في رحاب سورة
د. محمد صافي المستغانمي
قناة الشارقة – 1436 هـ
الحلقة – في رحاب سورة طه – 2
تقديم الإعلامي محمد خلف
تفريغ موقع إسلاميات حصريًا
محور السورة: العناية الإلهية بأنبياء الله سبحانه وتعالى وبعباده الصالحين
العناية الإلهية بالمرسلين وبالمدعوين تتبين في كل السورة منها أول آية (طه ﴿١﴾ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى ﴿٢﴾) عناية بمحمد صلى الله عليه وسلم وتسلية ومواساة له لأن المشركين كانوا يعيرونه أنه شقي بالقرآن
ثم موسى عليه السلام، الله تعالى يتكلم معه (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴿١٢﴾ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴿١٣﴾)
القرآن موجه لمحمد صلى الله عليه وسلم فقصص موسى مرآة لقصص محمد صلى الله عليه وسلم في كثير من التفاصيل فكان صلى الله عليه وسلم إذا ضاق ذرعا من قريش وكفرها وجد في القرآن سلوانا. لما تحدث الله مع موسى قال له (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) هذه رعاية عظيمة لموسى عليه السلام وايضا الرعاية لمحمد صلى الله عليه وسلم منذ كان وليدا كما رعى الله موسى موسى تابعت الرعاية الإلهية محمدا صلى الله عليه وسلم
أول حديث مع موسى عليه السلام قال (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) لم يقل إلهك؟ الله اسم العلم على الذات الإلهية يفيد الإلهية والألوهية، الله إله نعبده والله رب بحكم أنه يربي ويرزق ويلطف وقالها لموسى ليحذف الوحشة من قلبه والرب ليس من شأنه أن يشق على المحبوب، (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) فيها كثير من الرعاية والله جلّ جلاله رب وإله، رب لأنه هو الرزاق واختار لفظ الرب هنا لمناسبتها للعناية وفي مكان آخر اختار الله للتوحيد.
(وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) ثم قال (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴿٤١﴾) بدأها بأسلوب ثم ترقى في الأسلوب، اصطنعتك فيها زيادة في المعنى (على عيني) بالإفراد قالها لموسى وقال لمحمد (فإنك بأعيننا) كل ما ورد في حق موسى ورد في حق محمد قال في حق موسى (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى ﴿٣٧﴾ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ﴿٣٨﴾ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) هذا كلام لا يقوله إلا إله (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) ألقيت عليك غشاء من المحبة الإلهية محبة خارقة للعادة ليست عادية ولذلك زوج فرعون آسيا أحبته، والمحبة عادة لا تكون إلا بعد معايشة (قرة عين لي ولك ) هذا من فراستها، فقال لها فرعون لك أما لي فلا. (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) العناية الإلهية، موسى رسول ولكنه بشر وهارون بشر (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ﴿٤٥﴾) قال الله لهما (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴿٤٦﴾) هل يوجد عناية أكثر من هذه العناية؟
(وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى ﴿٧٧﴾) بنو إسرائيل عباد الله أيضًا (عبادي) إضافة تشريف. (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ﴿٨٠﴾) واعد موسى ولكن خوطب بنو إسرائيل بشخص آدم والله أعطى موسى التوراة لأجل بني إسرائيل
عناية بالمرسل إليه (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا) لفرعون، هل هناك عناية بالمربوبين أكثر من هذه؟
سأله الله تعالى (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴿١٧﴾) أجاب (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى ﴿١٨﴾) كان يكفي أن يقول هي عصاي فلماذا استطرد؟ غرابة السؤال اقتضت من موسى أن يجيب هذه الإجابة. طمأنه الله في البداية (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴿١٤﴾) وبعدها سأله (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) المفترض أن يقول عصاي، لكنه قال هي عصاي وظن موسى أن الأمر لا يحتاج إلى حقيقة العصا وإنما ذهب إلى وظيفتها ظنا منه أن الله يعلم بعصاه فجاء الجواب بهذا الإطناب تلذذا بالخطاب، إذا تكلمت مع محبوبك تطيل الحديث.
