الحلقة 12:
تابع الكلمات المتشابهة في القرآن الكريم:
نحاول في هذه الحلقات أن أخرج شيئاً بسيطاً من كنوز القرآن الكريم التي سحرت العرب حتى تمسع صنديداً من صناديد قريش يسمع القرآن فيخّر ساجداً والكثير من زعماء القبائل العربية دخل الإسلام خضوعا للإعجاز في القرآن مثل الطفيل بن عمر الدوسي وليس بالسيف. هذه الكنوز وهذا الإعجاز له صور كثيرة منها القصص وقد سبق وتحدثنا عنها ومنها ما نجده في كل كلمة وحرف وآية وسورة وترتيب الكلمات. بدأنا الحديث في الحلقة السابقة عن الترادف في القرآن أي كلمات متشابهة معانيها مختلفة وتحدثنا عن الفرق بين الأمن والأمنة والكُره والكَره وفي هذه الحلقة نتوسع في هذا الموضوع.
من الكلمات المترادفة المتشابهة في القرآن:
السِلم والسَلْم والسَّلَم.
هذه الكلمات الثلاث مشتقة من كلمة السِلم أي السلامة من الآفات الظاهرة والباطنة كما قال الأصفهاني. ووردت كل كلمة منها في سياق يختلف عن سياق الأخرى ولذلك حتى نفهم كلمة في اللغة أو في القرآن يجب أن نرى السياق الذي وردت فيه الكلمة. ولو تأملنا هذه الكلمات في القرآن سنجد أن لكل واحدة معنى خاص بها بحسب السياق الخاص بها. السِلم والسَلْم والسَلَم كلمات متقاربة في الشكل والحروف وحتى في الحركات ولكن بمعاني مختلفة وقد سببت بعض المشاكل في السلام ومعاني السلام واستخدامها.
السِلم: السِلم وردت في القرآن مرة واحدة (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السِلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدوٌ مبين) آية (208) من سورة البقرة. المقصود هنا بالسِلْم ليس السلام والحل السلمي مع اليهود بل يتحدث عن الإسلام أي يجب أن نأخذ الإسلام كله بشموله وعمومه فهو دين دولة وجهاد وتشريع وهو بدوره سيحقق السلام. (كافّة): أي أن تظهر آثار الإسلام على جميع نواحي حياتنا وان تأخذ جميع المؤسسات بكل مرافقها وهيئاتها بالالتزام بالإسلام الصادق الجادّ وهذا سيؤدي إلى السلام فالالتزام بالدين الإسلامي هو الذي سيؤدي إلى السلام وكما قال الله تعالى: (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)، (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين (15) يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)، سورة المائدة). إذن هذا معنى السِلم ليس لها علاقة بالحل السلمي بل له علاقة بالأمان والاطمئنان الكامل الناتج عن الإسلام.
أما السّلْم عندما يميل أحد فريقي المعركة إلى الاستسلام يسمى السّلْم، إذن السَلْم هو الميل إلى الاستسلام وقد وردت في القرآن مرتين وكلاهما في سياق القتال بين المسلمين والأعداء:
(وان جنحوا إلى السّلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع العليم) الآية (61) من سورة الأنفال. معنى السّلْم الميل إلى الاستسلام وتتحدث الآية هنا عن الكفار فإذا بدأوا يشعرون بالهزيمة أمام المسلمين وأعلنوا خضوعهك يكونون قد مالوا إلى الاستسلام بسبب هزيمتهم. في هذه الحالة يجوز للمسلمين أن يستجيبوا لجنوح الكفار للإستسلام وعندها يفاوض المسلمون على كيفية الاستسلام والمساومة.
وفي المرة الثانية: (فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم) آية (35) من سورة محمد. الآية تنهى المسلمين عن السَلْم. إياكم أن تبادروا أنتم إلى عرض الإستسلام لأنكم الأعلون. كلمة: (لا تهنوا) هنا سبقت كلمة السّلْم فإذا قرأنا الآية قبل الآية الأولى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) يتحدث الله فيها عن إعداد ما استطاع المسلمين من قوة ورباط الخيل وبعدها (يا أيها النبي حرّض المؤمنين) نرى أن ليس فيها دعوة للاستسلام والحل السلمي لكن إذا شعرنا أن العدو جنح للإستسلام فلا مانع أن نفاوضهم على شروط إستسلامهم ولكن لا نذهب نحن للسّلم فكلا الآيتين تشير إلى قوة المسلمين وعزتهم وعدم استسلامهم وعدم الضعف والهوان وإنما هو استسلام الأعداء.
إذن السِلم أي الإسلام والسَلْم هو الميل للإستسلام وطلب الكفار المقاتلين الإستسلام أثناء المعركة، بدأوا ينهزمون وأرادوا أن يستسلموا فلا مانع وهذه الدعوة للمسلمين هذه الدعوة للمسلمين تنبهنا كيف وانتم مسلمون تهنون وتذعنون وتستسلمون للأعداء والحق معكم والله معكم؟ كيف يخضع أصحاب الحق لأصحاب الباطل؟ نهت الآية عن هذا السَلْم والاستسلام وحرمته على المسلمين أما إذا إستسلم الكفار فلا مانع. وفي الآية الثانية نهي عن الوهن والضعف.
أما السّلَم فقد وردت في القرآن خمس مرات مرتان في سياق الحرب بين المسلمين والكفار في سورة النساء.
في الآية الأولى تحدث عن استسلام الكفار للمسلمين استسلاماً عملياً تاماً فان حدث واستسلموا لكم أيها المؤمنون فلا يحق لكم أن تقاتلوهم وإنما عليكم الكفّ عنهم: (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤوكم حصرت صدورهم إن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا إليكم السّلَم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) آية (90) من سورة النساء، قوم لا يريدون القتال فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السَلَم فلا يحق لكم قتلهم بعد استسلامهم التام وإنما إقبلوا إستسلامهم.
