العبث وهذه صلاةٌ تركها أفضل لأنك أنت ما دمت في المسجد وبجوارك واحد تكرهه أو تحقد عليه أو تغتابه والله لو تصلي مليون سنة لا قيمة لذلك!.
د. نجيب: نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينجينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يعيذنا من النار ويجعلنا من أهل الجنة وممن يتذكرون الآخرة صباح مساء. باسمكم جميعاً أتقدم بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ الجليل الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله ورعاه داعين المولى سبحانه وتعالى أن يتم نعمته عليه في الدارين وأن يوفقنا لاتمام هذه الحلقات والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 28/9/2012م وطبعتها الأخت الفاضلة نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها
———————-
الحلقة 167 (28-9-2012)