بداية القصة الله سبحانه وتعالى يتحدث عن قصة موسى ليس بهذه البداية (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)طه) المخاطب هو النبي صلى الله عليه وسلم وفي سور أخرى يقول (وَإِذْ قَالَ مُوسَى 5 الصف) (واذكر) السؤال هنا ليس على حقيقته ليس استفهاما يريد من ورائه الفهم الاستفهام يكون إما للحقيقة ويكون لأمور أخرى منها الإنكار ومنها التشويق هنا وهذه بداية عظيمة (هل) في السؤال تفيد التوكيد مثل (قد) وتفيد التشويق وتتناسق مع السياق العام لسورة طه التي ورد فيها اسئلة عديدة (أخت موسى دخلت القصر بعد أن تتبعت موسى قالت (هَلْ أَدُلُّكُمْ 12 القصص) فيها تأدب ولطف وتشويق، وآدم مع إبليس وردت القصة في عدد من السور (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) طه) لم يرد هذا السؤال في اي سورة، الأسئلة فيها عناية وهي تتشكل وفق محور السورة التلطف هنا لأن سياق السورة يقتضي ذلك. ( فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) طه) وفي أماكن أخرى قال ثعبان ومرة كأنها جانّ فما الفرق بينها؟
لكل سورة قالبها اللفظي وأسلوبها وألفاظها المختارة وطريقة بناء الجمل. سورة طه سورة طمأنة وإدخال السرور على قلب موسى ومحمد فاستعمل حية من الحياة أما الثعبان فهو مخيف ذكرها في سورة الشعراء في مناظرة فرعون والسحرة مع موسى الثعبان يلقف ما يأفكون. أنسب الألفاظ في سورة طه (حية) في الشعراء والأعراف فيها مبارزة عبر بالثعبان في سورتي النمل والقصص أراد الله إثبات بشرية موسى يخاف (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31)القصص)( كَأَنَّهَا جَانٌّ) صغار الحيات التي تهتز بطريقة مخيفة تتقلب بسرعة شديدة الحركة وهذه تخيف أكثر (ولى مدبرا المرسلون) في سياق الخوف الجان أولى وفي سياق المناظرة الثعبان أولى.
كل لفظ في القرآن اختير بعناية تتناسب فلما تجد بعض المفردات لما ضرب موسى الحجر بعصاه (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ60 البقرة) وفي الأعراف (إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ 160 الأعراف) الانفجار أكثر والانبجاس أقل سياق سورة البقرة سياق الإنعام على بني إسرائيل وافقه الإنفجار وفي الأعراف سياق المعاصي وآثام بني إسرائيل فوافق (الانبجاس) الفخر الرازي قال الذي استسقى في البقرة هو موسى فأجابه الله (انفجرت) وفي الأعراف بنو إسرائيل هم الذين طلبوا الاستسقاء فقال (انبجست). البيان القرآني يختار لك لفظة تناسب سياقها.
ثم يذكر الله تعالى المعجزات التي أعطاها لموسى عليه السلام (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى ﴿٢٢﴾) استعارة تصريحية شبه يده وعضده بالجناح وذكر الجناح وإذا ذكر المشبه به تكون الاستعارة تصريحية عبر وأراد ما تحت ابطه. بيضاء بياض غير عادي بياض مثل القمر يتلألأ لكن حتى لا يظن أن هذا البياض من مرض كالبرص قال من غير سوء وهذا ما يسميه البلاغيون بالاحتراس وهو أن يأتي المتكلم البليغ بجملة تفصيلية تجعل القارئ يفهم المعنى المراد لأنه عقل المخاطب قد يهب بعيدا ويكون فيه التباس والاحتراس في القرآن كثير مثال (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)البقرة) لو وقف عند (عن دينكم) قد يأتي وهم في ذهن المخاطَب أنهم يستطيعون فجاءت جملة (إن استطاعوا) احتراس لأنهم لا يستطيعون زحزحة المسلمين عن إيمانهم. مثال آخر (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)محمد) الماء إذا كان راكدا أسن خمر الدنيا فيها مرارة وعسل الدنيا فيه شوائب واللبن في الدنيا يتغير طعمه قال المفسرون هذه الآية من أعظم آيات الاحتراز حتى لا يقع المخاطب بالوهم، فيكون هناك تجلية للكلام.
(قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴿٢٥﴾ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴿٢٦﴾) ما دلالة تكرار (لي)؟ وما دلالة ورود (لي) في الجملتين؟ هل هي زائدة؟ يمكن أن نقول اشرح صدري.
توقف البلاغيون عندها، عندما يبدأ الكلام بالإجمال ثم يفصل هذا أفضل لما قال (اشرح لي صدري) علم المخاطب أن شيئا مشروحا لكن ما هو؟ صدري تبين الإبهام قبلها، لو قال رب اشرح لي يعطي إبهاما ثم قال (صدري) تبين الأمر وتفسره هذا البيان بعد الإجمال من أروع ما يكون (وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين). (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ﴿٢٧﴾ يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴿٢٨﴾ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ﴿٢٩﴾) لم يقل واحلل لي، تسمى لام التبيين من فوائدها أنها تبين، (لي) تبيّن، للمنفعة الشخصية، كان موسى مكدرا لما يحيط به فقال يا رب وسع صدري واجعلني قويا ولكنه قال واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، ليس من أجلي أنا يا رب أنا راض بما أعطيتني يا رب ولو كان في لساني حبسة ولكن احلل عقدة من لساني يفقهوا هم قولي. لا يوجد زيادة في القرآن. نلاحظ في هذه الآية أن موسى طلب من ربه أن يشرح له صدره وأن يجعله قويا ثابتا ويزيل عنه كل المكدرات (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) ومحمد صلى الله عليه وسلم منّ الله تعالى عليه بشرح الصدر قبل أن يطلب (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)الشرح)، قال موسى (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)طه) قال لمحمد (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)الضحى)(وقال له (لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)طه) قال موسى في سورة القصص (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)القصص) وقال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)الضحى) لو درسنا القرآن دراسة متفحصة دقيقة لوجدنا في القرآن ثناء على محمد صلى الله عليه وسلم بطريقة عجيبة.
قال سبحانه وتعالى بعد أن ألقت أم موسى موسى في اليم (فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ (40)طه) وفي القصص (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ (13)القصص) هل هناك فرق بين الرد والرجع؟
في سورة الكهف ذكرنا (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي (36)) لأن الثوب اللغوي لسورة الكهف قد بني ونسج من ألفاظ معينة منها الردّ وهنا (ورجعناك) لأن السورة فيها الرجع (فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ) (فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا) (أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴿٨٩﴾) (قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ﴿٩١﴾) في سورة القصص (رددناه) لأن في السورة (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ (7)القصص) تناسق عجيب في الألفاظ واللفظان متقاربان ولكن القرآن ينتقي ما يتفق مع السياق وفي آخر القصص قال (لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ (85)القصص) هذا من النسيج اللغوي للسورتين.
(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37)طه) ما الداعي أن يذكر الله سبحانه وتعالى موسى بقتله مع العلم أن هذه الفعلة غير مستحبة هل هذا يتسق ذلك مع نسق الرعاية في السورة؟