الآية الثانية تقرر أن الكفار إذا لم يستسلموا للمسلمين فعلى المسلمين قتالهم أينما كانوا: (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة اركسوا فيها فان لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلّم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم واولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا) آية (91) من سورة النساء. فهم يدّعون بلسانهم أنهم يريدون السلام ولكنهم لا يفعلون ذلك عملياً لذلك على المسلمين قتلهم (فخذوهم واقتلوهم). إذن هو استسلام الكفار الذليل بين يدي المسلمين.
كما تستخدم هذه الكلمة بمعنى استسلام الكفار الذليل يوم القيامة وإلقائهم اللوم على شركائهم الذين أضلوهم وإستسلام الكفار للملائكة عند الإحتضار: (الذين يتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السَلَمَ ما كنا نعمل من سوء بلى ان الله عليمٌ بما كنتم تعملون) آية (28) من سورة النحل، إستسلموا للملائكة وللموت. والآية الثانية تتحدث عن إستسلام الكفار الذليل يوم القيامة: (وألقوا إلى الله السَلَمَ وضلٍِِّ عنهم ما كانوا يفترون) آية (87)من سورة النحل.،
إذن نلاحظ في التعبير عن السَلَم استخدام تعبير “ألقوا السَلَم” من الإلقاء وهو المبالغة في الاستسلام.
والمرة الخامسة التي أستُخدمت فيها الكلمة يتحدث عمن يخضع لغير الله ويتلقى معلومات متناقضةمن شركاء وبين من يتلقى أوامره من الله تعالى (ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لايعلمون) الآية (29) من سورة الزمر. يضرب المثل لمن يعبد آلهة متعددة ومن يعبد الله وحده ويأخذ أوامره من الله وحده دون غيره فيبين الله الفرق بين الاثنين.
إذن المسلم إنسان سلّم نفسه لله ودخل في السِلم أي الإسلام كافة شاملاً والناس كلهم مأمورون بالدخول فيه، والسَلْم هو الميل إلى الإستسلام وترك القتال وهي جعوة ليست للمؤمن وإنما للكفار ولا يجوز للمسلمين الدعوة إلى السَلْم، والسَلَم أي الإستسلام: إستسلام لله، للملائكة أو للمسلمين في خضوع كامل فلا يجوز للمسلمين الجنوح للسِلم إلا في حالة عزة فقط فإذا كنا ضعافاً نسلّم الراية للجيل الذي بعدنا ولا نستسلم اليوم.
معرفة الفروق بين الكلمات المتشابهة والمتقاربة هو كلام مهم لأننا سوف نقرأ القرآن بصورة مختلفة وهذا ينعكس على سحر القرآن. ومن الكلمات المتشابهة الأخرى في القرآن الكريم هي:
النعمة والنعيم
النعمة تدل على نعم الدنيا على اختلاف أنواعها وألوانها وهذا مضطرد في القرآن سواء استعملها مفردة أو جمع فكل كلمة نعمة تدل على نعم الدنيا: (ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فان الله شديد العقاب) الآية (211) من سورة البقرة. (وآتاكم من كل ما سألتموه وان تَعدوا نعمة الله لاتحصوها إن الإنسان لظلوم كفور) الآية (34) من سورة إبراهيم.
أما النعيم تأتي في البيان القرآني متلازمة مع الحياة الآخرة. (يبشرهم ربهم برحمةٍ منه ورضوان ٍوجنات ٍلهم فيها نعيم مقيم) الآية (21) من سورة التوبة، هذا السؤال سيكون في الآخرة. إذن النعمة في الدنيا والنعيم في الآخرة.
الحلف والقسم
حَلَفَ وأقسم في كثير من كتب التفسير لم يفرقوا بين هاتين الكلمتين:
(ويحلفون بالله إنهم منكم وملهم منكم ولكنهم قومٌ يفرقون) الآية (56) من سورة التوبة. (لو كان عرضاً قريباً أو سفراً قاصداً لأتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون) الآية (42) من سورة التوبة. ويحلفون بالله: هنا هم كاذبون وليس كلامهم بالصدق.
ولكن عندما يقول الله تعالى (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) فالله تعالى صادق في قسمه.
الحلف وردت في القرآن 13 مرة وورد القَسَم في كثير من الآيات وبشكل مختلف. والفرق واضح بين الآيات فكلما وردت كلمة حلف، يحلف، تدل على أن من يحلف كاذب وليس صادقاً في قوله بينما كلمة قسم أقسم والقسم فهو صادق.
زوج وأمراة
كلمة امرأة تختلف عن كلمة زوج وتستخدم في القرآن بدقة، كلمة زوج تستخدم للرجل والمرأة يقال فلانة زوج فلان. المرأة عندما تكون مؤمنة صالحة وتنجب تسمى زوجاً. وعندما تكون المرأة كافرة وسيئة الخلق ولا تنجب سواء بإرادتها أو دون إرادتها تسمى إمراة (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط)، سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما كانت امرأته لاتنجب قال عنها امرأة (وامرأته قائمة) وزكريا عليه السلام كانت امرأته سيئة الخُلُق فقال (وأصلحنا له زوجه) عندما أصبحت ذات أخلاق حميدة بعد أن كانت سيئة الخلق. فالزوجية علاقة حياة مشتركة الإيمان والأخلاق والإنجاب حياة زوجية متكاملة.
وإلى مزيد من هذه الكلمات في الحلقات القادمة إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.