(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى ﴿٣٧﴾ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ﴿٣٨﴾ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴿٣٩﴾ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) ثمة شيئا، الشيء الأول: منّ الله عليه من فرعون لأن الذي قتله موسى كان قبطيا ومان فرعون يفضل الأقباط على الإسرائيليين وموسى لم يكن يقصد قتله وهو قتل عمد لكن ضمير موسى يؤنبه لأن الأرواح لها عصمة. امتن الله عليه قال (وَقَتَلْتَ نَفْسًا) حتى يجعل موسى يفكر مليًا في فعلته، تذكيره عندما ضخّم الأمر في البدياة حتى يشعر موسى بفظاعة الجريمة ومنّة الله تعالى عليه. ولقد مننا عليك وأنجيناك من الغم، لكن لو قال ولقد مننا عليك إذ قتلت، يقول العلماء أين ذهب دم الإنسان المعصوم، سياق المن والرعاية نعم لكن الله لم يرد أن يذهب دم القبطي وهذا يسمى الإدماج، أن تريد هدفا وتدمج معنى آخر، أدمج الله شيئا من الهم والغم في قلب موسى حتى يتذكر وكأن القرآن عاقبه بطريقة غير مباشرة فإن أفلت من فرعون فالله فتنه من هم وغم الاقتصاص فخرج منها خائفا يترقب ويتربص. رعاية لهذه النفس أدمجها أثناء المن على موسى، لم يشأ الله تعالى أن يذهب دم القبطي هباء فجاء نوع من الهم والغم والافتتان لموسى (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا (40)طه) والفتون هنا فتن مرة بها موسى على وزن فعول سعيد بن جبير كان تابعيا سأل ابن عباس فقال له ما معنى فتناك فتونا فقال ابن عباس تذكر موسى فقال له ولد موسى وفرعون يقتل الأبناء وتلك فتنة يا ابن جبير، رمته أمه في التابوت وألقته في اليم وتلك فتنة يا ابن جبير، همّ فرعون بقتله لما أمسك بلحيته وتلك فتنة يا ابن جبير، قتل نفسا بغير حق وتلك فتنة اصابه هم وهو هارب وتلك فتنة يا ابن جبير، بعد كل فتنة أخذ درسا وتغرب عن بلاده فكل غربة فيها آلآم ولهذا صنف موسى أنه من أولي العزم.
(فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴿٤٤﴾) هنا يقول قولا لينا وورد في القرآن قولا سديدا، كريما، معروفا، ما الفرق بينها؟
كلها متقاربة، وكلها صحيحة ولكن لا نقول انها مترادفة تعطي نفس المعنى، هنا احتاج فرعون أن يرقق قلبه مما قاله له 5موسى في سورة النازعات (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)النازعات) (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا (44)طه) دعاه في سورة النازعات واللين في الدعوة أصل من أصول الدعوة. (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)) كأن في الموقف مقابلة: قابلا طغيان فرعون باللين وديننا مبني على الليونة (ما كان الرفق في إلا زانه) اللين مطلوب مع رفعون ومطلوب في الدعوة.
مع الوالدين قولا كريما يحتاجان من ابنهما قولا كريما يبين لهم طيب العنصر وفي سورة الإسراء (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ (70)الإسراء) ومن تكريمك لوالديك أن تقول لهما قولا كريما. هذا تناسق! ابليس قال في غير موضع في القرآن (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)ص) وقال في الإسراء قال (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)) تناسب التكريم في الآية قبلها (ولقد كرمنا بني آدم) جاء الجواب يتناسب مع سياق السورة وسياق التكريم فيها. يختار الثوب اللفظي بما يتسق مع سياق السورة.
قولا سديدا في سورة الأحزاب، عندما قالوا في موسى كلاما خطيرا واتهامات فبرأه الله مما قالوا. عليكم أن تقولوا قولا سديدا، عندما اتهموا رسول الله صلهم وعندما يريدون أن يؤذوا رسول الله بكلامهم قال لهم الله قولوا قولا سديدا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله، فقولوا قولا سديدا.
(فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)طه) قال العلماء دأب الدعاة أنهم يدعون بالتي هي أحسن وبالقول اللين فالمدعو لن يكون في الطغيان أسوأ من فرعون ومع ذلك أمر الله موسى وهارون بأن يقولا له قولا لينا فما بالك بمن هو أقل من فرعون طغيانا؟!
(قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)) ووردت في الشعراء (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)الشعراء) هما رسولان بدليل (فاتياه) في سورة طه حضور مكثف لشخصية هارون من بداية السورة لآخرها (اتيا، اذهبا، قولا، ربنا إننا نخاف ، لا تخافا إنني معكما) على الرغم من أن موسى هو النبي وهارون يساعد موسى وهو وزيره، الزوجية ملحوظة في كل السورة وقصة هارون مع السامري هارون له حضور فقال (إنا رسولا ربك) أما في سورة الشعراء مبنية على الخطاب المفرد لموسى هو النبي الرسول وهارون وزيره، هو رسول واحد بحكم أن الرسالة واحدة لأن هارون بعث ضمن رسالة موسى برسالة واحدة.